تعالوا نتعلم أصول التجارة الرابحة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4479 - عددالزوار : 990161 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4016 - عددالزوار : 509124 )           »          ماذا يأكل المسلمون حول العالم؟ استكشف سفرة عيد الأضحى من مصر إلى كينيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 164 )           »          طريقة عمل الفتة بخطوات سريعة.. الطبق الرسمى على سفرة عيد الأضحى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 127 )           »          مقاصد الحج (ليشهدوا منافع لهم) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 133 )           »          آللَّهِ ما أَجْلَسَكُمْ إلَّا ذَاكَ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 113 )           »          أحكام وفضائل يوم النحر وأيام التشريق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 135 )           »          أحكام الأضحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 137 )           »          يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 151 )           »          الحوار آدابه وضوابطه في ضوء الكتاب والسنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 127 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-11-2006, 06:30 AM
الصورة الرمزية ريحانة دار الشفاء
ريحانة دار الشفاء ريحانة دار الشفاء غير متصل
مراقبة قسم المرأة والأسرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2005
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 17,018
الدولة : Egypt
Lightbulb تعالوا نتعلم أصول التجارة الرابحة




السورة : التوبة رقم الأية: 111


الأية: إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقـْتُلُونَ وَيُقْـتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِـبَـيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ


--------------------------------------------------------------------------------



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا..وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا..إنك أنت العليم الحكيم.



إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقـْتُلُونَ وَيُقْـتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِـبَـيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم.ُ



إن آيات القرآن الكريم نسجت نسجاً محكماً، فالآيات السابقة {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} {أفمن أسس...} ثم جاءت هذه الآية لتؤكد على أولئك الرجال الذين نذروا أنفسهم لله وبذلوا حياتهم وعمرهم وكل ما يملكون في سبيل التقرب إلى الله، حفظوا أنفاسهم في التقرب إلى الله فصاروا أنفَسَ الخلق، ذلك أنهم سلكوا أنفَسَ الطرائق، ضغطوا أنفسهم بالذكر فصاروا أنفس الخلق، لذا أعطاهم الله تعالى مفاتيح أسرار الحياة، ملكوها بقلوبهم لما وصلوا قلوبهم بالله تعالى، هذا هو السر الأعظم الذي إن ملكه العبد سُخرت له الدنيا كلها لأنهم إذا أرادوا أراد، هؤلاء الرجال هم الذين يؤسسون بنيان الإسلام، إذ ليس كل إنسان يؤسس، فالمؤسس لأشرف وأعظم بنيان هم الرجال الذين بنوا وهم متيقنون أن الله معهم على كل حال مطلع عليهم ولا يغيبون عنه طرفة عين، أما وإنه ليس كل من درس يستطيع تأسيس الإسلام والإيمان، لأنهما لا يتأسسان إلا بقلب تأسس يقيناً بحب الله وذكره، فمن كان من هؤلاء الرجال أسس الله على يده بناء الإيمان وارتقاء إيمان قلوب الخلق ليكونوا مع الله على كل حال.

إن هؤلاء الرجال بعدما أسسوا بناء الإيمان في بلدهم ونفوسهم ومن حولهم، طلبهم الله تعالى ليزدادوا قرباً فعرض عليهم العرض الأكبر{إن الله اشترى.....} منهم العمر والحياة والمال، هؤلاء الذين أسسوا الإيمان في القلوب يعرفون كيف يبيعون لله تعالى، فلو درسنا حياتهم لرأيناهم كيف تطهروا من الأغيار ومن كل السوى، من الشهوات والملذات قلباً وقالباً ظاهراً وباطناً، تطهروا من نجاسات الروح والقلب، فأدركوا طهارة القلب وطهارة النفس وطهارة البدن إنهم {يحبون أن يتطهروا} هؤلاء قال فيهم الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلمخيار أمتي من إذا رؤوا ذكر الله برؤيتهم).



هؤلاء المتطهرون هم الذين أسسوا بنيان الإيمان والإسلام على دوام الشريعة ودوام المراقبة فجمعوا الظاهر والباطن وما داموا كذلك فهم في دوام شهود عظمته سبحانه وتعالى، لذلك لمّا تفانوا بمحبة الله بذلوا كل غال ورخيص، عند ذلك اشترى الله منهم.

إن عملية الشراء فيها: بائع هو المؤمن، باع الله تعالى أوقاته وعمره وكل شيء فلم يُبقِ لنفسه شيئاً.

والمشتري هو الله الذي يعوض بأغلى الأثمان، وأما المبيع فهو البدن والعمر والحياة، خالصة لله تعالى... وأما الثمن فهو الجنة ورضاء الله تعالى، ولا تباع النفس لله تعالى إن كانت مدساة، وإنما البيع الرابح للنفس المزكاة {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها}.

أما وإن النفس لدى معظمنا ثلاثة: بطن وجيب وشهوة، فكيف يمكن الفرار من هذه الثلاث؟ فالمرء وحده لا يمكنه الفرار من ذلك إلا بعون الله ثم بصحبة أهل الحب والذكر{قد أفلح من تزكى} أي بصحبة المزكي، وقد أفلح من زكاها على يد المزكي.

إن النفس محاربةٌ لله، وليس في ملكوت الله محارب له إلا النفس الأمارة بالسوء، والشيطان مزين لكن النفس وقاعة في الشهوات، ولو صدق المسلم في ذكر الله صباحاً ومساءً لأمكن أن يصدق بالبيع لله تعالى، عندئذ لا يعمل عملاً كبيراً أو صغيراً إلا ويقصد به وجه الله تعالى، قال بعض العارفين: "لما خلق الله النفس قال لها: من أنا؟ قالت: أنت أنت وأنا أنا، فسلّط الله عليها الفقر – البلاء – الهم والحزن...وفي كل ذلك تقول أنت أنت وأنا أنا، فلما سلط عليها الجوع قالت: أنت الله وأنا النفس".

وفي الحديث: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع).

والله لن يتذوق عبد لذة الطاعة ولا يشعر بالحضور مع الله ما لم يزك نفسه.

وأقول:

بعد أنْ بَيّنَ اللهُ تعالى حالَ الْمُنافقين وفَضَحَهم لسوءِ طويَّتِهم وبيّن تَخَلُّفَهُم عن غزوةِ تبوك؛ وذكر أقسامَهم وأعطى كُلَّ قِسْمٍ ما يليقُ به؛ عادَ القرآنُ ليبيّنَ حالَ الصادِقين الْمُخْلِصين مِن المؤمنينَ؛ الذين تغلّبَتْ محبّةُ الله تعالى عليهم، فوصَفَهم قائلاً:



إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ:

الإيمان نوعان: إيمان عقيدة لا يزيد ولا ينقص وهو الاعتقاد أن الله واحد لا شريك له.

وإيمان الأعمال فيزيد بكثرة الطاعات وينقص بارتكاب الزلات والمعاصي.

ومن الدعاء : (اللهم زدنا ولا تنقصنا).

الشّراءُ استعارةٌ عن قَبولِ الله تعالى مِن المؤمنين أنفسَهم وأموالَهم؛ التي بذلُوها في سبيلِه، وإثابَتِه إيّاهم بِمقابِلِها الجنّةَ، فاللهُ بِمنـزلَةِ الْمُشْتَري، والمؤمنُ بِمنـزلةِ البائعِ، وبَدَنُه وأموالُه بمنـزلَةِ الْمَبِيعِ، والْجنةُ بِمنـزلَةِ الثمنِ الذي هو الوسيلَةُ.



قال الحسن: سَمعوا والله ببيعةٍ رَابِحةٍ وكفّةٍ راجحَةٍ، بايعَ اللهُ تعالى بها كُلَّ مُؤْمِنٍ، واللهِ ما على وَجْهِ الأرضِ مُؤمنٌ إلاّ وقد دخل في هذه البيعةِ.



اشترى منهم أنفسَهم أنْ لا يُعْمِلُوها إلاّ في طاعَةٍ، وأموالَهم أنْ لا يُنْفِقُوها إلاّ في سبيلِ الله، ولقد قدم النفس على المال لأنها هي التي تسعى لكسب المال، لذا فالمؤمن يجعل عينه لترى عظمة الخلق وأذنه ليسمع أوامر الله، والعقل ليتفكر كيف يلقى الله؟ لقاء محب عاشق ولهان أم لقاء زاهد مبتعد؟ ويفكر: من أنت أيها الإنسان وقد خلق الله لك الجنة وسخر لك كل شيء.



واشترى منك سبحانه لسانك للذكر والشكر، والقلب ليعيش على حب الله والشوق إليه يشتعل بنار العشق والتولّه حتى يقول صدقاً وحقاً: لا إله إلا الله، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه: (إذا سألت فأسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله......).

هذا حال المؤمن الذاكر.



إن الله هو الخالق وهو الواهب وهو المنعم المتفضل، فهو خلق لك نفسك ومالك، واللهُ لا يخلق إلا كمالاً ولا يشتري إلا كمالاً، فهل صرت أيها المؤمن على مستوى الكمال لتبيع إلى الله تعالى نفسك ومالك؟ إن محبَّ الدنيا واللاهثَ وراء شهواتها لا يصلح لعملية البيع هذه فمن أراد البيع وجب عليه أن يقدم البضاعة سليمة لا غش فيها، فالعمر لا يصرف في غفلة، والوقت لا يصرف في لهو، ومن مات قلبه بكثرة الضحك وحب الشهوات فإنه لا يصلح للبيع إلى الله تعالى، فمن أراد فما عليه إلا أن يفتش عَمَّن يبدل فيه قلب الكلب إلى قلبٍ يكون بيت الرب ومهبط أنواره سبحانه، لذا فإن أولياء الله يتسابقون في عملية البيع لقوله تعالى: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}، وإذا فُتح المزاد في السوق فقد وجب على العاقل أن يعرف كيف يتاجر ويبيع، ولو أنَّ العمر كان كعمر سيدنا نوح ثم بذله المؤمن لله تعالى فهو الرابح بكل تأكيد، أما إن الثمن جنة فيها (مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر).

فمن أراد البيع فليفتـش قلبه، هل طهَّره لله تعالى؟ وقد ورد في الحديث القدسي:

(طهرت موضع نظر الناس إليك سنين فهل طهرت موضع نظري إليك ساعة؟).

أما وإن البيع للسلعة لا يكون إلا بيعاً واحداً أي لمرة واحدة لا مرتين، وإن البيع لله تعالى لا يعني ترك الدنيا والأهل فسيد الخلق وأصدقهم بيعاً سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده الصديق والفاروق رضي الله عنهم، فقد قال عليه الصلاة والسلام:

(ما بال أقوام ..........أما أنا فأصوم وأفطر وأصلي وأفتر ........ومن رغب عن سنتي فليس مني).

ولما كان شراء الله من المؤمنين فقد وجب على المؤمن عرض نفسه على صفات المؤمنين الواردة أول سورة المؤمنين ليرى إن كان منهم أم لا: {قد أفلح المؤمنون............يرثون الفردوس الأعلى}.

وأول سورة الأنفال: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله .......المؤمنون حقاً}.

فمن اتصف بهذه الصفات فذلك هو المؤمن الحق الذي يشتري الله منه، فهل عرف المسلم هذه الصفات ليرى إن كان أهلاً للبيع أم لا؟

قال صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة .....)؛ فهذا الذي يبقى على طهره ونقائه وصفائه يصلح أن يبيع.

ومن أخطأ فإن الله جعل له تطهيراً وهو التوبة والاستغفار، فمن استغفر صبح مساء 100 مرة فقد حافظ على نقائه وطهره ولقد بين الله سبحانه وتعالى أن الإنسان كل الإنسان خاسر إلا الذين آمنوا {والعصر .......بالصبر} فالمؤمن لا يخسر لأنه يضبط وقته ويحفظ نفسه فيجعل ذلك كله في الدلالة على الله.

ومن لم يكن مؤمناً حقاً فهو خاسر والخاسر لا تُعرض بضاعته على أهل الكمال.

اشترى اللهُ تعالى مِن العبادِ إتلافَ أنفسِهم وأموالَهم في طاعَتِه، وإهلاكَها في مَرْضَاته، وعوّضَهم عنها بفضله الجنّةَ، وهو عَرْضٌ لا يُدانيه ثَمَنٌ، ولا يُقاسُ به جوهرٌ، فمِن العبدِ تسليمُ النفسِ والمالِ، ومِن اللهِ تعالى عظيمُ الأجرِ والثوابِ، وسُمّي هذا شِرَاءً.

الجودُ بالمال جُودٌ فيه مَكْرُمَةٌ

والجودُ بالنّفْسِ أقصى غايةِ الْجُودِ


فمن لم تمت نفسه لا يحسن بيعه، وللنفس موتتان: موت شهواتها وملذاتها في ذات الله.

والموت الثاني موت الجسد في سبيل دين الله ونشر دعوته.

ولذا فقد كان الصحابي يقول: يا رسول الله ما الذي يضحك الرب؟ فيقول أن تموت حاسراً غير دارع، فيخلع درعه ويقاتل حتى يستشهد.

ومن أراد قبول بيعه فلا بد له من الإخلاص في عمله فمن كان مرائياً فقد خسر خسراناً مبيناً.

هذا بيع النفس وأما بيع المال، فمن ذا الذي يملك مالاً أمام الله تعالى، وقد ورد: (يقول الإنسان: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت ....) وعندما يقول العبد: مالي، فكأنما يقول: مالي ليس لي. و الحق أن المال من الله وإلى الله فهنيئاً لمن أخذ المال من الله فضلاً ورده إليه قرضاً.



سبب النزول:

روى ابنُ جريرٍ عن محمّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ وغيرِه قالوا: قال عبدُ اللهِ بنُ رَوَاحة لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم: ـ وذلك لَمّا بايَعَ الأنصارُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بيعةَ العقبَةِ الثانيةِ، وكانوا سبعين رجلاً مِن أَهْلِ المدينَةِ ـ قال: يا محمّدُ اشترِطْ لربّكَ ولنفسكَ ما شئتَ، فقال صلى الله عليه وسلم: (أشتَرِطُ لِرَبِّي أنْ تعبُدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأشترطُ لنفْسِي أنْ تَمْنَعُونِي مِمّا تمنعونَ منه أنفسَكُم وأموالَكم) قالوا: فما لنا إذا نَحنُ فعلْنَا؟ قال: (الجنة)، فقالوا: ربحَ البيعُ؛ لا نَقِيلُ ولا نَسْتَقِيلُ. فنـزلت: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى}.(1)



وأخرج ابنُ أبي حاتم عن جابر بنِ عبدِ الله قال: نزلتْ هذه الآيةُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} فكبّر الناسُ في المسجد، فأقبلَ رجلٌ مِن الأنصار ثانياً طَرَفَيْ رِدائِه على عاتِقِه فقال: يا رسولَ اللهِ أَنَزَلَتْ هذه الآيةُ؟ قال: (نعم)؛ فقال الأنصاريُّ: بَيْعٌ رَبيحٌ، لا نَقِيلُ ولا نستقيلُ.(2)

وأخرجَ ابنُ سعدٍ عن الشعبِيِّ قال: انطلقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالعبّاسِ بن عبدِ الْمطّلِبِ، وكان ذا رَأْيٍ إلى السبعين مِن الأنصارِ عند العقبةِ، فقال العبّاس: لِيتكلّمْ مُتَكَلِّمُكم ولا يُطِلِ الخطبةَ، فإنّ عليكم للمشركين عَيْنَاً، وإنْ يعلموا بكم يفضَحُوكم، فقال قائلُهم ـ وهو أبو أُمامَةُ سعدٌ ـ : يا محمّدُ سَلْ لربِّكَ ما شِئْتَ، ثم سَلْ لِنَفْسِكَ ولأصحابكَ ما شئتَ، ثم أخبِرْنا ما لنا مِن الثواب على اللهِ وعليكم إذا فعلنا ذلك؟ فقال: (أسألُ لِرَبِّي أنْ تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأسألُكم لنفسي وأصحابي أنْ تُؤْوُنا وتـنصرونا وتَمْنَعُونَا مِمّا تمنعونَ منه أنفسَكم)؛ قالوا: ما لنا إذا فعلْنَا ذلك؟ قالالجنّةُ).

فكان الشعبيُّ إذا حدّث بِهذا الحديث قال:

ما سَمع الشِّيبُ والشُّبَّانُ بِخطبةٍ أَقْصَرَ ولا أبلَغَ منها.(3)

تبيِّنُ هذه الآيةُ أنّ الإنسانَ إذا دخل في الإسلامِ فقد عُقِدَ عَقْدٌ بين مُتَبَايِعَيْن: بين مُشْتَرٍ وهو الله سبحانه وتعالى؛ إذْ تفضّلَ وتكرّمَ بِهذا الشراءِ، وبين بائعٍ وهو المؤمنُ، فهل أنت أيها المؤمن مستعد للبيع؟ لتسليم نفسك ومالك لله تعالى؟ وأن تسعى في طاعة الله ومرضاته أينما حللت وحيثما ارتحلت؟

وبَيْعَةُ المؤمنِ لنفسِه ولِماله لله تعالى، ومَن باع شيئاً فَقَدَ التَّصَرُّفَ فيه، وانتقَصَ حَقَّ التَّصَرُّفِ للمشتَرِي، فإذا باعَ المؤمنُ نفسَه للهِ تعالى أصبحَ لا يملك منها وقتاً ولا نَفَسَاً إلاّ بمقدارِ ما يتقرّبُ به إلى الله تعالى، فقد أصبح في سِرِّهِ وجَهْرِه مِلْكَاً لله تعالى، فيتصرّفُ بِصدقِ التَّوَجُّهِ إليه على حسبِ ما أنزل عليه مِن التشريعِ، بإقامَةِ العَدْلِ، وعَدَمِ الظُّلْمِ، وأداءِ الحقوقِ إلى أهلِها وِفْقَ نظامِ شَرْعِه.

ولا يقومُ بِهذه البيعةِ إلاّ أصحابُ النفوسِ العظيمةِ؛ وهم صفوةُ الأمّة الْمُتَّصِفُونَ بكمالِ الإيمانِ والأخلاقِ؛ الذين تَفَانَوا بمحبّة خالِقِهم، وأصبحوا بشعورهم يشعرون بقُرْبِه، ويطمئنُّون بذِكْرِه، هؤلاء الذين باعوا أغلى ما يملكُون مِن نَفْسٍ ومالٍ في حُبِّ مولاهم؛ الذي اشترى منهم بأغلى الأثمانِ بما لا يُطِيقُ العقلُ التفكُّرَ به؛ ألاَ وهي الجنّة.

وإنّ اللهَ تعالى الخالقَ المبدِعَ خَلَقَ النفسَ الإنسانيّةَ بقُدرَتِه واشتراها بفضلِه، واشترى الأموالَ التي هو رَزَقَها بِكَرَمِه بثمنٍ غَالٍ لا مثيلَ له، ولا يُحيطُ العبدُ بِعَظَمَتِه، وأَحَدُ العِوَضَيْنِ جَسَدٌ بالٍ ومالٌ فانٍ، والعِوَضُ الثّاني الجنّةُ الباقية والسعادَة الدائمةُ، فالربحُ حاصِلٌ والْهمُّ والغَمُّ زَائِلٌ.

ومن أراد الإيمان فليسمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول:

(الإيمان عفة عن المحارم......).

(الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته....).

(والمؤمن من أمنه الناس ......).

قال رجل: يا رسول الله أمؤمن أنا؟ قالسل جيرانك فإذا شهد لك ثلاثة من جيرانك فأنت مؤمن).

قيل: إنّ الشيطانَ يُخاصِمُ ربَّه بهذه الآيةِ فيقولُ: يا ربِّ في شَرْعِكَ إنِ اشترى المشتري معيُوباً رَدَّهُ بالعَيْبِ، وإنّ نُفوسَ عبادِكَ وأموالَهم معيوبَةٌ، فَرُدَّهَا إِلَيَّ بِشَرْعِكَ وعَدْلِكَ يكونوا معي، فيقولُ اللهُ: أنت جاهلٌ بِشَرْعِي وعدلي وفضلي، إنّ المشتري إذا كان صاحبَ فَضْلٍ وَكَرَمٍ لا يَرُدُّ البيعَ.

فيَخْسَأُ الشيطانُ.

وقال جعفرُ الصّادقُ: يا ابنَ آدمَ اعرِفْ قَدْرَ نفسِك، فإنّ اللهَ عرّفَكَ قَدْرَكَ، ولم يرضَ أنْ يكونَ لك ثَمَنٌ غيرَ الجنة.




--------------------------------------------------------------------------------

(1) الطبري 11/35، القرطبي 8/267، الدر 11/294 عن عبد الله بن رواحة.

(2) الدر 11/294.

(3) الدر 11/295.
__________________

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17-11-2006, 02:39 PM
الصورة الرمزية سامي
سامي سامي غير متصل
مشرف الملتقى الإسلامي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2006
مكان الإقامة: فلسـطيــن
الجنس :
المشاركات: 9,499
الدولة : Palestine
افتراضي

بارك الله فيكي اختي الكريمة

وجعله الله في ميزان حسناتك
__________________
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17-11-2006, 10:44 PM
الصورة الرمزية MODY_NOKIA
MODY_NOKIA MODY_NOKIA غير متصل
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Feb 2006
مكان الإقامة: السعودية
الجنس :
المشاركات: 140
الدولة : Egypt
افتراضي

جزاكى الله خيرا اختنا الكريمه ( ريحانه دار الشفاء)
جعله الله فى ميزان حسناتك
__________________






رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تعالوا نتعلم الســـــــــــــــحر؟؟ أبــو أحمد الملتقى العام 14 24-11-2007 12:54 AM
معاً نتعلم كيف نضرب أطفالنا وســـــــــام* ملتقى الأمومة والطفل 13 07-10-2007 08:07 PM
كيف تغتسل من الجنابة؟ ...ادخل وتعلم.. الفقير الى الله الملتقى الاسلامي العام 13 27-10-2006 06:01 PM
التصميم الجديد لبرجي مركز التجارة العالمية ابو ايمان الملتقى الترفيهي 2 21-03-2006 01:59 AM


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 71.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 68.35 كيلو بايت... تم توفير 2.67 كيلو بايت...بمعدل (3.76%)]