فقدت طعم الحياة وملأ اليأس حياتي

[ابوالوليد المسلم]

فقدت طعم الحياة وملأ اليأس حياتي


أ. عائشة الحكمي





السؤال



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.




أنا فتاةٌ جامعيةٌ، حصل بيني وبين أبي مشكلةٌ ظُلِمْتُ فيها، وتدريجيًّا فقدتُ طعم الحياة، حتى وصلتُ لمرحلةٍ مِن المَلَلِ والكآبة والإحباط!




أشعُر بفَقْد الإحساس بمُتْعَة الحياة والتقدُّم، لا أستطيع فِعْل شيءٍ مميز مثل المتميِّزين: محمد العوضي، وعبدالكريم بكار، فلا أملك حِفْظَهم العميق، وربطهم للمعلومات، وتركيزهم، وسرعة استحضارهم، وذكاءَهم، لا أملك أُسلوبًا أدبيًّا!




كلُّ هذا جَعَلني أشعُر بالحُزن وفقدان الأمل، وكثيرًا ما أجلس لأخطِّط، لكن في النهاية يذهب كل تخطيطي في الهواء، وأندم بعد ذلك ندمًا شديدًا!




أقرأ كثيرًا عن قصص وبدايات العُظماء، لكن لا أستفيد؛ إذ أُقارن بيني وبينهم، وأبدأ في جَلْد الذات، وأشعر أنَّ قواعدَ التعامُل مع الناس متزاحمة، فلا أدري ماذا أقدِّم؟ وما الأصح؟




كانتْ والدتي - منذ الصِّغَر - تُقَلِّل مِن شأننا وتُهيننا، وربما هذا كان سببًا مِن أسباب عقوقي لها، فلم أحس بحنيتها إلا قليلًا! وإلى الآن لم أتخلصْ من مشكلة العقوق!




أنا عصبية ولا أتحمَّل أي شيء، وفي أي لحظة مِن الممكن أن أنفجر، كذلك أنا غير راضية عن شكلي - أستغفر الله الحكيم - لكن لا أجد حلًّا لشعوري، وتطرأ عليَّ أفكارٌ بألا أتزوَّج!




فلماذا أترك الراحة وأذهب لأتحمل مسؤولية شخصٍ وأبناء وطبخ وتنظيف، وهذا قد يُعيقني عن التفرُّغ للعلم والمطالَعة والتقدُّم الوظيفي وتحقيق آمالي وخدمة الأمة!




كذلك لا أُريد الارتباط بمسؤولية وزوجٍ، ولا أعلم هل هذا الزوج سيكون جافًّا، أو قاسيًا، أو مستهزئًا؟ هل أعلم الأبناء الذين سأنجبهم سيعقونني أو لا؟




أما دراستي فقد كنتُ أُذاكر قبل الامتحان، وأحصل على درجات عالية، لكني لا أحمل علمًا في صدري، فهل مِن سبيل أكون به قوية في تخصُّصي؟




أُجاهِد نفسي في الصلاة، وأُحاول الخشوع، وأن أكونَ قريبةً مِن ربي، لكن لم أصلْ للذة التي أُريدها، حقيقةً أستغرب عمَّن يتكلم عن هذه المشاعر! أين أجدها؟




كل هذا يُشَكِّل عليَّ ضغطًا، ويجعلني أتمنى أن أبكي بصوتٍ عالٍ، أشعر أن عليَّ ألمًا كبيرًا كأنه جبَل!




صداقاتي محدودة، ولديَّ وسواسٌ، وأكره أن أحسدَ أحدًا، وإن أتاني هذا الشعورُ أشعر بالذنب، أحاول أن أطورَ نفسي، وأقرأ في تطوير الذات، لكن الأثر لا يساوي القراءة!




أريد أن أمسحَ جميع ما في ذاكرتي وقلبي مِن مشاعرَ ومواقفَ سلبية، وأن أعودَ صغيرةً لأستغل كل لحظة، وأواجه الحياة بشكلٍ أقوى، أريد أن أعيدَ ترتيب المبادئ والقِيَم التي هي الآن مشوشة في ذهني، ومتعِبة لي .





الجواب



بسم الله الموفق للصواب

وهو المستعان

سلامٌ عليك، أما بعدُ:

فإنَّ منبعَ النجاح مِن داخل الفرد، مِن فكره المتَّقِد، وعزيمته الماضية، وقُدرته على انتهاز الفرصة، وصبره الجميل، ثم إذا تناهى سموًّا بلَغ إلى السماء، وكلَّله توفيقُ الله - عز وجل، أما الظروفُ الخارجية المحبطة والمثبطة فأقصى ما يُمكن أن تفعلَه بأحلام الناجحين هو تأخير موعد تحقيقها والاحتفاء بها!



عقدُ المقارنات بينك وبين الآخرين مِن أبرز عوامل التأخير والتثبيط، فالناجحون في الدنيا تجمعهم إرادةُ النجاح، والعزيمة على قَهْر الصعاب، وبينهم في القدرات والأهداف والظروف الاجتماعية والاقتصادية - فرقٌ كبير!



مُطالَعة الكتب القيمة زادٌ لا غنى للناجحين عنه، ولكن حقيقة الأمر كما يقول النَّظَّام: "إن الكتب لا تحيي الموتى، ولا تحوِّل الأحمق عاقلًا، ولا البليد ذكيًّا، ولكن الطبيعة إذا كان فيها أدنى قبول، فالكُتُب تشحذ وتفتق، وترهف وتشفي"، "الحيوان"؛ للجاحظ.



وليس للعقوق أية مُبررات، فالمسألةُ - يا عزيزتي - تتعلق بالرغبة والاختيار؛ تريدين البر أم العقوق؟! الجنة أم النار؟ ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: 10].



أفكارُك اللا منطقية حول الزواج ستزول متى وثقت بنفسك!



أما فوت الخشوع في الصلاة فمَرَدُّه عدم استقامة القلب، ولابن القيم - رحمه الله تعالى - كلامٌ نفيسٌ عن استقامة القلب، وأثره في الخشوع في الصلاة، تجدينه مبسوطًا في "الوابل الصيب"، فانظري فيه.



والخلاصة تنقصك بعض عوامل النجاح، ومن أهمها:



• مرونة الفكر.



• سماحة النفس وسخاوتها.


• سلامة القلب واستقامته.



• العزيمة على بلوغ النجاح.



• الرضا بالقضاء والقدر.




وهي أمورٌ تحتاج منك إلى مجاهَدة نفسك، فابدئي بنفسك؛ فإن أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك!

والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب