﴿ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ﴾ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7808 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 33 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859282 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393614 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215853 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 74 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-03-2020, 08:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي ﴿ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ﴾

﴿ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا


د. أحمد خضر حسنين الحسن

قال الله تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا * وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا * قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا * قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 90 - 96].

تضمنت الآيات بحسب ما ورد في سبب نزولها طلب المشركين من رسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة حية من المعجزات التي اقترحوها عليه صلى الله عليه وسلم؛ كتفجير الأنهار حول مكة، وكرقيه إلى السماء، وكنزول الملائكة معه فهم، وليس مرادهم من ذلك أن يؤمنوا، بل هذا خرج منهم على سبيل التعجيز والاستهزاء، وإليك تفسير الآيات التي نصت على اقتراحاتهم (باختصار):
﴿ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ ﴾، ونتبعك فيما تدعونا إليه، ﴿ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا ﴾؛ أي: حتى تخرج لنا من أرض مكة القليلة المياه، يَنْبُوعًا؛ أي: عينًا لا ينضب ماؤها ولا يغور، والتعريف في لفظ الْأَرْضِ للعهد؛ لأن المراد بها أرض مكة، وعبَّر بكلمة يَنْبُوعًا للإشعار بأنهم لا يريدون من الماء ما يكفيهم فحسب، وإنما هم يريدون ماءً كثيرًا لا ينقص في وقت من الأوقات، إذ الياء زائدة للمبالغة.

﴿ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيرًا ﴾: بيان لاقتراح آخر من مقترحاتهم، والمعنى: أو تكون لك بصفة خاصة يا محمد جَنَّةٌ؛ أي: حديقة ملتفة الأغصان، مشتملة على الكثير من أشجار النخيل والأعناب، تجري الأنهار في وسطها جريًا عظيمًا هائلًا، وخصوا النخيل والأعناب بالذكر كما حكى القرآن عنهم؛ لأن هذين الصنفين يعتبران من أهم الثمار عندهم، ولأنهما على رأس الزروع المنتشرة في أراضيهم، والتي لها الكثير من الفوائد، والتنوين في قوله تَفْجِيرًا للتكثير؛ أي: تفجيرًا كثيرًا زاخرًا، بحيث تكون تلك الجنة الخاصة بك غنية بالمياه التي تنفعها وترويها.

﴿ أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفًا ﴾: فيه اقتراح ثالث من مقترحاتهم الفاسدة، ولفظ كِسَفًا؛ أي: قطعًا جمع كسفة بكسر الكاف وسكون السين، يقال: كسفت الثوب أي: قطعته وهو حال من السماء، والكاف في قوله: كَما صفة لموصوف محذوف، والمعنى: أو تسقط أنت علينا السماء إسقاطًا مماثلًا لما هددتنا به، من أن في قدرة ربك عز وجل أن ينزل علينا عذابًا متقطعًا من السماء.

﴿ أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا ﴾: تسجيل لمطلب رابع من مطالبهم القبيحة؛ قال الآلوسي: قَبِيلًا؛ أي: مقابلًا، كالعشير والمعاشر، وأرادوا كما جاء عن ابن عباس عيانًا، وهذا كقولهم: ﴿ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا ﴾، وفي رواية أخرى عنه وعن الضحاك تفسير القبيل بالكفيل؛ أي: كفيلًا بما تدعيه، يعنون شاهدًا يشهد لك بصحة ما قلته، وهو على الوجهين حال من لفظ الجلالة.. وعن مجاهد: القبيل الجماعة كالقبيلة، فيكون حالًا من الملائكة - أي: أو تأتي بالله وبالملائكة قبيلة قبيلة.

﴿ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ ﴾؛ أي: من ذهب، والزخرف يطلق في الأصل على الزينة، وأطلق هنا على الذهب؛ لأن الذهب أثمن ما يتزين به في العادة.

﴿ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ ﴾؛ أي: تصعد إليها؛ يقال: رقى فلان في السلم يرقى رقيًا ورقيًّا؛ أي: صعد، ﴿ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ ﴾، وصعودك إليها مع مشاهدتنا لذلك، ﴿ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا منها كِتابًا نَقْرَؤُهُ ﴾، ونفهم ما فيه؛ أي: يكون هذا الكتاب بلغتنا التي نفهمها وبأسلوب مخاطباتنا، وفيه ما يدل دلالة قاطعة على أنك رسول من عند الله تعالى، وما يدعونا إلى الإيمان بك.

ثالثًا: رد الله تعالى على أولئك المقترحين الإتيان بالآيات من خير البريات عليه أفضل الصلوات وأتم التسليمات بأحكم رد وأبلغه، وذلك بأن لقَّن رسوله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم الرد، فقال له: (قل) في مطلع تلك الآيات التي جاء فيها الرد على أولئك المعاندين من قومه، وكونه يلقنه الإجابة بـ(قل) فيه دلالة على تمام العناية الإلهية به صلى الله عليه وسلم، كما أن فيه دلالة على أن القرآن من عند الله تعالى، والآن إليك بيان تلك الآيات:
1- قال تعالى: ﴿ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ﴾؛ أي: قل أيها الرسول الكريم على سبيل التعجب من سوء تفكير هؤلاء الجاحدين: يا سبحان الله، هل أنا إلا بشر كسائر البشر، ورسول كسائر الرسل، وليس من شأن من كان كذلك أن يأتي بتلك المطالب المتعنتة التي طلبتموها، وإنما من شأنه أن يبلغ ما أمره الله بتبليغه من هدايات، تُخرِج الناس من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم، فالاستفهام في قوله: هَلْ كُنْتُ... للنفي؛ أي: ما كنت إلا رسولا كسائر الرسل، وبشرًا مثلهم.


وقوله: ﴿ سُبْحانَ رَبِّي ﴾ يفيد التعجيب من فرط حماقتهم، ومن بالغ جهلهم؛ حيث طلبوا تلك المطالب التي تضمنت ما يعتبر من أعظم المستحيلات، كطلبهم إتيان الله عز وجل والملائكة إليهم، ورؤيتهم لذاته سبحانه على سبيل المعاينة والمقابلة.

2- قال تعالى: ﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا ﴾؛ واعلم أنه تعالى لَما حكى شبهة القوم في اقتراح المعجزات الزائدة، وأجاب عنها، حكى عنهم شبهة أخرى، وهي أن القوم استبعدوا أن يبعث الله إلى الخلق رسولًا من البشر، بل اعتقدوا أن الله تعالى لو أرسل رسولًا إلى الخلق، لوجب أن يكون ذلك الرسول من الملائكة، فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة، فقال: ﴿ وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى ﴾... إلخ، والمراد بالناس هنا: المشركون منهم الذين استبعدوا، واعتقدوا أن الرسول لا يكون من البشر، ويدخل فيهم دخولًا أوليًّا كفار مكة، ومما لا شك فيه أن هذه الشبهة تدل على أن هؤلاء الكافرين لم يدركوا قيمة بشريتهم وكرامتها عند الله تعالى، وذلك بسبب انطماس بصائرهم، وكثرة جهلهم، وعكوفهم على موروثاتهم الفاسدة.

والمعنى: وما منعهم من الإيمان بالقرآن، وبنبوة النبي صلى الله عليه وسلم إلا شبهة تلجلجت في صدورهم، وهي إنكارهم أن يرسل الله البشر، والهمزة في ﴿ أَبَعَثَ اللَّهُ ﴾ للإنكار، وما أنكروه، فخلافه هو المنكر عند الله تعالى؛ لأن حكمته تعالى اقتضت ألا يرسل ملك الوحي إلا إلى أمثاله، أو إلى الأنبياء.

3- قال تعالى: ﴿ قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا ﴾، والمعنى: قل يا محمد صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الجاهلين: لو ثبت ووجد ملائكة في الأرض يمشون على أقدامهم كما يمشي الإنس، ويعيشون فوقها مُطْمَئِنِّينَ؛ أي: مستقرين فيها مقيمين بها، لو ثبت ذلك، لاقتضت حكمتنا أن نرسل إليهم من السماء ملكًا رسولًا، يكون من جنسهم، ويتكلم بلسانهم، وبذلك يتمكنون من مخاطبته، ومن الأخذ عنه، ومن التفاهم معه؛ لأن الجنس إلى الجنس أميل، والرسول يجب أن يكون من جنس المرسل إليهم. فكيف تطلبون أيها الجاهلون أن يكون الرسول إليكم ملكًا، وتستبعدون أن يكون بشرًا مع أنكم من البشر؟! وقال الآلوسي: "قوله: ﴿ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكًا رَسُولًا ﴾؛ أي: يعلمهم ما لا تستقل عقولهم بعلمه، وليسهل عليهم الاجتماع به، والتلقي منه، وأما عامة البشر، فلا يسهل عليهم ذلك، لبُعد ما بين الملك وبينهم".

قال الشنقيطي: وهذا المعنى الذي وضحته الآية الكريمة، وهو أن الرسول يجب أن يكون من جنس المرسل إليهم، قد جاء ما يشبهه ويؤكده في آيات كثيرة؛ منها قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ ﴾ [الأنعام: 8]، ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ ﴾ [الأنعام: 9]، وقوله سبحانه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 7]، وقوله عز وجل: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ [إبراهيم: 4].

4- ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم للمرة الثانية أن يحسم الجدال معهم، بتفويض أمره وأمرهم إلى الله عز وجل، فهو خير الحاكمين، فقال تعالى: ﴿ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 96]؛ أي: قل لهم في هذه المرة من جهتك، بعد أن قلت لهم في المرة السابقة من جهتنا: قل لهم أيها الرسول الكريم يكفيني أن يكون الله تعالى هو الشهيد والحاكم بيني وبينكم يوم نلقاه جميعًا، فهو سبحانه يعلم أني قد بلغتكم ما أرسلت به إليكم؛ إنه تعالى كان وما زال خبيرًا بصيرًا؛ أي: محيطًا إحاطة تامة بظواهرهم وبواطنهم، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

وفي هذه الآية الكريمة تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم من أذى، وتهديد لهم بسوء المصير؛ حيث آذوا نبيهم صلى الله عليه وسلم الذي جاء لهدايتهم وسعادتهم.

فوائد:
لقد ورد في القرآن الكريم الرد على تلك الاقتراحات والجواب عن تلك الشبهات لكن بجواب مختلف، ورد بأسلوب آخر، ومن ذلك ما جاء في سورتي وهما الرعد والعنكبوت، وأنا سأذكر هنا تلك المواضع، وكيف جاء فيه الجواب من الملك الوهاب دفاعًا عن السيد المهاب صلى الله عليه وسلم:
أولًا: ما ورد في السورة الرعد من الجواب على اقترح المشركين إنزال الآيات الكونية على خير البرية صلى الله عليه وسلم، وهو قوله تعالى: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [الرعد: 7]، وإليك بيانها:
1- ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ﴾، ومرادهم بالآية: معجزة كونية كالتي جاء بها موسى من إلقائه العصا، فإذا هي حية تسعى، أو كالتي جاء بها عيسى من إبرائه الأكمه والأبرص، وإحيائه الموتى بإذن الله - كما سبق ذكره - لأن القرآن في زعمهم ليس كافيًا؛ لكونه معجزة دالة على صدقه صلى الله عليه وسلم.

أي: ويقول هؤلاء الكافرون الذين عموا وصموا عن الحق، واستعجلوا العذاب: (لولا)، لَوْلا هنا حرف تحضيض بمعنى هلَّا، فالمعنى: هلا أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم آية أخرى غير القرآن الكريم تدل على صدقه، ولقد حكى القرآن مطالبهم المتعنتة في آيات كثيرة؛ منها قوله تعالى: ﴿ وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا ﴾... إلخ كما سبق.

2- لقد رد الله تعالى عليهم هنا في هذا الموضع ببيان وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ﴿ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ﴾؛ أي: إن وظيفتك - أيها الرسول الكريم - هي إنذار هؤلاء الجاحدين بسوء المصير، إذا ما لجوا في طغيانهم، وأصروا على كفرهم وعنادهم، وليس من وظيفتك الإتيان بالخوارق التي طلبوها منك، وإنما قصر سبحانه هنا وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم على الإنذار؛ لأنه هو المناسب لأحوال المشركين الذين أنكروا كون القرآن معجزة.

3- وقوله تعالى: ﴿ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ﴾؛ أي: ولكل قوم نبي يهديهم إلى الحق والرشاد بالوسيلة التي يراها مناسبة لأحوالهم، وأنت - أيها الرسول الكريم - قد جئتهم بهذا القرآن الهادي للتي هي أقوم، والذي هو خير وسيلة لإرشاد الناس إلى ما يسعدهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم.

ثانيًا: ما ورد في سورة العنكبوت من الجواب على اقترح المشركين إنزال الآيات الكونية على خير البرية صلى الله عليه وسلم، وهو قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [العنكبوت: 50 - 52]، وإليك بيانها:
1- قوله تعالى: ﴿ وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ ﴾: أرادوا رؤية الآيات الكونية، كعصا موسى، وناقة صالح؛ أي: وقال المبطلون للنبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التعنت والعناد، هلا جئتنا يا محمد بمعجزات حسية كالتي جاء بها بعض الأنبياء من قبلك، لكي نؤمن بك ونتبعك؟

2- قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾، هذا إرشاد من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم إلى ما يرد به عليهم؛ أي: قل أيها الرسول الكريم في ردك على هؤلاء الجاهلين، إنما الآيات التي تريدونها عند الله تعالى وحده، ينزلها حسب إرادته وحكمته، أما أنا فإن من وظيفتي الإنذار الواضح بسوء مصير من أعرض عن دعوتي.

3- وقوله سبحانه: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ ﴾: كلام مستأنف من جهته تعالى لتوبيخهم على جهالاتهم، والاستفهام للإنكار، والمعنى: أقالوا ما قالوا من باطل وجهل، ولم يكفهم أنا أنزلنا عليك هذا الكتاب الناطق بالحق، يتلى على مسامعهم صباحَ مساء، ويهديهم إلى ما فيه سعادتهم، لو تدبروه وآمنوا به، واتبعوا أوامره ونواهيه؟

والتعبير بقوله سبحانه: ﴿ يُتْلى عَلَيْهِمْ ﴾ يشير إلى أن هذه التلاوة متجددة عليهم، وغير منقطعة عنهم، وكان في إمكانهم أن ينتفعوا بها لو كانوا يعقلون.

4- قوله سبحانه: ﴿ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾؛ أي: إن في ذلك الكتاب الذي أنزلناه عليك أيها الرسول الكريم، والذي تتلوه عليهم صباح مساء، لرحمة عظيمة، وذكرى نافعة، لقوم يؤمنون بالحق، ويفتحون عقولهم للرشد، لا للتعنت والجحود والعناد.

5- قوله تعالى: ﴿ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾.

ثم أرشده سبحانه إلى جواب آخر يرد به عليهم، فقال: ﴿ قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا ﴾؛ أي: قل أيها الرسول الكريم لهؤلاء الجاهلين: يكفيني كفاية تامة أن يكون الله تعالى وحده هو الشهيد بيني وبينكم على أني صادق فيما أبلغه عنه، وعلى أن هذا القرآن من عنده.

وهو سبحانه يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ علما لا يعزب عنه شيء، وسيجازيني بما أستحقه من ثواب، وسيجازيكم بما تستحقونه من عقاب.

6- قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وأعرضوا عن الحق وَكَفَرُوا بِاللَّهِ ﴾ تعالى، مع وضوح الأدلة على أنه سبحانه هو المستحق للعبادة والطاعة.

الذين فعلوا ذلك ﴿ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ﴾ خسارة ليس بعدها خسارة؛ حيث آثروا الغيَّ على الرشد، واستحبوا العمى على الهدى، وسيكون أمرهم فرطا في الدنيا والآخرة.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



 

[حجم الصفحة الأصلي: 60.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.20 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (3.87%)]