غزة رمز للعزة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7826 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 52 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859509 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393877 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215997 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 83 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-02-2024, 03:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي غزة رمز للعزة

غزة رمز للعزة (1)

مختصر للأوضاع التاريخية في غزة



كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد أسس الكنعانيون مدينة غزة في القرن الخامس عشر ق. م، التي كانت عبر التاريخ محورًا في طرق القوافل التجارية في العالم القديم، ولم يكن لغزة طوال تاريخها حكمًا مستقلًا حيث احتلها بسبب موقعها الجغرافي غزاة كثيرون، لكن بعد أن فتحها المسلمون العرب عام 635م صارت مركزًا إسلاميًّا مهمًّا.
ويمثِّل قطاع غزة حاليًا المنطقة الجنوبية من السهل الساحلي الفلسطيني المطل على البحر الأبيض المتوسط، ويأخذ القطاع شكل شريط ساحلي ضيق يقع شمال شرق شبه جزيرة سيناء، يبلغ طول قطاع غزة نحو 41 كيلو متر، بينما يبلغ عرضه ما بين 6-12 كيلو متر، وتبلغ مساحته الإجمالية نحو 365 كيلو متر، ويشهد القطاع حاليا كثافة سكانية عالية إذ يسكنه رغم صغره نحو 3و2 مليون نسمة، غالبيتهم مسلمون مع أقلية من النصارى.
ولقطاع غزة حدود مع فلسطين التاريخية بطول 51 كيلو متر، وحدود مع مصر عند رفح بطول 11 كيلو متر، ويتكون القطاع من خمس محافظات: محافظتي: غزة وشمال غزة شمالًا، ثم محافظة دير البلح في الوسط، وجنوبًا محافظتي: خان يونس، ورفح. وفي القطاع شارعان رئيسيان طويلان: شارع صلاح الدين الذي يمتد بطول القطاع بدايته من أعلاه شمالًا (شمال غزة) حتى أسفله جنوبًا (رفح) بطول نحو 45 كيلو متر، وشارع الرشيد (الكورنيش) الممتد بطول ساحل البحر المتوسط. والقطاع صيفه حار شبه جاف، وشتاؤه ممطر دافئ، تهطل غالبية أمطاره بين شهري: نوفمبر وفبراير.
ومن الناحية التاريخية:
كان قطاع غزة -وهو جزء من فلسطين والشام- تحت حكم الدولة العثمانية حتى عام 1918م، ثم أصبح -كسائر أرض فلسطين- بعد هزيمة الدولة العثمانية وسقوطها في الحرب العالمية الأولى تحت الانتداب البريطاني. وعند صدور قرار منظمة الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين كانت غزة ضمن حدود الدولة العربية في فلسطين، وبعد حرب 1948 وطبقًا لاتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل في 24 فبراير 1949 وضع خط للتقسيم -وليس بخط حدود دولية- وأصبح القطاع تحت إدارة العسكرية المصرية لتتولى مصر إدارة شئونه.
وقد شهد القطاع خلال حرب 1948 وما بعدها نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى القطاع والمعيشة فيه، فارين من اعتداءات ومجازر اليهود؛ الذين عمدوا إلى تهجير هؤلاء الفلسطينيين بالقوة من ديارهم داخل إسرائيل المعلن عنها في 15 مايو 1948، وكذلك من الأراضي التي سعى اليهود إلى احتلالها وضمها إلى إسرائيل المعلنة رغم أنها داخل حدود الدولة العربية الفلسطينية في قرار تقسيم فلسطين عام 1947 بين اليهود والعرب، وقد أقيمت لهؤلاء اللاجئين مخيمات للعيش فيها، ونظرًا لضخامة أعدادهم وشدة احتياجاتهم كان إنشاء وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين في نوفمبر 1948، التي تطورت في ديسمبر 1949 من هيئة إغاثة إلى هيئة للإغاثة وللتشغيل أيضًا، والتي عرفت اختصارًا باسم: (الأونروا).
وكان غرض الغرب من إنشاء هذه الهيئة هو العمل على تحويل قضية فلسطين بعد نكبة 1948 إلى مجرد قضية لاجئين، حيث لجأ كثير من الفلسطينيين النازحين إلى دول عربية مجاورة، بينما لجأ 55% من النازحين إلى فلسطين العربية وقطاع غزة؛ مما تسبب في مضاعفة عدد السكان بالقطاع الذي أصبح مكتظًا بالسكان.
وقد قُدِّر وقتها عدد اللاجئين الفلسطينيين بنحو 752 ألف لاجئ، منهم نحو 20 ألف فقط يعملون وقادرون على إعالة أنفسهم؛ بالإضافة إلى إعالة نحو 60 ألف آخرين، ونحو 150 ألف لهم وسائل خاصة يمكنهم العيش منها، بينما هناك نحو 652 ألف في حاجة إلى المعونة والإغاثة، وقد ساهمت 33 دولة في تمويل هيئة الإغاثة وقتها بمبلغ تجاوز 30 مليون دولار. (راجع: الأهرام عدد الجمعة 8 ديسمبر 2023، ص 2).
حكومة عموم فلسطين:
اتخذت الجامعة العربية قرارًا بإنشاء حكومة فلسطينية، باسم: (حكومة عموم فلسطين)، واختارت الجامعة (أحمد حلمي باشا) أحد الشخصيات العربية الوطنية رئيسًا لتلك الحكومة، وأعقب ذلك عقد المؤتمر الفلسطيني الوطني في غزة في 30 سبتمبر 1948 لإضفاء الشرعية الشعبية على الحكومة، وشهد المؤتمر حضورًا كبيرًا. وقد اعترفت مصر بحكومة عموم فلسطين في 12 أكتوبر 1948، وكذلك اعترفت بها من الدول العربية كلٌّ من المملكة السعودية والعراق وسوريا ولبنان واليمن، إلى جانب اعتراف أفغانستان بها.
ولتكوين نواة لجيش فلسطيني لهذه الحكومة تم تدعيم قوات (الجهاد المقدس) المشاركة في حرب 1948، وتم تأليف قيادة لإدارة شئون القتال في المنطقة الجنوبية من فلسطين، وكانت وحدات هذا الجيش تعمل تحت إشراف القيادة المصرية، ولكن مع تدهور أحوال القتال خلال حرب 1948 وتعرض الجيوش العربية للهزائم، وتزايد عدد اللاجئين الفلسطينيين الفارين إلى قطاع غزة زادت مشاكل القطاع الاقتصادية، ومع تزايد الخطر المحدق اضطر أعضاء الحكومة إلى مغادرة غزة.
وفي اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل في فبراير 1949 تم تحديد تسليح قطاع غزة، وألزمت مصر بأن تكون قواتها هناك دفاعية، مما أعاق البرنامج العسكري لحكومة عموم فلسطين.
ورغم وجود تأييد عربي لحكومة عموم فلسطين؛ إلا أن الحكومة فقدت الفاعلية المطلوبة للاستمرارية لعدة أمور، منها:
- عدم تواجد إجماع عربي على الاعتراف بهذه الحكومة.
- عدم السعي الجاد للحصول على اعتراف العالم الخارجي لهذه الحكومة.
- عدم انسحاب الدول العربية من الأجزاء الفلسطينية الموجودة تحت سيطرتها وتسليمها لهذه الحكومة، مع إبقاء القوات العربية المقاتلة للوقوف أمام العصابات اليهودية.
- عدم تقديم الدعم المالي الكافي لتلك الحكومة.
- عدم تشكيل جيش فلسطيني لإنقاذ فلسطين وتحرير ما فقد منها.
ورغم اعتراف الأمم المتحدة وقتها بإسرائيل بالأردن فلم تصدر من الأمم المتحدة أي إشارة إلى اعترافها رسميًّا بحكومة عموم فلسطين كممثل للشعب الفلسطيني، ولعل مما ساهم في عدم الاعتراف هذا فقدان تلك الحكومة للإجماع العربي أو التأييد العربي القوي لها، ولفتور الجامعة العربية في التعامل مع تلك الحكومة.
وفي 23 سبتمبر 1952 قررت الجامعة العربية تجميد أعمال حكومة عموم فلسطين، وبوفاة أحمد حلمي باشا رئيس حكومة عموم فلسطين أسدل الستار على هذه الحكومة. (للاستزادة راجع في ذلك: "حكومة عموم فلسطين في ذكراها الخمسين"، تأليف: محمد خالد الأذعر، وتقديم محمد حسنين هيكل - ط. دار الشروق).
مصر وإدارة قطاع غزة:
تولت مصر إدارة غزة عبر مرحلتين: الأولى: كانت بين عامي: 1948 و1956، والثانية: بين عامي: 1957 و1967، وبينهما كانت هناك مدة قصيرة استولت فيها إسرائيل على القطاع خلال العدوان الثلاثي عام 1956.
وقد تولى عبد الله رفعت الحكم الإداري المصري في المرحلة الأولى، وفيها أعانت مصر القطاع على وضع دستور لحكم غزة، مما مهد بعد ذلك في إقامة أول مجلس نيابي فلسطيني خلال المرحلة الثانية من الحكم الإداري المصري للقطاع، والذي افتتح رسميًّا في مدة حكم مصر الثانية للقطاع، بينما تولى اللواء محمد حسن عبد اللطيف منصب الحاكم الإداري للقطاع في عام 1957، واستمر في هذا المنصب حتى حرب 1967، أي: طوال عشر سنوات كانت الأراضي الصالحة للزراعة في غزة لا تتجاوز ثلث مساحة القطاع، والباقي مجرد كثبان رملية، وكانت الموالح أهم المحاصيل، إلى جانب محاصيل صغيرة من العنب والتين، والتفاح والمشمش، بينما كانت غلة الحبوب ضعيفة؛ لذا تقرر إقامة مشروع لاستصلاح الأراضي غير المزروعة لتحسين الإنتاج الزراعي.
أما النشاط الصناعي في القطاع فلم يكن له شأن إذ كان هناك مصنعًا ميكانيكيًّا لصناعة النسيج معطلًا، ويتم صناعة النسيج يدويًّا مع قلة تواجد الغزل، مما ترتب عليه استيراد القطاع الأقمشة من الخارج، وكانت هناك صناعة الصابون ومعاصر لزيت السمسم، إلى جانب دبغ الجلود وصناعة طوب البناء، ونظرًا لضعف اقتصاد القطاع فكانت مصر تتحمل في فترة إدارتها للقطاع سد أي عجز بين الإيرادات والمصروفات، كما كانت تدعم مصر القطاع بالدقيق لإغاثة الفقراء، وتصدر أيضًا الغزل المصري للقطاع. (راجع: الأهرام عدد الجمعة 24 نوفمبر 2023، ص 2).
وقد شهدت غزة في المرحلة الثانية لحكم مصر الإداري إقامة أول مجلس نيابي فلسطيني، والذي تم اختياره بالتعيين مع مراعاة وجود ممثلين عن كل بلدة في القطاع، مع وجود عضو ممثل للاجئين أيضًا في القطاع، وقد افتتح أعمال المجلس أنور السادات السكرتير العام للاتحاد القومي مندوبًا عن الرئيس عبد الناصر.
احتلال إسرائيل لغزة:
ظلت غزة من بعد حرب 1948 تحت الإدارة المصرية، ولكن خلال العدوان الثلاثي من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل على مصر في عام 1956 استولت إسرائيل على قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، ثم أرغمت إسرائيل بعد ضغوط دولية على الانسحاب من قطاع غزة ومن سيناء، لتتولى مصر من جديد إدارة شئون القطاع.
وقد شهد قطاع غزة خلال مدة الاحتلال القصيرة تلك مجازر من إسرائيل، وتعقبًا للشباب الفلسطيني الذين كانوا ينتمون لجيش التحرير، كما حاولت إسرائيل خلال هذه المدة من الاحتلال تغيير واقع القطاع تمهيدًا لضمه إلى أراضيها، ولكن تصدى لها أهل غزة، كما حاولت إسرائيل تدويل القطاع عن طريق تعديل مهام واختصاصات قوات الطوارئ في المنطقة لتبقى غزة تحت حكم قوات الطوارئ بعيدًا عن الرعاية المصرية، ولكن تصدى لها الأهالي مرة أخرى مدعومين من مصر ففشلت المحاولة، وظلت قوات الطوارئ حتى انسحابها مقتصرة على واجباتها الأساسية من مراقبة وقف إطلاق النار، وتعقب القوات المعتدية إلى خطوط الهدنة، وفي ظل استقرار الحكم المصري الإداري للقطاع انسحبت قوات الطوارئ من أراضي القطاع، وخلال حرب يونيو 1967 استولت إسرائيل على قطاع غزة مرة أخرى.
غزة تحت الاحتلال الصهيوني:
شهدت غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي من يونيو عام 1967 ظروفًا غاية في القسوة والسوء حيث:
- فر من غزة عشرات الآلاف من أهالي القطاع خوفًا من ارتكاب مجازر إسرائيلية جديدة، كما حدث خلال الاحتلال العسكري لغزة خلال العدوان الثلاثي في عام 1956.
- منعت سلطة الاحتلال عودة كل من كانوا خارج قطاع غزة من أهله من الفلسطينيين عند اندلاع حرب 1967 من العودة إلى القطاع، واعتبرتهم من النازحين الذين ليس لهم حق العودة لأرضهم وديارهم، ولم تعد تشملهم أي إحصائيات إسرائيلية للقطاع.
- دأبت قوات الاحتلال طوال سنوات الاحتلال على القيام بالعقوبات الجماعية للفلسطينيين في القطاع من خلال اقتحام المنازل ليلًا للبحث عن السلاح واعتقال الكثيرين من الرجال والشبان لمدد مختلفة دون توجيه تهم إليهم، إلى جانب فرض حظر التجوال على السكان.
سرحت سلطة الاحتلال الآلاف من موظفي الحكومة من الفلسطينيين، وأحرقت بعض مراكب الصيادين لحرمان أصحابها من مصدر رزقهم.
- منع قيام أي مؤسسات أو نقابات فلسطينية.
ومن خلال تلك القبضة الحديدية للاحتلال:
- تكرر من بداية السبعينيات فرض حظر التجول من وقت لآخر في المخيمات، وتكررت عمليات التدمير المتعمد لمنازل أي مشتبه فيهم لدى سلطة الاحتلال، وتكرر الإتلاف لمساحات كبيرة من بساتين البرتقال بدعوى تمهيد الطرق للمركبات الإسرائيلية، وكان يصحب ذلك عمليات تفتيش للبيوت بطريقة همجية والضرب بوحشية، والاستجواب والاعتقال، والتعذيب والسجن لفترات متفاوتة لمئات الفلسطينيين، وفرض الغرامات الكبيرة بآلاف الشيكل (العملة الإسرائيلية) على الأهالي، مع تواجد دوريات عسكرية تجوب الشوارع في كل المدن والقرى لإحكام السيطرة على القطاع.
- تم شق الطرق داخل المخيمات المكتظة بالسكان بعد تجريف آلاف المنازل، وتشريد الآلاف من سكانها ونقل الكثير منهم إلى سيناء المحتلة في 1967 وإلى (أريحا) المحتلة في الضفة الغربية لنهر الأردن.
- فرض الكثير من القيود والتضييق على الدراسة خاصة الجامعية والرقابة على الصحف، ومنع أي أنشطة نقابية، ومنع أي أنشطة أدبية أو ثقافية تعبر عن الهوية الفلسطينية، ومنع أي تظاهر أو تجمع سلمي باستخدام القوة المفرطة؛ مما تسبب مرارًا في قتل وجرح متظاهرين واعتقال المئات منهم وحبس الكثيرين منهم حبسًا إداريًّا تعسفيًّا، إلى جانب فرض العديد من صور الضرائب والرسوم المرتفعة على سكان القطاع. ورغم صدور قرارات شجب متعددة من منظمة الأمم المتحدة لتلك السياسات الظالمة والممارسات الوحشية، فلم تتوقف سلطة الاحتلال عن تلك السياسات والممارسات، بل تزايدت وتيرتها وشدتها مع الأيام.
معاناة سكان القطاع تحت الاحتلال:
- عانى سكان غزة من تدخل سلطة الاحتلال الإسرائيلية في شئون الدراسة والتعليم من خلال إرغام الطلاب الفلسطينيين على الانصياع لما تفرضه عليهم على حساب القيم والهوية العربية الفلسطينية، بل ودفع الاحتلال الشباب إلى ترك الدراسة والتعليم، والتوجه إلى سوق العمل أو الهجرة خارج القطاع تحت وطأة الحياة الاقتصادية الصعبة في القطاع نتيجة لإضعاف الاحتلال لاقتصاد القطاع من خلال التحكم الكامل فيه وتوجيهه، إذ عمدت سلطة الاحتلال ربط اقتصاد القطاع المنهك باقتصاد إسرائيل المتطور بما يحقق الهيمنة على اقتصاد القطاع لخدمة الاقتصاد الإسرائيلي، وجعل سوق القطاع المحلي سوقًا مغلقًا لتصريف البضائع والمنتجات الإسرائيلية، واتخاذ القطاع ليكون طريقًا بصورة غير مباشرة لغزو المنتجات الإسرائيلية لأسواق الدول العربية المجاورة.
- كما عانى سكان غزة من ضعف وتدهور الأوضاع الصحية، إذ أهملت سلطة الاحتلال تحسينها فعانى الأهالي بصورة دائمة من ضعف ونقص الخدمات الصحية اللازمة، يتضح ذلك عند مقارنة الأوضاع الصحية في غزة والأوضاع الصحية داخل إسرائيل، وهو ما دفع الفلسطينيين أصحاب الأمراض الشديدة إلى طلب العلاج في المستشفيات داخل إسرائيل.
مقاومة أهل القطاع للاحتلال:
رغم شدة قمع سلطة الاحتلال فقد قاوم الفلسطينيون الاحتلال وتصاعدت صور المقاومة وبلغت ذروتها في (انتفاضة الحجارة) عام 1987م، وقد سميت تلك الانتفاضة التي بدأت في 8 ديسمبر 1987 بانتفاضة الحجارة حيث كانت الحجارة هي الأداة الرئيسية للمقاومة فيها؛ خاصة من الأطفال الفلسطينيين، والذين أطلق عليهم إعلاميًّا (أطفال الحجارة).
بدأت شرارة الانتفاضة من قطاع غزة بنزول الفلسطينيين إلى الشوارع للتظاهر، وقيامهم بمواجهة الدوريات الإسرائيلية وقذفها بالحجارة، وامتدت إلى سائر المناطق المحتلة الأخرى. وقد بلغت وحشية جنود الاحتلال في مواجهتها؛ أن قاموا بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، وتكسير عظام الأطفال، وإجهاض الحوامل، وغير ذلك من الممارسات التي أظهرت للعالم على قلة نقل صورها وتداولها إعلاميًّا، مقدار القمع المفرط للاحتلال والظلم الفادح للفلسطينيين.
استمرت تلك الانتفاضة مشتعلة طوال عامي: 1988 و1989 ببسالة وشجاعة منقطعة النظير رغم ضخامة التضحيات التي قدمتها، وقد تحولت الانتفاضة إلى عصيان مدني واسع في مواجهة الاحتلال. وفي المقابل قام جيش الاحتلال بحملة اعتقالات واسعة، وضرب وتعذيب بلغ حد تكسير عظام المتظاهرين والمعتقلين عقابًا لهم على قذفهم لجنود الاحتلال بالحجارة، إلى جانب هدم المنازل ومصادرة الممتلكات والأراضي.
وقد بلغ المعدل اليومي لشهداء الانتفاضة مع نهاية الشهر الثامن للانتفاضة ما بين 3 - 4 شهداء يوميًّا، ومعدل الجرحى نحو 396 جريحًا يوميًّا؛ منهم أطفال ونساء وشيوخ، وقد تم اعتقال نحو 30 ألف معتقل ومعتقلة، وبلغ عدد الجرحى والمصابين ممن كسرت عظام أطرافهم نحو 17 ألف مصاب، منهم 25% من الأطفال، وتم نسف نحو مائة بيت ترك سكانها في العراء، كما تم إبعاد 28 شابًا فلسطينيًّا عن وطنهم بدعوى قيادة الانتفاضة، وتعرضت أكثر من 200 امرأة فلسطينية من الحوامل للإجهاض.
وقد شهدت تلك الانتفاضة ظهور حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وكانت البداية من (جباليا) في غزة، ومع دخول عام 1990 تراجعت وتيرة الانتفاضة وتحولت إلى مواجهات محدودة بعد أن كانت جماهيرية.
وفي أعقاب حرب تحرير الكويت (حرب الخليج الثانية) تمكنت المساعي الأمريكية من رعاية مفاوضات للسلام بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. وبعد اتفاق (أوسلو) في سبتمبر 1993 قبلت إسرائيل فيها قيام حكم ذاتي محدود للسلطة الفلسطينية الوليدة في قطاع غزة وفي أريحا بالضفة الغربية، وعليه تم استقبال ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية استقبالًا جماهيريًّا عند دخوله غزة في 11 يوليو 1994.
الانتفاضة الفلسطينية عام 2000:
بدأت الانتفاضة في أعقاب الزيارة الاستفزازية للإرهابي آريل شارون للمسجد الأقصى، حيث جرت مواجهات بين المصلين في المسجد الأقصى وجنود الاحتلال الذين أطلقوا الرصاص على المصلين، فكانت الشرارة للانتفاضة التي امتدت من القدس إلى كل أرجاء فلسطين. وقد تميَّزت هذه الانتفاضة بشدة وتصاعد العمليات المسلحة من رجال المقاومة الفلسطينية ضد جنود الاحتلال، وقد حشدت سلطة الاحتلال 60 ألف جندي لمواجهة الانتفاضة ودفعت بمئات من الدبابات والطائرات، وهاجمت المدن الفلسطينية بشراسة من البر والجو والبحر، ودمرت البنية التحتية في الأراضي الفلسطينية، بل ودمرت مؤسسات السلطة الفلسطينية.
وقد بلغ عدد الشهداء 4412 فلسطينيًّا، وبلغ عدد الجرحى 48322، بينما قتل من الجيش الإسرائيلي 334 جنديًّا، وقتل من المستوطنين اليهود 735 مستوطنًا، بينما بلغ عدد الجرحى 4500 إسرائيليًّا، مع إعطاب 150 دبابة إسرائيلية، وتدمير عدد من المدرعات وسيارات الجيب الإسرائيلية. وقد شهدت تلك الانتفاضة عدة اجتياحات إسرائيلية للضفة الغربية وقطاع غزة، وكان من أصعب أحداث الانتفاضة التي تداولتها وكالات الأنباء العالمية فيديو مقتل الطفل (محمد جمال الدرة)، وهو يحتمي في حضن أبيه الأعزل الذي كان يختفي بدوره خلف (برميل) حجري يتقي به رصاص جنود الاحتلال الذي لا يتوقف، وأيضًا مقتل الطفلة (سارة) وهي داخل سيارة والدها، وضرب سيارات الإسعاف لمنع وصولها إلى الجرحى والمصابين من الفلسطينيين. وقد توقفت الانتفاضة بصفة رسمية بتوقف العمليات العسكرية عقب اتفاق هدنة تم توقيعه في شرم الشيخ في فبراير 2005 بين الرئيس الفلسطيني محمد عباس أبو مازن -الذي تولى رئاسة السلطة الفلسطينية بعد وفاة ياسر عرفات- وبين أريل شارون -المتسبب في هذه الانتفاضة- رئيس وزراء إسرائيل وقتها.
حماس وحكم غزة:
مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 1987 ظهرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بقيادة اثنين من قادة الإخوان المسلمين: الشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وبدأ التحضير للعمل المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي. وفي عام 1991 اعتقلت سلطات الاحتلال الشيخ أحمد ياسين -رئيس حركة حماس- والمئات من أعضاء الحركة، وحكم على الشيخ بالسجن مدى الحياة، ثم أفرج عنه في عام 1997 خلال عملية تبادل أُفرِج فيها عن اثنين من عملاء الموساد كان ألقي القبض عليهما في الأردن مقابل الإفراج عن الشيخ.
وعندما أجرت السلطة الفلسطينية انتخابات المجلس التشريعي الأول عام 1996 قاطعتها حماس، وعقب تنفيذ حماس لعدد من العمليات العسكرية ضد جنود الاحتلال اغتالت إسرائيل الشيخ أحمد ياسين في 22 مارس 2004، ثم اغتالت الدكتور عبد العزيز الرنتيسي في 17 إبريل 2004.
وفي عام 2005 وافقت الحكومة الإسرائيلية على خطة شارون بالانسحاب الأحادي من قطاع غزة، وبالفعل انسحبت القوات الإسرائيلية من قطاع غزة بالكامل في 12 سبتمبر 2005 حيث أعلن انتهاء الحكم العسكري الإسرائيلي للقطاع، وقد عدت حماس ذلك انتصارًا لها.
وقد فرضت إسرائيل عقب انسحابها سيطرتها الخارجية على القطاع بحصاره برًّا وبحرًا وجوًّا، كما سيطرت سيطرة غير مباشرة على الحياة الداخلية في القطاع من خلال التحكم في بوابات الدخول والخروج من القطاع، كما أقامت منطقة عازلة داخل القطاع، وأعطت نفسها حق اقتحام القطاع والتوغل فيه في أي وقت شاءت.
شاركت حماس في الانتخابات المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة فحصلت على 38% من أصوات الناخبين. ثم شاركت في يناير 2006 في الانتخابات التشريعية الثانية، فنالت أغلبية مقاعد المجلس التشريعي أكثر قليلًا من نصف المقاعد، بينما حصلت منظمة فتح في تلك الانتخابات على أكثر قليلًا من ثلث المقاعد، ونظرًا لكون رئيس السلطة الفلسطينية (أبو مازن) من منظمة فتح، ولكون معظم موظفي السلطة أيضًا من منظمة فتح، وكذلك أجهزة الأمن الفلسطينية تابعة لمنظمة فتح، فقد ظهرت العقبات أمام تشكيل حركة حماس التي تمارس المقاومة المسلحة لحكومة السلطة الفلسطينية؛ خاصة وأن هذه السلطة إنما تعمل متعاونة مع الاحتلال الإسرائيلي، مما يجعل الجمع بين التزامات السلطة وبين الاستمرار في المقاومة المسلحة متعارضًا.
عرضت حماس تشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن الفصائل الفلسطينية الأخرى أحجمت عن المشاركة، بينما عارضت إسرائيل حكم حماس، كما أعلنت الإدارة الأمريكية مقاطعة حكومة حماس، مع إبداء تأييدها لمحمود عباس الذي طالب بتشكيل حكومة وحدة وطنية تلبي المطالب الدولية.
اندلعت الاشتباكات بين فتح وحماس، وجرت محاولة لاغتيال وزير داخلية الحكومة التي شكلتها حماس، وأخرى لاغتيال (إسماعيل هنية) رئيس هذه الحكومة، وبعد جهود عربية لحل الأزمة تم التوصل إلى (إعلان مكة) في 8 فبراير 2007؛ وعليه قدم هنية استقالة حكومته، مع تكليفه بتشكيل وزارة جديدة في مناطق الحكم الذاتي، لكن إعلان مكة لم يمنع تجدد الاقتتال بين فتح وحماس من جديد وتدهورت الأحوال، فقامت حماس بالسيطرة بالقوة على قطاع غزة في يونيو 2007 لتنفرد بحكمه، وبالتالي فصله سياسيًّا وجغرافيًّا عن الضفة الغربية، وهو ما اعتبرته فتح انقلابًا عسكريًّا.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-02-2024, 08:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غزة رمز للعزة

غزة رمز للعزة (2)

الحروب الإسرائيلية على غزة




كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمنذ أن تولت حركة حماس -التي ترفع شعار المقاومة- الحكم في قطاع غزة، سارعت إسرائيل إلى العمل على إضعافها والسعي إلى القضاء عليها، واتخاذ المواقف العدائية تجاهها، بفرض الحصار عليها، والسعي لكسب التأييد الدولي لعزل حماس، مع عرقلة تواصل المفاوضات بين الفلسطينيين، وامتنعت كذلك عن مواصلة الانسحاب من الضفة الغربية خشية سيطرة حماس عليها، كما حالت بين حماس وبين السيطرة على أي معبر لغزة، وسرعان ما تطورت الأمور إلى التصعيد الإسرائيلي الميداني من خلال سياسة الاغتيالات والاعتقالات والاجتياحات للقطاع، وإظهار التعنت والشدة في التعامل مع الفلسطينيين عامة وقطاع غزة خاصة، والتمادي في إلحاق الأضرار البالغة بهم، وفي خطوة لا مثيل لها عمدت إلى اعتقال وزراء ونواب من حماس، والتهديد بتصفية رئيس حكومتها (إسماعيل هنية).
وبلغ الأمر ذروته بقيام إسرائيل في تحدٍّ سافر بشن ثلاثة حروب عنيفة على القطاع في أعوام 2008 و2012 و2014 لتوجيه ضربات عسكرية موجعة مباشرة ضد حركة حماس للقضاء عليها، ولزعزعة ثقة سكان قطاع غزة خاصة وسائر الفلسطينيين عامة في قدرة حماس على مواجهة إسرائيل، وفي قدرتها على حماية الفلسطينيين ومصالحهم الحيوية في قطاع غزة.
الحرب الإسرائيلية الأولى عام 2008:
أطلقت إسرائيل على هذه الحرب اسم: (الرصاص المصبوب)، وأطلقت حماس على مواجهتها اسم (حرب الفرقان)؛ كان الغرض الأساسي للقوات الإسرائيلية إنهاء إطلاق حماس لصواريخها من غزة على جنوب إسرائيل والمستوطنات بطريقة رادعة، بينما كان غرض حماس من التصدي لهذا العدوان إفشال العدوان، ورفع الحصار المفروض فعليًّا على قطاع غزة.
بدأ العدوان الإسرائيلي بعد انتهاء تهدئة بين إسرائيل وحماس تم الاتفاق عليها برعاية مصرية في يونيو 2008 تعهدت فيها حماس والفصائل الفلسطينية بالامتناع عن إطلاق صواريخها على المستوطنات والمدن الإسرائيلية، في مقابل قيام إسرائيل برفع الحصار عن غزة وفتح المعابر والامتناع عن أعمالها العدائية.
رفضت حماس مد التهدئة عقب انتهاء مدتها؛ نظرًا لأن إسرائيل لم تفِ بتعهداتها -كالعادة- برفع الحصار وفتح المعابر طوال مدة التهدئة السابقة، بل قامت بـ(162) اختراق للهدنة بمبررات واهية أو بدون؛ كان أشدها القيام بغارة جوية على قطاع غزة أسفرت عن مقتل 6 من المسلحين من حماس؛ بالإضافة إلى الاعتداءات المتكررة ضد الصيادين الفلسطينيين واعتقال مدنيين فلسطينيين؛ لذا قامت حماس والفصائل الفلسطينية بعد انتهاء فترة الهدنة في يوم الجمعة 19 ديسمبر بإطلاق صواريخ وقذائف هاون على المستوطنات الإسرائيلية وعلى جنوب إسرائيل ردًّا على تجاوزات إسرائيل السابقة، وقابلت إسرائيل ذلك بالتهديد بالقيام بعملية عسكرية ضد القطاع.
ورغم المساعي الدولية والمصرية للتهدئة ومنع العدوان الإسرائيلي، قامت إسرائيل يوم السبت 27 ديسمبر 2008 -وهو يوم راحة في الديانة اليهودية- بشن عدوان وحشي على قطاع غزة استمر حتى يوم 18 يناير 2009، في مواجهة غير متكافئة بين قوات الجيش الإسرائيلي المدعومة جوًّا وبحرًا وبين حماس والفصائل الفلسطينية المسلحة محدودة الإمكانيات؛ تعمدت القوات الإسرائيلية خلالها قتل المدنيين الفلسطينيين العزل، وتدمير البنية التحتية لقطاع غزة.
بدأ العدوان بقيام 80 طائرة إسرائيلية بقصف مكثف لأهداف حددتها، منها: المقار الأمنية لحماس، والأماكن التي يتوقع أن فيها يتم إنتاج الصواريخ أو إطلاقها، إلى جانب أهداف مدنية كانت منها منشآت صحية ومستشفيات، ومقر الهلال الأحمر الفلسطيني، والجامعة الإسلامية في غزة، والمدارس، والمنازل، والمساجد. وبوحشية مفرطة استعملت القوات الإسرائيلية قنابل الفسفور الأبيض الحارقة المحرمة دوليًّا، التي تصيب مَن يتعرض لها بحروق مؤلمة وقاتلة، مع استخدام مادة اليورانيوم المخففة، حيث وجد لها آثار في أماكن تم الهجوم عليها في العدوان، مما أسفر عن استشهاد أكثر من 420 فلسطينيًّا وجرح أكثر من 2000 آخرين معظمهم من المدنيين والأطفال والنساء.
وفي اليوم الثامن من العدوان قامت القوات الإسرائيلية باجتياح بري موسع للقطاع مدعومة بطائرات الأباتشي وطائرات (إف 16)، وطائرات الاستطلاع، ودبابات (الميركافا)، مع القصف الذي شنته البوارج البحرية الإسرائيلية على طول الخط الساحلي لقطاع غزة على البحر الأبيض المتوسط.
وفي المقابل: تصدت حماس والفصائل الفلسطينية للقوات المهاجمة برًّا، كما أطلقت صواريخها القصيرة والمتوسطة المدى على جنوب إسرائيل والمستوطنات، وفي الأسبوع الرابع من العدوان أوقفت إسرائيل إطلاق النار، فأعلنت الفصائل الفلسطينية هدنة لمدة أسبوع كمهلة لانسحاب القوات الإسرائيلية، لتنتهي أحداث المعركة العسكرية.
وإلى جانب الخسائر المادية الفادحة في قطاع غزة نتيجة العدوان الغاشم، فقد استشهد 1417 فلسطينيًّا، وجرح 4336 آخرين، بينما اعترفت إسرائيل بمقتل 10 إسرائيليين، ومقتل 30 من المدنيين، وجرح 400 آخرين.
الحرب الإسرائيلية الثانية عام 2012:
أطلقت إسرائيل على هذه الحرب اسم: (عامود السحاب)، بينما أطلقت حماس على مواجهتها اسم: (حجارة السجيل)؛ جاء العدوان عقب إطلاق كتائب القسام الجناح العسكري لحماس صواريخها على جنوب إسرائيل ردًّا على اغتيال إسرائيل لـ(أحمد الجعبري) أحد أكبر قادة كتائب القسام، وهو يقود سيارته في وسط مدينة غزة، وقع هذا الاغتيال رغم وجود اتفاق تهدئة بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية برعاية مصرية.
بدأ العدوان يوم 14 نوفمبر 2012 واستمر لمدة 8 أيام دون قيام إسرائيل باجتياح بري للقطاع، ورغم الإعلان عن استدعاء 75 ألف جندي احتياط إسرائيلي، وحشد آلياتها العسكرية على حدود القطاع الشرقية. قصفت القوات الإسرائيلية ورش لتصنيع الصواريخ ومنصات إطلاق لها ومخازن للأسلحة، والأنفاق المستخدمة في تهريب الأفراد والبضائع التي رصدتها إسرائيل، إلى جانب قصف مبانٍ حكومية ومؤسسات، ومدارس ومنازل، ومساجد، وقد استخدمت في القصف قنابل ثقيلة من وزن طن؛ مما تسبب في مجازر بشعة أودت بعائلات فلسطينية بأكملها.
وفي المقابل: أبدت حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية بسالة غير عادية في الرد على هذا العدوان، كشفت عن تطور نسبي في إمكانياتها؛ إذ استخدمت صواريخ جديدة بعيدة المدى، وصل مداها ولأول مرة إلى مدن (هرتسيليا) و(تل أبيب) و(القدس). وقد قصفت المقاومة الفلسطينية البلدات والمواقع الإسرائيلية بـ(1573) صاروخًا وقذيفة، كما استهدفت الطائرات والقطع البحرية الإسرائيلية.
وقد كشفت تلك الحرب عن امتلاك حماس والفصائل الفلسطينية لترسانة كبيرة نسبيًّا من الصواريخ تتحسن مع الوقت مع قدرتها على تصنيع صواريخ قصيرة المدى محليًّا يصل مداها إلى 10 و20 كيلو متر، مع امتلاكها صواريخ تصميمها صيني يصل مداها إلى 40 كيلو متر، إضافة إلى صاروخ (فجر 5) الذي يمكنه أن يصيب مدينة (تل أبيب)، ورغم أن هذه الصواريخ غير معقدة الصنع وغير دقيقة التوجيه لكنها شكَّلت خطرًا على إسرائيل، وحققت إصابات وخسائر بشرية ومادية مباشرة.
بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين في ذلك العدوان 162 شهيدًا، منهم 42 طفلًا و14 امرأة، و8 شيوخ، وأصيب 1300 آخرين، بينما بلغت خسائر إسرائيل البشرية المعترف بها 6 أفراد، اثنان من العسكريين و4 من المدنيين؛ إضافة إلى 240 جريحًا. وقد امتنعت إسرائيل عن الاجتياح البري الموسع للقطاع خلال هذا العدوان خشية تكبدها خسائر مشابهة لما تكبدته في حربها مع حزب الله الشيعي في جنوب لبنان وقتها.
الحرب الإسرائيلية الثالثة عام 2014:
وهي أشد هذه الحروب الثلاثة وأطولها؛ إذ استمرت خمسين يومًا، وقد أطلقت إسرائيل عليها اسم (الجُرُف الصامد)، بضم الجيم والراء، بينما أطلقت حماس على مواجهتها: (العصف المأكول)، وأطلقت حركة الجهاد الإسلامي على مواجهتها اسم: (البنيان المرصوص).
جاء العدوان الإسرائيلي عقب وقوع عملية فدائية في الخليل جنوب الضفة الغربية، ولم تعلن أي منظمة فلسطينية عن مسئوليتها عنها، بينما سارع (نتنياهو) رئيس الحكومة الإسرائيلية بتحميل حماس مسئوليتها، فشنت قوات الاحتلال حملة اعتقالات لكوادر من حماس في الضفة العربية، ثم قامت بعدها بإعادة اعتقال عشرات الفلسطينيين في الضفة الغربية ممن كان قد تم تحريرهم في صفقة لتبادل أسرى فلسطينيين مقابل تحرير الجندي الإسرائيلي المختطف (جلعاد شاليط)، وتخلل ذلك قصف وتصعيد من جيش الاحتلال ضد المقاومة الفلسطينية، في الوقت الذي نشرت فيه إسرائيل بطاريات منظومة (القبة الحديدية) في مدنها للتصدي لأي صواريخ تطلقها الفصائل الفلسطينية.
بدأ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في منتصف ليلة 7 يوليو 2014 بشن غارات جوية على مواقع متفرقة من القطاع، وكان الغرض من العدوان: القضاء على قيادات حماس، والقضاء على البنية العسكرية للمقاومة الفلسطينية، من خلال تدمير قواعد إطلاق الصواريخ ومخازن السلاح ومستودعات الذخيرة؛ لذا سبق العدوان جهود كبيرة من المخابرات الإسرائيلية لجمع أكبر قدر من المعلومات عن البنية التحتية لفصائل المقاومة العسكرية، واستدعت إسرائيل عشرات الألوف من جنود الاحتياط للمشاركة في المعركة، واستخدمت إسرائيل في عدوانها كل أسلحة قواتها الجوية والبرية والبحرية، فأسقطت على القطاع نحو 40 ألف طن من المتفجرات، وشنت أكثر من 10 آلاف غارة مدفعية، استخدمت فيها قذائف شديدة الانفجار أحدثت دمارًا كبيرًا، كما استخدمت كالعادة قنابل الفسفور والقنابل الحارقة المحرمة دوليًّا، بينما أطلقت الزوارق الإسرائيلية من البحر صواريخ وقذائف بحرية شديدة الانفجار على المنازل والمباني الفلسطينيية، إذ اعتبرت قوات الجيش الإسرائيلي في وحشية مفرطة غير مبررة كل مبنى فلسطيني هدفًا مشروعًا لها، فضربت محطات معالجة المياه، وقصفت المؤسسات المالية والمصرفية، والمنشآت الصناعية والتجارية، وهدمت المستشفيات والمراكز والمنشآت الصحية، واستهدفت سيارات الإسعاف، والجامعات والمدارس الحكومية والخاصة والمدارس التابعة للأمم المتحدة (الأونوروا)، وقوارب الصيد، كما قصفت المناطق السكنية كثيفة السكان مما تسبب في مجازر راحت ضحيتها عشرات العائلات الفلسطينية بأكملها، وبدت غزة بعد العدوان السافر وكأنها تعرضت لزلزال عنيف مدمر.
المواجهة الفلسطينية:
كانت الفصائل الفلسطينية قد أعدت عدتها لمقاومة الاعتداءات الإسرائيلية على قدر الإمكانيات المتاحة لها، لكنها أدهشت الجميع:
1- ففي مواجهة التوغل والاجتياح البري توسعت المقاومة في إنشاء الأنفاق المحفورة تحت الأرض، بعمق ما بين خمسة إلى عشرين مترًا كسلاح مؤثر يمكن من خلالها تحرك وتنقل رجال المقاومة في الخفاء وبسرعة وسهولة، بعيدًا وفي مأمن من طيران ومدرعات العدو، بل ويمكنها منها التسلل خلف خطوط العدو الأمامية واستهداف مواقعه العسكرية ومناطقه القريبة منها.
لقد بنت الفصائل شبكة سرية كبيرة وكثيفة من هذه الأنفاق تمتد لعدة كيلو مترات تحت الأرض، منتشرة تقريبًا في كل حي وشارع، لها مداخل ومخارج أشبه بمدينة كاملة تحت الأرض، فكانت لكثرتها وضخامتها مفاجئة صادمة للعدو الإسرائيلي، وقد استخدمت بعض هذه الأنفاق بالفعل في التسلل إلى داخل الكيان الصهيوني لمهاجمة أهداف أو زرع عبوات، ولتسهيل عمليات أسر وخطف جنود إسرائيليين وإخفائهم فيها، وكذلك نقل البضائع والأسلحة المختلفة لكسر الحصار الشامل الصارم المفروض على قطاع غزة من قبل جنود الاحتلال الذي استمر سنوات طويلة.
2- طورت الفصائل الفلسطينية صواريخها كسلاح فعال تنقل به أرض المعركة من قطاع غزة إلى داخل إسرائيل، وتحدث بها خسائر مباشرة تهدد بها أمن إسرائيل وسكانها، حيث يعد سكان إسرائيل في حقيقة الأمر محتلين غاصبين لأرض فلسطين العربية الإسلامية، فقد طردوا الشعب الفلسطيني من أرضه وأرض آبائه وأجداده، وأحلوا محله يهودًا جيء بهم من شتات الأرض من خلال احتلال استعماري عنصري بغيض، يهود يحصلون على جنسية الدولة وحق الإقامة فيها بمجرد دخولهم إليها، ويجدون فيها السكن والعمل، ويتمتعون فيها بخيرات الفلسطينيين وثروات بلادهم، ويعد كل واحد منهم -لقلة سكان إسرائيل ولكونها دائمًا في حالة حرب، وتقوم بعمليات عسكرية لا تتوقف ضد الفلسطينيين والعرب- هو جندي من جنود جيش الاحتلال لهذه الدولة، إما بالتجنيد الإجباري أو بكونه من جنود الاحتياط الذين يتم استدعاؤهم للقتال عند الحاجة وفي أي وقت وعند كل تعبئة للجيش، طالما أن سنه يسمح له بالمشاركة في القتال، أي: لإسرائيل حق طلبه للخدمة في الجيش الإسرائيلي متى احتيج إليه.
واليهود لا يقرون بحق الشعب الفلسطيني في الوجود داخل أرضه والعودة إليه بعد أن أجبروه على النزوح منها بالقوة الغاشمة، ولا يقبلون منه حق المقاومة أو الدفاع عن حقوقه المشروعة، ولا يتورعون عن تشتيته في بقاع الأرض أو إبادته إبادة جماعية بكل وسائل العدوان، بلا رادع من دين أو إنسانية، أو قوانين ومواثيق دولية، ومن خلال مجازر ومذابح وحشية مروعة، ومن خلال القمع والاعتقال والسجن والتهجير والإبعاد، ومن مصادرة الأراضي وإتلاف المزروعات، وهدم البيوت ونسف المنازل ومداهمة المخيمات باستمرار، ومن مصادرة الأموال وفرض الغرامات والضرائب المجحفة على الفلسطينيين المصرين على التمسك بالبقاء في ديارهم وفي مدنهم المحتلة.
3- صارت صواريخ المقاومة الفلسطينية أبعد مدى وأكثر حمولة من المتفجرات وأدق تصويبًا في استهداف أهدافها، مع القدرة الكبيرة على تصنيعها محليًّا وإخفائها وتخزينها؛ صواريخ تطلق من منصات أرضية وتحت أرضية، ثابتة ومتحركة، مع القدرة على التمويه، مع إمكانية إطلاقها بأعداد كبيرة في وقت واحد، وعلى علو منخفض يعوق أي رصد لها بالرادارات، وبالتالي صعوبة اعتراضها قبل الوصول لأهدافها، حيث:
- استخدمت المقاومة صواريخ سوفيتية الصنع من طراز (كاتيوشا) و(جراد)، من عيار 107 ميليمتر، يبلغ مداها 10 كيلو متر.
- استخدمت صواريخ (القسام 1 والقسام 2)، ومداها من 9 - 12 كيلومتر.
- استخدمت صاروخ (القسام 3) المتطور، ومداه 16 كيلو متر.
- استخدمت صاروخ (الكاتيوشا) عيار132، ومداه 15 كيلو متر.
- استخدمت صاروخ (فجر 5) الإيراني الصنع المطور في سوريا، ويبلغ مداه 100 كيلو متر، أي: يمكنه الوصول إلى تل أبيب عاصمة إسرائيل، بحمولة تفجيرية 90 كيلو جرام.
- استخدمت الصاروخ (إم 75) متوسط المدى، مداه 75 كيلو متر، وبحمولة تفجيرية 70 كيلو جرام.
- استخدمت الصاروخ (أر160)، ومداه 120 كيلو متر، بحمولة تفجيرية 45 كيلو جرام.
- استخدمت الصاروخ (إم 302) سوري الصنع، مداه 150 كيلو متر، وحمولة تفجيرية 145 كيلو جرام.
وهذا يبين -وبوضوح- مدى التقدم النوعي في منظومة صواريخ المقاومة الفلسطينية؛ إضافة إلى زيادة كميتها العددية، مع القدرة على إنتاجها محليًّا بمواد مهربة إلى غزة.
وقد اضطرت قوات الجيش الإسرائيلي خلال تلك الحرب إلى الامتناع من استخدام مروحيات (الأباتشي) رغم الحاجة إليها في رصد الأهداف وتحركات المقاومة، وذلك بعد رصد صاروخ (سام7) الروسي الصنع الذي أطلقته المقاومة في سماء خان يونس، وهو صاروخ قادر على إسقاط طائرات الأباتشي المروحية، كما لجأت القوات البحرية الإسرائيلية إلى إعادة توزيع قطعها البحرية الموجودة قبالة ساحل غزة خشية امتلاك حماس لصواريخ أرض - بحر.
- كما نجحت حماس في استخدام طائرة بدون طيار صنعت محليًّا مزودة بكاميرات للتصوير، ورغم قدراتها البدائية، لكن النجاح في تصنيعها يدل على قدرة حماس على تنمية قدراتها الذاتية في مواجهة إسرائيل.
المواجهة الإعلامية:
- لم تغفل المقاومة المواجهة الإعلامية، فوجهت رسالة قصيرة مصورة على موقعها الإلكتروني للمستوطنين حددت فيها مسبقًا موعد إطلاق صواريخ على تل أبيب، كحرب نفسية لكسر هيبة الجيش الإسرائيلي والتلاعب بأعصاب المستوطنين، كما نجح مهندسو حماس في اختراق بث القناة العبرية الثانية واسعة الانتشار وبث رسالة مدتها دقيقتان للجمهور الإسرائيلي. كما اخترقت البريد الإلكتروني لمليون إسرائيلي وأرسلت لهم شارة القسام وبثت بيانًا مصورًا عنها، إلى جانب اختراق هواتف عدد كبير من الجنود الإسرائيليين على حدود غزة والصحفيين ونقل رسائل صوتية إليهم، وتحذير شركات الطيران من تسيير رحلاتها إلى مطار (بن جوريون) لكونه مستهدفًا من صواريخ المقاومة، كما تم إعلاميًّا توثيق شهادات لمقاتلي القسام تتعلق بما قاموا به من عمليات عسكرية ضد قوات الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب.
الهجوم البري الإسرائيلي:
بعد استدعاء قوات الاحتياط قامت القوات الإسرائيلية في اليوم العاشر من العدوان (في 17 يوليو 2014) باجتياح قطاع غزة برًّا، مدعومة بغارات جوية بلغت أعماق غزة لزيادة الضغط على حماس ومنع إطلاق الصواريخ والكشف على الأنفاق، فواجهتها وحدات من كتائب القسام التي نصبت لهم الكمائن باستخدام العبوات الناسفة، إلى جانب حرب العصابات في الشوارع، مع توزيع وحدات من القناصة في الأماكن السكنية.
وتحولت الحرب إلى حرب استنزاف للقوات الإسرائيلية كبدت إسرائيل تكلفة بشرية ومالية كبيرة رغم فداحة وجسامة الخسائر الفلسطينية، مع استمرار تساقط الصواريخ على إسرائيل، وخلال هدنة لمدة 72 ساعة بدء انسحاب القوات الإسرائيلية، ثم أعلن في 5 أغسطس عن وقف إطلاق مفتوح للنار كمرحلة أولى طبقًا لمبادرة من الخارجية المصرية بعد مباحثات غير مباشرة بين الجانبين.
وقد أسفر العدوان الإسرائيلي عن استشهاد 2137 فلسطينيًّا، معظمهم من المدنيين (1723 مدنيًّا)، منهم 382 من النساء و544 من الأطفال، وإصابة 11888 جريحًا، منهم 2889 من النساء و3285 من الأطفال، وتهدم 3000 منزل و62 مسجدًا بصورة كلية، و20 ألف منزل و109 مسجد بصورة جزئية، بينما اعترف الجيش الإسرائيلي بمقتل 65 من ضباطه وجنوده، وإصابة أكثر من 200 آخرين، بالإضافة إلى مقتل 5 من المدنيين.
ولم يسفر العدوان الإسرائيلي الغاشم إلا عن استمرار صمود الفلسطينيين برغم فداحة الخسائر، وتمسكهم بأرضهم ووطنهم أمام وحشية العدوان، بينما تعرضت إسرائيل للانتقادات داخل وخارج إسرائيل، وأجبرت القوات الإسرائيلية على الخروج من قطاع غزة بعد فشل عدوانه في تحقيق أهدافه.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15-02-2024, 10:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غزة رمز للعزة

غزة رمز للعزة (3)

محاولات تهويد القدس والاعتداء على المسجد الأقصى




كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد دخلت القدس -ومعها الضفة الغربية وقطاع غزة- مرحلة جديدة من الصراع بعد أن احتلها اليهود خلال حرب يونيو 1967؛ فقد تزايد عدد المهاجرين اليهود إليها من دول العالم، مع تزايد بناء المستوطنات (المستعمرات) اليهودية، وصاحب ذلك تصاعد الاعتداءات اليهودية على الفلسطينيين.
ولتغيير التركيبة السكانية خاصة في القدس، قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بهدم العديد من بيوت الفلسطينيين وطرد أهلها منها، والعمل على طمس المعالم الإسلامية والعربية فيها من خلال تحويل أسماء المناطق والشوارع إلى أسماء يهودية.
الآثار الإسلامية في القدس:
تزخر مدينة القدس القديمة بالآثار الإسلامية الكثيرة التي تشهد لها بهويتها الإسلامية، وتشهد أيضًا بمدى اهتمام المسلمين بهذه المدينة، ومعلوم أنه طوال قرون الحكم الإسلامي لفلسطين لم يتعرض المسلمون للآثار الدينية الأخرى، من كنائس ومزارات يقصدها زوار القدس وفلسطين منها، ومن خارجها مع منحهم حرية التنقل والصلاة والعبادة.
ومما ينبغي الإشارة إليه في هذا الشأن أنه لا توجد أي آثار يهودية في مدينة القدس القديمة، هذا رغم ما قام به اليهود وغيرهم من العلماء والباحثين الأوروبيين والأمريكان من التنقيب عن الآثار التاريخية اليهودية في المدينة، والتي لم تسفر عن العثور عن أي شيء يذكر لليهود في القدس.
ومما هو متفق عليه أيضًا بين علماء الآثار أنه لا يوجد مكان معروف حتى الآن لهيكل سليمان المزعوم، فهو غير ثابت إلا ما ذكر عنه في كتب أهل الكتاب أنه بني مرتين، ودمر في المرتين، دمره في المرة الأولى (نبوخذ نصر) قبل ميلاد المسيح -عليه السلام-، ودمره في الثانية حاكم البلاد الروماني عام 70 بعد الميلاد.
ومن أشهر الآثار الإسلامية في المدينة القديمة:
- المسجد الأقصى الذي بناه يعقوب -عليه السلام- (أو إبراهيم -عليه السلام-)، وجدده سليمان -عليه السلام-، ثم أعاد بناءه الخليفة عمر بن الخطاب بعد اندثاره. وقد شهد المسجد أعمال ترميم وتجديد كثيرة عبر تاريخ المسلمين الطويل في القدس، خاصة في أعقاب ما كان يصيبه من زلازل وعواصف وأمطار. يبلغ طول المسجد من الداخل 80 مترًا وعرضه 55 مترًا، وهو في فناء واسع مرتفع عن الأرض. وللمسجد سبعة أروقة؛ رواق وسط، وثلاثة من جهة الشرق، وثلاثة من جهة الغرب، وترتفع الأروقة على 53 عمودًا من الرخام وعلى 49 سارية من الحجارة، وفي صدر المسجد قبة، وله 11 بابًا، وفي ساحته 25 بئرًا للماء، 8 منها في صحن الصخرة و17 في فناء الأقصى، وفيها من الماء ما يكفي سكان المدينة. وهناك أربع مآذن، وعدد من القباب والمصاطب، وتوجد به أيضًا أسبلة للشرب.
وقد ارتبط المسجد الأقصى بحياة المسلمين من خلال ما ورد في عظم ثواب الصلاة فيه على غيره من المساجد، غير المسجد الحرام والمسجد النبوي، وقد أسرى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد الأقصى من المسجد الحرام بمكة، وفيه صلى بالأنبياء -عليهم السلام-، ومنه عرج به إلى السماء في ليلة الإسراء والمعراج كما ورد في القرآن الكريم، وفي أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الثابتة عنه.
- مسجد قبة الصخرة، ويعد من أجمل المباني الإسلامية، حتى صارت صوره ترمز عند الكثيرين إلى القدس أكثر من المسجد الأقصى، وقد بناه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.
- المصلى المرواني، وبناه الخليفة الأموي مروان بن الحكم.
- حائط البراق الذي يقع في الجهة الغربية من المسجد الأقصى، ويمثل السور الغربي للمسجد بطول 47 مترًا، وارتفاع 17 مترًا.
- الأوقاف الإسلامية: وتضم كل العقارات التي أوقفها المسلمون عبر التاريخ على المسجد من دور للأيتام، وحمامات، ودكاكين.
- الجوامع الإسلامية: وبلغ عددها 36 جامعًا، غير المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، منها 23 جامعًا خارج سور المسجد الأقصى وداخل المدينة القديمة، و7 جوامع خارج سور المدينة العتيقة؛ بالإضافة إلى العديد من الزوايا التي أعدت لاجتماع الصوفية والغرباء الذين ينزلون القدس من المسلمين فيها، وأيضًا لإطعام الفقراء داخل المدينة العتيقة وخارجها.
- المقابر الإسلامية: وهي عديدة، منها ما اندثر مع الزمان وكان مستعملًا فيما مضى، ومنها ما يزال قيد الاستعمال، ومن أشهرها: مقبرة (باب الرحمة) عند سور المسجد من الشرق، وفيها قبور عدد من الصحابة -رضوان الله عليهم- ممَّن شاركوا في الفتح العمري، ومقبرة (باب الساهرة) قرب باب الساهرة عند سور المدينة القديمة من الشمال. وقيل: إن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- دفن فيها المجاهدين الذين استشهدوا خلال فتح المدينة واستردادها من الصليبيين.
ومن المقابر المشهورة هناك: (مقبرة ماملا) أو (مقبرة مأمن الله)، والتي كانت تعد من أكبر المقابر الإسلامية وأقدمها في القدس القديمة، والتي صدر حظر دفن الأموات فيها عام 1927 لما اتسع العمران، وأصبحت المقبرة في وسطه.
تهويد القدس:
تشير الإحصائيات إلى أنه لم يبقَ خارج دائرة التهويد في مدينة القدس الشرقية إلا نحو 20 % منها؛ إذ إنه ما إن استولى اليهود على القدس الشرقية في يونيو 1967 حتى قاموا بعد أربعة أيام فقط من بداية الحرب وقبل صدور قرار بوقف إطلاق النار بنسف المنازل العربية قبالة الحائط الغربي للمسجد الأقصى (حائط البراق) بعد إمهال أهلها الفلسطينيين ثلاثة ساعات على الأكثر لمغادرتها، وتمت تسوية المكان بالأرض في حي المغاربة، وهو بكل ما فيه يعد من الممتلكات الإسلامية، فقام اليهود بضم أرض هذا الحي بعد هدمه إلى الساحة المقابلة لحائط البراق، وإعداد هذه الساحة لاستقبال الزوار من اليهود، بدعوى أن هذا الحائط هو الجزء المتبقي من هيكل سليمان أطلقوا عليه اسم حائط المبكي)، وربطوا زيارة هذا الحائط بشعائر يتعبدون بها.
وقد ترتب على هدم حي المغاربة هدم مسجد البراق والمسجد الأفضلي، وهدم 125 منزلًا، وطرد وتهجير 650 فلسطينيًّا. وخلال الفترة من عام 1968 إلى عام 1979 استولى اليهود على كل الممتلكات الإسلامية في حي المغاربة وتم توطين اليهود فيها، وتسميته بالحي اليهودي.
- في عام 1979 تم تشكيل (جمعية تجديد الاستيطان في مدينة القدس) والتي تهدف إلى امتلاك العقارات في الأحياء العربية المجاورة للمسجد الأقصى في قلب المدينة، وتوطين أسر يهودية في وحدات سكنية يتم إنشاؤها لهم فيها، وقد نال هذا الاتحاد اعتراف الحكومة الإسرائيلية في عام 1985.
- اتبعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة مصادرة أراضي الفلسطينيين بحجج واهية، حيث صادرت أكثر من 33% من مساحة القدس الشرقية، وجمدت 40 % أخرى، وبنت فيها 27 مستوطنة يهودية، كما صادرت 6 % أخرى لشق طريق يربط بين هذه المستوطنات بعضها ببعض.
وقد امتدت بذلك السيطرة الإسرائيلية إلى 73% من القدس الشرقية مما أوجد تغييرًا ديموجرافيًّا (سكانيًّا) لصالح اليهود فيها، وتخلل ذلك قيام بعض اليهود باحتلال مساكن للفلسطينيين في الأحياء العربية بالقوة بدعوى أنها غير مرخصة من السلطات الإسرائيلية.
- في يناير 1976 أصدرت محكمة إسرائيلية في القدس قرارًا يأذن لليهود بالصلاة في ساحة المسجد الأقصى؛ مما شجَّع على اقتحام المستوطنين اليهود لساحة المسجد من جهة باب المغاربة والمطالبة بإعادة بناء هيكل سليمان المزعوم في ساحة المسجد.
إدانة الأمم المتحدة لتهويد القدس:
خصت الأمم المتحدة ممارسات سلطات الاحتلال لتهويد القدس الشرقية بقرارات إدانة كثيرة، والتي قابلتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالتجاهل التام، وضربت بها كلها عرض الحائط، ومنها:
- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 250 لعام 1968 في 27 أبريل 1968 الذي يطالب إسرائيل بالامتناع عن إقامة العرض العسكري المزمع إقامته في القدس باعتبارها أرض محتلة. وقد تلاه القرار رقم 251 في إبداء أسف الجمعية العامة العميق على إقامة العرض العسكري في القدس رغم قرار المنع الدولي!
- قرار رقم 252 في 21 مايو 1968، وفيه دعوة إسرائيل إلى إلغاء جميع إجراءاتها لتغيير وضع القدس المحتلة باعتبارها إجراءات باطلة.
- قرار رقم 267 في 3 يوليو 1969 وفيه دعوة إسرائيل مجددًا إلى إلغاء جميع الإجراءات التي من شأنها تغيير وضع القدس.
- قرار رقم 271 في 15 سبتمبر 1969 الذي يدين إسرائيل بسبب حريق المسجد الأقصى في يوم 21 أغسطس 1969، ويدعو مجددًا إلى إلغاء جميع الإجراءات التي من شأنها تغيير وضع القدس.
- قرار رقم 298 في 25 سبتمبر 1971 الذي يأسف فيه مجلس الأمن لعدم احترام إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بإجراءاتها لتغيير وضع القدس الشرقية.
- قرار رقم 452 في 20 يوليو 1979 الذي يطالب فيه مجلس الأمن سلطات الاحتلال الإسرائيلية بوقف جميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية.
- قرار رقم 672 في 12 أكتوبر 1990 الذي يدين أعمال العنف التي ارتكبتها قوات الأمن الإسرائيلية في 8 أكتوبر 1990 في حرم المسجد الأقصى، مما أسفر عن مقتل ما يزيد عن 20 فلسطينيا، وعن إصابة ما يزيد عن 150 آخرين من المصلين فيه.
وبالرغم أن كل القوانين والأعراف الدولية تمنع من ضم أراضي الغير أو الاستيلاء على ممتلكات الغير بالقوة، فقد أصدر الكنيست الإسرائيلي في 20 يوليو عام 1980 قرارًا يقضي بأن القدس المحتلة عاصمة أبدية لدولة إسرائيل.
تم ذلك كله في ظل تغاضٍ من الدول الغربية عن كل هذه الممارسات الإجرامية المتكررة والمتعمدة، وفي ظل حماية ودعم أمريكي معلن، وفي مقابل تراخ يثير الاستغراب من الحكومات العربية والإسلامية التي اكتفت -وما زالت تكتفي- بالشجب والاستنكار في المحافل الدولية، دون أي إجراءات فعالة وجادة على أرض الواقع تواجه بها الخطوات العملية التي لا تتوقف من اليهود في فلسطين المحتلة.
القدس الموحدة:
هو اسم أطلقه الصهاينة على القدسين: القدس العربية (الشرقية) والقدس اليهودية (الغربية) معًا؛ إذ إنه بعد حرب 1948 أنشأت القدس الغربية في فلسطين المحتلة لتستوعب اليهود المهاجرين إلى فلسطين، في الوقت الذي كانت القدس الشرقية يقطنها الفلسطينيون من قبل، وتضم القدس الشرقية القدس العتيقة إلى جانب الأحياء التي أقامها الفلسطينيون خارج سور المدينة القديمة، وكانت القدس الشرقية تحت الإدارة الأردنية. وبعد احتلال اليهود للقدس الشرقية في حرب يونيو 1967 كثف اليهود من تواجدهم في القدس الشرقية، ثم قاموا بتوحيد القدسين الغربية والشرقية معًا تحت مسمى واحد هو: (القدس الموحدة)، تمهيدًا لإعلانها عاصمة لدولة إسرائيل، في مخالفة صريحة للقوانين الدولية.
القدس الكبرى:
هي القدس الموسعة التي تدخل فيها المستوطنات (المستعمرات) الإسرائيلية، والتي اعتبرت من قبل سلطات الاحتلال جزءًا من مدينة القدس، في مخطط لمحو الهوية العربية والإسلامية لمدينة القدس، عن طريق زيادة المساحات التي يمتلكها اليهود في المدينة، وزيادة أعداد اليهود فيها، فيتحول اليهود في المدينة من أقلية إلى أغلبية، بينما تصبح مساحة الأرض التي يعيش عليها الفلسطينيون صغيرة، يتناقص تدريجيًّا عدد السكان الفلسطينيين فيها فيتحولون من أغلبية إلى أقلية.
إن مخطط تهويد القدس وزيادة الاستيطان فيها لا يتوقف، بل يتزايد بلا هوادة رغم كل الاحتجاجات الفلسطينية ومصادمات الفلسطينيين مع قوات الاحتلال، ورغم كل الإدانات والقرارات الدولية المنددة بكل ما من شأنه تغيير الأوضاع في القدس؛ خاصة وأن الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في حرب يونيو 1967 هي أراضي عربية محتلة، ورغم اتفاق إسرائيل في (أوسلو) مع السلطة التنفيذية الفلسطينية على خضوع القدس للمفاوضات النهائية بين الطرفين، وبالتالي لا يجوز التصرف فيها بأي تصرفات أحادية غير متفق عليها من طرفين، وما هذا كله إلا لأن إسرائيل لا تجد الرادع الذي يتصدى بقوة لبلطجتها وأطماعها الاستعمارية العنصرية.
جماعة أمناء الهيكل:
يزعم اليهود أن سليمان -عليه السلام- وهو عندهم ملك من ملوك بني إسرائيل لا نبي من أنبيائهم، بنى هيكلًا لذبح وتقديم القرابين، ويدعي اليهود كذبًا وزورًا أن مكان الهيكل هو مكان المسجد الأقصى، وعليه يريدون هدم المسجد لإعادة بناء الهيكل المزعوم مكانه؛ لذا تقوم جماعة (أمناء الهيكل) التي أسست لهذا الأمر بعمل حفريات بحثًا عن بقايا الهيكل المزعوم، وقد بدأت الحفريات في البيوت والمدارس في وحول منطقة المسجد، ثم سرعان ما امتدت منذ عام 1968 إلى أسفل أساس المسجد الأقصى.
وجماعة أمناء الهيكل جماعة يمولها مليونير أمريكي من المسيحيين الأصوليين الموالين للصهيونية ممن يعتقدون في نبوءة تزعم أن المجيء الثاني للمسيح سيعقب قيام دولة لليهود في فلسطين وإعادة بناء هيكل سليمان؛ لذا فهم يدعمون حاليًا بكل قوة مادية ومعنوية الصهيونية العالمية ودولة إسرائيل وفكرة إعادة بناء الهيكل، ويروجون لنبوءتهم المزعومة، وقد بنت هذه الجماعة مدرستين قرب حائط البراق لتدريب طلاب من اليهود على شعائر تعبدية خاصة بالهيكل، بل وقامت بوضع حجر أساس للهيكل المزعوم في عام 1989 في احتفالية دينية قامت بها جماعة الهيكل وبمساندة من المؤسسات الدينية في إسرائيل، بل وتولت تصميم نماذج للهيكل المزعوم ونشرها.
وقد قامت هذه الجماعة بحفر نفق طويل وعميق تحت المسجد الأقصى، وأنشأت بداخله معبدًا يهوديًّا، وأقامت حوله مدارس دينية وكنس (معابد) يهودية لصبغ المكان بالصبغة اليهودية، رغم قرارات الإدانة الدولية لهذا التهويد المستمر للأرض المحتلة، وما زالت إسرائيل مستمرة في عمليات الحفر تحت المسجد الأقصى والتي صارت تهدد وبصورة متزايدة بقاء المسجد الأقصى وتنذر بقرب انهياره.
وقد حاول أحد اليهود الصهاينة المتطرفين إحراق المسجد الأقصى في 21 أغسطس 1969، مما تسبب في إحراق منبر صلاح الدين الأيوبي الأثري، واشتعال النار في سطح المسجد الجنوبي وسقف ثلاثة من الأروقة، وكادت أن تأتي الحرائق على قبة المسجد، وقد أعقب هذا العمل الإجرامي صدور قرار إدانة لإسرائيل من مجلس الأمن، وقد أعلنت سلطات الاحتلال أن الشاب الذي قام بحرق المسجد سيقدم للمحاكمة ثم ادعت أنه معتوه، وأطلقت سراحه بعد ذلك.
إن السعي لهدم المسجد الأقصى لإقامة هيكل سليمان عقيدة يتبناها الصهاينة، ويوافقهم عليها ويشاركهم فيها ملايين من النصارى البروتستانت الإنجيليين خاصة في أمريكا، وقد تكونت هناك الكثير من الجمعيات الصهيونية والبروتستانتية التي تبشر بذلك وتدعو له، وقد جمعت الأموال الضخمة من رعاياها لتمويل ودعم وتنفيذ فكرة هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم، وهي تؤيد وتدعم تهويد القدس إعلاميًّا وسياسيًّا، وقد امتد نشاط أتباع هذا المعتقد ليشمل من لهم نفوذ قوي في السياسة الأمريكية في الحزب الجمهوري وفي اليمين الأمريكي المحافظ.
ومن أشهر هذه الجمعيات والمؤسسات:
- مؤسسة جبل الهيكل المسيحية الأمريكية: أسسها المليونير (تيري ريزنهوفر)، الذي قدَّم تبرعات بمبالغ كبيرة لمنظمة الهيكل المقدس اليهودية، بغرض العمل على تحقيق النبوءة المزعومة بشأن بناء الهيكل الثالث، وتساهم هذه المؤسسة في بناء المستوطنات الصهيونية، بداية من توفير الأراضي اللازمة إلى دعم مشروع إعادة الهيكل.
- السفارة المسيحية في القدس: أنشأتها الطائف الإنجيلية عام 1980 في القدس، وتتبعها 15 قنصلية في أمريكا، وتقوم بأنشطة للدعاية لصالح إسرائيل في وسائل الإعلام، وتقوم كذلك بتشجيع الأمريكيين على زيارة الأماكن اليهودية في فلسطين بزعمهم، وتقديم الخدمات السياحية لهم، وقد أعدت شريطًا مصورًا يتضمن مخطط إعادة بناء الهيكل مكان المسجد الأقصى.
- هيئة المائدة المستديرة الدينية: وتضم الهيئة عددًا من المنظمات ذات التوجه اليميني، ولها نشاط في غاية السرية لدعم وتأييد إسرائيل لدى اليمين المسيحي الأمريكي.
- منظمة الأغلبية الأخلاقية: تأسست عام 1979، لها توجه ديني سياسي، ولها برنامج إذاعي لمدة ساعة يوميًّا باسم: (ساعة الإنجيل) تبثه مئات المحطات الإذاعية في أنحاء العالم، كما لها مجلة دورية باسم: (صوت النصرانية)، وتنظم رحلات دورية إلى الأراضي اليهودية -بزعمهم- في فلسطين.
- فريق الصلاة لأورشليم، وهي منظمة تؤمن بنبوءة إعادة بناء الهيكل؛ لذا تقدم الدعم لتهويد القدس وتراه واجبًا دينيًّا.
- مؤسسة التعاون اليهودي المسيحي.
تزايد الاعتداءات على المسجد الأقصى والجهر بالمطالبة في المشاركة عليه:
شهدت العقود الماضية خطوات عديدة للاستيلاء والسيطرة على المسجد الأقصى من المستوطنين المتطرفين، رغم مخاوف قادة الحكومات الإسرائيلية من رد فعل العالم الإسلامي والعربي، وإن بدأ هذا التخوف يتلاشى ليتحول إلى تغاض متعمد عن ممارسات هؤلاء المستوطنين، بل وإلى تشجيع وحماية لهم، مما يعد إنذارًا واضحًا لكل ذي عينين عن طبيعة التوجه الحالي سياسيًّا وشعبيًّا في إسرائيل نحو تحقيق الأطماع الصهيونية في هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه، فلم يعد الأمر مجرد نية وأمنية فقط، بل قطعت الأشواط نحو التنفيذ المتدرج واقتربت معه من خطوته الأخيرة.
ولقد شهد المسجد الأقصى محاولات كثيرة لفرض المشاركة اليهودية في المسجد على الفلسطينيين، ومنها:
- فتح نفق إسرائيلي تحت بناء المسجد الأقصى في عام 1996، والاعتداء بالقوة على المتظاهرين الفلسطينيين المحتجين على فتحه؛ مما أسفر عن استشهاد 14 فلسطينيًّا وجرح العشرات، ويسعى اليهود إلى بناء مجمع سياحي وتجاري في ساحة حي المغاربة لتشجيع زيارة اليهود للمكان وجلب الأنظار إليه.
- إصدار فتوى تحث اليهود على الحج إلى جبل الهيكل -حيث المسجد الأقصى- رغم مخالفة تلك الفتوى لما عليه الشريعة اليهودية من منع عامة اليهود سوى الكاهن الأكبر من زيارة جبل الهيكل قبل تطهيره برماد البقرة الحمراء المقدسة عندهم خشية وطء أقدام اليهود مكان قدس الأقداس من الهيكل المزعوم الذي تم تدميره منذ أكثر من 1900 سنة. والغرض من تلك الفتوى: التمهيد لإدخال اليهود لساحة المسجد الأقصى ومشاركة المسلمين فيه تمهيدا للاستيلاء عليه.
- اقتحام الإرهابي المتطرف (شارون) زعيم المعارضة وقتها، ومعه طائفة من اليهود المسجد الأقصى بالقوة في عام 2000، في خطوة لحث اليهود على اقتحام المسجد الأقصى عنوة، وكان ذلك في حماية 1500 من قوات الأمن الإسرائيلي في استفزاز واضح للفلسطينيين المتواجدين بالمسجد الذين قاموا بالتصدي لبلطجة شارون، فوقعت اشتباكات عنيفة أسفرت عن استشهاد 6 من الفلسطينيين، وهو الحدث الذي أدى إلى اندلاع انتفاضة الأقصى في الضفة الغربية وغزة عام 2000م.
- سماح المحكمة العليا في إسرائيل في عام 2001 م لحركة أمناء الهيكل بوضح حجر الأساس للهيكل الثالث قرب باب المغاربة في القدس القديمة.
- تطبيق برامج خاصة في تربية الماشية بغرض إنتاج البقرة الحمراء التي يشترط كما في معتقداتهم ظهورها وذبحها لتطهير أرض الهيكل برمادها بعد حرقها قبل بناء الهيكل، كما في العهد القديم سفر العدد الإصحاح 19؛ إذ يعتقد الكثير من اليهود أن التطهير لا يكون إلا بذبح بقرة أنثى حمراء خالصة لا عيب فيها يكون عمرها ثلاثة أشهر كاملة؛ ولهذا فتوجد في مستوطنة (بيت شلومو) الإسرائيلية مزرعة لتربية الأبقار فيها معهد لإجراء بحوث وراثية تتعلق بالتوصل إلى إنتاج بقرة حمراء خالصة، وكذلك في ولاية (لويزيانا) بأمريكا يجري أيضًا إعداد أعداد من الأبقار الحمراء، لنقلها بعد ذلك إلى إسرائيل.
- استغلال عمليات الحفر والتنقيب عن الآثار التاريخية اليهودية حول وتحت المسجد الأقصى لإضعاف أساسات المسجد ليسهل هدمه أو ينهار ويسقط من تلقاء نفسه في أي وقت.
- إجراء التدريبات الواسعة لآلاف من قوات الأمن والجيش الإسرائيلي المزودة بسيارات وآليات خاصة على اقتحام المسجد الأقصى والسيطرة عليه والتصدي للمصلين فيه والمعتكفين، وهي تدريبات تشير بوضوح إلى التمهيد للاستيلاء على المسجد الأقصى.
- تحويل جوانب من الساحات حول المسجد الأقصى إلى كنس (معابد) يهودية ومدارس دينية، لصبغ منطقة المسجد الأقصى بالصبغة اليهودية تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم مكانه.
- قيام بعض اليهود المتطرفين بإعداد كسارة حجارة خاصة كي ينتج منها مواد لبناء الهيكل، حيث إن من مواصفات الهيكل المزعوم عندهم أن يبنى من عناصر طبيعية لم تمسسها مطرقة أو أزميل.
- جمع وتكديس بعض اليهود المتطرفين كميات كبيرة من المواد المتفجرة في الحي اليهودي بجوار المسجد الأقصى استعدادا لاستعمالها في تفجير وهدم المسجد عند اتخاذ القرار بذلك (راجع في ذلك: (هيكل سليمان: خلاص أم هلاك اليهود؟ عاصم بسيوني، ص 77 - 82).
- سعي اليمين الإسرائيلي مع الحركات الاستيطانية إلى تقسيم المسجد الأقصى تقسيمًا زمانيًّا، يكون فيه للمسلمين أيامًا للصلاة ولليهود أيامًا، أو تقسيمًا مكانيًّا يكون بتقسيم المسجد وساحاته إلى منطقتين: إحداهما عربية، والأخرى لليهود، كما هو في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل المحتلة، كحل نهائي يكون بموجبه لليهود موطئ قدم في مدينة القدس القديمة ويمكنهم إقامة هيكلهم المزعوم. وعليه فقد سمحت سلطات الاحتلال الإسرائيلية حاليًا لليهود باقتحام ودخول ساحات المسجد الأقصى بصورة يومية في حراسة قوات الاحتلال، مع استغلال الأعياد والمناسبات الدينية اليهودية لفرض ذلك، مع بدء العمل في إنشاء جسر حديدي عند باب المغاربة تستكمل به البنية التحتية اللازمة لتقسيم المسجد الأقصى.
- قصر الصلاة في المسجد الأقصى في كثير من الأوقات على الشيوخ وكبار السن من الفلسطينيين، فيمنع من أعمارهم أقل من 45 عامًا من دخول المسجد، ويضيق على رواد المسجد تارة بمنع الصلاة فيه، بالكلية وتارة بمنع الأذان، وتارة بوضع البوابات الإلكترونية ونقاط التفتيش، واعتقال مَن شاءوا، وتارة باقتحام المستوطنين لساحات المسجد في حراسة قوات الاحتلال لإقامة شعائر لهم أو احتفالات دينية والتجول فيها غير مبالين بحرمته وكونه خاص بالمسلمين.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22-02-2024, 12:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غزة رمز للعزة

غزة رمز للعزة (4)

المستوطنات الإسرائيلية وسياسة فرض الأمر الواقع




كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فتقوم أنشطة سلطات الاحتلال الصهيوني على محورين لتقوية قدرتها على ابتلاع أرض فلسطين، هما:
- تزايد أعداد المهاجرين اليهود من شتى بقاع العالم إلى أرض فلسطين، مع تناقص نسبة الوجود العربي الفلسطيني فيها.
- تزايد بناء المستوطنات الصهيونية؛ خاصة في الجزء الشرقي من مدينة القدس، وفي الضفة الغربية.
ومن المعلوم أن التواجد اليهودي في فلسطين في القرون الميلادية الوسطى كان محدودًا جدًّا رغم كل ما عناه اليهود من اضطهاد في أكثر من دولة أوروبية، وهذا الاضطهاد في الغالب ناتج عن أفعال اليهود الإجرامية وغير الأخلاقية مما يكره الشعوب فيهم؛ إذ كان وجودهم لا يزيد عن بضع مئات من الأشخاص وفقًا لتقديرات الرحالة الغربيين الذين زاروا الأماكن المقدسة بين القرنين الثاني عشر والقرن الخامس عشر. وعندما تعرَّض اليهود لاضطهاد الإسبان وحدثت هجرة جماعية كبيرة لليهود من إسبانيا إلى خارجها، انتقل نفر قليل من هؤلاء اليهود الإسبان إلى فلسطين؛ إذ انتقلت الغالبية منهم إلى دول أوروبية أخرى، وإلى بلاد البلقان.
وحتى عام 1880 وقبل ظهور الحركة الصهيونية في أوروبا لم يكن يوجد في فلسطين إلا نحو 25 ألف يهودي من أصل سكان فلسطين وقتها، والبالغ تعدادهم آنذاك 600 ألف نسمة، وأكثر هؤلاء اليهود كانوا من اليهود العرب لا من اليهود الأوروبيين.
وقد ارتبطت بدايات الهجرة اليهودية الجماعية إلى فلسطين في مطلع القرن العشرين الميلادي بإقامة مستوطنات (مستعمرات) لتوطين اليهود فيها، أي: أن هذه الهجرة أخذت شكل التملك والاستيطان وطابع التهويد؛ إذ قام اليهود القائمون عليها بتهويد الملكية ورأس المال والأيدي العاملة، كما منعت أيضًا الوكالة اليهودية هؤلاء اليهود المهاجرين إلى فلسطين ويعيشون في تلك المستوطنات من بيع أراضيها مطلقًا، كما قصرت العمل في مشروعاتها الزراعية فيها على اليهود دون غيرهم.
بدأت الموجة الأولى من الهجرة اليهودية الجماعية إلى فلسطين بين عامي: 1882 و1904 برعاية البارون اليهودي ورجل الأعمال (أدمون دو روتشيلد) ثم برعاية البارون (موريس دو هيرش)، إذ تزعَّم هؤلاء اليهود من رجال الأعمال في تلك الفترة إنشاء مستعمرات لليهود في فلسطين.
فالاستيطان إذًا هو السلاح القديم الذي استخدمه اليهود قبل وبعد الحركة الصهيونية لتثبيت التواجد اليهودي في أرض فلسطين؛ سواء قبل أو بعد عام 1948، أي: قبل قيام دولة إسرائيل وبعدها، وهو أيضًا ما زال سلاحها حاليًا لتثبيت التواجد اليهودي المحتل في فلسطين، فالاستيطان هو إستراتيجية صهيونية أساسية قديمة، إن الاستيطان هو الصهيونية.
مستعمرات لا مستوطنات:
ومما ينبغي التنبه إليه أن اسم (مستعمرة) أو (مغتصبة) هو الأقرب في الدلالة من اسم (مستوطنة)؛ إذ إن كلمة مستوطنة تعني اتخاذ المكان وطنًا، وهي كلمة لها دلالة تاريخية عند الغرب الأوروبي، إذ تعني أن هناك أرضًا بلا شعب أو سكان يتخذها المستوطنون وطنًا لهم، وهو ما تحرص الحركة الصهيونية على الترويج له منذ أن وطأ اليهود بأقدامهم أرض فلسطين في العصر الحديث، أما كلمة مستعمرة فهي تعني عند الغرب الأوروبي الاستيلاء والسيطرة، وفي عالمنا العربي وفي دول العالم الثالث فتتعلق كلمة -مستعمرة- بمعنى الاستعمار البغيض، وهو يتمشى تمامًا مع أطماع اليهود الصهاينة في أرض فلسطين، ويوافق بلا مواربة الغرض من قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين، فإسرائيل دولة استعمارية عنصرية زرعها الغرب ورعاها في المنطقة العربية لتحقيق مصالح الغرب في المنطقة.
وخلال العقود الخمس الماضية عقب حرب يونيو 1967 قامت سلطات الاحتلال الصهيونية ببناء المئات من المستعمرات بناءً على اتفاق ضمني بين مختلف الأحزاب الإسرائيلية بما فيها حزب العمل الإسرائيلي، لإغلاق الباب في وجه العودة إلى حدود ما قبل حرب يونية 1967؛ خاصة في القدس الشرقية.
ومما ينبغي التنبُّه إليه إن:
- هذه المستوطنات ليست مشروعات استثمارية لها جدوى اقتصادية، لكنها وسيلة صهيونية قديمة حديثة ينفق عليها مليارات الدولارات للاستيلاء عن طريقها على الأراضي الفلسطينية، واستخدامها كورقة ضغط إسرائيلية في أي مفاوضات قد تضطر إسرائيل للدخول فيها، فيمكن من خلال تواجد هذه المستوطنات الحصول على أكبر قدر من الأراضي العربية الفلسطينية.
- هذه المستوطنات ما هي إلا بؤر عسكرية، إذ تتسم منذ بداية نشأتها بالطابع العسكري، لكونها تزرع في وسط التكتلات السكانية الفلسطينية بغية إحداث التغيير السكاني المطلوب بزيادة الكثافة السكانية اليهودية في الأراضي ذات الكثافة السكانية الفلسطينية العالية، سواء في القدس الشرقية أو في الضفة الغربية؛ لذا تعد تلك المستوطنات اليهودية حصون عسكرية، تعادي كل ما هو فلسطيني يحيط بها، وهي تقام من أول يوم لها وطوال فترة بقائها في حماية سلطات الاحتلال الإسرائيلية، لأنها تفرض فرضًا على واقع الأرض الفلسطينية رغم الرفض الفلسطيني لها، إذ تقام على أرض الفلسطينيين المغتصبة منهم غصبا.
- هذه المستوطنات تغطي مختلف الأراضي العربية الفلسطينية والعربية المحتلة خاصة في القدس الشرقية وفي الضفة الغربية وفي الجولان، بل كانت هناك عدة مستوطنات يهودية في أرض سيناء خلال احتلال إسرائيل لها، ثم أجبر سكانها على الخروج منها بعد نهاية الاحتلال، وكذلك كانت هناك مستوطنات يهودية داخل قطاع غزة، ثم أجبر سكانها على الخروج منها أيضًا عند الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.
- هذه المستوطنات تمثل شبكة استيطانية تتواصل فيما بينها من جهة، وتساهم بنظام توزيعها في تقسيم وفصل وعزل الأراضي والأجزاء العربية عن بعضها البعض من جهة أخرى، فينقطع التواصل بين هذه الأجزاء العربية وتتحول هذه المدن والقرى الفلسطينية إلى مناطق معزولة محاصرة منفصلة عن الأجزاء العربية الأخرى، ولا يستطيع الفلسطينيون الانتقال بحرية منها وإليها، بل يعيشون محاصرين داخلها، إذ تفصل بين هذه الأراضي العربية المنقسمة المستوطنات اليهودية والطرق المؤدية إليها وتربط بينها، وتتحكم في عشرات البوابات ونقاط التفتيش والحواجز الإسرائيلية.
والمحصلة مستوطنات يهودية مترابطة فيما بينها، ومناطق عربية فلسطينية منفصلة عن بعضها، معزولة محاصرة ليس لسكانها حرية الحركة والتنقل إلا من خلال موافقة وإذن سلطات الاحتلال الإسرائيلية.
- هذه المستوطنات أداة لتحجيم وخفض مساحة التجمعات الفلسطينية، ولوقف النمو السكاني فيها؛ إذ يضيق زمام المدن والقرى الفلسطينية ويقلل من مساحاتها الكلية بالاقتطاع منها لبناء المستوطنات، وفي المقابل لا يسمح للفلسطينيين بالبناء إلا على أجزاء صغيرة وفي أضيق الحدود، رغم تزايدهم السكاني، حيث تحيط المستعمرات بالأراضي الفلسطينية وتحولها مع الوقت إلى مجموعات صغيرة من أبنية متفرقة لا يرتبط بعضها ببعض، ولا مجال لها للتوسع والتمدد. وتتعمد سلطات الاحتلال إلى تجميد المناطق الخضراء بعدم السماح بالبناء عليها لتتحول في حقيقة الأمر إلى أماكن محجوزة لمستوطنات مقترحة أو تحت الإنشاء، أو مناطق احتياطية لتوسع المستوطنات المقامة في المستقبل.
التضييق على الفلسطينيين أصحاب الأرض:
في الوقت الذي تمكِّن سلطات الاحتلال الإسرائيلية كل اليهود المهاجرين القادمين من شتات الأرض في الأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال منح الجنسية الإسرائيلية، وتوفير السكن في المستوطنات، وتوفير فرص العمل وحرية العمل والتنقل، تقوم بالتضييق الشديد على الفلسطينيين أصحاب الأرض التي عاش فيها آباؤهم وأجدادهم من مئات السنين. وتعددت مع الوقت صور العنصرية والاضطهاد للفلسطينيين في الأراضي المحتلة عبر العقود الماضية، وبدرجة مبالغ فيها لا تطاق، ومنها:
- مصادرة الأراضي الفلسطينية بالقوة بمبررات واهية، أو تجميدها ومنع التصرف بالبناء فيها. فمثلًا: مع احتلال القدس في يونيو 1967 أعلنت سلطة الاحتلال عن مصادرة 116 دونما من أحياء البلدة القديمة في القدس، وهدم حي المغاربة، وتهجير السكان العرب من هذه المناطق بالقوة، وذلك لتوسيع رقعة الحي اليهودي -الذي أقيم في القدس مكان حي المغاربة- من 5 دونمات إلى 130 دونما، مع بناء الحي اليهودي في نمط يمزج بين القديم والحديث.
وخارج سور المدينة القديمة: تمت مصادرة 3345 دونما من أراضي حي الشيخ جراح ووادي الجوز وأرض السمار في شتاء 1968، لتقام عليها أحياء استيطانية يهودية، وإقامة أربع مستوطنات (رامات أشكول) و(عفعات همفتار) و(معلوت دفنا) و(التلة الفرنسية)، والتي شكلت أول الأطواق من المستوطنات حول القدس تربط بين القدس الشرقية بسكانها العرب والقدس الغربية وسكانها اليهود، وتم إسكان مستوطنين يهود فيها على عجل، وتم التحكم في الطرق المحيطة بهذه المستوطنات؛ خاصة الشارع الممتد منها إلى (رام الله) شمال القدس. وفي صيف 1970 بدأ بناء الطوق الثاني من المستوطنات في القدس الشرقية بعد مصادرة 11780 دونما وبناء عدة مستوطنات جديدة.
وقد تم ذلك في ظل حكومة حزب العمل التي يصفها البعض بالاعتدال وعدم التطرف والمناداة بالسلام مع الفلسطينيين، والتي حكمت إسرائيل من عام 1967 إلى عام 1977، فوضعت في تلك الفترة أساسات الاستيطان في القدس، وقد بلغت مساحة الأراضي التي صادرتها حكومة حزب العمل في تلك الفترة 17 ألف دونم. وعندما عاد حزب العمل للحكم عام 1992 استثنى القدس من قراره بتجميد بناء المستوطنات في يوليو 1992م.
وفي شتاء 1980 صادرت سلطات الاحتلال 4400 دونما من قريتي بيت حنينا وشعفاط، وقامت ببناء مستوطنتي: (بسغات زئيف) و(بسغات عومر)؛ ليكونا حلقة وصل تصل بين كل من المستوطنات الشمالية والشرقية.
وقد واصلت أيضًا حكومة حزب الليكود المتطرفة -وغيرها من الحكومات الإسرائيلية- سياسة الاحتلال في فرض الأمر الواقع بمضاعفة عدد اليهود في القدس الكبرى من 330 ألف يهودي إلى 750 ألف يهودي من عام 1985 إلى عام 2010، وساهم في تحقيق ذلك الهجرة الكبيرة ليهود الاتحاد السوفيتي السابق. وهذا يؤكد أن الاستيطان والتهويد سياسة ثابتة متفق عليها عند كل الأحزاب الإسرائيلية المتتالية المعتدلة منها في نظر البعض كحزب العمل، أو المتطرفة منها كالليكود أو في الحكومات الائتلافية منها.
وواصلت -وما زالت تواصل- السلطات الإسرائيلية بناء المستوطنات حول القدس وفي الضفة الغربية لتزيد من مساحة الأراضي التي تسيطر عليها من الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي يتم توزيعها بكيفية تشكل حاجزًا دائمًا يفصل بين الأحياء العربية داخل القدس وفي الضفة الغربية عن بعضها البعض، وتتحكم بها في الطرق الموصلة إليها، بينما تترابط وتتواصل هذه المستوطنات مع بعضها البعض، وقد نجحت سلطات الاحتلال في ذلك نجاحًا كبيرًا؛ إذ صار هناك اليوم أكثر من 380 ألف مستوطن يهودي ينتشرون في الضفة الغربية المحتلة، بينما أصبح الفلسطينيون يشكلون أقلية في القدس الشرقية المحتلة نحو 37% فقط من مجموع السكان.
- فرض ضريبة ملكية على السكان العرب منذ عام 1985 بمبالغ مبالغ فيها، حتى مع كونها أراضي غير مسموح بالبناء عليها، لدفع الفلسطينيين إلى التخلص منها، بل صارت أراضٍ منها مطروحة للبيع أو معرضة للمصادرة بسبب ما عليها من الضرائب التي يعجز الكثيرون من أصحابها عن سدادها.
- لا إصدار لتصريحات بناء لوحدات سكنية فلسطينية جديدة كافية لمواجهة النمو السكاني المتزايد للفلسطينيين، ورغم أنه يتم الإعلان على الورق من وقت لآخر عن مشروعات مستقبلية في تلك المناطق. وحال لجوء السكان الفلسطينيين إلى البناء بدون ترخيص تبقى هذه المساكن مهددة دائمًا بالإزالة في أي وقت؛ لكونها بدون ترخيص من سلطة الاحتلال، بينما تعيش عائلات كثيرة معدومة السكن لدى أقارب لهم في أوضاع سكنية صعبة للغاية.
- إسقاط الهوية عن الفلسطينيين، خاصة في القدس، حيث قامت سلطة الاحتلال بمنح السكان الموجودين داخل القدس عند احتلالها بطاقة زرقاء للتعامل بمقتضاها، مما ترتب عليه فقد عشرات الآلاف من الفلسطينيين خاصة من كانوا خارج القدس أو غادروها عند احتلالها. وتتفنن سلطة الاحتلال في وضع القوانين التي تمكن هذه السلطة من حرمان الفلسطينيين من بطاقات هويتهم، وتتعامل مع الفلسطينيين كمقيمين في الأراضي المحتلة لا كمواطنين فيها. وقد تسببت تلك السياسة المتعنتة في فقد آلاف الفلسطينيين لهوياتهم التي تمكنهم من الإقامة -خاصة في القدس-؛ بسبب سفرهم للخارج أو الانتقال لزيارة أقارب لهم أو الانتقال لأماكن محتلة أخرى طلبًا للسكن في ظل أزمة السكن الموجودة.
- منع دخول الفلسطينيين لزيارة القدس والمسجد الأقصى إلا من خلال أذونات خاصة للفلسطينيين، ولا تسمح بدخول سياراتهم، بما يعني تركها خارج المدينة عند دخولها، كما تتعمد سلطة الاحتلال منع المصلين من الضفة الغربية وقطاع غزة من الوصول للمسجد الأقصى للصلاة فيه.
- طرد وتهجير وإبعاد السكان الفلسطينيين قسرا تطبيقا لسياسة الترحيل للسكان العرب أو نقلهم باتجاه الضواحي.
- إفقار المناطق العربية المحتلة بصورة واضحة بسبب حرمانها المتواصل من الخدمات والرعاية الأساسية في شتى جوانب الحياة.
- حرمان المناطق العربية من البنية التحتية من طرق وحدائق وإنارة شوارع، ومن توفير المياه والغاز وبناء الوحدات السكنية الجديدة، وإنشاء المناطق الصناعية والتجارية.
- معاناة الأحياء والمناطق العربية المحتلة من أوضاع معيشية صعبة للغاية، فهي جيوب معزولة، مكونة من منازل قليلة الطوابق، لا طرق جديدة ولا أرصفة، بل طرق قديمة غير معبدة، قليلة المصابيح أكثرها لا يعمل، ولا أماكن كافية لجمع القمامة والمخلفات، ولا اهتمام كافٍ بجمعها ونقلها، ولا حدائق عامة ولا ملاعب.
التضييق على المؤسسات التعليمية الفلسطينية في الأراضي المحتلة بطرق مختلفة، منها:
- تفريغ المؤسسات التعليمية من كوادرها.
- فرض إشراف البلدية الإسرائيلية على امتحانات الثانوية العامة منذ عام 1998م.
- فرض المناهج العبرية على المدارس الفلسطينية في القدس، حيث تدير بلدية القدس 34 مدرسة، في حين تدير وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) معظم المدارس الأخرى. وفي مواجهة ذلك قام بعض الفلسطينيين بإنشاء مدارس خاصة للحد من التحاق التلاميذ الفلسطينيين بالمدارس التي تديرها سلطة الاحتلال.
مجموعة غلاف غزة:
مجموعة غلاف غزة هي مجموعة مستوطنات إسرائيلية تقع على طول الحدود البرية المتاخمة لقطاع غزة بعدة كيلومترات، فيها 57 مستوطنة، يقدر سكانها بنحو 70 ألف مستوطن وفق آخر تحديث إحصائي نشرته دائرة الضرائب الإسرائيلية عام 2019، كما تضم أكثر من 27 ألف عامل أجنبي يعملون في مجال الزراعة. ولمستوطنات غلاف غزة أهمية إستراتيجية وأمنية بالنسبة لإسرائيل.
كان الوجود الإسرائيلي قد انتهى في غزة منذ عام 2005 بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلية منها، وبعد إخلاء 25 مستوطنة كانت مقامة هناك، وقد أنشأت حينها سلطات الاحتلال منطقة عازلة بين القطاع والأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، وتضم المنطقة العازلة حواجز برية وقواعد ونقاط عسكرية وأراضي زراعية.
ومن أبرز المستوطنات والنقاط العسكرية في غلاف غزة:
- مستوطنة سديروت: وهي أكبر وأقرب مستوطنة إلى قطاع غزة من جهة الشمال الشرقي، بها حوالي 35 ألف مستوطن وفق آخر إحصاء تم في عام 2023.
- مستوطنة زيكيم: تقع شمال شرق القطاع وتطل على البحر المتوسط، وبها قاعدة عسكرية.
- مستوطنة بئيري: ويقطنها أكثر من ألف مستوطن.
- مستوطنة ناحال عوز: ويعيش فيها نحو 470 مستوطنًا، وفيها قاعدة عسكرية.
- مستوطنة رعيم: تقع في منطقة شاسعة مفتوحة، ويعيش فيها نحو 430 مستوطنًا، وبها قاعدة عسكرية رئيسية تعد مقرًّا لفرقة غزة التابعة للواء الإسرائيلي الجنوبي.
وقد سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في السنوات الأخيرة على إحداث تغيير ديموجرافي جذري في غلاف غزة من خلال تشجيع السكن فيها؛ حيث قدَّمت إغراءات مادية كثيرة، منها: التخفيضات الضريبية الكبيرة، وإتاحة الوظائف الكثيرة، وتوفير السكن المدعوم، وتشجيع الاستثمارات السياحية الريفية، وإنشاء مزارع للدواجن وإعداد للحقول. وتطمح الحكومة الإسرائيلية بذلك إلى مضاعفة عدد السكان في هذه المستوطنات في الفترة المقبلة.
ومما يزيد من خطورة هذه المستوطنات ما دأبت عليه سلطات الاحتلال في السنوات الأخيرة من فتح باب الترخيص بحمل السلاح للمستوطنين خاصة المتطرفين منهم، ثم التغاضي عن كل ما يقومون به من اعتداءات مسلحة متصاعدة على الكثير من الفلسطينيين المجاورين لهم وعلى بيوتهم ومزارعهم وممتلكاتهم لدفعهم دفعًا إلى مغادرتها والنزوح عنها.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28-02-2024, 09:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غزة رمز للعزة

غزة رمز للعزة (5)

حق المقاومة والدفاع عن الأرض والمقدسات




كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ففي خلال الفترة بعد حرب 1948 التي انتهت باستيلاء اليهود على نحو 80% من أرض فلسطين التاريخية ونزوح أكثر من 700 ألف فلسطيني منها فرارًا من المذابح التي انتهجتها العصابات الصهيونية ضد المدنيين العزل لإجبارهم على ترك أراضيهم فيما عُرِف باسم: (نكبة فلسطين)، وما ترتب عليها من ظهور قضية (اللاجئين الفلسطينيين)، وحتى اندلاع حرب يونيو 1967، وضعت الضفة الغربية لنهر الأردن تحت إدارة الأردن، بينما وضع قطاع غزة تحت إدارة مصر، واعتبر وقتها تحرير فلسطين المحتلة هدفًا عربيًّا يتم تناول القضية الفلسطينية خلاله في إطار صراع عربي - إسرائيلي، في ظل صعود الحركة القومية العربية وغلبة التيار القومي العربي وقتها.
وأصبح تطلع الفلسطينيين لاستردادهم حقوقهم المسلوبة مرهونًا بالأمة العربية وتحقق الوحدة العربية المرتقبة، لذا لم يكن مطروحًا وقتها إقامة أي كيان وطني فلسطيني (دولة فلسطينية) عبر نضال فلسطيني؛ رغم أن الضفة الغربية وقطاع غزة كانتا تحت إدارة مصر والأردن.
تم هذا رغم أنه كان هناك أكثر من حركة وطنية فلسطينية سابقة قادت النضال الوطني خلال فترة الانتداب البريطاني في مواجهة بريطانيا ومواجهة الهجرة اليهودية الجماعية المتزايدة إلى أرض فلسطين، والدعم البريطاني لإقامة وطن لليهود فيها.
وقد اتخذ نضال الفلسطينيين صورًا متعددة: صورة حركة سياسية تقليدية من الوجهاء وكبار الشخصيات من خلال تقديم العرائض والاحتجاجات لسلطة الانتداب البريطاني دون استخدام للقوة المسلحة، وصورة الثورة الشعبية المؤثرة كما في ثورة عام 1936 والتي امتدت إلى عام 1939، وتوقفت بتدخل الحكومات العربية المحافظة بالضغط على الحركة الوطنية الفلسطينية لإيقاف هذه الثورة الشعبية، مما أغلق باب النضال الفلسطيني الشعبي وقتها، والذي كان يجب أن ينمى ويدعم، لا أن يعارض أو يوقف، واتخذ أيضًا صورة القتال والكفاح المسلح كما في نضال عز الدين القسام -رحمه الله-.
وفي مؤتمر القمة العربي عام 1964 اتجه العمل العربي إلى إبراز الشخصية الفلسطينية بعد تعثر استمرار حكومة عموم فلسطين من خلال إنشاء كيان سياسي جديد أطلق عليه: (منظمة التحرير الفلسطينية)، والتي ظهرت رسميًّا عام 1965 برئاسة (أحمد الشقيري)، وكان قيام حركة التحرير الفلسطينية (فتح) بأول عملية فدائية ضد إسرائيل في الأول من يناير 1965 إيذانًا ببدء انطلاق العمل الفلسطيني المسلح الذي طال انتظاره، وهو التحول الذي ازداد بعد هزيمة يونيو1967، والذي يعد نقلًا للصراع إلى أرضيته الصحيحة؛ حرب تحرير فلسطينية يقودها الفلسطينيون أنفسهم ويدعمها العرب ماديًّا ومعنويًّا.
وقد تم إنشاء الدوائر والمكاتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في عواصم الدول العربية وغيرها، وتم بث محطة إذاعة (صوت فلسطين) من القاهرة، وكذلك إنشاء مركز أبحاث للمنظمة في بيروت لإثراء الفكر الفلسطيني والتعريف بالحق الفلسطيني وحقيقة الكيان الصهيوني، إلى جانب تشكيل قوات من الفدائيين مسلحة ومدربة، وعبر سنوات طويلة قامت المنظمة بعمليات فدائية ضد العدو الإسرائيلي داخل فلسطين المحتلة وخارجها. وفي عام 1974 تقرر في مؤتمر القمة العربي الذي أقيم في الرباط بالمغرب اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وفي نفس العام اعترفت أيضًا الأمم المتحدة بالمنظمة ممثلة للشعب الفلسطيني، كما حصلت المنظمة على صفة مراقب في منظمة الأمم المتحدة.
ومنظمة التحرير منظمة تجمع كل الفصائل العسكرية والشعبية الفلسطينية وتهيمن عليها منظمة (فتح)، وبعد استقالة (أحمد الشقيري) من رئاسة منظمة التحرير عام 1969 تولى (ياسر عرفات) رئاسة المنظمة، واحتفظ برئاستها حتى وفاته عام 2002م.
ونظرًا لعدم قدرة المقاومة الفلسطينية المسلحة على إقامة قواعد رئيسية للقيام بعملياتها العسكرية منها، خاصة بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة في يونيو1967، فقد جعلت المقاومة قواعدها العسكرية في الدول العربية التي لها حدود مشتركة مع إسرائيل تسمح بذلك، وهي الأردن ولبنان وسوريا، ولكن أخطاء المقاومة الفلسطينية المتمثلة في عدم التنسيق مع أنظمة الدول التي تعمل من أراضيها، والتدخل أحيانًا في شئونها الداخلية، سرعان ما ساهمت في توتر العلاقات بين تلك الدول ومنظمة التحرير وبدرجات متفاوتة، لم تساعد على استمرار احتضان هذه الدول للمقاومة الفلسطينية، مع ظهور تناقض بين متطلبات وجود هذا النشاط الفلسطيني المسلح وبين أنظمة حكم دول الطوق، فتم تصفية الوجود العلني للمقاومة الفلسطينية في الأردن في عام 1971، وتحجيم أنشطة المنظمة في سوريا، وتكوين تنظيمات فلسطينية خاضعة للنظام السوري تدين له بالولاء.
وعقب اجتياح إسرائيل للبنان في 1982 تم إجبار منظمة التحرير على مغادرة بيروت وجنوب لبنان، وقد أعقب نهاية حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت) وإخراج القوات العراقية من الكويت ومن خلال جهود أمريكية بدء مفاوضات متعددة الأطراف أسفرت عن توقيع إعلان مبادئ للترتيبات الانتقالية لحكم ذاتي فلسطيني في قطاع غزة وأريحا ونقل السلطة فيهما للفلسطينيين بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلية منهما كخطوة تمهيدية، تم توقيع الإعلان في سبتمبر 1993 في واشنطن، مع اعتراف متبادل بين منظمة التحرير برئاسة (ياسر عرفات) ممثلة للشعب الفلسطيني، وليست ممثلة للدولة الفلسطينية، ودولة إسرائيل ممثلة في (إسحاق رابين) رئيس وزرائها في ذلك الوقت.
وفي 4 نوفمبر تم اغتيال إسحاق رابين على يد متطرف إسرائيلي، فتولى بعده شيمون بيريز الحكومة الإسرائيلية، وفي 25 أبريل 1996م وافق المجلس الوطني الفلسطيني على حذف مواد الميثاق الوطني الداعية إلى القضاء على دولة إسرائيل!
التحرك السياسي لمنظمة التحرير:
لقد قامت منظمة التحرير الفلسطينية في الستينيات كما جاء في ميثاقها الوطني بتبني الكفاح المسلح كوسيلة لتحرير كامل أرض فلسطين من النهر (نهر الأردن) إلى البحر (البحر المتوسط) وإقامة دولة علمانية يعيش فيها المسلمون واليهود والنصارى على حد سواء، ثم في السبعينيات ظهرت الدعوة إلى إقامة سلطة وطنية فلسطينية على أي أرض تتحرر من الاحتلال لتمكين الشعب الفلسطيني من قيام دولة على أرضه يديرها بنفسه للوقوف في وجه النزعة الاستعمارية اليهودية في فلسطين، ولهذا وافق المجلس الوطني الفلسطيني في يونيو 1984م على فكرة إنشاء سلطة وطنية على أي أجزاء تتحرر من الأراضي الفلسطينية باعتبارها خطوة نحو إقامة دولة فلسطينية.
وفي المقابل: كانت إسرائيل لا تعترف بمنظمة التحرير، بل ولا تعترف بوجود شعب فلسطيني، وكانت ترى في الأردن التي أعلن ملكها (عبد الله الأول) ضم الضفة الغربية إلى الأردن عقب حرب 1948م هي الوطن البديل للاجئين الذين تركوا أراضيهم وديارهم خلال حرب 1948م وبعد حرب يونيو 1967م، أي: أن القضية الفلسطينية لا تعدو أن تكون قضية عرب لاجئين تحل بضمهم إلى المملكة الأردنية؛ هذا بينما كانت أمريكا تشترط على منظمة التحرير الفلسطينية الاعتراف بدولة إسرائيل للمشاركة في أي مساعي دولية وقبول قرار مجلس الأمن رقم 242 وترك العمل المسلح، مع البحث عن صيغة تشترك فيها الأردن في التفاوض بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة.
ولتحريك الموقف سياسيًّا أعلن ملك الأردن الملك حسين إنهاء الروابط الإدارية والقانونية للأردن مع الضفة الغربية في يوليو 1988، ليسقط بذلك أي خيار سياسي يقوم على تسوية إقليمية للقضية الفلسطينية بمشاركة أردنية، وبالتالي منح الفرصة كاملة لمنظمة التحرير الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني للتحرك المستقل دوليًّا، وعليه أعلن المجلس الوطني الفلسطيني في اجتماعه بالجزائر في نوفمبر 1988م قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس، مع الدعوة لعقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة، ومشاركة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومشاركة كل أطراف النزاع بما فيها منظمة التحرير لحل القضية الفلسطينية على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338، وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة ومنها حقه في تقرير مصيره وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبدأ عدم جواز اكتساب الأراضي بالقوة.
وعلى ذلك ألقى عرفات كلمته في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في جينيف في ديسمبر 1988 مؤكدًا على قبول منظمة التحرير للقرارين 242 و338، ونبذ العمل المسلح، وهو ما اعتبرته أمريكا كافيًا للدخول في حوار مع منظمة التحرير، خاصة مع فشل إسرائيل وقتها في إيقاف الانتفاضة الشعبية الفلسطينية عام 1987م، وهو ما أسفر عن المفاوضات حول الحكم الذاتي الانتقالي الفلسطيني الذي يعقبه المفاوضات النهائية حول القدس وإقامة الدولة الفلسطينية.
ساهمت الأوضاع العربية المتردية والشعور بالإحباط عقب احتلال العراق للكويت ثم حرب تحرير الكويت وهزيمة العراق فيها، وما شهدته هذه الفترة من رفض عرفات إدانة غزو العراق للكويت الذي أضر بصورة منظمة التحرير دوليًّا، وأدى إلى تدهور علاقة المنظمة مع دول الخليج العربي وفتور علاقة المنظمة مع دول عربية أخرى، مما أوقع المنظمة في عزلة كانت كفيلة لجعل عرفات قابلا للضغط عليه وقبوله ما لم يكن يقبله من قبل، وزاد الأمر سوءًا سقوط الاتحاد السوفيتي، وهو ما أفقد القضية الفلسطينية الدعم الروسي، فقادت أمريكا مفاوضات بين إسرائيل ووفد أردني فلسطيني مشترك في ظل شروط حكومة شامير (حزب الليكود) اليمينية، والتي قبلتها منظمة التحرير على مضض، على أن تكون على مرحلتين: الأولى حول فترة انتقالية مدتها خمس سنوات من الحكم الذاتي الفلسطيني، والثانية تبدأ مفاوضتها قبل بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية، حول المفاوضات النهائية للمشكلة والوصول للسلام الشامل والدائم للقضية الفلسطينية.
ثم جاءت المفاوضات مع حكومة حزب العمل الإسرائيلية بقيادة (رابين) بدون شروط مسبقة والتي شاركت فيها منظمة التحرير بوفد، ثم بدأت اللقاءات السرية التي شهدتها النرويج (في أوسلو)، والتي انتهت بإعلان المبادئ للفترة الانتقالية والاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير، وهو ما أتاح لمنظمة التحرير موضع قدم في غزة وأريحا تمارس منه السلطة داخل الأراضي الفلسطينية.
وفي الواقع أن إسرائيل قبلت الانسحاب من غزة بسبب الأعباء الأمنية الباهظة التي تتحملها إسرائيل بسبب احتلال قطاع غزة دون عائد اقتصادي أو استراتيجي يبرر الاحتفاظ بها، خاصة مع الكثافة السكانية الفلسطينية فيها والتي تجعل من الصعب ضمها لإسرائيل إلى جانب ضعف اقتصاد القطاع.
أما بالنسبة لأريحا فقبلت إسرائيل الانسحاب منها؛ لأنها خالية من المستوطنات الإسرائيلية وليست بعيدة عن القدس فهي مغرية للفلسطينيين، كما أنها قريبة كذلك من نهر الأردن مما يفتح الباب في المستقبل لإمكانية قيام اتحاد بين الأردنيين والفلسطينيين، وأجل إعلان المبادئ مناقشة المسائل الصعبة التي كانت تشكل العقبات الكبرى وقرر إرجاء بحثها إلى مفاوضات الوضع النهائي كالقدس واللاجئين والمستوطنات والحدود النهائية والترتيبات الأمنية والعلاقات الفلسطينية مع دول الجوار، حيث كانت مواقف الجانبين فيها متباعدة بدرجة كبيرة يصعب معها إيجاد حلول وسط بشأنها، وجاءت موافقة منظمة التحرير على إرجاء بحث هذه المسائل بمثابة تغير في مواقفها.
كانت حماس قد دخلت معمعة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي مع تنامي الصحوة الإسلامية والتراجع المطرد للحركة الفلسطينية الوطنية العلمانية، وقد عملت حماس باستقلالية دون اندماج مع الحركات الفلسطينية الأخرى، وإن أقرت في ميثاقها أن منظمة التحرير أقرب الحركات إليها، ورغم معارضة حماس لاتفاق أوسلو، لكنها انضمت مع بقية المعارضين له في انتظار ما سيسفر عنه في ظل عدم تقديم بديل؛ لذا ظهرت ونمت سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود (السلطة الفلسطينية)، وفي 11 نوفمبر 2004 توفي ياسر عرفات بعد رحلة مرض، وانتخب محمود عباس (أبو مازن) خلفًا لعرفات في رئاسة منظمة التحرير والسلطة التنفيذية في انتخابات قاطعتها حماس.
وفي مارس 2005م تم التوصل إلى (اتفاق القاهرة) بين قيادات الفصائل الفلسطينية الذي يقضي بهدنة مع العدو الإسرائيلي، وتشكيل لجنة تتولى إعادة هيكلة منظمة التحرير بعد دخول كل الفصائل الفلسطينية فيها، وهو ما لم ينفذ في الواقع.
وفي يناير 2006 حصلت حماس على الأغلبية في مقاعد المجلس التشريعي في الانتخابات التشريعية الثانية، مما عكس مدى تطلع الفلسطينيين إلى حماس لنصرة القضية الفلسطينية التي تجاوزت اتفاق أوسلو الذي لم يقدم للفلسطينيين شيئًا، والذي عارضته وتعارضه حماس وفصائل أخرى لكونه لم يحقق ولن يحقق الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، بل واصلت بعده الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة رفضها لإقامة الدولة الفلسطينية، ورفضها عودة اللاجئين الفلسطينيين لبلادهم، وتبنت سياسة فرض الأمر الواقع من خلال تهويد القدس ومواصلة بناء العشرات من المستوطنات في القدس والضفة الغربية، وتمادت في اضطهاد الفلسطينيين والتضييق عليهم وقامت باغتيالات قيادات الفصائل الفلسطينية عامة وحماس خاصة، ومارست علنا الاعتداءات المتكررة يوميًّا على المسجد الأقصى مع تصاعد التصريحات والتهديدات يومًا بعد يوم من المتطرفين فيها بقرب هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم مكانه، وهي كلها أمور تشير بقوة إلى أهمية مواصلة الكفاح والنضال المسلح من أجل تحرير الأرض والدفاع عن المقدسات، أمام عدو لا يعرف ولا يعترف إلا بلغة القوة.
وهذا الكفاح المسلح هو ما قامت به شعوب كثيرة من قبل في مواجهة محتليها رغم قوتهم، وصبرت عليه حتى نالت مرادها في نهاية الأمر. والأمثلة التاريخية على ذلك كثيرة منها ما قام به شعب الجزائر من قبل في مواجهة الاحتلال الفرنسي، وما قام به شعب فيتنام في مواجهة الاحتلال الأمريكي، وما قام به الأفغان في مواجهة الاحتلال السوفيتي ثم من بعده الاحتلال الأمريكي، وغير ذلك.
وهذا القتال والنضال المسلح لاستعادة الأرض المسلوبة والدفاع عن المقدسات أذن الله -تعالى- فيه للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله تعالى عنهم- لما أخرجوا من مكة والبيت الحرام؛ فأدوه رغم التضحيات حتى نصرهم الله -تعالى-؛ قال -تعالى- في حق أولئك الذين أجبروا على ترك أرضهم وديارهم وأموالهم: (‌أُذِنَ ‌لِلَّذِينَ ‌يُقَاتَلُونَ ‌بِأَنَّهُمْ ‌ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ . الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا) (الحج: 38-40)، وقال -تعالى-: (‌فَالَّذِينَ ‌هَاجَرُوا ‌وَأُخْرِجُوا ‌مِنْ ‌دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (آل عمران: 195)، وقال -تعالى-: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) (البقرة: 191)، وقال -تعالى-: (‌فَمَنِ ‌اعْتَدَى ‌عَلَيْكُمْ ‌فَاعْتَدُوا ‌عَلَيْهِ ‌بِمِثْلِ ‌مَا ‌اعْتَدَى ‌عَلَيْكُمْ) (البقرة: 194)، وقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ ‌إِذَا ‌أَصَابَهُمُ ‌الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ . وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) (الشورى: 39)، وقال -تعالى-: (‌وَلَمَنِ ‌انْتَصَرَ ‌بَعْدَ ‌ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ . إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الشورى: 41-42)، وقال -تعالى-: (‌ذَلِكَ ‌وَمَنْ ‌عَاقَبَ ‌بِمِثْلِ ‌مَا ‌عُوقِبَ ‌بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) (الحج: 60)، وقال -تعالى- في حق كفار مكة لما أخرجوا المسلمين من مكة وأخضعوا البيت الحرام لما هم عليه من الكفر: (‌وَصَدٌّ ‌عَنْ ‌سَبِيلِ ‌اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ) (البقرة: 217)، وكذلك هو إخراج اليهود الكفار للمسلمين الفلسطينيين من القدس وانتهاكهم لحرمات المسجد الأقصى وحرمان أهله الأحق به منهم يدخل في عموم قوله -تعالى-: (‌ثُمَّ ‌إِنَّ ‌رَبَّكَ ‌لِلَّذِينَ ‌هَاجَرُوا ‌مِنْ ‌بَعْدِ ‌مَا ‌فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل: 110)، وفي هذا المعنى قوله -تعالى-: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ . الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا ‌دَفْعُ ‌اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40).
ولقد قاتل أهل الإيمان من بني إسرائيل بقيادة ملكهم طالوت من أخرجوهم من أرضهم وديارهم فنصرهم الله -تعالى- على عدوهم مع قلة عددهم، فكيف يكون الأمر وحالنا كحالهم لكننا الأكثر عددًا؛ قال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا ‌لِنَبِيٍّ ‌لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا...) الآيات. (البقرة: 246 وما بعدها).
قال الكاتب الفلسطيني (فيصل أبو خضرا) في كتابه: (المسألة الفلسطينية: الأزمة والحل) تعقيبًا على ما آلت إليه منظمة التحرير من التصالح مع إسرائيل، ما مفاده: (يجب أن نعترف أن الشعب الفلسطيني قام قبل هزيمة 1967 بما كان ينتظر منه، وهو اللجوء إلى الثورة الشعبية المسلحة)، (ولكنَّ أمورًا وقعت هنا وهناك أفقدت الثورة توازنها، فكانت -ولا زالت- عاجزة عن الإمساك بمقود السفينة كما ينبغي؛ ذلك أن القائد الملهم لم يأتِ إلى الساحة بعد)، (لقد كانت الثورة الفلسطينية تضج بالحياة والثورية في بدايتها، وكانت تحترم مشاعر الشعوب العربية الشقيقة واختياراتها، وكان محرمًا على الفدائي الذي يعبر جنوب لبنان أو الأراضي الأردنية أو السورية أن يؤذي نملة في أي منزل أو قرية يمر بها في طريقه إلى مهمته القتالية)، (وكانت الثورة مجهولة تعيش تحت الأرض مثلها مثل كل الثورات، ولكن سرعان ما لعبت الأحلام في رؤوس البعض، فحسبوا أن المجد لا يعطى من فوهة البندقية، بل بواسطة الكراسي)، (فسقطوا في المحظور، ودخلوا دهاليز السياسة، وأصبحوا ثورة عمومية، أي: ثورة فوق الأرض)، (ووقع الكل في خطأ الجزء فتذابحنا مع اللبنانيين سنة 1969م، ثم مع الأردنيين سنة 1970م، ثم مرة أخرى مع اللبنانيين سنة 1973، ثم مرة ثالثة مع اللبنانيين سنة 1975م)، (ثم مع بعضنا البعض، ولم نقاتل العدو كما كان يجب، وانقلبنا من ثورة يحترمها العالم كله إلى ثورة لم تعد تخيف أحدًا، بل إن دولًا عديدة في العالم منحتنا ولاءها ثم سحبته بسبب أخطائنا الإستراتيجية).
(لقد كان مذهلًا أننا كنا نطلب الشيء ونقيضه في آن واحد، كنا نعلن أننا نقاتل من أجل تحرير كامل التراب الفلسطيني من العدو المحتل، ثم نتوجه بنداء إلى العالم نوافق فيه على إعطائنا أي مكان في فلسطين نقيم عليه دولتنا)، (ولقد كان مذهلًا حقًّا أننا كنا نقف مع سوريا مرة وضدها مرة ومع مصر مرة وضدها مرة، ثم مع تونس وطرابلس وبغداد وضدها مرة... إلى آخره. إن تكرار خطيئة عمان في بيروت، ثم تكرار خطيئة بيروت في تونس، وتكرار خطيئتي بيروت وتونس في عمان مرة ثانية، ثم تكرار كل هذه الخطايا في دمشق وعمان والجزائر... هي سياسة لا يمكن أن يكون دافعها الوعي الثوري أو الحدس الثوري، بل الارتباك، ولقد كان هذا الارتباك بمثابة الحد الأقصى من التخبط)، (ليس مذهلًا أننا انتقلنا في عشر سنوات فقط من ثورة تريد فلسطين كلها إلى ثورة تعترف بالقرار 242 الذي ينص صراحة على حق إسرائيل في فلسطين بدون مواربة أو غموض. إن هذا التخبط جعل العالم يشيح بوجهه عنا، وأبعدنا عن الهدف الحقيقي الذي هو فلسطين ولا شيء سواها)، (فالعار ليس في أن يحتل العدو الأرض، بل أن يعترف صاحب الأرض للعدو بهذا الاحتلال، والتاريخ مليء بالشواهد المشابهة التي احتل فيها العدو الأرض، ثم خرج منها بالقوة أو بالوسائل الأخرى)، (ولأن الوقت الآن لم يعد في صالحنا؛ ولأن ما فقدناه يفوق الوصف والتصور، فقد آن لنا أن نقف وقفة مسئولة ونحاسب أنفسنا، ونجدد انطلاقتنا لكي لا يطمسنا التاريخ) (انظر: المسألة الفلسطينية: الأزمة والحل، للكاتب الفلسطيني فيصل أبو خضرا، ص 12- 14 بتصرفٍ).
ويزيد الكاتب الأمر إيضاحًا فيقول ما مختصره: (إننا مسئولون عن ضياع فلسطين مثلما كان السلاح اليهودي مسئولًا عن ضياع فلسطين، ومثلما كان الغطاء الدولي لمصلحة إسرائيل مسئولًا عن ضياع فلسطين، فنحن لم نكن ندرك أن ما كان يجري حولنا منذ مطلع القرن العشرين الميلادي هو مؤامرة صهيونية لاغتصاب أرض فلسطين)، وحين بدأ الفلسطينيون يدركون هذه الحقيقة خاضوا معاركهم ضد اليهود (بالعاطفة وحب فلسطين دون قيادة سياسية واعية، أو قيادة عسكرية محترفة، فاستطاع العدو أن يسجل هدفه الأول: وهو إلغاء فلسطين من الخارطة ووضع إسرائيل بدلًا منها، ولكي يمرر عدونا ذو التجربة والمال هذا الهدف اختلق مسألة تقسيم فلسطين، ووافقت الدول الكبرى عليه... وسرعان ما رفضنا، ثم رضينا بهذا الأمر).
(والهدف الثاني الصهيوني: كان طردنا من فلسطين؛ ذلك أن الفلسطينيين كانوا حتى ما بعد التقسيم عام 1947م أكثر عددًا من اليهود بمعدل خمسة إلى واحد، وبسبب حسن تدربهم وقدرات قادتهم السياسية والمالية خاضوا ضدنا حربًا غير متكافئة فانهزمنا)، (الهدف الثالث كان طرد بقية الفلسطينيين والاستيلاء على كل فلسطين. وفي هذه الفترة كانت الدول العربية خارجة للتو من حكم الاستعمار لتدخل عالم الاستقلال الذي لم تتقن سياسته، ولم يكن عندنا زعامات فذة قادرة على شحن أبناء الأمة بالوطنية الصادقة، بل كن لدينا زعامات فارغة أو هوجاء وطنيا أو محبة للسلطة والمال. وبسبب تخبط الشعوب العربية في الجهل والفقر وعذاب الحكام تمكنت إسرائيل من حشد أبنائها وتحصين الأراضي التي سيطرت عليها وأنشأت فوقها دولة، وبينما كانت العرب يتصايحون ويتقاتلون اندلعت حرب 1967م في غفلة عربية، وضربت إسرائيل ضربتها وأذهلت العرب والعالم معا، لا بقوتها المفاجئة المنظمة فحسب، بل بكشف هشاشة القوة العربية العسكرية والتنظيمية، وبهذه الحرب حققت إسرائيل هدفها الثالث وهو الاستيلاء على كل فلسطين، وأجزاء أخرى من مصر وسوريا، لكي تتفاوض بها في المستقبل مقابل الاكتفاء بفلسطين فارغة من الفلسطينيين، أو مقابل إبرام معاهدة صلح مع العرب ينهون بها حالة العداء مع إسرائيل إلى الأبد، فتصبح إسرائيل الدولة الأقوى، والجارة المهيمنة في الشرق الأوسط كله، وتحقق بذلك هدفها الرابع) (المصدر السابق).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 04-03-2024, 11:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غزة رمز للعزة

غزة رمز للعزة (6) طوفان الأقصى (1)




(يوم السبت 7 أكتوبر 2023م - 22 ربيع الأول 1445هـ)
كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد جاءت عملية طوفان الأقصى التي قامت بها كتائب عز الدين القسام الذراع العسكري لحركة حماس في 22 ربيع الأول 1445هـ الموافق السابع من أكتوبر 2023 -كما أعلن ناطقها الرسمي (أبو عبيدة)- دفاعًا عن الشعب الفلسطيني في مواجهة انتهاكات سلطة الاحتلال الصهيوني واضطهاداتها المتواصلة للشعب الفلسطيني المخالفة للقوانين والمواثيق الدولية التي توجب مراعاة حقوق أصحاب الأرض المحتلة في المعاملة، وردًّا على محاولات تهويد القدس والانتهاكات المستمرة من المستوطنين اليهود لساحة المسجد الأقصى، محملًا سلطة الاحتلال الإسرائيلية المسئولية الكاملة لتبعات جرائمه المتواصلة بحق الفلسطينيين، وبحق القدس الشرقية المحتلة وبحق المسجد الأقصى، وإلزامًا لهذه السلطة بوقف كل المخططات الرامية إلى تهويد المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم على أنقاضه؛ فضلًا عن تحرير الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية.
كانت ساعة الصفر لعملية طوفان الأقصى هي الساعة السادسة صباحًا، وكانت الخطة الموضوعة لطوفان الأقصى سرية لم يعرفها الذين نفذوها إلا مع اقتراب ساعة الصفر حيث صدرت التعليمات لقادة الكتائب ومسئولي الخلايا بتجميع الأعداد الكبيرة من المقاتلين الذين تم تدريبهم جيدًا لتنفيذ تلك العملية في وقت مبكر من فجر السابع من أكتوبر، وهؤلاء المقاتلون -ويبلغ عددهم قرابة 1500 مقاتل- كانوا قد تلقوا من قبل تدريبات عديدة مكثفة على الأسلحة التي ستستخدم في القتال، والتي يتم تخزينها في ترسانة الأسلحة التي تمتلكها حماس، وتجمعها بعد أداء التدريبات عليها، حيث تم في هذا الصباح توزيع ذخيرة إضافية وأسلحة أكثر قوة ودقة على المجتمعين، وتزويدهم بقذائف صاروخية، وقنابل مضادة للآليات العسكرية، ورشاشات ثقيلة، وبنادق قنص، وكميات كبيرة من المتفجرات والذخائر، وتم اطلاعهم على تفاصيل خطة التحرك، والتأكيد على المهام المحددة لكل مقاتل، أي: إعطاء الأوامر النهائية.
كانت حماس قد أعدت الخرائط التي توضح تفاصيل دفاعات ومواقع العدو الرئيسية، التي استقت معلوماتها من داخل إسرائيل عن طريق المتعاطفين مع الحركة، ومن الفلسطينيين العاملين داخل إسرائيل، وعليه حددت الأهداف المطلوبة سلفًا، ومدت مقاتليها التعليمات شفهية وسرًّا لإخفاء تسرب الأخبار عن طريق العملاء وأنظمة المراقبة والتجسس الإسرائيلية والعالمية المتعاونة معها.
ومع بدء العملية العسكرية تدفق المقاتلون الفلسطينيون من غزة، وغالبيتهم من كتائب القسام ومعهم مقاتلون من فصائل أخرى فلسطينية -بعضهم من سرايا القدس الذراع العسكري لمنظمة الجهاد الإسلامي-، واستخدم المقاتلون الجرافات في اختراق السياج المزدوج للدفاعات الإسرائيلية، ثم عبروا من خلال فجوات أحدثوها في الجدار العازل.
وكان التدفق الفلسطيني في البر والبحر والجو، وفي سرعة اجتاز المقاتلون الفلسطينيون الحدود الإلكترونية والأسوار الحديدية، وعطلوا أجهزة المراقبة والرشاشات الآلية، بينما أطلقت خمسة آلاف صاروخ تجاه العديد من المستوطنات الإسرائيلية من (ديمونا) في الجنوب إلى (هود هشارون) في الشمال وفي العمق في اتجاه القدس.
وقد توجه المقاتلون في سيارات رباعية الدفع وشاحنات صغيرة ودرجات نارية، وقد تبعهم آخرون مستخدمين طائرات مسيرة وشراعية (الطوافات)، والتي لا يمكن رصدها خاصة مع إطلاق أعداد كبيرة من الصواريخ في السماء تجاه أهداف للعدو، وكذلك زوارق بحرية سريعة ودراجات نارية، وقاموا جميعًا بالتنسيق معًا وفي وقت واحد بمداهمة المستوطنات والبلدات والقواعد العسكرية المتاخمة لقطاع غزة والتي تعرف باسم: (غلاف غزة)، حيث خاضوا اشتباكات عنيفة في عدد كبير من المستوطنات المتاخمة والمواقع العسكرية، وسيطروا تمامًا على العديد منها؛ خاصة (سيروت) و(أوفاكيم)، كما اقتحموا (نتيفوت)، وتمكنوا من أسر عدد من الضباط والجنود وبعض المستوطنين، وذلك للمقايضة بهم في عمليات الإفراج عن الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الموجودين في السجون الإسرائيلية.
كان الهجوم مهولًا مذهلًا كمًّا ونوعًا، من جهة ضخامة أعداد المقاتلين أصحاب الكفاءة والقدرات العالية الذين يتوغلون لأول مرة بهذه الدرجة من التوغل في عمق غلاف غزة، ومن جهة نوعية الهجوم وتعدد محاوره التي شملها برًّا وجوًّا وبحرًا، ومنها الإسقاط بالمظلات، والذي تم بسرعة واحترافية كبيرة خلف خط دفاع غلاف غزة، مع الإحاطة بالمعلومات الوافية حول مواقع محددة داخل المستوطنات، كمواقع فرق الاستجابة الأولى على أي هجوم في فرقة غزة التابعة للجيش الإسرائيلي، ومحيط الدفاع عن المستوطنات في غلاف غزة، وكذلك أماكن تجمعات الجنود والمستوطنين.
لقد كان الهجوم هو الأكبر على إسرائيل والأكثر تدميرًا في يوم واحد في تاريخها، كشف عن تقدم تقني للمقاومة الفلسطينية على قلة إمكانياتها، وعن امتلاكها ترسانة أسلحة لم يتوقعها العدو، ولم ترصدها من قبل أجهزته الاستخبارية ومن يدعمها.
كانت القوات الإسرائيلية في غلاف غزة تعتقد اعتقادًا جازمًا أن حاجزها الأمني الذي يتميز بتقنيته العالية، ويفصل بينها وبين قطاع غزة غير قابل للاختراق، فهناك سياج فاصل مزدوج يبلغ ارتفاعه ستة أمتار وحاجز مجهز بالأسلاك الشائكة والكاميرات، وأجهزة استشعار محصنة بقاعدة خرسانية ضد الأنفاق، ومدافع رشاشة يجري التحكم فيها عن بعد.
كان الإسرائيليون يحتفلون بأحد أعيادهم الدينية حتى وقت متأخر من صباح السبت، وقوات الاحتلال والمستوطنين في حالة استرخاء أمني، فلم يتوقعوا هذا الهجوم المفاجئ، وقد قام قناصة فلسطينيون بإصابة أنظمة المراقبة؛ مما أثر على عمليات المراقبة، وانتشرت سريعًا قوات المقاومة الفلسطينية في العديد من المواقع العسكرية والمستوطنات.
وقد نجح رجال المقاومة في تخطي معبر (كرم أبو سالم)، وقتلوا عند المعبر قائد قوات لواء (ناحال) للقوات الخاصة الإسرائيلية وقتلوا معه أحد المسلحين، واقتحم رجال المقاومة مستوطنة (سيدروت)، وتمكنت عناصر منهم من اقتحام مقر الشرطة داخلها، حيث أجهزت على كل العناصر داخله.
وفي الوقت الذي كانت تتوغل فيه قوات المقاومة في غلاف غزة وتخوض اشتباكات عديدة مع جنود الاحتلال داخل المستوطنات الإسرائيلية، عاودت كتائب القسام من جديد إطلاق صواريخها من غزة تجاه منشآت إسرائيلية حيث قصفت 60 موقعًا.
وفي الثامنة صباحًا ألقى (محمد ضيف) القائد العام لكتائب القسام بيانًا عبر وسائل الإعلام أعلن فيه عن بدء العملية العسكرية، (طوفان الأقصى)، وأكد فيه أن الضربة الأولى استهدفت مواقع العدو العسكرية وأهداف أخرى من خلال صواريخ تجاوز عددها الخمسة آلاف صاروخ، قائلًا: إن هذه العملية جاءت لتضع حدًّا للانتهاكات العسكرية الإسرائيلية، وردًّا على تدنيس المتطرفين من المستوطنين الإسرائيليين لساحات المسجد الأقصى مسرى الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ومؤكدًا أنه من هذا اليوم لا تنسيق أمني مع الاحتلال، وأن الشعب الفلسطيني يستعيد أيضًا بدءًا من هذا اليوم السابع من أكتوبر ثورته، ويعود لمشروعه لإقامة دولته، وقد أحدث البيان ردود أفعال عديدة في كافة الأوساط.
وقد بدأ الإعلام الفلسطيني في نشر وبث مقاطع فيديو فيها جنود إسرائيليون قتلى، وجنود آخرون مستلقون على الأرض يقف مقاتل فلسطيني مسلح فوق رؤوسهم ومستوطنون أسرى، وقد نشرت كتائب القسام مقاطعًا وصورًا لمحاصرة قواتها جنود الاحتلال داخل قاعدة عسكرية تقع على مشارف قطاع غزة، ونشرت صورًا للحظات الاقتحام الأولى والاستيلاء على معبر كرم أبو سالم شرق رفح والإجهاز على الجنود الإسرائيليين في تلك المواقع.
ويمكن القول: إنه لولا هذا التوثيق صورة وصوتًا لجوانب من عملية طوفان الأقصى؛ لكان من الصعب على الكثيرين تصديق ما حدث!
وقد أدلى صالح العروري نائب حركة حماس بيانًا على فضائية الأقصى، ذَكَر فيه: أن عملية طوفان الأقصى جاءت ردًّا على جرائم الاحتلال الإسرائيلي ودفاعًا عن المسجد الأقصى، ولتحرير الأسرى الفلسطينيين الموجودين في سجون الاحتلال، وأن المجاهدين قد بدأوا عملية واسعة لتحقيق ذلك.
ولا يخفى على أحد أن تسمية العملية بطوفان لأقصى هي إشارة واضحة إلى أنها جاءت ردًّا على الاقتحامات والانتهاكات المتكررة للمسجد الأقصى، وقد أكد (أبو حمزة) الناطق باسم سرايا القدس أن التنظيم لديه العديد من الجنود الإسرائيليين الأسرى بين يديه.
وقد أصدر أيضًا إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج بيانًا صحفيًّا أعلن فيه أن طوفان الأقصى بدأ من غزة وسيمتد للضفة والخارج، وفي كل مكان يتواجد فيه الشعب الفلسطيني، وأن المقاومة تخوض ملحمة بطولية.
ولا يخفى أن هذا التوغل للمقاومة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة لم يحدث من قبل، وبهذه الكيفية كمًّا ونوعًا، وهي تعني بوضوح أن الكيان الصهيوني يواجه شعبًا صلبًا صعبًا، وليست فلسطين أرضًا بلا شعب كما يزعم ويدعي، وأن المقاومة الفلسطينية لم تمت، ولن تموت أبدًا -إن شاء الله تعالى-.
ورغم عدم الإعلان رسميًّا عن أهداف ضربة طوفان الأقصى؛ فقد كان واضحًا أن أهدافها الرئيسية تتمثل في:
1- الهدف الأول:
اقتحام مقر جهاز الأمن الإسرائيلي الداخلي (شين بيت) من خلال معبر (أرتز)، وهذا المقر توجد به كل الكمبيوترات المحتوية على كل المعلومات الموثقة والوثائق الإلكترونية الأمنية السرية، وذلك للحصول على كافة ما فيها من المعلومات الخاصة بالأمن الإسرائيلي في قطاع غزة، وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد هاجمت عناصر المقاومة المقر على مجموعتين: مجموعة تتعامل مع جنود قوات الاحتلال، ومجموعة تتعامل مع الكمبيوترات والديسكات، وهو ما تم بالفعل بالاستيلاء على أجهزة الكومبيوتر وخوادمها المحتوية على التفاصيل الدقيقة المطلوبة، ومنها بيانات عن كافة العملاء الذين يتعاملون ويعملون لصالح جهاز الأمن الإسرائيلي الداخلي، كما تم أسر اثنين من ضباط الشين بيت العاملين فيه، وتم نقلهما مع الأجهزة إلى قطاع غزة.
2- الهدف الثاني:
اقتحام القاعدة العسكرية التي بها مقر وحدة التجسس الإقليمي الإسرائيلي (الوحدة 8200)، وهي الوحدة المتقدمة في القطاع الجنوبي لإسرائيل للتجسس، والمنوط بها أعمال التجسس على مصر والأردن وإيران والبحر الأحمر، حيث تمتلك الوحدة قدرات عالية جدًّا، جعلت إسرائيل ثاني أكبر دولة في التنصت بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الوحدة تابعة لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي مباشرة، حيث يتم نقل كل ما لديها من معلومات إلى جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي (الموساد)، وإلى جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلية (أمان).
والغرض من مهاجمة مقر هذه الوحدة هو: الحصول على كافة ما فيها من المعلومات التي تمتلكها إسرائيل.
كان تأمين الوحدة (8200) وقت الهجوم ضعيفًا؛ إذ لم يكن متوقعًا مهاجمته من جهة، ولوجود حالة استرخاء عسكري في ظل الاحتفال بالعيد الديني (يوم العرش)، كما كان المسئولون الإسرائيليون يترقبون حدوث مظاهرات إسرائيلية داخل إسرائيل احتجاجًا على سعي حكومة نتنياهو لإجراء هيكلة للقضاء في إسرائيل والتي يعارضها الكثير من الإسرائيليين ويستعدون لاستئناف التظاهر ضدها، وكذلك توقع وقوع مظاهرات فلسطينية في الضفة الغربية احتجاجًا على تزايد انتهاكات المستوطنين الإسرائيليين، وهو ما استدعى سحب قوات من أمام قطاع غزة إلى الضفة الغربية للتعامل المتوقع معها، وقد نجحت بالفعل كتائب القسام في الاستيلاء على كافة أجهزة الكومبيوتر وخوادمها وكل الملفات التي تحتفظ بها الوحدة (8200)، وأسر أحد الضباط وأحد مهندسي الكمبيوتر المتخصصين العاملين في التجسس السيبراني بالوحدة، وعادت بكل هذا إلى غزة، وبدأت في تفريغ معلوماته.
3- الهدف الثالث:
اقتحام قاعدة (بيت سليم) العسكرية التي توجد بها قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية، وهي التي تشرف على العمليات في النقب والحدود مع مصر ومنطقة البحر الأحمر، وهو ما تمكنت كتائب القسام من تنفيذه، كما أسرت عدد من قياداته.
الموقف على الجانب الإسرائيلي:
كان متوقعًا لدى بعض الاستخباريين والعسكريين الإسرائيليين احتمالية هجوم للمقاومة الفلسطينية على غلاف غزة، بل حذر محلل عسكري ينتمي للوحدة (8200)، والتي تعد وكالة استخبارات إسرائيلية إلكترونية متقدمة، من أن حماس أجرت من ثلاثة أشهر تدريبات مكثفة لمدة يوم واحد، ولكن في ظل حالة الهدوء السائدة، واستبعاد امتلاك حماس معلومات استخبارية عالية، وتوقع عدم قدرة حماس على تنفيذ هجوم شامل وواسع النطاق على هذا المستوى العالي من الإعداد والتنفيذ، إلى جانب الثقة التامة في كفاءة الحاجز الأمني والجدار العازل الإسرائيلي؛ قلل كل ذلك مخاوف الخبراء والمسئولين الإسرائيليين من وقوع هجوم حماس المفاجئ، وأن يكون بهذه الدرجة العالية من الإعداد والتنفيذ؛ إضافة إلى أن تنفيذ الهجوم تم خلال أجواء احتفال اليهود بأحد أعيادهم الدينية (عيد العرش)؛ مما زاد في جعل توقيت الهجوم مفاجئة غير متوقعة.
في السادسة والنصف صباح السابع من أكتوبر دوت صفارات الإنذار في المستوطنات الإسرائيلية المجاورة لغلاف غزة، وبينما كانت أصوات الصواريخ والرصاص تدوي في العديد من المستوطنات والقواعد العسكرية، كان لا يزال البعض يحتفل بمناسبة العيد اليهودي حتى صباح السبت، وجاء الهجوم المباغت صادمًا للقادة والجنود بما يعد فشلًا ذريعًا لأنظمة المخابرات والجهاز العسكري الإسرائيلي في الجنوب التي لم تقدم قبل وقوع الهجوم أي معلومات استخبارية كافية تساعد على الاستعداد لصد الهجوم أو إجهاضه.
وقد أصدر جيش الاحتلال بيانًا أكد فيه أن قائد لواء (ناحال) للقوات الخاصة الإسرائيلية قد قتل في هذا اليوم (السبت) مع أحد المسلحين قرب "معبر كرم أبو سالم"، الذي يفصل بين قطاع غزة وبين إسرائيل، بينما توعد رئيس الوزراء (نتن ياهو) حركة حماس بأنها ستدفع ثمنًا باهظًا لهجومها على إسرائيل صباح اليوم، وذكر عن طريق رسالة تليفزيونية مسجلة من مقره العسكري في تل أبيب أن إسرائيل في حالة حرب، وليس مجرد تحرك أو عملية عسكرية، مشيرا إلى أنه أمر الجيش بتطهير المواقع التي دخلها مقاتلو حماس في البلدات والمدن الإسرائيلية، أما الرئيس الإسرائيلي فنقل عنه قوله: إن إسرائيل تواجه ساعات صعبة، داعيًا الجميع إلى الانصياع لتعليمات قيادة الجبهة الداخلية وإظهار الدعم المتبادل.
وقد أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي (يوآف جالانت): أن حماس قد ارتكبت خطأ فادحًا من خلال هجومها هذا الذي نفذته يوم السابع من أكتوبر داخل المدن والبلدات الإسرائيلية، وذكر في ختام جلسة تقييم الوضع الأمني وبحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي (نتن ياهو) أن حركة حماس بدأت الحرب ضد دولة إسرائيل، وأن جنود الجيش الإسرائيلي يقاتلون في كل نقاط الاختراق، مشيرًا إلى أن دولة إسرائيل ستنتصر في هذه الحرب.
وقد أعلن (إثمار بن غفير) وزير الأمن القومي الإسرائيلي حالة الطوارئ الأمنية في إسرائيل ابتداءً من مساء السبت السابع من أكتوبر ردًّا على العملية العسكرية التي قامت بها حماس، بينما أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال (أفيخاي أدرعي) رسميًّا، وفي نفس يوم الهجوم نفسه إطلاق عملية عسكرية كبرى باسم: (السيوف الحديدية) ضد حركة حماس في قطاع غزة ردًّا على هجوم طوفان الأقصى، بينما قال (جوناثان كونريكوس) المتحدث السابق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي: (لقد فشل النظام بأكمله، فمن الواضح أن البنية الدفاعية بأكملها فشلت في وقف الهجمات وتوفير الدفاع اللازم للمدنيين (المستوطنين) الإسرائيليين)، وأضاف: (سيتغير كل شيء بالنسبة لإسرائيل بعد هذا الهجوم الأخير).
وفي الاجتماع الأمني الذي عقد على الفور بقيادة نتنياهو حددت الحكومة الإسرائيلية أهدافها العاجلة، وتتضمن:
1- العمل سريعًا على استرداد زمام المبادرة بعد تقييم للوضع الميداني.
2- استرداد المستوطنات التي توجد بها عناصر من حماس، مع منع السماح بانسحاب عناصر حماس ومعهم أسرى من العسكريين أو المستوطنين (المدنيين).
3- العمل سريعًا على استرداد صورة الردع بعد أن تبين هشاشة الأمن القومي الإسرائيلي الداخلي، وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتن ياهو" أن ما يجري غير مسبوق، وأن الجيش الإسرائيلي سينتقم ويضرب حماس بلا هوادة، وأن هذه الحرب ستستغرق وقتًا وستشهد أيامًا جسيمة، بينما أعلن المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية أن إسرائيل ستنفذ حملة عسكرية ضد حماس في داخل غزة، وألمح إلى احتمال قيام الجيش الإسرائيلي بغزو بري لقطاع غزة.
وفي الرابعة والنصف عصرًا قصفت إسرائيل بالصواريخ مبنى جمعية خيرية وسط مدينة غزة، وقام الطيران الإسرائيلي بتنفيذ غارة على برج سكني في وسط المدينة فدمره بالكامل، كما قام الطيران الإسرائيلي خلال اليوم بغارات مكثفة على مناطق سكنية متعددة في (بيت لاهيا) شمال قطاع غزة، وفي مخيم (الشابورة) في منطقة رفح جنوب القطاع؛ مما تسبب في وقوع عشرات الشهداء والمصابين.
وردًّا على الاعتداءات الإسرائيلية أطلقت المقاومة الفلسطينية في الثامنة مساءً دفعة جديدة مكونة من 150 صاروخًا باتجاه العديد من المدن والمستوطنات الإسرائيلية، ومنها صواريخ على تل أبيب تسببت في وقف جلسة منعقدة للحكومة الإسرائيلية، وهروب وزرائها إلى الملاجئ.
وقد ظلت قوات المقاومة الفلسطينية تسيطر طوال يوم السابع من أكتوبر على عدد كبير من المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية التي اقتحمتها في الصباح، وقد كبدت قوات الاحتلال ولأول مرة مئات القتلى من جنودها في يوم واحد ومئات الجرحى وعدد كبير من الأسرى من ضباط وجنود الاحتلال والمستوطنين، وهو ما لم يشهده الكيان الصهيوني من قبل.
لقد كانت عملية طوفان الأقصى يوم السبت السابع من أكتوبر 2023 بمثابة شهادة وفاة للأكاذيب والدعاية الإسرائيلية حول تفوقها العسكري وتفوقها الاستخباري والتقني، كما أحيت معها القضية الفلسطينية والاهتمام بها من جديد في نفوس المسلمين في كل العالم الإسلامي خاصة الشباب، كما جرفت وأسقطت تقبُّل الدعوة للديانة الإبراهيمية في المنطقة العربية، وأفشلت جهود العدو الإسرائيلي للتطبيع مع الدول العربية.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12-03-2024, 10:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غزة رمز للعزة

غزة رمز للعزة (7) طوفان الأقصى (2)




الأسبوع الأول من الطوفان
كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ففي يوم الأحد 23 ربيع الأول 1445 هـ، الموافق الثامن من أكتوبر 2023 م، صدر بيان عسكري من كتائب القسام ذكرت فيه: أن مقاتليها ما زالوا يخوضون اشتباكات ضارية في عدة بلدات من غلاف غزة، منها: أوفاكيم، وسديروت، وباد مردخاي، وكفارة عزة، وبئيري، وكيسوفيم.
وأثناء ذلك كانت تصدر البيانات والتصريحات الإسرائيلية بلا توقف، تكيل التهديدات لحماس والوعيد، بينما توالت الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على قطاع غزة، والتي بلغت 800 غارة خلال يوم الأحد الثامن من أكتوبر، وأوقعت المئات من الشهداء والمصابين غالبيتهم من المدنيين العزل.
وقد أعلن المجلس السياسي الأمني الإسرائيلي حالة الحرب على قطاع غزة رسميًّا لتدمير كل قدرات حماس العسكرية والحكومية، بما يدل على خطورة الوضع في إسرائيل والرغبة العارمة في الانتقام، وأن المرحلة القادمة ستشهد تطورات خطيرة، فهذه هي المرة الأولى منذ حرب أكتوبر 1973 التي تعلن فيها إسرائيل الحرب رغم أن عملياتها العسكرية لم تتوقف حتى بعد انسحابها من قطاع غزة عام 2005.
كانت الأجواء بفعل صدمة طوفان الأقصى ملبدة بالغيوم، وقد أعلن وزير الجيش الإسرائيلي (يوآف جالانت) أنه أمر بفرض حصار عسكري مطبق على قطاع غزة؛ فلا وقود، ولا غاز، ولا طعام، ولا شراب، فكل شيء مغلق!
وهو ما أعلنه أيضًا وزير البنية التحتية الإسرائيلية، كما أعلن الجيش الإسرائيلي عن خطة للتعبئة تتضمن استدعاء 360 ألف فرد من الاحتياط، وهو الاستدعاء الأكبر في إسرائيل.
وفي مواجهة تصاعد الغارات الجوية الإسرائيلية كشفت كتائب القسام عن امتلاكها لمنظومة للدفاع الجوي محلية الصنع تقوم بالتصدي للطائرات الإسرائيلية، ورغم قلة كفاءتها؛ إلا أنها أجبرت جيش الاحتلال على عدم استخدام طائرات الأباتشي في غاراتها خشية إصابتها، رغم أهمية طائرات الأباتشي في عمليات المراقبة والمتابعة والمطاردة وتوجيه نيران المدفعية.
وفي نفس اليوم تحركت حاملة الطائرات الأمريكية (جيرالد فورد) إلى شرق البحر الأبيض المتوسط لتعزيز وضع القوات الأمريكية في المنطقة، وذكرت القيادة المركزية الأمريكية أنها اتخذت خطوات لنشر أسراب من المقاتلات الحربية من طراز إف 35، وإف 16، وإف 15، وإيه 15 في المنطقة دعمًا لإسرائيل في ظل التطورات الجارية، وذكر البيان: أن الولايات المتحدة تحتفظ بقوات جاهزة على مستوى العالم لتعزيز وضع الردع إذا لزم الأمر.
وعلقت حماس على ذلك: بأن إرسال الولايات المتحدة حاملة الطائرات إلى المنطقة لدعم إسرائيل يعد مشاركة فعلية منها في العدوان على الشعب الفلسطيني في غزة، وأن هذه التحركات هي لترميم المعنويات المنهارة لجيش الاحتلال الإسرائيلي بعد هجوم كتائب القسام، وهي تحركات لا تخيف الشعب الفلسطيني، ولن تضعف من مقاومته للاحتلال.
امتد القتال الدائر بين أفراد من المقاومة وقوات جيش الاحتلال داخل المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية في غلاف غزة إلى يوم الاثنين التاسع من أكتوبر، أي لليوم الثالث على التوالي، حيث أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن القوات الخاصة الإسرائيلية تشتبك في معارك في 7 إلى 8 مواقع داخل إسرائيل (الأراضي الفلسطينية المحتلة)، وأنها ما زالت تعاني من هجمات حماس، وأن هجمات حماس خلفت حتى الآن 800 قتيل إسرائيلي.
وقد أعلنت في نفس اليوم الاثنين صحيفة (جيروزاليم بوست) الإسرائيلية أن عدد القتلى الإسرائيليين في المواقع العسكرية والمستوطنات من جراء عملية طوفان الأقصى لا يقل عن 800 إسرائيلي، وأن عدد الجرحى بلغ نحو 2500 جريح.
مع انتشار أصداء عملية طوفان الأقصى في كل أنحاء العالم، سعت إسرائيل جاهدة كعادتها في نشر الأكاذيب مِن خلال: تزوير الأخبار، وبث المعلومات المغلوطة، ونشر الفيديوهات غير الصحيحة المزورة من خلال تقنية الذكاء الاصطناعي ونسبتها إلى حركة حماس وكتائب القسام، حيث ادعت إسرائيل أن مقاتلي كتائب القسام يذبحون الأطفال ويغتصبون النساء، ويقتلون المدنيين، وينكلون بالأسرى، وقد ردد ذلك وروج له الإعلام الغربي كذبًا وزورًا أمام الرأي العام الغربي دون أي تحقيق؛ انقيادًا للإعلام الصهيوني!
فتردد: أنه قد تم ذبح 40 طفلًا إسرائيليًّا، كما نشر فيديو فيه زعم اغتصاب سيدة إسرائيلية، وكذلك ادعاء قتل كتائب القسام يوم السابع من أكتوبر لمئات من المدنيين الإسرائيليين والأجانب كانوا يحضرون أحد الاحتفالات في مستوطنة (كيبوتس ريعيم).
وقد تبيَّن بعد ذلك حقيقة تلك الوقائع، وبالتالي كذب هذه الافتراءات والأكاذيب، بل واعتذرت العديد من وسائل الإعلام لمستمعيها وقرائها على تسرعها في نشر هذه الأخبار الكاذبة والترويج لها دون تدقيق، وقد اعترفت الصحافة الإسرائيلية نفسها بعد ذلك أن طائرات حربية إسرائيلية هي التي قصفت وقتلت بطريق الخطأ المئات من الإسرائيليين والأجانب المحتفلين في حفلة مستوطنة (كيبوتس ريعيم) ممن حضروا الاحتفال الذي قتلوا فيه.
ففي يوم 12 نوفمبر نشرت صحيفة (يديعوت أحرونوت)، وهي صحيفة إسرائيلية مقربة من أجهزة الأمن الإسرائيلية، تقريرًا جاء فيه: إن التحقيقات التي تجري حول أحداث السابع من أكتوبر أثبتت أن طائرات إسرائيلية قصفت مستوطنات ومركبات بداخلها إسرائيليين في السابع من أكتوبر ظنًّا أنهم مقاتلون من حماس وفقًا لاعترافات عدد من الطيارين الإسرائيليين، أي: أنه لا علاقة لحماس بمقتلهم، وقد أحدثت تلك التحقيقات ضجة في إسرائيل بعد مرور أكثر من شهر على بداية الحرب، كما فندت كذلك صحيفة (هاآرتس)، وهي صحيفة إسرائيلية تخاطب النخبة اليسارية في إسرائيل وتؤيد حل الدولتين، أكذوبة قتل الأطفال الإسرائيليين الرضع، مما عرض الصحيفة للهجوم من الكثير من الإسرائيليين.
وقد أظهرت الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية حكومات وشعوبًا هجومها الصريح على حماس وشعب غزة على خلفية عملية طوفان الأقصى؛ خاصة بعد كل ما تردد من الأكاذيب في الإعلام الصهيوني والغربي التي حولت النضال الفلسطيني دفاعًا عن المقدسات إلى أعمال إرهابية ضد مدنيين صهاينة أبرياء.
وقد أعلن مفوض الشئون السياسية للاتحاد الأوروبي موقفه المعادي من خلال (تغريدة) على مواقع التواصل الاجتماعي أشار فيها إلى التعليق الفوري للمساعدات إلى الفلسطينيين، بينما أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أن دول الاتحاد الأوروبي سوف تعيد النظر في التمويلات المقدمة للفلسطينيين في ضوء التطورات الأخيرة، وأكدت ألمانيا أنها تتحمل مسئولية الدفاع عن حق إسرائيل في الوجود، وأعلنت الدنمارك والسويد تعليق المعونات التنموية للفلسطينيين، كما قررت بريطانيا أيضًا مراجعة مساعداتها للفلسطينيين.
وقد أعلنت كتائب القسام يوم الأحد الثامن من أكتوبر أن قوات تابعة لها تمكنت من التسلل لعدد من مواقع الاشتباك في (صوفا) و(حوليت) و(يتيد) لمد مجاهدي القسام فيها بالقوات والمعدات، كما أعلنت كتائب القسام في الساعة الواحدة ظهرًا أن مقاتلين من كتائب القسام من كوماندوز النخبة نفذوا عملية ناجحة بخمسة زوارق على شواطئ عسقلان، حيث سيطروا على مواقع هناك، وقتلوا عددًا من الجنود الإسرائيليين، وقد تمكنت عناصر من حماس من رفع علم حماس الأخضر فوق موقع (كيسوفيم) العسكري بعد سقوط الموقع في يدها عقب اشتباكات ضارية مع جيش الاحتلال.
ومع تصاعد عمليات القصف الإسرائيلية ضد المدنيين في قطاع غزة أعلنت كتائب القسام أن القصف الإسرائيلي على القطاع غزة أدى إلى مقتل 4 من الأسرى الإسرائيليين مع محتجزيهم، بينما كشفت حركة الجهاد الإسلامي في هذا الوقت أنها تحتجز لديها ما لا يقل عن 30 أسيرًا.
وأمام هذه التطورات الخطيرة التي حدثت خلال هذه الأيام الثلاثة أعلن وزير الدفاع الأمريكي (لويد أوستن) أن البنتاجون سيعمل على توفير كل ما تحتاجه تل أبيب للدفاع عن نفسها.
وقبيل المساء أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي استعادة السيطرة على البلدات في جنوب البلاد، ومع الحدود مع غزة، مع احتمال أن يكون هناك عناصر أخرى متبقية في المنطقة.
أمام حجم الكارثة وخطورتها ومع إدراك الحكومة الإسرائيلية أن معنويات الشعب الإسرائيلي أصبحت في الحضيض؛ قررت أن تسعى بكل ما تملك لشن حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة مهما كلفها ذلك؛ ولهذا تقدمت رسميًّا إلى واشنطن بطلب مدها بقنابل ذكية وصواريخ اعتراضية إضافية لتقوية منظومة القبة الحديدية في مواجهة صواريخ كتائب القسام والثأر منها.
وفي يوم الثلاثاء العاشر من أكتوبر وخلال الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة تم قصف برج سكني غرب غزة بعد الثالثة صباحًا توجد فيه أعداد من الصحفيين؛ مما تسبب في مقتل ثلاثة من الصحفيين دفعة واحدة، وقد احتجت العديد من المنظمات الصحفية والمنظمات الإنسانية على هذا القتل المتعمد للصحفيين مع المدنيين، ورغم ذلك فقد واصلت قوات الاحتلال أيضًا بعدها عمليات استهداف وقتل لعشرات الصحفيين.
وقد أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن طائرات السلاح الجوي قد أسقطت أكثر من ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة، بينما ردت فصائل المقاومة على هذه الاعتداءات بإطلاق 120 صاروخًا تجاه (أسدود) و(عسقلان)، سقط بعضها داخل مناطق الاستيطان وأدت إلى وقوع عدد من الجرحى.
وفي أعقاب مجزرة قام بها جيش الاحتلال في (جباليا) بقصف سوق مزدحم بالفلسطينيين المدنيين أودى بمقتل عشرات من الشهداء والجرحى الفلسطينيين، أطلقت المقاومة المزيد من الصواريخ على عدد من المناطق الإسرائيلية، وقد حذر بعدها الناطق باسم كتائب القسام إسرائيل من ارتكاب جرائمها في حق الفلسطينيين وتوعدها بالرد عليها بقوة.
وفي يوم الأربعاء 11 أكتوبر تم في إسرائيل تشكيل حكومة طوارئ على أن يكون مجلس الحرب الوزاري المصغر بقيادة رئيس الوزراء هو الجهة المرجعية للقرارات الأمنية السياسية الحكومية، ومن خلاله يتم التعامل مع الإستراتيجية العسكرية المتعلقة باستخدام القوة.
وفي نفس يوم الأربعاء ذكر موقع (إكسيوس) الإخباري الأمريكي أن (نتن ياهو) أبلغ الرئيس الأمريكي (جون بايدن) أن خياره الوحيد هو بدء عملية عسكرية برية في غزة للقضاء على حماس وكتائب القسام.
وقد اتخذت الحكومة الإسرائيلية بالفعل قرارها بالاجتياح البري لقطاع غزة، وبدأت تحشد قواتها لتنفيذه، وأسندت هذه العملية العسكرية إلى عميد من ضباط الاحتياط المعروفين بشدته وميله للعنف، والذي بدأ على الفور الإعداد والاستعداد للاجتياح. وقد تأجل القيام بهذا الهجوم البري عدة أيام نظرًا لسوء الأحوال الجوية وتلبد السماء بالغيوم التي تجعل من الصعب مشاركة الطيارين الإسرائيليين، وكذلك مشغلي الطائرات بدون طيار من المشاركة في الهجوم لتوفير الغطاء الجوي للقوات البرية خلال اقتحامها للقطاع، وخلال الأيام السابقة للهجوم البري المرتقب ومع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة توالت الجرائم الإسرائيلية الإنسانية في حق سكان قطاع غزة على مرأى ومسمع من الجميع، ومنها:
- توجيه التحذير لكل سكان شمال قطاع غزة بمغادرة شمال القطاع إلى جنوبه خلال 24 ساعة، وهو ما يعني التهجير القسري لكل سكان شمال القطاع والذين يتعدى تعدادهم المليون شخص.
وذكرت منظمة الأمم المتحدة: أن الجيش الإسرائيلي أبلغها أن نحو مليون فلسطيني في شمال غزة يجب أن ينتقلوا إلى جنوب قطاع غزة خلال الساعات الأربع والعشرين المقبلة؛ فضلًا عن إجلاء موظفي منظمة الأمم المتحدة من هذه المنطقة، وذلك تمهيدًا للهجوم البري المرتقب.
وقد أكدت وقتها المنظمات الإنسانية -ومنها اللجنة الدولية للصليب الأحمر-: أنها لن تكون قادرة على مساعدة مليون شخص في غزة أمهلتهم إسرائيل 24 ساعة لمغادرة منازلهم والتوجه إلى جنوب القطاع، كما ذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر: أن مطالبة إسرائيل للسكان الفلسطينيين في شمال القطاع بالنزوح الجماعي خلال 24 ساعة إلى جنوب القطاع في ظل حصار عسكري مع حرمانهم من الحصول على الغذاء والماء والكهرباء لا يتوافق مع القانون الدولي.
ومعلوم أن هذا الإجراء الإسرائيلي يشكل مخالفة جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني؛ إذ يعرض حياة مليون فلسطيني لمخاطر البقاء في العراء دون مأوى، وفي مواجهة ظروف إنسانية وأمنية خطيرة، وهو الأمر الذي رفضته حماس ورفضه معها مئات الألوف من سكان غزة المحاصرين.
- ومع تمادي الضربات الجوية ضد السكان المدنيين في قطاع غزة، طالب الجيش الإسرائيلي أيضًا بإخلاء عدة مستشفيات في غزة، ووجَّه إنذارًا بالإخلاء الفوري لمستشفى القدس بمدينة غزة في اليوم الثامن من الحرب، وهي بالطبع جريمة جديدة تعكس النية الإسرائيلية المبيتة ضد قطاع غزة بمنع تقديم الخدمات الصحية الأساسية وخدمات الحالات الطارئة.
وقد ذكرت وزارة الصحة الفلسطينية: أن الغارات الإسرائيلية أدت إلى إخلاء مستشفى الدرة للأطفال شرق غزة بعد استهدافه بقنابل الفسفور، ونقل مرضى المستشفى وطاقمها الطبي إلى مستشفى النصر للأطفال، وأن ذلك تكرر أيضًا مع مستشفى بيت حانون.
- ولإجبار السكان بالقوة على إخلاء شمال القطاع والنزوح الجماعي إلى وسط وجنوب القطاع وسَّعت إسرائيل وكثَّفت من دائرة هجماتها على شمال قطاع غزة مع نهاية الأسبوع الأول من الحرب، وارتكبت لتحقيق ذلك مجازر عديدة، منها: مجازر في دير البلح ومخيم جباليا. وقد أحصت مستشفيات القطاع في يوم واحد استشهاد أكثر من 350 شخصًا ومئات الجرحى، وقد بلغ عدد الضحايا مع نهاية الأسبوع الأول أكثر من ألفي شهيد وأكثر من 8700 جريح.
- وفي تطور جديد دعا الجيش الإسرائيلي سكان شمال القطاع بالتوجه إلى جنوب القطاع عبر محورين، عبر شارعي: (البحر) و(صلاح الدين)، وأنه سيسمح لهم بالتحرك فيهما بدءًا من الساعة العاشرة صباحًا حتى الساعة الرابعة عصرًا، وأنه سيسمح لسكان الشاطئ والرمال وغرب الزيتون بالتحرك على شارعي دلدول والسناة بالتحرك تجاه شارعي صلاح الدين والبحر، ومع ضغط الهجمات الإسرائيلية أشارت التقديرات إلى أن مئات الألوف قاموا بإخلاء مساكنهم، بينما رفض آخرون. كان الوضع مؤلمًا؛ فالأهالي يتركون بيوتهم بأعداد كبيرة، ويسيرون في جماعات في الشوارع لا يعرفون إلى أين سيذهبون.
وقد وجه الجيش الإسرائيلي ضرباته المكثفة إلى المستشفيات في قطاع غزة مستهدفًا ما فيها من المرضى والنازحين الذين احتموا داخلها ظنًّا منهم أنها ستكون ملجأ آمنًا لهم؛ إذ لم يتصوروا أنه مهما بلغ إجرام المعتدين سيقومون بضرب المستشفيات والمرضى بها.
وقد بررت إسرائيل فعلها الإجرامي هذا المخالف لكل القوانين الدولية والإنسانية بأن قيادات حماس تتواجد داخل أو أسفل تلك المستشفيات، وليس هذا بمبرر مقبول في القانون الدولي لقتل وجرح المئات من المرضى والمدنيين إن صح؛ فكيف وقد أثبتت الوقائع والأحداث بعد ذلك كذب الزعم الإسرائيلي المذكور، وأنه لم يتضمن القتلى والمصابين في المستشفيات التي تم استهدافها وجود أحد من قيادات حماس أو المقاومة أو أحد من رجالها.
وقد أدانت منظمة الصحة العالمية في بيان لها في 15 أكتوبر 2023 الهجمات الإسرائيلية المتكررة على مستشفيات غزة، وأدانت كذلك مطالبة إسرائيل بإخلاء 22 مستشفى في شمال قطاع غزة تقوم بعلاج أكثر من ألفي مريض، وأن الإجلاء القسري لهؤلاء المرضى والأطقم الطبية المرافقة لهم يفاقم من أوجاعهم الصحية والإنسانية.
ومعلوم أن هذا يهدد حياة الحالات الحرجة من المرضى ويعرضها للوفاة مباشرة؛ خاصة الذين يعالجون منهم في وحدات العناية المركزة، وأولئك الذين تحت العلاج بأجهزة التنفس الصناعي، وحالات مرضى الغسيل الكلوي، وكذلك النساء الحوامل اللاتي يعانين من مضاعفات الحمل، والأطفال حديثي الولادة في الحضانات، وكلها حالات يجب ألا تغادر المستشفيات التي يعالجون فيها مهما كانت الظروف، ويجب ألا تتوقف -ولو لفترات قصيرة- الرعاية الطبية المقدمة لهم؛ لكونها ضرورية لاستمرار حياتهم.
كانت الحرب تتصاعد يوم بعد يوم في كل مكان في قطاع غزة، وهجمات الطيران الإسرائيلي تتواصل ليلًا ونهارًا دون توقف، ورجال المقاومة يردون على الاعتداءات برشقات الصواريخ من وقت لآخر، بينما كانت تعلن الولايات المتحدة وتؤكد دعمها لإسرائيل في موقفها، وترفض وقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطع غزة، على ما فيه من انتهاكات جسيمة واضحة؛ هذا رغم بدء ظهور الاحتجاجات الشعبية في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية.
وقد توجهت قوة مكونة من ألفين من مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) إلى سواحل فلسطين المحتلة لتنضم إلى قوة السفن الحربية الأمريكية، ونقل عن بعض المسئولين في وزارة الدفاع الأمريكية أن هؤلاء الألفين مكلفين بمهمات تقديم المشورة لا المشاركة في القتال.
الأوضاع في إسرائيل:
كان الخلاف يتزايد داخل أوساط الحكم في إسرائيل حول خطوات المرحلة القادمة؛ خاصة في وجود تقارير تحذر من خطورة الهجوم البري على قطاع غزة، خاصة مع فشل الاستخبارات الإسرائيلية في التعرف على قدرات حماس وترسانتها العسكرية، والتي بات واضحًا أنها تطورت كثيرًا.
أما على المستوى الشعبي فقد قامت أعداد من الإسرائيليين بمظاهرات ساخطة ضد حكومة نتن ياهو، وحملتها مسئولية الإخفاق في مواجهة هجوم حماس، وتطالب بإصدار بيان واضح حول أهداف الحرب مع حماس خشية تعرض جنود إسرائيليين آخرين للقتل دون تحقيق أي هدف واضح.
وفي يوم السبت الرابع عشر من أكتوبر قام آلاف المتظاهرين الرافضين للعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزة بمسيرة ضخمة في لندن، وهم يلوحون بالأعلام الفلسطينية ولافتات كتب عليها (فلسطين حرة)، ويرددون هتافات ضد حكومتي بريطانيا والولايات المتحدة لدعمهما اللا محدود للعدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، لكن الحكومة الإسرائيلية لم تلقِ لذلك بالًا، وظلت تتمادى لليوم الثامن على التوالي في شن ضرباتها الجوية المكثفة ضد الفلسطينيين رغم الاحتجاجات الدولية الشعبية، بل طالب الجيش الإسرائيلي مجددا بإخلاء عدة مستشفيات أخرى في شمال القطاع ومدينة غزة، منها (مستشفى القدس) الواقعة في مدينة غزة.
وقد أعلن المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية أن 70% من سكان شمال غزة ومدينة غزة قد حرموا من تقديم الخدمات الصحية لهم بعد إخلاء وكالة غوث اللاجئين (الأنروا) لمقارها وتوقف خدماتها في شمال القطاع ونقل موظفيها الدوليين إلى جنوب قطاع غزة.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 19-03-2024, 08:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غزة رمز للعزة

غزة رمز للعزة (8) طوفان الأقصى (3)




الأسبوع الثاني من الطوفان
كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فلم تتوقف الضربات الإسرائيلية الجوية المكثفة للأسبوع الثاني على التوالي ضد سكان قطاع غزة في الشمال والجنوب مما أدى إلى سقوط آلاف أخرى من المدنيين شهداء وجرحى، وقد صرح وزير الجيش الإسرائيلي أمام لجنة الشئون الخارجية والدفاع بالكنيست أن هناك خططًا من ثلاث مراحل للاجتياح البري لغزة المرتقب، ستبدأ بغارات جوية ومناورات برية، يتبعها إلحاق الهزيمة بجيوب المقاومة لدى حركة حماس وتدمير قدراتها العسكرية، ثم في النهاية إنشاء واقع أمني جديد في قطاع غزة، وكان الجيش الإسرائيلي قد حشد 360 ألف من جنود الاحتياط لتعزيز عدد الجيش الإسرائيلي البالغ 170 ألف جندي، مع حشد ألف دبابة وقوة من الدفاع المدني قوامها 20 ألف فرد.
وكان الجدل داخل المجتمع الإسرائيلي مستمرًا حول صدمة عملية طوفان الأقصى وتداعياتها؛ خاصة وقد صرح رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية للإذاعة العبرية بفشل المخابرات الإسرائيلية في الحصول على إنذار مبكر لما قامت به حماس، بينما حاول (بائير لابيد) زعيم المعارضة في إسرائيل التظاهر بوجود رؤية واحدة داخل إسرائيل حول الوقف في مواجهة حماس قائلًا: (سنكون موحدين حتى النصر الذي يعني سحق حركة حماس بشكل كامل).
وبعد أسبوع من القصف المكثف الذي أودى بحياة الآلاف من المدنيين الفلسطينيين -خاصة من النساء والأطفال وكبار السن- مع الحصار الشديد، ومنع دخول الماء والغذاء، والوقود والكهرباء إلى كامل قطاع غزة؛ صدر تقرير من منظمة الصحة العالمية أكد أن نقص المياه والكهرباء والغذاء والوقود في قطاع غزة سيتحول إلى كارثة في غضون 24 ساعة، بينما أكد بدوره رئيس البعثة الإقليمية للصليب الأحمر في المنطقة: أن المأساة التي نراها في غزة لم يُرَ مثلها من قبل، ولا يمكن تحملها.
ومع ازدياد الأوضاع المعيشية في غزة صعوبة بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض عليها، قال مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي: إنه يجب منح حق الوصول للمساعدات الإنسانية للأمم المتحدة دون عوائق إلى غزة، مؤكدًا أن المعاناة الإنسانية لا يمكن أن تكون ورقة مساومة، وقد قابل (نتن ياهو) رئيس الوزراء الإسرائيلي تلك المطالب وغيرها بقوله: إنه لا مساعدات إنسانية، ولا وقف لإطلاق النار في غزة.
أطلقت كتائب القسام سراح رهينتين أمريكيتين (أم وابنتها) كانتا محتجزتين لديها في قطاع غزة استجابة لجهود قطرية لدواع إنسانية؛ هذا في الوقت الذي كان فيه الرئيس الأمريكي (بايدن) يزور إسرائيل ويعلن دعمه اللا محدود لإسرائيل، حيث رحبت الإدارة الأمريكية بالعملية العسكرية البرية المرتقبة ضد قطاع غزة، وأعلنت عن تقديم كل المساعدات العسكرية المطلوبة لإسرائيل، مع التعهد بحشد الرأي العام الأمريكي والدولي خلف إسرائيل، وتبرير اجتياحها البري المتوقع لقطاع غزة، كما أعلنت عن تأييدها التام لإسرائيل في سعيها للقضاء على حركة حماس، حيث شارك الرئيس الأمريكي خلال زيارته لإسرائيل بالحضور في اجتماع مجلس وزراء الحرب الإسرائيلية (حكومة الحرب الإسرائيلية) للاطلاع على الخطط العسكرية الإسرائيلية لتنفيذ الهجوم البري وتدمير البنية التحتية لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية، واستهداف قادتها في شمال غزة.
وقد توقع الخبراء العسكريون أن يستغرق ذلك الأمر عدة شهور قد تصل إلى 18 شهرًا، وقد ناقش الرئيس الأمريكي مع مجلس وزراء الحرب الإسرائيلية ضرورة إرساء فترة انتقالية تحت إشراف الأمم المتحدة في غزة، مع التأكيد على الحيلولة دون اتساع الحرب مع أطراف أخرى في المنطقة.
وقد أكد (بايدن) أن واشنطن قد حذرت إيران وحزب الله في لبنان من شنِّ هجمات عسكرية ضد إسرائيل لعرقلة تقدمها في غزة، وأيضًا حذر من شنِّ هجمات موجهة ضد القواعد الأمريكية في العراق وسوريا؛ ولذلك تم إرسال حاملة الطائرات الأمريكية (جيرالد فورد) ثم حاملة الطائرات الأمريكية (أيزنهاور) إلى المنطقة، وهما أقوى أسلحة الترسانة البحرية الأمريكية لتكونا رسالة ردع للقوى الإقليمية، وتحذير لها بعدم التدخل في أحداث الصراع الدائر في المنطقة.
وفي نفس الإطار كانت زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية لإسرائيل، والذي أكد خلالها أن زيارته لإسرائيل هدفها التأكد من كون إسرائيل لديها ما تحتاجه للدفاع عن نفسها.
وقد سبقت زيارة الرئيس الأمريكي لإسرائيل زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للمرة الثانية، حيث جدد مرة أخرى مقولته بإدانة حماس ودعم إسرائيل في عدوانها الوحشي على سكان غزة، كما قام كبار المسئولين في إنجلترا وفرنسا وألمانيا بزيارة إسرائيل وإعلان تضامنهم مع إسرائيل في عدوانها الوحشي وعقابها الجماعي لقطاع غزة، بل ساهمت في الدعم العسكري لإسرائيل بإرسال قواتها العسكرية إلى المنطقة، وفي مقدمة ذلك اتجاه العديد من السفن الحربية البريطانية إلى الشرق الأوسط دعما لإسرائيل وتضامنًا مع القوات البحرية المتمركزة قبالة ساحل غزة وتل أبيب.
وقد حذَّر الكثير من الخبراء من أن الاجتياح البري لقطاع غزة سوف يستغرق وقتًا طويلًا؛ إذ لا بد وأن حماس قد أعدت الخطط المضادة للاجتياح البري وخوض حرب عصابات طويلة الأمد داخل مدن وشوارع القطاع وعبر ما لديها من شبكة أنفاق كبيرة.
وقد حذر بالفعل ضابط المخابرات السابق في الجيش الأمريكي (سكوت ريتر) في مقابلة له مع إحدى قنوات (اليوتيوب) أن الإسرائيليين إذا ذهبوا إلى غزة سيقتلون بأعداد لم يرها الإسرائيليون من قبل، وأن كتائب القسام جاهزة للعملية البرية، وأنهم سيقومون باستدراج الجيش الإسرائيلي إلى فخ الموت.
وهو ما حدث بعد ذلك حيث استطاعت المقاومة الفلسطينية عقب الاجتياح البري لقطاع غزة إخراج لواء (جولاني)، وهو لواء النخبة في الجيش الإسرائيلي، من الخدمة بعد تكبيده نحو 25 % من قوته، كما أخرجوا لواء المظليين، ثم هرم القيادة في لواء (ناحال عوز)، ولواء (جعفاتي)، وذلك خلال أول شهرين من الحرب، وهو ما يؤكد ما ورطت حكومة نتن ياهو اليمينية المتطرفة فيه الجيش الإسرائيلي مقابل تمسك نتن ياهو بالبقاء في الحكم أطول فترة ممكنة ولو على جثث عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين والمئات، كذلك من القتلى والمصابين من جنود الاحتلال الإسرائيليين بما لم تشهده إسرائيل من قبل.
وقد توعدت حركة حماس الجيش الإسرائيلي حال إقدامه على الاقتحام البري للقطاع بتكبيده خسائر فادحة، مؤكدة أنه يخطئ من يظن أن الشعب الفلسطيني الآبي الصامد سيغادر أرضه، حتى لو كانت تحت القصف أو الاحتلال.
وقد حذرت صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية من تحول عملية الاجتياح البري لقطاع غزة إلى عملية كارثية تنتهي بفشل ذريع وقتل أعداد كبيرة من الجنود الإسرائيليين بدون هدف من جهة، والقيام بمذابح ومجازر جماعية لسكان غزة من جهة أخرى، تجعل سكان قطاع غزة يواجهون كارثة (نكبة ثانية) تماثل نكبة 1948، التي ما زال يتذكر جميع الفلسطينيين مشاهدها التي عاشها آباؤهم وأجدادهم من 75 سنة؛ إذ إن فرار أكثر من مليون فلسطيني للنجاة بحياتهم، أكثر من نصفهم على الأقل من الأطفال والنساء، وكبار السن، وأصحاب الاحتياجات الخاصة والمرضى، مع اختلاف أحوالهم؛ منهم مَن سيتشبثون ببيوتهم المدمرة لا يتركونها، ومنهم مَن يهربون نحو الجنوب سيرًا على الأقدام أو على الدرجات الهوائية أو على الدواب يحملون ما استطاعوا من ممتلكاتهم، فيصيرون قطعًا على شفا كارثة تاريخية، ولو نجحت إسرائيل في تدمير القطاع على رؤوس سكانه فسيتم نقش هذا الفعل بفظائعه في وعي العالم العربي كله وكل الفلسطينيين، بل ووعي العالم الثالث لأجيال قادمة، وهذا يؤثر بدوره على قبول إسرائيل عالميًّا.
ومع دخول العدوان أسبوعه الثاني من طوفان الأقصى كثفت إسرائيل من هجماتها الواسعة على مناطق شمال ووسط قطاع غزة في محاولة لإخلاء مناطق كاملة من شمال القطاع من السكان ودفعهم إلى وادي غزة؛ تمهيدًا للهجوم البري المحتمل، وقد بلغ عدد الضحايا حتى 14 أكتوبر 2023 نحو 2215 شهيدًا و8714 جريحًا.
وفي يوم السابع عشر من أكتوبر قام الجيش الإسرائيلي بقصف المستشفى الأهلي المعمداني في جنوب غزة، وهو مملوك للكنيسة الإنجيلية في القدس، فتم هدمه على مَن فيه من المرضى والأطقم الطبية والعاملين فيه؛ مما تسبب في مقتل المئات منهم، مما أحدث ردود فعل صادمة في أنحاء العالم.
وقد نتج عن استهداف المستشفيات مع الانقطاع الكامل للكهرباء والماء عنها أن أجريت عمليات لجرحى ومصابين في طرقات تلك المستشفيات وبدون تخدير، وقد صارت الأوضاع المتدهورة تهدد بانهيار القطاع الصحي في قطاع غزة بالكامل، بينما الآلاف من سكانه أشد ما يكونون حاجة إلى العلاج والدواء، وإلى التعامل الفوري مع عشرات الآلاف من الجرحى والمصابين.
وقد بلغ عدد الضحايا في يوم 20 أكتوبر 2023 نحو 4137 شهيدًا وفق ما أعلنته وزارة الصحة التابعة لحركة حماس؛ بالإضافة إلى إصابة 13162 آخرين بجروح مختلفة.
وتوالت التحذيرات الإسرائيلية التي تحث الفلسطينيين بقوة على ترك شمال غزة والتوجه وسط وجنوب القطاع، مع تصعيد الضغط العسكري والمجازر وأعمال القتل لإجبار الفلسطينيين على الهجرة القسرية إلى جنوب القطاع، وفي يوم 22 أكتوبر ألقت الطائرات الإسرائيلية منشورات على الفلسطينيين في شمال غزة تتضمن تحذيرًا واضحًا بأن من لم يغادر منهم شمال القطاع سيتم تحديد هويته على أنه متواطئ ومتعاطف مع منظمة حماس الإرهابية.
ومع اقتراب الحرب البرية كانت عائلات الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس والمقاومة الفلسطينية يحثون الحكومة الإسرائيلية على كبح جماح التدخل العسكري، والتفاوض بدلًا من ذلك على إطلاق سراح المحتجزين، ولكن الحكومة الإسرائيلية المتعطشة للانتقام، وقد أصيبت في كبريائها يوم السابع من أكتوبر لم تعطِ أي اهتمام لتلك الدعوات، ومارست الدعاية الكاذبة ضد حماس، وتمادت الحكومة الإسرائيلية مع الإعلام الصهيوني في التهجم، بل والبطش بكل مَن يبدي تعاطفًا مع الفلسطينيين في معاناتهم.
معاناة الفلسطينيات الحوامل:
كانت الفلسطينيات الحوامل في قطاع غزة يعشن في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتوحشة أوضاعًا مأساوية يصعب وصفها، حيث يوجد في القطاع قرابة 40 ألف امرأة حامل، منهن 9 آلاف على وشك الوضع خلال أيام أو أسابيع قليلة، وجميعهن يعانين في ظل الانهيار شبه الكامل للمنظومة الصحية في القطاع من جراء العدوان الهمجي الإسرائيلي، فكثيرات منهن كن يتعرضن للموت ببطء يومًا بعد يوم:
- فهناك الخوف والفزع المستمر، وآثار الصدمة النفسية للحرب عليهن.
- وهناك التشريد ومعه فقد أبسط حقوق الرعاية العائلية والعيش في أمان داخل أسرهن.
- وهناك صعوبة الوصول إلى المستشفيات التي صارت مكتظة بالشهداء والجرحى والمصابين، بل والنازحين والفارين من الغارات، بينما هذه المستشفيات تعاني من النقص الشديد في المستلزمات الطبية والأدوية، مما تصبح معه الأولوية ليست لرعاية الحوامل، ليصارعن وحدهن آلام المخاض تحت قصف يهدد حياتهن وحياة أجنتهن، وقد قتل منهن كثيرات وأجنتهن داخل أرحامهن، وقد أنهك الحصار الإسرائيلي والغارات الجوية المتكررة القطاع الصحي، الذي هو يعاني من قبل بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة من عام 2005م.
- وقد تحولت أقسام النساء والولادة بالمستشفيات إلى ملاجئ وأقسام للطوارئ لإنقاذ المدنيين المجروحين والمصابين، وقد أصبحت أغلب الأجهزة الطبية التي لا غنى عنها في متابعة الحمل - خاصة أجهزة السونار- أو تستخدم في الولادة تحتاج إلى الصيانة ولم تعد صالحة للعمل، كما تحولت غرف العمليات المجهزة للولادة مع ضغط العمل إلى غرف عمليات لاستئصال الرصاص وشظايا القنابل من أجساد الجرحى؛ مما اضطر معه الأطباء إلى إجراء بعض الولادات داخل مشرحة الموتى وأمام ثلاجات الموتى.
- وزاد من الكارثة اضطرار الأطباء إلى إجراء عمليات إجهاض لبعض الحالات لخطورة الوضع الصحي لهن أو لوفاة الأجنة في أرحام الأمهات؛ خاصة مع عدم تناول الطعام والحصول على العناصر الغذائية الأساسية، وفقد الماء والسوائل بالقدر اللازم، بل إن مئات السيدات اللاتي وضعن مواليدهن خلال الأسبوعين الماضيين توفي نحو نصف مواليدهن بعد الولادة بقليل.
- كما حذر الأطباء إلى أن قصف المدنيين بالقنابل الفسفورية المحرمة دوليا ستزيد من فرص ولادة أطفال مشوهين.
فقد الأطفال الفلسطينيين للحماية القانونية:
تعرض الآلاف من الأطفال الفلسطينيين للقتل المباشر من جراء القصف الجوي الإسرائيلي المكثف، حيث تحول كل مكان فيه فلسطينيون إلى هدف متعمد للغارات الجوية بلا أدنى تمييز، وهي مخالفة سافرة وصريحة لكل القوانين الدولية الموضوعة للحماية الكاملة للأطفال في أماكن وأثناء الصراعات المسلحة، والتي يعد مخالفتها بمثابة جرائم حرب وجرائم ضد إنسانية.
وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عدد من القرارات في سبيل تحقيق الحماية الكاملة للأطفال الموجودين في دائرة النزاعات المسلحة، من أهمها: الإعلان العالمي لحقوق الطفل الصادر في 20 نوفمبر 1959، والإعلان الخاص بحماية النساء والأطفال في أثناء الطوارئ والنزاعات المسلحة الصادر في 14 ديسمبر 1974، والإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه عام 1990.
ومن أهم القواعد الدولية الصارمة لحماية الأطفال في الحروب والصراعات المسلحة: ما تضمنته الاتفاقية الدولية لحماية حقوق الطفل عام 1989، كما اتخذ مجلس الأمن عدة قرارات مهمة لحماية الطفل في أثناء المنازعات المسلحة؛ كان أولها: القرار رقم 1261 لسنة 1999 وآخرها القرار رقم 2143 لسنة 2014. ورغم فظاعة جرائم الاحتلال الصهيوني ضد الأطفال الفلسطينيين المخالفة لجميع الاتفاقيات الدولية لحماية الطفل والتي توجب التحقيق الجنائي الدولي ومعاقبة التي ارتكبها ويرتكبها، فنرى حالة مستنكرة من الصمت الغربي تجاهها.
إسرائيل وسياسة التهجير القسري للفلسطينيين:
دائمًا ما زعم -ويزعم- قادة إسرائيل عدم الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني؛ هذا رغم أنه منذ بداية توافد اليهود في هجرات جماعية إلى فلسطين لأكثر من قرن من الزمان، وحتى مع وبعد إعلان قيام دولة إسرائيل وإلى الآن، فما زالت أعداد السكان الفلسطينيين على أرض فلسطين التاريخية هي الأكثر عددًا من اليهود.
وعلى هذا فقد قامت سياسة إسرائيل قبل وبعد قيام دولة إسرائيل عام 1948 وحتى الآن على إجبار السكان الفلسطينيين على ترك أراضيهم وديارهم والنزوح للعيش في المخيمات بالملايين كلاجئين في الضفة الغربية أو غزة أو في الأردن ولبنان، لتتولى منظمة الأونروا (الوكالة الدولية لرعاية وتشغيل اللاجئين) التي أنشئت من أجلهم بعد نكبة عام 1948 لرعايتهم كلاجئين في حاجة دائمة إلى المأوى والغذاء والتعليم والتشغيل، أو قبول الهجرة والإقامة مشتتين في دول العالم غربًا وشرقًا.
وقد بلغت هذه السياسة الإسرائيلية أقصى صورها مع وبعد حرب 1948 والتي أجبرت أكثر من 700 ألف فلسطيني -فيما عرف بنكبة فلسطين- على الهجرة القسرية من المدن داخل فلسطين إلى الضفة الغربية وقطاع غزة هربًا من المجازر الدموية والمذابح التي أقامها اليهود لهم بغرض إخلاء فلسطين من سكانها الأصليين، تحقيقًا لمقولة كاذبة مخالفة للواقع تمامًا يدعيها الصهاينة ويروجون لها ويدفعون الغرب دفعًا لتقبلها، أن فلسطين أرض بلا شعب، فهي تصلح لشعب بلا أرض، هو الشعب اليهودي.
وبهذه السياسة استمر عمل إسرائيل بلا توقف من بعد عام 1948 وحتى الآن بدرجات متفاوتة من خلال مصادرة أراضي الفلسطينيين، وهدم بيوتهم بحجج ومبررات واهية، والتضييق عليهم في المعيشة وسبل الحياة، والإبعاد لقاداتهم والنشطاء منهم لخارج البلاد، وذلك عبر عقود طويلة، أي: ممارسة التهجير القسري، ولكن بصورة ليست علنية أو مكثفة؛ كي لا ينتبه إليها إلا من يراقب الأمور ويعلم واقع الأحداث عن قرب.
وجاءت أحداث طوفان الأقصى لتظهر تلك السياسة بصورة مكثفة علنية؛ إذ صرح قادة إسرائيل بمباركة أمريكية وإقرار من دول أوروبا الغربية عن رغبتهم القوية في التهجير القسري لسكان قطاع غزة للإقامة الدائمة في أجزاء من سيناء، على أن تمول أمريكا هذا التوجه، وتعوض إسرائيل مصر عن تلك الأجزاء من سيناء بأجزاء من صحراء النقب البدوية، وهو ما رفضته وترفضه مصر بشدة، كما يرفضه أيضًا وبشدة قادة وسكان قطاع غزة؛ إذ يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وهذا المخطط حلم قديم يراود زعماء الحركة الصهيونية منذ نشأتها، وما زال يداعب أذهان قادتها ومن يواليهم إلى الآن ويراهنون عليه، ويحاولون بالقوة استغلال الرد على طوفان الأقصى بتهجير الفلسطينيين قسرًا تحت وطأة القصف الوحشي والمجازر والمذابح وقتل عشرات الألوف وهدم كل مظاهر وسبل الحياة في القطاع ليتركه أهله على مراحل، من شمال القطاع إلى وسطه، ثم من وسطه إلى جنوبه، ثم من جنوبه إلى رفح المصرية وسيناء، وإلا فهناك الشريط الرملي الضيق جنوب ساحل غزة على البحر المتوسط، الذي لا يسع؛ فضلًا عن افتقاده لسبل العيش بحالٍ من الأحول لسكان القطاع الذين يزيد عددهم عن مليون وعدة مئات الألوف من الفلسطينيين.
ملخص تاريخي لسياسة التهجير القسري للفلسطينيين:
تعد فكرة تهجير الفلسطينيين إلى خارج أرضهم أحد أحلام الحركة الصهيونية، بدأ التفكير فيها عام 1904 عندما طالب الناشط الصهيوني (زانجويل) بتهجير الفلسطينيين بالكامل، وتلقَّى الفكرة البارون (روتشيلد)، وهو يعد من أوائل الممولين للحركة الصهيونية، بإعجاب، وعرض دفع الأموال اللازمة لتحقيق ذلك، لكن الفكرة لم تلقَ نجاحًا.
وفي عام 1937 طالب (زئيف جابوتنسكي) الأب الروحي لليمين الإسرائيلي المعاصر بتشجيع التهجير الطوعي للفلسطينيين، فظهرت أول حركة سياسية تطالب بالتهجير الطوعي، وهي حركة (كاخ) الإرهابية، والتي دخلت الكنيست الإسرائيلي ببرنامج للتهجير الطوعي في ثمانينيات القرن العشرين يقدم إغراءات مالية للفلسطينيين أو لبعض الدول التي تقبل استقبالهم، وهي الفكرة التي تؤيدها وتتبناها الأحزاب الإسرائيلية اليمينية مثل: (الصهيونية الدينية) و(عوتسما يهوديت)، إيمانًا منهم بفكرة أن تكون إسرائيل الكاملة من النيل إلى الفرات لليهود فقط، أي: تبني رفض حل الدولتين، وأن التهجير هو الحل للأزمة الديموغرافية؛ خاصة مع تزايد عدد المواليد الفلسطينيين مما يجعل دائمًا تفوق تعدادهم على تعداد الإسرائيليين.
بينما في المقابل: في أوساط اليسار ينظرون لهذا الأمر بتخوف؛ إذ سيؤدي إلى توجيه إدانة إسرائيل واتهامها بالتطهير العرقي وممارسة جرائم حرب؛ إضافة إلى التشكك في قبول الفلسطينيين قيادة وشعبًا لأمر التهجير، بل غالبًا أنهم سيزدادون في التشبث بأرضهم، وهذا كله يجعل تنفيذ التهجير قسرًا أو طوعًا أمرًا صعبًا.
وقد أعلن (سموتيرتش) في عام 2017 عن خطة لتهجير الفلسطينيين لسيناء، وقد طرحت بشدة بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، ولكنها تتراجع يومًا بعد يوم لأسبابٍ، منها:
- موقف مصر الحازم والقاطع برفض الفكرة، وكذلك رفض الأردن لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن.
- رغبة إسرائيل في عدم الصدام مع مصر؛ نظرًا لتراكم قوتها العسكرية، والرغبة حاليًا في الحفاظ على اتفاقية السلام معها.
- تلاحم وتماسك الشعب المصري خلف قيادته السياسية في مواجهة مخطط التهجير الإسرائيلي، للمحافظة على بقاء القضية الفلسطينية ومنعًا لتصفيتها. (راجع في ذلك حوار ملحق الأهرام الأسبوعي - يوم الجمعة 2 فبراير 2024 مع د. محمد عبود أستاذ الإسرائيليات في جامعة عين شمس، ص 2).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 27-03-2024, 02:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غزة رمز للعزة

غزة رمز للعزة (9) طوفان الأقصى (4)



الأسبوع الثالث من طوفان الأقصى
كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد ظلت حكومة الحرب الإسرائيلية التي يترأسها (نتنياهو) على موقفها من التحضير القوي للاجتياح البري لقطاع غزة، رغم وجود خلاف بين الحكومة الإسرائيلية والجيش حول قرار الاجتياح البري، حيث حذَّر خبراء ومسؤولون من الخطر الذي سيتعرض له جنود الجيش الإسرائيلي، وقد يتسبب في حرب إقليمية، كما يهدد حياة الأسرى والمحتجزين الموجودين لدى حماس والمقاومة الفلسطينية.
وقد ذكرت مصادر: أن الحكومة الإسرائيلية وافقت على تأجيل الغزو البري لقطاع غزة حتى تنتهي الولايات المتحدة من تقوية المنظومة الدفاعية الصاروخية لإسرائيل.
وقد وجَّه الرئيس الأمريكي (بايدن) إلى الكونجرس الأمريكي طلبًا للموافقة على تقديم اعتمادات مالية إضافية قيمتها 106 مليارات دولار لأغراض حماية الأمن القومي الأمريكي، ومساعدة إسرائيل وأوكرانيا، وقد كشف صحفي أمريكي عن خطة إسرائيلية لإغراق أنفاق حماس بمياه البحر وهو ما يعرض حياة الرهائن الإسرائيليين فيها للخطر، وقد نفذ الجيش الإسرائيلي تلك الخطة فيما بعد في الأنفاق القريبة من ساحل غزة، ولكن إغراق الأنفاق القريبة من ساحل غزة بمياه البحر لم يحقق الغرض منه، مما لزم معه التوقف عنه.
وفي السابع والعشرين من أكتوبر: تم قطع الاتصالات عن قطاع غزة، وبدأت طلائع من الجيش الإسرائيلي عملية هجوم بري للمناطق في شمال قطاع غزة، وفي نفس اليوم حذرت الأمم المتحدة من أن العديد من الفلسطينيين معرضون للموت بسبب الحصار الإسرائيلي المحكم الذي تنهار معه الخدمات الأساسية في القطاع.
وفي يوم الجمعة 27 أكتوبر: أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار وإنفاذ هدنة إنسانية؛ تحفظ أرواح المدنيين، وتسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكل فوري وبدون انقطاع، وهو ما لم تستجب له إسرائيل، بل سارت قدمًا وَفْق مراحل القتال التي وضعتها، كما واصلت شن الهجمات المكثفة، ووسعت نطاقها برًّا وجوًّا وبحرًا.
وقد زعم المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي: أن مقر القيادة الرئيسي لحركة حماس موجود تحت مجمع الشفاء الفلسطيني في غزة، والذي يعد أهم وأكبر مستشفى في قطاع غزة، والذي يعاني من قلة الإمداد بالوقود في الوقت الذي بلغت نسبة إشغال الأَسِرَّة قرابة 150% من طاقتها الاستيعابية؛ لكثرة ما فيها من المرضى والجرحى والمصابين.
وقد ثبت بعد ذلك كذب دعاوى الجيش الإسرائيلي بعد حصاره مجمع الشفاء واقتحامه؛ أما المستشفى الإندونيسي فقد اضطر إلى إيقاف جزء من خدماته الحيوية بسبب نقص الوقود، بينما لم يعد مستشفى الصداقة التركي -وهو المستشفى الوحيد لعلاج الأورام في قطاع غزة- يعمل بكامل طاقته؛ بسبب نقص الوقود، مما يعرض نحو 2000 مريض بالسرطان فيه للخطر.
وقد أكد المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بشرق البحر المتوسط: أن المنظمة لا تزال عاجزة عن توزيع الوقود والإمدادات الطبية الأساسية اللازمة لإنقاذ الأرواح على المستشفيات الكبرى في شمال غزة؛ بسبب عدم توافر الضمانات الأمنية اللازمة، داعيًا إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية حتى يمكن توصيل كل الإمدادات الطبية الضرورية والوقود بأمان إلى جميع أنحاء غزة، كما أكد على توقف 6 مستشفيات عن العمل في أنحاء مختلفة من قطاع غزة، والتي جاء إغلاقها نتيجة الهجمات الجوية ونقص الوقود.
وأشار إلى أنه تم بدعم من وكالة الأنروا تسليم 34 ألف لتر من الوقود إلى 4 مستشفيات رئيسية في جنوب غزة وإلى جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لدعم خدمات الإسعاف التي تقوم بها، ولكن هذه الكمية من الوقود لا تكفي للقيام بالوظائف الحيوية في هذه المستشفيات، ولا إلى استمرار عمل سيارات الإسعاف إلا لمدة 24 ساعة أو أكثر قليلًا، بينما تمادى (نتنياهو) كعادته في الكذب فزعم أن حماس تستخدم المستشفيات في غزة مراكز قيادة، ليبرر لجيشه قصف واقتحام وهدم تلك المستشفيات، كما برر الجيش الإسرائيلي من قبل قصف العشرات من سيارات الإسعاف وهي تؤدي مهامها في مساعدة الجرحى والمصابين، وقام بقتل وإبعاد واعتقال العديد من الأطقم الطبية وأطقم الإسعاف لمنعها من القيام بدورها في إنقاذ الجرحى والمصابين.
تمادت إسرائيل في عدوانها الوحشي وقصفها المتواصل للأماكن السكنية والمستشفيات، بل ومدارس الأونروا؛ مما جعل منظمة العفو الدولية تعلن عن فقدها للاتصال بزملائها في المنظمة في غزة، وتحذر من أن المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة يتعرضون لخطر غير مسبوق خاصة بعد قطع إسرائيل للاتصالات في القطاع وتوسعها في الهجوم البري، وقد جدد الأمين العام للأمم المتحدة تنديده بالتصعيد غير المسبوق في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة مجددًا دعوته إلى وقف إطلاق نار إنساني محذرًا من كارثة إنسانية.
وقد أعلنت لجنة حماية الصحفيين أن القصف الإسرائيلي لقطاع غزة حتى الأسبوع الثالث من الحرب أسفر عن قتل ما لا يقل عن 29 صحفيًّا وإعلاميًّا ممَّن يقومون تغطية أحداث الحرب، وذكرت المنظمات الحقوقية أن ما وثقته لجنة حماية الصحفيين خلال تلك الأسابيع الثلاثة يعد الأكثر دموية بالنسبة للصحفيين الذين يغطون الصراعات منذ أن بدأت لجنة حماية الصحفيين في عملها في عام 1992، ورغم ذلك فقد زادت إسرائيل من اعتداءاتها الموجهة للصحفيين وللإعلاميين لمنع تغطية ونشر الأحداث المؤلمة التي يعيشها قطاع غزة ونقلها لوكالات الأنباء العالمية لعرضها أمام الرأي العام العالمي، ويعد هذا الاستهداف المتعمد من إسرائيل مخالف للقوانين الدولية التي تكفل الحماية للصحفيين في مناطق الصراع.
ولا يزال جيش الاحتلال يواصل اعتقال وإبعاد الصحفيين والإعلاميين والمراسلين الحربيين خلال توغله البري في قطاع غزة، إلى جانب تدمير مقار بعض المؤسسات الإعلامية، والتي كان منها مقار قناة الجزيرة ومكتب وكالة الأنباء الفرنسية، إلى جانب استهداف منازل الصحفيين، واستهداف البنية التحتية لشبكة الاتصالات والنت وتعطيلها عدة مرات، بما يحد ويعطل من قدرات وسائل الإعلام والصحفيين على العمل وعلى نقل ما يروه من مجريات ومستجدات في قطاع غزة، وكشفت شهادات من أفرج عنهم من الصحفيين بعد الاعتقال مدى وحشية قوات الاحتلال الإسرائيلي في معاملة الصحفيين والإعلاميين، وكذلك في معاملتهم السيئة لعامة الأسرى من أساليب التعذيب السادية.
وقد صعَّد الجيش الإسرائيلي من غاراته مع نهاية الأسبوع الثالث من الحرب غير عابئ بالنداءات الدولية أو الإقليمية؛ حيث وصفت الغارات الإسرائيلية خلال الأسبوع بأنها الأعنف منذ بداية الحرب، مما خلف المئات من الشهداء والمصابين الجدد، ودمر أعدادًا كبيرة جدًّا من المباني السكنية والمنشآت بما فيها المدراس والمساجد إلى جانب قصف المستشفيات، وقد تقدم الجيش الإسرائيلي في محاور في شمال قطاع غزة وتوسع في عملياته البرية.
وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: أن الجيش الإسرائيلي تمكن من قتل مسؤول القوة الجوية في كتائب القسام، وذكر الهلال الأحمر الفلسطيني أنه تلقى تهديدات شديدة اللهجة من الجيش الإسرائيلي بالإخلاء الفوري لمستشفى القدس تمهيدًا لقصفه، وبالفعل شهد محيط المستشفى غارات متواصلة أدت إلى تدميره بالكامل.
وفي مواجهة التحركات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة أعلنت كتائب القسام أن مقاتليها يخوضون اشتباكات عنيفة مع القوات الإسرائيلية المتوغلة في شمال القطاع، وفي وقت لاحق أعلنت كتائب القسام أنها قامت بعملية إنزال خلف الخطوط الإسرائيلية غرب معبر (إيرينز) حيث أجهزت على عدد من الجنود الإسرائيليين، وهم داخل آلياتهم المستهدفة.
ومع نهاية الأسبوع الثالث من الحرب أعلنت وزارة الصحة في غزة عن وصول عدد الشهداء الفلسطينيين إلى 7703 شهداء، بينهم 3500 من الأطفال.
وقد أدان المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان بشدة استمرار تكثيف الجيش الإسرائيلي هجماته الجوية على قطاع غزة، حيث قام بقصف المدنيين بهدف قتلهم بالجملة، مما يرتقي إلى جرائم حرب مروعة بموجب القانون الدولي الإنساني، وقد ذكر المرصد أن الطائرات الحربية الإسرائيلية قد ألقت في هجومها الجوي غير المسبوق منذ السابع من أكتوبر ما معدله 22 صاروخًا تدميريًّا لكل كيلو متر مربع في قطاع غزة الذي لا تتجاوز مساحته الكلية 365 كيلومتر مربع ويكتظ بأكثر من مليون وربع المليون نسمة، وذكر المركز أن سلاح الطيران الإسرائيلي يتعمد استخدام قوة نارية غير مسبوقة في تاريخ الحروب، ويقصف بلا هوادة مناطق سكنية مكتظة، ويقصف تجمعات للمدنيين بشكل مباشر لإيقاع أكبر قدر من الضحايا في صفوفهم.
وقد ذكر محللون: أن كمية ما قصف به الاحتلال الصهيوني قطاع غزة من المتفجرات، والتي بلغت نحو 15 ألف طن من المتفجرات حتى الآن، تعادل قوة القنبلة النووية التي ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية، مع صغر مساحة قطاع غزة (365 كم مربع) وكبر مساحة مدينة هيروشيما (900 كم مربع)، وقد ألقيت هذه المتفجرات بمتوسط 33 طنًّا على كل كيلو متر مربع في قطاع غزة منذ بداية العدوان، وارتكبت 644 مجزرة، وألحقت أضرارًا بالغة بنحو 50 % من مساحة غزة، ودمرت 177 مدرسة ودمرت 35 مسجدًا، مع استخدام أسلحة وذخائر محرمة دوليًّا.
وقد نتج عن ذلك أن زاد عدد النازحين عن مليون مواطن بنسبة تبلغ 60 % من سكان القطاع، وأن هؤلاء النازحين يتوزعون في 222 مركز إيواء، منها 100 بمركز غزة وشمال القطاع.
وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة في يوم الثلاثاء 24 أكتوبر إلى وقف إطلاق للنار إنساني فورًا في غزة، وأشار إلى أن الشعب الفلسطيني تحت احتلال خانق منذ 56 عامًا، مضيفًا أنه من المهم إدراك أن رد حماس في السابع من أكتوبر لم يحدث من فراغ، وأن ما حدث في السابع من أكتوبر لا يبرر هذا القتل الجمعي الذي تشهده غزة، وشدد على أنه لا يوجد طرف في نزاع مسلح فوق القانون الدولي الإنساني.
وذكر أن سكان غزة بحاجة إلى تقديم المساعدات بشكل مستمر بما يتوافق مع الاحتياجات الهائلة، وأنه يجب إدخال المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة دون أي قيود، كما أشار إلى أن ما لا يقل عن 35 من موظفي الأمم المتحدة لقوا مصرعهم جراء القصف المتواصل الذي يتعرض له قطاع غزة، وفي المقابل وتماديًا في الغي والباطل؛ هاجم المندوب الدائم للكيان الصهيوني لدى الأمم المتحدة عبر موقع للتواصل الاجتماعي تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، ودعاه إلى الاستقالة الفورية من منصبه، واصفًا إياه بأنه غير لائق لقيادة منظمة الأمم المتحدة على حدِّ زعمه.
أسيرة إسرائيلية ترد على الأكاذيب الإسرائيلية:
حاول العدو الإسرائيلي مرارًا عبر وسائله الإعلامية إلصاق التهم والأكاذيب الباطلة بفصائل المقاومة الفلسطينية، ومنها: سوء معاملة المقاومة للأسرى خاصة النساء الأسيرات، وقد قامت حماس في يوم الإثنين 23 أكتوبر بالإفراج عن أسيرتين إسرائيليتين لدواع إنسانية ومرضية قاهرة بعد وساطة مصرية قطرية، بعد رفض إسرائيل سابقًا استلامهما من دون مقابل.
وقد ذكرت وسائل الإعلام الدولي والصحف واسعة الانتشار ونشطاء في مواقع الاتصال الاجتماعي تصريحات أدلت بها أسيرة منهم في مؤتمر صحفي، تشيد بإنسانية رجال حماس في معاملة الأسرى والمعاملة الجيدة التي تلقتها في غزة من توفير حماس للمأكل والماء والمأوى للأسرى رغم قلة الطعام والماء والدواء في غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، فيما وصفته وسائل الإعلام بأنه أشبه بضربة للدعاية الإسرائيلية، بينما ذهب البعض من الإسرائيليين إلى مهاجمة تصريحات تلك الأسيرة، وقد أعلنت المقاومة الفلسطينية أنها تمتلك مجموعة من المحتجزين من جنسيات متعددة غير إسرائيلية تم جلبهم في أثناء المعركة ولم تكن هنا فرصة للتحقق من هوياتهم، موجهة تحذيرًا لأولئك الذين يحملون جنسيات دول أخرى غير إسرائيلية من المشاركة في القتال في جانب جيش الاحتلال، معلنة أن المقاومة ستقوم بإطلاق سراح الأسرى الأجانب لديها متى توافرت الظروف اللازمة لذلك.
المقاومة الفلسطينية تواصل قتالها:
في هذا الخضم من الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة التي لا مثيل لها والتي أيقن معها العدو الصهيوني وكثيرون أن المقاومة الفلسطينية قد انتهت، أو على الأقل قد ضعفت، خيبت المقاومة الفلسطينية ظنهم من خلال رشقات صواريخها وتصديها الباسل والمستمر لقوات الاحتلال مما كبد جيش الاحتلال تدميرًا كليًّا أو جزئيًّا للدبابات والمركبات وناقلات الجنود؛ مما أسفر عن مقتل وجرح الكثير من جنود العدو.
وفي يوم الثلاثاء 24 أكتوبر فاجأت المقاومة الفلسطينية العدو بتنفيذ عملية إنزال لضفادع بشرية تسللت فيها إلى شواطئ (زيكيم) البحرية جنوب عسقلان المحتلة، وخاضت اشتباكات مع قوات الاحتلال فيها وأوقعت بها خسائر عديدة.
الأوضاع داخل إسرائيل:
في الوقت الذي قام فيه الكيان الصهيوني بمحاولة الرد بوحشية على هجوم طوفان الأقصى بحثًا عن ترميم هيبته التي أصابها شرخ عظيم وفي مواجهة صمود غزة فقد اشتعلت الخلافات داخل إسرائيل، والتي بدت في ظاهرها أن حالة الحرب للانتقام قد وحدت جبهتها الداخلية، فالجيش لا يثق في الحكومة؛ خاصة مع خشية الخسائر الفادحة المتوقعة حال الاجتياح البري، وبالتالي تحمل مسؤولية اتخاذ هذا القرار، والذي سيمثل تحديًا كبيرًا أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية؛ نظرًا للخسائر المتوقعة. وداخل الحكومة والكنيست كانت الأحزاب متناحرة، وفي الشوارع آلاف المتظاهرين يهتفون ضد الحكومة والجيش، وآخرون من أقارب عدة مئات الأسرى لدى حماس يتظاهرون للمطالبة بإطلاق سراح أقاربهم المحتجزين، ومنهم من اعتصم أمام الوزارة أو أمام وزارة الدفاع.
وقد بلغ الأمر توجيه البعض الاتهام لرئيس الوزراء نتنياهو بحرق بعض الوثائق والأدلة الدالة على الفشل الاستخباراتي لإنقاذ حكومته من محاكمة باتت أكيدة، ولكنها مؤجلة لما بعد انتهاء الحرب، وهو ما حدا بالبعض بالمطالبة بمنع عمليات التملص من أدلة المسؤولية بالعمل على حماية كل المعلومات وتأمين كل الوثائق التي تتعلق بما قبل هجوم حماس أو بعده؛ خاصة في ظل اعتراف رؤساء الأجهزة الأمنية بفشلهم في توقع الهجوم والتحذير منه، وذكرت بعض الصحف الإسرائيلية نقيض ذلك بأن نتنياهو هو الذي يقوم بحملة لجمع الأدلة ضد الجيش والمخابرات يسعى بها لإبعاد أي لوم عليه بشأن هجوم حماس المفاجئ في السابع من أكتوبر.
ومن الجانب الاقتصادي: فقد بلغت تكلفة اليوم الواحد من العدوان على قطاع غزة قرابة 250 مليون دولار، مما لا تقدر موازنة العام المالي في إسرائيل على تحمله؛ مما استلزم تدفق المساعدات العسكرية والمالية اللا محدودة من الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا لإنقاذ دولة الاحتلال من الانهيار التام، وهو ما دفع البعض من التحذير من احتمال نشوب حرب طويلة الأمد قد تؤدي إلى فوضى اقتصادية في إسرائيل، إلى جانب الخسائر في الأرواح؛ هذا في الوقت الذي فقد فيه نحو 360 ألفًا من جنود الاحتياط وظائفهم المدنية من خلال التعبئة العسكرية التي تمت للمشاركة في الحرب، والتي بدورها أثرت -وستؤثر- على قوة الإنتاج والاقتصاد في إسرائيل طوال فترة هذه الحرب.
تمادي إسرائيل في استخدام الأسلحة المحرمة دوليًّا:
اعتادت إسرائيل في حروبها الأخيرة ضد قطاع غزة -وأيضًا في جنوب لبنان من قبل- على استخدام الأسلحة المحرمة دوليًّا؛ خاصة في مواجهة المدنيين والأهداف المدنية، وهي الجريمة المتكررة التي لا تجد دائمًا مَن يحاسبها عليها، ويردعها عن هذه النوعية من الجرائم الإنسانية الشنيعة!
وفي العدوان الحالي على قطاع غزة تمادت إسرائيل في استعمال العديد من الأسلحة المحرمة دوليًّا ضد المدنيين الفلسطينيين بصورة لم تحدث من قبل بهذا الكم وهذه النوعية، وهو ما أشارت إليه العديد من وسائل الإعلام العالمية.
ومن ضمن تلك الأسلحة المحرمة دوليًّا التي تستخدمها إسرائيل بلا مواربة:
- قنابل الفسفور الأبيض: وهي قنابل تساعد القوات الإسرائيلية على إخفاء تحركاتها على الأرض لما تنتجه من كميات كبيرة من الدخان، ويكثر استعمالها ليلًا، ولها آثار حارقة تمتد إلى مساحات واسعة، وهي تحرق كل ما تسقط عليه، وقد ذكر تقرير لمنظمة (هيومان رايتس ووتش) أن قوات الاحتلال استخدمتها في عملياتها العسكرية في يومي: 10 و11 أكتوبر، حيث ظهر ذلك جليًّا في عددٍ من المقاطع التي التقطت من فوق ميناء غزة.
- القنابل الفراغية: وهي من أشد أسلحة التدمير على البنية التحتية والسكان، ويقارب الأثر التدميري الناتج عنها تأثير القنابل النووية ذات العيار الصغير، واستخدمتها قوات الاحتلال في غزة لتدمير البنية التحتية من أنفاق لدى حماس بقطاع غزة.
- قنابل جدام الذكية: وهي قنابل أمريكية متطورة تصنف ضمن القنابل الهجومية ذات قوة التدمير العالي، يصل مداها إلى 28 كيلو متر، ويتم التحكم فيها وتوجيهها عبر الأقمار الصناعية.
- القنابل العنقودية: وهي من الأسلحة التقليدية المحرمة دوليًّا، وتحتوي الواحدة منها على عشرات القنابل المصغرة؛ لذا تتسبب في إيقاع الكثير من الضحايا.
- قنابل اليورانيوم المنضب: وتحتوي على عنصر اليورانيوم المنضب، وهي ذات تأثير حارق على كل ما تسقط عليه، وتشبه في تأثيرها الحارق تأثير قنابل الفسفور الأبيض.
- قنابل هالبر: وهي من أحدث ما في الترسانة العسكرية للولايات المتحدة، سلحت بها جيش الاحتلال الإسرائيلي مؤخرًا، وتمتلك إسرائيل منها 750 قنبلة، بجانب 3000 صاروخ هالبر بنفس التأثير تسلح بها المروحيات الهجومية الإسرائيلية، وتم رصد استخدام تلك القنابل خلال قصف إسرائيل لعدد كبير من المباني داخل قطاع غزة، وهي قنابل حارقة وخارقة للحصون.
- القنابل الذكية: وهي قنابل كانت الولايات المتحدة ترفض في الماضي أن تمد إسرائيل بها، وأمدت بها واشنطن الجيش الإسرائيلي مؤخرًا فاستخدمها في عدوانه على غزة، وهذه النوعية من القنابل لها رأسان: الأول تدميري، والآخر يقوم بخرق التحصينات والخرسانات، ويمكنه اختراق ثلاث طبقات إسمنتية قبل الانفجار، ويحدث استخدامها في الأماكن المدنية تدميرًا جسيمًا ويسبب خسائر بشرية كبيرة، وتستخدمها إسرائيل في قطاع غزة المأهول بالسكان رغم خطورتها البالغة رغبة في تدمير أنفاق حماس في غزة.
- القنابل الارتدادية أو الزلزالية: وهي قنابل يمتد تأثيرها إلى القشرة الخارجية للأرض، حيث تصدر موجات ارتدادية ضخمة تشبه الزلزال، تسبب اهتزازًا قويًّا في المباني أو الأنفاق المستهدفة، وهي تؤثر بقوة على أساسات تلك المباني مما يؤدي إلى انهيارها في ثوان، وهذه القنابل يمكن إطلاقها من الطائرات أو الدبابات أو المدافع.
- القنابل الإسفنجية: وهي تستخدم لسد الفجوات والمداخل في الأنفاق، وهي تتكون من حاوية بلاستيكية تحتوي على مواد كيميائية سائلة منفصلة، وعند إزالة القضيب المعدني الفاصل بين تلك السوائل داخل الجهاز وإلقائه في مدخل النفق تحدث انفجارًا مفاجئًا ينتج عنه تكوين رغوة سريعة التمدد وسريعة التصلب، مما يؤدي إلى إغلاق مدخل النفق كلية.
- غاز الأعصاب: لمح جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى أنه سيتم استخدام غاز الأعصاب خلال الهجوم البري على قطاع غزة، وطبقًا لاتفاقيات لاهاي وجينيف فإنه يحظر استخدام غازات الأعصاب. وتتضمن غازات الأعصاب: غاز السارين، وغاز التابون، وغاز سومان، وغاز الأعصاب، وتعمل هذه الغازات بنفس الطريقة حيث تسبب خللًا في الجهاز العصبي، وغالبًا ما يتعرض من يستنشقه للوفاة نتيجة صعوبة التنفس.
لجنة مصرية لتقصي الحقائق:
نظرًا لاكتشاف إصابات مدمرة بأجسام المصابين الفلسطينيين القادمين من غزة للعلاج في مصر تشير إلى أن هذه الإصابات ناتجة من استخدام أسلحة محرمة دوليًّا؛ فقد قرر المسؤولون في وزارة الصحة المصرية تشكيل لجنة من الأطباء الشرعيين لفحص هؤلاء المصابين، وبيان طبيعة السلاح الذي تسبب في إحداثها، ويتشكك بعض المسؤولين بوزارة الصحة المصرية في استخدام إسرائيل لأسلحة بيولوجية محرمة دوليًّا في عدوانها على غزة.
بينما ذكرت وزارة الصحة في غزة: أن هناك جرحى يعالجون من إصابات متعددة تشمل الكسور والحروق والشظايا، ومنهم مصابون أحدثت الانفجارات داخل أجسادهم حروقًا أدت إلى إذابة الجلد، وشظايا تسببت في انتفاخ للجسم وتسممه، وهي ما لم تشهدها أجساد الجرحى والمصابين من قبل، مما يصعب معها علاج هؤلاء المصابين.
ومعلوم دوليًّا: أن استخدام الأسلحة الحارقة والفسفورية ضد المدنيين يعد جريمة حرب بموجب اتفاقية جينيف الرابعة وبروتوكولاتها الإضافية، وهي تحظر الهجمات العشوائية على المدنيين، وتحظر استخدام الأسلحة التي تسبب آلامًا لا مبرر لها، وتنص على ضرورة أخذ الاحتياطات الواجبة لحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، بينما تشدد اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الأسلحة التقليدية لعام 1980 على حظر استخدام الأسلحة المحرقة ضد المدنيين، كما تحد من استخدامها ضد الأهداف العسكرية إذا كانت بالقرب من المدنيين.
أما الأسلحة العنقودية: فقد حظرتها اتفاقية أوسلو لعام 2008 بشأن الذخائر العنقودية، وهي الاتفاقية التي لم تنضم إليها إسرائيل، لكن استخدامها يعد مخالفة سافرة لمبادئ القانون الإنساني؛ خاصة مع تجاهل اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين في الهجمات العسكرية (راجع في ذلك: مقالة: قائمة الأسلحة المحرمة دوليًّا التي تستخدمها إسرائيل في إبادة الفلسطينيين - جريدة النبأ الوطني - عدد السبت 2 ديسمبر 2023، ص 3).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 07-04-2024, 03:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غزة رمز للعزة

غزة رمز للعزة (10) (طوفان الأقصى) (5)




الشهر الثاني من الحرب
كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد بدأت العمليات العسكرية البرية لقوات الاحتلال الإسرائيلية ضد قطاع غزة مع أواخر الأسبوع الثالث من عملية طوفان الأقصى (في 27 أكتوبر 2023)، وقد تصدت كتائب القسام وفصائل المقاومة الفلسطينية بقوة وثبات لقوات العدو المتوغلة في القطاع، ودارت بين الطرفين اشتباكات ومواجهات عنيفة استمرت لعدة شهور متواصلة؛ رغم أنها كانت بين قوتين غير متكافئتين تمامًا:
- فجيش الاحتلال الإسرائيلي جيش نظامي، وقد حشد أعدادًا ضخمة من جنوده بعد تعبئة واستدعاء لنحو 360 ألف من ضباط وجنود الاحتياط؛ إضافة إلى قواته الأساسية، وهو جيش مدجج بأحدث أنواع الأسلحة الحديثة في الترسانة الأمريكية لا يتوانى عن استخدامها جميعًا، بل واستخدام الأسلحة المحرم دوليًّا معها، ويمتلك أنواعًا متقدمة من الدبابات والمدرعات، والعربات المصفحة، والصواريخ ذات القدرات التفجيرية الكبيرة، وهو مدعوم بسلاح جوي قوي ومتطور يمهد له الطريق، ويوفر له دائمًا الغطاء الجوي خلال أي توغل له داخل القطاع.
وقد سبق بدء تلك العمليات البرية: القيام بغارات جوية مكثفة على شمال قطاع غزة لم تتوقف ليلًا ولا نهارًا، ولأكثر من أسبوعين؛ لإجبار أعداد كبيرة من سكان شمال قطاع غزة على الهجرة القسرية إلى وسط وجنوب القطاع هربًا من الهجمات الجوية الشرسة على المدنيين، والتي استهدفت كل ما على الأرض في القطاع؛ فكل منشأة أو مبنى أو بيت في شمال القطاع كان هدفًا للغارات الجوية؛ مما أسفر عن استشهاد وإصابة الآلاف من الفلسطينيين، وتدمير الكثير من المنشآت والمؤسسات والمباني والبيوت والمدارس والمساجد بلا تمييز؛ مما يعكس ما كانت عليه قوات الاحتلال من عشوائية ووحشية في العدوان، ودليل الرغبة الإسرائيلية العارمة في الانتقام المبالغ فيه من سكان غزة ردًّا على الهجوم المفاجئ الصادم لحماس في السابع من أكتوبر.
فقوات الاحتلال لا تفرق بين المقاتلين من رجال المقاومة وبين أهالي غزة العزل؛ إذ في نظرهم سكان غزة حاضنين لحماس، خاصة وقد فضح هجوم حماس ما كان مستورًا من هشاشة في جهاز المخابرات الإسرائيلية وفي إجراءاتها الأمنية، وتسبب في قتل وجرح عددٍ كبيرٍ من جنود جيش الاحتلال في يوم واحد لم تعرفه من قبل، فأسقط بذلك هيبة الجيش الإسرائيلي التي ظل يروج لها طوال العقود الماضية ويستند إليها.
- أما المقاومة الفلسطينية بفصائلها المختلفة "وفي مقدمتها: حماس"؛ فليست بجيش نظامي، وإذا قورنت بجيش الاحتلال الإسرائيلي فهي قليلة العدد، خفيفة التسليح، وما لديها من صواريخ فهي ذات مدى قصير ومتوسط، وذات قوة تفجير محدودة، وهي لا تمتلك أي دبابات أو مدرعات، وليس لها سلاح طيران، وفوق ذلك فكثير من أسلحتها وذخائرها هي صناعة محلية، صنعت في قطاع غزة رغم ضعف اقتصادها، والعزلة المفروضة عليها من خلال الحصار الإسرائيلي الصارم، ولكن أثبتت المقاومة الفلسطينية من خلال ما كبدته لقوات الاحتلال على مدار شهور القتال، ما عليه المقاومة من صلابة وثبات، كما أثبت الصمود البطولي لشعب قطاع غزة -في مواجهة الصلف والبطش للكيان الصهيوني، ومن خلفه الدعم غير المحدود من الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا- مدى صلابة شعب غزة وعزته.
وتشهد لذلك خسائر العدو الكبيرة في العتاد والأعداد، والتي اعترف ببعض منها، وأخفى الكثير منها، رغم توثيق المقاومة الفلسطينية والعديد من المراسلين والإعلاميين لكثير منها.
ومن أمثلة ما تكبده العدو في مواجهة المقاومة الفلسطينية في شهر نوفمبر، الشهر الأول في الهجوم البري الضخم لجيش الاحتلال:
أنه في يوم 3 نوفمبر:
- استهدفت المقاومة الفلسطينية آليات جيش الاحتلال المتقدمة تجاه محور صلاح الدين، وأصابت ثلاث منها؛ مما ترتب عليه انسحاب آليات العدو.
- كما قامت كتائب القسام بقصف تل أبيب ردًّا على استهداف العدو للمدنيين في غزة.
وقد شهد هذا اليوم فيما شهد غارة جوية إسرائيلية على محيط منطقة تل الزعتر شمال قطاع غزة، كما استهدفت مدفعية العدو محيط دوار التعليم وجامعة القدس المفتوحة ومحيط جامع زايد وشارع المنشية غرب غزة، كما قصفت مدرسة أسامة بن زيد بمنطقة الصفطاوي شمال مدينة غزة؛ هذا بينما قامت زوارق للعدو بإطلاق قذائفها تجاه شاطئ السودانية غرب غزة.
وقد أصدرت في هذا اليوم وحدة المعلومات الصحية بوزارة الصحة الفلسطينية إحصائية تراكمية عن العدوان الإسرائيلي ذكرت فيها: أن عدد الشهداء بلغ 9485 شهيدًا، منهم: 2430 رجلًا، و3900 امرأة، و3155 طفلًا، ومن بينهم 572 مسنًّا. كان منهم: 2101 شهيدًا في شمال غزة، و4066 في غزة، و1462 بوسط القطاع، و1116 في خان يونس، و840 في رفح. أما شهداء الطواقم الطبية فقد بلغ عددهم 137 شهيدًا، بينما بلغ إجمالي الجرحى 24173 جريحًا.
وفي يوم 4 نوفمبر:
- جرت اشتباكات عنيفة بين قوات جيش الاحتلال والمقاومة في محاور مختلفة قرب بيت حانون وإيرز شمال غزة. وقد ذكر موقع (واللا) العبري نقلًا عن جنود إسرائيليين مشاركين في القتال داخل غزة: أن مقاتلي المقاومة يقومون بالخروج من بين المباني المدمرة والأنفاق فيطلقون ما معهم من قذائف وصواريخ مضادة للدبابات ثم يختفون، مما يصعب مع هذا التكتيك في القتال رصدهم بالطائرات، وقد أطلق على هذا التكتيك اسم: (اللدغة).
- قامت كتائب الأقصى برشقة صاروخية على حشود للعدو شرق غزة (كفار عزة)، ووجهت عددًا كبيرًا من قذائف الهاون عيار 60 مم على مرابض الدبابات في محور الكرامة.
- وقد ذكر المتحدث الرسمي أن كتائب القسام قد دمرت 24 آلية عسكرية إسرائيلية في آخر 48 ساعة من القتال ما بين دبابات (الميركافا) ومدرعات النمر، وجرافات، وأن مقاتلي الكتائب يقاتلون العدو في محاور شمال غرب مدينة غزة وفي جنوبها، وفي بيت حانون.
- وقد أعلن جيش الاحتلال عن مقتل 4 من جنوده، من بينهم ضابط (قائد سرية).
- تجددت الاشتباكات العنيفة في المناطق الشرقية لمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.
- وذكرت سرايا القدس أنها قصفت رشقات صاروخية تجاه عسقلان وسديروت، وكفار سعد، ونيرعام ومفلاسيم، والنقب الغربي.
وقد شهد هذا اليوم غارات إسرائيلية كثيفة على عددٍ من المناطق في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، منها: غارة على ساحة مدرسة الفاخورة في مخيم جباليا، والتي كانت تأوي نازحين من الأطفال والنساء الذين فقدوا بيوتهم بسبب القصف الإسرائيلي؛ مما أدى إلى استشهاد وإصابة العشرات منهم.
وتواصل خلال هذا اليوم القصف المدفعي للعدو على شرق القرارة بمدينة خان يونس جنوب القطاع، كما قصف العدو بالمدفعية مناطق متفرقة في قطاع غزة، منها: حي تل الهوى في غزة قرب بوابة مستشفى القدس.
وذكر المتحدث باسم حركة حماس: أن قوات الاحتلال لا تتقدم بريًّا إلا على في المناطق التي سبق قصفها وهجرها أهلها، ورغم ذلك فهو يتكبد خسائر فادحة عند التقدم إليها، ويجبر على التراجع عنها.
وقد ذكر مراسل قناة الجزيرة: أن العدو استهدف بغاراته منزلين في النصيرات ورفح بقطاع غزة أسفر عن سقوط 7 شهداء.
وقد قدم المكتب الإعلامي في غزة تعازيه لأسر 46 من الصحفيين والإعلاميين الذين قتلوا بعد استهدافهم بشكل مباشر بصواريخ جيش الاحتلال، ومنهم من هدمت منازلهم فوق رؤوسهم ورؤوس عائلاتهم، وقد ذكرت صحيفة أمريكية (نيويورك تايمز) أنه وفقًا لتحليل أجرته الصحيفة لصور الأقمار الصناعية وصور ومقاطع فيديو للضربة الإسرائيلية على مخيم جباليا المكتظ بالسكان يوم الثلاثاء الماضي تمت بقنبلتين زنة الواحدة منهما يفوق 900 كيلو جرام (أي: 2000 رطل).
وقد ذكرت وزارة الصحة في غزة: أن قوات العدو قد ارتكبت عشر مجازر كبرى راح ضحيتها 231 شهيدًا، وأن 70 % من هؤلاء الضحايا هم من النساء والأطفال. وذكرت أيضًا: تلقيها 2200 بلاغًا عن مفقودين، منهم: 1250 طفلًا ما زالوا تحت الأنقاض، وأنه 150 استشهدوا من الطواقم الطبية وتم تدمير 57 سيارة إسعاف، وقد تعمد العدو استهداف 105 من المؤسسات الصحية وأخرج 16 مستشفى من الخدمة، وقد صارت المستشفيات في القطاع متكدسة بالجرحى من الحالات الحرجة والخطرة؛ يموت العديد منهم يوميًّا، كما أن قوات الاحتلال تتعمد إرهاب العاملين في المنظومة الصحية بقصف محيط المستشفيات.
وقد تعرضت منطقة بئر النجعة وامتداد شارع الاتصالات بجوار صالة الطيب شمال قطاع غزة لإطلاق قنابل فسفورية، ودخان بشكل كثيف.
في يوم 5 نوفمبر:
- قال وزير التراث الإسرائيلي وهو من حزب (عوتسما يهوديت = أي: القوة اليهودية) اليميني المتطرف (عميحاي إلياهو) في مقابلة صباح اليوم (الأحد) مع محطة الإذاعة الأرثوذكسية المتطرفة (كول باراما): إن إسقاط قنبلة نووية على غزة أحد الاحتمالات.
- أعلنت سرايا القدس: أن مقاتليها التحموا في اشتباكات مع قوة صهيونية متوغلة في منطقة الفراحين شرق خان يونس.
- اشتبكت المقاومة مع قوات العدو المتوغلة جنوب وشرق حي الزيتون بغزة في معارك ضارية.
- قصفت المقاومة قوات العدو المتوغلة جنوب مدينة غزة بقذائف الهاون.
- مجاهدو القسام يوقعون القوات المتوغلة شرق خان يونس في كمين محكم بعد استهدافها بقذائف الياسين 105، وسلاح القنص الثقيل والأسلحة المتوسطة، وقذائف الهاون؛ مما أدى إلى تدمير دبابتين للعدو، وعودة المجاهدين إلى قواعدهم بسلام.
- كتائب القسام تدمر آليتين للعدو متوغلتين في منطقة الفراحين شرق خان يونس بقذائف الياسين 105.
- كتائب القسام تدك قوات العدو المتوغلة شرق جحر الديك بقذائف الهاون من العيار الثقيل.
- كتائب القسام تقصف تجمعًا للآليات المتوغلة غرب (إيرز) بقذائف الهاون.
- مجاهدو المقاومة تستهدف موقع مسكاف عام بالصواريخ الموجهة، ودمروا قسمًا من تجهيزاته الفنية والتقنية.
- ذكرت قناة 14 العبرية أنه تم إطلاق عدة صواريخ مضادة للدروع تجاه قوة من الجيش قرب موقع كيسوفيم بغلاف غزة.
- اشتباكات بين مقاومين وقوات للاحتلال متوغلة في الحي الشرقي بـ(جنين).
- إطلاق نار يستهدف قوات الاحتلال خلال اقتحام بلدة عزون شرق قلقيلية.
- كتائب القسام تقصف مستعمرة سديروت برشقة صاروخية، وتقصف تل أبيب برشقة صاروخية جديدة ردًّا على المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين.
- كتائب القسام تدمر دبابة للعدو متوغلة جنوب غرب تل الهوى بقذيفة الياسين 105.
وقد أعلن مكتب الإعلام الحكومي في غزة عن ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على القطاع إلى 9500 شهيد، أغلبهم من النساء والأطفال.
وذكر الهلال الأحمر: أن هناك قصفًا مدفعيًّا شديدًا، وغارات جوية وأصوات انفجارات شديدة في محيط مبنى مستشفى القدس غربي مدينة غزة؛ مما أدى إلى إصابات في صفوف النازحين داخل المستشفى، وقد دمر الاحتلال عمارة تبعد 50 مترًا عن مقر مستشفى القدس.
طائرات العدو تقصف محيط المستشفى الإندونيسي، وأبراج مدينة الشيخ زايد شمال غزة، وتقصف بكثافة شرق المحافظة الوسطى، وشرق محافظة خان يونس جنوبي قطاع غزة، وقصف مكثف من الزوارق الإسرائيلية لامتداد شارع الرشيد مقابل منطقة تل الهوى جنوب غرب غزة، كما أطلقت الزوارق قذائفها على غرب دير البلح وسط القطاع.
وجددت طائرات الاحتلال قصف مسجد أبو الخير شرق جباليا شمال مدينة غزة، كما قصفت مسجد الدعوة شمال غرب النصيرات وسط قطاع غزة؛ هذا كله في ظل قطع الاتصالات والإنترنت كليًّا عن قطاع غزة بالتزامن مع القصف للأحياء السكنية مما يحجب مجازر العدو عن وسائل الإعلام وعن الرأي العام.
وقد ذكرت وزارة الصحة الفلسطينية في تقريرها اليومي عن آثار العدوان أنه من يوم 7 أكتوبر حتى يوم 5 نوفمبر بلغ عدد الشهداء 9730 شهيدًا، وعدد الجرحى أكثر من 24 ألف، بينما تم تدمير أكثر من 200 ألف وحدة سكنية، منها 35 ألف وحدة دمرت تدميرًا كليًّا وأصبحت غير صالحة للسكن، بينما دمرت 165 ألف وحدة تدميرًا جزئيًّا، وهذا يمثل أكثر من 50% من الوحدات السكنية بالقطاع. وأنه تم استهداف 3 مستشفيات رئيسية (الشفاء وناصر للأطفال والقدس) بالقصف بتاريخ 4 نوفمبر، وتم تهجير 70 % من سكان القطاع قسرًا، حيث لجأ أكثر من 690 ألف نازح إلى 149 منشأة تابعة للأونروا، وإلى المستشفيات والمباني العامة ومراكز الإيواء ومعظمها غير مجهز بشكل كافٍ لتلبية احتياجات هؤلاء النازحين، ومنهم مَن التحق بعائلات مضيفة.
وقد تضررت 50 سيارة إسعاف تعطلت منها 31 سيارة عن العمل بشكل كامل، وأنه يواجه مئات الآلاف من سكان مدن غزة والمناطق الشمالية نقصًا حادًّا في الماء، وقد توقفت عن العمل 25 محطة لضخ مياه الصرف في مدينة غزة والمناطق الشمالية، وأنه تلوح في الأفق بوادر كارثة صحية وشيكة نتيجة للنزوح الجماعي واكتظاظ الملاجئ، ونتيجة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للصرف الصحي، وقد تعرضت 42 منشأة تابعة للأونروا لأضرار؛ مما أدى على استشهاد 13 مواطنًا، وإصابة 195 آخرين من النازحين إليها، كما تضرر 55 مسجدًا وتضررت 7 كنائس جراء القصف.
في 6 نوفمبر:
- أعلن من مقتل النقيب (يائير عيدو) في القتال، وهو ابن أخ رئيس الحكومة الإسرائيلية، وهو قائد وحدة القناصة المتوغلة في قطاع غزة، وهو من أبرع القناصة في الجيش الإسرائيلي، وحائز على وسام أفضل قناص.
- صفارات الإنذار تدوي في المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، والتي أصبحت خالية تقريبًا من السكان.
- كتائب القسام تدمر دبابة للعدو كانت قد توغلت في منطقة السلاطين شمال غرب بيت لاهيا بقذيفة الياسين 105.
- سرايا القدس تجدد استهدافها لتجمع آليات للعدو المتوغلة في محور شمال غرب وفي جنوب مدينة غزة بقذائف الهاون والرشقات الصاروخية المركزة، كما استهدفت موقعي الكاميرا، وكيسوفيم ومستعمرة كفار سعد برشقات صاروخية مركزة.
- قوات الشهيد عمر القاسم الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين تعلن أن مقاتليها دمروا إحدى الأليات للعدو شرق الزيتون، وعطلوا تقدم قواته على محاور شرق القطاع، وقتلوا أكثر من 20 جنديًّا للعدو في ليلة واحدة.
- صفارات الإنذار تدوي في عكا وكريات يام قرب حيفا، وشلومي، وكريات شمونة والناقورة، وكفار مسريك.
- تنفيذ إغارة على قوات الاحتلال المتمركزة شمال غرب مدينة غزة، وتدمير 6 دبابات بقذائف الياسين 105.
- كتائب القسام تقصف تجمعا لجنود العدو قرب (إيرز) بقذائف الهاون، وتستهدف قوة خاصة متحصنة في إحدى المباني.
- وقد خاضت المقاومة اشتباكات ضارية في عدة محاور: شمال غرب غزة، وشرق حي الزيتون، وجنوب غرب حي تل الهوى. وقد دمر مجاهدو القسام في محاور القتال خلال 48 ساعة الأخيرة كليًّا أو جزئيًّا 27 آلية عسكرية، كما دكوا القوات المتوغلة بعشرات من قذائف الهاون، والتحموا في اشتباكات مباشرة أسفرت عن خسائر محققة بقوات العدو.
- وقد دوت صفارات الإنذار في مستوطنات غلاف غزة في شتولا.
- وقد أعلنت سرايا القدس أنه تم عصرا تدمير آلية إسرائيلية بعد استهدافها بعبوة لاصقة وقذيفة أر بي جي في منطقة المقوسي.
- وقد أعلنت كتائب شهداء الأقصى أنها ردٌّ على جريمة اغتيال أحد قادة المقاومة في طولكرم قد قامت صباح الإثنين 22 ربيع الثاني الموافق 6 نوفمبر باستهداف حواجز الاحتلال الإسرائيلي في الضفة المحتلة والاشتباك معها في نفس المكان.
- وقد ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنه تم منذ بداية الحرب حتى السادس من نوفمبر إطلاق 8500 صاروخا على إسرائيل.
في يوم 8 نوفمبر:
- المقاومة تخوض اشتباكات عنيفة على أطراف مخيم جنين.
- كتائب شهداء الأقصى تستهدف بوابة (نتسانيعوز) وقوات الاحتلال المتمركزة على البوابة بوابل من الرصاص.
- تفجير عبوة بجنود الاحتلال وآلياته لدى مخيم جنين، وجرى اشتباك مسلح مع العدو من كافة تشكيلات المقاومة في المخيم.
- واشتباكات عنيفة في شمال غرب غزة وجنوب غرب غزة وشرق حي الزيتون وجحر الديك.
- تفجير عبوة ناسفة بآلية لجيش الاحتلال في مخيم بلاطة، وإلقاء مجموعة كبيرة من القنابل محلية الصنع تجاه قوات الاحتلال في مخيم بلاطة.
- كتائب القسام تدمر 6 آليات للعدو في شمال وغرب مدينة غزة، كما توقع قوة للعدو راجلة في كمين محكم في جحر الديك ويجهزون عليها بقذيفة أفراد من مسافة صفر.
- كتائب القسام تقصف مجددًا قاعدة رعيم العسكرية برشقة صاروخية، وقد صرَّح المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية بارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 10818شهيدًا من بينهم 4412 طفلًا، و2918 سيدة، و667 مسنًّا، وإصابة 26905 مواطنًا منذ السابع من أكتوبر، كما أن هناك 2650 بلاغًا عن مفقودين، منهم: 1400 طفل تحت الأنقاض منذ بدء العدوان.
إسرائيل تتصدع من الداخل:
مع نهاية شهر نوفمبر بدا واضحًا أن إسرائيل تعاني من تصدع غير عادي نتيجة عملية طوفان الأقصى وتداعياتها، والحرب المشتعلة في قطاع غزة؛ فقد انتابت إسرائيل فجوة عميقة مع اهتزاز الثقة في جيشها وسقوط أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر مرة أخرى، كما سقطت من قبل في حرب أكتوبر 1973؛ كانت الثقة في الجيش تعني الشعور بالأمان والاستقرار والحماية من كافة الأخطار المحيطة، وتجعل إسرائيل دولة جاذبة للمهاجرين الجدد من اليهود، فوفدت إلى إسرائيل عبر العقود الأخيرة مئات الألوف من اليهود المهاجرين من جنسيات مختلفة، انعكس أثرها على الاقتصاد الإسرائيلي، كما ساهم ذلك في تدفق رؤوس أموال للاستثمار في إسرائيل، كما استفادت السياحة في إسرائيل من هذا الأمان والاستقرار؛ لذا تمادت إسرائيل في بناء المستوطنات في ظل سيطرة اليمين المتطرف الإسرائيلي على دفة الحكم.
وسرعان وفي أسابيع قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة أن تغيرت الأوضاع كثيرًا بعد نجاح المقاومة الفلسطينية في اختراق كل الدفاعات التي أقامها الجيش الإسرائيلي ودخول المستوطنات واحتجاز أسرى كثيرين دون حركة رد سريعة من الجيش أو الأمن الإسرائيلي، فدب الشك في مدى القدرات الأسطورية المزعومة للجيش الإسرائيلي، وهو يتلقى صفعة طوفان الأقصى، ويفشل رغم كل إمكانياته العسكرية الكبيرة ومظاهر قوته في التصدي للمقاومة الفلسطينية ذات الإمكانيات العسكرية المحدودة، ويفشل عبر أسابيع وشهور في القضاء عليها أو كسرها، أو التخلص من قادتها ورؤوسها، أو أن يقهر صمود أهل غزة وإصرارهم على التمسك بأرضهم رغم كل الضربات الموجعة الموجهة إليهم، وتحملهم أوضاع هي في غاية في الصعوبة ولا يتحملها بشر.
وقد بدى التأثر الشديد واضحًا على الاقتصاد الإسرائيلي من جراء عملية طوفان الأقصى والحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، فالثقة في الحكومة صارت مفقودة، والمطالبة بالتغيير صارت معلنة، ولا يمنعها إلا استمرار الحرب، وإلا فنهاية الحرب تعني إسقاط الحكومة وتعرض قادتها للمحاكمة للتحقيق والمحاسبة على جملة أخطائها التي وقعت فيها يوم طوفان الأقصى وحربها على غزة وفشلها الذريع في مواجهة حماس وقادتها؛ إذ مالت استطلاعات الرأي إلى أنه لم تعد الفئة الحاكمة من اليمين المتطرف صالحة للاستمرار في الحكم، وأن إسرائيل في حاجة إلى نخبة أكثر احترافية في قيادة الدولة.
وقد شهدت إسرائيل موجات متتالية من الهجرة الجماعية إلى خارج إسرائيل من مئات الألوف من اليهود خاصة الذين يحملون جنسيات مزدوجة والذين كانوا مقيمين فيها فغادروا البلاد خوفًا على حياتهم بعد أن هددتهم وأفزعتهم صواريخ المقاومة الفلسطينية، وقد هاجرت حوالي 25% من العمالة الوافدة على إسرائيل، كما أن كثيرًا من رؤوس الأموال هربت أيضًا من إسرائيل، وتراجعت السياحة بشدة وانهارت عمليًّا.
وعليه فقد انهار الشيكل (العملة الإسرائيلية) في مواجهة الدولار الأمريكي، فقد كان الشيكل يمثل 75% من الدولار الأمريكي، فأصبح الشيكل بعد 50 يومًا من الحرب لا يزيد على 5و22% من الدولار؛ مما جعل البنك المركزي الإسرائيلي يتوقع حدوث انخفاض لنمو الاقتصاد الإسرائيلي، والذي يقدر حجمه بنحو 500 مليار دولار، ما بين 3و2% إلى 3 %.
وقد حذرت وكالات التصنيف الائتماني من خفض تصنيف إسرائيل لأول مرة، كما تعرضت إسرائيل لخسائر كبيرة عسكرية ومدنية من جراء الحرب على غزة، نتيجة تكلفة الحرب ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية ونقص العمالة نتيجة خروج مئات الألوف؛ مما تسبب في تخفيض 8% من قوة العمل، وبالتالي تقليل حجم الإنتاج نتيجة مشاركة عدد كبير من ضباط وجنود الاحتياط في الحرب في غزة عقب إعلان التعبئة واستدعائهم.
وهذه التكلفة الكبيرة تستنزف قدرًا كبيرًا من الموارد والاحتياطي الأجنبي للاقتصاد الإسرائيلي، وإن كانت تجد العوض من الداعمين والمانحين؛ لقد تكشفت الحقيقة أمام الجميع أن إسرائيل دون الدعم الأمريكي والغربي لن تستطيع الدخول في أي مواجهة عسكرية حتى لو كانت صغيرة؛ أي: أن عملية الأقصى أعادت إسرائيل إلى التبعية الأمريكية بعد ما كانت ظنت أنها اتخذت خطوات للتحرر منها.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 286.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 280.49 كيلو بايت... تم توفير 5.87 كيلو بايت...بمعدل (2.05%)]