|
رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() تحقيق ما ورد من آثار فيما جاء في العتق من النار في رمضان محمود بن أحمد أبو مسلّم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الناس والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فبركة شهر رمضان وفضله لا يعلم قدرهما إلا الله سبحانه وتعالى، ولا شك أنه قد وردت بعض الآثار من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لله عتقاء من النار في كل ليلة من رمضان أو عند الفطر. فلما نظرت في أسانيدها رأيت أنه وجب التنويه على أنها كلها لا تخلو من مقال حقيقة؛ ولكن هل هذا ينفي مطلقًا مسألة أن لله عتقاء من النار في رمضان، أو غيره؟ هذا ما يجيب عنه هذا المبحث، وهو ينقسم إلى قسمين: الأول: جمع وتحقيق ما ورد من أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصوص العتق من النار في رمضان. الثاني: نعلق فيه على مسألة العتق عمومًا. وبالله التوفيق. القسم الأول: ما جاء من آثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: 1- حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه رواه الترمذي في سننه 682 وابن ماجه 1642 وابن خزيمة في صحيحه 1774. قال الترمذي: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاش، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَاب، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَاب، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلكَ كُل لَيْلَةٍ". التحقيق: هذا الحديث أصله في الصحيحين وغيرهما من رواية أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بلفظ "إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ" ولم يزد أحد ممن روى هذا الحديث عن أبي هريرة على هذا اللفظ إلا ما جاء عند الإمام أحمد عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا، فَقَدْ حُرِمَ" وإسناده صحيح. ولم يذكر فيه أيضًا العتق ونداء المنادي. وطريق الصحيح المشهور لهذا الحديث هو أبو سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، وهو إسناد الإمام مالك في الموطأ بالطبع؛ لأن أبو سهيل هو عمه. وأبو بكر بن عياش ثقة صدوق، أخرج له البخاري والأربعة، ومسلم في المقدمة، لكن ما لا خلاف في تفصيل روايته أنه قد اختلط في آخره، كذا جزم البخاري وغيره، وقال ابن حجر في مقدمة الفتح: لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح؛ لذا لعل هذا مما حدث به من حفظه رحمه الله فاختلط عليه. ومن الصعب، وهذه حاله، الأخذ بما انفرد به، وزاد فيه عن غيره. لذلك هذه الرواية عندي ضعيفة، شاذة. لكن هل انفرد أبو بكر عن الأعمش بهذه الرواية؟ فوجدت تفصيلًا جيدًا للرواية عند الدارقطني في علله 1956 وفيها: وَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجِنَانِ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبَلَ... " الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: "وَللَّهِ عُتَقَاء فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنَ النَّارِ". فَقَالَ: يَرْوِيهِ الْأَعْمَشُ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ، فَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، وَقُطْبَةُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ[1]. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ: عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ، وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، وَعِنْدَهُ أَيْضًا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْمَحْفُوظُ: حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ انتهى. قلت: هذا اضطراب في الإسناد شديد، وستأتي رواية جابر رضي الله عنه، ورجح الدارقطني رواية أبي صالح عن أبي هريرة، ويقصد رواية أبي بكر عند الترمذي التي نحن بصددها. إلى أن جاء طبيب العلل، الإمام البخاري، ونقل عنه الترمذي فائدة جليلة لهذا الحديث، فقال في السنن بعد حديث 683 قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ مِثْل رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَن الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: وَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيل عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَن الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ" فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ مُحَمَّدٌ (يعني البخاري): وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ؛ انتهى. وهذه فائدة عظيمة وقطع لطريق طويل من التحقيق والترجيح، ولا أدري من صحح أو حسن هذه الرواية كيف لم ينظر إلى نقل الترمذي هذا عن البخاري وتعليله لها بعلة بالفعل خفيت عن الكثير من المحققين؛ بل خفيت عن الدارقطني نفسه فلم يذكرها، مع شدة تحرِّيه، في علله. لذلك أظن أن هذه العلة تنهي الكلام عن هذه الرواية، وأن المرفوع منها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم يصح، وأن الصحيح فيها أنها من قول مجاهد فقط. أضف إلى ذلك أن قول الترمذي: "حديث غريب" يدل على ضعف الرواية عنده. 2- رواية جابر رضي الله عنه، قال ابن ماجه 1643: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ". وهذا إسناد غريب جدًّا، وهو عين إسناد رواية أبي هريرة، ولعله من سوء حفظ أبي بكر في كبره، والله أعلم. وأخرجها البزار كما في كشف الأستار 3139 من طريق: أبي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ، ثم قال بعدها: حَدِيثُ أَبِي إِسْحَاقَ هَذَا، لا نَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا؛ انتهى. يعني رجعنا إلى رواية أبي هريرة الأولى، وقد سبق الكلام فيها. 3- رواية أبي أمامة، صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه: قال الإمام أحمد في مسنده 22202: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ حُسَيْنٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ لِلَّهِ عزَّ وجلَّ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ". حَدَّثَنَا عَبْداللَّهِ (يعني ابن الإمام أحمد)، قَالَ: سَمِعْت أَبِي، يَقُولُ: حُسَيْنٌ الْخُرَاسَانِيُّ هَذَا هُوَ حُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ؛ انتهى. التحقيق: هذا الحديث حسنه بعض أهل العلم من المعاصرين، وقال البيهقي في الشعب 3605: "وَهَذَا غَرِيبٌ فِي رِوَايَةِ الأَكَابِرِ، عَنِ الأَصَاغِرِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الأَعْمَشِ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ". قلت: والحديث لا يروى إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبدالله بن نمير، كما قال ابن عدي في الكامل 3/398، وإشكال الإسناد في أبي غالب الراوي عن أبي أمامة، ضعفه النسائي، وقال أبو حاتم الرازي ليس بالقوي، ووثقه الدارقطني، وقال ابن معين: صالح الحديث، وقال الحافظ في تقريبه: صدوق يخطئ، ومن ينظر في حديث أبي غالب عن أبي أمامة يجده غريبًا؛ لذلك قال أبو حاتم بن حبان البستي فيه: "منكر الحديث على قلته، لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما يوافق الثقات"؛ ولذلك لم يخرج له البخاري ولا مسلم ولا النسائي، إنما أخرج له البخاري في الأدب المفرد من رواية حماد بن سلمة عنه حديثًا واحدًا، له شواهد صحيحة، وكأن البخاري انتقاه كعادته، أما حسين بن واقد الراوي عنه فهو أيضًا ليس بالحافظ، وقال الحافظ في التقريب: ثقة، له أوهام، ولعله صدوق فقط. فمثل هذا التفرد من حسين بن واقد عن أبي غالب لا بد أن يستغربه المحقق، فإطلاق التحسين فيه عسير فضلًا عن الصحة، وشواهده أضعف منه. 4- حديث أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه، وتقدم طريق منه في حديث أبي هريرة السابق، وهناك طريق آخر له أخرجه الطبراني في الأوسط 6401 قال: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، ثَنَا أَبِي، ثَنَا زُهَيْرٌ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، أَنَّ أَبَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ مِنَ النَّارِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَلِكُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ". التحقيق: وفي الإسناد أبان بن أبي عياش وهو متروك الحديث، والمتن أيضًا مختلف، فجعل العتق في كل يوم وليلة، وأخرجه في كشف الأستار 959 وابن شاهين في فضائل رمضان 10 بنفس الإسناد بلفظ "إِنَّ لِلَّهِ عزَّ وجلَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ عُتَقَاءَ مِنَ النَّارِ، وَلِكُلِّ مُسْلِمٍ وَمَسْلَمَةٍ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ". فالحديث لا يصح[2]. 5- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، رواه الطبراني في معجمه الصغير من طريق عَبْداللَّهِ بْن خِرَاشٍ، عَنْ وَاسِطِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عُتَقَاءَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ إِلا رَجُلًا أَفْطَرَ عَلَى خَمْرٍ"، قال الطبراني: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ قَتَادَةَ، إِلا وَاسِطٌ؛ انتهى. التحقيق: قلت: وعبدالله بن خراش منكر الحديث، بل كُذِّب. وواسط بن الحارث تفرد به عن قتادة، وقال ابن عدي: "عامة أحاديثه لا يُتابع عليها". فالحديث لا يصح. 6- حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه: قال عبدالرزاق في مصنفه 7385 عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: أَحْسَبُهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا دَخَلَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجِنَانِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ الشَّهْرَ كُلَّهُ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ الشَّهْرَ كُلَّهُ، وَغُلَّتْ مَرَدَةُ الْجِنِّ، ثُمَّ يَكُونُ لِلَّهِ عُتَقَاءُ يَعْتِقُهُمْ مِنَ النَّارِ، عِنْدَ وَقْتِكُلِّ فِطْرٍ، عَبِيدٌ وَإِمَاءٌ". التحقيق: فيه أبان ابن أبي عياش، متروك، وخولف في متنه أيضًا بما أخرجه الذهبي في السير في ترجمة: الغازي الإمام الثقة الحافظ، أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّد بْن إبراهيم بْن شعيب الجرجاني الغازي، من طريق الْحَكَم بْن بَشِيرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ رَمَضَانُ تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ جَمِيعًا، وَتُغْلَقُ أَبْوَابُ النَّارِ كُلُّهَا، وَتُغَلُّ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ"، لم يذكر فيه العتقاء، وإسناده أصح، فجعفر هو ابن أبي المغيرة الخزاعي، قال في التقريب: صدوق يهم، فهو أحسن حالًا من أبان ولا شك. 7- أما حديث "وَهُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ" فلا يصح له طريق، والعجيب من ابن خزيمة أن أخرجه في صحيحه 1778 وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف باتفاق، لا يحسن حديثه إلا بمتابعة الثقات، وله طريق آخر عن أبي هريرة، فيه متروك؛ وهو مسلمة بن الصلت، أخرجه ابن عدي في كامله 4/325. 8- حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: قال الطبراني في الأوسط 8139: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، نا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ الْجَحْدَرِيُّ، نا ابْنُ لَهِيعَةَ، نا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجِنَانِ كُلُّهَا، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ، وَسُلْسِلَتْ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ عِنْدَ وَقْتِ كُلِّ فِطْرٍ، يَعْتِقُهُمْ مِنَ النَّارِ". قال الطبراني: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، إلا يُونُسُ، تَفَرَّدَ بِهِ: ابْنُ لَهِيعَةَ، وَرَوَاهُ النَّاسُ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَنَسٍ[3]، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ انتهى. قلت: يقصد الطبراني أن الصحيح أن هذا الحديث رواه الثقات بخلاف ذلك، لترجع الرواية إلى حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما بلفظ "إذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ"، وابن لهيعة ضعيف، لا يحتج به، وتفرده أشد ضعفًا. 9- أما الأحاديث التي ورد فيها ذكر عدد العتقاء في كل ليلة، فهذه كلها مكذوبة موضوعة، وأعرضنا عن ذكرها وذكر مثلها، ولتراجع في كتب الموضوعات. القسم الثاني: التعليق على مسألة العتق من النار: • وهذه من مسائل الإيمان، وخلاصتها أن الله عز وجل يفعل ما شاء، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، يعتق ويعذب، له وعده ووعيده سبحانه، علمنا أسباب ذلك ووقته أو لم نعلم، فنحن لا ننفي، وحاشا لله، أن يعتق الله عز وجل عبدًا مؤمنًا من النار في أي وقت شاء سبحانه، أما الإثبات، فلا نثبت له وقتًا إلا بدليل صحيح من كتاب أو سنة، حتى لا نقول على الله ما لا علم لنا به ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]، وقال سبحانه: ﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 28]. وما سبق من آثار عن العتق في رمضان، فيه من المقال ما فيه، ومن أهل العلم من حسن بعض ما ذكرنا أو صححه، وإن كنا نختلف معه، لكن يبقى التساؤل: مع كل هذه الآثار وغيرها مما ورد في العتق في غير رمضان، أليس من الرجاء أن يطمع المؤمن أن يعتقه ربه من النار؟! والجواب قطعًا نعم، إذ قال ربنا: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]، وقال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 16]، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوَّذ من النار بقوله: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ النَّارِ"، وقال عليه الصلاة والسلام: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ". فهذا رجاء المؤمن الأول والأخير، وهذا الطمع النهائي الذي ليس بعده طمع، أن يصرف الله عنا عذاب النار. والعتق ضد الحرية، فالعتيق يكون أصلًا أسيرًا أو رقيقًا، وإلا ما سُمي عتيقًا، فكأن الإنسان مرتهن بالنار في الآخرة لمعاصيه وكفره؛ لذلك لا يلزم من معنى العتق عدم دخول النار أصلًا أو التعذيب بها كما سنبين إن شاء الله. وأما قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ﴾ [مريم: 71]، فهذا قسم من ربنا واجب أن الكل سيرد النار، المؤمن والكافر، فيمر عليها المؤمن، كما جاء في أحاديث الصراط، ويمكث فيها الكافر، وهذا اختيار ابن جرير الطبري وابن كثير، وهو الصحيح إن شاء الله، وربما عُذِّب المؤمن بها بسبب معصيته، لكن لا بد للجميع أن يرى النار، وشدتها وهولها، ليعلم المؤمن ما أنجاه الله منه فيعرف فضل ربه عليه، ويدرك صدق وعيده، وحتى لو كان للمؤمن من الفضل أن يعتق من النار، فلا بد أن يردها، كما قال صلى الله عليه وسلم: "لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَيَلِجَ النَّارَ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ"، والقسم هو قسم ربنا ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا ﴾، فهذه واو القسم، وعند الورود ربما يمس المؤمن شيء منها بسبب معصية، وربما ينجو فلا يصيبه منها أذى، كما قال في الآية بعدها سبحانه: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 72]. وسيأتي معنا إن شاء الله بعد قليل في بيان أصحِّ ما ورد في باب العتق من النار ما يبين هذا المعنى أيضًا، وأن العتق ربما يكون بعد الدخول والمكوث فيها أيضًا – نسأل الله السلامة – وليس العتق معناه عدم دخول النار أو التعذيب بها مطلقًا كما أسلفنا. فههنا ثلاثة أحوال: أ- ورود النار، والعرض عليها، والمرور ورؤيتها رأي العين، وهذا للجميع لازم، المؤمن والكافر. ب- ورود النار ودخولها والمكوث فيها، وهذا للكافر. ج- ورود النار والمكوث فيها يسيرًا للمؤمنين العصاة، أو يعبر من عليها فتصيب منه النار شيئًا، كما أخرجوا في الصحيح في حديث أبي سعيد الخُدْري في وصف رسول الله للجسر فوق جهنم وعبور المؤمنين عليه "فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ". وسيأتي معنا هذا بعد قليل. تكملة لما ورد من أحاديث في العتق من النار غير أحاديث الفطر في رمضان وبيان ما فيها من نقد: • ولقد جاء في سنن الترمذي 241 عن أَبي قُتَيْبَةَ سَلْم بْن قُتَيْبَةَ، عَنْ طُعْمَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى، كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ". لكن أعلَّه الترمذي بالوقف فقال بعده: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ، عَنْ أَنَسٍ مَوْقُوفًا، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ إِلَّا مَا رَوَى سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ طُعْمَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ الْبَجَلِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَوْلَهُ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ خَالِدِ بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ الْبَجَلِيِّ، عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ[4]، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا، وَهَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، وَعُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ لَمْ يُدْرِكْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ؛ انتهى. وهو وإن كان موقوفًا فلا يقوله أنس رضي الله عنه من قبل نفسه، كما هو معلوم، فلعله سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم. • كذلك هناك ما أخرجه الترمذي والنسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَلا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَنَارُ جَهَنَّمَ". رواه الترمذي 2311 عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مرفوعًا، ومثله النسائي لكن النسائي أخرجه موقوفًا أيضًا من طريق مِسْعَر، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: "لَا يَبْكِي أَحَدٌ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، فَتَطْعَمَهُ النَّارُ حَتَّى يُرَدَّ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَلَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي مَنْخَرَيْ مُسْلِمٍ أَبَدًا"، ورجح الموقوف أيضًا الدارقطني في العلل 1606. قلت: ولعل الموقوفَ أصحُّ، والله أعلم، فالمسعودي اختلط في آخر عمره وتمييز حديثه صعب، إلا في حديثه عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، والله أعلم. • وأخرج أصحاب السنن أيضًا عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا، حَرُمَ عَلَى النَّارِ". وهو إسناد لا بأس به، يعكر عليه ما أشار إليه البخاري في تاريخه الكبير 6/345، إذ استوعب طرقه في تسلسل بديع، أن الصحيح في إسناده ومتنه الذي ذكره: وَقَالَ آدَم: نا شُعْبَة، سَمِعَ النعمان بْن سالم، سَمِعَ عَمْرو بْن أوس الثَّقَفِيّ، عَنْ عَنْبسة بْن أَبِي سُفْيَان، عَنْ أم حبيبة، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "ما من عَبْد يصلي اثنتي عشرة ركعة تطوعًا غير الفريضة إلا بنِي لَهُ بيت فِي الجنة"؛ انتهى. قلت: وهو الإسناد والمتن اللذان اعتمدهما مسلم في صحيحه 730، فكأن بعض الرواة رواه بفهمه، أعني في رواية الترمذي، والله أعلم. • كذلك هناك حديث أخرجه الترمذي 2488 عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْأَوْدِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ؟ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍهَيِّنٍ سَهْلٍ"، وقَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، ولم يصححه بسبب عبدالله بن عمرو الأودي، وهو أقرب إلى الجهالة، وحديثه هذا لم أجد أحدًا يتابعه عليه، وهذا أحسن أسانيده، له أسانيد أخرى عن جابر وأبي هريرة وغيرهما لكنها تالفة. • أصح ما ورد من آثار في العتق من النار: والآن نورد ما صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في باب العتق من النار تتمة للفائدة: 1- العتق يوم القيامة: فمنها حديث أبي سعيد الخُدْري في الصحيحين وهو حديث طويل أوله: "قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟، قَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا.." الحديث، وفيه "ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ، فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْجَسْرُ؟ قَالَ: مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ تَكُونُ بِنَجْدٍ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا، فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ، قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ، وَإِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِي إِخْوَانِهِمْ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، وَيُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ، فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي، فَاقْرَءُوا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا ﴾ [النساء: 40]، فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ، فَيَقُولُ الْجَبَّارُ: بَقِيَتْ شَفَاعَتِي، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدِ امْتُحِشُوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الْجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ قَدْ رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ وَإِلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ، فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ، وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ، فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِيمُ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلَهُ مَعَهُ". لفظ البخاري 7440، وهذا يكون في الآخرة، وهي شفاعة المؤمنين في إخوانهم ثم شفاعة الله في هؤلاء، وفي ذلك دلالة على أن العتق يكون بعد الدخول والمكوث في النار كما قدمنا. 2- ومن اتقى الله في تربية البنات: كذلك في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ" لفظ البخاري 5995، وفيه أن الإحسان في تربية البنات والصبر عليهن وتوجيههن والرفق بهن يكون ذلك سببًا للنجاة من النار. فائدة: ومن الإحسان لهن أيضًا إذا ردت الفتاة إلى بيت أبيها لترَمُّل أو طلاق، كما ورد في الأدب المفرد للبخاري 80 أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِسُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ: "أَلا أَدُلُّكَ عَلَى أَعْظَمِ الصَّدَقَةِ، أَوْ مِنْ أَعْظَمِ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ابْنَتُكَ مَرْدُودَةٌ إِلَيْكَ، لَيْسَ لَهَا كَاسِبٌ غَيْرُكَ". يعني ليس لها ملجأ ومصدر رزق سواك. وإسناده حسن أو صحيح. 3- من مات له ولد: وفي الصحيحين أيضًا عن أبي سعيد وغيره "أَنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: اجْعَلْ لَنَا يَوْمًا، فَوَعَظَهُنَّ، وَقَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَ لَهَا ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ كَانُوا حِجَابًا مِنَ النَّارِ، قَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَانِ، قَالَ: وَاثْنَانِ"؛ لفظ البخاري 1250، وفي رواية أبي هريرة "لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ"؛ أي: لم يبلغوا. وفي رواية الأدب المفرد للبخاري 146 عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَاحْتَسَبَهُمْ دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاثْنَانِ؟ قَالَ: وَاثْنَانِ"، قُلْتُ لِجَابِرٍ: وَاللَّهِ، أَرَى لَوْ قُلْتُمْ وَوَاحِدٌ لَقَالَ، قَالَ: وَأَنَا أَظُنُّهُ وَاللَّهِ. 4- فضل صلاتي العصر والفجر: وعند مسلم وأبي داود والنسائي عن عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ، قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ، قَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْهُ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: نَعَمْ، كُلُّ ذَلِكَ، يَقُولُ: سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذَلِكَ". لفظ أبي داود 427. 5- يوم عرفة: وفي صحيح مسلم 1351 عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: قَالَت عَائِشَةُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ". وهذا لمن تقبل الله منه في هذا اليوم، والله أعلم. 6- عتق الرقاب المؤمنة: وفي الصحيحين وغيرهما قَالَ لِي أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ"؛ لفظ البخاري 2517. وبعد، هذا ما تيسر لي جمعه مما صح في أسباب العتق من النار من السنة، أخرجنا منها من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة من أصحابه، فهذه خصوصية لا يشترك معهم أحد فيها؛ كشهوده للعشرة، وكحديث الترمذي، وقال: حسن صحيح عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ"، وله طريق آخر عند ابن ماجه 4281 عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ، عَنْ حَفْصَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لَأَرْجُو أَلَّا يَدْخُلَ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَحَدٌ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ"، قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَلَيْسَ اللَّهُ عز وجل يَقُولُ: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾ [مريم: 71]؟ قَالَ: فَسَمِعَتْهُ يَقُولُ: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 72]. هذا، ونسأل الله عز وجل لنا ولكم العتق من النار، والنجاة منها، ونعوذ بوجهه تعالى من كرب العرض عليها.. آمين. وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، والحمد لله ربِّ العالمين. [1] الشك من الأعمش كما في رواية مسند الإمام أحمد قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ هُوَ شَكَّ، يعني الأعمش، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ". [2] له طرق أخرى تعود إلى طريق أبي هريرة الأول، فكأن بعض الرواة اختلط عليهم الإسناد والمتن. [3] كذا في المطبوع، والصحيح الزُّهْري عن ابن أبي أنس عن أبيه عن أبي هريرة، كما رواه البخاري 1899، ومسلم 1080. [4] أخرجه ابن ماجه 798.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |