ملابسات الاتصال المعاصر بثقافة الآخر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي
التسجيل التعليمـــات التقويم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-05-2021, 01:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي ملابسات الاتصال المعاصر بثقافة الآخر

ملابسات الاتصال المعاصر بثقافة الآخر


د. وليد قصاب





لا تفتأ المعارف البشرية تتثاقف وتتلاقح، ولا يزال الإنسان مذ أوجَدَه الله - تعالى - في هذا الكون يتَّصل بأخيه الإنسان؛ فيأخذ عنه، ويتعلم منه، ويتعرَّف على ما عنده، فالتعارف بين البشر من سنن الله الكبرى في الكون؛ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13].

وكلَّما أوغَلَت البشرية في العمر، استحكمت وسائل الاتِّصال بينها، وراحت المسافات الشاسعة التي تُباعِدها تدنو وتقترب، فازداد الأخذ والعطاء، وقوي التأثُّر والتأثير، واليوم يبدو الاتِّصال بين شرق الكرة الأرضية وغربها أسهل من الاتِّصال القديم بين بلدتين متجاورتين، فالمسافات تُطوَى، والعالم كأنه قرية صغيرة، وتستطيع بضغطة على زرِّ جهازٍ علمي من هذه الأجهزة العجيبة التي أبدَعَها العقل الإنساني أن تعرف ما يجري في أقصى الدنيا.

ولكن استفحال عوامل التأثُّر والتأثير بين شعوب الأرض، واستحكام حلقات التواصل فيها - لم يذيبا الفوراق بينها، ولم يجعلاها أمة واحدة؛ {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ} [المائدة: 48]، ولم يَحُولا بين شعب، وأن يحتفظ بملامحه الخاصة من الثقافة والفكر، والعادات والتقاليد، وأشكال لا حصر لها من شؤون الحياة، بل إن التمسُّك باللون المحلي لَيبدو الشعار الحضاري الذي ترفعه كلُّ أمَّة، وهو الذي يحمل للإنسان في كل زمان ومكان متعةَ الترحُّل والسياحة، ويدفعه إلى المغامرة الدائمة؛ بحثًا عن نغمة متميِّزة يجدها عند الآخرين.

وفي الأدب يبحث النقَّاد عادةً عن البيئة المحلية التي يصوِّرها هذا النص أو ذاك، وعن ملامح البطل خاصة وشخصيته القومية، ويتساءلون عن مدى الصدق في تصوير هذا كله.

ولقد اتَّصل أدبنا العربي منذ العصر الأموي والعباسي بضروبٍ شتَّى من آداب الأمم الأخرى وثقافاتها؛ كالفارسية، والهندية، والبيزنطية، واليونانية، وعرف هوميروس وأرسطو وغيرهما، ونجمت منذ أواخر العصر الأموي حركة ترجمة نشيطة لضروب مختلفة من المعارف والعلوم، ولم يُغمِض الفكر العربي الإسلامي عينيه عنها، أو يغلق أبوابه دونها، بل قبس منها أقباسًا، واستَرْوَح منها نسمات، ولكن ذلك كله كان يتمُّ على عين البصيرة.

كان وهو يطَّلع على ما يقع إليه من أضراب الفكر الغربي، يحاكمها بمعايير عقيدته، ويجعلها شاهدًا عليها، لم يقف منها قطُّ موقفَ استخذاء أو دونية، أو موقف مبهور زائغ البصر؛ كان يصحِّح ويعدِّل، يُضِيف ويحذف، يُناقِش ويُحاجِج، حتى يستمخض من ذلك كله مزاجًا جديدًا فيه شخصية الأمة وعقيدتها وذوقها.

يقول الدكتور محمد محمد حسين، متحدثًا عن موقف العرب من الفكر اليوناني:
"في القديم رفض العرب فن القصة والملحمة؛ لأنها نشَأَت وثنية في مظهرها وروحها، ثم لم تستطع أن تتخلَّص من آثار هذه الوثنية بعد تنصُّرها، ورفضوا الشعر؛ لأنه يصدر عن مزاج مخالف للمزاج العربي في تذوُّق الموسيقا وفي خصائصها، وذهبوا في الصنعة والتأنُّق مذهبًا آخر يلائم ثراء لغتهم، ورفضوا فنَّ التصوير والنحت لمخالفته للإسلام، واستمدُّوا منه في الزخرفة وفي العمارة ما يلائمهم، وأضافوا إليه من عندهم ما أنشؤوا به فنًّا عربيًّا فذًّا، وتوسَّعوا في نقل النظريات الرياضية والعلوم المجرَّدة والتطبيقية والتجريدية، ممَّا لا مجال فيه للارتباط بالعقائد الدينية والقِيَم الخلقية والسلوك الاجتماعي"[1].

وإذا كانت هذه القِيَم الهجينة سبب الحاجز الذي قام بين الأدب العربي وأدب اليونان، فإن هذا - على جلال شأنه عند أصحاب العقيدة - يطوي - كما تقول بنت الشاطئ - ملحظًا أبعد وأعمق: "وهو أن الأمَّة الإسلامية أخذت ما أخذت من التراث العلمي للأمم القديمة؛ لأنها أرادت أن توسِّع من آفاق معرفتها، وتخصب عقليتها، لكنها تجافت عن الآداب؛ كراهة أن تستعير وجدانًا أجنبيًّا"[2].

ولكن هذه الملاحظ وأمثالها كانت مغيَّبة عن واحدٍ مثل يوسف الخال ومجموعة (مجلة شعر)، وبعض نصراء الحداثة، أو غير داخلة في حسبانهم عندما نعوا في بيانٍ أصدروه تلك الانكماشيَّة التي وُضِع فيها الشعراء العرب قديمًا بالنسبة للأدب الإغريقي"[3].
ملابسات الاتصال بالثقافة الغربية:
إذا كانت المحاكمة الرشيدة هي الفيصل فيما كان يأخذ أدبنا القديم من الآداب الأخرى أو يدع، فإن هذه المحاكمة شبه معدومة في الاتِّصال القائم اليوم بين الأدب العربي الحديث وأدب الغرب، فمنذ مطلع ما يُسمَّى بعصر النهضة التي يحلو لبعضهم أن يؤرِّخ لها بحملة نابليون على مصر سنة (1798)، بدأ اتِّصال وثيق بالحضارة الغربية، ومضى الأدب تغزوه يومًا بعد يوم أفكار وثقافات أجنبية لا حصر لها، تتغلغل في نسيجه طاغِية مؤثرة، وتنتشر فيه انتشار النار في الهشيم، مضى يُصنَع على عينيها، ويتخلَّق تحت نير سلطانها المعربد.

وقد هُيِّئ لهذا التخلُّق الهجين مجموعة من العوامل والملابسات السياسية والحضارية، والاجتماعية، والنفسية، ممَّا يطول الحديث عنه طولاً يخرج بنا عن القصد، ولكن أبرزها يتمثَّل فيما يأتي:
تخلُّف العرب وتقدُّم الغرب ممَّا أورث انبهارًا به، ومحاكاة له على طريقة (الضعيف والقوي) التي تحدَّث عنها ابن خلدون، وأوجد في الأمة حالة من الاستلاب الحضاري، سمَّاها مالك بن نبي - رحمه الله - (قابلية الاستعمار).
ما تعرَّضت له الأمة العربية والإسلامية من استعمار غربي عسكري مسلَّح، أذاقها الفقر والذلَّ، وأشاع فيها القطيعة والفرقة، ثم خرج بعد أن ترك نُظُمَه وأفكاره في أيدي طائفة من أعوانه - أبناء جلدتنا - صنعهم على عينه، فراحوا يُكمِلون أهدافه، ويَصدُرون عن هواه.
الغزو الفكري الثقافي المنظَّم، المدعوم بقوى لا حصر لها: خارجية وداخلية.
ما تعرَّضت له الأمة - وما تزال - من هزائم متلاحِقة، على أصعدة مختلفة، تُفقِدها الثقة بالذات، وتُشعِرها بالصَّغَار والانكسار، وتجسِّد لها المنتصِر الغربي مثلاً أرفع.
توقُّف المد الإسلامي، وانحسار دولة المسلمين من الوجود منذ سقوط الدولة العثمانية، واشتداد القبضة الغربية على أعناق الشعوب ومقدَّراتها، ولا سيَّما العربية والإسلامية منها.
تشتُّت العرب والمسلمين وتشرذمهم، وضعف حيلتهم عن التخطيط الواعي المدروس.
زوال الحواجز بين الأمم، وقوَّة الاتِّصال بينها، ووفود الأفكار والثقافات من جميع النوافذ.
ضمور الهوية الحضارية الذاتية، والتهوين من شأنها، وممارسة الغزو الفكري للتشكيك في جدواها.
محاصرة الفكر الإسلامي، والثقافة العربية الأصيلة، والتضييق على منابرهما الإعلامية.

في ظل ملابساتٍ كهذه وغيرها ممَّا لا يتَّسع المقام للوقوف عنده، يتمُّ لقاء الأدب العربي الحديث بالأدب الغربي، ولك أن تتخيَّل شكل التعامل مع ثقافة تُقدَّم إليك باستمرارٍ على أنها النموذج الأسمى، وأن أهلها قوم متميِّزون، وأنها حضارة الرجل الفائق (السوبر مان)، وإذا لم تقتنع بذلك اقتناعًا عقليًّا فرضها عليك بقوَّة الحديد والنار صُنَّاعها الأقوياء، وطائفة من بني جلدتك ممَّن رضعوا ألبان عشقهم، فراحوا يقولون لك قولة الدكتور طه حسين: "علينا أن نسير سيرة الأوربيين، ونسلك طريقهم؛ لنكون لهم أندادًا، ولنكون لهم شركاء في الحضارة: خيرها وشرها، وحلوها ومرها، وما يُحَبُّ منها وما يُكرَه، وما يُحمَد منها وما يُعاب... وأن نُشعِر الأوربي بأننا نرى الأشياء كما يراها، ونقوِّم الأمور كما يقوِّمها، ونحكم على الأشياء كما يحكم عليها..."[4].

وإذا رحت تُمنع في مقابل ذلك من المباهرة بثقافتك، ويُفرَض عليك وعليها حصار إعلامي صفيق، ثم كنت - زيادة على ما ذكر - مهزومًا من الداخل والخارج، لا يتلبَّسك شعور العزَّة والانتماء تلبُّسًا حارًّا؛ لأن كل شيء من حولك يهزُّ الثقة فيك: في دينك، وتراثك، ولغتك، وحضارتك، ويجبهك ليل نهار - على أيدي قوم لُسْنٍ مصاقع - بأنك ذو ثقافة بدوية بائدة، لا تصلح لعصر التقدُّم والعلم، ولا تماشِي روح العصر، إذا تجمعت أمثالُ هذه المُلاَبسات، كان لك أن تتخيَّل أي ضرب من التعامل يتمُّ؟

إنه لن يكون - في شكله الأعم - تعاملاً رشيدًا مبصرًا؛ لأنه يفتقد الندِّية، وتذهل فيه روح المحاكمة والاصطفاء.

ومهما يكن في النوافذ الغربية التي انفتحت على أدبنا الحديث من خيرٍ لا نجحده، تمثَّل في إطلالته على ثقافات وخبرات جديدة، وسَّعت آفاقه، وأغزرت فنونه، وأفادته تقانات فنية ومنهجية، وأشكالاً تعبيرية لم يكن يعرفها، فإن خسارته في ميدان الفكر خاصة كانت أفدح؛ لقد راح يتغرَّب، وتضيع ملامح وجهه الأصيلة يومًا بعد يوم.

إن الأدب العربي الحديث يصدر منذ عهد عن منابع غير أصيلة، وهو يمثِّل في غالبيته العظمى التي هي في موطن الشهرة والذيوع روح الخضوع للغرب، والتأثُّر به، والإحساس بالتصاغر أمامه، والوقوف منه موقف التلميذ من الأستاذ، يُحاكِيه محاكاة العميان، ويخبط وراءه خبط الأعشى الكليل.

يقول أبو الحسن الندوي: "إن كثيرًا من الجامعيين في مصر رجعوا متشبِّعين بروح الغرب، يتنفَّسون برئته، ويفكِّرون بعقله، ويردِّدون في بلدهم صدى أساتذتهم المستشرقين، وينشرون أفكارهم ونظرياتهم في إيمان عميق، وحماسة زائدة..."[5].

وتحدث أحد الباحثين عن هجانة الأدب العربي الحديث فقال: أدبنا مستورد، لا توجد لنا نظرية نقدية عربية يمكن أن نُسهِم بها في ركب التطوُّر والحضارة؛ نعم لأن الأدب الذي يكتبه أدباؤنا أدب مستورد، ومقاييسه بالتالي مستوردة[6].

وعندما نطَّلع على المناهج النقدية والمذاهب الأدبية الغربية، يتَّضح لنا بجلاء ما في هذه المذاهب والمناهج من قِيَم هجينة تتجافى مع روح الإسلام، ومع كثيرٍ من تصوُّراتنا الفكرية والفنية، ومع ذلك فقد سادت هذه المناهج والمذاهب أدبنا العربي الحديث، وراح كثيرٌ من الأدباء والنقَّاد يقلِّدونها، ويغترفون من بحرها، غير مميِّزين فيها بين ما يصلح وما لا يصلح.

إن الحوار مع الآخر مطلوب دائمًا، ولا غنى عنه، وهو من سنن الله الكبرى، وما بين الحضارات حوار لا صراع، ولكن أحدًا لا يتماهَى في الآخر، بل يحترم كلٌّ منهما خصوصية مُحاوِره، بل يستفيد من الصالح الخيِّر فيها.

ـــــــــــــــــــــــ
[1] "مقالات في الأدب واللغة": 21.
[2] "قيم جديدة للأدب العربي": 189.



[3] من محاضرة عنوانها (مستقبل الشعر في لبنان) ضمن نشرة "محاضرات الندوة اللبنانية": 5/367 – 384)).

[4] انظر: "مستقبل الثقافة في مصر": 41- 44.
[5] "الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية": 130.
[6] "جريدة الأخبار المصرية": الصفحة الأدبية العدد الصادر 1/4/1981.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 55.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 53.39 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (3.10%)]