|
|
من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
ليلة الانقلاب (قصة)
ليلة الانقلاب (قصة) دعاء بيطار لا يهمُّ أبدًا في أي مكان نمتُ؟ ولا ماذا أكلتُ أو لبستُ؟ كلُّ ما في الأمر أن في الراحة النفسيَّة سعادةً تطغى على أسباب الراحة الخارجية، أدركت هذا مؤخَّرًا عندما قرَّر زوجي في بادرة طيبة منه أن يصطحبَنا معه إلى مكان عمله في فندق فخم جدًّا مقابل الحرمِ، بل في ساحته حيث إن غالبية نزلائِه من الطبقة الثريَّة جدًّا، ولا غرابة في ذلك؛ فتكلفة الإقامة فيه ليلة واحدة تَعدِل عشر ليالٍ فيما سواه من الفنادق المتوسطة الحال، شعرتُ بسعادة كبيرة لخوضِ هذه التجربة؛ ربما لأني تخيَّلت أنني سألعب دور سيدة الأعمال التي لديها مصانع وتجارات في كل مكان، وأرادت أن تدفع 10000 ريال مما تيسَّر لها مقابل أن تقضيَ يومين في عبادةٍ، وإن كان الفقير يفعلُها ولا تكلِّفه شيئًا سوى نيَّته الخالصة، وربما قرَّبتْه من الله أكثر؛ لكن ما علينا.. لا أنكر أن المكان وحدَه يسحرُك، بعيدًا عن أجواء الخشوع وابتغاء ما عند الله، وأنك ستأخذ وقتًا غير قصير لتتأمَّل المكان ومساحته وديكوراته وخدماته المتنوعة، ولكن في وقت قصير شغلَني المكان عن الهدفِ الذي أتيت لأجلِه، وذُقْتُ طعم العبادة مع التخمةِ في النعم، وكيف للخضوع أن يأتيَ لقلب مملوء بالشهوات، مشبع بالدنيا إلى حدِّ الترف؟! طُفْتُ بالبيت العتيق، ومع الدوران الدائب الذي لا ينقطع في هذا المكان تدور عجلةُ الحياة بسرعة غريبة، حتى لتشعر أن مع كثرةِ الناس التي تدور هناك لا تكاد تخلو صلاةٌ من أموات يُصلى عليهم؛ لتعود ويعود الجميع في دورانٍ لا ينتهي في دوامة الحياة، وكأن من مات لم تكن لديه الأحلام والأصدقاء والعائلة ذاتُها، وكأننا في أمان من هذه النهاية التي لا نعلم وقتها! حضرتُ صلاة العشاء، وللمصادفة - وإن كنت لا أعتبرها كذلك - قرأ الإمام الآيات من سورة يونس: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ ﴾ [يونس: 7]. في تلك الليلة لم يكن أكلُ الأغنياء ولا سُرُرهم الوثيرة ما أقلقني، بل ابنتي الصغيرة التي أرادت النومَ بجانبي، مع علمي أن النوم بجانبها مُزعِجٌ للغاية؛ لكثرة حركاتها أثناء النوم، لكنني رضخت إلى رغبتها بدافع الحنانِ البَحْتِ، وفجأة شَعرتُ بحركة غريبة مختلفة عن حركاتها السابقة، وتفاجأت وأنا في غاية التعبِ أن رأسها أصبح إلى الأسفل، وقدَميها معلَّقتان فقط بلحافِ السرير؛ ففزعت عندما رأيت المنظرَ، وعندما رفعتها إليَّ بدأت الأفكار تلعب في رأسي عن المدة التي استغرقَتْها وهي نائمة بهذا الشكل، وهل تضرَّر دماغها؟ أم أنها بخير؟ وكيف أني لم أشعر بها وقد أوشكَتْ على السقوط مباشرة على رأسها؟ ثم انهالت الأفكارُ الشيطانية تأخذني إلى حيث يطيرُ النوم مع حمام الحرم بعيدًا إلى غير رجعة.. حاولت أن أعودَ للنوم لكن بلا فائدةٍ، فأردت أن أقوم لأصلِّي ركعتين؛ علهما تُذهبان ما بي، ولكن كان التعب أقوى من شعور الأجر العظيم لقيام الليل للأسف! لم أنتبه إلا للمنبِّه يرن فوق رأسي؛ مُعلنًا قرب أذان الفجر، قمت وأنا في قمة الإعياء والتعب لأتوضَّأ، وأجهز نفسي للصلاة وهناك في الحرم لم أكن قد زرتُه في مرة من قبل إلا وأنا في روحانيَّة أفضل من هذه المرة، ولا أدري لماذا ذهبت تلك الهالةُ المنيرة والسحر الجميل من تفكيري، فلم أَعُدْ أريد سوى أن تنتهي الصلاة؛ لأعود للنوم بعد عناء القلق في هذه الليلة (ليلة الانقلاب) - إن صحَّ التعبير؟! عدت من الصلاة إلى النوم مباشرةً، ولم تكن لتغنيَني فخامةُ السرير والمكان عن راحة البال تلك الليلة حتى عندما صحوتُ لم أكن مرتاحة من نوم النهار كما لو كنت في بيتي وأنا مطمئنة البالِ على أولادي، ولكن لم أصرِّح بهذا الكلام لزوجي؛ فالجميع يعرف أن الرجال ينتظرون التقديرَ من النساء مقابلَ عمل رائع كهذا. عدت والفكرة الوحيدة التي ملأتني: أن لا معنى لرفاهية الحياةِ من دون راحة البال، وأن ليلةً أنامها بعمقٍ لأصحو في الصباح وأنا بكامل حيوتي ونشاطي، تعدل 1000 ليلة وليلة في أفخم مكانٍ في العالم، وما أروعَني من زوجة قنوعٍ وموفِّرة للمال!
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |