تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 20 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836914 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379431 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191288 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2668 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 662 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 948 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1103 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 855 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #191  
قديم 13-05-2022, 10:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (191)
صــ441 إلى صــ 446



يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من [ ص: 441 ] ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم في سبب نزولها قولان .

أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هجر ، وعليهم المنذر بن ساوي يدعوهم إلى الإسلام ، فإن أبوا فليؤدوا الجزية ، فلما أتاه الكتاب ، عرضه على من عنده من العرب واليهود والنصارى والمجوس ، فأقروا بالجزية ، وكرهوا الإسلام ، فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما العرب فلا تقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ، وأما أهل الكتاب والمجوس ، فاقبل منهم الجزية" فلما قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت العرب ، وأعطى أهل الكتاب والمجوس الجزية ، فقال منافقو مكة: عجبا لمحمد يزعم أن الله بعثه ليقاتل الناس كافة حتى يسلموا ، وقد قبل من مجوس هجر ، وأهل الكتاب الجزية ، فهلا أكرههم على الإسلام ، وقد ردها على إخواننا من العرب ، فشق ذلك على المسلمين ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وقال مقاتل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب فلما أسلمت العرب طوعا وكرها ، قبلها من مجوس هجر ، فطعن المنافقون في ذلك ، فنزلت هذه الآية .

والثاني: أن الرجل كان إذا أسلم ، قالوا له: سفهت آباءك وضللتهم ، وكان ينبغي لك أن تنصرهم ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن زيد . قال الزجاج : ومعنى الآية: إنما ألزمكم الله أمر أنفسكم ، ولا يؤاخذكم بذنوب غيركم ، وهذه الآية لا توجب ترك الأمر بالمعروف ، لأن المؤمن إذا تركه وهو مستطيع له ، فهو [ ص: 442 ] ضال ، وليس بمهتد . وقال عثمان بن عفان: لم يأت تأويلها بعد . وقال ابن مسعود: تأويلها في آخر الزمان: قولوا ما قبل منكم ، فإذا غلبتم ، فعليكم أنفسكم .

وفي قوله: لا يضركم من ضل إذا اهتديتم قولان . [ ص: 443 ] أحدهما: لا يضركم من ضل بترك الأمر بالمعروف إذا اهتديتم أنتم للأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، قاله حذيفة بن اليمان ، وابن المسيب .

والثاني: لا يضركم من ضل من أهل الكتاب إذا أدوا الجزية ، قاله مجاهد .

وفي قوله: فينبئكم بما كنتم تعملون تنبيه على الجزاء .

فصل

فعلى ما ذكرنا عن الزجاج في معنى الآية هي محكمة ، وقد ذهب قوم من المفسرين إلى أنها منسوخة ، ولهم في ناسخها قولان .

أحدهما: أنه آية السيف .

والثاني: أن آخرها نسخ أولها . روي عن أبي عبيد أنه قال: ليس في القرآن آية جمعت الناسخ والمنسوخ غير هذه ، وموضع المنسوخ منها إلى قوله: لا يضركم من ضل والناسخ: قوله: إذا اهتديتم . والهدى هاهنا: الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .
[ ص: 444 ] يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان تميم الداري ، وعدي بن بداء يختلفان إلى مكة ، فصحبهما رجل من قريش من بني سهم ، فمات بأرض ليس فيها أحد من المسلمين ، فأوصى إليهما بتركته ، فلما قدما ، دفعاها إلى أهله ، وكتما جاما كان معه من فضة ، وكان مخوصا بالذهب ، فقالا: لم نره ، فأتي بهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فاستحلفهما بالله: ما كتما ، وخلى سبيلهما . ثم إن الجام وجد عند قوم من أهل مكة ، فقالوا: ابتعناه من تميم الداري ، وعدي بن بداء ، فقام أولياء السهمي ، فأخذوا الجام ، وحلف رجلان منهم بالله: إن هذا الجام جام صاحبنا ، وشهادتنا أحق من شهادتهما ، وما اعتدينا ، فنزلت هذه الآية ، والتي بعدها . قال مقاتل: واسم الميت: بزيل بن أبي [ ص: 445 ] مارية مولى العاص بن وائل السهمي ، وكان تميم ، وعدي نصرانيين ، فأسلم تميم ، ومات عدي نصرانيا . فأما التفسير ، فقال الفراء: معنى الآية: ليشهدكم اثنان إذا حضر أحدكم الموت . قال الزجاج : المعنى: شهادة هذه الحال شهادة اثنين ، فحذف "شهادة" ، ويقوم "اثنان" مقامهما . وقال ابن الأنباري: معنى الآية: ليشهدكم في سفركم إذا حضركم الموت ، وأردتم الوصية اثنان . وفي هذه الشهادة ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها الشهادة على الوصية التي ثبتت عند الحكام ، وهو قول ابن مسعود ، وأبي موسى ، وشريح ، وابن أبي ليلى ، والأوزاعي ، والثوري ، والجمهور . والثاني: أنها أيمان الوصي بالله تعالى إذا ارتاب الورثة بهما ، وهو قول مجاهد .

والثالث: أنها شهادة الوصية ، أي: حضورها ، كقوله: أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت [البقرة: 133] جعل الله الوصي هاهنا اثنين تأكيدا ، واستدل أرباب هذا القول بقوله: فيقسمان بالله قالوا: والشاهد لا يلزمه يمين . فأما "حضور الموت" فهو حضور أسبابه ومقدماته . وقوله: حين الوصية أي: وقت الوصية . وفي قوله: منكم قولان . [ ص: 446 ] أحدهما: من أهل دينكم وملتكم ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، وسعيد ابن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وشريح ، وابن سيرين ، والشعبي ، وهو قول أصحابنا .

والثاني: من عشيرتكم وقبيلتكم ، وهم مسلمون أيضا . قاله الحسن ، وعكرمة ، والزهري ، والسدي .

قوله تعالى: أو آخران من غيركم تقديره: أو شهادة آخرين من غيركم . وفي قوله: من غيركم قولان .

أحدهما: من غير ملتكم ودينكم ، قاله أرباب القول الأول .

والثاني: من غير عشيرتكم وقبيلتكم ، وهم مسلمون أيضا ، قاله أرباب القول الثاني . وفي "أو" قولان .

أحدهما: أنها ليست للتخيير ، وإنما المعنى: أو آخران من غيركم إن لم تجدوا منكم ، وبه قال ابن عباس ، وابن جبير . والثاني: أنها للتخيير ، ذكره الماوردي .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #192  
قديم 13-05-2022, 10:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (192)
صــ447 إلى صــ 452




فصل

فالقائل بأن المراد بالآية شهادة مسلمين من القبيلة أو من غير القبيلة ، لا يشك في إحكام هذه الآية . فأما القائل بأن المراد بقوله: أو آخران من غيركم أهل الكتاب إذا شهدوا على الوصية في السفر ، فلهم فيها قولان .

أحدهما: أنها محكمة ، والعمل على هذا باق ، وهو قول ابن عباس ، وابن المسيب ، وابن جبير ، وابن سيرين ، وقتادة ، والشعبي ، والثوري ، وأحمد في آخرين .

والثاني: أنها منسوخة بقوله: وأشهدوا ذوي عدل منكم وهو قول [ ص: 447 ] زيد بن أسلم ، وإليه يميل أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، قالوا: وأهل الكفر ليسوا بعدول ، والأول أصح ، لأن هذا موضع ضرورة كما يجوز في بعض الأماكن شهادة نساء لا رجل معهن بالحيض والنفاس والاستهلال .

قوله تعالى: إن أنتم ضربتم في الأرض هذا الشرط متعلق بالشهادة ، والمعنى: ليشهدكم اثنان إن أنتم ضربتم في الأرض ، أي: سافرتم . فأصابتكم مصيبة الموت فيه محذوف ، تقديره: وقد أسندتم الوصية إليهما ، ودفعتم إليهما مالكم تحبسونهما من بعد الصلاة خطاب للورثة إذا ارتابوا . وقال ابن عباس : هذا من صلة قوله: أو آخران من غيركم أي: من الكفار . فأما إذا كانا مسلمين ، فلا يمين عليهما . وفي هذه الصلاة قولان . [ ص: 448 ] أحدهما: صلاة العصر ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال شريح ، وابن جبير ، وإبراهيم ، وقتادة ، والشعبي ،

والثاني: من بعد صلاتهما في دينهما ، حكاه السدي عن ابن عباس ، وقال به .

وقال الزجاج : كان الناس بالحجاز يحلفون بعد صلاة العصر ، لأنه وقت اجتماع الناس . وقال ابن قتيبة: لأنه وقت يعظمه أهل الأديان .

قوله تعالى: فيقسمان بالله أي: فيحلفان إن ارتبتم أي: شككتم يا أولياء الميت . ومعنى الآية: إذا قدم الموصى إليهما بتركة المتوفى ، فاتهمهما الوارث ، استحلفا بعد صلاة العصر: أنهما لم يسرقا ، ولم يخونا . فالشرط في قوله: إن ارتبتم متعلق بتحبسونهما ، كأنه قال: إن ارتبتم حبستموهما فاستحلفتموهما ، فيحلفان بالله: لا نشتري به أي: بأيماننا ، وقيل: بتحريف شهادتنا ، فالهاء عائدة على المعنى . (ثمنا) أي: عرضا من الدنيا ولو كان ذا قربى أي: ولو كان المشهود له ذا قرابة منا ، وخص ذا القرابة ، لميل القريب إلى قريبه . والمعنى: لا نحابي في شهادتنا أحدا ، ولا نميل مع ذي القربى في قول الزور . ولا نكتم شهادة الله إنما أضيفت إليه ، لأمره بإقامتها ، ونهيه عن كتمانها . وقرأ سعيد بن جبير: ولا نكتم شهادة بالتنوين (الله) بقطع الهمزة وقصرها ، وكسر الهاء ، ساكنة النون في الوصل . وقرأ سعيد بن المسيب ، وعكرمة "شهادة" بالتنوين والوصل منصوبة الهاء . وقرأ أبو عمران الجوني "شهادة" بالتنوين وإسكانها في الوصل (الله) بقطع الهمزة وقصرها مفتوحة الهاء . وقرأ الشعبي ، وابن السميفع: "شهادة" بالتنوين وإسكانها في الوصل [ ص: 449 ] ((الله) بقطع الهمزة ، ومدها ، وكسر الهاء . وقرأ أبو العالية ، وعمرو بن دينار مثله ، إلا أنهما نصبا الهاء . واختلف العلماء لأي معنى وجبت اليمين على هذين الشاهدين ، على ثلاثة أقوال .

أحدها: لكونهما من غير أهل الإسلام ، روي هذا المعنى عن أبي موسى الأشعري . والثاني: لوصية وقعت بخط الميت وفقد ورثته بعض ما فيها ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثالث: لأن الورثة كانوا يقولون: كان مال ميتنا أكثر ، فاستخانوا الشاهدين ، قاله الحسن ، ومجاهد .
فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين

قوله تعالى: فإن عثر على أنهما استحقا إثما قال المفسرون: لما نزلت الآية الأولى ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عديا وتميما ، فاستحلفهما عند المنبر: أنهما لم يخونا شيئا مما دفع إليهما ، فحلفا ، وخلى سبيلهما ، ثم ظهر الإناء الذي كتماه ، فرفعهما أولياء الميت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت فإن عثر على أنهما استحقا إثما ومعنى "عثر": اطلع ، أي: إن عثر أهل الميت ، أو من يلي أمره ، على أن الشاهدين اللذين هما آخران من غيرنا (استحقا إثما) لميلهما عن الاستقامة في شهادتهما (فآخران يقومان مقامهما) أي: مقام هذين الخائنين (من الذين استحق عليهم الأوليان) .

قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، والكسائي: "استحق" بضم التاء ، "الأوليان" على التثنية . وفي قوله: من الذين استحق عليهم قولان . [ ص: 449 ] أحدهما: أنهما الذميان . والثاني: الوليان ، فعلى الأول في معنى (استحق عليهم) أربعة أقوال .

أحدها: استحق عليهم الإيصاء ، قال ابن الأنباري: المعنى: من القوم الذين استحق فيهم الإيصاء ، استحقه الأوليان بالميت ، وكذلك قال الزجاج : المعنى: من الذين استحقت الوصية أو الإيصاء عليهم .

والثاني: أنه الظلم ، والمعنى: من الذين استحق عليهم ظلم الأوليان ، فحذف الظلم ، وأقام الأوليين مقامه ، ذكره ابن القاسم أيضا .

والثالث: أنه الخروج مما قاما به من الشهادة ، لظهور خيانتهما .

والرابع: أنه الإثم ، والمعنى: استحق منهم الإثم ، ونابت "على" عن "من" كقوله: على الناس يستوفون [المطففين 2] أي: منهم . وقال الفراء: "على" بمعنى "في" كقوله: على ملك سليمان [البقرة: 102] أي: في ملكه ، ذكر القولين أبو علي الفارسي . وعلى هذه الأقوال مفعول "استحق" محذوف مقدر . وعلى القول الثاني في معنى (استحق عليهم) قولان .

أحدهما: استحق منهم الأوليان ، وهو اختيار ابن قتيبة .

والثاني: جنى عليهم الإثم ، ذكره الزجاج .

فأما "الأوليان" ، فقال الأخفش: الأوليان: اثنان ، واحدهما: الأولى ، والجمع: الأولون . ثم للمفسرين فيهما قولان .

أحدهما: أنهما أولياء الميت ، قاله الجمهور . قال الزجاج : " الأوليان " في قول أكثر البصريين يرتفعان على البدل مما في "يقومان" والمعنى: فليقم الأوليان بالميت مقام هذين الخائنين . وقال أبو علي: لا يخلو الأوليان أن يكون [ ص: 451 ] ارتفاعهما على الابتداء ، أو يكون خبر مبتدأ محذوف ، كأنه قال: فآخران يقومان مقامهما ، هما الأوليان ، أو يكون بدلا من الضمير الذي في "يقومان" . والتقدير: فيقوم الأوليان .

والقول الثاني: أن "الأوليان": هما الذميان ، والمعنى: أنهما الأوليان بالخيانة ، فعلى هذا يكون المعنى: يقومان ، إلا من الذين استحق عليهم . قال الشاعر:


فليت لنا من ماء زمزم شربة مبردة باتت على طهيان


أي: بدلا من ماء زمزم . وروى قرة عن ابن كثير ، وحفص ، وعاصم: "استحق" بفتح التاء والحاء "الأوليان" على التثنية ، والمعنى: استحق عليهم الأوليان بالميت وصيته التي أوصى بها ، فحذف المفعول . وقرأ حمزة ، وأبو بكر عن عاصم: "استحق" برفع التاء ، وكسر الحاء ، "الأولين" بكسر اللام ، وفتح النون على الجمع ، والتقدير: من الأولين الذين استحق فيهم الإثم ، أي: جني عليهم ، لأنهم كانوا أولين في الذكر . ألا ترى أنه قد تقدم ذوا عدل منكم على قوله: أو آخران من غيركم وروى الحلبي عن عبد الوارث "الأولين" بفتح الواو وتشديدها ، وفتح اللام ، وسكون الياء ، وكسر النون ، وهي تثنية: أول . وقرأ الحسن البصري: "استحق" بفتح التاء والحاء ، "الأولون" تثنية "أول" على البدل من قوله: فآخران . وقال ابن قتيبة: أشبه الأقوال بالآية أن الله تعالى أراد أن يعرفنا كيف يشهد بالوصية عند حضور الموت ، فقال: ذوا عدل منكم أي: عدلان من المسلمين [تشهدونهما على الوصية] ، وعلم أن من الناس من يسافر فيصحبه في سفره أهل الكتاب دون المسلمين ، وينزل القرية التي لا يسكنها غيرهم ، ويحضره الموت ، فلا يجد [ ص: 452 ] من يشهده من المسلمين ، فقال: أو آخران من غيركم ، أي: من غير أهل دينكم ، [ ( إذا ضربتم في الأرض ) أي: سافرتم فأصابتكم مصيبة الموت وتم الكلام . فالعدلان من المسلمين للحضر والسفر خاصة إن أمكن إشهادهما في السفر] والذميان في السفر خاصة إذا لم يوجد غيرهما [ثم قال] تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم أراد: تحبسونهما من بعد صلاة العصر إن ارتبتم في شهادتهما ، وخشيتم أن يكونا قد خانا ، أو بدلا ، فإذا حلفا ، مضت شهادتهما . فإن عثر [بعد هذه اليمين] أي: ظهر على أنهما استحقا إثما ، أي: حنثا في اليمين بكذب [في قول] أو خيانة [في وديعة] ، فآخران ، أي: قام في اليمين مقامهما رجلان من قرابة الميت الذين استحق منهم الأوليان ، وهما الوليان ، يقال: هذا الأولى بفلان ، ثم يحذف من الكلام "بفلان" ، فيقال: هذا الأولى ، وهذان الأوليان ، و "عليهم" بمعنى: "منهم" . فيحلفان بالله: لقد ظهرنا على خيانة الذميين ، وكذبهما ، وما اعتدينا عليهما ، ولشهادتنا أصح ، لكفرهما وإيماننا ، فيرجع على الذميين بما اختانا ، وينقض ما مضى من الحكم بشهادتهما تلك . وقال غيره: لشهادتنا ، أي: ليميننا أحق ، وسميت اليمين شهادة ، لأنها كالشهادة على ما يحلف عليه أنه كذلك .

قال المفسرون: فلما نزلت هذه الآية قام عمرو بن العاص ، والمطلب بن أبي وداعة السهميان ، فحلفا بالله ، ودفع الإناء إليهما وإلى أولياء الميت .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #193  
قديم 13-05-2022, 10:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (193)
صــ453 إلى صــ 458



ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين [ ص: 453 ] قوله تعالى: ذلك أدنى أي: ذلك الذي حكمنا به من رد اليمين ، أقرب إلى إتيان أهل الذمة بالشهادة على وجهها ، أي: على ما كانت ، وأقرب أن يخافوا أن ترد أيمان أولياء الميت بعد أيمانهم ، فيحلفون على خيانتهم ، فيفتضحوا ، ويغرموا ، فلا يحلفون كاذبين إذا خافوا ذلك .

واتقوا الله أن تحلفوا كاذبين ، أو تخونوا أمانة ، واسمعوا الموعظة .
يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا: لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب

قوله تعالى: يوم يجمع الله الرسل قال الزجاج : نصب "يوم" محمول على قوله: واتقوا الله : واتقوا يوم جمعه للرسل . ومعنى مسألته للرسل توبيخ الذين أرسلوا إليهم . فأما قول الرسل: "لا علم لنا" ففيه ستة أقوال .

أحدها: أنهم طاشت عقولهم حين زفرت جهنم ، فقالوا: "لا علم لنا" ثم ترد إليهم عقولهم ، فينطلقون بحجتهم ، رواه أبو الضحى عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، ومجاهد ، والسدي .

والثاني: أن المعنى: (لا علم لنا) إلا علم أنت أعلم به منا ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثالث: أن المراد بقوله: ماذا أجبتم : ماذا عملوا بعدكم ، وأحدثوا ، فيقولون: لا علم لنا ، قاله ابن جريج ، وفيه بعد .

والرابع: أن المعنى: لا علم لنا مع علمك ، لأنك تعلم الغيب ، ذكره الزجاج .

والخامس: أن المعنى: لا علم لنا كعلمك ، إذ كنت تعلم ما أظهر القوم وما أضمروا ، ونحن نعلم ما أظهروا ، ولا نعلم ما أضمروا ، فعلمك فيهم أنفذ من علمنا ، هذا اختيار ابن الأنباري .

[ ص: 454 ] والسادس: لا علم لنا بجميع أفعالهم إذ كنا نعلم بعضها وقت حياتنا ، ولا نعلم ما كان بعد وفاتنا ، وإنما يستحق الجزاء بما تقع به الخاتمة ، حكاه ابن الأنباري . قال المفسرون: إذا رد الأنبياء العلم إلى الله أبلست الأمم ، وعلمت أن ما أتته في الدنيا غير غائب عنه ، وأن الكل لا يخرجون عن قبضته .

قوله تعالى: علام الغيوب قال الخطابي: العلام: بمنزلة العليم ، وبناء "فعال" بناء التكثير ، فأما "الغيوب" فجمع غيب ، وهو ما غاب عنك .
إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين

قوله تعالى: إذ قال الله يا عيسى قال ابن عباس : معناه: وإذ يقول .

قوله تعالى: اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك في تذكيره النعم فائدتان .

إحداهما: إسماع الأمم ما خصه به من الكرامة .

والثانية: توكيد حجته على جاحده . ومن نعمه على مريم أنه اصطفاها وطهرها ، وأتاها برزقها من غير سبب . وقال الحسن: المراد بذكر النعمة: الشكر . فأما النعمة ، فلفظها لفظ الواحد ، ومعناها الجمع . فإن قيل: لم قال هاهنا: فتنفخ فيها وفي (آل عمران) "فيه"؟ فالجواب: أنه جائز أن يكون ذكر الطير على معنى الجميع ، [ ص: 455 ] وأنث على معنى الجماعة . وجاز أن يكون "فيه" للطير ، و "فيها" للهيأة ، ذكره أبو علي الفارسي .

قوله تعالى: إن هذا إلا سحر مبين قرأ ابن كثير ، وعاصم هاهنا: وفي (هود) و (الصف) ( إلا سحر مبين ) ، وقرأ في (يونس) لساحر مبين بألف . وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر: الأربعة ( سحر مبين ) بغير ألف ، فمن قرأ "سحر" أشار إلى ما جاء به ، ومن قرأ "ساحر" أشار إلى الشخص .
وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون

وفي الوحي إلى الحواريين قولان .

أحدهما: أنه بمعنى: الإلهام ، قاله الفراء . وقال السدي: قذف في قلوبهم .

والثاني: أنه بمعنى: الأمر ، فتقديره: أمرت الحواريين و "إلى" صلة ، قاله أبو عبيدة . وفي قوله: واشهد قولان .

أحدهما: أنهم يعنون الله تعالى . والثاني: عيسى عليه السلام .

وقوله: بأننا مسلمون أي: مخلصون للعبادة والتوحيد . وقد سبق شرح ما أهمل هاهنا فيما تقدم .
إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين

قوله تعالى: هل يستطيع ربك قال الزجاج : أي: هل يقدر . وقرأ الكسائي: ( هل تستطيع ) بالتاء ، ونصب الرب . قال الفراء: معناه: هل تقدر [ ص: 456 ] أن تسأل ربك . قال ابن الأنباري: ولا يجوز لأحد أن يتوهم أن الحواريين شكوا في قدرة الله ، وإنما هذا كما يقول الإنسان لصاحبه: هل تستطيع أن تقوم معي ، وهو يعلم أنه مستطيع ، ولكنه يريد: هل يسهل عليك . وقال أبو علي: المعنى: هل يفعل ذلك بمسألتك إياه . وزعم بعضهم أنهم قالوا ذلك قبل استحكام إيمانهم ومعرفتهم ، فرد عليهم عيسى بقوله: اتقوا الله ، أن تنسبوه إلى عجز ، والأول أصح . فأما "المائدة" فقال اللغويون: المائدة: كل ما كان عليه من الأخونة طعام ، فإذا لم يكن عليه طعام ، فليس بمائدة ، والكأس: كل إناء فيه شراب ، فإذا لم يكن فيه شراب فليس بكأس ، ذكره الزجاج . قال الفراء: وسمعت بعض العرب يقول للطبق الذي تهدى عليه الهدية: هو المهدى ، مقصور ، ما دامت عليه الهدية ، فإذا كان فارغا رجع إلى اسمه إن كان طبقا أو خوانا أو غير ذلك . وذكر الزجاج عن أبي عبيدة أن لفظها فاعلة ، وهي في المعنى مفعولة ، مثل عيشة راضية [الحاقة: 21] . قال أبو عبيدة: وهي من العطاء ، والممتاد: المفتعل المطلوب منه العطاء ، قال الشاعر:


إلى أمير المؤمنين الممتاد


[ ص: 457 ] وماد زيد عمرا: إذا أعطاه . قال الزجاج : والأصل عندي في "مائدة" أنها فاعلة من: ماد يميد: إذا تحرك ، فكأنها تميد بما عليها . وقال ابن قتيبة: المائدة: الطعام ، من: مادني يميدني ، كأنها تميد الآكلين ، أي: تعطيهم ، أو تكون فاعلة بمعنى: مفعول بها ، أي: ميد بها الآكلون .

قوله تعالى: اتقوا الله إن كنتم مؤمنين فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: اتقوه أن تسألوه البلاء ، لأنها إن نزلت وكذبتم ، عذبتم ، قاله مقاتل .

والثاني: أن تسألوه ما لم تسأله الأمم قبلكم ، ذكره أبو عبيد .

والثالث: أن تشكوا في قدرته .
قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين

قوله تعالى: قالوا نريد أن نأكل منها هذا اعتذار منهم بينوا به سبب سؤالهم حين نهوا عنه . وفي إرادتهم للأكل منها ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم أرادوا ذلك للحاجة ، وشدة الجوع ، قاله ابن عباس .

والثاني: ليزدادوا إيمانا ، ذكره ابن الأنباري .

والثالث: للتبرك بها ، ذكره الماوردي . وفي قوله: وتطمئن قلوبنا ثلاثة أقوال .

أحدها: تطمئن إلى أن الله تعالى قد بعثك إلينا نبيا .

والثاني: إلى أن الله تعالى قد اختارنا أعوانا لك .

والثالث: إلى أن الله تعالى قد أجابك . وقال ابن عباس : قال لهم عيسى: هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوما ، ثم لا تسألونه شيئا إلا أعطاكم؟ فصاموا ، ثم سألوا المائدة . فمعنى: ( ونعلم أن صدقتنا ) في أنا إذا صمنا ثلاثين يوما لم نسأل الله شيئا إلا أعطانا . وفي هذا العلم قولان . [ ص: 458 ] أحدهما: أنه علم يحدث لهم لم يكن ، وهو قول من قال: كان سؤالهم قبل استحكام معرفتهم .

والثاني: أنه زيادة علم إلى علم ، ويقين إلى يقين ، وهو قول من قال: كان سؤالهم بعد معرفتهم . وقرأ الأعمش: "وتعلم" بالتاء ، والمعنى: وتعلم القلوب أن قد صدقتنا . وفي قوله: من الشاهدين أربعة أقوال .

أحدها: من الشاهدين لله بالقدرة ، ولك بالنبوة . والثاني: عند بني إسرائيل إذا رجعنا إليهم ، وذلك أنهم كانوا مع عيسى في البرية عند هذا السؤال . والثالث: من الشاهدين عند من يأتي من قومنا بما شاهدنا من الآيات الدالة على أنك نبي .

والرابع: من الشاهدين لك عند الله بأداء ما بعثت به .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #194  
قديم 13-05-2022, 10:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (194)
صــ459 إلى صــ 467



قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين

قوله تعالى: تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وقرأ ابن محيصن ، وابن السميفع ، والجحدري: لأولنا وآخرنا برفع الهمزة ، وتخفيف الواو ، والمعنى: يكون اليوم الذي نزلت فيه عيدا لنا ، نعظمه نحن ومن بعدنا ، قاله قتادة ، والسدي . وقال كعب: أنزلت عليهم يوم الأحد ، فاتخذوه عيدا . وقال ابن قتيبة: عيدا ، أي: مجمعا . قال الخليل بن أحمد: العيد: كل يوم يجمع ، كأنهم عادوا إليه . وقال ابن الأنباري: سمي عيدا للعود من الترح إلى الفرح .

قوله تعالى: وآية منك أي: علامة منك تدل على توحيدك ، وصحة نبوة نبيك . وقرأ ابن السميفع ، وابن محيصن ، والضحاك ( وأنه منك ) بفتح الهمزة ، [ ص: 459 ] وبنون مشددة . وفي قوله: وارزقنا قولان . أحدهما: ارزقنا ذلك من عندك .

والثاني: ارزقنا الشكر على ما أنعمت به من إجابتك لنا .
قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين

قوله تعالى: قال الله إني منزلها عليكم قرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر: "منزلها" بالتشديد ، وقرأ الباقون خفيفة . وهذا وعد بإجابة سؤال عيسى . واختلف العلماء: هل نزلت ، أم لا؟ على قولين .

أحدهما: أنها نزلت ، قاله الجمهور . فروى وهب بن منبه عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي قال: لما رأى عيسى أنهم قد جدوا في طلبها لبس جبة من شعر ، ثم توضأ ، واغتسل ، وصف قدميه في محرابه حتى استويا ، وألصق الكعب بالكعب ، وحاذى الأصابع بالأصابع ، ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره ، وطأطأ رأسه خضوعا ، ثم أرسل عينيه بالبكاء ، فما زالت تسيل دموعه على خده ، وتقطر من أطراف لحيته حتى ابتلت الأرض من دموعه حيال وجهه ، ثم رفع رأسه إلى السماء ، فقال: اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء ، فبينما عيسى كذلك ، هبطت علينا مائدة من السماء ، سفرة حمراء بين غمامتين ، غمامة من تحتها ، وغمامة من فوقها ، وعيسى يبكي ويتضرع ، ويقول: إلهي اجعلها سلامة ، لا تجعلها عذابا ، حتى استقرت بين يديه ، والحواريون من حوله ، فأقبل هو وأصحابه حتى قعدوا حولها ، وإذا عليهم منديل مغطى ، فقال عيسى: أيكم أوثق بنفسه وأقل بلاء عند ربه فليأخذ هذا المنديل ، وليكشف لنا عن هذه الآية . قالوا: يا روح الله أنت أولانا بذلك ، فاكشف عنها ، فاستأنف وضوءا جديدا ، وصلى ركعتين ، وسأل [ ص: 460 ] ربه أن يأذن له بالكشف عنها ، ثم قعد إليها ، وتناول المنديل ، فإذا عليها سمكة مشوية ، ليس فيها شوك ، وحولها من كل البقل ما خلا الكراث ، وعند رأسها الخل ، وعند ذنبها الملح ، وحولها خمسة أرغفة ، على رغيف تمر ، وعلى رغيف زيتون ، وعلى رغيف خمس رمانات . فقال: شمعون رأس الحواريين: يا روح الله أمن طعام الدنيا هذا ، أمن طعام الجنة؟ فقال عيسى: سبحان الله أما تنتهون! ما أخوفني عليكم . قال شمعون: لا وإله بني إسرائيل ما أردت بهذا سوءا . قال عيسى: ليس ما ترون عليها من طعام الدنيا ، ولا من طعام الجنة ، إنما هو شيء ابتدعه الله ، فقال له: "كن" فكان أسرع من طرفة عين . فقال الحواريون: يا روح الله إنما نريد أن ترينا في هذه الآية آية ، فقال: سبحان الله! ما اكتفيتم بهذه الآية؟! ثم أقبل على السمكة فقال: عودي بإذن الله حية طرية ، فعادت تضطرب على المائدة ، ثم قال: عودي كما كنت ، فعادت مشوية ، فقال: يا روح الله كن أنت أول من يأكل منها ، فقال: معاذ الله بل يأكل منها من سألها ، فلما رأوا امتناعه ، خافوا أن يكون نزولها عقوبة ، فلما رأى عيسى ذلك دعا لها الفقراء والزمنى واليتامى ، فقال: كلوا من رزق ربكم ، ودعوة نبيكم ، ليكون مهنؤها لكم ، وعقوبتها على غيركم ، فأكل منها ألف وسبعمائة إنسان ، يصدرون عنها شباعا وهي كهيئتها حين نزلت ، فصح كل مريض ، واستغنى كل فقير أكل منها ، ثم نزلت بعد ذلك عليهم ، فازدحموا عليها ، فجعلها عيسى نوبا بينهم ، فكانت تنزل عليهم أربعين يوما ، تنزل يوما وتغب يوما ، وكانت تنزل عند ارتفاع الضحى ، فيأكلون منها حتى إذا قالوا ، ارتفعت إلى السماء وهم ينظرون إلى ظلها في الأرض . وقال قتادة: كانت تنزل عليهم بكرة وعشية ، [ ص: 461 ] حيث كانوا . وقال غيره: نزلت يوم الأحد مرتين . وقيل: نزلت غدوة وعشية يوم الأحد ، فلذلك جعلوه عيدا . وفي الذي كان على المائدة ثمانية أقوال .

أحدها: أنه خبز ولحم ، روي عن عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نزلت المائدة من السماء خبزا ولحما" . والثاني: أنها سمكة مشوية ، وخمس أرغفة ، وتمر ، وزيتون ، ورمان ، وقد ذكرناه عن سلمان . والثالث: ثمر من ثمار الجنة ، قاله عمار بن ياسر . وقال قتادة: ثمر من ثمار الجنة ، وطعام من طعامها .

والرابع: خبز ، وسمك ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وأبو عبد الرحمن السلمي . والخامس: قطعة من ثريد ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والسادس: أنه أنزل عليها كل شيء إلا اللحم ، قاله سعيد بن جبير .

والسابع: سمكة فيها طعم كل شيء من الطعام ، قاله عطية العوفي .

والثامن: خبز أرز وبقل ، قاله ابن السائب .

والقول الثاني: أنها لم تنزل ، روى قتادة عن الحسن أن المائدة لم تنزل ، لأنه لما قال الله تعالى: فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين قالوا: لا حاجة لنا فيها . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قال: أنزلت مائدة عليها ألوان من الطعام ، فعرضها عليهم ، وأخبرهم أنه العذاب إن كفروا ، فأبوها فلم تنزل . وروى ليث عن مجاهد قال: هذا مثل ضربه الله تعالى [ ص: 462 ] لخلقه ، لينهاهم عن مسألة الآيات لأنبيائه ، ولم ينزل عليهم شيء ، والأول أصح .

قوله تعالى: فمن يكفر بعد منكم أي: بعد إنزال المائدة .

وفي العذاب المذكور قولان .

أحدهما: أنه المسخ . والثاني: جنس من العذاب لم يعذب به أحد سواهم .

قال الزجاج : ويجوز أن يعجل لهم في الدنيا ، ويجوز أن يكون في الآخرة . وفي "العالمين" قولان . أحدهما: أنه عام . والثاني: عالمو زمانهم . وقد ذكر المفسرون أن جماعة من أصحاب المائدة مسخوا . وفي سبب مسخهم ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم أمروا أن لا يخونوا ، ولا يدخروا ، فخانوا وادخروا ، فمسخوا قردة وخنازير ، رواه عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم .

والثاني: أن عيسى خص بالمائدة الفقراء ، فتكلم الأغنياء بالقبيح من القول ، وشككوا الناس فيها ، وارتابوا ، فلما أمسى المرتابون بها ، وأخذوا مضاجعهم ، مسخهم الله خنازير ، قاله سلمان الفارسي .

والثالث: أن الذين شاهدوا المائدة ، ورجعوا إلى قومهم ، فأخبروهم ، فضحك بهم من لم يشهد ، وقالوا: إنما سحر أعينكم ، وأخذ بقلوبكم ، فمن أراد الله به خيرا ، ثبت على بصيرته ، ومن أراد به فتنة ، رجع إلى كفره . فلعنهم عيسى ، فأصبحوا خنازير ، فمكثوا ثلاثة أيام ، ثم هلكوا ، قاله ابن عباس .

[ ص: 463 ] وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب

قوله تعالى: وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم في زمان هذا القول قولان .

أحدهما: أنه يقول له: يوم القيامة ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، وابن جريج .

والثاني: أنه قاله له حين رفعه إليه ، قاله السدي . والأول أصح .

وفي إذ ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها زائدة ، والمعنى: وقال الله ، قاله أبو عبيدة .

والثاني: أنها على أصلها ، والمعنى: وإذ يقوله الله له ، قاله ابن قتيبة .

والثالث: أنها بمعنى: "إذا" ، كقوله: ولو ترى إذ فزعوا [سبأ: 51] والمعنى: إذا . قال أبو النجم:


ثم جزاك الله عني إذ جزى جنات عدن في السموات العلا


ولفظ الآية لفظ الاستفهام ، ومعناها التوبيخ لمن ادعى ذلك على عيسى . قال أبو عبيدة: وإنما قال: "إلهين" ، لأنهم إذ أشركوا فعل ذكر مع فعل أنثى [غلب فعل الذكر] ذكروهما . فإن قيل: فالنصارى لم يتخذوا مريم إلها ، فكيف [ ص: 464 ] قال الله تعالى ذلك فيهم؟ فالجواب: أنهم لما قالوا: لم تلد بشرا ، وإنما ولدت إلها ، لزمهم أن يقولوا إنها من حيث البعضية بمثابة من ولدته ، فصاروا بمثابة من قاله .

قوله تعالى: قال سبحانك أي: براءة لك من السوء ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق أي: لست أستحق العبادة ، فأدعو الناس إليها . وروى عطاء بن السائب عن ميسرة قال: لما قال الله تعالى لعيسى: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله رعد كل مفصل منه حتى وقع مخافة أن يكون قد قاله ، وما قال: إني لم أقل ، ولكنه قال: (إن كنت قلته ، فقد علمته) فإن قيل: ما الحكمة في سؤال الله تعالى له عن ذلك وهو يعلم أنه ما قاله؟ فالجواب: أنه تثبيت للحجة على قومه ، وإكذاب لهم في ادعائهم عليه أنه أمرهم بذلك ، ولأنه إقرار من عيسى بالعجز في قوله: ولا أعلم ما في نفسك وبالعبودية في قوله: أن اعبدوا الله ربي وربكم .

قوله تعالى: تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك قال الزجاج : تعلم ما أضمره ، ولا أعلم ما عندك علمه ، والتأويل: تعلم ما أعلم وأنا لا أعلم ما تعلم .
ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد

قوله تعالى: أن اعبدوا الله قال مقاتل: وحدوه .

قوله تعالى: وكنت عليهم شهيدا أي: على ما يفعلون ما كنت مقيما فيهم ، وقوله: فلما توفيتني فيه قولان . [ ص: 465 ] أحدهما: بالرفع إلى السماء . والثاني: بالموت عند انتهاء الأجل . و "الرقيب" مشروح في سورة (النساء) و "الشهيد" في (آل عمران) .
إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم

قوله تعالى: إن تعذبهم فإنهم عبادك قال الحسن ، وأبو العالية: إن تعذبهم ، فبإقامتهم على كفرهم ، وإن تغفر لهم ، فبتوبة كانت منهم . وقال الزجاج : علم عيسى أن منهم من آمن ، ومنهم من أقام على الكفر ، فقال في جملتهم: إن تعذبهم أي: إن تعذب من كفر منهم فإنهم عبادك ، وأنت العادل فيهم ، لأنك قد أوضحت لهم الحق ، فكفروا ، وإن تغفر لهم ، أي: وإن تغفر لمن أقلع منهم ، وآمن ، فذلك تفضل منك ، لأنه قد كان لك أن لا تغفر لهم بعد عظيم فريتهم ، وأنت في مغفرتك لهم عزيز ، لا يمتنع عليك ما تريد ، حكيم في ذلك . وقال ابن الأنباري: معنى الكلام: لا ينبغي لأحد أن يعترض عليك ، فإن عذبتهم ، فلا اعتراض عليك ، وإن غفرت لهم -ولست فاعلا إذا ماتوا على الكفر- فلا اعتراض عليك . [ ص: 466 ] وقال غيره: العفو لا ينقص عزك ، ولا يخرج عن حكمك . وقد روى أبو ذر قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام ليلة بآية يرددها: إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم .
قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير

قوله تعالى: قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم قرأ الجمهور برفع اليوم ، وقرأ نافع بنصبه على الظرف . قال الزجاج : المعنى: قال الله هذا لعيسى في يوم ينفع الصادقين صدقهم ، ويجوز أن يكون على معنى: قال الله هذا الذي ذكرناه يقع في يوم ينفع الصادقين صدقهم . والمراد باليوم: يوم القيامة . وإنما خص نفع الصدق به ، لأنه يوم الجزاء . وفي هذا الصدق قولان .

أحدهما: أنه صدقهم في الدنيا ينفعهم في الآخرة .

والثاني: صدقهم في الآخرة ينفعهم هنالك . وفي هذه الآية تصديق لعيسى فيما قال .

[ ص: 467 ] قوله تعالى: رضي الله عنهم أي: بطاعتهم ، ورضوا عنه بثوابه . وفي قوله: لله ملك السماوات والأرض تنبيه على عبودية عيسى ، وتحريض على تعليق الآمال بالله وحده .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #195  
قديم 13-05-2022, 10:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الْأَنْعَامِ
الحلقة (195)
صــ3 إلى صــ 10


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ الْأَنْعَامِ

فَصْلٌ فِي نُزُولِهَا


روى مجاهد عن ابن عباس: أن ( الأنعام ) مما نزل بمكة . وهذا قول الحسن ، وقتادة ، وجابر بن زيد .

وروى يوسف بن مهران عن ابن عباس ، قال: نزلت سورة [الأنعام] جملة ليلا بمكة وحولها سبعون ألف ملك .

وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: هي مكية ، نزلت جملة واحدة ونزلت ليلا ، وكتبوها من ليلتهم ، غير ست آيات وهي: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم . . . إلى آخر الثلاث آيات ، وقوله: وما قدروا الله حق قدره . . . الآية . [الأنعام:151-153] . وقوله: " ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا " أو قال: أوحي إلي إلى آخر الآيتين [الأنعام: 93 ، 94 ] وذكر مقاتل نحو هذا وزاد آيتين قوله: والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق [الأنعام:114] . وقوله: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه . . . [الأنعام:21] .

[ ص: 2 ] وروي عن ابن عباس ، وقتادة قالا: هي مكية ، إلا آيتين نزلتا بالمدينة ، قوله: وما قدروا الله حق قدره . . . الآية [الأنعام: 91] .

وقوله: وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات [الأنعام: 141 ] . وذكر أبو الفتح بن شيطا: أنها مكية ، غير آيتين نزلتا بالمدينة قل تعالوا . . . والتي بعدها [الأنعام:152 ، 151] .

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون .

فأما التفسير ، فقال كعب: فاتحة الكهف فاتحة [الأنعام] وخاتمتها خاتمة هود ، وإنما ذكر السماوات والأرض; لأنهما من أعظم المخلوقات .

والمراد "بالجعل": الخلق ، وقيل: إن "جعل" هاهنا: صلة ، والمعنى: والظلمات . وفي المراد بالظلمات والنور ثلاثة أقوال . أحدها: الكفر والإيمان ، قاله الحسن . والثاني: الليل والنهار . قاله السدي . والثالث: جميع الظلمات والأنوار .

قال قتادة خلق الله السماوات قبل الأرض ، والظلمات قبل النور ، والجنة قبل النار .

قوله تعالى: ثم الذين كفروا يعني: المشركين بعد هذا البيان بربهم يعدلون ، أي: يجعلون له عديلا ، فيعبدون الحجارة الموات ، مع إقرارهم بأنه الخالق لما وصف . يقال: عدلت هذا بهذا: إذا ساويته به . قال أبو عبيدة: هو مقدم ومؤخر ، تقديره: يعدلون بربهم . وقال النضر بن شميل: الباء: بمعنى" عن " .
هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون .

قوله تعالى: هو الذي خلقكم من طين يعني: آدم ، وذلك أنه لما شك [ ص: 3 ] المشركون في البعث ، وقالوا: من يحيي هذه العظام ، أعلمهم أنه خلقهم من طين ، فهو قادر على إعادة خلقهم .

قوله تعالى: ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده فيه ستة أقوال .

أحدها: أن الأجل الأول: أجل الحياة إلى الموت ، والثاني: أجل الموت إلى البعث ، روي عن ابن عباس ، والحسن ، وابن المسيب ، وقتادة ، والضحاك ، ومقاتل .

والثاني أن الأجل: الأول النوم الذي تقبض فيه الروح ، ثم ترجع في حال اليقظة ، والأجل المسمى عنده: أجل موت الإنسان .

رواه العوفي عن ابن عباس .

والثالث: أن الأجل الأول: أجل الآخرة متى يأتي ، والأجل الثاني: أجل الدنيا ، قاله مجاهد في رواية .

والرابع: أن الأول: خلق الأشياء في ستة أيام ، والثاني: ما كان بعد ذلك إلى يوم القيامة ، قاله عطاء الخراساني .

والخامس: أن الأول: قضاه حين أخذ الميثاق على خلقه ، والثاني: الحياة في الدنيا ، قاله ابن زيد ، كأنه يشير إلى أجل الذرية حين أحياهم وخاطبهم .

والسادس: أن الأول: أجل من قد مات من قبل . والثاني: أجل من يموت بعد ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى: ثم أنتم أي بعد هذا البيان تمترون وفيه قولان .

أحدهما: تشكون ، قاله قتادة ، والسدي . وفيما شكوا فيه قولان . أحدهما: الوحدانية ، والثاني: البعث .

والثاني: يختلفون ، مأخوذ من المراء ، ذكره الماوردي . [ ص: 4 ] وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون .

قوله تعالى: وهو الله في السماوات وفي الأرض فيه أربعة أقوال .

أحدها: هو المعبود في السماوات وفي الأرض ، قاله ابن الأنباري .

والثاني: وهو المنفرد بالتدبير في السماوات وفي الأرض ، قاله الزجاج .

والثالث: وهو الله في السماوات ، ويعلم سركم وجهركم في الأرض ، قاله ابن جرير .

والرابع: أنه مقدم ومؤخر . والمعنى: وهو الله يعلم سركم وجهركم في السماوات والأرض ، ذكره بعض المفسرين .
وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون .

قوله تعالى: وما تأتيهم من آية من آيات ربهم نزلت في كفار قريش .

وفي الآية قولان . أحدهما: أنها الآية من القرآن ، والثاني: المعجزة مثل انشقاق القمر .

والمراد بالحق: القرآن . والأنباء: الأخبار . والمعنى: سيعلمون عاقبة استهزائهم .
ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين .

قوله تعالى: كم أهلكنا من قبلهم من قرن القرن: اسم أهل كل عصر . [ ص: 5 ] وسموا بذلك; لاقترانهم في الوجود . وللمفسرين في المراد بالقرن سبعة أقوال .

أحدها: أنه أربعون سنة ، ذكره ابن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم .

والثاني: ثمانون سنة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثالث: مائة سنة ، قاله عبد الله بن بشر المازني ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن .

والرابع: مائة وعشرون سنة ، قاله زرارة بن أوفى ، وإياس بن معاوية .

والخامس: عشرون سنة ، حكاه الحسن البصري .

والسادس: سبعون سنة ، ذكره الفراء .

والسابع: أن القرن: أهل كل مدة كان فيها نبي ، أو طبقة من العلماء ، قلت السنون ، أو كثرت ، بدليل قوله: صلى الله عليه وسلم "خيركم قرني" يعني: أصحابي "ثم الذين يلونهم" يعني: التابعين . " ثم الذين يلونهم" يعني: الذين أخذوا عن التابعين .

فالقرن: مقدار التوسط في أعمار أهل الزمان ، فهو في كل قوم على مقدار أعمارهم ، واشتقاق القرن من الاقتران وفي معنى ذلك الاقتران قولان .

أحدهما: أنه سمي قرنا; لأنه المقدار الذي هو أكثر ما يقترن فيه أهل ذلك الزمان في بقائهم . هذا اختيار الزجاج . [ ص: 6 ] والثاني: أنه سمي قرنا; لأنه يقرن زمانا بزمان ، وأمة بأمة ، قاله ابن الأنباري . وحكى ابن قتيبة عن أبي عبيدة قال: يرون أن أقل ما بين القرنين: ثلاثون سنة .

قوله تعالى: مكناهم في الأرض قال ابن عباس : أعطيناهم ما لم نعطكم . يقال مكنته ومكنت له: إذا أقدرته على الشيء بإعطاء ما يصح به الفعل من العدة . وفي هذه الآية رجوع من الخبر إلى الخطاب .

فأما السماء: فالمراد بها المطر . ومعنى "أرسلنا" أنزلنا ، و"المدرار" مفعال من در ، يدر ، والمعنى: نرسلها كثيرة الدر .

ومفعال ، من أسماء المبالغة ، كقولهم: امرأة مذكار: إذا كانت كثيرة الولادة للذكور ، وكذلك مئناث .

فإن قيل: السماء مؤنثة ، فلم ذكر مدرارا .

فالجواب: أن حكم ما انعدل من النعوت عن منهاج الفعل وبنائه أن يلزم التذكير في كل حال سواء كان وصفا لمذكر أو مؤنت ، كقولهم امرأة مذكار ، ومعطار ، وامرأة مذكر ، ومؤنث ، وهي كفور ، وشكور ، ولو بنيت هذه الأوصاف على الفعل ، لقيل كافرة ، وشاكرة ومذكرة ، فلما عدل عن بناء الفعل ، جرى مجرى ما يستغني بقيام معنى التأنيث فيه عن العلامة ، كقولهم: النعل لبستها ، والفأس كسرتها ، وكان إيثارهم التذكير للفرق بين المبني على الفعل ، والمعدول عن مثل الأفاعيل . والمراد بالمدرار: المبالغة في اتصال المطر ودوامه . يعني: أنها تدر وقت الحاجة إليها ، لا أنها تدوم ليلا ونهارا فتفسد ، ذكره ابن الأنباري .
[ ص: 7 ] ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين .

قوله تعالى: ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس سبب نزولها: أن مشركي مكة قالوا: يا محمد ، والله لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ، ومعه أربعة من الملائكة ، يشهدون أنه ، من عند الله ، وأنك رسوله فنزلت هذه الآية ، قاله ابن السائب . قال ابن قتيبة: والقرطاس: الصحيفة ، يقال للرامي إذا أصاب الصحيفة: قرطس . قال شيخنا أبو منصور اللغوي: القرطاس قد تكلموا به قديما .

ويقال: إن أصله غير عربي . والجمهور على كسر قافه ، وضمها أبو رزين ، وعكرمة ، وطلحة ، ويحيى بن يعمر .

فأما قوله تعالى: فلمسوه بأيديهم فهو توكيد لنزوله ، وقيل: إنما علقه باللمس باليد إبعادا له عن السحر; لأن السحر يتخيل في المرئيات ، دون الملموسات . ومعنى الآية: إنهم يدفعون الصحيح .
وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون [ ص: 8 ] قوله تعالى: وقالوا لولا أنزل عليه ملك قال مقاتل: نزلت في النضر بن الحارث ، وعبد الله بن أبي أمية ، ونوفل بن خويلد ، "ولولا" بمعنى "هلا" أنزل عليه ملك نصدقه ، ولو أنزلنا ملكا فعاينوه ولم يؤمنوا ، لقضي الأمر وفيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أن المعنى: لماتوا ، ولم يؤخروا طرفة عين لتوبة ، قاله ابن عباس .

والثاني: لقامت الساعة ، قاله عكرمة ، ومجاهد .

والثالث لعجل لهم العذاب ، قاله قتادة .
ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون .

قوله تعالى: ولو جعلناه أي: ولو جعلنا الرسول إليهم ملكا ، لجعلناه في صورة رجل; لأنهم لا يستطيعون رؤية الملك على صورته ، وللبسنا عليهم أي: لشبهنا عليهم . يقال: ألبست الأمر على القوم ، ألبسه ، أي: شبهته عليهم ، وأشكلته . والمعنى: لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حتى يشكوا ، فلا يدرون أملك هو ، أم آدمي؟ فأضللناهم بما به ضلوا ، قبل أن يبعث الملك . وقال الزجاج : كانوا يلبسون على ضعفتهم في أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون: إنما هذا بشر مثلكم ، فقال تعالى: لو رأوا الملك رجلا لكان يلحقهم فيه من اللبس مثل ما لحق ضعفتهم منه . وقرأ الزهري ، ومعاذ القارئ ، وأبو رجاء "وللبسنا" ، بالتشديد "عليهم ما يلبسون" مشددة أيضا .
ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين .

[ ص: 9 ] قوله تعالى: فحاق بالذين سخروا أي: أحاط قال الزجاج : الحيق في اللغة: ما اشتمل على الإنسان من مكروه فعله ، ومنه: ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله [فاطر:34] أي: لا ترجع عاقبة مكروهه إلا عليهم . قال السدي: وقع بهم العذاب الذي استهزؤوا به .
قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون .

قوله تعالى: قل لمن ما في السماوات والأرض المعنى: فإن أجابوك ، وإلا فـ قل: لله ، كتب على نفسه الرحمة قال ابن عباس : قضى لنفسه أنه أرحم الراحمين ، قال الزجاج : ومعنى كتب: أوجب ذلك إيجابا مؤكدا ، وجائز أن يكون كتب في اللوح المحفوظ ، وإنما خوطب الخلق بما يعقلون ، فهم يعقلون أن توكيد الشيء المؤخر أن يحفظ بالكتاب . وقال غيره: رحمته عامة ، فمنها تأخير العذاب عن مستحقه ، وقبول توبة العاصي .

قوله تعالى: ليجمعنكم إلى يوم القيامة اللام: لام القسم . كأنه قال: والله ليجمعنكم إلى اليوم الذي أنكرتموه . وذهب قوم إلى أن "إلى" بمعنى: "في" ثم اختلفوا ، فقال قوم: في يوم القيامة . وقال آخرون: في قبوركم إلى يوم القيامة .

قوله تعالى: الذين خسروا أنفسهم أي: بالشرك . فهم لا يؤمنون لما سبق فيهم من القضاء . وقال ابن قتيبة: قوله: الذين خسروا أنفسهم مردود إلى قوله: كيف كان عاقبة المكذبين مردود إلى قوله: كيف كان عاقبة المكذبين الذين خسروا .
وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم .

قوله تعالى: وله ما سكن في الليل والنهار سبب نزولها أن كفار مكة [ ص: 10 ] قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: قد علمنا أنه إنما يحملك على ما تدعونا إليه الحاجة ، فنحن نجعل لك نصيبا في أموالنا حتى تكون من أغنانا رجلا ، وترجع عما أنت عليه ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس .

وفي معنى "سكن" قولان .

أحدهما: أنه من السكنى . قال ابن الأعرابي: "سكن" بمعنى حل .

والثاني: أنه من السكون الذي يضاد الحركة . قال مقاتل: من المخلوقات ما يستقر بالنهار ، وينتشر بالليل ، ومنها ما يستقر بالليل:وينتشر بالنهار .

فإن قيل: لم خص السكون بالذكر دون الحركة ، فعنه ثلاثة أجوبة .

أحدها: أن السكون أعم وجودا من الحركة .

والثاني: أن كل متحرك قد يسكن ، وليس كل ساكن يتحرك .

والثالث: أن في الآية إضمارا ، والمعنى: وله ما سكن وتحرك كقوله تقيكم الحر [النحل:82] أراد: والبرد ، فاختصر .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #196  
قديم 13-05-2022, 10:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (196)
صــ11 إلى صــ 16




قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين

قوله تعالى: قل أغير الله أتخذ وليا ذكر مقاتل أن سبب نزولها ، أن كفار قريش قالوا: يا محمد ، ألا ترجع إلى دين آبائك؟ فنزلت هذه الآية . وهذا الاستفهام معناه الإنكار ، أي: لا أتخذ وليا غير الله أتولاه ، وأعبده ، وأستعينه .

قوله تعالى: فاطر السماوات والأرض الجمهور على كسر راء "فاطر" . وقرأ ابن أبي عبلة برفعها قال أبو عبيدة: الفاطر ، معناه: الخالق . وقال ابن [ ص: 11 ] قتيبة المبتدئ . "ومنه كل مولود يولد على الفطرة" أي: على ابتداء الخلقة ، وهو الإقرار بالله حين أخذ العهد عليهم في أصلاب آبائهم . وقال ابن عباس : كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض ، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما: أنا فطرتها ، أي: أنا ابتدأتها . قال الزجاج : إن قيل: كيف يكون الفطر بمعنى الخلق؟ والانفطار: الانشقاق في قوله تعالى : إذا السماء انفطرت فالجواب إنما يرجعان إلى شيء واحد ، لأن معنى" فطرهما" خلقهما خلقا قاطعا . والانفطار ، والفطور ، تقطع وتشقق .

قوله تعالى: وهو يطعم ولا يطعم قرأ الجمهور بضم الياء من الثاني ، ومعناه وهو يرزق ولا يرزق ، لأن بعض العبيد يرزق مولاه . وقرأ عكرمة والأعمش ولا "يطعم" بفتح الياء . قال الزجاج : وهذا الاختيار عند البصراء بالعربية ، ومعناه: وهو يرزق ويطعم ولا يأكل .

قوله تعالى: إني أمرت أن أكون أول من أسلم أي: أول مسلم من هذه الأمة ، ولا تكونن من المشركين قال الأخفش: معناه: وقيل لي: لا تكونن ، فصارت: أمرت ، بدلا من ذلك ، لأنه حين قال: أمرت قد أخبر أنه قيل له .
[ ص: 12 ] قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم .

قوله تعالى: قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم زعم بعض المفسرين أنه كان يجب عليه أن يخاف عاقبة الذنوب ، ثم نسخ ذلك بقوله: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر [الفتح: 3] والصحيح أن الآيتين خبر ، والخبر لا يدخله النسخ ، وإنما هو معلق بشرط ، ومثله: لئن أشركت ليحبطن عملك [الزمر:66]
من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين

قوله تعالى: من يصرف عنه قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم " من يصرف " بضم الياء وفتح الراء ، يعنون العذاب . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم " يصرف " بفتح الياء وكسر الراء ، الضمير قوله: " إن عصيت ربي " ، ومما يحسن هذه القراءة قوله: " فقد رحمه " فقد اتفق إسناد الضميرين إلى اسم الله تعالى ، ويعني بقوله: يصرف العذاب يومئذ يعني: يوم القيامة ، وذلك يعني: صرف العذاب .
وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير .

قوله تعالى: وإن يمسسك الله بضر الضر: اسم جامع لكل ما يتضرر به الإنسان من فقر ، ومرض ، وغير ذلك ، والخير: اسم جامع لكل ما ينتفع به الإنسان .

وللمفسرين في الضر والخير قولان .

أحدهما: أن الضر السقم ، والخير: العافية

والثاني: أن الضر: الفقر ، والخير: الغنى .

[ ص: 13 ] وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير

قوله تعالى: وهو القاهر فوق عباده القاهر:

الغالب ، والقهر: الغلبة . والمعنى: أنه قهر الخلق فصرفهم على ما أراد طوعا وكرها ، فهو المستعلي عليهم ، وهم تحت التسخير والتذليل .
قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أإنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون

قوله تعالى: قل أي شيء أكبر شهادة سبب نزولها: أن رؤساء مكة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد ، ما نرى أحدا يصدقك بما تقول ، ولقد سألنا عنك اليهود ، والنصارى ، فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر ولا صفة ، فأرنا من يشهد أنك رسول الله ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ومعنى الآية: قل لقريش: أي شيء أعظم شهادة؟ فإن أجابوك ، وإلا فقل: الله ، وهو شهيد بيني وبينكم على ما أقول .

وقال الزجاج : أمر الله أن يحتج عليهم بأن شهادة الله في نبوته أكبر شهادة ، وأن القرآن الذي أتى به ، يشهد له أنه رسول الله ، وهو قوله: وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ففي الإنذار به دليل على نبوته ، لأنه لم يأت أحد بمثله ، ولا يأتي ، وفيه خبر ما كان وما يكون ، ووعد فيه بأشياء ، فكانت كما قال . وقرأ عكرمة ، وابن السميفع ، والجحدري وأوحي إلي بفتح الهمزة والحاء القرآن بالنصب فأما "الإنذار" فمعناه: التخويف ، ومعنى ومن بلغ أي: من بلغ إليه هذا القرآن ، فإني نذير له . قال القرظي: من بلغه القرآن [ ص: 14 ] فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم وكلمه .

وقال أنس بن مالك: لما نزلت هذه الآية ، كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وكل جبار يدعوهم إلى الله عز وجل .

قوله تعالى: أإنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى هذا استفهام معناه الإنكار عليهم . قال الفراء: وإنما قال: "أخرى" ولم يقل "آخر" لأن الآلهة جمع ، والجمع يقع عليه التأنيث ، كما قال: ولله الأسماء الحسنى [الأعراف:181] وقال: فما بال القرون الأولى [طه:52] .
الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون .

قوله تعالى: الذين آتيناهم الكتاب في الكتاب قولان .

أحدهما: أنه التوراة والإنجيل ، وهذا قول الجمهور .

والثاني أنه القرآن .

وفي هاء" يعرفونه" ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها ترجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله السدي . وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال لعبد الله بن سلام: إن الله قد أنزل على نبيه بمكة " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم " [ البقرة:147 ، والأنعام: 21] فكيف هذه المعرفة؟ فقال: لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني ، ولأنا أشد معرفة بمحمد صلى الله عليه وسلم مني بابني . فقال عمر: وكيف ذاك؟ فقال: إني أشهد أنه رسول الله حقا ، ولا أدري ما يصنع النساء .

[ ص: 15 ] والثاني أنها ترجع إلى الدين والنبي . فالمعنى يعرفون الإسلام أنه دين الله عز وجل ، وأن محمدا رسول الله ، قاله قتادة .

والثالث: أنها ترجع إلى القرآن .

فالمعنى: يعرفون الكتاب الدال على صدقه ، ذكره الماوردي .

وفي الذين خسروا أنفسهم قولان .

أحدهما: أنهم مشركو مكة .

والثاني كفار أهل الكتابين .
ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون .

قوله تعالى: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أي: اختلق على الله الكذب في ادعاء شريك معه . وفي "آياته" قولان .

أحدهما: أنها محمد والقرآن ، قاله ابن السائب . والثاني: القرآن قاله مقاتل .

والمراد بالظلم المذكور في هذه الآية: الشرك .
ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون .

قوله تعالى: ويوم نحشرهم جميعا انتصب "اليوم" بمحذوف تقديره: واذكر يوم نحشرهم . قال ابن جرير: والمعنى: لا يفلحون اليوم ، ولا يوم نحشرهم . وقرأ يعقوب: " يحشرهم " ، "ثم يقول " بالياء فيها .

وفي الذين عنى قولان .

أحدهما: المسلمون والمشركون . والثاني: العابدون والمعبودون .

[ ص: 16 ] وقوله: أين شركاؤكم سؤال توبيخ . والمراد بشركائهم: الأوثان ، وإنما أضافها إليهم لأنهم زعموا أنها شركاء الله .

وفي معنى يزعمون قولان . أحدهما: يزعمون أنهم شركاء مع الله . والثاني: يزعمون أنها تشفع لهم .
ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين .

قوله تعالى: ثم لم تكن فتنتهم قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم:" ثم لم تكن" بالتاء ، "فتنتهم" بالرفع . وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم: "تكن" بالتاء أيضا ، "فتنتهم" بالنصب ، وقد رويت عن ابن كثير أيضا . وقرأ حمزة ، والكسائي: "يكن" بالياء ، "فتنتهم" بالنصب .

وفي "الفتنة "أربعة أقوال .

أحدها: أنها بمعنى الكلام والقول . قال ابن عباس ، والضحاك: لم يكن كلامهم .

والثاني: أنها المعذرة: قال قتادة ، وابن زيد: لم تكن معذرتهم . قال ابن الأنباري: فالمعنى: اعتذروا بما هو مهلك لهم ، وسبب لفضيحتهم .

والثالث: أنها بمعنى البلية . قال عطاء الخراساني: لم تكن بليتهم . وقال أبو عبيد: لم تكن بليتهم التي ألزمتهم الحجة ، وزادتهم لائمة .

والرابع: أنها بمعنى الافتتان . والمعنى: لم تكن عاقبة فتنتهم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #197  
قديم 13-05-2022, 10:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (197)
صــ17 إلى صــ 22




قال الزجاج : لم يكن افتتانهم بشركهم ، وإقامتهم عليه ، إلا أن تبرؤوا منه . ومثل ذلك في اللغة أن ترى إنسانا يحب غاويا ، فإذا وقع في هلكة تبرأ منه ، فيقول: ما كانت محبتك لفلان إلا أن انتفيت منه . قال: وهذا تأويل لطيف ، لا يعرفه إلا من عرف معاني الكلام وتصرف العرب في ذلك . [ ص: 17 ] وقال ابن الأنباري: المعنى: أنهم افتتنوا بقولهم هذا ، إذا كذبوا فيه ، ونفوا عن أنفسهم ما كانوا معروفين به في الدنيا .

قوله تعالى: إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر: "والله ربنا" بكسر الباء . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف: بنصب الباء .

وفي هؤلاء القوم الذين هذا وصفهم قولان .

أحدهما: أنهم المشركون . والثاني: المنافقون .

ومتى يحلفون ? فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: إذا رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا من كان مسلما قالوا: تعالوا نكابر عن شركنا ، فحلفوا ، قاله ابن عباس .

والثاني: أنهم إذا دخلوا النار ، ورأوا أهل التوحيد يخرجون ، حلفوا[ واعتذروا] قاله سعيد بن جبير ، ومجاهد . [ ص: 18 ] والثالث: أنهم إذا سئلوا: أين شركاؤكم؟ تبرؤوا ، وحلفوا: ما كنا مشركين ، قاله مقاتل .
انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون

قوله تعالى: انظر كيف كذبوا على أنفسهم أي: باعتذارهم بالباطل .

وضل عنهم ما كانوا يفترون أي: ذهب ما كانوا يدعون ويختلقون من أن الأصنام شركاء لله ، وشفعاؤهم في الآخرة .
ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون

قوله تعالى: ومنهم من يستمع إليك سبب نزولها: أن نفرا من المشركين ، منهم عتبة ، وشيبة ، والنضر بن الحارث ، وأمية وأبي ابنا خلف ، جلسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمعوا إليه ، ثم قالوا للنضر بن الحارث: ما يقول محمد؟ فقال: والذي جعلها بنية ، ما أدري ما يقول؟ إلا أني أرى تحرك شفتيه ، وما يقول إلا أساطير الأولين ، مثلما كنت أحدثكم عن القرون الماضية ، وكان النضر كثير الحديث عن القرون الأولى ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

فأما "الأكنة" ، فقال الزجاج : هي جمع كنان ، وهو الغطاء ، مثل عنان وأعنة .

[ ص: 19 ] وأما: "أن يفقهوه" ، فمنصوب على أنه مفعول له . المعنى: وجعلنا على قلوبهم أكنة لكراهة أن يفقهوه ، فلما حذفت اللام ، نصبت الكراهة ، ولما حذفت الكراهة ، انتقل نصبها إلى "أن" .

"الوقر" : ثقل السمع ، يقال: في أذنه وقر ، وقد وقرت الأذن توقر

قال الشاعر:
وكلام سيئ قد وقرت أذني عنه وما بي من صمم


والوقر ، بكسر الواو ، أن يحمل البعير وغيره مقدار ما يطيق ، يقال: عليه وقر ، ويقال: نخلة موقر ، وموقرة وإنما فعل ذلك بهم مجازاة لهم بإقامتهم على كفرهم ، وليس المعنى أنهم لم يفهموه ، ولم يسمعوه ، ولكنهم لما عدلوا عنه ، وصرفوا فكرهم عما عليهم في سوء العاقبة ، كانوا بمنزلة من لم يعلم ولم يسمع . وإن يروا كل آية أي: كل علامة تدل على رسالتك ، لا يؤمنوا بها

ثم أعلم الله عز وجل مقدار احتجاجهم وجدلهم ، وأنهم إنما يستعملون في الاحتجاج . أن يقولوا إن هذا أي: ما هذا إلا أساطير الأولين وفيها قولان .

أحدهما: أنها ما سطر من أخبارهم وأحاديثهم . روى أبو صالح عن ابن عباس قال: أساطير الأولين: كذبهم ، وأحاديثهم في دهرهم . وقال أبو الحسن الأخفش: يزعم بعضهم أن واحدة الأساطير: أسطورة . وقال بعضهم: أسطارة ، ولا أراه إلا من الجمع الذي ليس له واحد ، نحو عباديد ، ومذاكير ، وأبابيل وقال ابن قتيبة: أساطير الأولين: أخبارهم وما سطر منها ، أي: ما كتب ، ومنه قوله: ن . والقلم وما يسطرون [القلم:2 ، 1] أي: يكتبون ، واحدها سطر ، [ ص: 20 ] ثم أسطار ، ثم أساطير جمع الجمع ، مثل قول ، وأقوال وأقاويل

والقول الثاني: أن معنى أساطير الأولين: الترهات . قال أبو عبيدة: واحد الأساطير: أسطورة ، وأسطارة ، ومجازها مجاز الترهات . قال ابن الأنباري: الترهات عند العرب: طرق غامضة ، ومسالك مشكلة ، يقول قائلهم: قد أخذنا في ترهات البسابس ، يعني: قد عدلنا عن الطريق الواضح إلى المشكل ، وعما يعرف إلى ما لا يعرف . و"البسابس": الصحاري الواسعة ، والترهات: طرق تتشعب من الطريق الأعظم ، فتكثر وتشكل ، فجعلت مثلا لما لا يصح وينكشف .

فإن قيل: لم عابوا القرآن بأنه أساطير الأولين ، وقد سطر الأولون ما فيه علم وحكمة وما لا عيب على قائله؟ فعنه جوابان

أحدهما أنهم نسبوه إلى أنه ليس بوحي من الله .

والثاني: أنهم عابوه بالإشكال والغموض ، استراحة منهم إلى البهت والباطل . فعلى الجواب الأول تكون "أساطير" من التسطير ، وعلى الثاني تكون بمعنى الترهات ، وقد شرحنا معنى الترهات .

قوله تعالى: وهم ينهون عنه وينأون عنه في سبب نزولها قولان .

أحدهما: أن أبا طالب كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويتباعد عما جاء به ، فنزلت فيه هذه الآية ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وهو قول عمرو بن دينار ، وعطاء بن دينار ، والقاسم بن مخيمرة . وقال مقاتل: [ ص: 21 ] كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أبي طالب يدعوه إلى الإسلام ، فاجتمعت قريش إلى أبي طالب يريدون بالنبي صلى الله عليه وسلم سوءا ، فسألوا أبا طالب أن يدفعه إليهم ، فيقتلوه ، فقال: ما لي عنه صبر ، فقالوا: ندفع إليك من شبابنا من شئت مكان ابن أخيك ، فقال أبو طالب: حين تروح الإبل ، فإن حنت ناقة إلى غير فصيلها دفعته إليكم ، وقال:


والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا


فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر وقر بذاك منك عيونا


وعرضت دينا لا محالة أنه من خير أديان البرية دينا


لولا الملامة أو حذاري سبة لوجدتني سمحا بذاك مبينا


فنزلت فيه هذه الآية .


والثاني: أن كفار مكة كانوا ينهون الناس عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ويتباعدون بأنفسهم عنه ، رواه الوالبي عن ابن عباس ، وبه قال ابن الحنفية ، والضحاك ، والسدي . فعلى القول الأول ، يكون قوله: "وهم" كناية عن واحد ، وعلى الثاني: عن جماعة .

وفي هاء "عنه" قولان .

أحدهما: أنها ترجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم . ثم فيه قولان . أحدهما: ينهون عن أذاه ، والثاني: عن اتباعه .

والقول الثاني: أنها ترجع إلى القرآن ، قاله مجاهد ، وقتادة ، وابن زيد .

وينأون بمعنى يبعدون . وفي هاء "عنه" قولان . أحدهما: أنها راجعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم والثاني إلى القرآن .

[ ص: 22 ] قوله تعالى: وإن يهلكون أي: وما يهلكون إلا أنفسهم بالتباعد عنه وما يشعرون أنهم يهلكونها .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #198  
قديم 13-05-2022, 10:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (198)
صــ23 إلى صــ 28



ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين

قوله تعالى: ولو ترى إذ وقفوا على النار في معنى "وقفوا" ستة أقوال .

أحدها: حبسوا عليها ، قاله ابن السائب . والثاني: عرضوا عليها ، قاله مقاتل .

والثالث: عاينوها . والرابع: وقفوا عليها وهي تحتهم .

والخامس: دخلوا إليها فرفعوا مقدار عذابها ، تقول: وقفت على ما عند فلان ، أي: فهمته وتبينته ، ذكر هذه الأقوال الثلاثة الزجاج ، واختار الأخير . وقال ابن جرير: "على" هاهنا بمعنى "في"

والسادس: جعلوا عليها وقفا ، كالوقوف المؤبدة على سبلها ، ذكره الماوردي . والخطاب بهذه الآية للنبي صلى الله عليه وسلم ، والوعيد للكفار ، وجواب لو "محذوف" ومعناه: لو رأيتهم في تلك الحال: لرأيت عجبا .

قوله تعالى: ولا نكذب بآيات ربنا قرأ ابن كثير ، ونافع وأبو عمرو ، والكسائي ، وأبو بكر ، عن عاصم برفع الباء من "نكذب" والنون من "نكون"

قال الزجاج : والمعنى أنهم تمنوا الرد ، وضمنوا أنهم لا يكذبون . والمعنى: يا ليتنا نرد ، ونحن لا نكذب بآيات ربنا ، رددنا أو لم نرد ، ونكون من المؤمنين ، لأنا قد عاينا ما لا نكذب معه أبدا .

قال ويجوز الرفع على وجه آخر ، على معنى" يا ليتنا نرد" ، يا ليتنا لا نكذب ، كأنهم تمنوا الرد والتوفيق للتصديق .

[ ص: 23 ] وقال الأخفش: إذا رفعت جعلته على مثل اليمين ، كأنهم قالوا: ولا نكذب والله- بآيات ربنا ، ونكون والله- من المؤمنين . وقرأ حمزة إلا العجلي وحفص عن عاصم ، ويعقوب: بنصب الباء من "نكذب" ، والنون من "نكون"

قال مكي بن أبي طالب: وهذا النصب على جواب التمني ، وذلك بإضمار "أن" ، حملا على مصدر "نرد" فأضمرت "أن" لتكون مع الفعل مصدرا ، فعطف بالواو مصدرا على مصدر .

وتقديره: يا ليت لنا ردا وانتفاء من التكذيب ، وكونا من المؤمنين . وقرأ ابن عامر برفع الباء من "نكذب" ونصب النون من "نكون" ، فالرفع قد بينا علته ، والنصب على جواب التمني .
بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين

قوله تعالى: بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل "بل" هاهنا رد لكلامهم ، أي: ليس الأمر على ما قالوا من أنهم لو ردوا لآمنوا .

وقال الزجاج : "بل" استدراك وإيجاب بعد نفي ، تقول ما جاء زيد ، بل عمرو وفي معنى الآية أربعة أقوال .

أحدها بدا ما كان يخفيه بعضهم عن بعض ، قاله الحسن .

والثاني: بدا بنطق الجوارح ما كانوا يخفون من قبل بألسنتهم قاله مقاتل .

والثالث: بدا لهم جزاء ما كانوا يخفونه ، قاله المبرد .

[ ص: 24 ] والرابع: بدا للأتباع ما كان يخفيه الرؤساء ، قاله الزجاج .

قوله تعالى: ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه قال ابن عباس : لعادوا إلى ما نهوا عنه من الشرك ، وإنهم لكاذبون في قولهم: ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين

قال ابن الأنباري: كذبهم الله في إخبارهم عن أنفسهم ، أنهم إن ردوا ، آمنوا ولم يكذبوا ، ولم يكذبهم في التمني .

قوله تعالى: وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا هذا إخبار عن منكري البعث . قال مقاتل: لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كفار مكة بالبعث ، قالوا هذا . وكان عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يقول: هذا حكاية قولهم ، لو ردوا لقالوه .
ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون

قوله تعالى: ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال مقاتل: عرضوا على ربهم قال أليس هذا العذاب بالحق . وقال غيره: أليس هذا البعث حقا ، فعلى قول مقاتل: بما كنتم تكفرون بالعذاب ، وعلى قول غيره: تكفرون بالبعث .

قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون

قوله تعالى: قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله إنما وصفوا بالخسران ، لأنهم باعوا الإيمان بالكفر ، فعظم خسرانهم .

والمراد بلقاء الله: البعث والجزاء ، والساعة: القيامة ، والبغتة: الفجأة . [ ص: 25 ] قال الزجاج : كل ما أتى فجأة فقد بغت ، يقال: قد بغته الأمر يبغته بغتا وبغتة: إذا أتاه فجأة . قال الشاعر:
ولكنهم بانوا ولم أخش بغتة وأفظع شيء حين يفجؤك البغت


قوله تعالى: يا حسرتنا الحسرة: التلهف على الشيء الفائت ، وأهل التفسير يقولون يا ندامتنا .

فإن قيل: ما معنى دعاء الحسرة ، وهي لا تعقل ،

فالجواب: أن العرب إذا اجتهدت في المبالغة في الإخبار عن عظيم ما تقع فيه ، جعلته نداء ، فتدخل عليه "يا" للتنبيه ، والمراد تنبيه الناس ، لا تنبيه المنادي . ومثله قولهم: لا أرينك هاهنا ، لفظه لفظ الناهي لنفسه ، والمعنى للمنهي ، ومن هذا قولهم يا خيل الله اركبي ، يراد: يا فرسان خيل الله . وقال سيبويه: إذا قلت: يا عجباه ، فكأنك قلت: احضر وتعال يا عجب ، فهذا زمانك . فأما التفريط فهو: التضييع .

وقال الزجاج : التفريط في اللغة: تقدمه العجز . وفي المكنى عنه بقوله: "فيها" ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها الدنيا ، فالمعنى: على ما ضيعنا في الدنيا من عمل الآخرة ، قاله مقاتل . [ ص: 26 ] والثاني: أنها الصفقة ، لأن الخسران لا يكون إلا في صفقة ، وترك ذكرها اكتفاء بذكر الخسران ، قاله ابن جرير .

والثالث: أنها الطاعة ، ذكره بعض المفسرين .

فأما الأوزار ، فقال ابن قتيبة: هي الآثام ، وأصل الوزر: الحمل على الظهر . وقال ابن فارس: الوزر: الثقل . وهل هذا الحمل حقيقة؟ فيه قولان .

أحدهما: أنه على حقيقته . قال عمير بن هانئ: يحشر مع كل كافر عمله في صورة رجل قبيح ، كلما كان هول عظمه عليه ، وزاده خوفا ، فيقول: بئس الجليس أنت ، ما لي ولك؟ فيقول: أنا عملك طالما ركبتني في الدنيا ، فلأركبنك اليوم حتى أخزيك على رؤوس الناس ، فيركبه ويتخطى به الناس حتى يقف بين يدي ربه ، فذلك قوله: وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم وهذا قول السدي ، وعمرو بن قيس الملائي ومقاتل .

والثاني: أنه مثل ، والمعنى: يحملون ثقل ذنوبهم ، قاله الزجاج قال: فجعل ما ينالهم من العذاب بمنزلة أثقل ما يتحمل ، ومعنى ألا ساء ما يزرون بئس الشيء شيئا يزرونه ، أي يحملونه .
وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون

قوله تعالى: وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو فيه ثلاثة أقوال .

[ ص: 27 ] أحدها: وما الحياة الدنيا في سرعة انقطاعها ، وقصر عمرها ، إلا كالشيء يلعب به .

والثاني: وما أمر الدنيا والعمل لها إلا لعب ولهو ، فأما فعل الخير ، فهو من عمل الآخرة ، لا من الدنيا .

والثالث: وما أهل الحياة الدنيا إلا أهل لعب ولهو ، لاشتغالهم عما أمروا به . واللعب: ما لا يجدي نفعا .

قوله تعالى: والدار الآخرة خير اللام: لام القسم ، والدار الآخرة: الجنة أفلا يعقلون فيعملون لها . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، "يعقلون" بالياء في ( الأنعام ) و[ الأعراف] ، ويوسف ويس وقرؤوا في القصص بالتاء ، وقرأ نافع كل ذلك بالياء ، وروى حفص ، عن عاصم كل ذلك بالتاء ، إلا في يس في الخلق أفلا يعقلون [يس: 67] بالياء . وقرأ ابن عامر الذي في [ يس ] بالياء ، والباقي بالتاء .
قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون

قوله تعالى: قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون

في سبب نزولها أربعة أقوال .

أحدها: أن رجلا من قريش يقال له: الحارث بن عامر ، قال: والله يا محمد ما كذبتنا قط فنتهمك اليوم ، ولكنا إن نتبعك نتخطف من أرضنا فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وقال مقاتل: كان الحارث بن عامر يكذب النبي في العلانية ، فإذا خلا مع أهل بيته ، قال: ما محمد من أهل الكذب ، فنزلت فيه هذه الآية . [ ص: 28 ] والثاني: أن المشركين كانوا إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا فيما بينهم: إنه لنبي ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو صالح .

والثالث: أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذبك ، ولكن نكذب الذي جئت به ، فنزلت هذه الآية قاله ناجية بن كعب .

وقال أبو يزيد المدني: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جهل ، فصافحه أبو جهل ، فقيل له: أتصافح هذا الصابئ؟ فقال: والله إني لأعلم أنه نبي ، ولكن متى كنا تبعا لبني عبد مناف؟ فأنزل الله هذه الآية .

والرابع: أن الأخنس بن شريق لقي أبا جهل ، فقال الأخنس: يا أبا الحكم ، أخبرني عن محمد أصادق هو ، أم كاذب فليس هاهنا من يسمع كلامك غيري . فقال أبو جهل: والله إن محمدا لصادق ، وما كذب قط ، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء ، والسقاية ، والحجابة ، والنبوة ، فماذا يكون لسائر قريش ، فنزلت هذه الآية ، قاله السدي . فأما الذي يقولون ، فهو التكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والكفر بالله وفي الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية عما يواجهون به .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #199  
قديم 13-05-2022, 10:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (199)
صــ29 إلى صــ 34




قوله تعالى: فإنهم لا يكذبونك قرأ نافع ، والكسائي: "يكذبونك" بالتخفيف وتسكين الكاف . وفي معناها قولان . [ ص: 29 ] أحدهما: لا يلفونك كاذبا قاله ابن قتيبة .

والثاني: لا يكذبون الشيء الذي جئت به ، إنما يجحدون آيات الله ، ويتعرضون لعقوباته . قال ابن الأنباري: وكان الكسائي يحتج لهذه القراءة بأن العرب تقول: كذبت الرجل: إذا نسبته إلى الكذب وصنعة الأباطيل من القول ; وأكذبته إذا أخبرت أن الذي يحدث به كذب ، ليس هو الصانع له قال: وقال غير الكسائي: يقال أكذبت الرجل: إذا أدخلته في جملة الكذابين ، ونسبته إلى صفتهم ، كما يقال: أبخلت الرجل: إذا نسبته إلى البخل ، وأجبنته: إذا وجدته جبانا قال الشاعر:


فطائفة قد أكفروني بحبكم وطائفة قالوا مسيء ومذنب


وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة وابن عامر: "يكذبونك" بالتشديد وفتح الكاف ، وفي معناها خمسة أقوال .

أحدها: لا يكذبونك بحجة ، وإنما هو تكذيب عناد وبهت ، قاله قتادة ، والسدي .

والثاني: لا يقولون لك: أنك كاذب ، لعلمهم بصدقك ، ولكن يكذبون ما جئت به ، قاله ناجية بن كعب .

والثالث: لا يكذبونك في السر ، ولكن يكذبونك في العلانيه عداوة لك قاله ابن السائب ، ومقاتل .

والرابع: لا يقدرون أن يقولوا لك فيما أنبأت به مما في كتبهم: كذبت .

والخامس: لا يكذبونك بقلوبهم ، لأنهم يعلمون أنك صادق ، ذكر القولين الزجاج . [ ص: 30 ] وقال أبو علي: يجوز أن يكون معنى القراءتين واحدا وإن اختلفت اللفظتان ، إلا أن "فعلت": إذا أرادوا أن ينسبوه إلى أمر أكثر من "أفعلت" . ويؤكد أن القراءتين بمعنى ، ما حكاه سيبويه أنهم قالوا: قللت ، وأقللت ، وكثرت ، وأكثرت بمعنى .

قال أبو علي ومعنى "لا يكذبونك" لا يقدرون أن ينسبوك إلى الكذب فيما أخبرت به مما جاء في كتبهم ، ويجوز أن يكون معنى الحقيقة: لا يصادفونك كاذبا كما يقال أحمدت الرجل: إذا أصبته محمودا ، لأنهم يعرفونك بالصدق والأمانة ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون بألسنتهم ما يعلمونه يقينا ، لعنادهم

وفي "آيات الله" هاهنا ثلاثة أقوال .

أحدها أنها محمد صلى الله عليه وسلم قاله السدي .

والثاني محمد والقرآن ، قاله ابن السائب ،

والثالث: القرآن . قاله مقاتل .
ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين

قوله تعالى: ولقد كذبت رسل من قبلك هذه تعزية له على ما يلقى منهم . قال ابن عباس : فصبروا على ما كذبوا رجاء ثوابي ، وأوذوا حتى نشروا بالمناشير ، وحرقوا بالنار حتى أتاهم نصرنا بتعذيب من كذبهم [ ص: 31 ] قوله تعالى: ولا مبدل لكلمات الله فيه خمسة أقوال .

أحدها: لا خلف لمواعيده ، قاله ابن عباس .

والثاني: لا مبدل لما أخبر به ، وما أمر به قاله الزجاج .

والثالث: لا مبدل لحكوماته ، وأقضيته النافذة في عباده ، فعبرت الكلمات عن هذا المعنى ، كقوله ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين [ الزمر:71] أي: وجب ما قضي عليهم . فعلى هذا القول ، والذي قبله ، يكون المعنى: لا مبدل لحكم كلمات الله ، ولا ناقض لما حكم به ، وقد حكم بنصر أنبيائه بقوله: لأغلبن أنا ورسلي [المجادلة:21]

والرابع: أن معنى الكلام معنى النهي ، وإن كان ظاهره الإخبار ; فالمعنى: لا يبدلن أحد كلمات الله ، فهو كقوله: لا ريب فيه [البقرة:2]

والخامس: أن المعنى: لا يقدر أحد على تبديل كلام الله ، وإن زخرف واجتهد ، لأن الله تعالى صانه برصين اللفظ ، وقويم الحكم ، أن يختلط بألفاظ أهل الزيغ ذكر هذه الأقوال الثلاثة ابن الأنباري

قوله تعالى: ولقد جاءك من نبإ المرسلين أي: فيما صبروا عليه من الأذى فنصروا . وقيل إن: "من" صلة .
وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين [ ص: 32 ] قوله تعالى: وإن كان كبر عليك إعراضهم سبب نزولها: أن الحارث بن عامر أتى النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قريش فقال: يا محمد ، ائتنا بآية كما كانت الأنبياء تأتي قومها بالآيات ، فإن فعلت آمنا بك ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . "وكبر" بمعنى: "عظم" . وفي إعراضهم قولان .

أحدهما: عن استماع القرآن . والثاني: عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم .

فأما "النفق" ، فقال ابن قتيبة: النفق في الأرض: المدخل ، وهو السرب . والسلم في السماء: المصعد . وقال الزجاج : النفق: الطريق النافذ في الأرض . والنافقاء ، ممدود: أحد جحره اليربوع يخرقه من باطن الأرض إلى جلدة الأرض ، فإذا بلغ الجلدة أرقها ، حتى إن رابه ريب ، دفع برأسه ذلك المكان وخرج ومنه سمي المنافق ، لأنه أبطن غير ما أظهر ، كالنافقاء الذي ظاهره غير بين ، وباطنه حفر في الأرض .

"والسلم" مشتق من السلامة ، وهو الشيء الذي يسلمك إلى مصعدك . والمعنى: فإن استطعت هذا فافعل ، "وحذف" فافعل ، لأن في الكلام دليلا عليه .

وقال أبو عبيدة: السلم: السبب والمرقاة ، تقول: اتخذتني سلما لحاجتك ، أي: سببا .

وفي قوله: فتأتيهم بآية قولان

أحدهما: بآية قد سألوك إياها: وذلك أنهم سألوا نزول ملك ، ومثل آيات الأنبياء ، كعصا موسى ، وناقة صالح .

والثاني: بآية هي أفضل من آيتك .

قوله تعالى: ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فيه ثلاثة أقوال . [ ص: 33 ]

أحدها: لو شاء أن يطبعهم على الهدى لطبعهم .

والثاني: لو شاء لأنزل ملائكة تضطرهم إلى الإيمان ، ذكرهما الزجاج .

والثالث: لو شاء لآمنوا كلهم فأخبر إنما تركوا الإيمان بمشيئته ، ونافذ قضائه .

قوله تعالى: فلا تكونن من الجاهلين فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: لا تجهل أنه لو شاء لجمعهم على الهدى .

والثاني: لا تجهل أنه يؤمن بك بعضهم ويكفر بعضهم .

والثالث: لا تكونن ممن لا صبر له ، لأن قلة الصبر من أخلاق الجاهلين .
إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون

قوله تعالى: إنما يستجيب الذين يسمعون أي إنما يجيبك من يسمع ، والمراد سماع قبول .

وفي المراد بالموتى قولان .

أحدهما: أنهم الكفار ، قاله الحسن ، ومجاهد وقتادة ، فيكون المعنى: إنما يستجيب المؤمنون; فأما الكفار ، فلا يستجيبون حتى يبعثهم الله ، ثم يحشرهم كفارا ، فيجيبون اضطرارا . [ ص: 34 ]

والثاني: أنهم الموتى حقيقة ، ضربهم الله مثلا; والمعنى: أن الموتى لا يستجيبون حتى يبعثهم الله ، فكذلك الذين لا يسمعون .

قوله تعالى: ثم إليه يرجعون يعني: المؤمنين والكافرين ، فيجازي الكل .
وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون

قوله تعالى: وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قال ابن عباس : نزلت في رؤساء قريش . "ولولا": بمعنى "هلا" وقد شرحناها في سورة (النساء) . وقال مقاتل: أرادوا بالآية مثل آيات الأنبياء . وقال غيره: أرادوا نزول ملك يشهد له بالنبوة .

وفي قوله تعالى: ولكن أكثرهم لا يعلمون ثلاثة أقوال .

أحدها: لا يعلمون بأن الله قادر على إنزال الآية .

والثاني: لا يعلمون ما عليهم من البلاء في إنزالها ، لأنهم إن لم يؤمنوا بها ، زاد عذابهم .

والثالث: لا يعلمون المصلحة في نزول الآية .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #200  
قديم 13-05-2022, 10:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (200)
صــ35 إلى صــ 40


وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون


قوله تعالى وما من دابة في الأرض قال ابن عباس : يريد كل ما دب على الأرض . قال الزجاج : وذكر الجناحين توكيد ، وجميع ما خلق لا يخلو إما أن يدب ، وإما أن يطير . [ ص: 35 ] قوله تعالى: إلا أمم أمثالكم قال مجاهد: أصناف مصنفة .

وقال أبو عبيدة: أجناس يعرفون الله ويعبدونه .

وفي معنى "أمثالكم" أربعة أقوال .

أحدها: أمثالكم في كون بعضها يفقه عن بعض ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: في معرفة الله ، قاله عطاء .

والثالث: أمثالكم في الخلق والموت والبعث ، قاله الزجاج .

والرابع: أمثالكم في كونها تطلب الغذاء ، وتبتغي الرزق ، وتتوقى المهالك ، قاله ابن قتيبة . قال ابن الأنباري: وموضع الاحتجاج من هذه الآية أن الله تعالى ركب في المشركين عقولا ، وجعل لهم أفهاما ألزمهم بها أن يتدبروا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ويتمسكوا بطاعته ، كما جعل للطير أفهاما يعرف بها بعضها إشارة بعض ، وهدى الذكر منها لإتيان الأنثى ، وفي كل ذلك دليل على نفاذ قدرة المركب ذلك فيها .

قوله تعالى: ما فرطنا في الكتاب من شيء في الكتاب قولان .

أحدهما: أنه اللوح المحفوظ . روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس: ما تركنا شيئا إلا وقد كتبناه في أم الكتاب ، وإلى هذا المعنى ذهب قتادة ، وابن زيد .

والثاني: أنه القرآن . روى عطاء عن ابن عباس: ما تركنا من شيء إلا وقد بيناه لكم . فعلى هذا يكون من العام الذي أريد به الخاص ، فيكون المعنى: ما فرطنا في شيء بكم إليه حاجة إلا وبيناه في الكتاب ، إما نصا ، وإما مجملا ، وإما دلالة ، كقوله تعالى: ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء [النحل:89 ]أي: لكل شيء يحتاج إليه في أمر الدين .

قوله تعالى: ثم إلى ربهم يحشرون فيه قولان . [ ص: 36 ] أحدهما: أنه الجمع يوم القيامة . روى أبو ذر قال: انتطحت شاتان عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا ذر أتدري فيما انتطحتا؟ قلت: لا . قال: لكن الله يدري ، وسيقضي بينهما . وقال أبو هريرة: يحشر الله الخلق يوم القيامة ، البهائم والدواب والطير وكل شيء ، فيبلغ من عدله أن يأخذ للجماء من القرناء ، ثم يقول كوني ترابا ، فيقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا .

والثاني: أن معنى حشرها: موتها ، قاله ابن عباس ، والضحاك .
والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم

قوله تعالى: والذين كذبوا بآياتنا يعني ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم (صم) عن القرآن لا يسمعونه ، "وبكم" عنه لا ينطقون به ، في الظلمات أي: في الشرك والضلالة . من يشأ الله يضلله فيموت على الكفر ، ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم وهو الإسلام .
قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين

قوله تعالى: قل أرأيتكم قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، "أرأيتم" "وأرأيتكم" و"أرأيت" بالألف في كل القرآن [ ص: 37 ] مهموزا; ولين الهمزة نافع في الكل . وقرأ الكسائي بغير همز ولا ألف . قال الفراء العرب تقول: أرأيتك ، وهم يريدون: أخبرني .

فأما عذاب الله ، ففي المراد به هاهنا قولان .

أحدهما: أنه الموت قاله ابن عباس .

والثاني: العذاب الذي كان يأتي الأمم الخالية ، قاله مقاتل .

فأما الساعة ، فهي القيامة ، قال الزجاج : وهو اسم للوقت الذي يصعق فيه العباد ، وللوقت الذي يبعثون فيه .

قوله تعالى: أغير الله تدعون أي أتدعون صنما أو حجرا لكشف ما بكم؟ فاحتج عليهم بما لا يدفعونه ، لأنهم كانوا إذا مسهم الضر دعوا الله .

و قوله تعالى: إن كنتم صادقين جواب لقوله: "أرأيتكم" لأنه بمعنى أخبروا ، كأنه قيل لهم: إن كنتم صادقين ، فأخبروا من تدعون عند نزول البلاء بكم؟
بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون

قوله تعالى: بل إياه تدعون قال الزجاج : أعلمهم أنهم لا يدعون في الشدائد إلا إياه; وفي ذلك أعظم الحجج عليهم ، لأنهم عبدوا الأصنام .

فيكشف ما تدعون إليه إن شاء المعنى: فيكشف الضر الذي من أجله دعوتم ، وهذا على اتساع الكلام مثل قوله: واسأل القرية [يوسف:82] ، أي: أهل القرية .

وتنسون يجوز أن يكون بمعنى "تتركون"; ويجوز أن يكون المعنى: إنكم في ترككم دعاءهم بمنزلة من قد نسيهم .
[ ص: 38 ] ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون

قوله تعالى: ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك في الآية محذوف ، تقديره: ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك رسلا فخالفوهم ، فأخذناهم بالبأساء; وفيها ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها الزمانة والخوف ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: أنها البؤس ، وهو الفقر ، قاله ابن قتيبة .

والثالث: أنها الجوع ، ذكره الزجاج .

وفي الضراء ثلاثة أقوال .

أحدها: البلاء ، والجوع ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني النقص في الأموال والأنفس ، ذكره الزجاج .

والثالث: الأسقام والأمراض ، قاله أبو سليمان .

قوله تعالى: لعلهم يتضرعون أي لكي يتضرعوا . والتضرع: التذلل والاستكانة . وفي الكلام محذوف تقديره: فلم يتضرعوا .
فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون

قوله تعالى: فلولا معناه: "فهلا" . والبأس: العذاب . ومقصود الآية: أن الله تعالى أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم أنه قد أرسل إلى قوم قبله بلغوا من القسوة أنهم أخذوا بالشدائد ، فلم يخضعوا ، وأقاموا على كفرهم ، وزين لهم الشيطان ضلالتهم فأصروا عليها .
[ ص: 39 ] فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون

قوله تعالى: فلما نسوا ما ذكروا به قال ابن عباس : تركوا ما وعظوا به . فتحنا عليهم أبواب كل شيء يريد رخاء الدنيا وسرورها . وقرأ أبو جعفر ، وابن عامر: فتحنا بالتشديد هنا وفي [الأعراف] ، وفي [الأنبياء]: فتحت وفي [القمر]: فتحنا والجمهور على تخفيفهن . قال الزجاج : أبواب كل شيء كان مغلقا عنهم من الخير ، حتى إذا ظنوا أن ما كان نزل بهم ، لم يكن انتقاما ، وما فتح عليهم باستحقاقهم ، أخذناهم بغتة ، أي: فاجأهم عذابنا .

وقال ابن الأنباري: إنما أراد بقوله: كل شيء التأكيد ، كقول القائل: أكلنا عند فلان كل شيء ، وكنا عنده في كل سرور ، يريد بهذا العموم تكثير ما يصفه والإطناب فيه ، كقوله وأوتيت من كل شيء [النمل:23] . وقال الحسن: من وسع عليه فلم ير أنه لم يمكر به ، فلا رأي له; ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر له ، فلا رأي له ، ثم قرأ هذه الآية ، وقال: مكر بالقوم ورب الكعبة ، أعطوا حاجاتهم ثم أخذوا .

قوله تعالى: فإذا هم مبلسون في المبلس خمسة أقوال .

أحدها: أنه الآيس من رحمة الله عز وجل رواه الضحاك عن ابن عباس; وقال في رواية أخرى: الآيس من كل خير . وقال الفراء: المبلس: اليائس [ ص: 40 ] المنقطع رجاؤه ، ولذلك قيل للذي يسكت عند انقطاع حجته ، فلا يكون عنده جواب: قد أبلس قال العجاج:


يا صاح هل تعرف رسما مكرسا قال نعم أعرفه وأبلسا


أي: لم يحر جوابا . وقيل: المكرس: الذي قد بعرت فيه الإبل ، وبولت ، فيركب بعضه بعضا .

والثاني: أنه المفتضح . قال مجاهد: الإبلاس: الفضيحة .

والثالث: أنه المهلك ، قاله السدي .

والرابع: أنه المجهود المكروب الذي قد نزل به من الشر ما لا يستطيعه ، قاله ابن زيد .

والخامس: أنه الحزين النادم ، قاله أبو عبيدة ، وأنشد لرؤبة وحضرت
يوم الخميس الأخماس وفي الوجوه صفرة وإبلاس .


أي اكتئاب ، وكسوف ، وحزن .

وقال الزجاج : هو الشديد الحسرة ، الحزين ، اليائس . وقال في موضع آخر: المبلس: الساكت المتحير .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 381.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 375.22 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (1.59%)]