الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله - الصفحة 32 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #311  
قديم 14-12-2022, 10:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 87 الى صــــــــ
99

الحلقة (265)





مبحث فائدة تحديد النصاب في القطع
ولعل قائلا يقول : إن النظر إلى الجريمة في هذا الوجه يقتضي أن يد السارق تقطه ولو سرق درهما واحدا فما فائدة تخصيص القطع بعشرة دراهم ؟
والجواب : ان الشارع أراد أن يجعل سبب القطع مالا له قيمة في الجملة وهو ما يتضرر به صاحبه فالعشرة دراهم قد تكون قوت أسرة فقيرة يومين فاذاسرقت منها تضررت أما ما دون ذلك فإنه لا يودب القطع لهوانه غالبا فإذا أفلت من القطع في هذه الحالة فإنه لا يفلت من التعزير بالسجي أو الضرب حتى لا يتعود
ومثل ذلك ما إذا أراد ان يسرق فثقب المدار أو تسور الجار ثم منعه من السرقة مانع فإنه يستحق في هذه الحالة عقوبة العتزير الرادعة عن العودة . وكذا من أقدم على السرقة ولم تتوفر فيه الشروط التي ذكرها الفقهاء فإن اشارع يوجب تعزيره كي لا يعود . ولعل فيما ذكرناه ما يقنع هؤلاء الذين يتخيلون شدة هذه العقوبة فيدركوا انها هي عين الرحمة للسارقين وللمجتمع كله
**************************
باب حد القذف
- فأما حد القذف فقد بينه اله سبحانه وتعالى بقوله في كتابه العزيز { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون } آية 4 من سورة النور ( 1 )
والقذف هو عبارة عن أن يتهم شخص آخر بالزنا صريحا كأن يقول : أنت زان أو دلالة كأن ينسب شخص آخر إلى غير أبيه فمن صدر منه ذلك كان جزاءه أن يجلد ثمانين جلدة ما لم يأت بأربعة شهداء يشهدون بأنهم رأوا بأعينهم المتهم يزني في امرأة لا تحل له ( 2 )
لا فرق بين أن يكون القاذف والمقذوف رجلا أو امرأة وإنما خص الله المقذوف من النساء بالذكر حيث عبر المحصنات لأن ضرر الزنا يتعدى المرأة إلى أسرتها فقذفها يصيبهم به معرة شديدة بخلاف الرجل
وكذلك خص الله القاذف من الرجال بالذكر حيث قال تعالى : { والذين يرمون } لأن النساء يغلب عليهن الحياء عادة فلا يقذفن الرجال بالزنا
وقد بينت السنة أنه لا فرق بين الرجال والنساء في القذف كما بينت الشروط اللازمة الاقامة حد القذف من عقل وحرية إلى آخر ما هو مبين في كتب الفقه
على أن الآية الكريمة قد أشارت إلى أهم شرط من هذه الشوط وهو أن يكون المقذوف محصنا ذكرا كان أو أنثى ومعنى إحصانه هنا أن لا يكون قد ارتكب جريمة الزنا قبل قذفه أو بعده قبل إقامة الحد فإن ثبت عليه ذلك فإنه لا يكون محصنا ويسقط الحد عن القاذف
ومن أتى امرأة بعقد فاسد كأن تزوجها بغير شهود . أو أتى امرأة وهي نائمة ظنا منه أنها زوجته وهي ليست كذلك فإن حد الزنا يسقط عنه بهذه الشبهة ولكن هل يرفع عنه فعله الاحصان بحيث لو قذفه شخص بالزنا لا يجلد ثمانين جلدة ؟ أو لا يزال محصنا يحد قاذفه ؟ خلاف بين العلماء
فبعضهم يرى أن اقدام على هذا الفعل بدون حيطة يرفع الإحصان
وبعضهم يقول : لا يرفع عن الإحصان إلا الزنا الموجب للحد فهذا هو حد القذف
----------------------------------------
( 1 ) ( تعريفه
الحد شرعا عقوبة مقدرة وجبت حقا لله تعالى كما في عقوبة الزنا أو وجبت حقا لآدمي كما في حد القذف وسميت العقوبات الشرعية حدودا لأن الله تعالى حدها وقدرها فلا يجوز لأحد أن يتجاوزها قال تعالى : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه }
وقيل : سميت بذلك لن الحد في اللغة كالمنع والحدود تمنع عن الإقدام على الفواحش والحكمة في وجوب حد القذف دون التساب بالكفر لأن المسبوب بالكفر قادر على أن ينفي عنه ذلك بالنطق بالشهادتين بخلاف المتهم بالزنان فإنه لا يقدر على نفي التهمة عنه والرمي وهو الإلقاء بحجر أو سهم أو نحوهما مما يؤذي ويضر استعير للسب وتوجيه العيوب لما في كل من الأذى والإضرار بالناس فخرج اللسان مخرج اليد بالسنان بل :
جراحات السهام لها التئام ... ولا يلتام ما جرح اللسان
وقد اختار الله تعالى التعبير بالرمي فذكرها ثلاث مرات في ثلاث آيات خاصة بحد القذف فقال تعالى : { والذين يرمون المحصنات } وقال تعالى : { والذين يرمون أزواجهم } وقال تعالى : روالذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } وهو من بلاغة القرآن الكريم فإن الكلمة متى أفلتت من لسان قائلها لم يتمالك زمامها وانطلقت لا تلوي على شيء حتى تصيب من وجهت إليه بالضرر والأذى فهي كالسهم يرمى به فلا تعود اليد قادرة على رده فليحتفظ من يهم بالرمي والأمر في يده حتى لا يندم حيث لا ينفع الندم
مبحث حكمة التشريع
إن الله عز و جل لما بين في أول سورة { النور } ما في جريمة الزنا من عظيم الفحشن وكبير الشناعة مما لم يجتمع في جريمة أخرى من كبير الإجرام وتشتنيع الفعل وأمر هذا شأنه يلحق العرض من الرمي به ما ينكس الرأس ويهدم الشرف وكان من مقاصد الشرع الكريم حفظ الأعراض وصون الشرف لصاحبه والاحتفاظ بالكرامة وعزة النفس كان من متقضى حكمته جل شأنه هذا التشريع الزاجر للنفوس الجامحة التي قد يدفها الغضب والحقد إلى أن تصيب الناس في كرامتهم وتخدش شرفهم وهو أعز عزيز لديهم مستهينة بما اقترفت كما قال تعالى : { إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم } آية النور : 15
ففرض الله لنا فيما فرض من أحكام ( حد القذف ) الزاجر الرادع الكفيل بصيانة الأعراض وحفظ الكرامة والشرف حتى تنزجر النفوس عن الإقدام على هذا الجرم الفظيع وليتأدب عامة المؤمنين بطلب ظن الخير بالآخرين وعدم المسارعة إلى سوء الظن بالناس والدعوة إلى تطهير اللسان وصون الآداب والتحرز عن الخوض في كبريات التهم بلا علم وتقرير بينات التهمة بحسب فظاعتها حتى لا يتخذ الناس الكيد بالاتهام الكاذب ذريعة للخدش والنكاية بلا حق . وإنك لا تجد من أنواع الجرم ما يقدم عليه صاحبه غافلا عن عظيم خطره إلا جرم اللسان وكأنه سهولة حركته بطبعه . ولذة التحدث بالأمور المستغربة وحسبان أن الطلام لا ينقص من المتكلم فيه شيئا محسوسا يذكر مع اعتياد الناس التساهل في القول والسماع كل ذلك جعل الناس يستهينون به ويحسبونه هينا وهو ذنب عند الله عظيم لذلك اهتم الشارع بحد القذف أعظم اهتمام فأنزل في حد السرقة آية واحدة وفي حد الزنا آيتين وفي حد قطاع الطريق آية أما حد القذف فقد أنزل فيه آيتين ثم أتبعه بنوع آخر منه وهو ( اللعان ) فأنزل فيه خمس آيات ثم أردفه بذكر حديث الافك فأنزل فيه تسع آيات ثم أتبع ذلك كله فأنزل أربع آيات في النهي عن قذف المحصنات الغافلات المؤمنات إلى أن قال : ( أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم } فكأن الله تعالى أنزل في حد ( القذف ) وأحكامه وأنواعه وبيان عقابه وشرح الأضرار المترتبة عليه في المجتمع والنهي عنه والتحذير من الوقوع يه وفظاعة الإقدام عليه أنزل في ذلك ( عشرين ) آية في سورة النور
ثم ذكر الله تعالى في ذكر هذه الآيات عقاب المجرم الذي يقذف الناسن ويهتك أعراضهم بأنه لم يستطيع إثبا البينة على قوله بأمور : أولا : أن يجلد ثمانين جلدة . ثانيا : ترد شهادته طول حياته . ثالثا : يصبح من أهل الفسوق والإجرام وأصحاب الكبائر . رابعا : يكون عند الله من الكاذبين خامسا : أنه ملعون في الدنيا ملعون في الآخرة سادسا : ان له عذابا عظيما عند الله قد ادخره له يوم القيامة سابعا : تشهد عليه جوارحه زيادة في الخزي والعار على رؤوس الأشهاد . ثامنا : ان الله تعالى يوفيهم جزاء فعلهم ويجزيهم حساب عملهم من القدر المستحق من أنواع العذاب في نار جهنم وقد أجمعت المة على أن القذف من أكبر الكبائر وأن حد القذف من أكبر الكبائر وأن حد القذف ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أما الكاب فقوله تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا . وأولئك هم الفاسقون } وقوله تعالى : { فإذا لم يأتوا باشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون }
والمعنى : أن من قذف مسلما أو مسلمة ولم ستطع إقامة البينة المطلوبة لإثبات قوله فهو كاذب عند الله أي حكمه في شريعة الله تعالى حكم الكاذب يقينا فيقام عليه حد الكاذب وقوله تعالى : { إن الذين يرمون الممحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذا بعظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانو ايعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين } آيات : 23 ، 24 ، 25 من سورة النور فقد بين الله تبارك وتعالى في هذه الآيات فظاعة تلك الجريمة وعظيم أمرها فشنع على من وقع فيها وشرح عظم خطرها وبين عقوبة مرتكبها ونهاية أمر فاعلها ووضح شديد وعيدها وأي وعيد أشد من اللعنة في الدنيا من الناس والملائكة والطرد من رحمة الله تعالى ورضوانه يوم القيامة واستحقاق العذب العظيم وتقرير ذنبه بشهادة جوارحه عليه في الآخرة أن القاذف مطالب في الجنيا لتصديق دعواه بأربعة شهداءن فالقاذف يوم القيامة يقوم في وجهه لتكذيبه خمسة شهود من أعضائه وجوارحه : لسانه ويداه ورجلاه تنكيلا لهن وفضيحة لشأنه جزاء وفاقا على محاولته فضيحة المحصنات الغلافلات المؤمنات
وحسبك بختم الآية الكريمة بأن الله سيوفيه جزاءه الحق ويعلم المفتري على الناس الكذب إن لم يكن قد علم أن قوله هوة الحق المبين وقال تعالى : { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم ولا تعلمون } والعذاب المتوعد به في الدنيا شامل لحد القذف وما يصيب المتعرض للأعراض غالبا من مصائب الدهر ولحوق المخزيات وتسليط الألسنة على شرفه وعرضه تثير منه ما كمن بالباطل وبالصحيح ومن فتش عن عوراتهم فضحوه ومن تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في قعر بيته وكما تجين تدانن وكما تفعل تجارى والجزاء من جنس العمل ومن زرع الحسرة حصد الندامة
وأما عذاب الآخرة فهو أشد وأبقى وإذا كان هذا من شأن الذين يحبون بقلوبهم أن تنتشر الفاحشة وتشيع في المؤمنين فما بالك بمن يفترها ويروجها بنفسه ؟ وأما السنة فما رواه الإمام البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة رشي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( اجتنبوا السبع الموبقات قالوا : يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات )
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من قذف مملوكه يقام عليه الحج يوم القيامة إلا أن يكون كما قال ) متفق عليه . ففي الحديث دليل على أنه لا يحد المالك في الدنيا أذا قذف مملوكه وإن كان جاخلا تحت عموم آية القذف بناء على أنه لم يرد بالإحصان الحرية وكذلك فعل الرسول صلوات مالله وسلامه عليه فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : لما نزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه و سلم على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن من قوله ( ن الذين جاؤوا بالإفك ) إلى آخر ثماني عشرة آية ( فما نزل برجلين وامراة فضربوا الحد ) أخرجه أحمد والأربعة وأشار أليه الإمام البخاري والرجلان هما حان ومسطح وأما المرأة فهي حمنة بنت جحش فالحديث يدل على ثبوت حد القذف
ما يبيح القذف
قال العلماء : إن القذف ينقسم الى لا محظور ومباح وواجب فإذا لم يكن هناك ولد يريد نفيه فلا يجب وهل يباح أم لا ؟ ينظر وإن رآها بعينه تزني أو أقرت هي على نفسها ووقع في قلبه صدقها أو سمع ممن يثق بقوله أو لم يسمع ولكنه استفاض فيما بين الناس ان فلانا يزني بفلانة وقد شاهده الزوح يخرج من بينها أو رآها معه في بيت فإنه يباح له القذف في مثل هذه الحالات لتأكد التهمة ويجوز أن يمسكها ويستر عليها إن تابت أما إذا سمع الخبر ممن لا يوثق بقوله أو استفاض من بين الناس ولكن الزوج لم يره معها في خلوة أو بالعكس لم يحل له قذفها ولكن يجب عليه مراقبتها والتجسس عليها حتى يثبت له صدق الخبر أو كذبه حتى لا يكون ( ديوثا ) يقر الزنا في اهل بيته
أما إذا كان ثم ولد يرد نفيه نظر : فإن تيقن أنه ليس منه بأن لم يكن وطئها الزوج أو وطئها لكنها أتت به لأقل من ستة أهشر من وقت الوطء أو لأكثر من أربع سنين يجب عليه القذف ونفي الولد باللعان لأنه ممنوع من استلحاق نسب الغير كما هو ممنوع من نفي نسبه كما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله ولن يدخلها الله حنته ) فما حرم على المرأة أن تدخل على قوم من ليس منهم كان الرجل أيضا كذلك
أما إن احتمل أن يكون منه بأن أتت به لأكثر من ستةة أشهر من وقت الوطء ولدون أربع سنين نظر إن لم يكن قد استبرأها بحيضة أو استبرأها وأتت به لدون ستة أشهر من وقت الاستبراء لا يحل له القذف والنفي وإن اتهمها بالزنا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين )
( 2 ) ( تعريفه شرعا
القذف في اللغة الرمي وفي اصطلاح الفقهاء : نسبة من أحصن إلى الزنا صريحا أو دلالة وإنما سمي اتهام المسلم المحصن قذفا لأن الناطق بهذه الكلمة كالفاحشة ( الزنا ) يقذفها كما يقذف الحجر في حالة غضب لا يدري من أصابته في طريقها من محصنة بريئة وأبيها وأمها وأختها وأخيها وزوجها وبينها وعشيرتها وذويها كل أولئك قد نالهم ضرر من قذيفته الطائشة وهو ضاحك مسرور غافل لا يدري من آلام هؤلاء شيئا ويسمى ( فرية ) لأنه من الافتراء والكذب
وقد وصف الله تعالى النساء بهذه الأوصاف الحميدة التي تناسب هذا المقام فالمحصنات هن المصونات كأنه جعل عليهن حصن منيع والغافلات : أي الخاليات الذهن عن التفكير في المنكر فضلا عن التوجه إليه والمؤمنات اللاتي آمن بالقران الكريم وأحكامه والتزمن حدود الإمان
واسم الإحصان يقع على المتزوجة وعلى العفيفة وإن لم تتزوج لقوله تعالى في مريم : { والتي أحصنت فرجها } وهو مأخوذ منع الفرج فإذا تزوجت منعته إلا من زوجها وغير المتزوجة تمنعه على كل أحد
وقد أتفق الأئمة رحمهم الله : على أن الحر البالغ العاقل المسلم المختار إذا قذف حرا عاقلا بالغا مسلما عفيفا لم يحمد في زنا في سالف الزمان أو قذف حرة بالغة عاقلة مسلمة عفيفة غير متلاعنة لم تحد في زنا مطيقة للوطء قذفها بصريح الزنا أو كنايته في غير دار الحرب وطلب المقذوف بنفسه إقامة حد القذف لزمه ثمانون جلدة إذا لم يستطع إقامة البينة لإثبات ما قاله بأربعة شهداء عدول
وإنما اعتبروا الإسلام شرطا في الإحصان لقوله صلى الله عليه و سلم : ( من أشرك بالله فليس بمحصن ) واعتبروا العقل والبلوغ لقوله صلى الله عليه و سلم : ( رفع القلم عن ثلاث ) واعتبروا الحرية لأن العبد ناقص الدرجة فلا يعظم عليه التعيير بالزنا واعتبروا العفة عن الزنا لأن الحد مشروع لتكذيب القاذف فإذا كان المقذوف زانيا فالقاذف صاق في القذف وكذلك إن كان المقذوف وطىء امرأة بشبهة أو نكاح فاسد لآن فيه شبهة الزنا كما فيه شبهة الحل فكما إن احجى الشبهتين اسقطتت الحد عن الواطىء فكذا الأخرى تسقطه عن قاذفه أيضا واعتبروا الاختيار لأن المكره لا يقام عليه الحد بل يرفع عنه العقاب واعتبروا بها من شروط المحصن ان لا يحد في زنا في سالف الزمان حتى يكون محصنا ظاهرا
فلو زنا في عنفوان شبابه مرة ثم تاب وحسن حاله وشاخ في الصلاح لا يحد قاذفه وكذلك لو زنا كافر أو رقيق ثم أسلم وعتق وصلح حاله فقذفه قاذف لاحد عليه بخلاف ما لوزنا في حال صغره أو جنونه ثم بلغ أو أفاق فقذفه يحد لأن فعل الصبي والمجنون لا يكون زنا ولو قذف عنينا أو مجبوبا أو رتقاء أو صغيرة لا تطيق فلا حد عليه ولو قذف محصنا فقبل ان يحد القاذف زنا المقذوف سقط الحد عن قاذفه لأن صدور الزنا يورث ريبة في حاله فيما مضى لأن الله تعالى كريم لا يهتك ستر عبده في أول ما يرتكب المعصية . فبظهوره يعلم أنه كان متصفا به من قبل روي أن رجلا زنا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال الرجل :
والله ما زنيت إلا هذه فقال له عمر : كذبت إن الله لا يفضح عبده في أول مرة
واتفق الأئمة على أن القذف الذي يجب به الحد هو أن يرمي القاذف المقذوف بالزنا أو اللواط أو ينفيه عن نسبه إذا كانت أمه حرة مسلمة بصريح القول دون سائر المعاصي . وذلك لأن القذف بالزنا فيه من العار بدناءة النفس وهتك الستر وافتضاح السوءات وانتهاك الحرمات والدلالة على عدم الغيرة الذي هو من سمات أخس الحيوانات ما قرف به كل الموبقات فإن كان المرمي به امرأة كان فيه من جلب العار على قومها ما يؤدي إلى سفك الدماء . وقلما يغسل ذلك العار إلا بسفك الدماء وإن كان المرمي به رجلا كان فيه الدلالة على أنه ليس للعرض في نظره كرامة ولا للغيرة على نفسه سلطان وكان أمارة على أنه لو أصيب بما أصاب به الناس لاعتبره أمرا عاديا لاتثور للغيرة له نفسه ولا يغلي له دمه ولذلك قيل : لا يزني الغيور وكفى بهذا عارا وعيبا يلحق الأبناء والأحفاد وتبقى سيرته طوال الحقاب
وقد أجمع الفقهاء على أن المراد بالرمي هنا في الآية الكريمة إنما هو الرمي بالزنا خاصة دون الرمي بالجرائم الأخرى . لعدة قرائن منها مجيء الآية بعد آية الزنا ومنها التعبير بالمحصنات وهن العفائف فدل ذلك على أن المراد بالرمي ورميهن بضد الفقاف . ونها قوله : { ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } يعني على صحة ما رموهن به ومعلوم أن هذا العدد من الشهود غير مشروط إلا في الزنا ومنها انعقاد الإجماع على أنه لا يجب الجلد بالرمي بغير الزنان فيجب أن يكون المراد بالرمي في الآية هو الرمي بالزنا خاصة من بين سائر العيوب
واتفق الفقهاء : على أنه لا يقام حد القذف على القاذف إلا إذا طلب المقذوف بنفسه إقامة حد القذف على قاذه . لآنه حقه من حيث دفع العار الذي لحقه فلو عفا عنه وتركه ولم يطلب إقامة الحد عليه فلا يقام الحد عليه

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #312  
قديم 14-12-2022, 10:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 87 الى صــــــــ
99

الحلقة (266)





ألفاظ القذف
ألفاظ القذف تنقسم إلى ثلاثة أقسام صريح وكناية وتعريض

واتفق الفقهاء على أن الحد يقام بالقذف باللفظ الصريح كأن يقول : يا زانية أو زنيت أو زنى قبلك أو دبرك ولو قال : زنى بدنك فيه وجهان أحدهما كناية كقوله : زنت يدك لأن حقيقة الزنا من الفرج فلا يكون من سائر البدن إلا المعونة والثاني : وهو الأصح أنه صريح لأن الفعل إنما يصدر من جملة البدن والفرج آلة في الفعل وأما الكنايات فمثل أن يقول : يا فاسقة يا فاجرة يا خبيثة يا مؤاجرة يا ابنة الحرام أو امرأتي لا ترد يد لامس وبالعكس فهذا لا يكون قذفا فلا يحد إلا أن يريده . فإن قال : لم أقصد به القذف بالزنا وكذبه المقذوف فالقول قوله مع يمينه ويجب على الأمام أن يعزره بما يراه لأنه قد آذاه بذلك وألحق به الشينن ولأن الحدود لا تثبت بالقياس أما التعريض فقد اختلف فيه الفقهاء رحمهم الله تعالى
الحنفية والشافعية في أحد آرائهم قالوا : لا يجب الحد في التعريض وإن نوى القذف وذلك مثل أن يقول : يا أبن الحلال أما فما زنيت أنا معروف النسب ليست أمي زانية ابحث عن أصلك أنا عفيف الفرج لأن التعريض بالقذف محتمل للقذف وغيره فرجب أن لا يحد لأن الصل براءة الذمة فلا يرجع عنه بالشك وإنما يجب عليه التعزير فقط لأن قذف غير المعين لا يحصل به كبير أذى للناس لأن كل واحد يقول المراد بذل غيري ولأن الاحتمال الذي في الاسم المستعار شبهة والحدود تدرأ بالشبهات
المالكية قالوا : يجب إقامة الحد في التعريض مطلقا نوى به القذف أو لم يقو وذلك لأنه لا يخلو من قصد احد بذلك في نفسه فنأخذ له حقه منه وإن كنا لانعلم ذاته . تطهيرا لذلك القاذف من هذه العادة وتربية لنفسه الخبيثة وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب الحد في التعريض روي أن رجلين استبا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال أحدهما للآخر : والله ما أنا بزان ولا أمي بزانية فاستشار عمر الناس في ذلك فقال قائل مدح أباه وأمه وقال آخرون : قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا فجلده ثمانين جلدة . ولأن الكناية قد تقوم بعرف العادة مقام النص الصريح وإن كان اللفظ فيها مستعملا في غير موضعه والتعريض خاص بالأكابر من أهل الدنيا الذين يراعون ناموسهم عند الخلق
الشافعية في الرأي الثاني والحنابلة في إحدى روايتهم قالوا : إن نوى بالتعويض القذف وفسره به وجب إقامة حد القذف عليه وإن لم ينو لا حد عليه والقول قوله مع يمينه
الحنابلة في روايتهم الثانية قالوا : يجب الحد على الإطلاق نوى أو لم ينون خصوصا إذا كان في حالة غضب وثورة لنها قرينة تفيد أنه يقصد إهانته وإلحاق العار بالمقذوف
عدم قبول شهادته
اتفق الأئمة على أن القاذف لا تقبل شهادته بعد إقامة الحد عليه لأن الشارع قد رتب على قذف المحصن أو المحصنة ثلاثة أشياء الجلد ثمانين جلدة ورد الشهادة أبدا والحكم عليه بالفسق حيث قال تعالى : { فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون } أما الجلد فللزجر ولمقابلة الإيذاء بالإيذاء وأما رد الهشادة فهي عقوبة لسانية تشبه قطع يد السارق فكأنه روعي أن جزاء هذا اللسان الذي اقترف ذلك الإثم العظيم أن يهدر ويقطع أثره فلا يعتد بما يقوله ويشهد به فيما بين الناس فهو العدم سواء وأما تفسيقه فهو مبالغة في الزجر وإشارة إلى أن ما لقي من جزاء في الدنيا من الحد ورد الشهادة لم يعفه من اعتباره فاسقا خارا " عن أمر ربه وطاعته تبارك وتعالى وناهيك بهذه الجزاءات دلالة على عظم الخطب وشدة الخطر وإذا كان هذا في الرمي بالزنا والاتهام به فكيف يكون حال مقترف هذا الجرم الفاحش الشنيع ؟ فهذا الحكم مع دلالته على ما سبق له يدل دلالة بالغة على تفظيع جرم تلك الفاحشة وتشنيع أمرها وعناية الشارع بالتنزيه عنها والتنفير منها حتى يتطهر المجتمتع من آثامها وإذا حد الكافر في قذف لم تجز شهادته على أهل الذمة فترد تتمة لحده
إذا كانت أم المقذوف كافرة أو أمة
المالكية قالوا : يجب إقامة الحمد على القاذف سواء كانت أم المقذوف حرة أو أمة مسلمة أو كافرة لعموم لفظ الآية أو كان أبو المقذوف الحر المسلم عبدا أو كافرا على الراجح من المذهب
الحنفية والشافعية قالوا : لا يجب إقامة الحد على القاذف إذا كانت أم المقذوف أمة أو كانت كتابية ويحد إذا كان أبو المقذوف الحر المسلم عبدا أو كافرا أو كان القاذف كافرا والعياذ بالله تعالى
قبول شهادته قبل إقامة الحد عليه

الشافعية والليث بن سعد قالوا : إذا وجب الحد على شخص بطلب شهادته ولزمه صفة الفسق قبل إقامة الحد عليه لأن الله تعالى رتب على القذف مع عدم الإتيان بالشهداء الأربعة امورا ثلاثة معظوفا بعضها على بعض بحرف الواو وهو لا يقتضي الترتيب فوجب أن لا يكون بعضها مرتبا على البعض فوجب أن لا يكون رد الشهادة مرتبا على إقامة الحد بل يجب أن يثبت رد الشهادة سواء أقيم الحد عليه أم لا ا ه
الحنفية والمالكية قالوا : إذا ثبت حد القذف على شخص فإن شهادته تكون مقبول ما لم يحد فلا يتسم بسمة الفسق ما لم يقع به الحد لأنه لو لزمته سمة الفسق لما جازت شهادته إذ كانت سمة الفسق مبطلة لشهادة من وسم بها
وذلك لأن ظاهر الاية يقتضي ترتب وجوب الحد على مجموع القذف والعجز عن إقامة الشهادة فلو علقنا هذا الاحكم على القذف وحده قدح ذلك في كونه معلقا على الأمرين . ويذلك بخلاف زاهر الآية وايضا فوجوب الجلد حكم مرتب على مجموع أمرين فوجب أن لا يحصل بمجرد حصول أحدهما
واتفق الأئمة على أن الحر لا يجلد في قذف عبده لآنه ملك يمينه فلا يعاقب بقذفه
إذا قذف العبد حرا
اتفق الأئمة على أن العبد إذا قذف حرا يجلد اربعين جلدة نصف حد الحر ذكرا أو أنثى . وذلك لما رواه الثوري عن جعفر بن محمد عن ابيه أن عليا عليه السلام قال : ( يجلد العبد في القذف أربعين ) وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال : ( أدركت أبا بكر وعمر وعثمان ومن بعدهم من الخلفاء وكلهم يضربون المملوك في القذف أربعين ) ولان جميع حدود الأحرار تنشطر بالرق
ولأن الله عز و جل قال : { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } فنص على أن حد الأمة في الزنا نصف حد الحرة ثم قاسوا العبد على الأمة في تنصيف حد الزنا ثم قاسوا تنصسف حد قذف العبد على تنصيف حد الزنا في حقه فرجع حاصل الأمر إلى تخصيص عموم الكتاب بهذا القياس والعبرة بحال القذف ولو تحرر بعد القذف وقبل إقامة الحد عليه لأنه كان رقيقا في حال القذف
لو قال له : يا فارسي
المالكية قالوا : لو قال لعربي يا نبطي أو يا رومي أو يا بربري أو قال لفارسي : يا رومي أو قال لرومي : يا فارسي ولم يكن في آبائه من هذه صفته فعليه الحد لأنه قذف في حقفه . ويلحقه به العار لما فيه من رائحة الطعن في نسبه وذلك لسد باب الأذى جملة أو قال له أنا عفيف الفرج
الحنفية والشافعية والحنابة رحمهم الله تعالى قالوا : أنه لو قال له هذه الألفاظ فلا يجب عليه الحد لندرة فهم القذف بالزنا من مثل ذلك اللفظ والنادر لا حكم له غالبا ولأنه يراج به التشبيه في الخلاق
ولو قال لامرأة زنيت بحمار أو ببعير أو بثور فلا حد عليه لأن الزنا ايلاج رجل ذكره في فرج الأنثى وما ذكره لا يعقل ولو قال لها زنيت بناقة أو بقرة أو ثوب أو جرهم فإنه يقام عليه الحد إذا لم يأت بالبينة
وذلك لأن معناه أنها زنت واخذت البدل أو الجر من الزاني ولو قال هذا الرجل فاسق أو مخنث لا يحد ولو قال لها : زنيت وأنت صغيرة أو جامعك فلان جماعا حراما لا يجب عليه الحد لعدم الصراحة في القول إذ الجماع الحرام يكون بنكاح فاسد ولا بقوله : أشهد في رجل بأنك زان لأنه حال لقذف غيره ومن قال لآخر يا زاني فقالك لاب أنت فإنهما يحدان أذا طالب كل منهما الآخر وأثبت ما طالب به عند الحاكم لزمه حيئذ حق الله تعالى وهو الحد فلا يتمكن واحد منهما من إسقاطه فيحد كل واحد منهما بخلاف ما إذا قا له مثلا : يا خبيثن فقال له : بل أنت الخبيث تكافآ ولا يعزر كل منهما للآخر لأن التعزير لحق الآدمي وقد وجب له عليه ما وجب للآخر فتساقطا
ومن قال لمسلم : يا فاسق أو يا خبيث أو يا كافر أو يا سارق أو يا مخنث أو يا قاتل النفس أو يا فاجرن أو يا تارك الصلاة وغير ذلك من قذفه بعيوب غير الزنان فلا يقام عليه الحد في كل هذه الألفاظ وإنما يعزره الحاكم بما يراه تأديبا له وزجرا من الضرب والسجن والتأنيب وخلافه . لأن هذه اللفاظ لا تلحق من العار والمهانة كما يلحقه من القذف بالزنا أو بنفي النسب
الإقرار بالقذف
اتفق الأئمة على أنه لو أقر بالقذف قبل قوله ويقام عليه الحد فإن رجع في إقراره قبل إقامة الحد عليه فلا يقبل رجوعة لأن للمقذوف حقا فيكذبه في الرجوع بخلاف ماهو خاص بحق الله تعالى لأنه لا مكذب له فيه فيقبل رجوعة
وقيل لا يقبل رجوعه لأنه ألحق الشين والعار بالغيرن وشوه سمعته ويريد أن يبطل حق الغير في إقامة الحق ورد شرفه أما المجتمع ورفع العار عنه
إذا أتى القاذف بالشهود
اتفق العلماء على القاذف إذا أتى بأربعة من الشهود العدول من الرجال العقلاء يشهدون عليها بمارماها لا يقام عليه الحدن ولا يعتبر قاذفا ويثبت الزنا لأنه صادق في قوله ويقام الحد على الزانيةن إذا تمت الشهادة عليها بشروطها كما سبق ذلك فيعتبر شاهدا
مبحث كيفية الشهادة
اتفق الأئمة على أن الشهادة على الزنا لا تثبت إلا بأربعة شهداء بقوله تعالى : { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم } وقال تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } وقوله تعالى : { لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء } وبما روي عن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه قال : ( يا رسول الله أرايت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء . قال : نعم ) وإنما اشترطوا أربعة شهود لأنه فعل يغمض الاطلاع عليه فاحتيط فيه باشتراط الأربعة ولأنه يمس الكرامة والشرف فوجب الاحتياط والقة في إثباته بخلاف الباقي فإذا شهدوا على فعل الزنا أمام القضي يجب عليهم أن يذكروا الزاني ومن زنا بها ؟ فأنه قدر يراه على جارية فيظن أنها أجنبية ويجب أن يشهدوا أنا رأينا ذكره يدخل في فرجها دخول الميل في المكحلة فلو شهدوا مطلقا أنه زنى لا يثبت لأنهم ريما يرون المفاخذة زنا بخلاف ما لو قذف إنسانا فاعترف وقال : زنيت يجب الحد ولا يستفسر عن ذلك ولو أقر على نفسه بالزنا هل يشترط أن يستفسر ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) نعم كالشهود ( والثاني ) لا يجب كما في الإقرار بالقذف
الشافعية قالوا : لا فرق بين أن يجيء الشهود متفرقين أو مجتمعين لأن الإتيان بأربعة شهداء قدر مشترك بين الإتيان بهم مجتمعين أو متفرقين واللفظ الدال على ما به الاشتراك لا إشعار له بما به الامتيازن فالآتي بهم متفرقين يكون عاملا بالنص فوجب أن يخرج عن العهدة ولأن كل حكم يثبت بشهادة الشهود إذا جاؤوا مجتمعين يثبت إذا جاؤوا متفرقين كسائر الأحكام بل هنا أولى لأنهم إذا جاؤوا متفرقين كان أبعد عن التهمة وعن أن يتلقن بعضهم من بعض فلذلك قلنا إذا وقعت ريبة للقاضي في شهادة الشهود فرقهم ليظهر على عورة إن كانت في شهادتهم ولآنه لا يشترط أن يشهدوا معا في حالة واحدة بل إذا اجتمعوا عند القاضي وكان يقدم واحدا بعد لآخر ويشهد فإنه تقبل شهادتهم فكذا إذا اجتمعوا على بابه ثم كان يدخل واحد بعد واحد
الحنفية قالوا : إذا شهد الشهداء متفرقين فلا تقبل شهادتهم ويجب عليهم حد القذف لأن الشاهد الواحد لما شهد فقد قذفه ولم يأت بأربعة شهداء فوجب عليه الحد لقوله تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا برابعة شهداء فاجلودهم ثماني جلدة } وأقصى ما في الباب أنهم عبروا عن ذلك القذف بلفظ الشهادة وذلك لا عبرة به لأنه يؤدي إلى إسقاط حد القذف رأسا لأن كل قاذف لا يعجزه لقظ الشهادة فيجعل ذلك وسلة إلى إساقط الحد عن نفسه وحصل مقصوده من قذف الأبرياءء الغافلين

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #313  
قديم 14-12-2022, 10:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 87 الى صــــــــ
99

الحلقة (267)




مبحث إذا قل الشهود عن أربعة
المالكية قالوا : إذا كان الشهداء أقل من أربعة أعتبروا قذفة ويقام عليهم حد القذف ويجلد كل واحد منهم ثمانين جلدة كما ورد في الآية الكريمة : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة }
الحنفية والحنابلة والشافعية في بعض أقوالهم قالوا : إذا كان الشهود أقل من أربعة فلا يعتبرون قذفة ولا يقم عليهم حد القذف لآنهم جاؤوا شاهدين لا قاذفين فلا ذنب لهم ويسد باب الشهادة على الزنا
الشافعية في قولهم الثاني قالوا : لو شهد في مجلس الحالكم دون أربعة من الرجال بزنا أحد الناس يقام عليهم الحد في الأظهر منمن المذهب . وذلك لآن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أقام الحد على الثلاثة الذي شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا رضي الله عنه كما ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه . ولم يخالفة أحد من الصحابة رضوان الله عليهم ولئلا يتخذ الناس صورة الشهادة ذريعة إلى الوقيعة في اعراض الناس ولا يقام عليهم الحد فهو من باب سد الذرائع
ومحل الخلاف إذا شهدوا في مجلس القاضي أما لو شهدوا في غير مجلسه فهم قاذفون جزما وإن كانوا بلفظ الشهادة لأنه تبين أنهم لا يقصدون أداء الشهادة بل القذف والتشهير
مبحث إذا جاء القاذف بشهود فسقة
الحنفية قالوا : إذا قذف رجلا آخر فجاء بأربعة فساق شهداء على المقذوف بالزنا فإنه يسقط الحد عن القاذف ولا يقام الحد على الشهداء وذلك لقوله تعالى : { ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } وهذا قد أتى بأربعة شهداء فلا يلزمه الحد بالآية . ولأن الفاسق من أهل الشهادة وقد وجدت شرائط شهادة الزنا من اجتماعهم عند القاضي إلا أنهم لم تقبل شهادتهم لجل التهمة فكما اعتبرنا التهمة في نفي الحد عن المشهود عليه فكذلك وجب أعبتارها في نفي الحد عنهم
الشافعية في أحد اقوالهم قالوا : يقام الحد على لاشهود لأنهم غير موصوفين بالشرائط المعتبرة في قبول الشهادة فخرجوا عن أن يكونوا شاهدين فبقوا محض قاذفين وقيل في قول آخر : إنه لا يقام عليهم الحد كمذهب الحنفية
واتفق الأئمة : على أن حد القذف يثبت بإقراره مرة واحدة وبشهادة رجلين وقيل : بامرأة مرتين
واتفقوا : على أن حد القذف لا يبطل بالتقادم والرجوع لتعلق حق العبد به فيكذبه في الرجوع

صيغة المبالغة
الحنفية قالوا : من قال لرجل يا زانية بتار التأنيث فلا يعد قاذفا ولا يقام عليه الحد لأنه رماه بمايستحيل منه كما لو قذف مقطوع الذكر أو اماة رتقاء فإنه لا يحد . ولا يحد في قذف الأخرس لاحتمال أن يصدقه في قوله لو نطق وفي الولين كذبه ثابت بيقين فانتفى إلحاق الشين إلا بنفسه وكذا لو قال له : أنت أزنى من فلان أو أنت أزنى الناس أو أزنى الزناة لأن أفعل في مثل يستعمل للترجيح في العلم فكأنه قا : أنت أعلم به فلا حد عليه لهذه الشبهة . ولو قال لامرأة يا زاني وجب عليه الحدن لأن الترجيح شائع
الشافعية قالوا : لو قال لرجل : يا زانية يحد لأن قذفه على المبالغةن فإن التاء تزاد له كما في لفظ علامة ونسابة ولا يحد إذا قذف المجبوب أو الرتقاء أو الخنثى المشكل إلا إذا رماه بأنه أتي من دبرهن فإنه يعد قاذفا ويقام عليه الحد لأنه يلحقه شين مثل الزنا
المالكية قالوا : لا يحد من رمى مقطوع الذكر أو العنين أو التي في فرجها عظم لأنه ظهر كذبه في الواقع ولا يلحقهم شين بهذا القول لاستحالة الزنا من هؤلاءن ويقام الحد عليه إذا رمى واحدا من هؤلاء بأنه أتي في دبره وكذلك المخنث والمشكل . لآن المالكية قالو : يزاد في شروط المقذوف السابقة المتفق عليها في القذف بالزنا أربعة :
- 1 - البلوغ في الذكر الفاعل
- 2 - والإطاقة في الأنثى والذكر المفعول به
- 3 - والعقل والعفة
- 4 - والآلة ولو قال له :

أنا عفيف الفرج فعليه الحد أما إذا لم يرد ( الفرج ) فلا حد عليه بل يؤدب لأن العفة تكون في الفرج وغيره كالمطعم ولو قال لها : يا محبة أو يافاجرة أو ياعاهرة أو يا صبية لأنه يدل عرفا على الزنا فيحد ولو قال له : يا علق بكسر العين أو يا مخنث وجب إقامة الحد عليه لأنهما يدلان على أنه مفعول به فيحد قائل ذلك حيث كان المقذوف مطيقا للجماع وطالب المقذوف بإقامة حد القذف على قاذفه
مبحث إذا قذف شخصا مرارا
اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على أنه إن قذف شخصا واحدا مرارا كثيرة في ملجس واحد أو في مجالس مختلفة وسواء كان القذف بكلمة واحدة أو بكلمات لواحد أو لجماعة . فلا يتكرر الجلد بتكرر القذف بل يجب عليه حد واحد ولو قذف قذفين لواحد فحد واحد أيضا إلا أن يكرر القذف بعد إقامة الحد فإنه يعاد عليه الحد ولو لم يصرح باللفظ بأن قال بعد الحد والله ما كذبت أو لقد صدقت فيما قلت أو غير ذلك من الألفاظ التي تدل على الاتهما بجريمة الزنا لأنه تعتبر حدا جديدا بعد الحد الول
واتقوا على أنه إن - قذف واحدا حد ثم إن قذفه ثانية حد حدا ثانيا وإن عاد وقذفه ثالثة حد أيضا مرة ثالثة وهكذا
مبحث إذا قذف جماعة
الحنفية والمالكية قالوا : إن قذف جماعة في مجلس أو مجالس مختلفة بكلمة أو كلمات مجتمعين أو متفرقين فعليه حد واحد فإن قام بأحدهم وضرب له كان ذلك بكل قذف كان عليه ولا حد لمن قام منهم بعد ذلك فإن الحد يجري في التداخل
واحتجوا على ذلك بالقرآن الكريم فإن الله تعالى قال : { والذين يرمون المحصنات } والمعنى أن كل واحد يرمي المحصنات وجب عليه الجلد وذلك يقتضي أن قاذف الجماهة من المحصنات لا يجلد أكثر من ثمانين جلدة فمن أوجب على قاذف جماعة المحصنات أكثر من حد واحد فقد خالف الآية الكريمة
وأما السنة فما روى عكرمة عن أبن عباس رضي الله عنهما : ( أن هلال بن امية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه و سلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ( إما البينة أو حد في ظهرك ) لم يوجب النبي صلى الله عليه و سلم على هلال إلا حدا واحدا مع قذفه لامرأته وقذفه لشريك بن سحماء إلى أن نزلت آية اللعان فأقيم اللعان على الزوجات مقام الحد في الأجنبيات وأما القياس فهو أن سائر ما يوجب الحد إذا وجد فيه مرارا لم يجب إلا حد كحد واحد كمن زنى مرارا أو شرب الخمر مرارا أو سرق مرارا قبل إقامة الحد عليه فيكفي حد واحد والمعنى الجامع من إقامة الحد هو دفع الضرر وقد حصل فإن قام بأحدهم وضرب له كان ذلك بكل قذف كان عليه ولا حد لمن قام منهم بعد ذلك . ولو قال كلكم زان إلا واحدا يجب عليه الحد لأن القذف فيه موجب للحد فكان لكل واحد أن يدعي
الشافعية في أحد آرائهم قالوا : إنه يحد لكل واحد حدا على انفراد لاختلاف المقذوف . ولأن قوله تعالى في الآية الكريمة { والذين } صيغة جمع وقوله : { المحصنات } صيغة الجمع أيضا والجمع إذا قوبل بالجمع يقابل ( الفرد بالفرد ) فيصير المعنى كل من رمى محصنا واحدا وجب عليه الحد وتمسك أيضا بقول تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } فإن الآية تدل على ترتيب الجلد على رمي المحصن من حيث أن هذا المسمى يوجب الجلد وإذا ثبت هذا فنقول : إذا قذف واحدا صار ذلك القذف موجبا للجلد فإذا قذف الثاني وجب أن يكون القذف موجبا للحد أيضا ثم موجب القذف الثاني لا يجوز أن يكون هو الموجب للحد الأول . لأن ذلك قد وجب بالقذف الول وإيجاب الواجب محال فوجب أن يكون بالقذف الثاني حدا ثانيا وأما القياس فإن حد القذف حق الآدمي بدليل أنه لا حد إلا بمطالبة المقذوف
وقوق الآدمي لا تتداخل بخلاف حد الزنا فإنه حق لله تعالى هذا كله إذا قذف جماعة كل واحد منهم بكلمة على حدة . أما إذا قذفهم بكلمة على حدة . أما إذا قذفهم بكلمة واحدة فقال : أنتم زناة أو زنيتم ففيه قولان : ( أصحهما ) وهو قوله في الجديد يجب لكل واحد حد كالم لأنه من حقوق العباد فلا يتداخل ولأنه أدخل على كل واحد منهم معرة فصار كما لو قذفهم بكلمات وفي القديم لا يجب للكل إلا حد واحد اعتبارا باللفظ فإن اللفظ واحد والأول أصح لأنه أوفق لمفهوم الآية فعلى هذا لو قال لرجل : يا أبن الزانيين يكون قذفا لأبويه بكلو واحدة فيجب عليه حدان

الحنابلة في أظهر روايتهم قالوا : إن قازفهم بكلمة واحدة يتم عليه حد واحد وإن قذفهم بكلمات فيجعل لكل واحد حد
والثاني من روايتهم : أنهم قالوا : إن طلبوه متفرقين حد لكل واحد منهم حدا وإن لم يطلبوه فيجب حد واحد للجميع

المالكية قالوا : إن قذف شخصا كان هو المقذوف الأول أو غيره في اثناء الحد ألغى ما مضى وابتدأ للمقذوفين حدا حدا إلا أن يبقى من الأول اليسير وهو ماجون النصف أو خمسة عشر فيكمل الأول ثم يستأنف للثاني فيستوي له الحد فالحد يجري فيه التداخل عندهم
الحنفية قالوا : إن الحدود تتداخل فلو ضرب القاذف تسعة وسبعين سوطا ثم قذف قذفا آخر فلا يضرب إلا ذلك السوط الواحد للتداخلن لأنه اجتمع الحدان لأن كما الحد الأول بالسوط الذي بقي وحكي أن أبن أبي ليلى سمع من يقول لشخص : يا ابن الزانيين فحده حدين في المسجد في وقت واحد فبلغ الإمام أبا حنيفة فقال : " يا للعجب لقاضي بلدنا أخطأ في مسألة واحدة في خمسة مواضع .
الأول : أخذه بدون طلب المقذوف
والثاني : أنه لو خاصم وجب حد واحد
والثالث : أنه إن كان الواجب عنده حدين ينبغي أن يتربص بينهما يوما أو أكثر حتى يخف أثر الضر بالأول عن القاذف
والرابع : ضربه في المسجد
والخامس : ينبغي أن يتعرف أن والديه في الأحياء أو لا ؟ فإن كان حيين فالخصومة لهما وإلا فالخصومة للابن "

وإذا قذف عبدا حرا فأعتق فقذف آخر فاجتمعا ضرب ثمانين سوطا ولو جاء الأول فضرب أربعين ثم جاء به الآخر تمم له الثمانين لأن الرعين وقع لهما يبقى الباقي أربعين ولو قذف آخر قبل أن يأتي به الثاني تكون الثمانون لهما جيمعا ولا يضرب ثمانين مسأنفا لأن ما بقي تمامه حد الأحرار فجاز أن يدخل فيه الأحرار وذلك لتداخل حد القذف
الشافعية قالوا : إن اختلف المقذوف أو المقذوف به وهو الزنا لا يتداخل لأن الغلب في حد القذف حق العبد عندهم فإن قذف جماعة بكلمات أو قذف واحدا مرات بزنا آخر يجب لكل قذف حد

مبحث إذا قذف الصبي أو المجنون زوجته

إذا قذف الصبي أو المجنون امرأته أو أجنبيا فلا حد عليهما ولا لعان لا في الاحال ولا بعد البلوغ لسقوط التكليف عنهما لقوله صلى الله عليه و سلم : ( رفع القلم عن ثلاث ) ولكن يعزران للتأديب إن كان لهما تمييز فلو لم تتفق إقامة التعزير على الصبي حتى بلغ يسقط عنه التعزير
قذف الأخرس
الحنفية قالوا : لا يصح قذف الأخرس ولا لعانه . ولا يقام عليه الحد لأن إشارته غير مفهومة وفيها شك وشبهة والحدود تدرأ بالشبهات
الشافعية قالوا : إن الأخرس إذا كانت له إشارة مفهومة أو كتابة معلومة وقذف محصنا أو محصنة بالإشارة أو بالكتابة لزمه الحد وكذا يصح لعانه وهو قول أقرب إلى ظاهر الآية الكريمة لأن من كتب أو أشار إلى القذف وفهم منه ذلك فقد رمى المحصنة وألحق العار بها فوجب اندراجه تحت الظاهر ولأنا نقيس قذفه ولعانه على سائر الأحكام
قذف الكافر
اتفق الأئمة رحمهم الله على دخول الكافر تحت عموم الآية في قوله تعالى : { والذين يرمون المحصنات } لأن الاسم يتناوله ولا مانع فللمسيحي واليهودي إذا قذف المسلم يجلد ثمانين سوطا مثل المسلم
وإذا دخل الحربي دارنا بامان فقذف مسلما حدا لأن فيه حق العبدن وقد التزم إيفاء حقوق العباد ولأنه طمع في أن لا يؤذى فيكون ملتزما بالضرورة أن لا يؤذي
قذف المجوسي بعد إسلامه
الحنفية قالوا : إذا قذف رجل مجوسيا تزوج بأمه أو أخته أو بنته ثم أسلم ففسخ نكاحهما فقذفه مسلم في حال إسلامه يقام عليه الحد بناء على أن انكحتهم لها حكم الصحة عندهم
الشافعية والمالكية والحنابلة رحمهم الله تعالى قالوا : إذا قذف مسلم مجوسيا بعد إسلامه فلا يحد لأن أنكحتهم ليس لها حكم الصحة عندهم فلا يكون المجوسي محصنا
الحكم إذا مات المقذوف
الحنفية قالوا : إن حد القذف لا يورث بل يسقط بموت المقذوف قبل إقامة الحد على قاذفه وإذا مات بعد ما اقيم عليه بعض الحد سقط الباقي لأنه حق لله تعالى ولم يثبت جليل من الكتاب والسنة علىلا أن الشرع جعل الوارث له حق المطالبة بحد القذف على الميتم المقذوف أو وصيه ولن حد القذف لو كان مورثا لكان للزوج أو الزوجة فيه نصيب ولأنه حق ليس فيه معنى المال والوثيقة فلا يورث كالوكالة والمضاربة ولا ينقلب مالا عند سقوطه ولا ستحلف عليه القاذف ويتصف بالرق
الشافعية والحنابلة قالوا : إن حد القذف يورث فإذا مات المقذوف قبل استيفاء الحد فيقام الباقي والعفو يثبت للوارث في حد القذف وكذلك إذا كان الواجب بحقه التعزير فإنه يوؤث عنه وكذا لو أنشأ القذف بعد المورث ثبت لوارثه طلبه الحد وذلك لأن حد القذف هو حق الآدمي لأنه يسقط بعفوه ولا يستوفى إلا بطلبه ويحلف فيه المدعي إذا أنكر وإذا كان حق الآدمي وجب أن يورث لقوله عليه الصلاة و السلام : ( ومن ترك حقا فلورثته ) ولا تبطل الشهادة بالتقادم ويجب على المأمن ولا يصح الرجوع عنه بعد الإقرار به
وفيمن يرث ثلاثة أوجه لأصحاب الشافعية :

الأول : وهو الأصح عند الشافعية أنه يرثه جميع الورثة كالمال لا فرق بين النساء والرجال
الثاني : يرثه ذوو الأنساب فيخرج منه الزوجان لأن الزوجين يصح افتراقهما أو غبدال كل واحد بغير صاحبة ولن الزوجية ترتفع بالموت ولآن المقصود من الحد دفع العار عن النسب وذلك لا يلحق الزوج والزوجة لبعد القرابة بينهما
الثالث : إنه يرثه العصبات فقط دون النساء لشدة ارتباط العصبة بعضهم ببعض فكانوا أشد تعلقا وارتباطا بالمقذوف من مطلق الوثة وذلك مرجوح

المالكية قالوا : للمقذوف حق المطالبة بحق قاذفه وإن علم المقذوف على أن مارمي به منصف به لأنه أفسد عليه عرضه وليس للقاذف تحليف المقذوف على أنه بريء مما رماه به وللوارث الحق بالقيام والمطالبة بحق مورثه المقذوف قبل الموت أو بعده لأن المعرة تلحق الواث بقذف مورثهن خصوصا إذا كان الميت أوصاه بغقامة الحد فليس للوارث في هذه الحالة العفو ولا المماطلة بل يجب على الحاكم تنفيذه وللأبعد من المورثة كابن الابن القيام بطلب حق مورثه من إقامة حد القذف فيتقدم الابن ثم ابنه الخ . . إن سكت الأب وقيل : يجوز للأب القيام بالمطالبة بحد القذف مع وجود الأقرب وإن لم يسكت الأقرب لأن المعرة تلحق الجميع لا فرق بين الأقرب والبعد
أما الزوجان فليس لحدهما حق المطالبة بإقامة الحد للآخر لأن أحدهما ليس وليا للآخر ولا تلحقه به معرة بعد موته ما لم يكن أحدهما قد أوصى الآخر بالمطالبة بحقه في إقامة الحد على القاذف قبل وفاته في أن يطالب بالحد لأنه يصبح وليا مثل الوارث
الحنفية قالوا : لو قال له : يا أبن الزانية وأمه ميتة محصنة فطلب الابن بحده حد القاذف لأنه قذف محصنة بعد موتها ولا يصح أن يطالب بحق الميت في حد القذف إلا من يقع القدح في نسبه بقذفه ويلحقه العار به وهو الوالد وإن علا والولد وإن سفل لأن العار يلتصق بهما لمطانة الجزئية فيكون القذف متناولا لهم معنى فلذلك يثبت لهم حق المطالبة
مبحث من قذف ميتا
وإذا كان المقذوف محصنا جاز لابنه الكافر والعبد المطالبة بحد القذف لأنه عيره بقذف محصن فيأخذه بالحد وذلك لأن الإحصان في الذي ينسب إلى الزنا شرط ليقع تعبيرا عن الكمال
مطالبة العبد لسيده والولد لوالده
الحنفية والشافعية والحنابلة قالوا : ليس للعبد أن يطالب مولاه بقذف أمه الحرة التي قذفها في حال موتها بأن قال السيد لعبده : يا أبن الزانية وأمه ميتة وليس للابن أن يطالب أباه بقذف امه الحرة المسلمة التي قذفها في حال موتها بأن قال له : با أبن الزانية لأن الب لا يعقاقب بسبب فرعه ولهذا لا يقاد الوالد بولده ولا يقطع بسرقته لقوله تعالى : { فلا تقل لهما أف } وقوله عليه الصلاة و السلام ( لا يقاد الوالد بولده ولا السيد بعبده ) وللإجماع على كونه لا يقاد به فإن غهدار جنايته على نفس الولد توجب إهدارها في عرضه بطريق أولى مع أن القصاص متيقن بسببه والغالب فيه حق العبد ولأن المولى لا يعاقب بسبب عبده وذلك لأن حق عبده حقه فلا يجوز أن يعاقب بسبب حق نفسه ولقثول صلوات الله وسلامه عليه ( لا يقاد الوالد بولده ولا السيد بعبده ) ولان العبد من أموال السيد وملك له فلا حق له عليه
المالكية في المشهور من المذهب قالوا : إذا قذف الوالد ابنه فقال له : يا أبن الزانية بعد موت أمه الحرة المسلمة المحصنة فإنه يجوز للابن أن يطالب أباه بقذف أمه ويقيم عليه الحد القذف كغيره من الجانب وذلك لإطلاق الآية الكريمة { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } فالآية لم تفرق بين فرد وآخر ولا بين قريب وبعيد ولآنه حد هو حق الله تعالى فلا يمنع من إقامته قرابة الأولاد
وقال المالكية : إذا حد الب سقطت عدالة الابن لمبائرته سبب عقوبة أبيه مع قول الله تعالى : { ولا تقل لهم أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما }
وأجمع الأئمة على أنه إذا كان لزوجته الميتة التي قال لولدها بعد موتها : يا أبن الزانية ولد آخر من غيره كان له حق المطالبة بحد القذف . لأن لكل منهما حق الخصومة وظهر في حق أحدهما مانع دون الآخر فيعمل المقتضى عمله في الآخر ولذا لو كان جماعة يستحقون المطالبة فعفا ا دهم كان للآخر المطالبة به بخلاف عقو أحد مستحقي القصاص فإنه يمنع استيفاء الآخر لأن القصاص حق واحد للميت موروث للوارثين فباسقاط أحدهما بالعفو لا يتصور بقاؤه لأن القتل الواحد لا يتصور تجزئته أما هنا فالحق في الحد لله تعالى
قالوا : ومن قال لغيره : يا زاني فقال : لا بل أنت فإنهما يحدان لأن معناه لا بل أنت زان إذ هي كلمة عطف يستدرك بها الغلط فيصير الخبر المذكور في الأول مذكورا في الثاني
قال لامرأته : يا زانية فقالت : لا بل أنت حدت المرأة خاصة إذا ترافعا ولا لعان لنهما قاذفان وقذف الرجل زوجته يوجب اللعان وقذفها إياه يوجب الحد عليهما والأصل أن الحدين إذا اجتمعا وفي تقديم أحدهما اسقاط للآخر وجب تقديمه احتيالا للدرء واللعان قائم مقام الحد فهو في معناه وبتقديم حد المرأة يبطل اللعان لأنها تصير محدودة في قذف . واللعان لا يجري بين المحدودة في القذف وبين زوجها لأنه شهادة ولا شهادة للمحدود في القذف
قالوا : ولو كانت قالت في جواب قوله : يا زانية زنيت بك فلا حد ولا لعان لوقوع الشك في كل منهما لأنه يحتمل أنها أرادت الزنا قبل النكاح فتكون قد صدقت في نسبتها إلى الزنان فيسقط اللعان وقذفته حيث نسبته إلى الزنا ولم سصدقها عليه فيجب الحد دون اللعان ويحتمل أنها ارادت زناء مان معك بعد النكاح لآني ما مكنت أحدا غيرك . وهو المراد في مثل هذن الحالة وعلى هذا الاعتبار يجب اللعان دون الحد على المرأة لوجود القذف منه وعدمه منها فعلى تقدير يجب الحد دون اللعان وعلىم تقدير يجب اللعان دون الحد والحكم بتعين أحد التقديرين فوقع الشك في كل من وجب اللعان والحد فلا يجب واحد منهما بالشك )
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #314  
قديم 04-01-2023, 08:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 100 الى صــــــــ
108

الحلقة (268)


إجماع الشرائع على أن القذف اعتداء على الأعراض
- وقد اجمعت الشرائع والعقول على أن القذف بهذا المعنى اعتداء على الأعراض التي يقتضي النظام العام صيانتها خصوصا إذا لوحظ ما يترتب عليه من شر وفاسدن لأن قذف المحصنات بالزنا يوجب لا محالة العداوة والبغضاء بين الأسر ويولد الضغائن والأحقاد في نفوس الناس وربما أفضى إلى الانتقام بقل النفس وذلك شر وبيل يجب أن توضع له عقوبة تحذر الناس عنه فلا يطلقون لألسنتهم العنان فيه حذرا مما يترتب عليه من شر وفساد
مبحث اعتراض الجهلة على حد القذف
- إن بعض الناس يتخيل أن عقوبة الجلد شديدة ولا تناسب المدنية الحاضرة . والجواب عن مثل هذا هو أن يقال : ينبغي لمن يتكلم بهذا أن يدرك اولا معنى الجريمة ومعنى ما يترتب عليها من الآثار التي تؤذي المجتمع الإنسانين ثم يقارن بينها وبين العقوبة ليعلم أن الغرض من العقوبة إنما هو زجر الناس عن كل فعل أو قول يضر بالمجتمع ويؤذي أفراده وجماعته فإذا فشت الجرائم بين الناس وأصبح كل واحد غير آمن على عرضه أو نفسه أو ماله فإنه لا يكون لهذا معنى الإ أن الإنسان الذي ميزه الله تعالى بالعقل مساو للحيوان المفترس الذي يعتدي فويه على ضعيفة وذلك هو الهلاك والفناء للأفراد والجماعات فلا بد من زاجر يزجر المجرمين فاسدي الخلاق ويوقفهم عند الحد الذي يصلح للبقاي ولا بد أن يكون ذلك الزاجر قاطعا للدابر الجريمة كي لا يكون لها أثر بين الناس فمن مصلحة المجتمع ومصلحة المجرمين أنفسهم أن تكون العقوبة زاجرة بصرف النظر عن تفاوت حال المجرمين في الرقة والخشونة أو الذكورة والنوثة فإن ذات الجريمة واحدن وآثارها الضارة واحدة ولا يليق بعاقل مشرع أن يقول : إن المحرم الذي يهاجم أعراض الناس فيثلمها بلسانه كذبا وافتراء لا يستحق عقوبة الضرب الموجعة
بل الواجب أن يقول : إن هذه الجريمة لها اسوأ الأثر بين الأفراد والجماعات فيجب أن توضع لها عقوبة تقلعها من أساسها فالعقوبة التي وصفها الله تعالى لازمة ضرورية
فعلى المؤمنين الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن ينزهوا ألسنتهم عن قذف الناس بهذه الفاحشة إن لم يكن خوفا من العقوبة الدنيوية فخوفا من الله الذي وصفهم بأنهم ( فاسقون )
أما المستهترون الذين لا يبالون أمر الله عز و جل ولا يخشونه فإن هؤلاء أحط من الأنعام فلا زاجر لهم إلا بما يؤذيهم وإلاتمادوا في نهش أعراض الناس بدون حساب ( 1 )
مبحث العفو عن القاذف
- الشافعية والحنابلة قالوا : إن للمقذوف الحق في أن يقفو عن قاذفه ويسقط بذلك العفو حد القذف وفي ذلك سعة فإذا سبق لسان أحد إلى قذف شخص بهذه الفاحشة فإنه يصح له أن يسترضيه ويزيل ذلك الأثر من نفسه فاذ عقفا عنه فإن عفوه يصح سواء كان قبل رفع الأمر للحاكم أو بعده
المالكية يوافقون على هذا الرأي إذا كان العفو قبل أن يرف الآمر للحاكم أما بعد رفع الآمر للحاكم فإن العفو يصح إذا كان المقذوغ يخاف على نفسه سوء السمعة أما بعد رفع الأمر للحاكمن فإن العفو يصح إذا كان المقذوف يخاف على نفسه سوء السمعة أما إذا كان مشهورا بالفعة ولا تؤذيه إذاعة التهمة فإن العفو لا يصح
وعلى أي حال فإن القول بصحة عقو المقذوف معقول لأنه هو الذي وقع عليه ضرر القذف ومتى عفا ذهب أثر الجريمة الضار فإذا قذفه ثانيا بعد العفو فإنه لا يحد ولكن يعزر كي لا يعود إلى شتمه
ويمكنك أن تقول : إن العفو يسقط حد القاذف عند الأئمة الثلاثة خلافا للحنفية ومع ذلك فإن الحنفية يقولون : أنه لا يقام إلا إذا رفع المقذوف الأمر للحاكم ( 2 )
مبحث من نسبه إلى عمه أو خاله
الحنفية قالوا : ومن نسب إنسانا إلى عمه أو خاله أو إلى زوج أمه فليس بقاذف لأن كل واحد من هؤلاء يسمى أبا فلأول وهو تسمية العم أبا لقول تعالى : { وإله آبائك إبراهيم واسماعيل وإسحاق } وإسماعيل كان عما ليعقوب عليهم الصلاة والسلام والثاني لقوله عليه الصلاة و السلام ( الخال والد من لا والد له ) والثالث للتربية وقيل في قوله تعالى : { إن ابني من أهلي } أنه كان أبن امرأته ومن قال لآخر : يازاني فقال له الآخر : لا بل أنت فإنهما يحدان إذا طالب كل منهما الآخر لأنهما قاذفان وإذا طالب كل الآخر واثبت ما طالب به عند الحاكم لزمه حينئذ حق الله تعالى وهو إقامة الحد فلا يتمكن واحد منهما من ساقاطه فيحد كل منهما بخلاف ما لو قال له مثلا : يا خبيث فقال له : بل أنت تكافآ ولا يعزر كل منهما للآخر لأنه حق للآدمي فتساقطا
مبحث إذا ظهر أن الشهود كفار أو عبيد
الشافعية قالوا : لو الزوج بزنا زوجته كان قاذفا لها فيحد حد القذف لأن شهادته بزناها غير مقبول عند القاضي للتهمة وعلى هذا لو شهد عليها دون أربعة حدوا جميعا لأنهم قذفة وكذا لو كان شهد أربع نسوة أو عبيد أو كفرة أو أهل ذمة أو مستأمنين فإنهم في كل هذه المسائل يحدون حد القذف على المذهب لأنهم ليسوا من أهل الشهادة . فلم يقصدوا بقوله إلا القذف
والطريق الثاني في حدهم إننا نزلنا نقص الصفة في هؤلاء الشهداء منزلة نقص العدد فيحدون ومحل الخلاف إذا كانوا في مظاهر الحال بصفة الشهود ثم باتوا كفارا أو عبيدا وذلك لأن القاضي إذا علم حالهم من أول الأمر ردهم ولا يصغي إليهم فيكون قولهم قذفا محصنا قطعا من غير شك ( لأنه ليس في تعرضه شهادة )
قالوا : لو شهد أربعة بالزنا وردت شهادتهم بفسق ولو مقطوعا به كالزنا وشرب الخمر لم يحدوا لعدم تمام شرائط الشهادة وفارق ما مر في المسائل الأولى في نقص العدد بأن نقص العدد متيقن وفسقهم إنما يعرف بالظن والاجتهاد وهو شبهة والحد يدرأ بالشبهات
ولو شهد دون اربعة بالزنا فحدوا وعادوا مع رابع لم تقبل شهادتهم كالفاسق ترد شهادته ثم يتوب ويعيدها لم تقبل
ولو شهد بالزنا عبيد فحدوا ثم عادوا بعد العتق قبلت شهادتهم لعدم اتهمامهم ولو شهد به خمسة فرجع واحد منهم عن شهادته لم يحد هو ولا غيره لقاء النساب ولو رجع اثنان من الخمسة حدا لأنهما ألحقا به العار دون الباقينن لتمام النصاب عند الشهادة مع عدم تقصيرهم ولو رجع واحد من أربعة حد وحده دون الباقين لما ذكر
مسألة
قالوا : إذا قذف إنسان إنسانا آخر بين يدي الحاكم أو قذف امرأته برجل يعينه والرجل غائب عن المجلس فعلى الحاكم أن يبعث إلى المقذوف ويخبره بأن فلانا قذفه وثبت لك حد القذف عليه كما لو ثبت له مال على آخر وهو لا يعلمه يلزمه إعلامه بذلك وقد بعث النبي صلى الله عليه و سلم أنيسا ليخبرها بأن فلانا قذفها بابنه ولم يبعثه الرسول ليبحث عن زناه ويتحققه
الشافعي رحمه الله قال : ليس للإمام اذارمي رجل بزنا أن يبعث إليه فيسأله عن ذلك . لأن اللع تعالى قال : { ولا تجسسوا } وأراد به إذا لم يكن القاذف معينا مثل أن قال رجل : الناس يقولون إن فلانا زنى
من قذف زوجته برجل
الحنفية والشافعية والحنابلة ت قالوا : يجب اللعان بممجرد أن يقذف الرجل زوجته بالزنا إن طالبته بذلك لعموم قول تعالى : { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم اربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين } الخ الآيات ولم تخص الآية في الزنا صفة دون صفة ويشترط أن يكون الزوج من اهل الشهادة وأن تكون الزوجة ممن يحد قاذفها وطالبته بذلك
المالكية قالوا : لا يجوز اللعان بمجرد القذف بل لابد أني يدعي رؤية الزنا
وحجتهم في ذلك ظاهر الأحاديث الواردة في ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم : منها قوله في حديث سعد بن عبادة - أرأيت لو أن رجلا وحد مع امرأته رجلا ) وحديث أبن عباس رضي الله عنهما وفيه : ( فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : والله يا رسول لقد رأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلى الله عليه و سلم ما جاء به واشتد عليه فنزلت الآية الكريمة : { والذين يرمون أزواجهم } الآية وايضا فإن الدعوى يجب أن تكون مبينة كالشهادة سواء بسواء
واتفق الأئمة : على أن من قذف زوجته بالزنا واجعى الرؤية يجب أن يجرى اللعان بينهما

-------------------------
( 1 ) ( إن لله تعالى في طي كل مصيبة نعمة وفي كل بلية رحمة وإن لم يطلع على ذلك صاحبها ففي إقامة الحدود تأديب للمؤمنين وتربية لنفوسهم على الخير والبعد عن مواطن الشر وتطهير لألسنتهم والتحفظ بها عن الخوض في أعراض الناس وحفظا لهم من أن يقعوا في معصية الله تعالى ويصبحوا من الفاسقين وفي تشريع الحدود تطهير للمجتمع من الشرور والمفاسد التي تهلكهم وتفرق بين صفوفهم وإذا قارنا بين المجتمع الذي نعيش فيه وبين المجتمع الذي كان في عهد الرسول الله صلى الله عليه و سلم أدركنا الفرق الكبير والبون الشاسع بينهما . وذلك لإقامة الحدود في عهده وعهد الخلفاء الراشدين من بعده )
( 2 ) ( الشافعية والحنابلة في أظهر روايتهم قالوا : إن حد القذف حق للمقذوف وإن كان فيه حق الشرع تقديما لحق العبد باعتبار حاجته وغنى الشرع ولأن أكثر الأحكام تبنى عليه والمعقول يشهد له وهة أن العبد ينتفع بحد القذف على الخصوص مثل القصاص فلا يستوفى إلا بمطالبته وله أن يسقطه عن القاذف معفو عنه وله أن يبرىء منه وهو يورث عن المذوف وذلك لأن حق العبد في حد القذف غالب على حق الشرع وظاهر عليه لأن فيه صيانة أعراض الناس
الحنفية قالوا : ليس للمقذول أن يسقط حد القذف عن القاذف ولا أن يعفو عنه ولا يمكنه أن يبرىء القاذف منه لأن الغالب فيه حق الله تعالى ولا خلاف أن فيه حق للعبد وحق الشرع ولأنه شرع لدفع العار عن المقذوف وهو الذي ينتفع به على الخصوص فمن هذا الوجه حق العبد وفيه معنى الزجر ولذلك يسمى حدا والمراد بالزجر إخلاء المجامتع من الفساد وتطهيره من المنكر وهذا علامة حق الشرع إذا لم يختص به إنسان دون غيره ولأن ما للعبد من الحق يتولاه مولاه فيصير حق العبد شرعيا له ولا كذلك عكسه لأنه لا ولاية للعبد في استيفاء حقوق الشرع إلا نيابة وهذا هو الصل المشهور الذي يتخرج عليه الفروع المختلف فيها كالإرث لأنه يجري في حقوق العباد لا في حقوق الشرع فإن العبد يرث حق العبد بشرط كونه مالا والحد ليس شيئا من أنواع الأموال فيبل بالموت إذا لم يثبت دليل سمعي على استخلاف الشرع وإرث جعل له حق المطالبة أو وصية المطالبة التي جعلها شرطا لظهور حقه ومنها العفو فإنه بعدما ثبت عند الحاكم القذف والاحصان لو عفا المقذوف عن القاذف لا يصح منه ويحد فإن الحد لا يسقط بعد ثبوته عندهم إلا أن يقول المقذوف . لم يقذفني أو كذب شهودي وحينئذ يظهر أن القذف لم ينعقد موجبا للحد بخلاف العفو عن القصاص فإنه يسقط بعد وجوبه لأن القالب فيه حق العبد ومنها أنه لا يجوز الاعتياض عنه ويجري فيه التداخل حتى لو قذف شخصا مرات أو قذف جماعة كان فيه حد واحد إذا لم يتخلل حد بين القذفين ولو ادعى بعضهم فحدن ففي أثناء الحد ادعى آخرون كما ذلك الحد فقط
قالوا : وإنما لا يصح عفوه لأنه عقو عما هو مولى عليه فيه وهو الإقامة ولأنه متعنت في العفو لأنه رضي بالعار الذي لحقه من القذف والرضا بالعار عار وذلك هو الأظهر من جهة الدليل والأشهر عند عامة المشايخ ومن أصحابهم من قال : إن الغالب في حد القذف حق العبد
المالكية قالوا : إن حد القذف الغالب فيه حق العبد فلا يستوفى إلا بمطالبته وإن له اسقاطه إذا لم يرفع الأمر إلى الحاكم أما إذا رفع الأمر إلى الحاكم ووصل إليه فليس لأحد اسقاطه في هذه الحالة لأن العلماء اجمعوا على أن الحد إذا رفع إلى الحاكم وجب الحكم بإقامة الحد عليه وتحريم قبول الشفاعة في أسقاطه إلا أن يريد بذلك المقذوف الستر على نفسه من كثرة اللغط فيه وهو المشهور عندهم
وقالوا : إن حد القذف لا يجوز الاعتياض عنه وإنه يجري فيه التداخل فلو قذف
قذفين أو أكثر لواحد وجب حد واحد ولو قذف جماعة في مجلس أو مجالس بكلمة أو كلمات فعليه حد واحد ولو قذق جماعة في مجلس أو مجالس بكلمة أو كلمات فعليه حد
واحد للجميع فإن طالب أحدهم وضرب له كان ذلك بكل قذف كان عليه ولا حد لمن طالب منهم بعد ذلك . فلا يتكرر الجلد بتكرر القذف ولا بتعدد المقذوف إلا أن يكرر القذف بعد إقامة الحد فإنه يعاد عليه ولو لم يصرح به



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #315  
قديم 04-01-2023, 08:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 109 الى صــــــــ
115

الحلقة (269)

مبحث نفي الولد
ومن أقر بولد ثم نفاه فإنه يلاعن لأن النسب لزمه بإقراره وبالنفي بعده صار قاذفا لزوجته فيلاعن وغن نفاه ثم أقر به حد لأنه قد أكذب نفسه وأبطل اللعان الذي كان وجب بنفيه الولد لأن اللعان حد ضروري صير إليه ضرورة التكاذب بين الزوجين في زنا الزوجة والأصل في اللعان أنه حد القاذف لأنه قذفها بلزنا فإذا بطل الصل وهو بطلان التطاذب صير إلى الأصل فيحد الرجل . والولد ولده في حالة ما إذا أقر بالولد ثم نفاه وما إذا نفاه أولا ثم اقر به لإقراره به سابقا فيثبت ولا ينفى بما بعده أو لاحقا فيثبت به بعد النفي
وإن قال الزوج الذي جاءت زوجته بولد : ليس بابني ولا بابنك فلا حد ولا لعان لأنه إذا أنكر أنه ابنها أنكر الولاجة فكما نفى كونه ابنه لنفي ولادتها إياه وبنفي ولاتها لا يصير قاذفا لأنه إنكار الزنا منه
الحنفية قالوا : ومن وطىء وطأ حراما في غير ملكة لم يحد قاذفه لفوات شرط العفة في حقه وهو من شروط الإحصان ولأن القاذف صادق فيما قاله فلا يقام عليه الحد لأنه غير قاذف
الشافعية - قالوا : اذاسب إنسان إنسانا جاز للمسبوب أن يسب الساب بقدر ما سبه لقوله تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } ولكن لا يجوز أن يسب أباه وأمه وإنما يجوز السب بما ليس كذبا ولا قذفا كقوله : يا ظالم يا أحمق يا بليد يا مغفل لأن أحدا لا يكاد ينفك عن ذلك وإذا انتصر بسبب خصمه فقد استوفى ظلامتهن وبرىء الأول من حقه
مبحث إذا نفى الزوج الحمل
التفق الفهاء على أن الزوج غاذ نفى الحمل ت بأن ادعى أنه استبرأها ولم يطأها بعد الاستبراء اتفقوا على جواز الحمل وإقامة اللعان
وأما إن نفى الحمل مطلقا أختلف العلماء فيه
المالكية في المشهور عندهم قالوا : إنه لا يجب اللعان بذلك
الشافعية والحنابلة قالوا : لا معنى لهذا لأن المرأة قد تحمل برؤية الدم
وقت نفي الحمل
المالكية - قالوا : اشترطوا أنه إذا لم ينفه وهو حمل لم يجز له أن ينفيه بعد الولادة بلعان وحجتهم في ذلك الآثار المتواترة عن حديث أبن عباس وأبن مسعودن وأنس وسهيل بن سعد أن النبي صلى الله عليه و سلم حين حكم باللعان بين المتلاعنين قال : ( إن جاءت به على صفة كذا فما أراه إلا قد صدق عليها ) . فهذا يدل على أنها كانت حاملا وقت اللعان
الشافعية قالوا : إذا علم الزوج بالحمل فأمكنه الحاكم من اللعان فلم يتلاعن لم يكن له حق أن ينفيه بعد الولادة
الحنفية قالوا : لا ينفى الولد حتى تضع الزوجة وحجتهم في ذلك أن الحمل قد ينفش وقد يضمحل فلا وجه للعان إلا علىلا يقينن ولا يأتي اليقين إلا بعد الوضع
من قذف الملاعنة
الحنفية قالوا : من قذف امرأة وعنها أولاد لم يعرف لهم أب أو قذف الملاعنة بولد والولد حي أو قذفها بعد موت الولد لا حد عليه لقيام امارة الزنا منها وهي ولادة ولد لا أب له ففاتت العفة نظرا إليها وهي شرط الإحصان : أما لو قذف ولد الملاعنة نفسه أو ولد الزنا فإنه يحدن لما رواه اما أحمد في حديث هلال بن أمية من قوله : وقضى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لا يدعى ولدها لأب ولا يرمى ولدها ومن رماها ورمى ولدها فعليه الحد
ولو قذف امرأة لاعنت بغير ولد فعليه الحد لعدم ثبوت الزنا وثبوت اماراته ولو أنه بعد اللعان ادعى الولد فحد أو لم يحد حتى مات فثبت نسب الولد منه فقذفها بعد ذلك قاذف غيره أو هو قبل موته حد ولا يحد الذي قذفها قبل تكذيب نفسه
وكذا لو قامت البينة على الزوج أنه ادعاه وهو ينكر يثبت النسب منه ويحد ومن قذفها بعد ذلك يحد لأنها خرجت عن صورة الزواني
الشافعية قالوا : في أحد آرائهم إن الملاعنة إذا قذفها أجنبي بذلك الزنا الذي لا عنت فيه لا يحد
واعترض عليهم : بأن مقتضاه أن لا يحد الزوج لو قذفها أجنبي بعد اللعان ولكن المنصوص في الأصل أنه يحد بل الحق أنها لم يسقط إحصانها يوجه وقولهم اللعان قائم مقام حد الزنا في حقها . إنما يقتضي أن لا يحد قاذفها ولو كان معناه أنه وجب عليها الحد وجعل اللعان بدله وليس كذلك لأنه لا يجب الحد بمجرد دعوى الزنا عليه مع العجز إن إثباته يسقط احصانها . وإنما هو ليتبين الصادق منهما
مبحث إقامة الحد
ولا يستوفي حد القذف إلا بحضرة الإمام أو نائبه لاحتياجه إلى النظر والاجتهاد في شأنه ومن تكرر منه السرقة منه السرقة أو الزنا أو الشرب فحد فهو للكل وتتداخل الحدود
أما لو زنى وسرق وقذف وشرب فإنه يحد على كل واحد منها حدا على حدة . لأنه لو ضرب لأحدهما فربما اعتقد أنه لا حد في الباقي فلا ينزجر عنها . ولا كذلك إذا احدث الجناية
اجتماع الحدود
وإذا اجتمع حد الزنا والسرقة والشرب والقذف وفقء العين مثلا يبدأ الحاكم بالفقء أولا فإذا برىء يحد بالقذف لما فيه من حق العبد ويحبس حتى يبرأ لأنه لو جمع عليه بين حدين ربما تلف والتلف ليس بواجب على الضارب فإذا برىء فللإمام الخيار إن شاء بدأ بالقطع وإن شاء بحد الزنا لتساويهما في الثبوت . وآخرها حد الشرب لأنه ثبت بالسنة وفعل الرسول صلى الله عليه و سلم واجماع الصحابة رضوان الله عليهم
وإن كان الجاني محصنا بدأ الحاكم بالفقء ثم حد القذف ثم الرحم ويسقط الباقي لأن القتل يأتي على النفس فيؤدي إلى إسقاط بعض الحدود
ومن حده الإمام أو عزره فمات من أثر الجلد فدمه هدر لأنه مأمور من جهة الشرع بإقامة الحد فلا يقيد بالسلامة ولأنه يسوف بحقه الله تعالى بأمره . فكأن الله تعالى أماته بغير سلطان فلا يجب الضمان
اتفق الفقهاء : على أن السكران إذا قذف انسانا بالزنا في حالة السكر فإنه يحاسب على هذا القذف ويعاقب عليه ويقام عليه حد القذف بعد صحوه إذا طلب المقذوف إقامة الحد )
مبحث مراعاة الشريعة لحال المجرم
- ومما ينبغي ملا حظته أن إقامة الحد بالجلد يجب أن يراعى فيها حال المجرم واحتماله للعقوبة فإذا كان جسمه ضعيفا لا يحتمل أو كان مريضا فإنه يؤخر إلى أن يقوى على احتمال العقوبة فإذا كان ضعفه طبيعيا بحيث لا يرجى له قوة فإنه يجمع له أعواد بقدر العقوبة ويضرب بها مرة واحدة . وهذا هو رأي جماهير العلماء . ومن هذا كله يتضح لك أن الشدة في العقوبة إنما هي بالنسبة للفجار الأقوياء الذين يؤذون الناس بما يوجب حقدهم عليهم وعدم الصفح عنهم وهؤلاء شرهم على أنفسهم وعلى المجتمع شديد فلا ينبغي لأحد أن يرحمهم في أي زمان ومكان ( 1 )
مبحث التوبة النصوح
لقد عبر الله تعالى في الأية الكريمة في جانب { الذين يرمون المحصنات } بصيغة المذكر ( الذين ) وعبر في جانب المرمي بصيغة المؤنث ( المحصنات ) ولا فرق بين الذكور والإناث عند جميع الفقهاء في الرامي والمرمي فمن رمى غيره بالزنا واستوفى شروط الحد وجب على الحاكم حده سواء أكان كل من الرامي والمرمي رجلا أم امرأة وإنما اختير هذا التعبير أما في الأول فمن باب تغليب الذكور على الإناث فإنهما متى اجامعا في حكم شرعي عبر بصيغة كالذكور تغليبا لهم عليهن قال تعالى : { وكانت من القانتين } وأيضا في الغالب أو المفروض إن الرمي في هذه الفاحشة بعيد لأن ألسنة النساء اللاتي ينبغي أن يحوطهن الحياء والأدب فلا يكاد يقع منهن هذا البذاء . وأن الغالب في الرمي يكون من جانب الذكور
وأما الثاني وهو اختيار صيغة المؤنث في جانب المرمي ( المقذوف ) فلأن أكثر ما توجه هذه التهمة الشنعية للنساء فهي لهن آلم وأوجع ولا يرمي بها الرامي إلا للنيل من المرمي بآلم ما يستطيع وهذا لا ينافي مساواة الرجال لهن في لحوق العار وإصابة الشرف وتنكيس العزة وضياع الكرامة وعلى ذلك يكون قيد التأنيث في الآية المستفاد من صيغة الجمع بالألف والتاء لا مفهوم له بل مثلهن في ذلك الذكور وليس هذا من باب قياس الرجال على النساء بل من باب إلغاء الفارق بين الفريقين . على أن الآية وردت في واقعة هي أن هلال بن أمية قد رمى زوجته بالزنا بشريك بن سحماء فجاء التقييد على وفق سبب النزول فإنها نزلت قي قصة هلال بن أمية حثنما شكا للرسول صلى الله عليه و سلم زوجته فقال الرسول صلى الله عليه و سلم : ( البينة أو حد في ظهرك )
وقد رتب الشارع على قذف المحصن أو المحصنة ثلاثة أشياء الجلد ثمانين جلدة ورد الشهادة والحكم عليه بالفسق
وقد أردف جل شأنه ذلك الجزاء باستثناء التائبين فقال تعالى : { إلا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا فإن الله غفور رحيم }
والتوبة هي الرجوع إلى الله بعد الاعراض عنه تعالى والإقبال عليه بعد الإدبار وكفى بالمعصية إعراضا وإدبارا بل فرارا من حظيرة قدسه وساحة رحمته
والتوبة الصادقة النصوح تنتظم في معان ثلاثة تؤدي إلى تطهير القلب بل والجوارح أيضا من أدران الذنوب وأوساخ الخطايا وهذه المعاني الثلاثة هي معرفة ما في الذنب من الإضرار بالنفس والابتعاد عن ساحة الرحمة ومنزلة الرضوان وإنه لا يقدم عليه إلا عدو نفسه الذي غلبت عليه شهوته فلا تحصل التوبة دون أن يتحقق هذا المعنى تحققا يقينا وعلما حضوريا يشبه علمك أن في هذا الطعام الذي اشتهيته سما مهلكا قاتلا يخبرك به الطبيب الثقة فماذا يكون حالك وقد تورطت فأكلت الطعام اشتهاء أليس يدركك من الندم والحسرة ما ترتبك معه وتخور له قواك ألست تشعر حينئذ بحالة اكتئاب وحسرة على ما فرط منك تغلب عليك لذتك ابتئاسا - وفرحتك حزنا فهذا هو المعنى الثاني وهو الندم على ما وقع منك وليس مجرد الندم والحسرة ويقف الشخص مبهوتا غير مفكر إذا كان من أهل الصيرة كلا بل لا يسمى نادما حقيقة ويصدق في دعواه أنه ندم حتى يترتب على ندمه أثره الصحيح وذلك فعل يتعلق بما مضى وبما هو حاصل وبما يستقبل من الزمان فيقلغ عن الاستمرار في تناول ذلك الطعام الشهي حالا ويعزم على أن لا يعود إليه في المستقبل وعمل على تخليص معدته مما سبق منه إليها في الماضي حتى يستريح باطنه من هذا السم القاتل هكذا شأن التوبة من الذنوب والخطايا ومقياس النندم أن يؤتي هذه الثمار الثلاث وهي :
اولا الإقلاع فورا عن الاستمرار في الذنب الحالي ثانيا العزم على أن لا يعود في المستقبل أبدا ثالثا المبادرة إلى التخلص مما فرط منه في الماضي
ومن ذلك أن ترد الحقوق إلى اصحابها وهذه هي التوبة الصحيحة المطهرة المقبولة حاما كما وعد الله جل شأنه ووعده لا يخلف وهذا معنى قولهم : التوبة تنتظم من علم وحال وعمل . والعمل يتعلق بالحال والاستقبال والماضي
والإصلاح هو إزالة الخلل والفساد الطارىء على الشيء والمراد هنا في الآية إصلاح دات البين التي أفسدها بينه وبين من قذفه وذلك بأن يستسمحه مما فرط منه في حقه حتى يسامحه وذلك شأن التوبة والتخلص من حقوق العباد
وقال بعض العلماء : غنه من مضى مدة عليه في حسن الحال تقبل شهادته وتعود ولايته ثم قدورا تلك المدة بسنة حتى تمر عليه الفصول الأربعة التي تتغير فيها الحوال والطباع كما يضرب للعنين أجل سنة . وأما قوله تعالى : { من بعد يذلك } فالتوبة لا تكون إلا بعد الذنب فإن سره التهويل في المر وتفظيع ما وقع فيه وتكبيره
مبحث قبول توبة القاذف
الحنفية قالوا : لا تقبل شهادة المحدود في قذف وإن تاب توبة صادقة وحسنت توبته لقوله تعالى : { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } ولأن رد شهادته من تمام الحد لكونه مانعا فقى بعد التوبة كأصله بخلاف المردود في غير القذف لأن الرد للفسق وقد ارتفع بالتوبة
وأصله : أن الاستثناء إذا تعقب جملا متعاطفة هل ينصرف إلى الكل أو إلى الجملة الأخيرة ؟
فالحنفية قالوا : إن الاستثناء ينصرف إلى الجملة الأخيرة فقط وقد تقدم في الآية ثلاث جمل هي قوله تعالى : { فاجلدوهم } وقوله { ولاتقبلوا لهم شهادة أبدا } وقوله تعالى { وأولئك هم الفاسقون } والظاهر من عظف { ولاتقبلوا } أنه داخل في حيز الحد للعطف مع المناسبة وقيد التأبيد أما المناسبة : فإن رد شهادته مؤلم لقلبه مسبب عن فعل لسانه كما أن آلم قلب المقذوف بسبب فعل لسانه وكذا قيد التأبيد لا فائدة له إلا بأبيد الرج وإلا لقال : ولا تقبلوا لهم شهادة { وأولئك هم الفاسقون } جملة مستأنفة لبيان تعليل عدم القبول ثم استثنى الذين تابوا وهذا لأن الرد على ذلك التقدير ليس إلا للفسق ويرتفع بالتوبة فلا معنى للتأبيد على تقدير القبول بالتوبة
وهو استثناء منقطع لأن التائبين ليسوا داخلين في الفاسقين فكأنه قيل : وأولئك هم الفاسقون لكن الذين تابوا فإن الله غفور رحيم أي يغفر لهم ويرحمهم وإذا كان الرد من تمام الحد لكونه مانعاص أي زاجرا يبقى بعد التوبة كأصله أي كأصل الحد فإنه لا يسقط بالتوبة فإن من تاب بعد ثبوت الحد عليه لا يسقط عنه بل يجب أن يحد مهما حسنت توبته بالإجماع واحتج الحنفية على أن حكم الاستثناء مختص بالجملة الأخيرة بوجوه
( أحدها ) أن الاستثناء من الاستثناء يختص بالجملة الآخيرة فكذا في جميع الصور طردا للباب
( ثانيها ) أن المقتضى لعموم الجمل المتقدمة قائم والمعارض وهة الاستثناء يكفي في تصحيحه تعليقه بجملة واحدة وهي الأخيرة فقط
( ثالثها ) أن الاستثناء لو رجع إلى كل الجمل المتقدمة لوجب أنه إذا تاب أن لا يجلد وهذا باطل بالإجماع فوجب أن يختص الاستثناء بلجملة الأخيرة
واحتج الأحناف على مذهبهم في المسألة بوجوه من الأخبار والأحاديث الشريفة
( أحدها ) ما روى أبن عباس رضي الله عنهما في قصة هلال بن أمية حين قذف امرأته بشريك بن سحماء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( يجلد هلال وتطل شهادته في المسلمين ) فأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن وقوع الجلد به يبطل شهادته عن غير شرط التوبة في قبولها
( وثانيها ) أن قوله عليه السلام ( المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدود في قذف ) ولم يشترط فيه وجود التوبة منه
( وثالثها ) ما روى عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لا تجوز شهادة محدود في الإسلام )
المالكية والحنابلة والشافعية - قالوا : تقبل شهادة المحدود في قذف إذا تاب وحسنت توبته والمراد بتوبته الموجبة لقبول شهادته أن يكذب نفسه في قذف . وهل يعتبر فيه إصلاح العمل أم لا ؟
وقول يتعتبر لقوله تعالى { إلا الذين تابوا } وقيل : لا . لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لابي بكرة : تب أقبل شهادتك
وقد احتجوا على مذهبهم بأن شهادة المحدود في قذف مقبولة بوجوه :
( أحدها ) قوله عليه الصلاة و السلام : ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) ومن لا ذنب له مقبول الشهادة فالتائب يجب أن يكون أيضا مقبول الشهادة
( وثانيها ) أن الكافر يقذف فيتوب عن الكفر ويدخل الإيمان فتقبل شهادته بالإجماع فالقاذف المسلم إذا تاب عن القذف وجب أن تقبل شهادته لأن القذف مع الإسلام أهون حالا من القذف مع الكفر فإن قيل : المسلمون لا يألمون بسبب الكفار لأنهم شهروا بعداوتهم والطعن فيهم بالباطل فلا يلحق المقذوف بقذف الكافر من الشين والشنأن وأيضا فالتائب من الكفر لا يجب عليه الحد والتائب من القذف لا يسقط عنه الحد
قلنا : هذا الفرق ملغى بقوله عليه الصلاة و السلام ( أنبئهم أن لهم ما للمسلمين عليهم ما على المسلمين )
( وثالثها ) أجمعنا على أن التائب عن الكفر والقتل والزنا والشرب والسرقة مقبول الشهادة . فكذا التائب عن القذف لأن هذه الكبيرة ليست أكبر من نفس الزنا . ( ورابعها ) أن ابا حنيفة رحمه الله تعالى يقبل شهادته إذا تاب قبل إقامة الحد عليه مع أن الحد حق المقذوف فلا يزول بالتوبة فلأن تقبل شهادته إذا تاب بعد إقامة الحد عليه . وقد حسنت حالته وزال اسم الفسق عنه كان أولى
( وخامسها ) أن قوله تعالى { إلا الذين تابوا } استثناء مذكور عقيب جمل فوجب عوده إليها كلها ويدل عليه أمور
( أحدها ) أجمعنا على أنه لو قال : عبده حر وامرأته طالق إن شاء الله فإنه يرجع الاستثناء إلى الجميع فكذا فيما نحن فيه
( وثانيها ) أن الواو للجمع المطلق فقوله تعالى { فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا وأولئك هم الفاسقون } صار الجمع كأنه ذكر معا لا تقدم للبعض على البعض فلما دخل عليه الاستثناء لم يكن رجوع الاستثناء إلى بعضها اولى من رجوعه إلى الباقي إذ لم يكن لبعضها على بعض تقدم في المعنى البتة فوجب رجوعه إلى الكل ونظيره على قول أبي حنيفة رحمه الله قوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } فإن فاء التعقيب ما دخلت على غسل الوجه بل على مجموع هذه الأمور من حيث أن الواو لاتفيد الترتيب فكذا ههنا كلمة إلا ما دخلت على واحد بعينه لأن حرف الواو لا يفيد الترتيبن بل دخلت على المجموع
( وثالثها ) أن قوله تعالى : { وأولئك هم الفاسقون } عقيب قوله تعالى : { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا يدل على أن العلة في عدم قبول تلك الشهادة كونه فاسقا لات ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية لا سيما إذا كان الوصف مناسبا وكونه فاسقا يناسب ألا يكون مقبول الشهادة إذا ثبت أن العلة لرد الشهادة ليست إلا كونه فاسقا ودل الاستثناء على زوال الفسق فقد زالت العلمة فوجب أن يزول الحكم لزوال العلة
( ورابعها ) أن مثل هذا الاستثناء موجود في القرآن الكريم قال الله تعالى : { إنما جزاء الذين يحربون الله ورسوله } إلى قوله تعالى : { إلا الذين تابوا } ولا خلاف أن هذا الاستثناء إلى ما تقدم من أول الاية وأن التوبة حاصلة لهؤلاء جميعا
وكذلك قوله تعالى : { لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى } إلى قوله تعالى : { فم تجدوا ماء فتيمموا } وصار التيمم لمن وجب عليه الاغتسال كما أنه مشروع لمن وجب عليه الوضوء . والله تعالى أعلم
كيفية التوبة عن القذف .
الشافعية - قالوا : إن التوبة عن القذف تكون بإكذابه نفسه واختلف أصحابه في معناه . فقال بعضهم : يقول كذبت قيما قلتت فلا أعود لمثله وقال أو إسحاق : لا يقول كذبت لأنه ربما يكون صادقا فيكون قوله كذبت كذبا والكذب معصية والإتيان بالمعصية لا يكون توبة عن معصية اخرى وإنما يقول القاذف بالملأ ندمتم على ما قلت ورجعت عنه ولا أعود إليه وأما قوله تعالى : { فإن الله غفور رحيم } فالمعنى أنه لكونه غفورا رحيما يقبل التوبة وهذا يدل على أن قبول التوبة غير واجب عقلا إذ لو كان واجبا لما كان في قبول غفورا رحيما لأنه إذا كان واجبا فإنما يقبله خوفا وقهرا لعلمه بأنه لو لم يقبله لصار سفيها ولخرج عن حد الإلهية )

-----------------------
( 1 ) ( الحنفية والشافعية والحنابلة قالوا : إن حد القذف اخف من جميع الحدوده لأن سببه وهو النسبة إلى الزنا غير مقطوع به لجواز كونه صادقا غير أنه عاجز عن البيان بخلاف حد الزنا لأن سببه معاين للشهود أو للفرية والمعلوم لهما هنا نفس القذفن وإيجابه الحد ليس بذاته بل باعتبار كونه كاذبا حقيقة أو حكما بعد إقامة البينة قال تعالى : { فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون } فالله تعالى منع من النسبة إلى الزنا إلا عند القدرة على الإثبات بالشهداء لأن قائدة النسبة هناك تحصل أما عند العجز فانما هو تشنيع ولقلقة تقابل بمثلها بلا فائدة ولذلك قالوا : إن القاذف لا يجر من ثيابه عند الجلد ولا ينزع عنه إلا الفرو والثياب المحشوة لأنه يمنع من وصول الألم إليه فلو كان عليه ثوب ذو بطانة غير محشو فلا ينزع والظاهر أنه إن كان فوق قميص ينزع لأنه يصير مع القميص إما محشوا أو قريبا منه ويمنع إيصال الألم الذي يصلح زاجرا
المالكية قالوا : إن حد القذف مثل سائر الحدود فيجب أن يجرد القاذف من ثيابه عند الجلد ولا يبقى على حسده إلا ما يستر عورته فقط ويجلد ثمانين جلدة والعبد يضرب أربعين فقط
قالوا : ويتعين الضرب بالسوط المصنوع من الجلد وذلك للسليم القوي أما نحيف الجسم والمريض فلا يصح ضربه بالسوط لأنه يؤدي إلى إتلافه وهلاكه ويفرق الشرب على جميع الأعضاء لأن جمع الجلدات في عضو واحد ربما يؤدي إلى الإتلاف وهو غير مستحق ويتقى في الضرب المقاتل كثمرة التمر والفرج والوجه لأنه يجمع المحاسن ولقول الرسول صلى الله عليه و سلم ( إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه ) وروي أن سيدنا عمر رضي الله عنه قال للجلاد : إياك أن تضرب الرأس والفرج ويضرب الرجل قائما والمرأة جالسة مستورة وكشف العورة حرام إلا أنه ينزع عنها الحشو والفرو ليخلص اللم إليها . فإن كان القاذف شديد الهزال أو مريضا مرضا لا يرجى برؤه كالمسلول والمجذوم جلد ( بعثكل ) وبه ثمانون غصنا يضرب به مرة واحدة ولا يقام الحد في الأيام الشديد ة الحر ولا الشديدة البرد ولا يقام الحد على النفساء والحامل حتى تضع وتبرأ من مرضها


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #316  
قديم 04-01-2023, 08:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب القصاص]
صـــــ 116 الى صــــــــ
120

الحلقة (270)

القسم الثاني كتاب القصاص
- وأما القصاص فهو أن يعاقب الجاني بمثل جنايته على أرواح الناس أو عضو من أعضائهم فإذا قتل شخص آخر استحق القصاص هو قتله كما قتل غيره ( 1 )
مبحث تعريف القصاص
القصاص مأخوذ من قص الأثر وهو اتباعه ومنه القاص لأنه يتبع الآثار والأخبار وقص الشعر أثره فكأن القاتلس سلك طريقا من القتل فقص أثره فيها ومشى على سبيله في ذلك ومنه قوله تعالى : { فارتدا على آثارهما قصصا }
وقيل : القص القطع يقال : قصصت ما بينهما ومنه أخذ القصاص لأنه يجرحه مثل جرحه أو بقتله به يقال : أقص الحاكم فلانا من فلان وأباده به فامتثل بهن أي اقتص منه
حكم القصاص
والقصاص ثابت في الشرع بالكتاب والسنة وفعل الرسول صلى الله عليه و سلم وإجماع الأمة . أما الكتاب فقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ركم ورحمة فمن أعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون } آيتي 178 ، 179 من سورة البقرة
وقوله تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعينن والأنف بالأنف والأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } آية 45 من سورة المائدة
وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد فيه نسخ من الشارع الحكيم ولم يرد نسخ ذلك وقوله تعالى : { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلموما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل أنه كان منصورا } آية 33 من سورة الإسراء أي أتينا لوليه سلطنة القتل
وقوله تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا } ووجه التمسك به أن الله تعالى ذكر في هذه الآية حكم القتل الخطأ فتعين أن يكون القصاص واجبا وثابتا فيما هو ضد الخطأ وهو العمد ولم تعين بالعمد لا يعدل عنه لئلا تلزم الزيادة على النص بالرأي ولأن الله تعالى قال : { كتب عليكم القصاص في القتلى } ومعناه فرض وأثبت كما قال تعالى : { كتب عليكم الصيام } وقال : { وكتب عليكم القتال } وقال تعالى : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } ومعناه الفرض الثابت
وقيل : إن ما ( كتب ) في الآيات هنا إخبار عماكتب في اللوح المحفوظ وسبق به القضاء أزلا وصورته أن القاتل فرض عليه إذا أراد الولي القتل الاستسلام لأمر الله تعالى والانقياد لقصاصه المشروعن وأن الولي فرض عليه الوقوف عند قاتل وليهن وترك المعتدي على غيره كما كانت العرب تتعدى فتقتل غير القاتل . وهو معنى قول رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إن من أعتى الناس على الله يوم القيامة ثلاثة رجل قتل غير قاتله ورجل قتل في الحرم ورجل أخذ بذحول الجاهلية ) والذحول هو العداوة والحقد
قال الشعبي وقتادة وغيرهما إن اهل الجاهلية كان فيهم بغين وطاعة للشيطان فكان الحي إذا كان فيه عز ومنعه فقتل لهم عبد قتله عبد قوم آخرين قالوا : لا نقتل به إلا شريفان ويقولون : القتل أوقى للقتل ) بالواو والقاف ويروى ( أبقى ) بالباء والقاف ويروى ( أنفى ) بالنون والقاء فنهاهم الله عن البغي فقال : { كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد } الآية { ولكم في القصاص حياة }
وروى البخاري والنسائي والدارقطني عن ابن عباس رضي الله عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : ( كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيه الدية ) فقال الله لهذه الأمة { كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء } فالعفو أن يقبل الدية في العمد { فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } يبتع بالمعروف ويؤدي بإحسان { ذلك تخفيف من ركم ورحمة } مما كتب على من كان قبلكم { فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم } أي قتل بعد قبول الدية هذا لفظ الإمام البخاري : في سبب نزول الآية
وظاهر الآية الكريمة يوجب القود بالقصاص أينما يوجد القتل ولا يفصل بين العمد والخطأ إلا أنه تقيد بوصف العمدية بالحديث النبوي المشهور الذي تلقته الأمة بالقبلو وهو قوله عليه الصلاة ولاسلام ( العمد قود ) أي موجبة قود . لأن الحديث لو لم يكن يوجب تقييد الآية لم يكن القود موجب العمد فقط فلا يكون لذكر لفظ العمد فقط فلا يكون لذكر لفظ العمد فائدة
قالوا : ولن الجناية بالعمدية تتكامل وحكمة الزجر عليها تتوفر والعقوبة المتناهية لا شرع لها دون ذلك
وأما السنة فقوله صلوات الله وسلامه عليه : ( من قتل قتلناه ) وقوله لعيه الصلاة والسلام : ( كتاب الله القصاص ) وقوله عليه الصلاة و السلام : ( لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة ) واتفق عليه
وروي عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لا يحل قتل مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال زان فيرجم ورجل قتل مسلما متعمدا فيقتل وجل يخرج عن الإسلام فيحارب الله ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض ) رواه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم والأحاديث في ذلك كثيرة
وعليه إجماع الأمة من غير مخالف منه ويؤيده العقل السليم لأن المال لا يصلح موجبا في القتل العمد لعدم المماثلة لأن الآدمي مالك مبتذل والمال مملوك مبتذل فأنا يتماثلان بخلاف القصاص فإنه يصلح موجبا للتماثلن وفيه زيادة حكمة وهي مصلحة الحياء زجرا للغير إن وقوعه فيه وجبرأ للورثة فيتعين وإنما جب المال في الخطأ أولا ضرورة صون الدم عن الهدار فإنه لما لم يكن الاقتصاص فيه هدر الدم لو لم يجب المان والآدمي مكرم لا يجب إهدار دمه على أن ذلك ثابت بنص القرآن الكريم
والقصاص شرع لمعنى النظر للولي على وجه خاص وهو الانتقام وتشفي الصدر فإنه شرع زجرا عما كان عليه أهل الجاهلية من إفناء قبيلة بواحد لا لأنهم كانوا يأخذون أموالا كثيرة عند قتل واحدا منهم بل القاتل وأهله لو بذلوا ما ملكوه وأمثاله ما رضي به أولياء المقتول فكان إيجاب المال في مقابلة القتل العمد تضييع حمة القصاص وإذا ثبت أن الصل هو القصاص لم يجز المصير إلى غيره بغير ضرورة مثل أن يفقد احد الاولياء . فإنه تعذر الاستيفاء حينئذ أو أن يكون محل القصاص . ناقصا بأن تكون يد قاطع اليد أقل اصبعا وأمثال ذلك
من يقيم القصاص
لا خلاف بين الأئمة في أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر الذين فرض عليهم النهوض بالقصاصن وإقامة الحدود . وغير ذلك لأن الله سبحانه وتعالى خاطب الجميع المؤمنين بالقصاص قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب علكم القصاص في القتلى } ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعا أن يجتمعوا على القصاص فأقاموا مالسلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود وليس القصاص بلازم إنما اللازم إلا يتجاوز القصاص وغيره من الحدودالى الاعتداءن فأما إذا وقع الرضا بدون القصاص من دية أو عفو فذلك مباح فلا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقه دون السلطان الذي أعطاه الله هيذه السلطة وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض وإنما يكون ذلك للسلطان أو من نصبه السلطان لذلك ولهذا جعل الله السلطان ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض
السلطان يقتص من نفسه
واجمعم العلماء على أن على السطان أن يقتص من نفسه أن تعدى على احد من رعيته ظلما غذ هو واحد منهم وإنما له مزية النظر لهم كالوصي والوكيل وذلك لا يمنع القصاص منه وليس بين السلطان وبين العامة فرق في أحكام الله عز و جل لقوله جل ذكره : { كتب عليكم القصاص في القتلى } وثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أنه قال لرجل شكا إليه أن عاملا " أي حاكما " قطع يده بغير حق : لئن كنت صادقا لأقيدنك منه
وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري قال : بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا إذ أكب عليه رجل فطعنه رسول الله بعرجون كان معه فصاح الرجل فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( تعال فاستقد ) قال : بل عفوت يا رسول الله وروى أبو داود الطيالسي عن أبي فراس قال : خطب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال : إلا من ظلمه أميره فليرفع ذلك إلي أقيده منه فقام عمرو بن العاص فقال : يأمير المؤمنين لئن أدب الرجل منا رجلا من أهل رعيته لتقصنه منه ؟ قال : كيف لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقص من نفسه ) ؟
ولفظ أبي داود السجستاني عنه قال : خطبنا عمر بن الخطاب فقال : إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم فمن فعل ذلك به فليرفعه إلي أقصه منه ) وذكر الحديث بمعناه )
مبحث عناية الشريعة بدماء الناس
- وقد عنيت الشرعة الإسلامية بالمحافظة على دماء الناس عناية تامة فددت الجناة الذين يعتدون على دماء الناس تهديدا شديدا ( 2 )
( 1 ) ( لقد جعل الله عقوبة قتل النفس من أفظع العقوبات وجعل القضاء بها من أعظم المظالم فيما يرجع إلى العباد وجعل الحساب عليها أول القضاء يوم القيامة . فعن أبي مسعود رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ) رواه البخاري ومسلم أي في الأمر المتعلق بالدماء
وقتل النفس من الموبقات المهلكات ومن أكبر الكبائر فقد روى أبو هريرة الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " اجتنبوا السبع الموبقات : قيل يا رسول الله : وما هن ؟ قال : الشرك بالله والسمحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي
واعتبر الشارع أن للمسلم لا يزال في سعة منشرح الصدر فإذا أراق دم امرىء مسلم صار منحصرا ضيقا لما أوعد الله عليه مالم يوعد على غيره من دينه فيضيق عليه دينه بسبب الوعيد لقاتل النفس عمدا بغير حق
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ) وقال ابن عمر رضي الله عنهما : إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله ) رواه البخاري رحمه الله
وقد ثبت في الشرع النهي عن قتل البهيمة بغير حق والعيد في ذلك فكيف بقتل الآدمي فكيف بالمسلم فكيف بقتل المرء الصالح عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ) رواه ابن ماجه
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوف بالكعبة ويقول : ( ما أطيبك وما أطيب ريحك ما أعظمك وما أعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك : ماله ودمه ) رواه ابن ماجة واللفظ له
وعن أبي سعيد وابي هريرة رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار ) . رواه الترمذي
بل جعل الشارع الذنب على من أعان على قتل مؤمن بمال أو سلاح أو ساعده ولو بكلمة أو بنصف كلمة
روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله ) رواه ابن ماجة
وقد جعل الله تعالى جناية قتل النفس بعد الشرك والعياذ بالله تعالى وقرنه به حتى تدرك النفوس فظاعة هذه الجريمة وعظم خطرها وشدة عقابها يوم القيامة فقال تعالى : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا } الآية 19 من سورة الفرقان
وقال تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا } آية 29 ، 30 من سورة النساء
وقد جعل الله تعالى وزر من قتل نفسا بغير حق حرمها الله تعالى مثل من قتل الناس جميعا لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس ومن حرم قتلها واعتقد ذلك فكأنما حرم دماء الناس جميعا وكأنه أحيا الناس جميعا فقد سلم الناس منه بهذا الاعتبارن قال تعالى : { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا . ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا }
قال قتادة في قوله : { من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا } هذا تعظيم لتعاطي القتل . ثم قال : عظيم والله وزرها وعظيم والله أجرها وقال الحسن البصري فكأنما قتل الناس جميعا قال : وزرا { ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } قال : أجرا
وقال الله تعالى فيما أوصى به نبيه محمدا صلى الله عليه و سلم وفي ذكر الأمور التي حرمها الله تعالى على عباده في الأرض { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون } آية 151 من الأنعام . فقد نص الله تعالى على النهي عن قتل النفس التي حرمها تأكيدا واهتماما بشأنها وتعظيما لحرمتها وإلا فهو ذكر حرمتها في أول المنهيات . بالنهي عن قتل الأولاد فهو نهى عن قتل النفس كلها ثم النهي عن قتل النفس داخل في النهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن فكأن الله تعالى نهى عن قتل النفس التي حرمها في هذه الآية ثلاث مرات متوالية
روي عن أمير المؤمنين سيدنا عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أنه قال وهو محصور في داره بالمدينة . سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إسلامه أو زنى بعد إحصانه أو قتل نفسا بغير نفس فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا تمنيت أن لي بديني بدلا منه بعد أن هداني الله ولا قتلت نفسا فبم تقتلونني ) رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة
وقد بين الله تعالى حكم القتل العمد فذكر تهديدا شديدا ووعيدا أكيدا لمن أقدم على هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك بالله في الآية ؟ ؟ من كتاب الله عز و جل والآيات والأحاديث في تحريم القتل كثرة جدا ونكتفي بما ذكرناه سابقا
وقد قال الله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالد فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما } آية 93 من النساء
قال البخاري : حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا المغيرة بن النعمان قال سمعت ابن جبير قال : اختلف فيها أهل الكوفة فرحلت إلى ابن عباسن فسألته عنها فقال : نزلت هذه الآية { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم } هي آخر ما نزل وما نسخها شيء وكذا رواه هو أيضا ومسلم والنسائي من طرق عن شعبة به
قالوا : إن لقاتل العمد أحكاما في الدنيا وأحكاما في الآخرةن فأما في الدنيا فتسلط اولياء المقتول عليه قال تعالى : { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لولنه سلطانا } الآية ثم هم مخيرون بين أن يقتلوا أو يعفوان أو ياخذوا دية مغلظة أثلاثا ثلاثون حقه وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وأما في الآخرة فهو العذاب في نار جهنم والخلود فيها وغضب الله تعالى عليه والطرد من رحمته ولعنه والعذاب العظيم المضاعف كما ذكرت الآية الشريفة التي معنا
ومعنى هذه الصيغة أن هذا جزاؤه أن جوزي عليه وكذا كل وعيد على ذنب لكن قد يكون ذلك معارض من أعمال صالحة تمنع وصول ذلك الجزاء إليه وبتقدير دخول القاتل النار إن مات ولم يتب ولم تكن له أعمال صالحة فعلى قول ابن عباس رضي الله عنهما أنه لا توبة له . أي لا يقبل الله توبته وأما على قول جمهور العلماء حيث لا عمل له صالحا ينجو به فليس بمخلد فيها ابدا بل المراد بالخلود المذكور في الآية الكريمة هو المكث الطويل وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثال ذرة من إيمان ) وأما حديث معاوية ( كل ذنب عسى الله أن يغفر إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا ) فعسى للترجي فإذا انتفى الترجي في هاتين الصورتين انتفى وقوع ذلك في أحدهما وهو القتل لما ذكرنا من الأدلة وأما من مات وهو كافر فالنص أن الله تعالى لا يغفر له البتة وأما مطالبة المقتول القاتل يوم القيامة فإنه حق من حقوق الآدميين وهي لا تسقط بالتوبة ولكن لا بد من رده إليهم ولا فرق بين المقتول والمسروق منه والمغصوب منه والمقذوف وسائر حقوق الآدميين فإن الإجماع منعقد على أنها لا تسقط بالتوبة ولكنه لا بد من ردها إليهم في صحة التوبة . فإن تعذر ذلك فلا بد من المطالبة يوم القيامة لكن لا يلزم من وقوع المطالبة وقوع المجازاة إذ قد يكون للقاتل أعمال صالحة تنقل إلى المقتول أو بعضهان ثم يفضل له أجر يدخل به الجنة أو يعض الله المقتول بما شاء من فضله من قصور الجنة ونعيمها ورفع درجته فيها ونحو ذلك حتى يرضى عن القاتل وقيل : إن الخلود في النار يحمل على أنه جزاء القتل العمد بطريق الاستحلال والعياذ بالله وهو مستلزم للردة وقيل يؤول الخلود في الآية على أنه لو عامله بعدله أو على معنى تطويل المدة مجازا فالمراد به المكث الطويل والله أعلم
توبة القاتل
ذهبت طائفة من علماء السلف إلى أنه لا توبة للقاتل منهم عبد الله بن عباس وزيد بن ثابت وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعبيد بن عمير والحسن البصري وقتادة والضحالك بن مزاحم رضي الله عنهم . نقله ابن أبي حاتم
حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا : حدثنا جرير عن يحيى الجابري عن سالم بن أبي الجعد قال : كنا عند ابن عباس بعد ما كف بصره فأتاه رجل فناداه : يا عبد الله بن عباس ماترى في رجل قتل مؤمنا متعمدا ؟ فقال جزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واحد له عذابا عظيما . قال : أفرأيت إن تابن وعمل صالحا ثم اهتدى ؟ قال ابن عباس : ثكلته أمه قاتل مؤمن متعمدا جاء يوم القيامة أخذه بيمنه أو بشماله تشجب اوداجه من قبل عرش الرحمن يلزم قاتله بشماله وبيده الأخرى رأسه يقول : يارب سل هذا فيم قتلني وأيم الذي نفس بيده لقد أنزلت هذه الآية فما نسختها من آية حتى قبض نبيكم صلى الله عليه و سلم وما نزل بعدها من برهان )
وفي الباب أحاديث كثرة منه ما رواه الإمام أحمد حدثنا صقر بن عيسى حدثنا ثور بن يزيد عن أبي عون عن أبي إدريس قال : سمعت معاوية رضي الله عنه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا )
وذهب الجمهور من سلف الأمة وخلفها إلى أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله عز و جل . فإن تاب وأتاب وخشع وخضع وعمل عملا صالحا بدل الله سيائته حسنات وعوض المقتول من ظلامته وأرضاه عن ظلامته قال تعالى : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى قوله إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا } الآية وهذا خبر لا يجوز نسخه وحمله على المشركين وحمل هذه الآية على المؤمنين خلاف الظاهر وقال تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } الآية . وهذا عام في جميع الذنوب من كفر وشرك وشك ونفاق وقتل وفسق وغير ذلك كل من تاب أي من أي ذلك تاب الله عليهن وقال الله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فهذه الآية عامة في جميع الذنوب ما عدا الشرك بالله وهي مذكورة في هذه السورة الكريمة بعد هذه الآية وفيها لتقوية الرجاء في رحمة الله والله أعلم
وثبت في الصحيحين خبر الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس ثم سأل عالما هل لي من توبة ؟ فقال : ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ثم ارشده إلى بلد يتعبد الله فيه فهاجر إليه . فمات في الطريق فقبضته ملائكة الرحمة وهذه الأمة أولى بالتوبة من بني إسرائيل
الكفارة في قتل العمد
الحنفية والمالكية والحنابلة في إحدى روايتيهم قالوا : لا تجب الكفارة في قتل العمد لأن الشارع شدد في أمر القاتل عمدا بالقتل أو الدية إذا عفا الأولياء عن قتله إلى الدية فلا يزاد على ذلك حيث ورج به النص ولن قتل العمد كبيرة محضة وفي الكفارة معنى العبادة فلا تناط بمثلها والكبائر لا تكون سببا لما فيه معنى العبادة والكفارة فيها ذلك فلا تجب وموضوعه في أصول الفقه وهو أن الكفارة لاتناط بماهو كبيرة محضة ولأن الكفارة من المقادير وتعينها في الشرع لدفع الأدنى وهو الخطأ لا يدل لدفع الذنب الأعلى وهو العمد فكم من شيء يتحمل الأدنى للقدرة عليه ولا يتحمل الأعلى للعجز عنه
قال صاحب العناية : فإن قال الشافعي قد دل الدليل على عد صفة العمدية وهو حديث وائلة بن الأسقع قال أتينا رسول الله صلى الله عليه و سلم بصاحب لنا قد استوجب النار بالقتل فقال : اعتقوا عنه رقبة يتق الله كل عضو منها عضو منه من النار وإيجاب النار إنما يكون بالقتل العمد قلنا : لا نسلم لجواز أن يكون استوجب النار بشبه العمد كالقتل بالحجر أو العصا الكبيرين سلمناه لكنه لا يعارض إشارة قوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } فإن الفاء تقتضي أن يكون المذكور كل الجزاء فلو اوجبنا الكفارة لكان المذكور بعضه وهو خلف . اه
ولأن الله تعالى ذكر الجزاء الدنيوي على القتل العمد وهو القصاص بقول تعالى : { كتب عليكم القصاص في القتلى } وذكر الجزاء الأخروي بقوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } الآية . فلو قلنا : بوجوب الكفارة على القاتل عمدا لزدنا على النص وهو باطل ولأن القتل العمد أعظم من أن يكفر عنه مثل الصلاة المتروكة عمدا فإنهم اتفقوا على وجوب قضائها من غير كفارة
الشافعية والحنابلة في روايتهم الثانية قالوا : أن الكفارة تجب في قتل العمد لأن العامد أغلظ إثما ممن كان قتله خطأ فكانت الكفارة به أليق ممن كان قتله خطأ وقد اتفقوا على وجوب الكفارة في القتل الخطأ فلأن تجب عليه في العمد أولى فطردوا هذا في كفارة اليمين الغموس الواجبة بانص قال تعالى : { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين } الآية
واحتجوا على مذهبهم بما رواه الإمام أحمد عن واثلة بن السقع قال : أتى النبي صلى الله عليه و سلم نفر من بني سليم فقالوا : إن صاحبا لنا قد اوجب يعني النار بالقتل قال : ( فليعتق رقبة يفدي الله بكل عضو منها عضوا منه من النار ) وإيجاب النار غنما يكون بالقتل العمد . فهذا دليل واضح على أن الكفارة تجب في قتل العمد )

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #317  
قديم 04-01-2023, 08:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب القصاص]
صـــــ 116 الى صــــــــ
120

الحلقة (271)





-----------------------------
( 1 ) ( " تنبيه "
ذكر الشيخ رحمه الله تعالى في كتابه أن ( القصاص ) من باب الحدود فعند ذكر كتاب الحدود - ذكر حد الشرب . ثم حد الزنا ثم حد السرقة ثم حد القذف ثم القصاص ثم حد التعيزر وبعد أن انتهى من باب الحد ذكر حكم المفسدين في الرض والخوارج ثم حكم البغاة وقطاع الطرق وهذا نمط لم يدرج عليه الفقهاء الذين سبقوه في التأليفن فإن علماء السلف الصالح اللذي ألفوا في الفقه على اختلاف مذاهبهم لم يذكروا القصاص في كتاب الحدود على الشرب والزنا والسرقةن والقذف والتعزير
الحنفية قالوا : في كتاب ( الاختيار شرح الممختار ) تأليف عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي " كتاب الحدود " ثم ذكر حد الزنا والقذف والشرب والسرقة وقطاع الطرق وفي كتاب السير ذكر حكم المرتد وحكم الخوارج والبغاة من المسلمين وبعد ذلك ذكر كتاب الجنايات بفصوله ثم ذكر " كتاب الديات " بفصوله وفروعه . ثم قال في أول كتابه الجناية كل فعل محظور يتضمن ضررا ويكون تارة على نفسه وتارة على غيره ويقال : جنى على نفسه وجنى على غيره فالجناية على غيره تكون على النفس وعلى الطرفن وعلى العرض وعلى المال والجناية على النفس تسمى قتلا أو صلبا أو حرقا والجناية على الطرف تسمى قطعا أو كسرا أو شجا وهذا الباب لبيان هاتين الجنايتين وما يجب بهما والجناية على العرض نوعا قذف وموجبه الحد . وقد بيناه وغيبة وموجبها الإثم وهو من أحكام الآخرة والجناية على المال . تسمى نصبا أو خيانة أو سرقة وقد بيناها وموجبها في كتاب السرقة ثم القصاص مشروع ثبتت شرعيته بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أما الكتاب فقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } الآية 178 من سورة البقرة
وقوله تعالى : { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا } آية 33 من الإسراء والسنة قوله صلى الله عليه و سلم : ( من قتل قتلناه ) وقوله عليه الصلاة و السلام ( كتاب الله القصاص ) وعليه الإجماع والعقل والحكمة تقتضي شرعيته أيضا . فإن الطباع البشرية والأنفس الشريرة تميل إلى الطلم والاعتداء وترغب في استيفاء الزائد علىى الابتداء سما البوادي واهل الجهلن العادين عن سنن العقل والعدلن كما نقل عن عاداتهم في الجاهلية فلو المتشرع الأجزية الزاجرة عن التعدي والقصاص من غير زيادة ولا انتقاص لتجرأ ذوو الجهل والحمية والنفس الأبية على القتل والفتك في الابتداء وإضعاف ما جنى علهم في الاستيفاء فيؤدي ذلك إلى التفاني وفيه من الفساد ما لا يخفى فاقتضت الحكمة شرع العقوبات الزاجرة عن الابتداء في القتل والقصاص المانع من استيفاء الزائد على المثل فورد الشرع ببذلك لهذه الحكمة حسما عن مادة هذا الباب قال تعالى : { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب }
الشافعية - قالوا : في كتاب ( مغنى المحتاج ) كتاب البغاة كتاب الرجة كتاب الزنا كفارة حد القذف كتاب قطع السرقة باب قطع الطريق كتاب الأشربة فصل في التعزير . وقبل هذا ذكر كتاب الجراح وفصوله - ثم ذكر كتاب الديات وفصوله
وكذلك كتاب ( الام ) للإمام الشافعي رحمه الله تعالى فذكر أولا كتاب أهل البغي وأهل الردة . وبعده كتاب الحدود وصفة النفي ثم ذكر كتاب السرقة وكتاب الزنا وكتاب الخمر وكتاب قاطع الطريقن وكتبا المرتد وكتاب الأشربة
وأما كتاب مختصر المزني للإمام الشافعين فقد ذكر في كتاب الحدود باب حد الزنا باب حد القذف كتاب السرقة باب قطاع الطريق باب الأشربة قتال أهل الردة وقبل ذلك ذكر كتاب القتل وكتاب القسامة
المالكية قالوا : في كتاب حاشية الشيخ الصاوي على الشرح الصغير باب في أحكام الجناية على النفس أو على ما دونها ثم باب ( تعريف البغي ) ثم بابب تعريف ( الردة ) باب ذكر حد الزنا وباب حد القذف وباب أحكام السرقة باب ذكر الحزابة باب حد الشارب ولم يذكر القصاص في باب الحدود وذكر أحكام الجنايات أولا لأنه أوكد الضروريات التي يجب مراعاتها وأما صاحب كتاب الميزان للشيخ عبد الوهاب الشعراني فذكر كتاب الجنايات كتاب الجيات . باب القسامة باب كفارة القتل كتاب حكم الحر والساحر كتاب الحدود السبعة المترتبة على الجنايات باب الردة باب حكم البغاة باب الزنا باب حد القذف باب السرقة باب قطاع الطريق باب حد شرب المكر باب التعزير
وكذلك كتاب ( رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ) . للشيخ محمد بن عبد الرحمن الدمشقي الشافعي الشافعين ومراعاة لأمانة العلم سنأسير في الكتاب على حسب ما سر فضيلة المؤلف رحمه الله تعالى وأذكر كتاب القصاص والجناياتن في باب الحدود تحقيقا لرغبته وإن كانت طريقته تخالف جميع المؤلفين في علم الفقه
وقد أردت التنبيه على ذلك حتى يكون المطلع على علم بسير المؤلف في كتابه وحتى لا يكون هناك لبس في ذكر الأبواب وإدخال بعضها في البعض الآخر وإن كنت أنا أميل الى تنظيم المؤلفين في كتب الفقه وإخراج القصاص من كتاب الحدود

( 2 ) ( لقد جعل الله عقوبة قتل النفس من أفظع العقوبات وجعل القضاء بها من أعظم المظالم فيما يرجع إلى العباد وجعل الحساب عليها أول القضاء يوم القيامة . فعن أبي مسعود رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ) رواه البخاري ومسلم أي في الأمر المتعلق بالدماء

وقتل النفس من الموبقات المهلكات ومن أكبر الكبائر فقد روى أبو هريرة الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " اجتنبوا السبع الموبقات : قيل يا رسول الله : وما هن ؟ قال : الشرك بالله والسمحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي
واعتبر الشارع أن للمسلم لا يزال في سعة منشرح الصدر فإذا أراق دم امرىء مسلم صار منحصرا ضيقا لما أوعد الله عليه مالم يوعد على غيره من دينه فيضيق عليه دينه بسبب الوعيد لقاتل النفس عمدا بغير حق
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ) وقال ابن عمر رضي الله عنهما : إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله ) رواه البخاري رحمه الله
وقد ثبت في الشرع النهي عن قتل البهيمة بغير حق والعيد في ذلك فكيف بقتل الآدمي فكيف بالمسلم فكيف بقتل المرء الصالح عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ) رواه ابن ماجه
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوف بالكعبة ويقول : ( ما أطيبك وما أطيب ريحك ما أعظمك وما أعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك : ماله ودمه ) رواه ابن ماجة واللفظ له
وعن أبي سعيد وابي هريرة رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار ) . رواه الترمذي
بل جعل الشارع الذنب على من أعان على قتل مؤمن بمال أو سلاح أو ساعده ولو بكلمة أو بنصف كلمة
روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله ) رواه ابن ماجة
وقد جعل الله تعالى جناية قتل النفس بعد الشرك والعياذ بالله تعالى وقرنه به حتى تدرك النفوس فظاعة هذه الجريمة وعظم خطرها وشدة عقابها يوم القيامة فقال تعالى : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا } الآية 19 من سورة الفرقان
وقال تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا } آية 29 ، 30 من سورة النساء
وقد جعل الله تعالى وزر من قتل نفسا بغير حق حرمها الله تعالى مثل من قتل الناس جميعا لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس ومن حرم قتلها واعتقد ذلك فكأنما حرم دماء الناس جميعا وكأنه أحيا الناس جميعا فقد سلم الناس منه بهذا الاعتبارن قال تعالى : { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا . ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا }
قال قتادة في قوله : { من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا } هذا تعظيم لتعاطي القتل . ثم قال : عظيم والله وزرها وعظيم والله أجرها وقال الحسن البصري فكأنما قتل الناس جميعا قال : وزرا { ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } قال : أجرا
وقال الله تعالى فيما أوصى به نبيه محمدا صلى الله عليه و سلم وفي ذكر الأمور التي حرمها الله تعالى على عباده في الأرض { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون } آية 151 من الأنعام . فقد نص الله تعالى على النهي عن قتل النفس التي حرمها تأكيدا واهتماما بشأنها وتعظيما لحرمتها وإلا فهو ذكر حرمتها في أول المنهيات . بالنهي عن قتل الأولاد فهو نهى عن قتل النفس كلها ثم النهي عن قتل النفس داخل في النهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن فكأن الله تعالى نهى عن قتل النفس التي حرمها في هذه الآية ثلاث مرات متوالية
روي عن أمير المؤمنين سيدنا عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أنه قال وهو محصور في داره بالمدينة . سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إسلامه أو زنى بعد إحصانه أو قتل نفسا بغير نفس فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا تمنيت أن لي بديني بدلا منه بعد أن هداني الله ولا قتلت نفسا فبم تقتلونني ) رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة
وقد بين الله تعالى حكم القتل العمد فذكر تهديدا شديدا ووعيدا أكيدا لمن أقدم على هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك بالله في الآية ؟ ؟ من كتاب الله عز و جل والآيات والأحاديث في تحريم القتل كثرة جدا ونكتفي بما ذكرناه سابقا
وقد قال الله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالد فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما } آية 93 من النساء
قال البخاري : حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا المغيرة بن النعمان قال سمعت ابن جبير قال : اختلف فيها أهل الكوفة فرحلت إلى ابن عباسن فسألته عنها فقال : نزلت هذه الآية { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم } هي آخر ما نزل وما نسخها شيء وكذا رواه هو أيضا ومسلم والنسائي من طرق عن شعبة به
قالوا : إن لقاتل العمد أحكاما في الدنيا وأحكاما في الآخرةن فأما في الدنيا فتسلط اولياء المقتول عليه قال تعالى : { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لولنه سلطانا } الآية ثم هم مخيرون بين أن يقتلوا أو يعفوان أو ياخذوا دية مغلظة أثلاثا ثلاثون حقه وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وأما في الآخرة فهو العذاب في نار جهنم والخلود فيها وغضب الله تعالى عليه والطرد من رحمته ولعنه والعذاب العظيم المضاعف كما ذكرت الآية الشريفة التي معنا
ومعنى هذه الصيغة أن هذا جزاؤه أن جوزي عليه وكذا كل وعيد على ذنب لكن قد يكون ذلك معارض من أعمال صالحة تمنع وصول ذلك الجزاء إليه وبتقدير دخول القاتل النار إن مات ولم يتب ولم تكن له أعمال صالحة فعلى قول ابن عباس رضي الله عنهما أنه لا توبة له . أي لا يقبل الله توبته وأما على قول جمهور العلماء حيث لا عمل له صالحا ينجو به فليس بمخلد فيها ابدا بل المراد بالخلود المذكور في الآية الكريمة هو المكث الطويل وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثال ذرة من إيمان ) وأما حديث معاوية ( كل ذنب عسى الله أن يغفر إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا ) فعسى للترجي فإذا انتفى الترجي في هاتين الصورتين انتفى وقوع ذلك في أحدهما وهو القتل لما ذكرنا من الأدلة وأما من مات وهو كافر فالنص أن الله تعالى لا يغفر له البتة وأما مطالبة المقتول القاتل يوم القيامة فإنه حق من حقوق الآدميين وهي لا تسقط بالتوبة ولكن لا بد من رده إليهم ولا فرق بين المقتول والمسروق منه والمغصوب منه والمقذوف وسائر حقوق الآدميين فإن الإجماع منعقد على أنها لا تسقط بالتوبة ولكنه لا بد من ردها إليهم في صحة التوبة . فإن تعذر ذلك فلا بد من المطالبة يوم القيامة لكن لا يلزم من وقوع المطالبة وقوع المجازاة إذ قد يكون للقاتل أعمال صالحة تنقل إلى المقتول أو بعضهان ثم يفضل له أجر يدخل به الجنة أو يعض الله المقتول بما شاء من فضله من قصور الجنة ونعيمها ورفع درجته فيها ونحو ذلك حتى يرضى عن القاتل وقيل : إن الخلود في النار يحمل على أنه جزاء القتل العمد بطريق الاستحلال والعياذ بالله وهو مستلزم للردة وقيل يؤول الخلود في الآية على أنه لو عامله بعدله أو على معنى تطويل المدة مجازا فالمراد به المكث الطويل والله أعلم
توبة القاتل
ذهبت طائفة من علماء السلف إلى أنه لا توبة للقاتل منهم عبد الله بن عباس وزيد بن ثابت وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعبيد بن عمير والحسن البصري وقتادة والضحالك بن مزاحم رضي الله عنهم . نقله ابن أبي حاتم
حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا : حدثنا جرير عن يحيى الجابري عن سالم بن أبي الجعد قال : كنا عند ابن عباس بعد ما كف بصره فأتاه رجل فناداه : يا عبد الله بن عباس ماترى في رجل قتل مؤمنا متعمدا ؟ فقال جزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واحد له عذابا عظيما . قال : أفرأيت إن تابن وعمل صالحا ثم اهتدى ؟ قال ابن عباس : ثكلته أمه قاتل مؤمن متعمدا جاء يوم القيامة أخذه بيمنه أو بشماله تشجب اوداجه من قبل عرش الرحمن يلزم قاتله بشماله وبيده الأخرى رأسه يقول : يارب سل هذا فيم قتلني وأيم الذي نفس بيده لقد أنزلت هذه الآية فما نسختها من آية حتى قبض نبيكم صلى الله عليه و سلم وما نزل بعدها من برهان )
وفي الباب أحاديث كثرة منه ما رواه الإمام أحمد حدثنا صقر بن عيسى حدثنا ثور بن يزيد عن أبي عون عن أبي إدريس قال : سمعت معاوية رضي الله عنه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا )
وذهب الجمهور من سلف الأمة وخلفها إلى أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله عز و جل . فإن تاب وأتاب وخشع وخضع وعمل عملا صالحا بدل الله سيائته حسنات وعوض المقتول من ظلامته وأرضاه عن ظلامته قال تعالى : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى قوله إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا } الآية وهذا خبر لا يجوز نسخه وحمله على المشركين وحمل هذه الآية على المؤمنين خلاف الظاهر وقال تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } الآية . وهذا عام في جميع الذنوب من كفر وشرك وشك ونفاق وقتل وفسق وغير ذلك كل من تاب أي من أي ذلك تاب الله عليهن وقال الله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فهذه الآية عامة في جميع الذنوب ما عدا الشرك بالله وهي مذكورة في هذه السورة الكريمة بعد هذه الآية وفيها لتقوية الرجاء في رحمة الله والله أعلم
وثبت في الصحيحين خبر الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس ثم سأل عالما هل لي من توبة ؟ فقال : ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ثم ارشده إلى بلد يتعبد الله فيه فهاجر إليه . فمات في الطريق فقبضته ملائكة الرحمة وهذه الأمة أولى بالتوبة من بني إسرائيل
الكفارة في قتل العمد
الحنفية والمالكية والحنابلة في إحدى روايتيهم قالوا : لا تجب الكفارة في قتل العمد لأن الشارع شدد في أمر القاتل عمدا بالقتل أو الدية إذا عفا الأولياء عن قتله إلى الدية فلا يزاد على ذلك حيث ورج به النص ولن قتل العمد كبيرة محضة وفي الكفارة معنى العبادة فلا تناط بمثلها والكبائر لا تكون سببا لما فيه معنى العبادة والكفارة فيها ذلك فلا تجب وموضوعه في أصول الفقه وهو أن الكفارة لاتناط بماهو كبيرة محضة ولأن الكفارة من المقادير وتعينها في الشرع لدفع الأدنى وهو الخطأ لا يدل لدفع الذنب الأعلى وهو العمد فكم من شيء يتحمل الأدنى للقدرة عليه ولا يتحمل الأعلى للعجز عنه
قال صاحب العناية : فإن قال الشافعي قد دل الدليل على عد صفة العمدية وهو حديث وائلة بن الأسقع قال أتينا رسول الله صلى الله عليه و سلم بصاحب لنا قد استوجب النار بالقتل فقال : اعتقوا عنه رقبة يتق الله كل عضو منها عضو منه من النار وإيجاب النار إنما يكون بالقتل العمد قلنا : لا نسلم لجواز أن يكون استوجب النار بشبه العمد كالقتل بالحجر أو العصا الكبيرين سلمناه لكنه لا يعارض إشارة قوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } فإن الفاء تقتضي أن يكون المذكور كل الجزاء فلو اوجبنا الكفارة لكان المذكور بعضه وهو خلف . اه
ولأن الله تعالى ذكر الجزاء الدنيوي على القتل العمد وهو القصاص بقول تعالى : { كتب عليكم القصاص في القتلى } وذكر الجزاء الأخروي بقوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } الآية . فلو قلنا : بوجوب الكفارة على القاتل عمدا لزدنا على النص وهو باطل ولأن القتل العمد أعظم من أن يكفر عنه مثل الصلاة المتروكة عمدا فإنهم اتفقوا على وجوب قضائها من غير كفارة
الشافعية والحنابلة في روايتهم الثانية قالوا : أن الكفارة تجب في قتل العمد لأن العامد أغلظ إثما ممن كان قتله خطأ فكانت الكفارة به أليق ممن كان قتله خطأ وقد اتفقوا على وجوب الكفارة في القتل الخطأ فلأن تجب عليه في العمد أولى فطردوا هذا في كفارة اليمين الغموس الواجبة بانص قال تعالى : { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين } الآية
واحتجوا على مذهبهم بما رواه الإمام أحمد عن واثلة بن السقع قال : أتى النبي صلى الله عليه و سلم نفر من بني سليم فقالوا : إن صاحبا لنا قد اوجب يعني النار بالقتل قال : ( فليعتق رقبة يفدي الله بكل عضو منها عضوا منه من النار ) وإيجاب النار غنما يكون بالقتل العمد . فهذا دليل واضح على أن الكفارة تجب في قتل العمد )

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #318  
قديم 04-01-2023, 08:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب القصاص]
صـــــ 121 الى صــــــــ
126

الحلقة (272)



مبحث عقاب قاتل النفس ظلما
- وقد قال بعض الأئمة المجتهدين : إن قاتل النفس خالد في النار كالكافر بدون قرف كما هو ظاهر هذه الآية : { ومن قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها }
وساء صح هذا القول أو لم يصح فإنه يكفي أن يمكث القاتل معذبا في نار جهنم زمنا طويلا ويكفيه غضب الله عليه ولعنته إياه ويكفيه أن الله أعد له عذابا عظيما يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولا شك أن من كان عنده مثقال ذرة من إيمان وسمع هذه الآية فانهيفر من العدوان على دماء الناسن كما تفر الشاة من الذئبن فلو فرض وقتل شخص آخر في جنح الظلام وأفلت من القصاص في هذه الحياة الدنيا فإن ذلك شر له لا خير فيهن لأن العقوبة الأخروية الشديدة تنتظره وغضب الله عليه في هذه الحياة الدنيا ينتظرهن أما من اقتص منه في حياته الدنيا فإنه يكون كفارة له في الآخرة على التحقيق لأن الله أكرم من أن يعذب مرتينن وقد فعل به ما فعله بغيره جزاء وفاقا ( 1 )
مبحث جواز العفو في القصاص
- وقد عرفت أن القصاص يسقط بالعفو أو الصلح بخلاف الحد فإنه لا يسقط بالعفو لأنه حق الله تعالى ولكن هذا هو رأي الحنفية
أما غيرهم فإنهم يقولون : إن الذي لا يسقط بالعفو هو حد الزنا وحد السرقة بعد رفع الأمر إلى الحاكم وأما حد القذف فإنه يسقط بالعفو مطلقا وإذا كنت على ذكر مما بيناه لك سابقا من أن حد الزنا لا يقع إلا إذا شهد بالجريمة اربعة شهود رأوا بأعينهم الفعل نفسه وذلكمتعذرن لا يمن تحقيقه عمليا فإن تنفيذه يكون منوطا بإقرار الجاني وحده
أما حد الشرب فبعضهم يرى أنه من بابب التعزير

وعلى هذا يمكن أن يقال : إن الحد الذي يتصور وقوعه ولا يسقط بالعفو هو حد السرقة بعد رفعه إلى الحاكم على الوجه الذي بيناه سابقا (2 )
محاسن التشريع الإسلامي
- وها هنا سؤال معروف وهو أن الشريعقة الإسلامية جعلت عقوبة القتل من باب القصاص الذي يصح سقوطه بالعفو لكونه من أفظع الجرائم وأشدها ضررا بالمجتمع الإنساني ومقتضى ذلك أن تجعله من باب الحدود التي لا تقبل السقوط بحال من الأحوال . كي يعلم الجاني أنه مقتول لا محالة فلا يقدم على الجريمة
والجواب : أن ذلك من محاسن التشريع السلامي وجقتع وذلك لأن الغرض من العقوبة قد بينه الله تعالى في كتابه العزيز بقول : { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألبابن لعلكم تتقون } آية [ 179 من البقرة ]
وإذا كان الغرض من القصاص هو حقن الدماء والكف عن العدوان على الأرواح ليعيش الناس آمنين فإن من الضروري أن ينظر الشرع في كل النواحي التي يترتب عليها حفظ الأرواح وصيانتها فإذا كانت العقوبة تزجر فاسد الأخلاق الذي تميل نفسه إلى الجريمة فتمنعه عن قتل نفسه وقتل غيره
ولكن يجب النظر إلى ما يرفع الأحقاد والضغائن من نفوس الأسرة حقنا للدماء ومحافظة على الأرواح

---------------------
( 1 ) ( اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على أن قاتل النفس المؤمنة متعمدا يجب عليه ثلاثة أمور الأول الإثم العظيم لقوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما } وقد وردت به أحاديث كثيرةن وانعقد عليه غجماع المة الثاني يجب عليه القود ت لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى } إلا انهتقيد بوسف العمدية لقول صلى الله عليه و سلم ( العمد قود ) أي موجب له
الثالث يوجب حرمان القاتل من الميراث لقوله صلى الله عليه و سلم : ( لا ميراث لقاتل ) ولكن العلماء اشترطوا أمورا في القاتل الذي يقاد منه وفي المقتول وفي صفة القتل
فقالوا : إن القاتل الذي يقتص منه في القتل العمد يشترط فيه أن يكون عاقلا فلا قصاص على مجنون وأن يكون بالغاص فلا قصاص على صبي وأن يكون مختارا فلا قصاص على مكره وأن يكون مباشرا للقتل فلا قصاص على من قتل من غير مباشرة الفعل وأن يكون غير مشارك فيه غيره وأن لا يكون ابا للمقتول ولا سيدا له على تفصيل فيما يأتي :
ويشترط في المقتول : أن يكون مكافئا لدم القاتل والذي تختلف فيه النفوس هو الإسلام والكفر والحرية والعبودية والذكورة والأنوثةن والواحد والكثيرن وأن يكون معصوم الدم
ويشترط في صفة القتل : أن يكون ( عمدا ) بلا جناية من القاتل قصاصا إلا أن يعفو الأولياء أو يصالحوا لأن الحق لهمن لكن اختلفوا
الحنفية قالوا : إن القصاص واجب عينا وليس للولي أخذ الدية إلا برضا القاتل لما ورج في الكتاب والسنة
الشافعية قالوا : إن للولي حق العدول إلى المال من غير مرضاة القاتل لأنه تعين موقعا للهلاك فيجوز بدون رضاه
وفي قول : أن الواجب أحدهما لا بعينه وبتعين باختياره لأن حق العبد شرع جابرا وفي كل نو جبر فيتخير )

( 2) ( اختلف العلماء في هل القصاص يكفر ذنب الجاني أم لا ؟
فقال بعضهم : إن إقامة الحد على القاتل والقصاص منه إذا رضي به وتاب فإنه يكفر عنه ثم القتل لقول صلى الله عليه و سلم : ( الحدود كفارات لأهلها ) فعمم ولم يخصص فعلا عن غيره ولأن الله تعالى أكرم وأرحم بعبده أن يعذبه مرتين مرة في الدنيا بالقود ومرة في الآخرة بالنار وهو الراجح
وقال بعضهم : إن القصاص لا يكفر الذنب ولا يرفع عنه الإصم في الآخرة لأن المقتول ظلما لا منفعة له في القصاص البتة وإنما القصاص منفعته للأحياء فقط لينتهني الناس عن القتل
قال تعالى : { ولكم في القصاص حياة } ولما روي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( يجيء المقتول متعلقا بقاتله يوم القيامة آخذا رأسه بيده الأخرى فيقول : يارب سل هذا فيم قتلني ؟ قال : فيقول : قتلته لكتون العزة لك فيقول : فإنها لي قال : ويجيء آخر متعلقا بقاتله يقول : رب سل هذا فيم قتلني ؟ قال : فيقول : قتلته لتكون العزة لفلان قال : فإنها ليست له بؤ بإثمه فيهوي في النار سبعين خريفا ) وفي الباب أحاديث كثيرة وأما الحديث الذي ورد في أن الحدود تكفر الذنوب فإنه يختص بالحدود التي فيها حق الله تعالى
المالكية والحنابلة والشافعية - قالوا : العمد إما يوجب القصاص جزاما مثل قتل المرتد مرتدا فإن الواجب فيه القود جزما
وإما أن يوجب الدية جزما كما أذا قتل الوالد ولده أو إذا قتل المسلم الذمي فإن موجبه الدية قطعا . أو التخيير بين القصاص والدية فيجوز للولي العفو عن القود على الدية بغير رضا الجاني لما روى البيهقي عن مجاهد وغيره ( كان في شرع موسى صلى الله عليه و سلم تحتم القصاص جزما وفي شرع عيسى صلى الله عليه و سلم الدية فقط فخفف الله تعالى عن هذه الأمة وخيرها بين الأمرين ) لما في الإلزام بأحدهما من المشقة ولأن الجاني محكوم عليه فلا يعتبر رضاه كالمحال عليه والمضمون عنه ولو عفا عن عضو من أعضاء الجاني سقط كلهن كما أن تطليق بعض المرأة تطليق لكلها ولو عفا بعض المتستحقين سقط أيضا وإن لم يرض البعض الآخر وانتقل الأمر إلى الدية لأن القصاص لا يتجزأ ويغلب فيه جانب السقوط لحقن الدماء ولا يؤثر فيه الجهل فلو قطع عضو رقيق فعفا عنه سيده قبل معرفته بالعضو المعفو عنه صح العفو لأن العفو مستحب فقد رغب الشارع فيه وجعا إليه قال تعالى : { فمن عفا واصلح فأجره على الله أنه لا يحب الظالمين } آية 40 من الشورى وقول الرسول : ( من قتل له قتيل فأهله لين خيرتين : إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا اخذوا الدية )
وروى البيهقي وغيره عن أنس رضي الله تعالىعنه ( أن النبي صلى الله عليه و سلم كان ما رفعاليه قصاص قط إلا أمر فيه بالعفو )
وعن عدي بن ثابت قال : هشم رجل فم رجل على عهد معاوية فأعطى دينه فأبى أن يقبل حتى أعطى ثلاثا ) فقال رجل : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( من تصدق بدم أو دونه كان كفارة له من يوم ولد إلى يوم تصدق ) رواه أبو يعلى
وعن عبادة بن الصامت رضي الله تبارك وتعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( ما من رجل يجرح في جسده جراحة فيتصدق بها إلا كفر الله تبارك وتعالى عنه مثل ما تصدقه ) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح
ولو أطلق الولي العفو عن القود ولم يتعرض للدية بنفي ولا إثبات فالمذهب لا دية عليه لأن القتل لم يوجب الدية على هذا القول والعفو إسقاط ثابت لا إثبات معدوم
وفي قول آخر إن الدية تجب على القاتل في ماله لقوله تعالى : { فمن عفي له عن أخيه شيء فاتباع بالمعروف } أي اتباع المال وذلك يشعر بوجوبه بالعفو ولأن الدية بدل عن القود عند سقوطه بعفو أو غيره كموت الجاني مثلاصن فقد خير الشارع الولي بين أخذ المال وبين القصاص
الحنفية والمالكية في روايتهم الثانية والشافعية في أرجح روايتهم والحنابلة في القول الآخر : - قالوا : إن الواجب بالقتل العمد معين وهو القود وليس للولي أخذ الدية إلا برضا القاتل لما ورد في الكتاب والسنة ولأن المال لا يصلح موجبا في العمد لعدم المماصلة والقصاص يصلح للتماصل وفيه زيادة حكمة وهي ممصلحة الأحياء زجرا للغير عن وقوعه فيه وجبرا للورثة فيتعين وقد شرع القصاص لمعنى النظر للولي على وجه خاص وهو الانتقام وتشفى الصدورن فإنه شرع في الصل زجرا عما كان عليه أهل الجاهلية من إفناء قبيلة بواحد لا لأنهم كانوا يأخذون أموالا كثرة عند قتل واحد منهم بل إن القاتل وأهله لو بذلوا كل ما ملكوه من الدنيا وأمثال ما رضي به أولياء المقتول فكان إيجاب المال في مقالبلة القتل العمد تضييع حكمة القصاص وإذا ثبت أن الأصل في العمد هو القصاص لم يجز المصير إلى غيره بغير ضرورة مثل أن يعفو أحد الأولياء فإنه تعذر الاستيفاء حينئذ أو أن يكون محل القصاص ناقصا بأن تكون يد قاطع اليد أقل إصبعا أو أن يكون القاتل أبا أو أما للمقتول فإنه يتعذر القصاص في أمثال هذه الحلات فيعل عنها إلى الدية صونا للدم من الهدر ا ه
الشافعية والحنفية والحنابلة رحمهم الله - قالوا : إذا عفت المرأة سقط القصاص عن القاتل
المالكية قالوا : لا مدخل للنساء في الدم مع قولهم في رواية أخرى : إن للنساء مدخلا في الدم كالرجال إذا لم يكن في درجتهن عصبة ومعنى أن لهن مدخلا أي في درجة الوقد والدية معا وقيل : في القود جون العفو وقيل : الاستيفاء للنساء بثلاثة شروط . إن كن وارثات ولم يساوهن عاصب في الدرجة وكن عصبة لو كن ذكورا
الحنفية والمالكية رحمهم الله تعالى قالوا : إن الولي إذا عفا عن القصاص عاد إلى الدية بغير رضا الجاني وليس له العدول إلى المال إلا برضا الجاني وإن عفا ولم يقيد عفوه بديته ولا غيرها فيقتضي العفو مجردا عن الدية
الشافعية والحنابلة - قالوا : إن الولي مخير بين القود والدية والعفو بغير مال فللولي العدول إلى الدية مطلقا سواء رضي القاتل أم لم يرض لأن الدية بدل عن القود وقيل : إن الدية بدل عن النفس لا عن القود بدليل أن المرأة لو قتلت رجلا وجب عليها دية الرجل فلو كانت بدلا عن القود وجب عليها دية المرأة وقال المتولي من علماء الشافعية : الواجب عند العفو دية المقتول لا دية القاتل وجمع بعضهم بين الطلامين بأن القود بد عن نفس المجني عليه وبدل البدل بدل
قالوا : ولو عقا الولي عن القود على غير جنس الدية الصالح غيره عليه ثبت ذلك الغير أو المصالح عليه وإن كان أكثر من الدية إن قبل الجاني أن المصالح ذلكنسقط عنه القصاص وإذا لم يقبل الجاني أو المصالح ذلك فلا يثبت لأنه اعتياض فاشترط رضاهما كعوض الخلغ ولا يسقط عنه القود في الأصح إن امتنع عن دفعها لأنه رضي به على عوض ولم يحصل له
قالوا : ولو عفا عن القود على نصف الدية فإنه يسقط عن القود الدية معا اه . )





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #319  
قديم 04-01-2023, 08:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري

الجزء الخامس
[كتاب القصاص]
صـــــ 127 الى صـــــــــ131

الحلقة (273)



مبحث سلطان أولياء الدم على القاتل
- ولما كان من البدهي الذي لا ريب فيه أن القتل يحدث عند أولياء الدم حقدا شديدا ويترك في أنفسهم لوعة لا تنطفىء إلا بالتشفي من القاتل وتحكمهم فيه فقد جعل الشارع لأولياء الدم سلطانا على القاتل الذي يثبت عليه القتل فإن شاؤوا عقوا عنه في نظير مال أو غيرهن وإن شاؤوا اقتصوا منه بالقتل بدون تمثيل أو تعذيب وفي ذلك سلوى تذهب بها أحقادهم فلا يمعنون في العدوان ولا يسرفون في الانتقام بقتل الأبرياء من أسرة القاتل فتصور ضغائن خصومهم فيقابلونهم بالمثل ويترتب على ذلك إراقة الدماء البريئة باقبح معانيها
فإن الحوادث قد جلت على أن كثيرا من جنايات القتل قد نشأت من إثمال رأي ولاة الدم وحرصهم على أن ينتقموا بأنفسهم من القاتل فهم يعمدون إلى اتهام غيره من أقاربه الأبرياء ويكتمون أمره كي يقتلوه عند سنوح الفرصة بأيديهم تشفيا وبذلك تسود الفوضى بين الأسر وتكثر فيهم حوادث القتل بدون أن يكون للقانون أدنى بأثير على أنفسهم أما لو كان لولي الدم رأي في القصاص من أول الأمر فإنه يرى في تسلطه على القاتل ما يطفىء لوعته ويرفع عنه المهانة فتهدأ نفسهن فإن عفا عنه فذاك وإلا اقتص منه وحده ووقفت الفتنة عند هذا الحد ( 1 )
مبحث حق السلطان على القاتل
- ولا يقال : إذا عفا أولياء الدم عن القاتل كان إطلاقه خطرا على الأمن ؟ لأنا نقول : إن ولي الدم في الغلب مصر على القصاص وإذا فرض وعفا عنه ولكن رأي الحاكم أن إطلاقه يهدد الامن العام له أن يعزره بما شاء وله أن يجعله تحت المراقبة التي تحول بينه وبين العدوان حتى يتحقق من حسن سلوكه
فإن من محاسن الشريعة الإسلامية ودقتها انها جعلت عقوبة القتل قصاصا يقبل فيه الحاكم الصلح أو العفو عن أولياء الدم بشروط وتفاصيل تطلب في في كتب الفقه ولا يسعها المقام ( 2 )

--------------------------
( 1 ) ( قال تعالى : { ومن قتل مظلوما } بغير سبب يوجب القتل { فقد جعلنا لوليه } أي لمستحق دمه
المالكية قالوا : الولي يجب أن يكون ذكرا لأنه أفرده بالولاية بلفظ التذكيرن فالآية تدل على خروج المرأة عن مطلق لفظ الولي فلا جرم ليس للنساء حق في القصاص لذلك ولا أثر لعفوها وليس لها الاستيفاء
الحنيفية والمالكية والحنابلة - قالوا : إن المراد بالولي في الآية الوارث قال تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أوليا بعض } آية [ 71 سورة التوبة ] فاقتضى ذلك إثبا القود لسائر الورثة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( و على المقتتلين أن ينجزوا الول فلأول وإن كان امرأة ( سلطانا ) أي تسليطا إن شاء قتل وإن شاء عفا وإن شاء اخذ الدية ) وقال الإمام مالك : السلطان أمر الله تعالى ابن عباس قال : السلطان الحجة
قالوا : وقوله عالى : { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } تفسير لقوله تعالى : { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } وطاهر الآية أنه لاسبب لحل القتل إلا قتل المظلوم ولكن الأحاديث تقتضي ضم شيئين آخرين إليه وهما : الكفر بعد الإيمان والزنا بعد الإحصان ودلت آية اخرى على حصول سبب رابع وهو قطع الطريق قال تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا } ودلت الآية على حصول خامس وهو الكفر قال تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } واختلف الفقهاء في أشياء اخرى منها ترك الصلاة واللواط والقتل بالسحر { فلا يسرف في القتل } إنه لما حصلت عليه استيفاء القصاص أو الدية فلا يقدم على استيفاء القتل . بلك يكتفي بأخذ الدية أو يميل إلى العفو أي فلا يصير مسرفا بسبب إقدامه على القتل
وصير معنى الآية والترغيب في العفو والاكتفاء بالدية كما قال تعالى : { وإن تعفوا أقرب للتقوى }
وقيل : الإسراف في القتل هو أن الولي يقتل القاتل وغير القاتل وذلك لأن الواحد منهم إذا قتل واحدا من قبيلة شريفة فأولياء ذلك المقتول كان يقتلون خلقا من القبيلة الدنيئة ولا يكتفون بقتل القاتل فنهى الله تعالى عنه وامر بالاقتصار على قتل القاتل وحده من غير تعد وقيل الإسراف في القتل هو أن لا يرضى بقتل القاتل فإن أهل الجاهلية كانوا يقصدون أشراف قبيلة القاتل ثم كانوا يقتلون منهم قوما معينين ويتركون القاتل الساقط
وقيل الإسراف : هوان لا يكتفي بقتل القاتل . بل يمثل به ويقطع أعضاءه ويمزق جسده قرأ الأكثرون ( فلا يسرف ) بالياء ويكون الضمير للقاتل الظالم ابتداء أي فلا ينبغي أن يسرف ذلك الظالم
وقال الطبري : هو على معنى الخطاب للنبي صلى الله عليه و سلم والأئمة من بعده أي لا تقتلوا غير القاتل : { أنه كان منصورا } فيه ثلاثة أوجه
الأول : كأنه قيل للظالم المبتدىء بذلك القتل على سبيل الظلم لا تفعل ذلك فإن ذلك المقتول يكون منصورا في الدنيا والآخرة . أما نصرته في الدنيا فيقتل قالتله وأما نصرته في الآخرة فبكثرة الثواب له وكثرة العقاب لقالتله
الثاني : أن هذا الولي يكون منصورا في قتل ذلك القاتل الظالم فليكتف بهذا القدر فإنه يكون منصورا فيه ولا ينبغي أن يطمع في الزيادة منهن لأن من يكون منصورا من عند الله يحرم عليه طلب الزيادة وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : قلت لعلي كرم الله وجهه ( وايم الله ليظهرن عليكم ابن أبي سفيان ) لأن الله تعالى يقول : { ومن قتل مظلوما فقد جعلانا لوليه سلطانا }
الثالث : أن هذا القاتل الظالم ينبغي أن يكتفي باستيفاء القصاص وأن لا يطلب الزيادة عنه
فإن قيل : وكم من ولي مخذول لا يصل إلى حقه ؟
قلنا : المعونة تكون بظهور الحجة تارة وباستيفائها أخرى وبمجموعها ثالثة فأيها كان فهو نصر من الله سبحانه وتعالى فالله نصره بوليه من بعده
قال الضحاك : هذا اول ما نزل من القرآن في شأن القتل وهي مكية اه
ويشترط لوجوب القصاصن أو الدية في نفس القتيل باو بدنه أن يقصد القتل أو الشخص بما يقتل غالبا أو قصدهما بما لا يقتل غالبا أو تسبب فب قتله بفعل منه . ويشترط في القتيل كونه معصوما ويشترط في القاتل كونه مكلفا . )
( 2) ( اختلف العلماء في القاتل عمدا إذا عفا عنه أولياء الدم هل يبقى للسلطان فيه حق أو لا ؟
المالكية والحنيفية رحمهم الله قالوا : إن للحاكم حقا على القاتل إذا عفا عنه اولياء الدم وله أن يجلده مائة جلدة ويسجنه سنة كاملة وبه قال أهل المدينة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام وروي ذلك عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
الشافعية والحنابلة رحمهم الله - قالوا : لا يجب على الحاكم شيء من ذلك إلا أن يكون القاتل معروفا بالشر والأذى فيجوز للإمام أن يؤدبه على حب ما يرى بالحبس أو الضرب أو التأنيب وحجتهم في ذلك طاهر الشرع

قالوا : وليس لمحجور فلس عقو عن مال إن أوجبنا أحدهما لا بعينه لأنه ممنوه من التبرع به وإن أوجبنا القود عينا فإن عفا عن الدية ثبتت كثيره وإن اطلق العقو فلا يدة أيضا وإن عفا المحدور أو المفلس على أن لا مال أصلا فلا يجب شيء لأن القتل لم يوجب المال
وقيل : إن المفلس يصح اقتصاصه . وإساطه واحترز بمحجور عن المفلس قبل الحجر عليه فإنه كموسر وبمفلس عن المحجور عليه بسلب عبارته كصبي ومجنون فعفوهما لغو المبذر حكمه بعد الحجر عليه بالتبذير في إساقط القود واستيفائه كرشيد لأن الحجر عليه لحق نفسه لا لغيره فلا تجب الجية في صورتي عفو
موت القاتل
الحنفية والمالكية قالوا : من قتل آخر متعمدا ووجب عليه القصاص ثم مات بعد ذلك بأجله من غير تعد سقط حق ولي الدم عن القصاص والدية جميعا ولا شيء على ورثة القاتل لفوات محل الاستيفاء
الشافعية والحنابلة - قالوا : إذا مات القاتل عمدا بعد جنايتع لا يسقط الحق عنه بل تبقى الدية في تركته وترد إلى ورثة المقتول ولهم الحق في أخذها أو العفو عنها وذلك لأن الوجاب احدهما عنهم فإذا استحال تحقيق القود وجبت الدية حتى لا يهدر دمه كالوالد إذا قتل ولده أو عبده وتعذر الاستيفاء بالقصاص فإنه ينتقل إلى الدية . في تركته وترد إلى المقتول ولهم الحق في أخذها أو العفو عنها وذلك لأن الواجب احدهما عندهم فإذا استحال تحقيق القود وجبت الدية حتى لا يهدر دمه كالوالد إذا إذا قتل ولده أو عبده وتعذر الاستيفاء بالقصاص فإنه ينتقل إلى الدية
اختلاف ورثة الدم في العفو
اتفق الفقهاء على أن المقتول عمدا إذا كان مسلما معصوم الدم وكان القاتل مكلفا عاقلا ولم يكن أبا ولا جدا للمقتول وكان له أولاد ذكور كبار عقلاء وحضروا مجلس القضاء وطالبوا بالقصاص فإنه يجب على الحاكم تنفيذ الحكم من غير تأخير إلا إذا كان الجاني امرأة حاملاص فإنه يؤجل القود حتى تضع حملها وترضع مولودها
وإن تنازلوا عن القصاص وطلبوا الدية وجبت لهم الدية ولو بغير رضا الجاني أما إذا اختلفوا في العفو فطلب بعضهم القصاص . وعفا البعض الآخر عن الجاني فإنه يسقط القصاص وتجب الدية في مال القاتل وتقسم على الورثة وإن لم يرض باقي الورثة لأن القصاص لا يتجزأ ويغلب فيه جانب السقوط لحقن الدماء لحرمة دم الآدمي . لأن الحدود تدرأ بالشبهات وهذه شبهة في إقامة القصاص على القاتل أما إذا كان الورثة نساء ورجالا . واختلفوا في العفو أو إقامة الحد والقصاص أو أخذ الدية فقد اختلف فيه الأئمة رحمهم الله تعالى

المالكية رحمهم الله تعالى قالوا : يسقط القصاص إن عفا رجل من المستحقين حيث كان العافي مساويا في درجة الباقي من الورثة والاستحقاق كابنين أو عمين أو أخوين وأولى إن كان العافي أعلى درجة كعفو ابن مع اخ فإن كان العافي انزل درجة من الباقين لم يعتبر عفوه كعفو أخ مع ابن للمقتول . وكذا إن كان العافي لم يساو الباقي في الاستحقاق كإخوة لام مع إخوة لاب لان الاستيفاء حق للغاصب الذكر فلا دخل فيه لزوج ولا لأخ لأم اوجد لها ويقدم الأقرب فالأقرب فيتقدم ابن فاينه إلا الجد الأدنى والاخوة فسيان في القتل والعفو ولا كلام للجد الأعلى مع الإخوة

أما إذا كان القائم بالدم نساء فقط وذلك لعدم مساواة عاصب لهن في الدرجة بأن لم يوجد أصلا أو وجد وكان أنزل . فالبنت وبنت الابن احق من الخت قي عفو وضده فمتى طلبت القصاص الثابت ببينة أو اعتراف أو العفو عن القتل فيها ولا كلام للأخت وإن كانت مساوية في الإرث ولا شيء لها من الدية أما لو احتاج القصاص لقسامة فليس لهما أن يقسما لأن النساء لا يقسمن في العمد بل العصبة فقط فحيث اقسموا وأرادوا القتل وعفت البنت فلا عفو لها والقول للعصبة في القصاص وإن عفوا وأرادت القتل فلا عفو لهم هم والقول لها في طلب القصاص فلا عفو بإجماع الجميع أو بعض البنات وبعض منهم
وإن عفت واحدة من البنات أو بنات ابن أو أخوات ولم يكن عاصب أو كان ولا كلام لكون البنت أعلى درجة منه والقتل ثابت بالبينة أو الإقرار نظر الحاكم العد في الصواب من إمضاء لعفو بعض البنات أو رد لعفوهن لأنه بمنزلة العاصب إذ يرث الباقي من التركة لبيت المال
وفي اجتماع رجال ونساء أعلى درجه منهن ولم يحزن الميراث لم يسقط القصاص إلا بعفو الفريقين فمن أراد القصاص من الفريقين . فالقول قوله أو ببعض من كل من الفريقين ومهما عفا البعض من المستحقين للدمن مع تساوي درجاتهم بعد ثبوت الدم مطلقا ببينة أو غيرها فإنه يسقط القصاص وإذا سقط فلمن بقي من الورثة ممن لم يعف وله التكلم في نصيبه من دية عمد وكذا لو عقا جميع من له التكلم مرتبا سقط حقه من الدم ومن الدية وما بقي منها يكون لمن بقي ممن له التكلم ولغيره من بقية الورثة كالزوج أو الزوجة أو الاخوة وما بقي ممن لا تكلم له بأخذ نصيبه من الدية . كولدين لأنه مال ثبت بعفو الأول بخلاف لو عفا في فور واحد فلا شيء لمن تكلم له كما إذا اكان من له التكلم واحدا وعفا كإرثه للدم كما لو قتل احد ولديه اباه ثم مات غير القاتل ولا وارث له سوى القاتل فقد ورث القاتل دم نفسه كله وكذا لو ورث القاتل بعض الدم كما لو كان غير القاتل أكثر من واحد مات أحدهم عن القاتل وغيره فقد ورث القاتل بعض الدم فيسقط القصاص . ولمن بقي من الورثة نصيبه من الدية هذا إن استقل الباقي بالعفو أما لو عفا من يستقل بالعفو فلا يسقط القود عمن ورث قسطا إلا بعفو الجميع
أو بعض من كل كما لو قتل شقيق أخاه وترك المقتول بتات ثلاثة اخوة أشقاء غير القاتل فمات أحد الثلاثة فقد ورث القاتل قسطا ولا يسقط القوج إلا بعفو الجميع أبو بعض من كل

الأئمة الثلاثة قاولا : كل وارث يعتبر قوله في اسقاط القصاص وغسقاط حقه من الدية وفي أخذ حقه والتمسك به
وقال الشافعي : الغائب منهم والحاضر والصغير والكبير والذكر والأنثى سواء في الاستحقاق ولاية الدم عن المقتول عمدا لأن الدم كالدية

عفو المقتول عمدا المقتول عمدا عن دمه قبل موته
المالكية قالوا : إذا قال البالغ العاقل المعصوم الدم لإنسان : إن قتلتني أبرأتك من دمي فقتله فإنه لا يسقط القود عن قالتله وكذا لو قال له بعد أن جرحه ولم ينفذ مقتله : أبرأتك من دمي . فلا يسقط القصاص لأنه أسقط حقا قبل وجبوبه بخلاف ما إذا أبرأه من دمه بعد إنفاذ مقتله أو قال له : إن مت فقد أبرأتك فإنه يبرأ ولو كان قبل إنفاذ مقتله ولكن لابد من كون البراءة بعد الجمرح وللولي حق القصاص أو العفو مجابا أو على الدية إن رضي الجاني بها فإن لم يرض الجاني بالدية خير الولي بين أن يقتص من القاتل أو يعفو عنه بغير عوض وإن عفا عن الجاني ولم يقيد عفوه بدية ولا غيرها فيقضى بالعفو مجردا عن الدية إلا أن تظهر بقرائن الأحوال إرادتها مع الدية حال العفون ويقول : إنما عفوت لأخذ المدية فيصدق يمينه ويبقى الولي بعد حلفه على حقه في القصاص إن امتنع الجاني عن دفع الدية . وإلا دفعها وتم العفو كما طلب الولي
الشافعية قالوا : إن قال حر مكلف رشيد أو سفيه لوجل آخر : اقطع يدي مثلا ففعل الآجنبي فهو هدر لا قصاص فيه ولا دية للإذن فيه لأنه اسقط حقه باختياره فإن سرى الجرح للنفس فمان أو قال له ابتداء : اقتلني فقتله فهو هدر في الأظهر من المذهب للإذن في ذلك الفعل

وقبل تجب الدية على القاتل والخلاف مبني على أن الدية ثبتت لميت ابتداء في آخر جزء من حياته ثم يتلقاها الوارث أو على أن الدية ثبتت للوارث ابتداء عقب هلاك المقتول ؟ إن قلنا بالأول وهو الأصح لم تجب الدية في حال السراية لأنه أذن فيما بملك وإلا وجبت ففي صورة القطع تجب نصف الدية لأنه الحادث بالسراية وفي حالة الأمر بالقتل ابتداء تجب الدية وعلى القول الأول تسقط الدية ولكن تجب الكفارة فإن الكفارة تجب على الصح لحق الله تعالى والإذن لا يؤثر فيها تجب على كل حال ولو قال له : اقتلني وإلا قتلتك فقتله فلا قصاص ولا دية في الأظهر
ولو قطع عضو من شخص يجب فيه القود فعفا المقطوع عن قوده وإريه فإن لم يسر القطع بأن اندمل فلا شيء من قصاص أو أرش لاسقاط الحق بعد ثبوته
وإن سرى القطع للنفس فلا قصاص في نفس ولا طرف لأن السراية تولدت من معفو عنه فصارت شبهة واقعة للقصاص . أما إذا سرى إلى عضو آخر فلا قصاص فيه وإن لم يعف عن الأول . وأما أرش العضو في صورة سراية القطع للنفس فإن جرى من المقطوع في لفظ العفة عن الجاني لفظ وصيته كأن قال بعد عفوه عن القود اوصيت له بأرش هذه الجناية فوصيته للقاتل أو جرى لفظ إبراء أو إسقاطن أو جرى عفو عن القود اوصيت له بأرش هذه الجناية فوصيته للقاتل أو جرى لفظ إبراء أو إساقط أو جرى عفو عن الجناية سقط الأرش قطعا وقيل : ما جرى من هذه الثلاثة وصيته لاعباره من الثاث وتجب الزيادة على ارش العضو المعفو عنه أن كان إلى تمام الجية للسراية سواء تعرض في عفوه لما يحدص منها أم لا وفي قول : إن تعرض في عفوه عن الجناية لما يحدث منها سقطت تلك الزيادة والظهر عدم اسقوط لأن إسقاط الشيء قبل ثبوته غير منتظم فلمو سرى قطع العضو المعفو عن قوده وارشه كأصبع إلى عضو آخر كباقي الكف فاندمل القطع ضمن دية السراية فقط لأنه إنما عفا عن موجب جناية موجودة فلا يتناول غيرها ومن له قصاص نفس بسراية قطع طرف كأن قطع يده فمات بسراية لو عفا وليه عن النفس فلا قطع له لأن المستحق القتل والقطع طريقه وقد عفا عنه أو عفا وليه عن الطرف فله جز الرقبة في الأصح لأن كلا منهما حقه والثاني المنع لأنه استحق القتل بالقطع الساري وقد عفا عنه
ولو قطعه الولي ثم عفا عن النفس مجانا أو بعوض فإن سرى القطع إلى النفس ظهر بطلان العفو ووقعت السراية قصاصا لأن السبب وجد قبل العفو وترتب عليه مقتضاه فلم يؤثر فيه العفو وإن الم يسرق قطع الولي بل وقت فيصح عفوه لأنه أثر في سقوط القصاص ويستقر العفو المعفو عليه إذ لم يستوف بالقطع تمام الدية ولا يلزم الولي بقطع اليد شيء
ولو وكل الولي غيره في استيفاء القصاص ثم عفا فاقتص الوكيل جاهلا بذلك فلا قصاص عليه لعذره والأظهر وجوب الدية لأنه بأن أنه قتله بغير حق فتجب على الوكيل دية مغلظة لورثة الجاني لا للموكل والأصح أن الوكيل لا يرجع بالدية على الثاني أمكن الموكل إعلام الوكيل بالعفو أم لا لأنه محسن بالعفو ولو وجب قصاص عليها فنكحها عليه جاز وسقط فإن فارق قبل الوطء رجع بنصف الأرش ا ه
الحنفية والحنابلة رحمهم الله تعالى قالوا : إذا عفا المقتول عن دمهن في القتل العمد جاز ذلك على الأولياء وسقط القصاص عن القاتل ولا يجب شيء لورثته من بعده . لأن الحق الذي جعل للولي إنما هو حق المقتول أولا فناب فيه الوارث منابه وأقيم مقامه فكان المقتول أحق بالخيار من الذي أقيم مقامه بعد موته
وقد أجمع العلماء على قوله تعالى : { فمن تصدق به فهو كفارة له } أن المراذ في الآية الكريمة هة المقتولن يتصدق بدمه وذلك في حالة إصابته قبل موته وإنما اختلفوا على من يعود الضمير في قول تعالى : { فهو كفارة له } فقيل : يعود الضمير على القاتل لمن رأى به توبة
وقيل : يعود الضمير على المقتول الذي تصدق على قالتله بدمه أو القود من أطرافه في الجراحة فيكون هذا التصدق كفارة لذنوبه وخطاياه إذا فعا عن قاتله أو عن جرحه
فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : { فمن تصدق به } يقول : فمن عفا عنه وتصدق عليهن فهو كفارة للمطلوب وأجر للطالب
وروي عن جابر بن عبد الله في قوله تعالى : { فمن تصدق به فهو كفارة له } للمجروح فيهدم عنه من ذنوبه بقدر ما تصدق به وهكذا وروي عن الشعبي عن رجل من النصار عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله : { فمن تصدق به فهو كفارة له } قالك ( هو الذي تكسر سنه أو تقطع يده أو يقطع الشيء منه أو بجرح في بدنه فيعفو عن ذلك ) قال : ( فيحط عنه خطاياه فإن كان ربع الدية فربع خطاياه وإن كان الثلث فثلث خطاياه وإن كانت الدية حطت عنه الخطايا كذلك )
وروى الإمام أحمد قال : حدثنا وكيع حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر قال : كسر رجل من قريش سن رجل من الأنصار فاستعدى عليه معاوية فقال معاوية : انا سنرضيه فألح الأنصاري فقال معاوية : شأنك بصاحبك وأبو الدرداء جالس فقال أو الدرداء : سمعت رسول الله يقول : ( ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيتصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط به عنه خطية ) فقال الأنصاري . فإني قد عفوت
وروي عن عدي بن ثابت : أن رجلا اهتم فمه رجل على عهد معاوية رضي الله عنه فأعطي دية فأبى إلا أن يقتص فأعطي ديتين فأبى فأعطي ثلاثة فأبى فحدث رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( من تصدق بدم فما دونه فهو كفارة له من يوم أن ولد إلى يوم يموت ) والأحاديث في ذلك كثيرة
الحنفية قالوا : من قطع يد رجل عفا المقطوعة يده عن القطع . ثم مات بعد ذلك فعلى القاطع الدية في ماله وإن عفا عن القطع وما يحدث منه ثم مات من ذلك فهو عفو عن النفس ثم إن كان خطأ فهو من الثلث وإن كان عمدا فهو من جميع المال
لأن العفو عن القطع والشجة والجراحة ليس لعفو عما يحدث منه فإذا وقع شيء من ذلك وعفا المجني عليه عنه بعد الجرح ثم سرى ومات بسببه فعلى الجاني الدية في ماله خاصة . لأن سبب الضمان قد تحقق وهو قتل نفس معصومة مقومة والعفو لم يتناوله بصريحه لأنه عفا عن القطع وهو غير القتل لا محالة وبالسراية تبين أن الواقع قتل لا قطع وحقه فيه فما هو حقه لم يفع عنه وما عفا عنه فليس بحقه فلا يكون معتبراص ألا ترى أن الولي لو قال بعد السراية : عفوتك عن اليدن لم يكن عفوا ولو قال المجني عليه : عفوتك عن القتل وأقتصد القطع لم يكن عفوا فكذا إذا عفا عن اليد ثم سرى القطع وإذا لم يكن معتبرا وجب الضمان
والقياس يقتضي القصاص لأنه هو الموجب للعمد إلا أنا تركناه لأن صورة العفو اورثت شبهة وهي دارئة للقود فتجب الدية في ماله
وقال الصاحبان رحمهما الله تعالى : من قطع يد رجل فعفا المقطوعة يده عن القطع ثم مات من ذلك القطع بسبب السراية فهو عفو عن النفس أيضان فلا شيء على القاطع لأن العفو عن القطع عفو عن موجبه لأن الفعل عرض لا يبقى فلا يتصور العفو عنه فيكون العفو عنه عفوا عن موجبه وموجبه أما القطع إذا اقتصر ولم يسر وإما القتل إن سرى القطع ومات بسببه فكان العفو عفوا عنهما جميعاص ولأن اسم القطع يتناول الساري والمقتصر فإن الاذن بالقطع به وبما حدث منه حتى إذا قال شخص لآخر : اقطع يدي فقطعه ثم سرى إلى النفس فإنه لم يضمن والعفو إذن انتهاء فيعتبر بإذن ابتداء فصار كما إذا عفا عن الجناية فإنه يتناول الجناية السارية والمقتصرة
وقال الإمام : لا نسلم أن الساري نوع من القطع وإن السراية صفة له بل السراية قتل من الابتداء لأن القتل فعل مزهق للروح ولما انزهق الروح به عرفنا أنه كان قتلا ولأن القتل ليس بموجب للقطع من حيث كونه قطعا فلا يتناوله العفو بخلاف العفوعن الجناية لأنه اسم جنس وبخلاف العفو عن الشجة وما يحدث منها لأنه صريح في العفو عن السراية والقتل ولو كان القطع خطا فقد أجراه مجرى العمد في العفو عن القطع مطلقا والعفو عن القطع وما يحدث منه والعفو عن الشجة والعفو عن الجناية ولأن العفو عن القطع وما يحدث منه والعفو عن الجناية عفو عن الدية بالاتفاق والعفو عن القطع مطلقا عفو عن الدية عن القطع مطلقا عفو عن الدية عندهما إذا كان خطأ وعند أبي حنيفة يكون عفوا عن أرش اليد لاغير والعفو عن الشجة عفو عن الدية إذا سرت عندهما وعنده عن أرش الشجة لا غير والقطع إن كان خطأ وجبت الدية من ثلث المال وإن كان عمدا فهو جميع المال عند أبي حنيفة رحمه الله اه
الصلح في القتل عمدا على مال
اتفق الأئمة على أنه إذا اصطلح القاتل وأولياء القتيل على مال سقط القصاص ووجب المال قليلا كان أو كثيرا زائدا على مقدار الدية لقوله تعالى : { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } على ماقيل : إن الآية نزلت في الصلح وهو قول ابن عباس والحسن والضحاك ومجاهد وهو موافق للام فإن لفظ ( عفا ) إذا استعمل باللام كان معناه البدل أي فمن أعطى من جهة أخيه في الدين المقتول شيئا من المال بطريق الصلح عن مجاملة وحسن معاملة
ولأن القصاص حق ثابت للورثة يجري فيه الإسقاط عفوا فكذا تعويضا لاشتماله على إحسان الأولياء وإحياء القاتل فيجوز بالتراضي والقليل والكثيرفيه سواء لأنه ليس فيه نص مقدر فيفوض إلى اصطلاحهما كالخلع وغيره وإن لم يذكروا خالا ولا مؤجلا فهو حال لأنه مال واجب بالعقد والأصل في أمثاله الحلول مثل المهر والثمن بخلاف الدية لانها ما وجبت بالعقد
المالكية قالوا : يجوز صلح الجاني مع ولي الدم في القتل العمد ومع المجني عليه في الجرح العمد بأقل من الدية أو أكثر منها حالا ومؤجلا بذهب أو فضة أو عرض
عفو احد الشركاء في الدم
الحنفية قالوا : إذا عفا احد الشركاء في الجم أو صالح عن حقه على عوض سقط حق الباقين في القصاصن وكان لهم نصيبهم من الدية لان الدية متجزئة لكونها من قبيل الأموال في الجملة بالاتفاق فيجب أن يكونا للجميع حتى للزوجين لأن وجوبهما اولا للميت ثم يثبت للورثة . ولا يقع للميت إلا بأن يسند الوجوب إلى سببه وهو الجرح فكانا كسائر الأموال في ثبوتهما قبل الموت ألا ترى أنه إذا أوصى بثلث ماله دخلت دينه فهيا وتعضى منه ديونه وكان الإمام على رضي الله عنه يقسم الدية على من أحرز الميراثن وكفى به قدوة وإذا ثبت ذلك فكل من الورثة يتمكن من الاستيفاء والعفو والزوجية تبقى بعد الموت حكما في حق الإرث أو يثبت للورثة بعد الموت مستندا إلى سببه وهو الجرح وإذا سقط القصاص ينقلب نصيب الباقين مالا لأنه امتنع بمعنى راجع إلى القاتل وليس للعافي شيء من المال لأنه أسقط حقه بفعله ورضاه
الشافعية والمالكية - قالوا : إنه لا حظ للزوجين في القصاص والدية ولاحق لهما فيهما وذلك لأن الوراثة فيما يجب بعد الموت خلافة وهي فيه بالنسب لا السبب لانقطاعه بعد الموت . والزوجية تنقطع بالموت ولأن المالكية يقولون : لاحظ للنساء في القصاص والدية معا
والشافعية يقولون : لاحظ للناء في استيفاء القصاص ولهن حق العفو فقط اه
إذا اقتص من الجاني فمات
الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : لو اقتص المجني عليه من الجاني بالعطع مثلا فمات من أثر القصاص بسبب السراية من العضو المقطوع فلا شيء على المجني عليه لأنه استوفى حقه وهو القطع ولا يمكن التقيد بوصف السلامة لما فيه من سد باب القصاص إذ الاحتراس عن السراية ليس في وسعه فصار كالإمام والبزاغ والحجام والمأمور قطع اليج ولقوله تعالى : { ولمن انتصر بعد ظلمه }
الحنفية قالوا : إذا اقتص المجني عليه من الجاني فسرى القطع إلى الجسد ومات بسببه تجب الدية للورثة على عاقلة المقتص له لأنه قتل بغير حق لأن حقه القطع وهذا وقط قتلا ولهذا لو وقع ظلما لكان قتلا ووجب فيه القصاص ولأنه جرح أفضى إلى فوات الحياة في مجرى العادة وهو مسمى القتل إلا أن القصاص سقط للشبهةن فوجب المال بخلاف الإمام وغيرهن لأنه ملكف فيها بالفعل إما تقلدا كالإمام أو عقدا كما في غيره منها . فالقاضي إذا تقلد القضاء يجب عليه أن يحكم فإذا قطع يد السارق فمات من ذلك فإنه لا شيء عليه والواجبات لا تتقيد بوصف السلامة كالرمي إلى الحربي وفيما نحن فيه من الاستيفاء لا وجوب ولا التزام إذ هو مندوب إلى العفو فيكون من باب الإطلاق والإباحة قال تعالى : { وإن تعفوا اقرب للتقوى } ولو رمى صيدا فأصاب إنسانا ضمن كذا هذا
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #320  
قديم 04-01-2023, 09:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب القصاص]
صـــــ 132 الى صـــــــــ135

الحلقة (274)



مبحث تأخير القصاص للولد الصغير
الحنفية والمالكية قالوا : من قتل وله أولياء صغار وكبار فللكبار أن يقتلوا القاتل . ولا ينتظرون حتى يدرك الصغار لأن القصاص حق لا يتجزأ لثبوته بسبب لا يتجزأ وهو القرابة يثبت لكل واحد كملا كالولاية في النكاح . ولثبوت التفرقة بين الصغار والكبار الغيب من حيث احتمال العفو في الحال وعدمه فإن العفو من الغائب موهوم حال استيفاء القصاص لجواز أن يكون الغائب عفا عن حقه في القصاص والحاضر لا يشعر به فلو استوفى كان استيفاء مع الشبهة وهو لا يجوز وأما العفو في الصغير فميئوس منه حال استيفاء القصاص لأنه ليس من أهل العفو وإنما يتوهم العفو منه بعد بلوغه سن الرشد والشبهة في المال لا تعتبر لأن ذلك يؤدي إلى سد باب القصاص لاحتمال أن يقدم ولي المقتول على قتله وكذلك إذا كان احد الاولياء مجنونا يجب على القاضي تعجل القصاص ولا ينتظر شفاءه من الجنون المطبع وهو الذي لا يفيق
الشافعية والحنابلة في أظهر روايتهم والصاحبان من الحنفية قالوا : إذا كان أولياء الدم فيهم صغار وكبار فليس للكبار تعجيل القصاص بل ينتظر ويحبس القاتل ولا يخلى سبيله بكفيل حتى يدرك الصغار ويبرأ المجنون منهم فيكون له الخيار بين القصاص وأخذ الديةن أو العفو عن الجاني أو الصلح على مال . ذلك لأن القصاص مشترك بينهم ولا يمكن استيفاء البعض لعدم التجزي وفي استيفائهم الكل إبطال حق الصغير والمجنون فيجب أن يؤخر القصاص إلى ادراكه أو يفيق المجنون كما إذا كان بين الكبيرينن وكان أحدهما غائبا أو كان بين الموليين وليتفقوا على مستوف وإلا فقرعة يدخلها العاجز وهذا الخلاف إذا لم يكن في الورثة اب للقتيل أما إذا كان فيهم الب فلهم الاستيفاء بالاتفاق ولا ينتظرون حتى يدرك الصغار لأن الأب له الولاية على النفس
ولو سبق أحدهم فقتله فالأظهر لا قصاص وللباقين قسط الدية في تركته وقيل : من المستوفى وإن بادر بعد عفو غيره لزمه القصاص وقيل : لا
استيفاء الأب لولده الصغير
الحنفية والمالكية قالوا : إذا قتل ولي الصغيرن أو المعتةه فللأب وهو حد المقتول استيفاء القصاص من القاتل نيابة عن المعتوه والصغير لأنه من الولاية على النفس لأن القصاص شرع للتشفين وللأب شفقة كاملة فيعد ضرر الولد ضرر نفسه فجعل ما يحصل له من التشفي كالحاصل للابن فالأب يلي القصاص كما يلي الإنكاح سواء كان شريكه أم لا وللأب أن يصالح لأنه أنظر في حق المعتوه والصغير وليس له أن ينقص عن قدر الدية فإن نقص المال المصالح عليه عن عدر الدية يجب كمال الدية وليس له أن يعفو عن القاتل بغير مال لأن فيه إبطال حقهن وكذلك إن قطعت يد المعتوه عمدا أو يد الصغير فللأب أن يستوفي القصاص
قتل الوالد بولده
الحنفية والشافعية والحنابلة - قالوا : لا يقتل الرجل بابنه لقول صلى الله عليه و سلم : ( لا يقاد الوالد بولده ) وهو حديث مشهور تلقته الأمة بالقبول فيصلح مخصصا لعموم الآية الدالة على وجب القصاص في القتلى وذلك مثل إخراج قتل المولى عبده أو عبد ولده ولأن عمر قضى بالدية في قاتل ابنه ولم ينكر عليه أحد
ولأن الأب لإحياء الولد فمن المحال أن يستحق له إفناؤه ولهذا لا يجوز له قتله وإن وجده في صف الأعداء مقاتلا أو زانيا وهو محصن ويجب على الأب الدية للورثة ويحرم منها
المالكية قالوا : لا يقاد الأب بالابن إلا أن يضجعه ويذبحه أو يحبسه حتى يموت مما لا عذر له فيه ولا شبهة فإن حذفه بالسيف أو بالعصا أو بالحجر الكبير غير قاصد لقلته فلا يقتل فيه والجد في ذلك عندهم مثل الأب وحجتهم في ذلك عموم القصاص بين المسلمين لا فرق بين الأب وغيره وقاسوه على الرجل إذا زنا بابنته وهو محصن فإنه يرجم بالاتفاق ولأن الآية في القصاص عممتن فلا تخصص بخبر الآحاد فإذا ثبت العمد وجب عليه القصاص ومن ورث قصاصا على أبيه سقط لحرمة الأبوة اه
مبحث شبه العمد
الحنفية قالوا : القتل على خمسة اوجه عمد وشبه عمد وخطأ وما أجري مجرى الخطأ والقتل بسبب فالعمد ما تعمد ضربه بسلاح أو ما أجري مجرى السلاح كالمحدد من الخشب وليطة القصب والمروة المحددة والنار
وشبه العمد : أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا ما أجري محرى السلاح سواء كان الهلاك به غالبا كالحجر والعصا الكبيرين ومدقة القصار أو لم يكن كالسوط والعصا الصغير وذلك لقوله صلى الله عليه و سلم : ( ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا ) رواه النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه ووجه الاستدلال به أنه عليه الصلاة و السلام جعل قتيل السوط والعصا مطلقا شبه عمد فتخصصه بالصغيرة إبطال للإطلاق وهو غير جائز
ولأن العصا الكبيرة والصغيرة تساويا في كونهما غير موضوعتين للقتل ولا مستعملتين له غالبا إذ لا يمكن الاستعمال على غرة من المقصود قتله وبالاستعمال على غرة يحصل القتل غالباص وإذا تساويا والقتل بالعصا الصغيرة شبه عمد بالاتفاق فكذا الكبيرة فقصرت العمدية نظرا إلى الألة فكان شبه عمد
الشافعية والحنابلة والصاحبان من الحنفية - قالوا : شبه العمد هو أن يتعمد الضرب بما لا يحصل الهلاك به غالبا كالعصا الصغيرة إذا لم يوال في الضربات أما إذا والى فيها فهو عمد وقيل : شبه عمد وسمي هذا النوع شبه عمد لاقتصار معنى العمد فيه وإلا لكان عمدا واقتصاره إنما يتصور في استعمال آلة لا يقتل بها غالبا كالعصا الصغيرة فإن القصد باستعمالها غير القتل كالتأديب ونحوه فتجب الدية لا القصاص أما إذا استعمل آلة يقتل بها كالضرب بحجر عظيم أو حشبة عظيمة أو مدق القصار أو نحوه فإنه لا يقصد باستعمال هذه الأشياء إلا القتل كالحديدة والسيف فكان قتلا عمدا موجبا للقود قالوا : وقد واققنا أو حنيفة بأن القتل بالعمود الحديد موجب للقود
وموجب شبه العمد على القولين الإثم لأنه قتل وهو قاصد الضرب والكفارة لأنه خطأ نظرا إلى أن الآلة تدخل تحت قوله تعالى { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة } الآية ولأنه شبيه بالخطأ ويجب فيه الدية مغلظة على العاقلة . وهي مائة من الإبلن اربعون منها في بطونها أولادها وتجب في ثلاث سنين لقضية عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقد روي عنه أنه قضى بالدية على العاقلة في ثلاث سنين ووافقه الصحابة من غير نكير من واحد منهم فكان كالمروي عن الرسول صلى الله عليه و سلم لأنه مما لا يعرف بالرأي ويتعلق به حرمان الميراث لأنه جزاء القتل والشبهة تؤثر في إسقاط القصاص دون حرمان الميراث فقد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( ألا إن قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط أو العصا فيه مائة من الإبل منها اربعون في بطونها أولادها ) رواه الخمسة
وروى الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولايقتل صاحبه وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس فتكون جماء في غير ضغينة ولا حمل سلاح )
المالكية قالوا : إن الضرب بالعصا والحجر الصغيرين عمد فإنهم قالوا : إننا لانعرف ماهو قتل شبه العمد وإنما القتل عندهم نوعان فقط عمد وخطأ ما وقع بسبب من السباب أو من غير مكلف . أو غير قاصد للمقتول أو القتل بما مثله لا يقتل في العادة به كالسوط . وهذا لا قود فيه وإنما تجب فيه الدية وقتل العمد ما سواه : إذ لا واسطة بين العمد والخطأ في سائر الأفعال فكذا في هذا الفعل وشبه الخطأ أن يتعمد القتل ويخطىء القصد أو يضربه بسوط لا يقتل مثله غالبا أو يلكزه بيده أو يلطمه لطما بليغا فيجب القصاص في كل ذلك فإن تعمد الجاني الضرب بقضيب أو سوط لا يقتل به غالبا أو مثقل كحجر أو خنق ومنع من طعام حتى ماب أو منع من شرب محتى مات فالقود أن قصد بذلك موته فإن قصد مجرد التعذيب فالدية
الشافعية قالوا : الفعل المزحق ثلاثة : عمد وخطأ وشبه عمد ولا قصاص إلا في العمد وهو قصد مالفعل والشخص بما يقتل غالبا جارح أو مثقل
فالأول وهو الواجب : قتل المرتد إذا لم يتب والحربي إذا لم يسلم أو يعط الدية
والثاني وهو الحرام : قتل المعصوم بغير حق
والثالث وهو المكروه : قتل الغازي قريبه الكافر إذا لم يسب الله أو رسول صلى الله عليه و سلم
والرابع وهو المندوب : قتل الغازي قريبه الكافر إذا حدث منه سب لله أو الرسول صلى الله عليه و سلم
والخامس وهو المباح : قتل الإمام الأسير وهو مخير فيه

وأما قتل الخطأ فلا يوصف بحرام ولا حلال لأنه غير مكلف فيما أخطأ فهو كفعل المجنون والبهيمة فإن فقد قصد أحدهما بأن وقع عليه فمات أو رمى شجرة فأصابه فخطأ وإن قصدهما بما لا يقتل غالبا فشبه عمد ومنه الضرب بسوط أو عصا فلو غرز إبرة بمقتل فعمد ولو غرز فيما لا يؤلم كجلدة عقب فلا شيء بحال ولو حبسه ومنعه الطعان والشراب والطلب حتى مات فإن مضت مدة يموت مثله فيها غالبا جوعا أو عطشا فعمد وإلا فإن لم يكن به جوع وعطش سابق فشبه عمد وإن كان به بعض جوع أو عطش وعلم الحابس الحال وكانت مدة حبسه بحيث لو أضيفت لمدة جوعه أو عطشه السابق بلغت المدة القاتلة فعمد لظهور الإهلاك من الرجل الحابس وأما إذا لم يبلغ مجموع المدنين ذلك فهو كما لو لم يكن به شيء سابق وإن لم يعلم الحال فهو شبه العمد
مبحث القال بمثقل والإغراق أو الإحراق بالنار
المالكية قالوا : إن حبس شخص آخر ومنعه الطعام أو الشراب حتى مات بسبب ذلك أو خنقه بيده فيجب عليه القود في كل ذلك إن قصد بذلك موتهن أو علم أنه يموت من ذلك
ومن سقى غيره سما في طعام أو شراب فمات فعليه القود فقد وري عنهم أن منع فضل مائه مسافراص عالما بأنه لا يحل له منعه وأنه يموت إن لم سقه قتل به وإن لم يل قتله بيده ومن ضرب غيره بمثقل كحجر إن نفذ الضارب مقتله أو لم ينفذه ممات مغمورا مما ذكر بأن ضربه فرفع مغمورا من الضربن أو الجرح حتى مات فيقتص منه بلا قسامة كما لو رفع ميتا مما ذكر فإن لم ينقذ له مقتل وأفاق بعد الضرب أو الجرح ثم مات لمقتص إلا بالقسامة وكذلك من طرح معصوما غمر محسن للعوم في نهرن لعداوة أو غيرها أو طرح من يحسن العوم عداوة فغرق في الحالين يجب القصاص وإلا لم يكن لعداوة والدية في اللعب
ومن تسبب في الإتلاف كحفر بئر بأن حفرها ببينة فوقع فيها المقصود أو وضع شيئا مزلقا أو اتخذ كلبا عقورا لمعين وهلك المقصود بالبئر وما بعده فيجب القود من المتسبب وإن هلك غير المقصود أو قصد مطلق الضرر فهلك بها إنسان فتجب الدية في الحر المعصوم والقيمة في غيره وإن لم يقصد ضررا بالحفر وما بعده فلا شيء عليه ويكون هدرا وتقديم مسموم لمعصوم عالما بأنه مسموم فتناوله غير عالم فمات يجب القصاص فإن تناوله عالما بسمه فهو القاتل لنفسهن وإن لم يعلم المقدم فهو من الخطأ ومن رمى على غيره حية وهي حية فمات وإن لم تلدغه فمات من الخوف فعليه القود وإن كانت ميتة فتجب الدية وكذا إن كان شأنها عدم اللدغ لصغرها فإن كان على وجه اللعب فالديةن وإن كان على وجه العداوة فالقود
ومن أشار على غيره بسلاح كسيف ومدفع وبندقة وخنجر فهرب المشار إليه خوفا منه وطلبه المشير في هروبه لعداوة بينهما فمات بلا سقوط فيجب القود بلا قسامة وإن لم يضربه بالقتل وإن سقط حال هروبه فبقسامة لا حتمال موته من سقوطه واشارته فقط بلا عداوة ولا هرب يكون خطأ فتجب الدية مخمسة على العاقلة وكذا إن هرب ولا عداوة ومات فدية خطأ
الشافعية والحنابلة قالوا : يجب القصاص بالسبب فلو شهدا بقصاص فقتل ثم رجعا وقالا : تعمدنا الكذب فيها وعلمنا أنه يقتل أو يقطع بشهادتنا لزمهما حينئذ القصاص لآنهما تسبببا في إهلاكه بما قتل غالبا فأشبه ذلك الإكراه الحسي إلا أن يعترف الولي بعلمه بكذبهما فلا قصاص عليهما
لأنهما لم يلجأ إلى قتله حسا ولا شرعا فصار قولهم شرطا محصنا فيجب على الولي القصاص أما لو قال الولي عرفت كذبهما بعد القتل فلا يسقط القصاص عنهما
ولو ضيف بمسموم يقتل غالبا أو ناوله صبيا غير مميز أو مجنونا فأكله فمات منه وجب القصاص عليه أو ضيف به بالغا عاقلا ولم يعلم الضيف بالسم حال الطعام فدية ولا قصاص لأنه تناوله باختياره من غير إلجاء وقيل : يجب القصاص . واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه و سلم امر بقتل المرأة اليهودية التي سمت له الشاة بخيبر فمات منها بشر بن وائل بن معرور أما إذا علم الضيف حال الطعام فلا شيء على المضيف قطعا لأنه المهلك نفسه ولا يجب على المجني عليه معالجة الجناية بما يدفعها فلو ترك المجروح علاج جرح مهلك له فمات منه وجب القصاص جزمما على الجارح لأن البرء غير موثوق به لو عولج والجراحة في نفسها مهلكة ولو ألقاه في ماء لا يعد مغرقا كمنبسط فمكث فيه مضطجعا حتى هلك فهدر أو ماء مغرق لا يخلص منه إلا بسباحة فإن لم يحسنها أو كان مكتوفا أو زمنا تعمد وإن أمكنه التخلص بسباحة مثلا ولكن منع منها عارض كريح وموج فهلك بسبب ذلك فشبه عمد تجب دينه وإن أمكنه التخلص بسباحة مثلا ولكن منع منها عارض كريح وموج فهلك بسبب ذلك فشبه عمد تجب دينه وإن أمكنه التخلص من الغرق فتركها فلا دية في الأظهر
وإن ألقاه في نار يمكن معها الخلاص منها فمكث فيها حتى مات ففي الدية قولان وقيل : تجب الدية في الإلقاء في النار بخلاف الماء لأن النار تحرق بأول ملاقاتها وتؤثر قروحا قاتلة بخلاف الماء ولو حفر بئرا فرداه فيها آخر والتردية تقتل غالبا أو ألقاه من شاهق فتلقاه آخر فقده فالقصاص على القاتل في الأول والمردي في الثاني والقاد في الثالث ولو ألقاه في ماء مغرف لا يمكنه الخلاص منه كلجة البحر فالتقمه حوت وجب القصاص في الأظهر لأنه هلك بسببه ولا نظر إلى جهة الهلاك كما لو ألقاه في بئر مهلكة في أسفلها سكين لم يعلم بها الملقي فهلك بها
قالوا : ومحل الخلاف ما لم يرفع الحوت رأسه ويلقمه وإلا وجب القصاص قطعا ومحله أيضا إذا كان لا يعلم بالحوت الذي في اللجة فإن علم به وجب القود قطعا . كما لو ألقاه على أسد في ريببته أو أما قطار سريق
أما إذا ألقاه في ماء غير مغرق فالتقمه حوت وهو لا يعلم به الملقي فلا قصا قطعا لأنه لم يقصد إهلالكه ولم يشعر بسبب الإهلاك كما لو دفعه دفعا خفيفا فوقع على سكين فمات ولم يعلم بها الدافع فتجب في الحالتين دية شبه العمد وإن شهر المجنون سلاحا على غيره فقتله ذلك الغير فلا ضمان عليه لانع قتله دفاعا عن نفسه وكذلك لو شهر الصبي سلاحا على غيره فقتله فلا ضمان لأنه يصير محمولا على قتله بفعله فأشبه المكره وكذلك فعل الدابة لو هجمت على لإنسان فقتلها فلا ضمان لأنه دفاع عن النفس
الحنفية قالوا : من شهر على رجل سلاحا ليلا أو نهارا أو شهر عليه عصا في المصر ليلا أو شهر عليه عصا نهارا في طريق غير المصر فتله المشهور عليه عمدا وكان الشاهر عاقلا مكلفا فلا شيء عليهن لقوله عليه الصلاة و السلام ( من شهر على المسلمين سيفا فقد أطل دمه ) ولأنه يعد في نظر الشرع باغ فتسقط عصمته ببغيه ولأنه تعين طريقا لدفع القتل عن نفسهن فجاز له قتله لدفع الشر عن نفسه وجعف الشر مباح أو واجب ولأن السراح لا يلبث فيحتاج إلى دفعه بالقتل والعصا الصغيرة وإن كانت تلبث وكن في الليل لا يلحقه الغوث فيضطر إلى جفعه بالقتل وكذلك في النهار في غير المصرن في طريق لا يلحقه الغوث وفي الصحراء فإذا قتله كان دمه هدرا ولا ضمان على قاتله
وإن شهر المجنون على غيره سلاحا فقتله المشهور عليه عمدا فعليه الدية في مالهن لأنه قتل شخصا معصوما أو أتلف مالا معصوما حقا للمالك وفعل الدابة لا يصلح مسقطا وكذا فعلهما وإن كانت عصمتهما حقهما لعدم اختيار صحيح ولهذا لا يجب القصاص لتحقق الفعل منهما بخلاف البالغ العاقل لأن له أختيارا صحيحا وإنما لا يجب القصاص مع القتل العمد بسلاح لوجود المبيحن وهو دفع الشر عن نفسه فتجب الجية حتى لا يهدر دم المسلم المعصوم
ومن شهر على غيره سلاحا في المصر فضربه ثم قتله الآخر فعلى القاتل القصاص لأنه ضربه فانصرف عنه لأنه خرج من أن يكون محاربا بالانصراف فعادت عصمته إليه ومن دخل عليه غيره ليلا واخرج السرقة فاتبعه صاحب الدار وقتله ليخلص المتاع فلا شيء عليه ودمه هدر لقول صلى الله عليه و سلم : ( قاتل دون مالك ) ولأنه يباح له القتل دفاعا للابتداء فكذا استردادا في الانتهاء وذلك إذا كان لا يتمكن من استرداد ماله إلا بالقتل
ومن حفر بئرا في طريق المسلمين أو وضع حجرا فتلف بذلك إنسان فديته على عاقلته وإن تلف به بهيمة فضمانه في مالهن لأنه متعد فيه فيضمن ما يتولد منه غير أن العاقلة تتحمل النفس دون المال فكان ضمان البهيمة في ماله خاصة وإلقاء التراب واتخاذ الطين في الطريق بمنزلة إلقاء الحجر والخشبة
وإذا كنس الطريق أو رشها فعطب احد بموضع كنسه أو رشه لا ضمان عليه لأنه ليس بمتعد فإنه ما أحدث شيئا فيه وإنما قصد رفع الأذى عن الطريقن حتى لو جمع الكناسة في الطريق وتعلق بها إنسان فإنه يضمن دينه لتعديه بشغله الطريق بالكناسة
ولو وضع حجرا فنحاه غيره عن موضعه فعطب به إنسان فالضمان على لاذي نحاه لأن حكم فعله قد انتسخ والبالوعة يحفرها الرجل في الطريق فإن امره السلطان بذلك أو آخرجه عليه لم يضمن ما تلف به لأنه غير متعد حيث فعل ذلك بأمر من له الولاية في حقوق العامة . وإن كان حفر البالوعة أو رفع غطاءها بغير امره فهو متعد فيضم ما تلف به إما بالتصرف في حق غيره أو بالافتيات على رأي الإمام أو هو مباح مقيد بشرط السلامة وكذا كل ما فعل في طريق العامة وإذا فر البئر في ملكه فلا يضمن لأنه غير متعد وكذا إذا حفرها في فناء جارهن لأن له ذلك لمصلحة داره والفناء في تصرفه ولو حفرها في الطريق ومات الواقع فيها جوعا أو غما لا ضمان على الحافر لأنه مات لمعنى في نفسه فلا يضاف إلى الحفر والضمان إنما يجب إذا مات من الوقوع
وقال أبو يوسف رحمه الله : إن مات جوعا فكذلك وإن ماتغما فاحافر ضامن له لأنه لا سبب للغم سوى الوقوع أما الجوع فلا يختص بالبئر
وقال محمد : هو ضامن في الوجوه كلها لأنه إنما حدث بسبب الوقوع إذ لولاه لكان الطعام قريبا منه وإن استأجر أجراء فحفروها له في غير ملكه فذلك على المستأجر فقط وإن علموا ذلك فالضمان على الاجراء لأنه لا يصح امره بما ليس بمملوك له ولا غرس
قالوا : ومن غرق صبيا أو بالغا في البحر فلا قصاص عليه لقول الرسول صلى الله عليه و سلم : ( إلا أن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا ) وفيه وفي كل خطأ أرش ولأن الآلة غير مستعملة في القتل ولا معدة له لتعذر استعماله فتمكنت شبهة عدم العمدية ولأن القصاص ينبىء عن المماثلة ومنه يقال : اقتص أثره
أما إذا بالنار حتى مات فيجب فيه القصاص بالسيف وكذلك الضرب بحديدة مدببة أو خشبة محددة : أو حجر محدد فإنه يجب فيه القصاص بالسيف لأنه عمد
قالوا : من شج نفسه وشجه رجل وعقره أسد وأصابته حية فمات من ذلك كله فإنه يجب على الجنبي ثاث الدية لأن فعل الأسد والحية جنس واحد لكونه هدر في الدنيا والآخرة وفعله بنفسه هدر في الدنيا معتر في الآخرة حتى يأثم عليه فعند أبي حنيفة ومحمد يغسل ويصلى عليه وعند أبي يوسف يغسل ولا يصلى عليه لأنه تعدى على نفسه بشجها وفعل الأجنبي معتبر في الدنيا والآخرة فصارت ثلاثة أجناس فكأن النفس تلفت بثلاثة أفعال فيكون الثالث بفعل كل واحد ثلثه فيجب عليه ثلث الدية
مبحث من مات متاثرا بجراحه
اتفق الأئمة : على أن من جرح رجلا عمدا فلم يزل صاحب الجرح ملازما لفراشه حتى مات من أثر الجراح فإنه يجب عليه القصاص لوجود السبب وهو سفك دم محقون على التأبيد عمدا وعدم وجود ما يبطل حكمه من عفو أو شبهة تدرأه فأضيف إليه
واتفقوا : على أنه إذا تكافأت الدماء أن ينفذ القصاص في القتل العمد فيقتل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى والرجل بالرجل والذمي بالذمي والمستأمن بالمستأمن
ولوقوله تعالى : { كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } فقد جاءت الآية الكريمة مبينة لحكم النوع إذا قتل نوعه ولم تتعرض لاحد النوعين إذا قبل الآخر فالآية محكمة وفيها إجمال بينه قوله تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس }
وبينه النبي صلى الله عليه و سلم حين قتل الرجل اليهودي بالمراة في المدينة وحين أمر بقتل المرأة اليهودية التي وضعت السم في الطعام في غزوة خيبر فمات بسببه صحابي من أصحابه رضوان الله عليهم


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 431.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 425.80 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (1.37%)]