لمحة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11910 - عددالزوار : 190826 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 554 - عددالزوار : 92676 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 114 - عددالزوار : 56885 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 78 - عددالزوار : 26178 )           »          شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 724 )           »          الدين والحياة الدكتور أحمد النقيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 57 )           »          فبهداهم اقتده الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 56 )           »          يسن لمن شتم قوله: إني صائم وتأخير سحور وتعجيل فطر على رطب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 24 )           »          رمضان مدرسة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أمور قد تخفى على بعض الناس في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس

ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس ملتقى يختص بالتنمية البشرية والمهارات العقلية وإدارة الأعمال وتطوير الذات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-03-2021, 04:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي لمحة

لمحة 1

توقُّع حدوث المشاكل قد يُعين على حلِّها في المستقبل

مصطفى صلاح محمد

أريد أن أفترضَ افتراضًا، لنقلْ: إن هناك أسرةً ما، الأبُ فيها قد بلغَ من الكبر عتيًّا، قد تناوشتْهُ الأمراض فأنهكته، واعترته العلل فأقعدته، الضغطُ والسكر، الكبدُ والمرارة، المعدة والقولون، الأعصابُ والأطراف... إلخ.

قد أصابتْه عدَّة جلطات، في المخ تارةً، وفي القلب تارةً، يدخلُ على إثرها المستشفى، ويُحجزُ في عنايتها المركّزة، ليكتبَ الله له عمرًا بعدها فيخرج.

ثم لا تمر عدّة أيّام حتى يستيقظَ الأبناءُ ليجدوه قد فارقتْ روحُه بدنَه، ولبَّى نداء ربّه.

تخيّل الآن وقعَ مصيبة موته على أبنائه وذويه، وأهله وجيرانه، احفظ ذلك جيدًا ثم تأمّل موقفنا التالي:
صبيٌّ صغير لَم يتجاوزِ الخامسةَ عشرةَ، وجهه كأنّه نضارة الحياة، وعيناه بهجتها، ويداه رونقها، لعبُه سعادة، وكلامُه نشاط، وضحكتُه تملأ الأفق، أفقَ والديه على الأقل، تلمسُ روعةَ الحياة وجمالهَا على بشرتِه الطريّة، وترى أنّ قسوة المعيشة محتملةٌ، وأن ظلفَ الكسبِ مقبول. إذا رأيتَه يتحرّكُ بخفةٍ هنا وهناك، ينثرُ عطرًا، ويبهجُ قلبًا، ويطربُ طيفًا، ويشبعُ روحًا.

جمالٌ يمشي على قدمين، أبٌ حنون، أمّ عطوف، أسرةٌ هانئة، حياةٌ مستقرة، مستقبلٌ يبدو للجميع مشرقًا.

ويأتي اليوم الذي يُرفعُ فيه فلذةُ الكبد، ونبضُ الفؤاد على أكتافِ الرجال، ميْتًا، فاقدًا الحياة، أو فاقدةً له الحياة، شاخصًا البصر، مكسوًّا بدمائه، ملتحفًا بلحمه وعظامه مختلطين؛ حادثة، نسمع عن ذلك كثيرًا.

الآن كيف يكون وقع المصيبة الثانية؟
تخيّلها في عقلك وقارنها بالموقف الأوّل.

لا يحتاجُ الأمرُ لكبيرِ عقلٍ ورحيبِ خيالٍ كي نتخيّلَ أن الموقفَ الثاني وقعُه أمرّ، وأثرُه أشد، وما يتعلقُ به وبما بعده أليم، قد تصيبُ الأمَّ لوثةٌ، والأبَ صدمةٌ، والجيران ذهلةٌ، تغدو الحياة بعدهُ كئيبةً، وتمرُّ اللحظاتُ بطيئةً، وتُكسى الحياةُ ظلامًا، وتُملأ الكؤوس يأسًا.

وذلك لأن الأمر غير متوقع بالمرة؛ لذا كان أثره على القلب شديدًا مزلزلاً مهلكًا.

في حين أن الموقف الأول، يكونُ أثرُه ضعيفًا، ووقعُه واهنًا؛ حدثَ شيءٌ توقعَه الناس، بل وكانوا ينتظرونه!

ماذا أريد أن أقول؟
لو أنّ الشاب حين يجلس مع خطيبته مثلاً، ويرسمانِ طريقًا مفروشًا بالورود، معطّرًا بالياسمين، مرسومًا بالآمال، مزركشًا بالأحلام.

هو: سأحملك على كفوف الراحة.
هي: سترى سعادتك معي كيف تكون.

هو: حياتنا ستكون ناعمة، هادئة، لا يعكّر صفوَها معكّر، ولا تشوبها شائبة ضيق أو هموم.
هي: حياتنا ستكون سلسة، لا منغّص فيها، ولا مُثبّط.

هو: سأظل أحمل لك حبًّا، يدوم للأبد.
هي: وأنا كذلك.
... إلخ

هذا الكلام جميل، لكنّه ليس واقعيًّا على الإطلاق؛ فالحياة لا تخلو من كدر، ولا تنتهي من مشاكل، ونفس الإنسان تملّ، حتى الشيء الجميل، والاستقرارُ يولّد أحيانًا نفورًا، فلو قلنا: إن هذين الخطيبين الحالمين الآملين، قد تزوّجا، وهبطا على أرض الواقع فلامسا حقيقة الحياة، وما فيها من صفو وكدر، وراحة وتعب، ويأس وأمل، فكيف تكون ردّة الفعل؟

أعرف أناسًا قد عاشوا مثلَ هذا الوهم، وهم الآن يُقنعون أنفسَهم أو يتظاهرونَ أنهم مُقنعين لأنفسهم، أن حياتَهم على ما يرام، وأنه ليس بالإمكان أكبر مما كان!

تراه يتكلم، الكلام حروفه تكوِّن جملاً سعيدة، ولكنّك تلمحُ في صداها كآبةً، وحين يسكتُ ترى لمحات من الحزن تكسو وجهَه الفينة بعد الأخرى.

ما المشكلة إذا جلس الخطيبان وقررا معًا أن الحياة سعيدةً، لكنها لا تخلو من كدر؟

هو: لا قدّر الله لنا المشاكل، لكنّها واردة، أليس كذلك؟
هي: بلى.

هو: حسنًا، فإذا واجهتْنا مشكلةٌ ما، فكيف سنتصرّف؟ نريد أن نعدّ العدة من الآن، ونتفق على آلية تصرُّفِنا حيالها.
هي: نضع يدًا على يد، وكفًّا على كف، ونقف للمشكلة مجابهين حتى نحلّها.

هو: هذه أحلام، المشكلة لا تكون مشكلة إلا لأنها مدمّرة.
هي: مدمّرة؟!

هو: نعم، قد نختلفُ مثلاً، فكيفَ سنضع يدًا على يد، وكفًّا على كف؟
هي: تختلفُ عقولنا، لكنّ قلوبَنا واحدة.

هو: قلوبنا واحدة؟
هي: نعم، لنتّخذ هذا مبدأ، لنجعلَ الحياة تتسعُ لاختلافِنا، لكنّها تضيق على قلْبَينا فقط.

هو: ما أجملَ كلامَكِ وأروعه!
هي: وما أحكمَ طرحَكَ وما أكبره!

هو: لكن قد تواجهنا مشاكل أخرى.
هي: لنتناقش فيها لنرى كيف نحلّها.
هو:...

ليجلسَ الخطيب إذا مع خطيبته أو الزوج مع زوجته، ليحدّثها عن جمال الحياة والسعادة والهناء، لكنّه كذلك لا ينسى أن يحدّثها عن سوادها وكآبتها وشقائها، وأن هذا يحدث.

ولا يكون هذا من قبيل التشاؤم، أو من قبيل "توقّع البلاء قبل وقوعه".

بل من قبيل رسمِ الحياة، التي يختلطُ فيها الحب والكره، والأمل واليأس، والنعمة والبؤس.

لنتوقع حدوثَ المشاكل، فلا نُفاجأ بها، بل نستقبلها بابتسامة العارف، ونقف أمامها متسلّحين بأسلحة، أعددناها مُسبقًا، سيوفًا قاطعة، ودروعًا جامدة، وقلوبًا ثابتة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-03-2021, 04:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لمحة

لمحة 2
مصطفى صلاح محمد


حسبي الله ونعم الوكيل


قلتُها أمامَ أحد زملائي مرَّةً، فنظر إلَيَّ وقال مستفهمًا ومتعجِّبًا: فيمَن؟!


وقلتُها مرَّةً أمامَ أمِّي - حفظها الله - فإذا هي تغضَبُ بشدَّة، وينقَلبُ مزاجُها، وتقول في عصبيَّة: فيمَن تُحَسْبِنُ يا ولد؟


مُعتادٌ أنا على قول: "حسبي الله ونعم الوكيل"، أكاد أُكرِّرها مئات المرَّات يوميًّا، حتى حين مزَحَ معي أحدُ زملائي مرَّةً وقلتُها كعادتي فإذا به ينقلبُ مزاحُه جدًّا، ويتغيَّر وجهُه، ويسألني إنْ كانَ أخطأ في حقِّي، ويَطلبُ مِنِّي الصفحَ والعفوَ!

لا يكاد النَّاس يقولون هذا الذكرَ العظيمَ إلا في مقام الدُّعاء على الظالمين، أو عند وَقْع البلاء، وشدَّة القضاء، أمَّا أنْ يقولوه مثلاً تسبيحًا وذكرًا، كما يقولون: سبحان الله، فلا.
لِكُلِّ خَطْبٍ مُهِمٍّ حَسْبِيَ اللَّهُ
أَرْجُو بِهِ الأَمْنَ مِِمَّا كُنْتُ أَخْشَاهُ[1]

وَأَسْتَغِيثُ بِهِ فِي كُلِّ نَائِبَةٍ
وَمَا مَلاَذِيَ فِي الدَّارَيْنِ إِلاَّ هُو

ذُو المَنِّ وَالمَجْدِ وَالفَضْلِ العَظِيمِ وَمَنْ
يَدْعُوهُ سَائِلُهُ رَبَّاهُ رَبَّاهُ

لَهُ المَوَاهِبُ وَالآلاَءُ وَالمَثَلُ الْ
أَعْلَى الَّذِي لاَ يُحِيطُ الوَهْمُ عُلْيَاهُ



"حسبي الله..." يكفيني همِّي، ويَهدِيني طريقي، ويُنَوِّر بصيرتي، ويُنِير دربي.
"حسبي الله..." لا أحمل همَّ رزقٍ، فهو الرزَّاق.
"حسبي الله..." لا أخاف من أحدٍ بطشًا ولا ظلمًا، فهو المطّلعُ الخبير، مالكُ يومِ الدين.
"حسبي الله..." يَقبَل توبتي، ويجبرُ عثرتي، ويغفر ذنبي، ويستَجِيب دعائي.
"حسبي الله..." ألجأُ إليه في رغدِ العيش وفي قسوته، وأَضرَعُ إليه عند النعمة وعند النقمة، وألهَجُ بذكره في السرَّاء والضرَّاء.
"حسبي الله..." حين تُغلَق جميعُ الأبواب، وتُسدُّ كلُّ الطرق، ويغلبُ الهم، وينتصر الظلم.
مَنْ قَالَ حَسْبِي مِنَ الوَرَى بَشَرٌ
فَحَسْبِيَ اللهُ حَسْبِيَ اللهُ[2]

رَبِّي عَزِيزٌ فِي مُلْكِهِ صَمَدٌ
لاَ عِزَّ إِلاَّ لِمَنْ تَوَلاَّهُ

لَوْلاَهُ لَمْ تُوجَدِ السَّمَاءُ وَلاَ ال
أَرْضُ وَلاَ العَالَمُونَ لَوْلاَهُ

كَمْ آيَةٍ لِلإِلَهِ شَاهِدَةٌ
بِأَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّهُ



حين يشتدُّ بي الهمُّ، وينزلُ بي الكربُ، وتضيقُ عليَّ الدنيا بما رحبتْ، أقولُ: "حسبي الله ونعم الوكيل"، فكأنَّه ماءٌ يجلو صدأَ النَّفس، ويمحو رانَ القلب، ويُصفِّي كدَر الروح.

عندما أقولها أستشعرُ عظمةَ الله.
عندما أقولها أستشعرُ معيّة الله.
عندما أقولها أستشعرُ قربَ الله.
عندما أقولها أستشعرُ رحمةَ الله.
عندما أقولها أستشعرُ أمانَ الله.

قالها المؤمنون حين خوَّفهم النَّاسُ من النَّاسِ، فانقلب خوفُهم أمنًا، وفزَعُهم طمأنينةً، واضطرابهم ثَباتًا؛ ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 173 - 174].

وقالها إبراهيم - عليه السلام - حين أُلقِي في النار؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((كان آخِرُ قول إبراهيم حين أُلقِي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل))؛ البخاري (ح4564).

ولَمَّا قد علمتُ واستقرَّ في ذهني أنَّ الشيطانَ - لعنه الله - إذا رأى أمرًا ميسورًا من العبادات يفعله الناس ويترتَّب عليه ثوابٌ كبير، فإنَّه يلهثُ خلف أنْ يصرفهم عنه، ويتفنَّن في ذلك.

انظر إلي الذكر بعد الصلاة مثلاً، وكيف يشغلُ الشيطانُ المسلمين عنه، فهذا ينصَرِف مسرعًا بعد الصلاة ليقضي حاجة أو ليلحق موعدًا، أو ليبحث عن شيءٍ نسيه... إلخ، وهذا يتكلَّم مع مَن بجواره، وهذا يقوم مسرعًا ليصلي السنَّة، وكلُّ ذلك من ألاعيب الشيطان، ليشغلَ الناس عن ثواب أذكار الصلاة، يَكفِي فيه قول النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن سبَّح في دُبُرِ كلِّ صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر الله ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، ثم قال تَمام المائة: لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلِّ شيءٍ قدير - غُفِرتْ له خَطاياه وإنْ كانتْ مثل زبد البحر)).

وانظر إلى الشيطان كيف يشغل الناس عن هذا الذكر بعد الصلاة فلا يَكاد يذكره أحد؛ عن معاذ بن جبلٍ - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أخَذ بيده ثم قال: ((يا معاذ، والله إنِّي لأحبُّك))، فقال له معاذ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، وأنا والله أحبُّك، قال: ((أُوصِيك يا معاذ لا تدعن في دُبُرِ كلِّ صلاة أنْ تقول: اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)).

لَمَّا علمتُ ذلك فهمتُ لِمَ ينفر الناس إذا سمعوا مَن "يُحَسْبِن" أمامَهم، ويطلبون منه الكفَّ والانتهاء، فهي عادة الشيطان في شغل الناس عن اليسيرِ عملُه من العبادات، العظيم فضلُه وأجرُه.

فحسبي الله ونعم الوكيل في المحيا وفي الممات.
حسبي الله ونعم الوكيل في كل وقت وحين.
حسبي الله ونعم الوكيل إذا كثُرَت الخطوب، واشتدَّت الأزمات، وقلَّ الأصدقاء.
حسبي الله ونعم الوكيل.
حسبي الله ونعم الوكيل.


[1] عبدالرحيم بن أحمد بن علي البرعي اليماني.
شاعر، متصوف من سكان (النيابتين) في اليمن.
أفتى ودرَّس، وله ديوان شعر أكثره في المدائح النبويَّة.
والبرعي نسبة إلى "بُرع" وهو جبل بتهامة (كما ورد في "التاج").

[2] حازم بن محمد بن حسن، ابن حازم القرطاجني أبو الحسن، 608 - 684 هـ/ 1211 - 1285 م.
أديبٌ من العُلَماء له شعر، من أهل قرطاجنة شرقي الأندلس، تعلَّم بها وبمرسية، وأخَذ عن علماء غرناطة وإشبيلية، وتتَلمَذ لأبي علي الشلوبين ثم هاجر إلى مراكش ومنها إلى تونس، فاشتهر وعُمِّر وتُوفِّي بها.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-03-2021, 04:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لمحة

لمحة 3
مصطفى صلاح محمد


القشَّة التي قصمت ظهر البعير!

هل سمعْتُم من قَبل عن الرجل الذي طلق زوجتَه؛ لأنَّها لم تُعِدَّ له كوبًا من الشاي؟
وهل سمعتم بالذي طلَّق امرأته؛ لأنَّها أيقظَتَه في موعد غير مناسب؟!
أو الذي طلَّق؛ لأنَّها ذهبت إلى بيت أهلها دون إذنه؟
أو لأنَّها لم تَطْهُ له الطعامَ المفضَّل؟
مؤكَّد أنكم سمعتم بهذا أو ببعضه.

الآن ما هو رأيكم في مثل هذا الزوج؟
أراكم تحرِّكون رؤوسكم متعجبِّين من رُعونته، وقلَّة ورعه، وتسرُّعِه، آسِفين على البيت الذي دُمِّر، والأولاد الذين شُرِّدوا، والحياة التي هُدِمَت بسبب شيء تافه!

معقول أن يكون كوب الشاي سببًا في شتات الشَّمل، وتفرُّق الأحباب؟!
هل من الممكن أن يكون ذهاب الزوجة إلى بيت أهلها سببًا في ضياع الأولاد؟!

لكنني أريد أن ننظر لها من وجهة أخرى:
أوَّلاً: لا يُعقل أن يكون هناك زوجٌ بمثل هذه العقلية السَّطحية ليطلِّق امرأته ويهدمَ بيتَه بيديه؛ بسبب كوب شاي! فعلام تَزوَّج إذًا؟ وخطبَ وعقدَ وبنى بيتَه وأسَّسه وعمَّرَه، وقدَّم مهرَ زوجتِه، ودفعَ تكاليف عرسِه؟! ثم بعدَ ذلك يمحو كلَّ هذا بسبب كوبِ شاي!

لا يوجد أحدٌ بمثل هذه الحماقة قطعًا.

ثانيًا: " يُحكى أنَّ رَجُلاً كان لديه جملٌ فأرادَ أن يسافرَ إلى بلدةٍ ما، فجعَل يحملُ متاعًا كثيرًا فوق ظهر ذلك الجمل حتىَّ كوَّم فوقَ ظهره ما يحملُه أربعةُ جمال، فبدأ الجمل يهتزُّ من كثرة المتاع الثَّقيل، حتى أخذ الناس يصرخون في وجْه صاحب الجمل: يكفي ما حمَلْتَ عليه! إلاَّ أنَّ صاحب الجمل لم يهتمَّ، بل أخذ حزمةً من تِبْن، فجَعَلها فوق ظهر البعير، وقال: هذه خفيفة، وهي آخِر المتاع، فما كان مِن الجمَل إلاَّ أن سقَط أرضًا، فتعجَّب الناس، وقالوا: "قشَّة قصَمَت ظهر البعير"!

والحقيقة أنَّ القشة لم تكن هي التي قصمت ظهره، بل إنَّ الأحمال الثقيلة هي التي قصمَتْ ظهر البعير الذي لم يَعُد يحتمل الأمر، فسَقَط على الأرض".

تَعجُّبُ النَّاسِ من طلاقِ المرأة بسببِ كوبِ الشاي، كتعجُّبِ هؤلاءِ النَّاسِ من سقوط الجمل بسبب حزمة التِّبن الخفيفة.


هناك مثَلٌ بالعامِّية عندنا نحن المصريِّين يقول: "عدوُّك يتمنَّى لك الغلط، وحبيبك يبلع لك الزلط"[1].

فلأنَّ الزوجَ حبيبُ زوجتِه، فهو يسامحها إن أخطأت في حقِّه، ويتجاوز عنه؛ حرصًا منه على بيتِه واستقرارِه، ويبلعُ لحبيبتِه الزلط؛ وهو ضرب من الأحجار.

ويظلُّ يحدُثُ الموقفُ تلو الآخر، والمصيبة تتلوها المصيبة، ويبلع المسكينُ "الزلطة" تلو الأخرى، حتى تمتلئ معدتُه عن آخرِها؛ لتقفَ في النِّهاية "زلطة" صغيرةٌ في المَرِّيء فتخنقُه وتقتلُه! ليست تلك "الزلطة" الصغيرة هي سبب مقتله قطعًا، بل السبب هو "الزلط" الكبير الذي بلعَه طول حياته.

فالزوجة حمَّلَت زوجَهَا أثقالاً بعد أثقال، حمْلٌ تنوءُ به الجمال، وهو صابرٌ محتَسِب، حتى كانت حزمة التِّبن الأخيرة، وهي رَفْضُها أن تعمل كوب الشَّاي؛ ليسقط الجمَل - أو الزَّوج - بما حملَ، ويظنُّ النَّاس - مخطئين - أنَّه سقط بسبب كوب الشاي!


[1] الزَّلَطُ: الحصى الصِّغار الملس؛ فُرِشَ الزَّلَط على الطريق تمهيدًا لتعبيده، واحدته زَلَطةٌ؛ "المعجم المحيط".
(الزَّلَطُ): الحَصى الصغارُ الملس، واحدتُهُ: زَلَطَةٌ، (د)؛ "الوسيط".


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-03-2021, 04:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لمحة

لمحة 4
مصطفى صلاح محمد


الخشوع؛ هل هو عمل قلبي، لذَّة عقلية، أم هو متعة روحيَّة؟


صلَّيتُ صلاةَ القيامِ خلفَ أحدِ الأئمة؛ الشَّادِينَ بأصواتهم كأنَّهم بلابل، المنغِّمينَ أصواتهم، الملحِّنينَ طبقاتِها، المنوِّعين مقاماتِها، فشعرتُ أنِّي طافٍ على سطح الأرضِ لا واقف، لا أشعرُ بتعب، ولا يرهقني ملل، أو يشغلني جلل، بلْ تخلَّلتِ الآياتُ خلاياي نفسها - أو هكذا شعرتُ - فدبَّتِ الحياةُ في أرجائها، فراحتْ كلُّ واحدةٍ تنتشي؛ كأنها كانت ظمأى فرُوِيَتْ، تائهةً فثابتْ، ضالةً فآبتْ.

كان الإمامُ يقرأ في سورةِ إبراهيم - عليه السَّلام - ففَرِحْتُ بنفسي؛ ظانًّا منها أنَّها - أخيرًا - خَشَعَت! لكنَّ بعض الظن إثم.

وصل الإمام في القراءة إلى قوله تعالى: ﴿ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴾ [إبراهيم: 29]، فبلَغ في إتقان قراءَتِها الغاية، ووصَل بإبداعِ تلاوتِها النهاية، نغَّمَها فأحسن، ولحَّنَها فأطرب، وزخرفَها فأوجب، قرأهَا كأنَّه لم يقرأ آيةً مثلَها، وسمعتُها كأنِّي لم أسمعْ قرآنًا من قبلُ، وجدْتُني بعد أنْ ختمَها، وسكتْ، أصرخُ من داخِلي، في داخِلي، وبأعلى صوتٍ لا يسمعُه سوى نفسي قائلاً: "الله".

• • •


ثم بعد أن هدأَتْ ثورةُ روحي، ومرَّتْ زوبعتي الداخلية بسلام، وبعد أن دَعوتُ للإمامِ في سرِّي بطولِ العمر، وبركةِ الرِّزق، وأن يحرسَه الله ويصونَه من شرِّ كلِّ ذي شر؛ رَجَعَتْ إليَّ نَفْسي، وثابَ إلي رشدي، وخاطبتُ نفسي لائمًا، مؤنبًا: "يَذْكرُ اللهُ جهنَّمَ؛ فتقولُ منتشيًا: الله؟ يذكرُ الله عقابَ الكافرين، ومآلَ الجاحدينَ المشركينَ الطاغينَ الظالمينَ المتكبرينَ المفسدينَ، وأنَّ جهنَّم يَدْخلُونها، يقاسُون حرَّها، وينالونَ ويلَها وثبورَها وزَقُّومَها وغِسْلينَها وسلاسلَها وقيحَها وصديدَها، هي مقامُهم وقرارُهم ومستقرُّهم، قبح المستقرُّ، وبئس القرار، وذلَّ حينها المقام!! ثم تقول طَرِبًا: الله؟!".

وجدتُ أنِّي أخطأتُ حين وسمتُ نفسي بالخاشعة؛ فظهرَ لي أنِّي لم أخشعْ للكلمات، ولم أعتبر بالآيات، لم أقفْ عند العِبَر متأمِّلاً، ولم أتأنَّ عند الصورِ معتبرًا، بل شدَّني النغم، وهزَّني اللحن، وأبهرني الطربُ، فتلذذَ عقلي - لا قلبي - بالسماع، وطربت أذني - لا روحي - بالأداء، فانتهت الصلاة، وأنا كما أنا، لم أزدد إيمانًا، ولم أرْقَ إحسانًا، بل دخلتُ كما خرجت، أو خرجتُ كما دخلت.

إذًا فالحالةُ التي كنتُ فيها كانتْ لذَّةً عقليةً، وطربًا سمعيًّا، لا يلبثُ أن يذهبَ ويذوي، كالصَّدى في الأرجاء الفسيحة، يبدأ قويًّا، ثم يخفت ويخفت..

لمَّا وصلتُ لهذا الاستنتاج، قررتُ أن أركِّزَ في المعاني، وأتأمَّلَ في المباني، لا ألتفتُ إلى لحنٍ أو مغنى، فلبثتُ على ذلك دقائق، ثم تفكَّرتُ في نفسي، فوجدْتُ أنَّ الخشوعَ - الحقيقي - يرتكزُ في القلب، ويصل إليه عبر العقل والأذن، شريطةَ ألاَّ تنقطع الطريقُ الموصلةُ بينهما، فإن طربتِ الأذنُ فقط، أو تلذذ العقلُ فقط، دون القلب، فليس هذا بالخشوع.

فالخشوع إذًا منظومة كاملة؛ أُذنٌ تسمعُ فتطْرَب، عقلٌ يفهمُ فيعي فيتدبَّر، طريقٌ مفتوحةٌ موصلةٌ بينهما وبين القلب، وأخيرًا القلبُ النابض، ثم الجوارح.


فحسنُ الصوتِ يخدمُ جانبَ السماعِ في المقامِ الأول، وحسنُ التصرُّف في أن يعي الإنسان جمالَ الآية بعقله؛ ليخشع بها قلبُه وجوارحُه.

والعقلُ لن يعيَ الآياتِ إلا إن فهمَ تفسيرَها، ولن يفهمَ تفسيرَها إلا إذا قرأه من مظانِّه، ولن يستوعبَ ما يقرأ إلاَّ إنْ تعلَّم اللغة العربية وقواعدَها، هكذا، سلسلة متَّصلة.

ولتنشيط هذا الجانب العقلي؛ يجبُ على المرءِ أن يقرأ في كتبِ التفسير، وليبدأ بأيسرِها ثم يتدرَّجُ صعودًا.

وأخيرًا القَلْب، والذي يُحرِّكُه التأمُّل، وتشحنُهُ الرَّقائق بشحناتٍ إيمانية، فالقراءةُ في كتبِ الرقائق، وخصوصًا ما يتعلقُ بالدار الآخرة، حيثُ المآلُ والمعاد، والنَّعيم والجحيم، والبعث والحشر، والجنة والنار... إلخ تُساعدُ القلبَ على الخشوع.

وأيضًا تركُ ما قد يمنع وصولَ الآيات للقلب، كالذنوب والمعاصي، وفضول الأعمال، كفضول الأكل والشرب، وفضول النوم والكلام، وفضول النظر والمزاح.

كذلك الاستعداد الجيِّد للصلاة قبلها، بأن يفرِّغ الإنسان عقلَه من شواغلِه، وأن يتأمَّل فيمن يقفُ بين يديه، ويستحضرُ ذنوبَه السابقة، والتي سترها الكريم فلم يفضحْه، وإسرَافه في حقِّ نفسه، وحق ربِّه وحقِّ دينه، وأن يستشعرَ أنَّه ضيف على الله في بيته.

هنا، تُسكبُ العبرات، وهنا تُستجاب الدعوات، هنا ملاذُ الخائفين، وموضع قبول توبة التائبين، هنا حيث تتنَزَّل السكينة، وتعمُّ الرحمة، وتنتشر الملائكة، ربما لو تأمَّل في هذا لحصل له الخشوع الذي يطلبه.

وهناك أشياء أخرى لا شك، لكن هذه لمحة يسيرة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-03-2021, 04:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لمحة

لمحة 5
مصطفى صلاح محمد



ترك الذنب أيسر من الاعتذار




أحيانًا نُخطِئ في حقِّ أحد أصدقائنا، وقد يَقَعُ تَبَعًا لذلك الخطأ مُشاحنةٌ أو مُباغضةٌ أو مُلاسنةٌ، وقد تنقَلِبُ شجارًا وخِصامًا وفراقًا، وقد يتبعُ ذلك الخصام مفاسد أخرى كثيرة، ويتجشَّمُ المرء في نهاية الأمرِ عناءَ إصلاحِ ذلك كلِّه، وأحيانًا يكونُ إرضاءُ ذلك الشخص صَعبًا جِدًّا، كأنَّك تتسلَّقُ جبلاً وعرًا أعيَتْك صُخورُه وأدمَتْك بروزُه، وفي النِّهاية وبعد كلِّ هذا العناء جرح القلوبِ المتنافرة يستحيلُ أو لنَقُلْ: يصعبُ أنْ يلتئمَ تمامًا، بل يُخلِّفُ وَراءَه أثرًا غالبًا ما يُترَك للزمنِ مهمَّة طمسِه رُوَيدًا رُوَيدًا، ويبقى ذلك الأثرُ ثلمًا في جِدارِ المحبَّة، أو ضَعفًا فيه يُهيِّئُه لانهيارٍ آخَر عند زلَّةٍ أخرى.



وقد يكون هذا الخطأ في حقِّ الله - عزَّ وجلَّ - فيقعُ الواحدُ في ذنبٍ تدومُ لذَّته ثَوانٍ، وربما دقائقَ، وربما - إنْ طالتْ - ساعات، ثم تذهبُ اللذَّة وتزوي كمَا يزوي الصَّدَى في أحضان الفَراغ، ويَتبقَّى بعدَها تَبعاتُها؛ سَوادٌ في القَلب، واضطِرابٌ في النَّفس، وظَلامٌ في الوَجْه، وتأنيبٌ في الضمير، وخَوْفٌ من المستقبل، وارتِباكٌ في الحِسابات، ومن ثَمَّ يُحاوِلُ المرءُ بَعدَها أنْ يُصلِحَ مِن نفسه، وأنْ يَترُكَ ذلك الذنبَ، لكن قد يكون قلبُه متعلِّقا به، أو يكتَشِف أخيرًا أنَّه قد غرق فيه حتى أذنَيْه، فيَتجشَّم عَناءً ما بعدَه عَناء، ويلتَمِسُ لذلك سُبُلاً عِدَّة، ويظلُّ تائهًا ضالاًّ يَتَسَوَّلُ نصيحةً مِن هنا، ودُعاءً من هناك، ومساعدةً من أخٍ، ومساندةً من كتاب، والنتيجة أنَّه قد ينجَح وقد لا ينجَح.



فماذا لو فكَّر الواحد فينا في كلِّ هذه العَواقِب قبل أنْ يُخطِئ في حقِّ صَدِيقه، فتَرْكُ الخطأ يُوفِّر عليه شَقاءً وعَناءًً طويلَيْن مُرَّين، وكذلك الذنوبُ التي نعلَمُ يقينًا زوالَ لذَّتها بانقِضاءِ وقْتها، ومع ذلك نصرُّ على الوقوع فيها، لو ترَكناها لكان ذلك أيسرَ ممَّا بعدَها مِن مشقَّة؛ راحةً في القلب، وطمأنينة في النفس، وانشراحًا في الصدر، وضِياءً في الوجه وإرضاءً للرب - سبحانه وتعالى.



وفي هذا المعنى يقول ابن الجوزي - رحمه الله - في "صيد الخاطر": "مَن عايَن بعين بَصِيرته تَناهِي الأمور في بِداياتها، نالَ خيرَها، ونجا من شرِّها، ومَن لم يَرَ العواقبَ غلبَ عليه الحسن، فعادَ عليه بالألم ما طلبَ منه السلامة، وبالنّصبِ ما رجَا منه الراحة.



وبيانُ هذا في المستقبل يتبيَّنُ بذكرِ الماضي؛ وهو أنَّك لا تخلو أن تكونَ عصيتَ الله في عمرِك أو أطعتَه، فأينَ لذَّة معْصيتِك؟ وأين تعبُ طاعتِك؟ هيهاتَ رحلَ كلٌّ بما فيه!



فليتَ الذنوبَ إذ تخلَّت خلَّت!



وأزيدُك في هذا بَيانًا: مثل ساعة الموت، وانظُر إلى مَرارةِ الحسَرات على التَّفريط، ولا أقولُ: كيف تغلب حلاوة اللذَّات؛ لأنَّ حَلاوة اللذَّات استَحالَتْ حَنظَلاً، فبقيَتْ مَرارة الأسى بلا مُقاوِم، أتراك ما علمتَ أنَّ الأمرَ بعَواقبِه؟ فراقِب العَواقِب تَسلَم، ولا تمل مع هوى الحسن فتندم".


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 09-03-2021, 04:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لمحة

لمحة 6
مصطفى صلاح محمد


من هي الزوجة السيئة؟


لا أقصدُ بكلمةِ "سيئة" معناها المتبادَر إلى الذِّهنِ، فقد تكونُ المرأةُ صالحةً في دينِها، طيبةً في أصلِها، لكنَّها - مع ذلكَ - زوجةٌ سيئة!

"ذُكِرَ مرَّة رجلٌ من قريشٍ كان في خُلقِه سوءٌ، وفي يدِه سماحٌ، وكان ذا مال، فكان لا يتزوَّج امرأةً إلا فارقَها لسوءِ خُلقِه ولقلةِ احتمالِها، فخطبَ امرأةً من قريش جليلةَ القدر، وبلغَها عنه سوءُ خلقه، فلمَّا انقطع ما بينهما من المهر، قال لها: يا هذه، إنَّ فيَّ سوء خلقٍ يعود إلى احتمالٍ وتكرم، فإنْ كان بك عليَّ صبرٌ وإلا فلستُ أغرك منِّي، فقالت له - ولتسمع نساؤنا -: إنَّ أسوأ خُلُقًا منك لمن يحوجُكَ إلى سوءِ الخلق.

ثمَّ تزوَّجتْه، فما جرى بينهما كلمةٌ حتَّى فرَّقَ بينهما الموتُ"[1].

كلٌّ منَّا يحملُ جانبًا طيِّبًا، وآخرَ فاسدًا، ويكون الطبعُ لما غلبَ منهما على نفسِه؛ فيُعرَفُ بين النَّاسِ طيبًا، أو يُعرَفُ شرِّيرًا فاسدًا، والمرأةُ حينَ تكونُ زوجةً، تستَثيرُ كوامنَ زوجِها، ليبرزَ - تبعًا لذلك - ما فيه من خيرٍ أو شرٍّ، ولنتأمَّلْ هذه الجملةَ جيدًا: إنَّ أسوأ خُلُقًا منك لمن يحوجُكَ إلى سوءِ الخلق، من هنا أستطيعُ أنْ أصلَ إلى إجابة سؤالِنا الأوَّل فأقول: إنَّ (الزّوجةَ) - وليس المرأة - السيئة، هي من تُحْوِجُ بتصرفاتِها و قلَّةِ فَهمِها لطباعِ زوجِها وما يحبُّه وما يكرهه - إلى أن يُخرِجَ ما يحملُه في نفسِه من شر، و يظهرَ ما يخفيه في طَبعِه من قُبحٍ، قال الزبير: "ذكَر رجلٌ من قريشٍ سوءَ خلقِ امرأتِه بين يدي جاريةٍ له كان يتحظَّاها، فقالت له: إنَّما حظوظُ الإماء لسوءِ خلائقِ النِّساءِ الحرائر"[2]، فلمن تكونُ الحظوظُ اليومَ في زمنٍ لا إماءَ فيه؟!



[1]"بلاغات النِّساء"؛ لابن طيفور (ص: 170).

[2] السابق (ص: 172).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 116.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 112.45 كيلو بايت... تم توفير 4.18 كيلو بايت...بمعدل (3.59%)]