شرح حديث ثكلتك أمك يا معاذ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الصراع مع اليهود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 37 )           »          الوقـف الإســلامي ودوره في الإصلاح والتغيير العهد الزنكي والأيوبي نموذجاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أفكار للتربية السليمة للطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          لزوم جماعة المسلمين يديم الأمن والاستقرار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          منهجُ السَّلَف الصالح منهجٌ مُستمرٌّ لا يتقيَّدُ بزمَانٍ ولا ينحصِرُ بمكانٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 38 - عددالزوار : 1198 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 72 - عددالزوار : 16920 )           »          حوارات الآخرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 17 )           »          الخواطر (الظن الكاذب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الإنفــاق العــام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-09-2022, 10:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي شرح حديث ثكلتك أمك يا معاذ

شرح حديث ثكلتك أمك يا معاذ
محمود حسن عمر


إنَّ الحمد لله -تعالى- نَحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله -تعالى- من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يَهْده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحْده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.

أمَّا بعدُ:
فسأقوم في هذا المقال بجَمْع شرحٍ لحديث: ((ثكِلتك أُمُّك يا معاذ)) في إيجاز غير مُخلٍّ، مستعرضًا قول كبار شُرَّاح الحديث.


أولًا: نص الحديث:
قال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، قال: حدثنا عبدالله بن معاذ الصنعاني، عن مَعمَر، عن عاصم بن أبي النَّجُود، عن أبي وائل، عن معاذ بن جبل، قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فأصبحت يومًا قريبًا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويُباعدني عن النار، قال: ((لقد سألتني عن عظيمٍ، وإنه ليَسيرٌ على مَن يسَّره الله عليه، تعبُد الله ولا تُشرك به شيئًا، وتُقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتَحُج البيت))، ثم قال: ((ألا أدُلك على أبواب الخير: الصوم جُنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماءُ النارَ، وصلاة الرجل من جوف الليل))، قال: ثم تلا: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ [السجدة: 16]، حتى بلَغ ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾، ثم قال: ((ألا أُخبرك برأس الأمر كله وعموده، وذِروة سَنامه؟))، قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذِروة سَنامه الجهاد، ثم قال: ((ألا أُخبرك بمِلاك ذلك كله؟))، قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه، قال: ((كُفَّ عليك هذا))، فقلت: يا نبي الله، وإنا لمُؤاخذون بما نتكلَّم به؟ فقال: ((ثكِلتك أُمُّك يا معاذ، وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم أو على مناخرهم، إلا حصائدُ ألسِنتهم))؛ أخرجه الترمذي، وقال: "هذا حديث حسنٌ صحيح".


قال ابن رجب الحنبلي في "جامع العلوم والحِكم": "في رواية الإمام أحمد في حديث معاذ أنه قال: يا رسول الله، إني أريد أن أسألك عن كلمة قد أمرَضتني وأسقَمتني وأحزَنتني، قال: ((سلْ عما شئتَ))، قال: أخبرني بعمل يُدخلني الجنة لا أسألك غيره، وهذا يدل على شدَّة اهتمام معاذ - رضي الله عنه - بالأعمال الصالحة، وفيه دليلٌ على أن الأعمال سببٌ لدخول الجنة؛ كما قال -تعالى-: ﴿ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الزخرف: 72].


وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لن يَدخل الجنةَ أحدٌ منكم بعمله))؛ فالمراد - والله أعلم - أن العمل بنفسه لا يَستحق به أحدٌ الجنةَ، لولا أن الله جعله - بفضْله ورحمته - سببًا لذلك، والعمل بنفسه من رحمة الله وفضْله على عبده؛ فالجنة وأسبابها كلٌّ من فضْل الله ورحمته.


وقوله: ((لقد سألتَ عن عظيمٍ))، قد سبَق أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لرجلٍ سأله عن مثل هذا: ((لئن كنتَ أوجَزت المسألة، لقد أعظَمت وأطوَلتَ))؛ وذلك لأن دخولَ الجنة، والنجاة من النار - أمرٌ عظيم جدًّا، ولأجْله أنزَل الله الكتب، وأرسَل الرُّسل، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجل: ((كيف تقول إذا صليتَ؟))، قال: أسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار، ولا أُحسن دَندنتك ولا دَندنة معاذ، يشير إلى كثرة دعائهما واجتهادهما في المسألة؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((حولها نُدندن))، وفي رواية: ((هل تصير دَندنتي ودَندنة معاذ إلا أن نسألَ الله الجنة، ونعوذ به من النار؟)).


وقوله: ((وإنه ليسيرٌ على مَن يسَّره الله عليه)): إشارة إلى أن التوفيق كله بيد الله - عز وجل - فمن يسَّر الله عليه الهدى اهتدَى، ومَن لم يُيسِّره عليه، لم يُيسَّر له ذلك؛ قال الله -تعالى-: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 10].


وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((اعمَلوا؛ فكلٌّ ميسَّر لِما خُلِق له، أما أهل السعادة، فيُيَسَّرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة، فيُيَسَّرون لعمل أهل الشقاوة))، ثم تلا -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في دعائه: ((واهْدِني ويسِّر الهدى لي))، وأخبر الله عن نبيه موسى - عليه السلام - أنه قال في دعائه: ﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴾ [طه: 25 - 26]، وكان ابن عمر يدعو: "اللهم يسِّرني لليسرى، وجنَّبني العسرى".


وقوله: ((ألا أَدُلك على أبواب الخير)): لَما رتَّب دخول الجنة على واجبات الإسلام، دلَّه بعد ذلك على أبواب الخير من النوافل، فإن أفضل أولياء الله هم المقرَّبون، الذين يتقرَّبون إليه بالنوافل بعد أداء الفرائض.


وقوله: ((الصوم جُنة)): هذا الكلام ثابتٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجوه كثيرة، وخرَّجاه في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وخرَّجه الإمام أحمد بزيادة، وهي: ((الصيام جُنَّة وحِصن حصينٌ من النار)).


وخرَّج من حديث عثمان بن أبي العاص عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الصوم جُنة من النار، كجُنة أحدكم من القتال)).


ومن حديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قال ربُّنا - عز وجل -: الصيام جُنة يَستجِنُّ بها العبدُ من النار)).


وخرَّج الإمام أحمد والنسائي من حديث أبي عُبيدة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الصيام جُنة ما لم يَخرِقها))، وقوله: ((ما لم يَخرقها))؛ يعني: بالكلام السيِّئ ونحوه؛ ولهذا جاء في حديث أبي هريرة المخرَّج في "الصحيحين" عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((الصيام جُنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يَرفُث، ولا يَفسُق، ولا يَجهَل، فإنِ امرؤٌ سابَّه، فليقُل: إني امرؤ صائمٌ)).


وقال بعض السلف: الغِيبة تَخرِق الصيام، والاستغفار يَرقَعه، فمن استطاع منكم ألا يأتيَ بصوم مُخرَّق، فليَفعل.


وقال ابن المُنكدر: الصائم إذا اغتاب خرَق، وإذا استغفر رقَع.


وخرَّج الطبراني - بإسناد فيه نظر - عن أبي هريرة مرفوعًا: ((الصيام جُنة ما لم يَخرقها))، قيل: بِمَ يَخرقه؟ قال: ((بكذبٍ أو غِيبة)).


فالجُنة: هي ما يَستجِنُّ به العبد، كالمِجَنِّ الذي يَقيه عند القتال من الضرب، فكذلك الصيام يقي صاحبَه من المعاصي في الدنيا؛ كما قال - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].


فإذا كان له جُنةً من المعاصي، كان له في الآخرة جُنةً من النار، وإن لم يكن له جُنَّةً في الدنيا من المعاصي، لم يكن له جُنةً في الآخرة من النار.


وخرَّج ابن مَردويه من حديث علِيٍّ مرفوعًا، قال: ((بعَث اللهُ يحيى بنَ زكريا إلى بني إسرائيل بخمسِ كلمات، فذكر الحديث بطوله، وفيه: وإن الله يأمركم أن تصوموا، ومَثل ذلك كمَثل رجلٍ مشى إلى عدوِّه، وقد أخذ للقتال جُنة، فلا يخاف من حيث ما أُتِي)).


وقوله: ((والصدقة تُطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماء النار))، هذا الكلام رُوِي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجوه أُخَر، فخرَّجه الإمام أحمد والترمذي من حديث كعب بن عُجرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الصوم جُنة حصينة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ النارَ)).


وخرَّجه الطبراني وغيره من حديث أنس مرفوعًا بمعناه، وخرَّجه الترمذي وابن حِبان في "صحيحه" من حديث أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن صدقةَ السرِّ لتُطفئ غضب الرب، وتَدفع مِيتة السُّوء)).


ورُوي عن علي بن الحسين أنه كان يَحمل الخُبز على ظهره بالليل، يَتَّبِع به المساكين في ظُلمة الليل، ويقول: إن الصدقة في سواد الليل تُطفئ غضب الرب - عز وجل.


وقد قال الله - عز وجل -: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾ [البقرة: 271]، فدلَّ على أن الصدقة يُكفَّر بها من السيِّئات؛ إما مطلقًا، أو صدقة السرِّ.


وقوله: ((وصلاة الرجل في جوف الليل))؛ يعني: أنها تُطفئ الخطيئة أيضًا كالصدقة، ويدل على ذلك ما أخرجه الإمام أحمد من رواية عُروة بن النَّزَّال عن معاذ قال: أقبَلنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- من غزوة تبوك، فذكر الحديث، وفيه: ((إن الصوم جُنة، والصدقة وقيام العبد في جوف الليل يُكفِّر الخطيئة)).


وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أفضلُ الصلاة بعد المكتوبة قيامُ الليل)).


وقد رُوي عن جماعة من الصحابة: أن الناس يَحترقون بالنهار بالذنوب، وكلما قاموا إلى صلاة من الصلوات المكتوبات، أطفَؤوا ذنوبهم، ورُوي ذلك مرفوعًا من وجوه فيها نظرٌ.


وكذلك قيام الليل يكفِّر الخطايا؛ لأنه أفضل نوافل الصلاة، وفي "الترمذي" من حديث بلال عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((عليكم بقيام الليل؛ فإنه دَأْبُ الصالحين قبلكم، وإن قيام الليل قُربة إلى الله - عز وجل - ومَنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومَطردة للداء عن الجسد)).


وخرَّجه أيضًا من حديث أبي أُمامة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بنحوه، وقال: هو أصحُّ من حديث بلال، وخرَّجه الحاكم وابن خُزيمة في "صحيحيهما" من حديث أبي أُمامة أيضًا.


وقال ابن مسعود: "فضل صلاة الليل على صلاة النهار، كفضل صدقة السرِّ على صدقة العلانية"، وخرَّجه أبو نُعيم عنه مرفوعًا، والموقوف أصحُّ.


وقد تقدَّم أن صدقة السر تطفئ الخطيئة، وتُطفئ غضب الرب، فكذلك صلاة الليل.


وقوله: "ثم تلا: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 16 - 17]؛ يعني: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تلا هاتين الآيتين عند ذِكره فضْلَ صلاة الليل؛ ليُبيِّن بذلك فضل صلاة الليل، وقد رُوي عن أنس أن هذه الآيةَ نزَلت في انتظار صلاة العشاء؛ خرَّجه الترمذي وصحَّحه، ورُوي عنه أنه قال في هذه الآية: "كانوا يتنفَّلون بين المغرب والعشاء"؛ خرَّجه أبو داود، ورُوي نحوُه عن بلال، وخرَّجه البزار بإسناد ضعيفٍ.


وكل هذا يدخل في عموم لفظ الآية، فإن الله مدَح الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع لدعائه، فيشمَل ذلك كلَّ مَن ترَك النوم بالليل لذِكر الله ودعائه.


فيدخل فيه مَن صلَّى بين العشاءَين، ومن انتظر صلاة العشاء، فلم يَنَمْ حتى يُصليها، لا سيما مع حاجته إلى النوم، ومجاهدة نفسه على ترْكه لأداء الفريضة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن انتظر صلاة العشاء: ((إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتُم الصلاة)).


ويدخل فيه مَن نام ثم قام من نومه بالليل للتهجُّد، وهو أفضل أنواع التطوُّع بالصلاة مطلقًا، وربما دخل فيه مَن ترَك النوم عند طلوع الفجر، وقام إلى أداء صلاة الصُّبح، لا سيما مع غلبة النوم عليه؛ ولهذا يُشرَع للمؤذن في أذان الفجر أن يقول في أذانه: الصلاة خيرٌ من النوم.


وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((وصلاة الرجل في جوف الليل)): ذكَر أفضل أوقات التهجد بالليل، وهو جوف الليل، وخرَّج الترمذي والنسائي من حديث أبي أُمامة، قال: قيل: يا رسول الله، أيُّ الدعاء أسمعُ؟ قال: ((جوف الليل الآخر، ودُبر الصلوات المكتوبات)).


وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا أُخبرك برأس الأمر وعموده وذِروة سَنامه؟))، قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سَنامه الجهاد))، وفي رواية للإمام أحمد من رواية شَهر بن حَوشَب عن ابن غَنْم عن معاذ قال: "قال لي نبيُّ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن شئتَ حدَّثتك برأس هذا الأمر، وقِوام هذا الأمر، وذِروة السَّنام))، قلت: بلى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن رأس هذا الأمر أن تشهَد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإن قِوام هذا الأمر إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإن ذِروة السَّنام منه الجهاد في سبيل الله، وإنما أُمِرت أن أُقاتلَ الناس حتى يُقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويشهدوا أنْ لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، فإذا فعَلوا ذلك، فقد اعتَصموا وعصَموا دماءَهم وأموالهم إلا بحقِّها، وحسابهم على الله - عز وجل))، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفس محمد بيده، ما شحَب وجه، ولا اغبرَّت قدمٌ في عملٍ تُبتَغى فيه درجات الجنة بعد الصلاة المفروضة، كالجهاد في سبيل الله، ولا ثَقُلَ ميزان عبدٍ كدابَّة تَنفُق له في سبيل الله، أو يحمل عليها في سبيل الله - عز وجل))[1].


فأخبرني النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ثلاثة أشياء: رأس الأمر، وعموده، وذِروة سنامه".


فأما رأس الأمر، ويعني بالأمر: الدين الذي بُعِث به، وهو الإسلام، وقد جاء تفسيره في الرواية الأخرى بالشهادتين، فمن لم يُقِرَّ بهما ظاهرًا وباطنًا، فليس من الإسلام في شيء، وأما قِوَام الدين - الذي يقوم به الدين كما يقوم الفُسطاط على عموده - فهو الصلاة، وفي الرواية الأخرى: وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.


وأما ذِروة سَنامه - وهو أعلى ما فيه وأرفعه - فهو الجهاد، وهذا يدل على أنه أفضلُ الأعمال بعد الفرائض؛ كما هو قول الإمام أحمد وغيره من العلماء.


وقوله: ((ألا أُخبرك بمِلاك ذلك كله؟))، قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه، فقال: ((كُفَّ عليك هذا))، إلى آخر الحديث، هذا يدل على أن كَفَّ اللسان وضبْطَه وحبْسَه هو أصل الخير كله، وأن مَن ملَك لسانه، فقد ملَك أمره، وأحكَمه وضبَطه.


وخرَّج البزار في "مسنده" من حديث أبي اليَسر أن رجلًا قال: يا رسول الله، دُلَّني على عمل يدخلني الجنة، قال: ((أَمسِك هذا))، وأشار إلى لسانه، فأعادها عليه، فقال: ((ثكِلتك أمُّك، هل يَكُبُّ الناس على مناخرهم في النار إلا حصائدُ ألسِنتهم))، وقال: إسناده حسنٌ.


والمراد بحصائد الألسنة: جزاء الكلام المحرَّم وعقوباته؛ فإن الإنسان يَزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات، ثم يَحصُد يوم القيامة ما زرع، فمن زرَع خيرًا من قولٍ أو عملٍ، حصد الكرامة، ومن زرَع شرًّا من قولٍ أو عملٍ، حصَد غدًا الندامة.


وظاهر حديث معاذ يدل على أن أكثر ما يَدخُل به الناس النارَ: النُّطق بألسِنتهم، فإن معصية النطق يَدخل فيها الشِّرك، وهي أعظم الذنوب عند الله - عز وجل - ويدخل فيها القولُ على الله بغير علمٍ، وهو قرين الشِّرك، ويدخل فيها شهادةُ الزور التي عدَلت الإشراك بالله - عز وجل - ويدخل فيها السِّحرُ والقذفُ، وغيرُ ذلك من الكبائر والصغائر؛ كالكذب والغِيبة والنميمة، وسائرُ المعاصي الفعلية لا يخلو غالبًا من قولٍ يَقترن بها، يكون مُعينًا عليها.


وفي حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أكثر ما يُدخل الناسَ النارَ: الأجوفان: الفم والفرْج))؛ خرَّجه الإمام أحمد والترمذي.


قال الدكتور وجيه الشيمي: "هذا حديث جليل القدرِ عظيمُ النفع؛ يحوي فوائد جَمَّة، ويشتمل على كثيرٍ من مبادئِ وأُسس هذا الدِّين، ومن فوائده:
1- حِرص الصحابة على ما ينفعهم، ولا سيما في أمور الآخرة، وما يُقربهم للجنة؛ فهي غايتهم، وما يُباعدهم عن النار؛ فهو مَهرَبُهم.


2- أن أمر الهداية والعمل بأوامر الله، يَسيرٌ لمن سار على الطريق واهتدى بنور الإسلام.


3- دلَّ الحديث على فضل الصيام، وأنه وقاية للمسلم في الدنيا من الشهوات وفي الآخرة من النيران.


4- دلَّ الحديث على مكانة الصدقة، وكيف أنها تُزيل آثار غضب الله - عز وجل.


5- دلَّ الحديث على مكانة صلاة الليل وقدرها في تكفير الذنوب.

[1] أخرَجه أحمد في المسند، والطبراني في المعجم الكبير.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.71 كيلو بايت... تم توفير 1.78 كيلو بايت...بمعدل (2.64%)]