|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#21
|
||||
|
||||
![]() 22-قصَّة موسى في القرآن الكريم بقلم : مجـْـد مكَّي المباراة بين موسى والسحرة ويا لله العظيم كم لله تعالى من تدابير تقع على خلاف توقع الناس ومرادهم، وكم من طاغية يحفر قبره بظفره، ويسعى إلى حتفه بظلفه، فسبحان مدبِّر الأمر، ومُسيِّر الخلق ﴿فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ جمع جنود فرعون السحرةَ لإجراء المباراة في الموعد المحدَّد زماناً ومكاناً، في وقت الضحى من يوم الزينة الذي يتفرَّغون فيه من أشغالهم، ويجتمعون ويتزيَّنون، ﴿وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ﴾ قيل لجماهير المصريين على سبيل العرض لا الإلزام: هل أنتم مجتمعون لتنظروا ماذا يفعل الفريقان، ولمن تكون الغلبة ؟ ﴿لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الغَالِبِينَ﴾ [الشعراء:38-40]. ﴿فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ : أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الغَالِبِينَ﴾ أقبل السَّحَرة على وجه السرعة -وهذا شأن الأتباع ومنتهزي الفرص- علىفرعون، فقالوا له بلغة المحترف والمستوثق، الذي مقصده الأول والأخير مما يعمله الأجر والعطاء: هل ستكافئنا بالأجر العظيم، والعطاء الوفير إذا غلبناموسى؟ وهنا يجيبهمفرعونقائلاً لهم: ﴿ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ المُقَرَّبِينَ﴾ [الشعراء:41-42]. نعم، لكم أجر ماديٌّ جزيلٌ إذا انتصرتم عليه، وفوق ذلك، فأنتم تكونون بهذا الانتصار من الظافرين بقربي، والمحاطين برعايتي. سألوا فرعون الأجر فوعدهم الأجر الجزيل، والعطاء الجميل، والمنزلة الرفيعة، وحُسن الرعاية والعناية والقرب منه ، وهذا يدل على ما كان يعتمل في قلب فرعون من إرادة الفوز الساحق؛ ليقضيَ على موسى ودعوته، ويحافظ على كبريائه وألوهيته وعبودية الناس له.. اصطفَّ السَّحرة في الميدان للمبارزة؛ فذلك أهيب لهم أمام موسى عليه السلام، وفرعون ورجال دولته يرقبونهم ويشجعونهم، وجموع الناس تحيط بهم تشهد هذا الحدث العظيم، وفرعون يعدهم إن فازوا. ويا للعجب من موسى عليه السلام؛ إذ ما نسيَ الموعظة في موضع المناظرة، ولم يرده عنها ما هو فيه من موقف عصيب، وأعطى السحرة حظهم منها قبل مبارزتهم: ﴿قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى الله كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾ [طه:61]. قال موسى للسحرة الذين جمعهم فرعون قبل المباراة: عذاباً شديداً لكم؛ بسبب ما تُعدون أنفسكم له، فلا تختلقوا على الله الكذب بأعمال السحر التي تخدعون بها أعين الناس، فيهلككم ويستأصلكم بعذاب عظيم، وقد خسر من ادَّعى مع الله إلها آخر، وكذب على الله . ولكن السَّحرة أجمعوا بعد المشورة على المبارزة، فحالهم حال من يريد الظفر وإرضاء سيده؛ ولذا استعجلوا موسى في بدء المعركة، وقالوا له على سبيل التكبُّر وعدم المبالاة:﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ المُلْقِينَ﴾ [الأعراف:115] يا موسى: اخْتر أحد الأمرين: إمَّا أن تُلْقيَ عَصَاك أولاً، وإمَّا أن نكون نحن المُلْقين أدوات سحرنا أولاً.. ﴿ قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون﴾ قال موسى للسَّحَرة: اطرحوا في ساحة المباراة ما تريدون إلقاءه من السحر، فأنا متحديِّكم وقابل تحدِّيكم،﴿فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الغَالِبُونَ﴾ [الشعراء:44].واعتزوا بفرعون، وكان موسى معتزا بالله عز وجل . والواقع أن السحرة برعوا في سحرهم، وأتوا بالأعاجيب في فنهم، ولم يقصِّروا في أداء واجبهم ﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف:116] أي: فلما ألقُوا حبالَهم وعصِيَّهم، صَرَفوا أعين الناس عن إدراك حقيقة ما فعلوه من التمويه والتخييل، وخوَّفوهم بما فعلوه من السِّحر تخويفاً شديداً، وجاء السَّحَرةُ بسحرٍ عظيم. ومن براعتهم في سحرهم خشي موسى عليه السلام على عامَّة الناس من الفتنة بهم؛ لعظيم ما جاءوا به من السحر، فيكون سحرهم صداً عن دين الله تعالى، فسلام الله على موسى ما أشدَّ حرصه على هداية الخلق للحق، ولكن الله تعالى أوحى إليه أن سحرهم سيبطل: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ﴾فأضمر موسى في نفسه الخوف وظنَّ أن ثعابينهم تقصده، ﴿قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى﴾. قال الله الله تعالى لموسى: لا تخف من أعمالهم السحريَّة إنك أنت الغالب عليهم، وستكون لك الغلبة والظفر. ﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ [طه:67-69]. وألق عصاك التي في يمينك تتحول فورا حيَّة عظيمة، تلتقم وتبتلع بسرعة حبالهم وعصيهم، ما صنعوا بأعمالهم إلا كيدا سحريا تخيلياً بإيهامها كذباً على الحقيقة أنها ثعابين حقيقية ، ولا يظفر الساحر في أيِّ مكان يأتيه، ويعمل فيه أعماله السحرية، إذ يجعله الله خائبا خاسرا.
__________________
|
#22
|
||||
|
||||
![]() 23-قصَّة موسى في القرآن الكريم بقلم : مجـْـد مكَّي إيمان سحرة فرعون وثباتهم أمام تهديده أدرك السَّحرة الحق فآمنوا بالله وخرُّوا على الأرض سَاجدين دون تلكُّؤٍ ولا تريُّثٍ، وقالوا: آمنَّا بربِّ العالمين، ربِّ هارون وموسى، فاتهمهم فرعون بعدم الصدق في إيمانهم، وأن هذا الإيمان جزء من مؤامرة يُستهدف فيها حكمه ومجده. قال الله تعالى في سورة الأعراف:﴿قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي المَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ(123) ﴾ قال فرعونُ للسَّحرة: أآمنتم بموسى وصدَّقْتموه قبل أنْ آمركم وآذَنَ لكم فيه، كيف تفعلون هذا وتعصُونَني؟! إنَّ هذا لتدبير أمر في خفاء دبَّرتُموه أنتم وموسى في مدينة «مصر» قبل خروجكم إلى هذا المكان المختار للمباراة؛ لتُخرجوا أهل مدينتكم منها إلى الصحراء، وتستولوا عليها أنتم، فسوف تعلمون ـ أيها السَّحرة ـ بعد إمهالكم مُدَّةً، ما أُنزل بكم من عقاب إذا لم ترجعوا إلى ملَّتي وطاعتي. ﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ(124) ﴾ لأُقطِّعنَّ أيديَكُم وأرجُلَكُم من خلافٍ: بقطع اليد اليُمنى والرِّجْل اليُسرى، أو بقطع اليد اليُسرى والرِّجْل اليُمنى، ثمَّ بعد مدّة أدعكم تتعذّبون فيها، أُقسم لأصلبنَّكم أجمعين على جُذوع النخل؛ لتكونوا عبرةً لكلِّ مَنْ تُحدِّثه نفسُه بمخالفة ديني ونظام حكمي. وقال تعالى في سورة طه: ﴿ قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى(71) ﴾. قال فرعون للسَّحَرة متوعِّداً لهم: آمنتم بما دعاكم للإيمان به موسى منقادين له قبل أنْ آذنَ لكم بذلك؟ إنَّ موسى لرئيسكم ومُعلِّمكم صناعةَ السحر، فلذلك تابعتموه، فَلأُقطِّعَنَّ في الحال دون تأجيل أو تسويف أيديَكُم وأرجُلَكُم مُخالفاً بينهما، يداً من جهةٍ، ورِجْلاً من جهةٍ أخرى، وَلأُصَلِّبَنَّكُم بتسمير أطرافكم بمسامير حديديَّة في جذوع النَّخل؛ فتموتون تعذيباً وصبْراً، وتكون مواقعُ تصليبكم أماكن تُعرضون فيها لمشاهدة الناس، تشهيراً بكم، وعبرةً لمن تحدِّثه نفسُه بأن يسْلك طريقتكم من القبط، ولتعلمنَّ في العاجل الحاضر ـ أيُّها السَّحَرة ـ أيُّنا أشدُّ عذاباً في إيلامه، وأبقى في دوامه: أنا، أو ربُّ موسى؟ وقال تعالى في سورة الشعراء: ﴿قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ ﴾ قال فرعون للسَّحَرة مستنكراً: آمنتم بموسى مسلمين له قبل أن آذَنَ لكم بذلك ،كأنما كان عليهم أن يستأذنوه أن تنتفض قلوبهم للحق وقبل أن يستجيبوا لنور الله وهو يملأ القلوب.. إن الطواغيت المتجبِّرين لا يدركون كيف يتسرَّب الإيمان إلى قلوب البشر, فهم لطول ما استعبدوا الناس يحسبون أنهم يملكون تصريف الأرواح وتقليب القلوب فلا تميل ولا ترغب إلا فيما يسمح لها ويرضى. ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ إنَّه موسى لكبيركُم الذي علَّمكم السحر، وقد اتَّفقتم معه على أن تكونوا شركاء في حكم مصر بمؤامرة مُدبَّرة بينكم وبين موسى، فَلَسَوْف تعلمون وَبَالَ ما فعلتم. وتمضي بنا الآيات إلى المشهد الأقوى والأعظم والأكثر رهبة.. تمضي بنا الآيات إلى نهاية القصة.. إنه المشهد الذى تقف فيه الدنيا بأسرها إجلالاً وإكباراً للسَّحَرة وقوة إيمانهم وثبات يقينهم بالله عز وجل.. قال فرعون مهدِّداً ومتوعداً لما رأى إيمان السحرة وتسليمهم لموسى وسجودهم لله عز وجل: ﴿ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ(49) ﴾ لأُقَطِّعَنَّ أيديَكم وأرْجُلكم من خِلاف: بقطع اليد اليُمنى والرِّجْل اليُسرى أو عكس ذلك، ولأُصَلِّبنَّكم أجمعين تشهيراً بكم أمام الشعب المصري؛ لتكونوا عبرةً لكلِّ مَنْ تُحدِّثه نفسه بمخالفة ديني ونظام حكمي. وهكذا كل طاغية في كل عصر.. عندما يفلس من الحجج الباطلة ولا يجدي الترغيب شيئاً لا يجد أمامه من سبيل إلا البطش والتعذيب والتنكيل وسفك الدماء وإهدار الحريات والكرامات في سبيل الحفاظ على السلطان والعرش.
__________________
|
#23
|
||||
|
||||
![]() 24-قصَّة موسى في القرآن الكريم بقلم : مجـْـد مكَّي موقف السحرة من تهديد فرعون ووعيده قال السَّحرة لفرعون حين هَدَّدهم بالقتل: ﴿ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ(125) ﴾{الأعراف} أي: إنَّا إلى ربِّنا راجعون، وإليه صائرون في الآخرة، وسيكون لنا النعيم الخالد، وهو يُعوِّضنا من أذاك. ﴿وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا ﴾وما تكرهُ منَّا وتعيب علينا ـ يا فرعون ـ إلا أنْ آمنا بآياتِ ربِّنا لمَّا أتتنا. ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ(126) ﴾{الأعراف} ربَّنا املأْ لنا مكيالاً من الصبر بمقدار ما نحتاج لتحمُّل العذاب، واصْبُبْه كلَّه علينا، حتى لا نتراجع عن الإيمان الذي هَدَيْتَنَا إليه، ونسألك أن تتوفَّانا حالةَ كوننا مُسلمين لك، مُسْتسلمين لأوامرك، ومطيعين لك فيها. وقال تعالى في سورة طه: ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الحَيَاةَ الدُّنْيَا(72) ﴾. قال السَّحَرة لفرعون: لَنْ نُؤْثر حُجَجَك الواهية الضعيفة، ونظام حُكمك المُسْتبد الظالم، على ما جاءنا به موسى من البراهين العقليَّة، والآيات الإعجازيَّة الدالة على صدقه، ولن نختارك ونُفضِّلك ـ يا فرعون ـ على الله الذي خلقنا وأبدع إيجادنا على نظام الفطر، من العُمق الباطن الذي يحتوي خريطة وجودنا وصفاتنا، إلى الظاهر المطابق تماماً لما في الخريطة المستقرَّة في العُمْق، فأمْضِ بأمْرك ما أنت قاضيهِ علينا، ما أمرك وسلطانُك إلاَّ في هذه الحياة الدنيا، وسيزول عن قريب. ﴿ إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى(73) ﴾واعلم ـ يا فرعون ـ إننا آمنَّا بربنا وخالقنا ومالكنا ومربينا بنعمه؛ ليغفرَ لنا بإيماننا ما سلف من خطايانا، وليغفر لنا أيضاً ما أكْرَهْتَنَا عليه من تعلُّم السحر وعمله، إذ جَلَبْتنا بالقسْر من مختلف المدائن المصريَّة، وَفَرضْتَ علينا أن نعدَّ وسائلنا السحريَّة لمباراة موسى، وأن نمارس كفريَّات وشركيَّات لاستخدام كفرة الجنِّ ومرَدَتهم لمساعدتنا في أعمالنا السحريَّة، وإذا كنت ـ يا فرعون ـ تُطمعنا بخيراتك إذا عُدنا إلى دينك، وتُهدِّدنا بعذابك الشديد الباقي، إذا أصررنا على موقفنا، فعطاء الله خيرٌ من عطائك وأبقى، وعذابه أشدُّ من عذابك وأبقى. ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا(74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ العُلَا(75) ﴾ {طه} إنَّ الشأن العظيم المُرْهب المُخيف: مَنْ يَأْت ربَّهُ كافراً، فإنَّ له بالاستحقاق المؤكَّد الذي لا مفرَّ منه، نارَ جهنَّم، لا يموتُ فيها فيستريح من العذاب، ولا يحيا حياةً مريحة ينتفع بها، بل يكون في عذاب دائم مُتجدِّد مهما امتدَّ الزمن. ومن يأتِ ربَّه بعد موته مؤمناً به، صادقاً في إسلامه، قد عمل الصَّالحات، فأولئك الفضلاء رفيعو المنـزلة لهم الدرجات الرفيعة العليَّة.
__________________
|
#24
|
||||
|
||||
![]() 25-قصَّة موسى في القرآن الكريم بقلم : مجـْـد مكَّي موقف السحرة من تهديد فرعون ووعيده مبارزة موسى السحرة ومبارزة النبي المشركين يوم بدر: يا لها من معركة فاصلة بين الحق والباطل، بين جندي من جنود الرحمن وبين جند الشيطان، يقابل فيها رجل واحد جموعا من السحرة، وطاغوتا عبَّد الناس لنفسه وأرهبهم، وحشوداً من ملئه ووزرائه وجنده ورجال دولته، فتهزم القلة الكثرة، وينتصر الواحد على الجمع؛ لأن الله تعالى معه.. انتصر بإيمانه ويقينه، واعتزازه بالله تعالى، وركونه إليه سبحانه، وتوكله عليه عز وجل . كانت مبارزة موسى عليه السلام للسحرة من أعظم المعارك في التاريخ البشري، وهي في سيرة موسى عليه السلام كغزوة بدر في سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن كلا المعركتين حاسمتان في إحقاق الحق، وكشف الباطل، وقد قال الله تعالى في معركة موسى عليه السلام :﴿فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف:118]، وقال في معركة محمد صلى الله عليه وسلم :﴿وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الحَقَّ وَيُبْطِلَ البَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ ﴾ [الأنفال:8]. وفي معركة موسى كُسر فرعون، ودُحضت حجته، وآمن جنوده من السحرة، وهذا أقوى ما يكون نصرا لموسى عليه السلام. وفي معركة محمد صلى الله عليه وسلم كُسر جيش المشركين، وقتل فرعون هذه الأمة أبو جهل في جماعة من صناديد الشرك؛ ولذا كانت المعركتان فرقاناً بين الحق والباطل. وننتقل إلى ختام المشهد في هذه المباراة الذي تعرضه لنا سورة الشعراء ، وهي بعد سورتي الأعراف وطه نزولاً. ماذا أجاب سحرة فرعون بعد أن هدَّدهم بتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، وصلبهم أمام الشعب المصري مُسمَّرين في جذوع النخل؟ الكون كله يرقب الموقف , الجبال والتلال والأشجار والنجوم والكواكب والبحار والأنهار , جميعها تحبس الأنفاس من رهبة الموقف وشدته , الكل ينتظر ويتساءل: ماذا سيفعل السحرة؟؟ وأغلب الظن أنهم سيتراجعون أو على الأقل سيكتمون إيمانهم في قلوبهم. وهنا يأتي رد السحرة:﴿قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ لمُؤْمِنِينَ(51) ﴾ {الشعراء}.قال السَّحَرة لفرعون: لا ضَرَر علينا فيما يلحقنا من عذاب في الدنيا، لأننا ننقلب ونصير إلى ربِّنا في الآخرة مؤمنين مُؤَمِّلين غفرانه. وقالوا لفرعون: إنا نرجو أن يغفر لنا ربُّنا خطايانا من الشِّرك والسِّحر؛ بسبب أنْ كنا أوَّل المؤمنين من القبْط بما جاء به موسى وهارون عن ربِّ العالمين. قال سحَرة فرعون: ﴿ لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ(50) ﴾ لا ضير إن فقدوا الجاه .. لا ضير إن فقدوا المال .. لا ضير إن فقدوا الأولاد .. لا ضير إن فقدوا الحرية .. لا ضير إن فقدوا أرواحهم .. لا ضير على الدنيا بأسرها إن فقدوها ... ردَّ السحرة بكلمة واحدة، ولكنها كلمة تهتز لها الجبال الراسخة ،وترتج لها الأرض الهامدة , كلمة لو وزنت بالكون كله لوزنته: ﴿ لَا ضَيْرَ ﴾ ولم يمض على إيمانهم سوى دقائق معدودات، ورفضوا الخضوع لسلطان غير سلطان الله . ولكن ما الذى دفع السحرة لقول تلك الكلمة:﴿ لَا ضَيْرَ ﴾؟ إنه إيمانهم الراسخ الثابت الذى لا يتزعزع ولا يهتز كما أنه لا يخضع ولا يخنع.. وهكذا دائماً النفس البشرية حين تستعلي فيها حقيقة الإيمان، تستعلي على قوة الأرض وتستهين ببأس الطغاة، وتنتصر فيها العقيدة وتحتقر الفناء الزائل إلى جوار الخلود المقيم. حينها لا تقف لتسأل: ماذا ستأخذ وماذا ستدع؟ وماذا ستقبض وماذا ستدفع؟ ماذا ستخسر وماذا ستكسب؟ وماذا ستلقى في الطريق من صعاب وأشواك وأهوال وتضحيات؟ لأن الأفق المشرق المضيء بنور الإيمان، أمامها فلا تنظر إلى شيء في الطريق ويقف الطغيان عاجزاً أمام الإيمان وأمام الاطمئنان. يقف الطغيان عاجزاً أمام القلوب التي خيل إليه أنها ملك يمينه.. فإذا هي مستعصية عليه. وماذا يملك الطغيان إذا رغبت القلوب في جوار الله؟ وماذا يملك الجبروت إذا اعتصمت القلوب بالله؟ وماذا يملك السلطان إذا زهدت القلوب فيما يملك السلطان ؟ كيف تغيرت شخصياتهم؟ كيف انقلبت موازينهم؟ كانت هممهم مشدودةً إلى المال: [أئن لنا لأجراً]، وكانت آمالهم منوطة بفرعون:[بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون]. هذا منطقهم قبل أن يؤمنوا … فلما ذاقوا حلاوة الإيمان كان جوابهم على التهديد والوعيد في بساطة ويقين:[لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات]. بعد أن كان همهم الدنيا صار همهم الآخرة:[ليغفر لنا خطايانا]. وبعد أن كانوا يحلفون بعزه فرعون صاروا يقولون:[ والذي فطرنا ]. تغير الاتجاه … تغير المنطق … تغير السلوك … تغيرت الألفاظ … أصبح القوم غير القوم … وما ذلك إلا من صنع الإيمان. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانوا في أول النهار سحرة وفي آخر النهار شهداء بررة. إن هذا الموقف المهيب الذي سطّره هؤلاء الشهداء التائبون بدمائهم.. وسطّره القرآن بأحرفٍ من نور على صفحات الخلود.. يجب أن يكون حافزاً لكل مؤمن على الثبات على الحق حتى الرمق الأخير والصمود في وجه الباطل مهما كلّف الثمن. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار" رواه البخاري
__________________
|
#25
|
||||
|
||||
![]() 26-قصَّة موسى في القرآن الكريم بقلم : مجـْـد مكَّي تحريض أركان القصر الفرعوني على موسى وقومه آمن سحرة فرعون بموسى وكثر أتباعه من بني إسرائيل ،ولكنَّ الملأ من قوم فرعون سَمَّوا إيمان هؤلاء الفتية فساداً، وشكوا ذلك لفرعون: [وَقَالَ المَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ] {الأعراف:127}.وقال جماعةٌ من أشراف قوم فرعون لفرعون: أَتَدَعُ موسى وقومَهُ من بني إسرائيل؛ حتى تكون عاقبة أمرهم الإفساد في أرض «مصر» بتأليب الناس عليك، والانقضاض على حكمك، وَلِينْبذَكَ مُوسى مع آلهتك معزولين، فلا تجدون مطيعين عابدين لكم، ولا أنصاراً ينصرونكم. جاء تحريضهم لفرعون بإثارة انتباهه نحو المؤمنين من بني إسرائيل، وتظهر في هذه الآيات حقيقة بطانة السوء في نقلهم للمعلومات المشوّهة، والأوصاف المثيرة للظالم... وهكذا إذا كان يوصف المؤمنون بالفساد في الأرض فيما مضى، فهم اليوم يوصفون بالإرهاب وتخريب المنجزات والقضاء على مكاسب الثورات. وكانت استجابة فرعون لتحريض وزرائه ومجلس المُسْتشارين:[قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ] {الأعراف:127} قال فرعون لما استثير غضبه: سَنُقَتِّل أبناء بني إسرائيل الذكور، لإيقاف القدرات القتاليَّة لديهم، ونترك مواليدهم من البنات اللواتي سيكون مصيرهنَّ نساءً أحياءً للخدمة والاستمتاع، وإنا فوقهم قاهرون بالغَلَبة والقُدرة عليهم . وقال أركان القصر الفرعوني بعدما بدأ بعض قومِهِ الإسرائيليين يؤمنون به، وبما جاء به عن ربه:[قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ] {غافر:25}أي: أعيدوا قتلَ أبناء الذين آمنوا معه، واستبْقُوا المواليد الإناث على قيد الحياة؛ للخدمة إذا صرن نساء كما فعلتم من قبل؛ ليصدُّوهم بذلك عن متابعة موسى عليه السلام ومظاهرته، خوفاً من أن يؤمن به كلُّ الإسرائيليين، ويمتدُّ إلى المصريين، [وما كيْد الكافرينَ إلا في ضلال]أي: وما تدبير فرعون وقومه وكيدهم الذي يكيدونه لحماية باطلهم إلا مغموساً في أوحال ضلال عن الحقِّ والهدى والرشاد، يُذهب الله كَيْدهم في نهاية الأمر، ويحيق بهم ما يريده الله بهم من ضياع وخسران. وفكَّر فرعون في قتل موسى ليمنع هذا المدَّ الإيماني من الانتشار، وقال لوزرائه ومجلس المُسْتشارين في أواخر دعوة موسى عليه السلام في مصر، وبعد أن أجرى الله له الآيات التسع التي آتاه إيَّاها: [وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ] {غافر:26} اتركوني أقْتل موسى، وَلْيَدعُ موسى ربَّه الذي يزعم أنه أرسله إلينا، فيمنعه منا، وينزل نقمته علينا. وما هو السبب الذي حدا بفرعون للتفكير بقتل موسى عليه السلام؟ السبب في ذلك هو ما قاله الله تعالى عنه:[إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَادَ] {غافر:26}أي: إني أخاف أن يُغَيِّر موسى دينكم الذي أنتم عليه، أو أنْ يُظهِرَ بدعوته وخوارقه في أرض مصر الفساد، بتحريض الشعب على التمرُّد على سلطان القصر الفرعوني. أليست هي بعينها كلمة كل طاغية مفسد في وجه كل داعية مصلح؟ أليست هي بعينها كلمة الباطل الكالح في وجه الحق الجميل؟ أليست هي بعينها كلمة الخداع الخبيث لإثارة الخواطر في وجه الإيمان الهادي؟ إنه منطق واحد يتكرر كلما التقى الحق والباطل، والإيمان والكفر، والصلاح والطغيان، على توالي الزمان، واختلاف المكان. (في ظلال القرآن 5/3078 ).
__________________
|
#26
|
||||
|
||||
![]() 27-قصَّة موسى في القرآن الكريم بقلم : مجـْـد مكَّي أ ـ أما مواقف موسى عليه السلام تجاه المحنة التي تولى كِبْرها فرعون وبطانته، وتجاه قومه المؤمنين، فبعد اجتماع الملأ المحرِّضين لفرعون، قال عليه السلام لقومه: [قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا] {الأعراف:128}. قال موسى لقومه ـ من بني إسرائيل ـ لما شَكَوْا إليه: اطلبوا العَوْن من الله ربِّكم في كلِّ أموركم، فإنَّ الله هو الكافي لكم، واصبروا على ما نالكم من المَكَارِهِ في أنفسكم وأبنائكم؛ لأن الاستعانة بالله تغني المؤمن عن التبعيَّة للبشر، وتصله بالله رب البشر ومدبر الأسباب. واصبروا؛ لأن الصبر هو عدة المؤمنين لاحتمال الشدائد في سبيل الله والاستمساك بحبل الله. [إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ] {الأعراف:128}، إنَّ الأرض كُلَّها مُلكٌ لله الذي خلقها، يُورثها مَنْ يشاءُ من عباده، فيهلك فرعون وقومه، ويُملِّك أرضهم وبلادهم بعد إهلاكهم مَنْ يشاء من عباده، والنَّصر والظَّفَر للمتَّقين على عدوِّهم؛ فالأرض ليست ملكاً لفرعون ولا لغيره، بل هي لله تعالى يتصرف بها كيف يشاء، ويورثها لمن يشاء. والعاقبة دائماً وأبداً للمتقين:[الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ] {الحج:41}. إلا أن قوم موسى من بني إسرائيل ردوا على موسى عليه السلام قائلين: [قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا] {الأعراف:129} فلا فرق بين الحالين، وقد فاتهم أن الفرق كبير بين الإيذاء في الحالين، الأولى: كانت استعباداً واحتقاراً، والثاني: كان في سبيل الدعوة والدين، وشتان بين من يعذَّب ولا يؤجر، وبين من يكون عذابه زيادة له في الأجر والثواب. قال قوم موسى: آذانا فرعون وقومه من القبط قبل أن تأتينا نبياً رسولاً، وما زالوا مِنْ بعد ما جئتنا بالرسالة يؤذوننا، فزادت الشِّدَّة والمشقَّة علينا، فمتى يكون ما وعدتنا به من زوال ما نحن فيه؟ فردَّ موسى عليه السلام على موقفهم قائلاً: [قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ] {الأعراف:129}. أرجو مُتوقِّعاً أن يُهلك ربُّكم فرعونَ وقومَه، وأرجو مُتوقِّعاً أن يستخلفكم الله في الأرض المقدَّسة في فلسطين، فيجعلكم خلفاء ملوكها القائمين، ولكن لا يستخلفكم لمجرَّد تكريمكم بأن يمنحكُم إيَّاها لكونكم من ذُرِّيَّة إبراهيم، إنما يستخلفكم فيها ليبلوَكم في هذا الاستخلاف، فينظر كيف تعملون، فيحاسبكم بحَسَب أعمالكم. قال موسى عليه السلام [عسى] ولم يجزم لئلا يتَّكلوا ويتركوا ما يجب من العمل، أو لئلا يكذبوه لضعف أنفسهم، بما طال عليهم من الذلِّ والاستخذاء لفرعون وقومه، واستعظامهم لملكه وقوته. وهو يرجو أن يهلك الله تعالى عدوهم الذي آذاهم وأن يجعلهم خلفاً، في الأرض التي وعدهم إيَّاها، [فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ] فيما استخلفكم هل تشكرون النعمة أم تكفرون؟ وهل تُصلحون في الأرض أم تفسدون ليجازيكم في الدنيا والآخرة بما تعملون؟ ب ـ وأما موقفه عليه السلام من فرعون وهامان وقارون فهو قد اتخذ الأسباب الكاملة لتربية بني إسرائيل، وإعدادهم للخروج، ثم توجَّه إلى ربه تعالى داعياً وعائذاً وملتجأ: [وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحِسَابِ] {غافر:27} وقال موسى لفرعون وملئه لمَّا تهدَّدوه بالقتل: إني لجأت مستعيذاً بربي وربِّكم لحمايتي وحفظي، واعتمدتُ عليه من شرِّ كلِّ مُسْتكبر عن توحيد الله وطاعته، لا يؤمن بيوم القيامة الذي يكون فيه الحساب من قِبَل ربِّ العباد.
__________________
|
#27
|
||||
|
||||
![]() 28-قصَّة موسى في القرآن الكريم بقلم : مجـْـد مكَّي جـ ـ وأما موقفه عليه السلام من قومه المؤمنين ـ الذريَّة من بني إسرائيل ـفإنه توجَّه إليهم يُربِّيهم على المعاني الإيمانيَّة، ويرفع استعداداتهم النفسيَّة لمواجهة المحنة وتحمل الإيذاء في سبيل الله، وحثهم على التوكل على الله، فالتوكل عليه (عنصر القوة الذي يضاف إلى رصيد القلة الضعيفة فإذا هي أقوى وأثبت). وبهذه التربية العالية استجابت تلك الفئة المؤمنة لموسى عليه السلام حين قال لهم: [وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ] {يونس:84}. وقال موسى للذُّرِّيَّة الذين آمنوا له من بني إسرائيل: يا قومي إنْ كنتم آمنتم بالله إيماناً صحيحاً صادقاً، وأسلمتم له، فعليه وحده تَوَكَّلُوا، ولأمره فسلِّموا، فإنه ناصر أوليائه، ومهلك أعدائه، إنْ كنتم مسلمين، فإنَّ صِدقَ التوكُّل على الله يمدُّكم بالقوة والهمَّة، والصَّبْر والثبات. وساروا على منهجه وتوجيهاته، واستعدوا لتحمل المحنة، وقالوا له: [عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ] {يونس:85} قال قوم موسى مُجيبينَ له: على الله وحده اعتمدنا لا على غيره، وإليه سبحانه فوَّضنا أمرنا، ربَّنا لا تُظْهر علينا القومَ الظالمين، ولا تُسلِّطهم علينا، ولا تُمكِّنهم من فتنتنا في ديننا بإغراءاتهم وتضليلاتهم، وتعذيبهم لنا، فإنَّنا إن فُتنَّا في ديننا صِرْنا وسيلة فتنة للآخرين، إذ يتأثَّرون بِفِتْنَتِنَا عن ديننا فيتابعوننا، فنكون نحن بذلك فتنةً لهم. [وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ القَوْمِ الكَافِرِينَ] {يونس:86}أي: وَخَلِّصنا برحمتك من أيدي قوم فرعون الكافرين؛ الذين يَسْتعبدوننا ويستعملوننا في الأعمال الشَّاقَّة. طلبوا النجاة برحمة الله وليس بعملهم؛ لأن رحمة الله أوسع من الجزاء على مقدار العمل. وبإيمان هؤلاء الشباب بموسى عليه السلام بيان لأهمية الشباب بالنسبة للدعوات فهم حملتها وأنصارها وعمادها وقوتها وسبب انتشارها. كانت هذه المعاني التي ربَّى موسى عليها قومه المؤمنين للثبات أمام المحن والفتن. إنها تربية الذي يعلم أن المحنة تأتي لصقل وتهذيب المؤمنين وتنقيتهم من الشوائب، إن المحنة والفتنة خطوة لابد منها للبناء، إنها أول عمليات البناء الأساسيَّة وبعدها يستقيم الأمر ويتم. هذا وقد صاحب هذا البناء الروحي والنفسي بناء عمليٌّ حين أمر الله تعالى موسى وهارون أن يتبوءا لقومهما بمصر بيوتاً: [وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا] {يونس:87} أي:وَأَوْحَيْنا إلى موسى وأخيه هارون: أن اختارا وهيِّئا لكما ولقومِكما بمصر بيوتاً لعبادتي فيها بالصَّلاة والذكر، واجعلوا بُيوتكم هذه ذات قبلة متَّجهة إلى بيت المقدس، أو مساجد، أو يقابل بعضها بعضاً، وأقيموا الصَّلاة بالمواظبة عليها في أوقاتها، وأدائها على الوجه الشرعيِّ المطلوب. والمراد اجتماعهم قريباً من بعضهم، وإقامة الصلاة. وهم بهذا ينفصلون عن المجتمع الظالم ويتسنى لموسى عليه السلام تنظيمهم استعداداً للرحيل من مصر في الوقت المختار، وتلك هي التعبئة الروحية إلى جوار التعبئة التنظيمية، وهما معاً ضروريتان للأفراد والجماعات وبخاصة قبل المعارك والمشقات. قال ابن كثير رحمه الله تعالى: وكأن هذا -والله أعلم- لما اشتدَّ بهم بلاء فرعون وقومه وضيقوا عليهم، أمروا بكثرة الصلاة، كقوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] {البقرة:153}. وفي الحديث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى ـ رواه أحمد وأبو داود ـ. وهكذا نرى أن هذه المرحلة والتي امتدت حتى هلاك فرعون قد حفلت بكثير من المعاني التربوية والإعداد الروحي والعملي. ثم إن موسى عليه السلام بعد أن اتَّخذ كل الخطوات في تربية المؤمنين وفي دعوة فرعون وملئه، وما رأى منهم من نكران وكفر وإصرار واستكبار توجَّه إلى الله بهذا الدعاء: [وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا العَذَابَ الأَلِيمَ] {يونس:88} وقال موسى: ربَّنا إنَّك آتيْتَ فرعونَ ووزراءَه ومستشاريه وأعيان مملكته، المناصرين له، والمؤيِّدين لجبروته من زخرف الدنيا ومباهجها وحُليِّها زينةً يتزيَّنون بها، وأموالاً من الذهب والفضة والجواهر يكنزونها في الحياة الدنيا التي تبتلي فيها عبادك، ربَّنا لقد امتحنتهم وأمْهلتهم إمْهالاً طويلاً؛ لتكشف لهم ولغيرهم أنَّ إرادتهم الحرَّة التي منحتهم إيَّاها لاختبارهم لا تعزم إلا على أن يُضلوا عن سبيلك، وصار صلاحهم وإيمانهم أمراً ميْؤوساً منه، ربَّنا اطْمس على أموالهم بالمحو والإزالة، وغيِّرها عن هيئتها، فلا ينتفعوا بها. والطمس محو الآثار حتى لا ترى أو لا تعرف، والمعنى: حتى يعدموا الانتفاع بها، سواء بالمحق بالآفات، أو الإنقاص من المكاسب والثمرات، أو بأي وسيلة تحقق عدم انتفاعهم بها واستعمالها في الضلال والاختلال. {وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} بالطبع عليها، وزيادة قسوتها، أو شدَّ على قلوبهم بالمكاره والمؤْلمات المُوجعاتِ؛ لإِلانَتِها للحقِّ، فلن يُؤمنوا إلى أن يَرَوْا بأعينهم مُقدِّمات العذاب الشديد المُؤْلم { فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا العَذَابَ الأَلِيمَ }. قال ابن كثير: وهذه الدعوة من موسى عليه السلام غضباً لله ولدينه على فرعون وملئه الذين تبيَّن له أنه لا خير فيهم، ولا يجيء منهم شيء، كما دعا نوح عليه السلام فقال: [وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا] {نوح:27}. وكأن أن استجاب الله تعالى دعاء موسى وهارون عليهما السلام قال تعالى: [قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا] {يونس:89}. قال الله تعالى لموسى وهارون: قد أُجيبتْ دعوتُكُما في فرعون وأشراف قومه، وأموالهم، فَسَنُعذِّبهم ونُهلكهم مع جنودهم، وإذا أجيبت الدعوة نفذت، وما على النبيين واتباعهما إلا الاستقامة على أمر الله، وعلى ما هم عليه من دعوة فرعون وقومه إلى الحق، ومن إعداد بني إسرائيل للخروج من مصر. أي :فاسْتقيما في سُلوككما وفي قيادتكما لبني إسرائيل على صراط ربِّكما، وامْضِيا لأمري إلى أن يأتيَهم العذاب. [وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ] {يونس:89} أي: ولا تَسْلُكَا طريقَ الجَهَلة الذين لا يعلمون صراطَ الحقِّ من قومكما بني إسرائيل الذين لا يعلمون سنَّتي في خلقي، وإنجاز وعدي لرسلي، فتستعجلا الأمر قبل أوانه وتستبطئا وقوعه في إبانه.
__________________
|
#28
|
||||
|
||||
![]() 29-قصَّة موسى في القرآن الكريم بقلم : مجـْـد مكَّي من فوائد قصة موسى عليه السلام: تضمَّنت قصَّة موسى عليه السلام في القرآن الكريم في أحداثها المختلفة ووقائعها المتعددة جملة من الدروس والعبر والعظات، نذكر بعضها فيما يلي: 1. في جوٍّ مليء بالظلم والاستعباد، يريد الله تعالى إنفاذ أمره وإرادته للمستضعفين، بأن يجعلهم قادةً وأئمة، وأن يورثهم الأرض ويمكِّن لهم فيها. فحريٌّ بنا أن نتأمّل خفيّ لطف الله تعالى بعباده. 2. أمُّ موسى عليه السلام مثال رائع في التوكل على الله تعالى، إذ استوفت كلَّ الأسباب، وفوَّضت الأمرَ لله، واستسلمت لحكمته وإرادته. 3-أن الله سبحانه إذا أراد أمراً هيَّأ أسبابه، ويسَّر له وسائله، وأن رعايته إذا أحاطت بعبد من عباده صانته من كل أعدائه، مهما بلغ مكر هؤلاء الأعداء وبطشهم. فرعاية الله لموسى جعلته يعيش بين قوى الشر والطغيان آمناً مطمئناً. 4. إذا بلغ الفتى قوة البدن والجسم واعتدل العقل، آتاه الله العلم والعزم والإقبال على الخير: [وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا]. 5. من كان في محبة الله وكنفه فمن ذا يملك أن يمسَّه بسوء؟!: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي}. 6. الإنسان يجزع عند المصيبة لولا أن يتداركه لطف الله، فيربط على قلبه بالإيمان والصبر: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}. 7-قصة موسى عليه السلام -وكذلك قصص غيره من الأنبياء- تدعو كل مسلم في كل زمان ومكان إلى المداومة على ذكر الله تعالى في كل موطن بقوة لا ضعف معها، وبعزيمة لا فتور فيها. 8-أن الأخيار من الناس هم الذين في شتى مراحل حياتهم يقفون إلى جانب المظلوم بالتأييد والعون، ويقفون في وجه الظالم حتى ينتهي عن ظلمه، وينهضون لمساعدة كل محتاج، وهم الذين يقفون إلى جانب الحق والعدل ومكارم الأخلاق في كل المواطن، وأمام جميع الأحداث. 9- شاء الله الحكيم الخبير نقل موسى عليه السلام من حياة القصور وما فيها إلى حياة الرعي، لتستكمل نفس موسى عليه السلام التجارب والأحاسيس لمعرفة مستويات الناس وأحوالهم، وليكون ذلك عوناً له على أداء رسالته. 10- لم يخَيِّب الله رجاء موسى حين قال: {إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى}، فلقد وجد الهادي، وعاد بالضياء: نور النبوَّة والرسالة. 11. الرسالة والنبوة منّة كبرى، وهي لا تكون اكتساباً، بل هبة من الله تعالى: [ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى]. 12. خلاصة رسالة موسى عليه السلام: الاعتقاد بالوحدانيَّة، والتوجُّه إلى الله تعالى بالعبادة، والإيمان بالساعة والمعاد: [ إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي]. 13. إن بني إسرائيل حين استمرؤوا الذلَّ والعبوديّة، أصبحوا لا يعرفون معنى للحياة بدونه! لذلك أرسل الله إليهم موسى عليه السلام لإعادة بناء الأمة، ولإنشائها من جديد على أساس الإيمان. 14. القول اللين في الدعوة مطلوب، وهو لا يعني المداهنة ولا النفاق، ولكنه أسلوب العرض لهذه الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، إضافة إلى اللفظ الجميل والعبارة الواضحة. 15- أن على الدعاة إلى الله أن يعتمدوا في دعوتهم أسلوب اللين والملاطفة، وأن يتجنَّبوا أسلوب الشدة والغلظة؛ فإن الله سبحانه أمر موسى -وهو من صفوة الله في خلقه- ألا يخاطب فرعون -وهو سيد العتاة والطغاة- إلا بالملاطفة واللين. 16-أن الباطل قد يسحر عيون الناس ببريقه لفترة من الوقت، وقد يسترهب قلوبهم لساعة من الزمان، حتى ليخيَّل إلى الكثيرين الغافلين أنه غالب وجارف، ولكن ما إن يواجهه الحق الهادئ الثابت المستقر بقوته التي لا تُغَالب، حتى يزهق ويزول، وينطفئ كشعلة الهشيم، وإذا بأتباع هذا الباطل يصيبهم الذل والصَّغار، والضعف والهوان، وهم يرون صروحهم تتهاوى، وآمالهم تتداعى، أمام نور الحق المبين. 17-أن الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب ضحَّى الإنسان في سبيله بكل شيء، وأثر الإيمان عندما تخالط بشاشته القلوب الواعية يصنع المعجزات؛ فقد قال سحرة آل فرعون لفرعون عندما تبيَّن لهم الحق الذي جاء به موسى: [لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض]} طه:72}. قال الزمخشري: "سبحان الله ما أعجب أمرهم! قد ألقوا حبالهم وعصيَّهم للكفر والجحود، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود، فما أعظم الفرق بين الإلقاءين!".
__________________
|
#29
|
||||
|
||||
![]() 30-قصَّة موسى في القرآن الكريم بقلم : مجـْـد مكَّي تضمَّنت قصَّة موسى عليه السلام في القرآن الكريم في أحداثها المختلفة ووقائعها المتعددة جملة من الدروس والعبر والعظات، وكنت ذكرت 17 عبرة من قصة موسى، وأتابع ذكر بعض هذه العبر في هذه الحلقة الأخيرة من قصة موسى التي عشنا نستلهم عبرها ودروسها في هذا الشهر المبارك: 18 - أن موقف الدعاة إلى الحق في كل العهود أنهم لا يلقون بالاً لتهديد الظالمين، ولا يقيمون وزناً لوعيد المعاندين، بل يمضون في الطريق غير هيَّابين ولا وجلين، مستعينين بالله رب العالمين، ومسلِّمين قيادهم لأمره وقدره ومشيئته:[والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون]{يوسف:21}. 19-أن الاعتصام بحبل الله المتين يجعل المستمسك به لا يبالي بوعيد الظالمين، ولا يخشى تهديد المتوعدين، ولا يتراجع أمام التهديد والوعيد عن تبليغ رسالة ربه. 20-أن باب التوبة والمغفرة مفتوح لمن رجع عن غيِّه، وعمل عملاً صالحاً يُرضي ربه، وواظب على طاعة خالقه، وداوم على نهج الاستقامة والرشاد. 21-أن الدعاة إلى الحق يحتاجون في مقاومتهم لأهل الباطل إلى إيمان عميق، واعتماد على الله وثيق، وثبات يُزيل المخاوف، ويطمئن القلوب إلى حسن العاقبة. 22-أن منطق حاشية السوء على مرِّ العصور أنهم يرون الدعوة إلى الله إفساداً في الأرض؛ لأنها ستأتي على بنيانهم من القواعد؛ ولأنها هي الدعوة التي ستحرر الناس من ظلمهم وجبروتهم، وتفتح العيون على النور الذي يخشاه الظالمون، ويتحاشاه الطاغون. 24. الظلم والطغيان لا يخشى شيئاً كما يخشى يقظة الشعوب، وصحوة القلوب، ولا يكره أحداً كما يكره الداعين إلى الوعي واليقظة. 25-منطق الطغاة في كل العهود أنهم يلجؤون إلى قوتهم الماديَّة؛ ليحموا عروشهم وشهواتهم وسلطانهم، ففي سبيل هذه الأمور كل شيء عندهم مباح ومستباح. وشأنهم في كل عصر ومصر أنهم عندما يرون الحق قد أخذ يحاصرهم، ويكشف عن ضلالهم وكذبهم، يرمون أهله -زوراً وبهتاناً- بكل نقيصة ووضيعة :[إن هؤلاء لشرذمة قليلون]} الشعراء:54}. 26-أن الطغاة والظلمة في كل زمان ومكان يضربون الحق بكل سلاح من أسلحتهم الباطلة، ثم يزعمون بعد ذلك أمام العامة والبسطاء المغلوبين على أمرهم، أنهم ما فعلوا ذلك إلا من أجل الحرص على مصالحهم! 27-أن الطغاة والجبابرة حين يدفعهم الحق، ويطاردهم الدليل الساطع، تأخذهم العزة بالإثم، فيأبون الرجوع إلى الحق. وأن الطغيان في كل عصر ومصر لا يعجبه منطق الحق والعدل، ولكن يعجبه التكبُّر في الأرض بغير الحق، وإيثار الغي على الرشد. 28- أن من عادة الطغاة أن يستخفوا بأتباعهم، ومن عادة الأتباع أن يطيعوا سادتهم وكبراءهم، ويتابعوهم على باطلهم وما يزينون لهم من الأعمال :[قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد]} غافر:29}، [فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين]} الزخرف:54}. 29-أن مما يعين المؤمنين على النصر والفلاح أن يعتزلوا أهل الكفر والفسوق والعصيان، إذا لم تنفع معه النصيحة، وأن يستعينوا على بلوغ غايتهم بالصبر والصلاة، وأن يقيموا حياتهم فيما بينهم على المحبة الصادقة، وعلى الأخوة الخالصة، وأن يجعلوا توكلهم عليه وحده سبحانه، فإنهسبحانه [نِعْمَ المولى ونعم النصير]. 30- أن من علامات الإيمان الصادق أن يكون الإنسان غيوراً على دين الله، ومن مظاهر هذه الغيرة :أن يتمنى زوال النعمة من أيدي المصرِّين على الكفر بأنعم الله؛ لأن وجود النعم بين أيديهم سبب في إيذاء المؤمنين، وإدخال القلق والحيرة على نفوس بعضهم.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |