الملة الإبراهيمية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12495 - عددالزوار : 213403 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-03-2022, 07:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي الملة الإبراهيمية

الملة الإبراهيمية (1)


كتبه/ محمد إسماعيل المقدم


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فأفضل مَن دعا إلى "لا إله إلا الله" بعد رسول الله محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أبوه إبراهيم عليه السلام، أبو الأنبياء، وخليل الرحمن؛ فقد افتتح إبراهيم عليه السلام عهدًا جديدًا، وسطَّر في تاريخ الدعوة إلى التوحيد فصلًا متميزًا فريدًا؛ إذ دعا إلى تحقيق هذه الكلمة في قوة وحرارة بالغتين، وجاهر قومه وأباه بالعداوة، وقال لهم في صراحة وجرأة: (إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ‌وَمَا ‌أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (الممتحنة: 4).

وقال لهم كذلك: (قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ . أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ . فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ . الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ . وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ . وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ . وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ . ‌وَالَّذِي ‌أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ . رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (الشعراء:75-83).

ولما حاجه قومه في الله عز وجل وخوَّفوه عاقبة كفره بآلهتهم وشتمه لها، قال لهم موبِّخًا مسفِّهًا: (أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ . وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ . وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (الأنعام:80-83).

ولم يكتفِ إبراهيم عليه السلام بهذه الدعوة القولية إلى التوحيد، بل بلغت به الجرأة وبيع النفس لله عز وجل أن كاد لهذه الأصنام؛ فاهتبل فرصة خروج القوم إلى عيدٍ لهم؛ فراغ إلى آلهتهم فقال لهم مستهزئًا: (أَلَا تَأْكُلُونَ . مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ . فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ) (الصافات: 91-93)، (فَجَعَلَهُمْ ‌جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) (الأنبياء:58).

فلما رجع القوم إلى مدينتهم ووجدوا أصنامهم على هذا النحو مِن التّفتت والهوان، قالوا: (‌مَنْ ‌فَعَلَ ‌هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ . قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) (الأنبياء: 59-60).

وهكذا انحصرت التهمة في إبراهيم عليه السلام، (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ . قَالُوا ‌مَنْ ‌فَعَلَ ‌هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ . قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ . قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ . قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ . قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ . فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ . ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ . قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ . أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 58-71).

وهكذا ضرب إبراهيم عليه السلام المَثَل في التضحية والإخلاص والتفاني في الدعوة إلى الله، واحتمال كل ما يَلقى في سبيلها ولو كان التحريق بالنار، واستحق بذلك ما أثنى الله به عليه في كتابه من قوله عز وجل: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ . وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ . ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:120-123)، وقوله: (‌وَمَنْ ‌يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (البقرة: 130)، وقوله: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ ‌لِرَبِّ ‌الْعَالَمِينَ) (البقرة:131).

ولم تكن أهمية الدور الذي قام به إبراهيم -عليه السلام- في الدعوة إلى التوحيد قاصرة على ما بذله في حياته مِن جهدٍ استحق به لقب الخلة للرحمن، وتبوأ به منصب الإمامة في الدين، بل إن أهميته لتظهر أكثر وأكثر في امتداد دعوته في الأجيال من بعده، قال سبحانه: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا ‌فِي ‌ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (العنكبوت:27)، فجميع الأنبياء بعد إبراهيم عليه السلام كلهم من ذريته؛ ولهذا لُقِّب بأبي الأنبياء، وقال عز وجل: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ‌إِنَّنِي ‌بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ . إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ . وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الزخرف: 26-28).

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "يقول تعالى مخبِرًا عن عبده ورسوله وخليله إمام الحنفاء، ووالد مَن بُعِث بعده مِن الأنبياء؛ الذي تَنْتَسِب إليه قريش في نسبها ومذهبها: إنه تبرأ مِن أبيه وقومه في عبادتهم الأوثان، فقال: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ‌إِنَّنِي ‌بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ . إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ)، (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) أي: هذه الكلمة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما سواه من الأوثان، وهي: "لا إله إلا الله" أي: جعلها دائمة في ذريته يقتدي به فيها مَن هداه الله مِن ذرية إبراهيم عليه السلام. (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي: إليها. وقال عكرمة، ومجاهد، وقتادة، وغيرهم في قوله عز وجل: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ)، يعني: لا إله إلا الله، لا يزال في ذريته مَن يقولها، وروي نحوه عن ابن عباس. وقال ابن زيد: كلمة الإسلام، وهو يرجع إلى ما قاله الجماعة".

وجعل الله سبحانه خليله إبراهيم عليه السلام وأتباعه أسوة لعباده المؤمنين، فقال عز وجل -: (‌قَدْ ‌كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (الممتحنة: 4).

ومِن يوم أن غرس إبراهيم شجرة التوحيد وهي مورقة يانعة الثمار بفضل مَن تعهدها بعده بالسقي والإنماء من الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، نعم كانت تذبل أحيانًا، ويجف ورقها، وتتصوح أزهارها؛ بسبب تفريط الأبناء وغفلتهم عن عهود الآباء، ولكنها على كل حالٍ بقيت تغالب عوامل الموت والفناء، ولقد جاء عليها بعد عيسى عليه السلام آخر أنبياء بني إسرائيل وقتٌ مِن الزمان كادت تذهب فيه وينمحي أثرُها؛ لولا أن تداركتها عناية الله بالرسالة الجامعة الخاتمة التي جاء بها محمد بن عبد الله النبي القرشي الأمي الهاشمي، صلوات الله وسلامه عليه؛ فبعث فيها الحياة قوية فتية، وجدد مِن شبابها حتى استغلظت واستوت على سوقها، وصارت وارفة الظلال، ممتدة الأفياء، أصلها ثابت وفرعها في السماء.

وللحديث بقية إن شاء الله.





































__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15-03-2022, 11:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الملة الإبراهيمية

الملة الإبراهيمية (2)

كتبه/ محمد إسماعيل المقدم



ثناء الله تعالى على خليله إبراهيم عليه السلام



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أولًا: إبراهيم أمة:

قال الله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ *كَانَ *أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ).

(*أُمَّةً): أي: يعدل وحده جماعة فيما رزقه الله من إيمان وثبات وشِيَم.

(قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ): أي: قائمًا بأمر الله تعالى، مائلًا إلى ملة الإسلام ميلًا لا يزول عنه.

قال ابن القيم رحمه الله: "إن الله أثنى على إبراهيم خليله بقوله:

1- (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ *كَانَ *أُمَّةً) الآية، فهذه أربعة أنواع من الثناء، افتتحها بأنه هو القدوة الذي يؤتم به.

قال ابن مسعود: (الأمة: المعلم للخير)، وهي فعلة بضم الفاء من الائتمام كالقدوة، وهو الذي يقتدَى به.

والفرق بين (الأمة) و(الإمام) من وجهين:

أحدهما: أن (الإمام) كـل مـا يـؤتـم بـه، سواء كان بقصده وشعوره أو لا، ومنه سمي الطريق إمامًا، كقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ . *فَانْتَقَمْنَا *مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ)، أي: بطريق واضح لا يخفى على السالك، ولا يسمى الطريق أمة.

الثاني: أن "الأمة" فيه زيادة معنى، وهو الذي جمع صفات الكمال من العلم والعمل، بحيث بقي فيها فردًا وحده، فهو الجامع لخصال تفرقت في غيره، فكأنه باين غيره باجتماعها فيه، وتفرقها أو عدمها في غيره، ولفظ: (الأمة) يشعر بهذا المعنى؛ لما فيه من الميم المضعَّفة الدالة على الضم بمخرجها وتكريرها، وكذلك ضم أوله، فإن الضمة من الواو ومخرجها ينضم عند النطق بها، وأتى بالتـاء الدالة على الوحدة: كالغرفة واللقمة، ومنه الحديث: "إن زيد بن عمرو بن نفيل يبعث يوم القيامة أمة وحده"، فالضم والاجتماع لازم لمعنى الأمة، ومنه سميت الأمة التي هـي آحاد الأمم؛ لأنهم الناس المجتمعون على دين واحد، أو في عصر واحد.

2- قوله: (قَانِتًا لِلَّهِ): قال ابن مسعود: "القانت: المطيع"، والقنوت يفسَّر بأشياء كلها ترجع إلى دوام الطاعة.

3- قوله: (حَنِيفًا): الحنيف المقبل على الله. ويلزم من هذا المعنى ميله عما سواه، فالميل لازم معنى الحنيف؛ لا أنه موضوعه لغة.

4- قوله: (شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ): والشكر للنعم مبني على ثلاثة أركان: الإقرار بالنعمة، وإضافتها إلى المنعم بها، وصرفها في مرضاته، والعمل فيها بما يجب؛ فلا يكون العبد شاكرًا إلا بهذه الأشياء الثلاثة.

والمقصود: أنه سبحانه مدح خليله بأربع صفات كلها ترجع إلى العلم، والعمل بموجبه، وتعليمه ونشره، فعاد الكمال كله إلى العلم والعمل بموجبه، ودعوة الخلق إليه".

أجل! لقد كان إبراهيم عليه السلام أمة في إيمانه وعبوديته الله وشكره.

أمة في ثباته على الحق، وصبره على أذى قومه وظلمهم.

أمـة في حلمه، وسعة صـدره، ولين جانبه، وحسن خلقه، وقوة حجته.

أمة في تبرئه من المشركين، وعدم موالاتهم، وتميزه عنهم.

أمـة في تمام تجرده، وشدة إذعانه، وانقياده لأمر الله تعالى في جميع أموره.

ثانيًا: إبراهيم خليل الله:

قال تعالى: *وَمَنْ *أَحْسَنُ *دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا).

- الخلة: هي غاية المحبة، وسمي الخليل خليلًا؛ لأن محبته تتخلل القلب فلا تدع فيه خللًا إلا ملأته.

ولم ينل هذه المنزلة إلا إبراهيم عليه السلام والمصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، روى مسلم بسنده إلى جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه مرفوعًا: "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلًا، كما اتخذ إبراهيم عليه السلام خليلًا، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلًا؛ لاتخذت أبا بكر خليلًا".

وعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: "إني أبرأ إلى كل خليل من خلته، ولو كنت متخذًا خليلًا؛ لاتخذت أبا بكر خليلًا، وإن صاحبكم خليل الله"، وأخرج البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون قال: إن معاذا لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)، فقال رجل من القوم: لقد قرت عين أم إبراهيم".

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "وقوله: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)، هذا من باب الترغيب في اتباعه؛ لأنه إمـام يـقـتـدى به، حيث وصل إلى غاية ما يتقرب بـه العباد له، فإنه انتهى إلى درجة الخلة التي هي أرفع مقامات المحبة، وما ذاك إلا لكثرة طاعته لربه، كما وصفه به في قوله: (وَإِبْرَاهِيمَ *الَّذِي *وَفَّى)، قال كثيرون من السلف: أي: قام بجميع ما أمر به، ووفَّي كل مقام من مقامات العبادة، فكان لا يشغله أمر جليل عن حقير، ولا كبير عن صغير، وقال تعالى: (وَإِذِ *ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، وقال تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ *كَانَ *أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ).

وإنما سمي خليل الله لشدة محبة ربه عز وجل له؛ لما قام له من الطاعة التي يحبها ويرضاها؛ ولهذا ثبت في الصحيحين، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في آخر خطبة خطبها قال: "أمـا بعـد، أيها الناس، فلو كنت متخذًا من أهـل الأرض خليلًا لاتخذت أبا بكر بـن أبي قحافة خليلًا، ولكن صاحبكم خليل الله"، وجاء من طريق جندب بن عبد الله البجلي، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله اتخذني خليـلًا، كما اتخذ إبراهيـم خليلًا".

ثالثًا: إبراهيم أبو الأنبياء:

أخبر الله تعالى أنه منذ بعث نوحًا عليه السلام لم يرسل بعده رسولًا ولا نبيًّا إلا من ذريته، وكذلك إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن، لم ينزل من السماء كتابًا ولا أرسل رسولًا، ولا أوحى إلى بشر من بعده، إلا وهو من سلالته، فقال عـز وجـل: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ *فَمِنْهُمْ *مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)، وقال سبحانه في شأن إبراهيم عليه السلام: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا *فِي *ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ).


وللحديث بقية إن شاء الله.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22-03-2022, 09:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الملة الإبراهيمية

الملة الإبراهيمية (3)

تعظيم الله تعالى لملة إبراهيم عليه السلام









كتبه/ محمد إسماعيل المقدم


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمن شـرف إبراهيم عليه السلام أن أضافه الله تعالى إلى دين الإسلام، ونسب الملة الحنيفية إلى اسمه الشريف فقال: "ملة إبراهيم"، وقد عظَّم الله سبحانه "ملة إبراهيم" بأساليب شتَّى:

- فقد نصَّ على أن جميع الأنبياء من بعده افتخروا بانتمائهم إلى ملة إبراهيم ودعوا قومهم إليها، فقد قال تعالى: "وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ *سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ".

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيرها:

"يقول تبارك وتعالى ردًّا على الكفار فيما ابتدعوه وأحدثوه من الشرك بالله، المخالف لملة إبراهيم الخليل، إمام الحنفاء: فإنه جرَّد توحيد ربه تبارك وتعالى، فلم يدعُ معه غيره، ولا أشرك به طرفة عين، وتبرأ مِن كلِّ معبود سواه، وخالف في ذلك سائر قومه، حتى تبرأ من أبيه".

وقال تعالى: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي *بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (??) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ"، وقال تعالى: "*وَمَا *كَانَ *اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ"، وقال تعالى: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً *قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ".

ولهذا وأمثاله قال تعالى: "*وَمَنْ *يَرْغَبُ *عَنْ *مِلَّةِ *إِبْرَاهِيمَ" أي: عـن طريقته ومنهجه، فيخالفها ويرغب عنهـا، "إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ" أي: ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره بتركه الحق إلى الضلال، حيث خالف طـريـق مَـن اصطفي في الدنيا للهداية والرشاد، مِن حداثة سنه إلى أن اتخذه الله خليلًا، وهو في الآخرة من الصالحين السعداء، فترك طريقه هذا ومسلكه وملته، واتبع طرق الضلالة والغي؛ فأي سفه أعظم مِن هذا؟! أم أي ظلم أكبر من هذا؟!

وقال أبو العالية وقتادة: "نزلت هذه الآية في اليهود؛ فأحدثوا طريقا ليست من عند الله، وخالفوا ملة إبراهيم فيما أخذوه"، ويشهد لصحة هذا القول قول الله تعالى: "*مَا *كَانَ *إِبْرَاهِيمُ *يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ".

وقوله تعالى: "إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ *أَسْلَمْتُ *لِرَبِّ الْعَالَمِينَ"، أي: أمره الله بالإخلاص له والاستسلام والانقياد، فأجاب إلى ذلك شرعًا وقدرًا، وقوله: "*وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"، أي: وَصَّى بهذه الملة وهي الإسلام، ولحرصهم عليها ومحبتهم لها حافظوا عليها إلى حين الوفاة ووصوا بها أبناءهم مِن بعدهم، أي: أحسِنوا في حال الحياة، والزَموا هذا؛ ليرزقكم الله الموت عليه، فإن المرء يموت غالبًا على ما كان عليه، ويبعث على ما مات عليه.

وقد أجرى الله الكريم عادته بأن مَن قَصَد الخيرَ وُفِّق له ويُسِّر عليه، ومَن نوى صالحًا ثبت عليه، وهذا لا يعارض ما جاء في الحديث الصحيح: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها"؛ لأنه قد جاء في بعض روايات هذا الحديث: "فيعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس"، وقد قال الله تعالى: "*فَأَمَّا *مَنْ *أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى"، "أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَ?هَكَ وَإِلَ?هَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَ?هًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ".

يقول تعالى محتجًا على المشركين من العرب أبناء إسماعيل، وعلى الكفار من بني إسرائيل، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام بأن يعقوب لما حضرته الوفاة وصَّى بنيه بعبادة الله وحده لا شريك له، فقال لهـم: "مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَ?هَكَ وَإِلَ?هَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ"، وهـذا مـن بـاب التغليب؛ لأن إسماعيل عمه.

"إِلَ?هًا وَاحِدًا" أي: نوحده بالألوهية، ولا نشرك به شيئًا غيره.

"وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" أي: مطيعون خاضعون، كما قال تعالى: "*وَلَهُ *أَسْلَمَ *مَنْ *فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ".

والإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة، وإن تنوعت شرائعهم، واختلفت مناهجهم، كما قال تعالى: "*وَمَا *أَرْسَلْنَا *مِنْ *قَبْلِكَ *مِنْ *رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ".

والآيات في هذا كثيرة والأحاديث، فمنها:

- قوله صلى الله عليه وسلم: "نَحْنُ مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ أَوْلَادُ عَلات دِينُنَا وَاحِدٌ"، وقوله تعالى: "تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ"، أي: مضت، "لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ" أي: إن السلف الماضين مِن آبائكم مِن الأنبياء والصالحين لا ينفعكم انتسابكم إليهم إذا لم تفعلوا خيرًا يعود نفعه عليكم، فإن لهم أعمالهم التي عملوها ولكم أعمالكم، "وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ".

وهذا يوسف عليه السلام يفخر بانتسابه إلى ملة إبراهيم، فقد قصَّ الله علينا في حواره عليه السلام مع صاحبي السجن: "*قَالَ *لَا *يَأْتِيكُمَا *طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ . وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ".

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "يخبرهما يوسف عليه السلام أنهما مهما رأيا في نومهما من حلم، فإنه عـارف بتفسيره، ويخبرهمـا بتأويله قبل وقوعه؛ ولهذا قال: "*لَا *يَأْتِيكُمَا *طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ" قال مجاهد: في نومكما، "إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا"، ثم قال: وهذا إنما هو مِن تعليم الله إياي؛ لأني اجتنبت ملة الكافرين بالله واليوم الآخر، فلا يرجون ثوابًا ولا عقابًا في المعاد.

"وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ" يقـول: هـجـرت طـريـق الكفر والشرك، وسلكت طريق هؤلاء المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهكذا يكون حال مَن سلك طريق الهدى، طريق المرسلين، وأعرض عن طريق الظالمين؛ فإنه يهدي قلبه، ويعلمه ما لم يعلمه، ويجعله إمامًا يُقتدَى به في الخير، وداعيًا إلى سبيل الرشاد.

"مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ"؛ هذا التوحيد، وهو: الإقرار بأنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، "مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا" أي: أوحاه إلينا، وأمرنا بـه، " وَعَلَى النَّاسِ"؛ إذ جعلنا دعاة لهم إلى ذلك، "وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ" أي: لا يعرفون نعمة الله عليهم بإرسال الرسل إليهم.



عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيـل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: مَن أكرم الناس؟ قال: "أكرمهم أتقاهم"، قالوا: يا نبي الله، ليس عن هذا نسألك، قال: "فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله" إلخ.

الجواب الأول: أكرم الناس يوسف من جهة الشرف بالأعمال الصالحة، والثاني: من جهة الشرف بالنسب الصالح.

وقد افتخر رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بانتمائه لملة أبيه إبراهيم عليه السلام، "قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ".

يقول تعالى أمرًا لنبيه صلى الله عليه وسلم -سيد المرسلين-: أن يخبر بما أنعم به عليه من الهداية إلى صراطه المستقيم؛ الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف.

و"دِينًا قِيَمًا" أي: قائمًا ثابتًا، " مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" كقوله: ""وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ *سَفِهَ نَفْسَهُ".

وأمر الله تعالى خليله ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة إبراهيم: "ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ *مِلَّةَ *إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ".

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "يمدح تعالى عبده ورسوله وخليله إبراهيم، إمام الحنفاء ووالد الأنبياء، ويبرئه من المشركين ومن اليهودية والنصرانية، فـقـال: "*إِنَّ *إِبْرَاهِيمَ *كَانَ *أُمَّةً *قَانِتًا *لِلَّهِ *حَنِيفًا"، فأما "الأمة" فهو: الإمام الذي يقتدَى به، والقانت هو: الخاشع المطيع، والحنيف هو: المنحرف قصدًا عن الشرك إلى التوحيد.

وقوله: "شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ" أي: قائمًا بشكر نعم الله عليه، كما قال: "*وَإِبْرَاهِي مَ *الَّذِي *وَفَّى"، أي: قام بجميـع مـا أمـره الله تعالى به، "*اجْتَبَاهُ" أي: اختاره واصطفاه وهداه إلى صراط مستقيم له، وهو عبادة الله وحده لا شريك له على شرع مرضي.

وقوله: "وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً" أي: جمعنا له خير الدنيـا مـن جميع ما يحتاج المؤمن إليه في إكمال حياته الطيبة، "وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ".


وقال مجاهد في قوله: "وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً"، أي: لسان صدق، وقوله: "*ثُمَّ *أَوْحَيْنَا *إِلَيْكَ *أَنِ *اتَّبِعْ *مِلَّةَ *إِبْرَاهِيمَ *حَنِيفًا" أي: مِـن كـمالـه وعظمته وصحة توحيده وطريقه، أنا أوحينا إليك يا خاتم الرسل وسيد الأنبياء: "*أَنِ *اتَّبِعْ *مِلَّةَ *إِبْرَاهِيمَ *حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ".

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22-04-2022, 10:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الملة الإبراهيمية

الملة الإبراهيمية (4)

أكمل مَن قام بملة إبراهيم عليه السلام

كتبه/ محمد إسماعيل المقدم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فلا يـلـزم مِـن كون نبينا صلى الله عليه وسلم أمر باتباع ملة إبراهيم الحنيفية أن يكون إبراهيم أكمل منه فيها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قام بها قيامًا عظيمًا، وأكملت له إكمالًا تامًّا لم يسبقه أحدٌ إلى هذا الكمال؛ ولهذا كان خاتم الأنبياء، وسيد ولد آدم على الإطلاق، وصاحب المقام المحمود الذي يرغب إليه الخلق كلهم، حتى إبراهيم عليه السلام.
وقد روى ابن مردويه عن ابن أبزى، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: "أصبحنا على ملة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمدٍ، وملة أبينا إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين"، وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأديان أحب إلى الله تعالى؟ قال: "الحنيفية السمحة"، وروى أحمد عن عائشة، قالت: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذقني على منكبه، لأنظر إلى زفن الحبشة، حتى كنت التي مللت فانصرفت عنه. قال لي عروة: إن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ: "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة".
وأمر الله سبحانه أتباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم المؤمنين به؛ أن يتبعوا ملة إبراهيم عليه السلام، فقال عز وجل: "قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين".
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "ثم قال تعالى: (قل صدق الله) أي: قل يا محمد: صدق فيما أخبر به، وفيما شرعه في القرآن، "فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين" أي: اتبعوا ملة إبراهيم التي شرعها الله في القرآن على لسان محمدٍ صلى الله عليه وسلم؛ فإنه الحق الذي لا شك فيه ولا مرية، وهي الطريقة التي لم يأتِ نبيٌّ بأكمل منها، ولا أبين، ولا أوضح ولا أتم".
وقال الله سبحانه: "وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين"، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "رَوَى محمد بن إسحاق عن ابن عباس، قال: قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الهدى إلا مـا نحـن عليـه، فاتبعنا يا محمد تهتد! وقالت النصارى مثل ذلك؛ فأنزل الله عـز وجـل: "وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا".
وقوله: "بل ملة إبراهيم حنيفًا" أي: لا نريـد مـا دعوتمونا إليه من اليهودية والنصرانية، بل نتبع "ملة إبراهيم حنيفا" أي: مستقيما، وقال مجاهد: مخلصًا. و"قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرِّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون"؛ أرشد الله تعالى عباده المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل إليهم بواسطة رسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم مفصلًا، وما أنزل على الأنبياء المتقدمين مجملًا، ونص على أعيان من الرسل، وأجمل ذكر بقية الأنبياء، وأن لا يفرقوا بين أحد منهم، بـل يؤمنوا بهم كلهم، ولا يكونوا كمن قال الله فيهم: "ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلًا أولئك هم الكافرون حقًّا".
وروى البخاري عـن أبـي هريرة، قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: "آمنا بالله وما أنزل إلينا" الآية. وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عباس، قال، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما يصلي الركعتين اللتين قبل الفجر بـ"قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا" الآية، والأخرى بـ "آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون"، وقال الخليل بن أحمد وغيره: الأسباط في بني إسرائيل، كالقبائل في بني إسماعيل.
"فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به، فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم . صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون": يقول تعالى: "فإن آمنوا" يعني: الكفار من أهل الكتاب وغيرهم بمثل ما آمنتم به أيهـا المؤمنون، مـن الإيمان بجميع كتب الله ورسله، ولم يفرقوا بين أحد منهم، "فقد اهتدوا" أي: فقد أصابوا الحق وأرشدوا إليه، "وإن تولوا" أي: عـن الـحـق إلى الباطل، بعد قيام الحجة عليهم "فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله" أي: فسينصرك عليهـم ويظفرك بهم، "وهو السميع العليم.
وقوله: "صبغة الله": قال ابـن عبـاس: دين الله، وانتصاب "صبغة الله": إما الإغراء كقوله: "فطرتَ الله" أي: الزموا ذلك عليكموه، وقال بعضهم: بدلًا من قوله: "ملة إبراهيم"، وقال سيبويه: هـو مصدر مؤكد انتصب عن قوله: "آمنا بالله" كقوله: "وعد الله".
وقال عز وجل: "هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين" الآية، فقوله تعالى: "ملة أبيكم إبراهيم" فيه حـث وإغراء للمؤمنين على ما جاءهم به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بأنه ملة أبيهم إبراهيم الخليل عليه السلام، وأثنى الله سبحانه ثنـاءً عامًّا على كلِّ مَن اتبع ملة إبراهيم عليه السلام، فقال: "ومن أحسن دينا ممَّن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفًا" الآية.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "ثم قال تعالى: "ومن أحسن دينًا ممن أسلم وجهه لله" أي: أخلص العمل لربه عز وجل، فعمل إيمانًا واحتسابًا، أي: اتبع في عمله ما شرعه الله له، وما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق، وهذان الشرطان لا يصح عمل عامل بدونهما، أي: يكون خالصًا صوابًا، والخالص: أن يكون لله. والصواب: أن يكون متابعًا للشريعة؛ فيصح ظاهره بالمتابعة، وباطنه بالإخلاص، فمتى فقد العمل أحد هذين الشرطين فسـد.
فمَن فقد الإخلاص كان منافقًا، وهم الذين يراؤون الناس، ومَن فقد المتابعة كان ضالًّا جاهلًا، ومتى جمعهما فهو عمـل المؤمنين "الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون"؛ ولهذا قـال تعالى: "واتبع ملة إبراهيم حنيفًا"، وهم محمد وأتباعه إلى يوم القيامة، كمـا قـال تعالى: "إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه"، وقـال تعالى: "ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين"، والحنيف: هـو المائل عن الشرك قصدًا -أي: تاركًا له عن بصيرة-، ومقبـلٌ على الحق بكليته، لا يصده عنه صادٌّ، ولا يرده عنه رادٌّ.

وللحديث بقية بإذن الله.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 25-04-2022, 11:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الملة الإبراهيمية

الملة الإبراهيمية (5)

ذكر إبراهيم عليه السلام في الكتاب المقدس عند أهل الكتاب



كتبه/ محمد إسماعيل المقدم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقـد جـاء ذكـر الخليل عليه السلام فـي الكتب المقدسة الثلاثة: "التوراة والإنجيل والقرآن"، وكلها تشير إلى مكانته العالية في الدِّين، وتضفي عليه ما هو أهل له من المديح والثناء.
فقد جاء في (سفر التكوين) في الإصحاح الثاني عشر: "إن الرب قال لإبراهيم: اذهـب مـن أرضك، ومن عشيرتك، ومن بيت أبيـك إلى الأرض التي أربيـك، فأجعلك أمة عظيمة، وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة، وأبارك مَن يباركك، ومن يلعنك ألعنه وفيك تتبارك جميع قبائل الأرض، فذهب إبراهيم كما قال له الرب، وذهب معه لوط".
وفي الإصحاح السابع عشر: "ظهر الرب لإبراهيم وقال: أنا الله القدير سر أمامي، وكن كاملًا فاجعـل عهدي بيني وبينـك، وأكثرك كثيرًا جدًّا، فخـر إبراهيم ساجدًا وتكلَّـم الله معـه قائلًا: أما أنا فهو ذا عهـدي معك، وتكون أبـًا لجمهور من الأمم، وأثمرك كثيرًا جـدًّا، وأجعلك أممًا ومنك ملوك يخرجون، وأقيم عهدي بيني وبينـك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم هكـذا أبديًّا لأكون إلهًا لك ولنسلك من بعدك، وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان ملكًا أبديًّا، وأكون إلههم" إلى أن يقول: وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنا أباركه وأثمره، وأكثره كثيرًا جدًّا اثنى عشر رئيسًا يلد وأجعله أمة كبيرة ... ".
وجاء في الإصحاح الحادي والعشرين عند ذكر قصة الفـداء: "ونادي ملاك الرب إبراهيم ثانية من السماء وقال: بذاتي أقسمت إني من أجل أنك فعلت هذا الأمر، ولم تمسك ابنك ووحيدك، أباركك مباركة وأكثر نسلك تكثيرًا كنجوم السماء".
وفي (العهد القديم) كذلـك عـدا مـا ذكـرنـا إشـارات كثيرة إلـى إبراهيـم عليه السلام منها ما يذكره ليذكر عهد الرب له، ومنها ما يصفه ويصف بعض أخباره، وقد جاء وصف إبراهيم بالخلة في (كتاب الأيام الثاني) حيث يقول في الإصحاح العشرين: "ألست أنت إلهنا الذي طردت سكان هذه الأرض أمام شـعب إسرائيل، وأعطيتها لنسل إبراهيم خليلك إلى الأبد".
وجـاء ذكـر إبراهيم أيضًا في المصادر النصرانية، وإن كان ذلك على ندرة، ففي الإصحاح الثامن مـن (إنجيل متى) يقول المسيح عليه السلام:"الحق أقـول لـكـم: لـم أجد في إسرائيل إيمانًا بمقدار هذا، وأقول لكم: إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب في ملكوت السماوات، وأما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة الخارجية".
وفي الإصحاح الثاني من (إنجيل يوحنا): أن المسيح قال لليهود الذين آمنوا به: "إنكم إن ثبتم في كلامي، فبالحقيقة تكونون تلاميذي، وتعرفون الحق والحق يحرركم، فأجابوه: إننا ذرية إبراهيم ولم نستعبد لأحدٍ قط؛ فكيف تقول: إنكم تصيرون أحـرارًا؟ قال: الحق أقول لكم: إن كل من يعمل بالخطيئة، فهو عبد للخطيئة، والعبد لا يبقى في البيت أبدًا، أما الابن فيبقى للأبد، ثم قال: لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم".
فائدة: تعظيم إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم:
رأينـا فـي الفصـول المتقدمة كيف عظـَّم الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيـد ذكـر إبراهيم عليه السلام، وذلك بعباراتٍ تفيض ببالغ الثناء، وفريد التكريم والتعظيم والتبجيل.
لقد ذكر اسم إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم تسعًا وستين مرة، وذكرت قصته في خمس وعشرين سورة، وفي ثلاث وستين آية كما ارتبطت سيرته بسيرة ابن أخيه لوط عليه السلام وبسيرة ولديه إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، بل ارتبطت سيرته بسيرة كل مَن جاء بعده مِن الأنبياء؛ لأنهم جميعًا من نسله وذريته، وكان مسك الختام سيد ولد آدم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
وحفلت السنة الشريفة بأحاديث نبوية صحيحة كلها تفصل فضائل إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام كأحاديث المعراج، وذكر كونه أول مَن يكسى يوم القيامة، وتنزيهه عن الاستقسام بالأزلام، ووصفه بأنه خير البرية، وارتباط اسمه بكثير من شعائر الإسلام: كالصلاة، وعامة مناسك الحج كالطواف والسعي، وشرب زمزم، ورمي الجمرات، وذبح الهدي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في سياق كلامه عن موضوعات سورة البقرة:"ثم أخذ سبحانه في بيان شرائع الإسلام التي هي ملة إبراهيم: فذكر إبراهيـم الـذي هـو إمـام، وبناء البيت الـذي بتعظيمه يتميز أهل الإسلام عما سواهم، وذكر استقباله، وقرر ذلك، فإنه شعار الملة بين أهلها وغيرهم؛ ولهذا يقال: أهل القبلة، كما يقال: من صلى صلاتنا، واستقبل قبلنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم".
تنزيه إبراهيم عليه السلام من اليهودية والنصرانية:
من خصائص خليل الرحمن أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام أن تعظيمه وحبه واحترامه، والتباهي بالانتساب إليه قاسم مشترك بين المسلمين واليهود والنصارى، بـل حاول كلٌّ مِن اليهود والنصارى ادِّعاء نسبته إلى ديانتهم، حتى فضح الله كذبهم، فقال عز وجل: "يا أهل الكتاب لِمَ تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون"، وقال: "ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلِمَ تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون".
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "ينكر الله تعالى على اليهود والنصارى في محاجتهم في إبراهيم الخليل، ودعوى كل طائفة منهم أنه كان منهم، كما روى محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال: اجتمعت نصاری نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا عنده، فقالـت الأخبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديًّا، وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانيًّا، فأنزل الله تعالى: "يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم" الآية، أي: كيف تدعون أيها اليهود أنه كان يهوديًّا، وقد كان زمنه قبل أن ينزل الله التوراة على موسى؟ وكيف تدعون أيها النصارى أنه كان نصرانيًّا، وإنما حدثت النصرانية بعد زمنه بدهر؟!
ولهذا قال: "أفلا تعقلون؟"، ثم قال: "ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلِمَ تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون": هـذا إنكار على مَن يحـاج فيما لا علم له به، فإن اليهود والنصارى تحاجوا في إبراهيم بلا علم، ولو تحاجوا فيما بأيديهم منه علم مما يتعلق بأديانهم التي شرعت لهم إلى حين بعثة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لكان أولى بهم، وإنما تكلموا فيما لم يعلموا، فأنكر الله عليهم ذلك وأمرهم برد ما لا علم لهم به إلى عالم الغيب والشهادة الذي يعلم الأمور على حقائقها وجلياتها، ولهذا قال: "والله يعلم وأنتم لا تعلمون".
ثم قال تعالى: "ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا" أي: متحنفًا مائلًا عن الشرك قاصدًا إلى الإيمان "وما كان من المشركين"، وهذه الآية كالتي تقدمت في سورة البقرة: "وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبرهيم حنيفا وما كان من المشركين".
ثم قال تعالى: "إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين": يقول تعالى: أحق الناس بمتابعة إبراهيم الخليل الذين اتبعوه على دينه، وهذا النبي يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم، والذين آمنوا من أصحابه المهاجرين والأنصار ومن بعدهم.
روی سعید بن منصور عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لكل نبي ولاة من النبيين وإن وليي منهم أبي وخليـل ربي عز وجل ثم قرأ: "إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه" الآية. ورواه الترمذي والبزار، ورواه وكيع في تفسيره عن ابن مسعود بنحوه، وقوله: "والله ولي المؤمنين"، أي: ولي جميع المؤمنين برسله، وقال الله عز وجل مخاطبًا أهل الكتاب: "قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ *وَنَحْنُ *لَهُ *مُخْلِصُونَ . أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ . تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ".
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله -:"يقول الله تعالى مرشدا نبيه صلوات الله وسلامه عليه إلى درء مجادلة المشركين: "قل أتحاجوننا في الله؟" أي: أتناظروننا في توحيد الله، والإخلاص له والانقياد، واتباع أوامره، وترك زواجره، "وهو ربنا وربكم": المتصرف فينا وفيكم، المستحق لإخلاص الإلهية له وحده لا شريك له؟! "ولنا أعملنا ولكم أعمالكم" أي: نـحـن بـرآء منكم ومما تعبدون وأنتم برآء منـا، كما قال في الآية الأخرى: "وَإِنْ كَذَّبُوكَ *فَقُلْ *لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ"، وقال: "فَإِنْ *حَاجُّوكَ *فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ".
وقال تعالى في إخباره عن إبراهيم: "*وَحَاجَّهُ *قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ"، وقال في هذه الآية الكريمة: "ونحن له مخلصون" أي: نحن برآء منكم كما أنتم برآء منا، "ونحن له مخلصون"، أي: في العبادة والتوجه.
ثـم أنـكـر تعالى عليهـم فـي دعـواهـم أن إبراهيم، ومـن ذكر من الأنبياء والأسباط كانوا على ملتهـم؛ إما اليهودية وإما النصرانية، فقال: "قل أنتم أعلم أم الله" يعني: بل الله أعلـم، وقد أخبر أنهـم لـم يكونوا هـودًا ولا نصارى، كما قال تعالى: "ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين" الآية والتي بعدها، قال الحسـن البـصـري: كانوا يقرؤون في كتاب الله الذي أتاهـم: إن الدين الإسلام، وإن محمدًا رسول الله، وإن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانـوا برآء من اليهودية والنصرانية، فشهد الله بذلك، وأقروا به على أنفسهم لله، فكتموا شهادة الله عندهـم من ذلك.
وقوله: "وما الله بغافل عما تعملون": تهديد ووعيد شديد، أي: علمه محيط بعملكم، وسيجزيكم عليه، ثم قال: "تلك أمة قد خلت"، أي: قد مضت، "لها ما كسبت ولكم ما كسبتم": أي: لهـم أعمالهـم ولكم أعمالكم، وليس يغني عنكم انتسابكم إليهم، من غير متابعة منكم لهم، ولا تغتروا بمجرد النسبة إليهـم حتى تكونوا مثلهم منقادين لأوامر الله واتباع رسله الذين بُعِثوا مبشرين ومنذرين، فإنه مَن كفر بنبي واحد فقد كفر بسائر الرسل، ولا سيما مَن كفر بسيد الأنبياء وخاتم المرسلين ورسـول رب العالمين إلى جميع الإنس والجن من المكلفين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر أنبياء الله أجمعين".

وللحديث بقية إن شاء الله.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 09-05-2022, 12:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الملة الإبراهيمية

الملة الإبراهيمية (6)

التحذير من مصطلح الأديان الإبراهيمية الثلاثة










كتبه/ محمد إسماعيل المقدم


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فيروِّج دعاة ما يُسَمَّى: (التقريب بين الأديان) لضلالتهم بإشاعة مصطلح: (الأديان الإبراهيمية)، إشارة إلى الإسلام والنصرانية واليهودية؛ بحجة إيمانهم جميعًا بإبراهيم عليه السلام، ولا شك أن مَن رام القرب من اليهودية والنصرانية -فـضـلًا عـن سـائر الملل الوثنية، فقد رغب عن ملة إبراهيم التي هي الحنيفية المسلمة، وقد أمر الله عباده المؤمنين بلزومها، فقال: "ملة أبيكم إبراهيم" يعني: فالزموها، وقال عز وجل: "قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين".

وملته عليه السلام هي ملة الأنبياء قبله وبعده، وهي الإسلام بمعناه العام، الذي يعني إسلام الوجه الله تعالى بالإخلاص له وحده دون ما سواه، ونبذ الشرك والبراءة من أهله، والإحسان في عبادته باتباع شرعه الذي شرعه على لسان نبيه الذي أرسله، والإيمان بالمعاد، وذلك أحسن الدين، كما قال تعالى: "ومن أحسن دينًا ممَّن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفًا".

وقد سفه اليهود والنصارى أنفسهم حين رغبوا عن ملة إبراهيم بوقوعهم في أنواع الشرك والكفر، والبدع، والفسوق والعصيان، كما قال قتادة: "رغب عـن ملته اليهود والنصارى، واتخذوا اليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله، وتركوا ملة إبراهيم".

ومع ذلك فقد حاولوا انتحاله والانتساب إليه؛ فأكذبهم الله، وأبطل دعواهم، وبرَّأ نبيـه الكـريـم مِـن كفرهم وضلالهم، فقـال عز وجـل: "ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين"، وأنكـر عليهم أن يكـون أحـدٌ مـن أنبيائه من ذريته على اليهودية أو النصرانية، كما حاولوا استزلال المؤمنين في عهد النبوة إلى طريقهم، بدعوتهم إلى التهـود أو التنصر، فرد الله دعوتهم في نحورهم؛ قال تعالى: "وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ".

وامتثـل صلى الله عليه وسلم أمر ربـه فـدعـاهـم إلـى ملة إبراهيم في خطة رشـد، وكلمة سـواء، فقال: "قُلْ يأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون"، ولكـن أتبـاع عـزرا لا موسى، وبولس لا المسيح شـرقوا بدعوته، ولجُّوا في طغيانهم، واستنكفوا واستكبروا عن اتباع الهدى، ورغبوا عن ملة إبراهيم.

ومن هنا يجب التنبيه إلى خطورة ما يدعو إليه في زماننا بعض الضالين مما يسمونه: (الإبراهيمية) كي يلتقي المسلمون مع اليهود والنصارى تحت شعار إبراهيم!

وهذا زخرف من القول، لا ينخدع به إلا السذج، وإبراهيم الذي يقصدونه هو إبراهيم (التاريخي) وليس إبراهيم الموحِّد الحنيف، مع أنهم رغبوا عن ملته، وانتحلوا اسمه الشريف لاقتناص ضحاياهم، ولينتزعوا من أهل الإسلام اعترافا ضمنيًّا، بل صريحًا بأنهم على ملة إبراهيم؛ الأمر الذي يُعَدُّ -في حد ذاته- رغبة عن ملة إبراهيم -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

تنبيـه:

حاول كلٌّ من اليهود والنصارى نسبة إبراهيم عليه السلام إلى ملتهم، وهم يحاولون اليوم التقريب بين ما يسمَّى (الأديان الإبراهيمية الثلاثة) حتى ينتزعوا اعترافها من المسلمين بصحة نسبتهم؛ أي: اليهود والنصارى إلى إبراهيم عليـه السـلام؛ بيد أن هناك محاولة تدور فـي إطـار ثالث يحاول أن يخفي انتـساب المسلمين إلى إبراهيم عليه السلام، وذلك من خلال نشر فكرة (السامية) التي تركِّز على أن هناك أصـلًا واحدًا مشتركًا بين العرب واليهود، هو (سـام بـن نـوح)، فـي حيـن أن القصـد الحقيقـي مـن وراء ذلك هـو التعمية على انتساب العرب إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وربط تاريخ إسماعيل وذريته إلى مصدر غامض بعيد في أحقاب التاريخ، وبالتالي صرف الأنظار عن هويتنا الحقيقية التي هي ملة أبينا إبراهيم عليه السلام التي أولاها القرآن الكريم أعظم الاهتمام، ونسبنا إليها، وحثَّنا على اتباعها، وبرأ إبراهيم عليه السلام من كونه يهوديًّا أو نصرانيًّا أو مشركًا.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 129.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 125.40 كيلو بايت... تم توفير 4.20 كيلو بايت...بمعدل (3.24%)]