المطارد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216065 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7826 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 52 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859577 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393934 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 83 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي
التسجيل التعليمـــات التقويم

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-06-2022, 10:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي المطارد

المطارد


د. زهرة وهيب خدرج



كان الليل يودِّع النهار ويكاد يحل مكانه، وقفت أرقب السماءَ الباكية من وراء شباك غرفتي، كان الغمام يقذف حبَّات المطر بقوة محدِثة صخبًا محببًا للقلوب، وأشاهد الأشجار تكاد تتحطَّم تحت ضرب سياط الرياح، شاهدت ظلًّا لرجل يسير بين أشجار الزيتون، كان يلهث بشدَّة، وأزعم أنه لولا زجاج الشباك المغلَق الذي يحجب أصوات الخارج، لاستطعتُ سماع صوت لهاثه يقرع أذنيَّ.



غاب عن نظري تحت شجرة الزيتون الرومية التي تبسط أغصانها بكثافة، تُخفي من يجلس أسفلها عن أعين الرقباء، وقفتُ لدقائق أنتظر خروجَ الرجل، خلتها الدهرَ كله، ولكنَّ بقاءه طال، رغم تواصل انهمار المطر، عصف الفضول برأسي، وضربتْ تفكيري الكثيرُ من الأسئلة حول هذا الرجل:

من هو يا ترى؟ وما الذي دفعه للجلوس فوق الصَّخرة المبتلة في هذا الجوِّ الماطر شديد البرودة؟ ما قصَّته؟ أهو هارب من شيءٍ ما يطارده؟ أم أنه هارب من نفسه؟ أتكون وراءه قصة ما؟



هُرعتُ إلى والدي أخبره، شكَّ في كلامي في البداية؛ فقد ظنَّها إحدى خيالاتي وحكاياتي التي أبدع دائمًا في نسجها، فأجعل فيها من ظل غصن الشجرة أفعى تتحرك وتصطاد صغارَ العصافير في أعشاشها، ولكنني رجوتُه أن يفحص الأمر بنفسه ليتأكَّد.



خرج على مضض يرتدي معطفًا سميكًا من الجلد، وحذاءً طويلًا يمنع الطين من الوصول إلى قدميه، غلب الليلُ النهار، وأسدل ستاره الداكن على الكون، شاهدتُ والدي يزيح أغصان الأشجار ويسير بينها، بيد أن العتمة حجبَتْه عن عيني، طال بقاؤه في الخارج، سيطر القلق على أفراد العائلة، ناديناه بملء حناجرنا، إلَّا أنه لم يجب، فكَّرتْ والدتي أن تخرج للبحث عنه تحسبًا من سوءٍ أصابه، إلَّا أن الخوف قد ضرب بخَنجره صدورنا أنا وإخوتي الصغار، فانطلقنا نبكي بحرقة، ما اضطر أمي للبقاء معنا تحاول طمأنتنا، رغم القلق البادي على محيَّاها.



بعدما يقرب من ساعتين عاد والدي إلى البيت، يلوِّث الطينُ والغبار وبقايا نسيج العناكب ملابسَه، ويبدو عليه الانشغال، وملامح وجهه تشي بحدوث أمرٍ مهم، طمأننا بأنَّ كل شيء بخير، وطلب من أمِّي أن تعد عشاءً يليق بضيوف سيحضرون عما قريب، وأمَرَنا بأن نذهب للنوم.



ذهبتُ لغرفتي، ولكن الفضول أرقني، فبقيتُ يقظةً أرقب ما يحاول والدي إخفاءه عني، لمحتُه يحمل أطباقًا عدَّة من الطعام مصفوفة على صينية كبيرة غطَّتْها أمي بقطعة قماش، ثم سمعت صوت الباب الخارجي يُفتح ويُغلق:

إنَّ أبي يخفي شيئًا ما.



وتكرَّر مشهد أبي يحمل صينية الطعام وينطلق بها خارج البيت، سألت أبي من دون مواربة:

مَن هذا الرجل الذي اختفى في أرضنا؟ أين ذهب يا ترى؟ وما قصته؟ وما قصة الطعام وزجاجات الماء التي تخرج بها ثلاث مرات يوميًّا؟



أطرق والدي برهة، ثم نظر في عيني قائلًا:

سأخبرك لاحقًا بكل شيء، أرجوك الآن أن تدعي اللهَ لي بأن يعينني ويثبِّتني على ما أقوم به، ولكن عديني أن يبقى ما رأيتِ في أرضنا سرًّا لا تبوحي به حتى لنفسك، فأي كلمة منك قد تؤذينا جميعًا.



أحسستُ بخطورة الموقف، وقلت لوالدي:

حسنًا، أعِدك بذلك.

غدا والدي قلقًا مشغولًا طوال الوقت، رغم محاولاته الدائبة أن يبدو طبيعيًّا، كما أصبح شديد الحيطة والحذر، وأخذ يهتم جدًّا بتفقد الأرض المحيطة بمنزلنا مرات عدة في اليوم الواحد.

أخذتُ أرقب حركات والدي وسكناته، وأحاول تفسير سلوكياته، ولكن دون جدوى، أما أمِّي فقد التزمت جانب الحياد والصمت وكأنَّها لا علاقة لها بشيء، رغم مثابرتها على إعداد طعامٍ إضافي يوميًّا.



وبعد شهرين وفي الثلث الأخير من الليل، وبعد أن كدتُ أنسى ما استجدَّ علينا وقد غدا معتادًا، استيقظت على جلَبة عالية خارج المنزل، استغربت الأمرَ؛ فبيتنا تحيطه أشجار الزيتون من كل جانب، وهو بعيد عن المنازل الأخرى، ولا يدخل الأرضَ إلا أهلُ البيت، فما هذه الجلبة الآن؟ سمعت أصواتًا تتحدث بلكنة غريبة لم أعهدها، وتأْمُر والدي بتسليم نفسه لهم! هاجمني الخوف، ماذا يجري بحق الإله؟ ماذا يريد جنود الاحتلال من والدي في هذه الساعة المتأخرة من الليل وهو الذي لم أعهد له نشاطًا سياسيًّا ومقاومًا أبدًا؟



ارتدى والدي ملابسه على عجل وفتح الباب، فتلقفه الجنود، وانهالوا عليه ضربًا، سمعتُهم يضربونه بعصيِّهم ويهدِّدونه بالقتل، وكانوا يتحدَّثون عن مطلوب يخبِّئه والدي، كان والدي يجيب على أسئلتهم بعبارة واحدة لا غير:

لا أعلم عن ماذا تتحدثون، فتَّشوا البيت وعاثوا فيه فسادًا، وفتشوا الأرض، وقلبوا التربة في أماكن عدة، دون أن يتمكَّنوا من العثور على شيء.



أخذوا يسألونني وإخوتي الصغار عن المكان الذي يخبِّئ فيه والدي المطارَدَ، تذكرت كلامَ والدي، وقلت بقوة ومن دون تردد:

أنا لا أعلم.

كانوا مراوغين، ولكن الله ثبَّتنا أمام خداعهم، غادروا البيت وأخذوا والدي معهم، شاهدته داميَ الوجه مقيد اليدين، بكيت لحاله، ورحت أصلِّي وأدعو الله أن يثبِّته ويكون بعونه.



وفي صباح اليوم التالي أعدَّت والدتي الطعام الإضافي ووضعته على صينية مغطاة كعادتها، ونادتني لأخرج معها لإيصال الطعام لصاحبه، فإذا بنا نصل إلى كومة كبيرة من الأشجار والحشائش الجافة، أزاحتها والدتي فانكشفت فوهة غار قديم، تذكَّرتُه على الفور، فقد حكى لي والدي عنه في صغري قائلًا:

هذا غار قديم كان جدك يبيت فيه ماشيته في أيام الشتاء الباردة. أدركت أن هذا الغار يصلح لأن يكون مخبأً جيدًا لمجاهد يطارده الاحتلال.

نادت أمي بحذر:

أخي ياسين.

أجاب صوت من الداخل:

أين أبو محمد؟ أيكونون قد اعتقلوه؟

نعم، للأسف!

أنا آسف جدًّا! سامحوني، فأنا السبب، سأذهب في سبيلي وأتدبَّر أمري اليوم؛ حتى لا أسبب لكم مزيدًا من الأذى.

لن تتحرك من هنا ما دام المكان آمنًا لك، أوصاني أبو محمد بأن أحافظ على سرِّك وأحفظك كما أحفظ أحد أبنائي، لن تخرج من هنا إلا على جثتي يا أخي، لا تقلق فأنا أتدبر أمري.



تركت أمي الطعامَ أمام باب الغار، وقفلنا عائدتين، أكَّدت أمي عليَّ مرة أخرى على خطورة الوضع وضرورة الحفاظ على السريَّة، قضينا أيامًا حزينة لا نعلم عن والدي شيئًا، قامت أمِّي خلالها بأدوار والدي مجتمعة.



وفي إحدى الأمسيات، وفي طريقنا لإرسال طعام العشاء، أحسسنا بحضور غريب بين الأشجار، أعطتني أمي الصينية وأخذت تستطلع المكان، لم تلاحظ أيَّ شيء غير اعتيادي، وضعنا الطعام وعُدْنا أدراجنا.

وفي الليلة ذاتها طوق المحتلون بيتنا، وبدؤوا يأمرون ياسين بمكبرات الصوت بأن يسلِّم نفسه!



هاجَموا البيت بهمجية، وأخرَجونا منه، قيَّدوا يدي والدتي وأخذوا يضغطون عليها بأن تدلهم على مكان المطارد، فلاذت والدتي بالصمت، قاموا بهدم جزء من البيت لتبوح بما لديها من معلومات، ولكنها لم تغيِّر من موقفها، قاموا باقتلاع شجرة الزيتون الرومية بجرافة ضخمة، وكسروا بعض الأشجار، وأضرموا النارَ في أشجار أخرى، أزاحوا أكوام الأغصان الجافة فظهرت فوهة الغار، فما كان من الرجل المختفي داخله إلا أن بدأ يطلق النار بشكل كثيف مثخنًا فيهم الجراح، فأخذوا يهاجمون الغار وكأنهم أمام جيش جرار، لم يستطيعوا اقتحامَه، ولم يتمكَّنوا من الرجل الموجود بداخله.



أطلقوا غازًا سامًّا داخل الغار، وقذفوا قنابل عدَّة انفجرت وفجَّرت الغار معها، حلَّ بعدها صمت مميت في المكان، أُصبت بخوف شديد وأدركتُ أنها النهاية، شاهدت المحتلين يغادرون المكان وهم يحملون جثمانًا ممزقًا يقطر دمًا.




أمضى والدي في السجن عامين، خرج بعدها ليعيد زراعة أشجار زيتون جديدة، ويبذر القمح الذي أخذ ينبت سنابل ملأى بالحبوب.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 53.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.68 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (3.22%)]