|
|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى
تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (3) سُورَةُ الْبَقَرَةِ من صــ 107الى صــ 114 الحلقة (141) [ ص: 107 ] فقيل للحيض : وقت ، وللطهر وقت ؛ لأنهما يرجعان لوقت معلوم ، وقال الأعشى في الأطهار : أفي كل عام أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها عزيم عزائكا وقال آخر في الحيض : مورثة عزا وفي الحي رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا يا رب ذي ضغن علي فارض له قروء كقروء الحائض يعني أنه طعنه فكان له دم كدم الحائض . وقال قوم : هو مأخوذ من قرء الماء في الحوض . وهو جمعه ، ومنه القرآن لاجتماع المعاني . ويقال لاجتماع حروفه ، ويقال : ما قرأت الناقة سلى قط ، أي لم تجمع في جوفها ، وقال عمرو بن كلثوم : ذراعي عيطل أدماء بكر هجان اللون لم تقرأ جنينا فكأن الرحم يجمع الدم وقت الحيض ، والجسم يجمعه وقت الطهر . قال أبو عمر بن عبد البر : قول من قال : إن القرء مأخوذ من قولهم : قريت الماء في الحوض ليس بشيء ؛ لأن القرء مهموز وهذا غير مهموز . قلت : هذا صحيح بنقل أهل اللغة : الجوهري وغيره . واسم ذلك الماء قرى ( بكسر القاف ، مقصور ) . وقيل : القرء ، الخروج إما من طهر إلى حيض أو من حيض إلى طهر ، وعلى هذا قال الشافعي في قول : القرء الانتقال من الطهر إلى الحيض ، ولا يرى الخروج من الحيض إلى الطهر قرءا . وكان يلزم بحكم الاشتقاق أن يكون قرءا ، ويكون معنى قوله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء . أي ثلاثة أدوار أو ثلاثة انتقالات ، والمطلقة متصفة بحالتين فقط ، فتارة تنتقل من طهر إلى حيض ، وتارة من حيض إلى طهر فيستقيم معنى الكلام ، ودلالته على الطهر والحيض جميعا ، فيصير الاسم مشتركا . ويقال : إذا ثبت أن القرء الانتقال فخروجها من طهر إلى حيض غير مراد بالآية أصلا ، ولذلك لم يكن الطلاق في الحيض طلاقا سنيا مأمورا به ، وهو الطلاق للعدة ، فإن الطلاق للعدة ما كان في الطهر ، وذلك يدل على كون القرء مأخوذا من الانتقال ، فإذا كان الطلاق في الطهر سنيا فتقدير الكلام : فعدتهن ثلاثة انتقالات ، فأولها الانتقال من الطهر الذي وقع فيه الطلاق ، والذي هو الانتقال من حيض إلى طهر لم يجعل قرءا ؛ لأن اللغة لا تدل عليه ، ولكن عرفنا بدليل آخر ، إن الله [ ص: 108 ] تعالى لم يرد الانتقال من حيض إلى طهر ، فإذا خرج أحدهما عن أن يكون مرادا بقي الآخر وهو الانتقال من الطهر إلى الحيض مرادا ، فعلى هذا عدتها ثلاثة انتقالات ، أولها الطهر ، وعلى هذا يمكن استيفاء ثلاثة أقراء كاملة إذا كان الطلاق في حالة الطهر ، ولا يكون ذلك حملا على المجاز بوجه ما . قال الكيا الطبري : وهذا نظر دقيق في غاية الاتجاه لمذهب الشافعي ، ويمكن أن نذكر في ذلك سرا لا يبعد فهمه من دقائق حكم الشريعة ، وهو أن الانتقال من الطهر إلى الحيض إنما جعل قرءا لدلالته على براءة الرحم ، فإن الحامل لا تحيض في الغالب فبحيضها علم براءة رحمها . والانتقال من حيض إلى طهر بخلافه ، فإن الحائض يجوز أن تحبل في أعقاب حيضها ، وإذا تمادى أمد الحمل وقوي الولد انقطع دمها ، ولذلك تمتدح العرب بحمل نسائهم في حالة الطهر ، وقد مدحت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول الشاعر : ومبرإ من كل غبر حيضة وفساد مرضعة وداء مغيل يعني أن أمه لم تحمل به في بقية حيضها . فهذا ما للعلماء وأهل اللسان في تأويل القرء . وقالوا : قرأت المرأة قرءا إذا حاضت أو طهرت . وقرأت أيضا إذا حملت . واتفقوا على أن القرء الوقت ، فإذا قلت : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة أوقات ، صارت الآية مفسرة في العدد محتملة في المعدود ، فوجب طلب البيان للمعدود من غيرها ، فدليلنا قول الله تعالى : فطلقوهن لعدتهن ، ولا خلاف أنه يؤمر بالطلاق وقت الطهر فيجب أن يكون هو المعتبر في العدة ، فإنه قال : فطلقوهن يعني وقتا تعتد به ، ثم قال تعالى : وأحصوا العدة . يريد ما تعتد به المطلقة وهو الطهر الذي تطلق فيه ، وقال صلى الله عليه وسلم لعمر : مرة فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء . أخرجه مسلم وغيره . وهو نص في أن زمن الطهر هو الذي يسمى عدة ، وهو الذي تطلق فيه النساء . ولا خلاف أن من طلق في حال الحيض لم تعتد بذلك الحيض ، ومن طلق في حال الطهر فإنها تعتد عند الجمهور بذلك الطهر ، فكان ذلك أولى . قال أبو بكر بن عبد الرحمن : ما أدركنا أحدا من فقهائنا إلا يقول بقول عائشة في ( أن الأقراء هي الأطهار ) . فإذا طلق الرجل في طهر لم يطأ فيه اعتدت بما بقي منه ولو ساعة ولو لحظة ، ثم استقبلت طهرا ثانيا بعد حيضة ، ثم ثالثا [ ص: 109 ] بعد حيضة ثانية ، فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة حلت للأزواج وخرجت من العدة . فإن طلق مطلق في طهر قد مس فيه لزمه الطلاق وقد أساء ، واعتدت بما بقي من ذلك الطهر . وقال الزهري في امرأة طلقت في بعض طهرها : إنها تعتد بثلاثة أطهار سوى بقية ذلك الطهر . قال أبو عمر : لا أعلم أحدا ممن قال : الأقراء الأطهار يقول هذا غير ابن شهاب الزهري ، فإنه قال : تلغي الطهر الذي طلقت فيه ثم تعتد بثلاثة أطهار ؛ لأن الله عز وجل يقول ثلاثة قروء . قلت : فعلى قوله : لا تحل المطلقة حتى تدخل في الحيضة الرابعة ، وقول ابن القاسم ومالك وجمهور أصحابه والشافعي وعلماء المدينة : إن المطلقة إذا رأت أول نقطة من الحيضة الثالثة خرجت من العصمة ، وهو مذهب زيد بن ثابت وعائشة وابن عمر ، وبه قال أحمد بن حنبل ، وإليه ذهب داود بن علي وأصحابه . والحجة على الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في طلاق الطاهر من غير جماع ، ولم يقل أول الطهر ولا آخره . وقال أشهب : لا تنقطع العصمة والميراث حتى يتحقق أنه دم حيض ، لئلا تكون دفعة دم من غير الحيض . احتج الكوفيون بقوله عليه السلام لفاطمة بنت أبي حبيش حين شكت إليه الدم : إنما ذلك عرق فانظري فإذا أتى قرؤك فلا تصلي وإذا مر القرء فتطهري ثم صلي من القرء إلى القرء . وقال تعالى : واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر . فجعل الميئوس منه المحيض ، فدل على أنه هو العدة ، وجعل العوض منه هو الأشهر إذا كان معدوما . وقال عمر بحضرة الصحابة : ( عدة الأمة حيضتان ، نصف عدة الحرة ، ولو قدرت على أن أجعلها حيضة ونصفا لفعلت ) ، ولم ينكر عليه أحد . فدل على أنه إجماع منهم ، وهو قول عشرة من الصحابة منهم الخلفاء الأربعة ، وحسبك ما قالوا! وقوله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء يدل على ذلك ؛ لأن المعنى يتربصن ثلاثة أقراء ، يريد كوامل ، هذا لا يمكن أن يكون إلا على قولنا بأن الأقراء الحيض ؛ لأن من يقول : إنه الطهر يجوز أن تعتد بطهرين وبعض آخر ؛ لأنه إذا طلق حال الطهر اعتدت عنده ببقية ذلك الطهر قرءا . وعندنا تستأنف من أول الحيض حتى يصدق الاسم ، فإذا طلق الرجل المرأة في طهر لم يطأ فيه استقبلت حيضة ثم حيضة ثم حيضة ، فإذا اغتسلت من الثالثة خرجت من العدة . قلت : هذا يرده قوله تعالى : سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام فأثبت الهاء [ ص: 110 ] في ثمانية أيام ؛ لأن اليوم مذكر وكذلك القرء ، فدل على أنه المراد . ووافقنا أبو حنيفة على أنها إذا طلقت حائضا أنها لا تعتد بالحيضة التي طلقت فيها ولا بالطهر الذي بعدها ، وإنما تعتد بالحيض الذي بعد الطهر . وعندنا تعتد بالطهر ، على ما بيناه . وقد استجاز أهل اللغة أن يعبروا عن البعض باسم الجميع ، كما قال تعالى : الحج أشهر معلومات ، والمراد به شهران وبعض الثالث ، فكذلك قوله : ثلاثة قروء . والله أعلم . وقال بعض من يقول بالحيض : إذا طهرت من الثالثة انقضت العدة بعد الغسل وبطلت الرجعة ، قاله سعيد بن جبير وطاوس وابن شبرمة والأوزاعي . وقال شريك : إذا فرطت المرأة في الغسل عشرين سنة فلزوجها عليها الرجعة ما لم تغتسل . وروي عن إسحاق بن راهويه أنه قال : ( إذا طعنت المرأة في الحيضة الثالثة بانت وانقطعت رجعة الزوج . إلا أنها لا يحل لها أن تتزوج حتى تغتسل من حيضتها ) . وروي نحوه عن ابن عباس ، وهو قول ضعيف بدليل قول الله تعالى : فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن على ما يأتي . وأما ما ذكره الشافعي من أن نفس الانتقال من الطهر إلى الحيضة يسمى قرءا ففائدته تقصير العدة على المرأة ، وذلك أنه إذا طلق المرأة في آخر ساعة من طهرها فدخلت في الحيضة عدته قرءا ، وبنفس الانتقال من الطهر الثالث انقطعت العصمة وحلت . والله أعلم . الخامسة : والجمهور من العلماء على أن عدة الأمة التي تحيض من طلاق زوجها حيضتان . وروي عن ابن سيرين أنه قال : ما أرى عدة الأمة إلا كعدة الحرة ، إلا أن تكون مضت في ذلك سنة : فإن السنة أحق أن تتبع . وقال الأصم عبد الرحمن بن كيسان وداود بن علي وجماعة أهل الظاهر : إن الآيات في عدة الطلاق والوفاة بالأشهر والأقراء عامة في حق الأمة والحرة ، فعدة الحرة والأمة سواء . واحتج الجمهور بقوله عليه السلام : طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان . رواه ابن جريج عن عطاء عن مظاهر بن أسلم عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان فأضاف إليها الطلاق والعدة جميعا ، إلا أن مظاهر بن أسلم انفرد بهذا الحديث وهو ضعيف . وروي عن ابن عمر : أيهما رق نقص طلاقه ، وقالت به فرقة من العلماء . [ ص: 111 ] قوله تعالى : ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن أي من الحيض ، قاله عكرمة والزهري والنخعي . وقيل : الحمل ، قاله عمر وابن عباس . وقال مجاهد : الحيض والحمل معا ، وهذا على أن الحامل تحيض . والمعنى المقصود من الآية أنه لما دار أمر العدة على الحيض والأطهار ولا اطلاع إلا من جهة النساء جعل القول قولها إذا ادعت انقضاء العدة أو عدمها ، وجعلهن مؤتمنات على ذلك ، وهو مقتضى قوله تعالى : ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن . وقال سليمان بن يسار : ولم نؤمر أن نفتح النساء فننظر إلى فروجهن ، ولكن وكل ذلك إليهن إذ كن مؤتمنات . ومعنى النهي عن الكتمان النهي عن الإضرار بالزوج وإذهاب حقه ، فإذا قالت المطلقة : حضت ، وهي لم تحض ، ذهبت بحقه من الارتجاع ، وإذا قالت : لم أحض ، وهي قد حاضت ، ألزمته من النفقة ما لم يلزمه فأضرت به ، أو تقصد بكذبها في نفي الحيض ألا ترتجع حتى تنقضي العدة ويقطع الشرع حقه ، وكذلك الحامل تكتم الحمل ، لتقطع حقه من الارتجاع . قال قتادة : كانت عادتهن في الجاهلية أن يكتمن الحمل ليلحقن الولد بالزوج الجديد ، ففي ذلك نزلت الآية . وحكي أن رجلا من أشجع أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني طلقت امرأتي وهي حبلى ، ولست آمن أن تتزوج فيصير ولدي لغيري فأنزل الله الآية ، وردت امرأة الأشجعي عليه . الثانية : قال ابن المنذر : وقال كل من حفظت عنه من أهل العلم : إذا قالت المرأة في عشرة أيام : قد حضت ثلاث حيض وانقضت عدتي إنها لا تصدق ولا يقبل ذلك منها ، إلا أن تقول : قد أسقطت سقطا قد استبان خلقه . واختلفوا في المدة التي تصدق فيها المرأة ، فقال مالك : إذا قالت انقضت عدتي في أمد تنقضي في مثله العدة قبل قولها ، فإن أخبرت بانقضاء العدة في مدة تقع نادرا فقولان . قال في المدونة : إذا قالت حضت ثلاث حيض في شهر صدقت إذا صدقها النساء ، وبه قال شريح ، وقال له علي بن أبي طالب : قالون! أي أصبت وأحسنت . وقال في كتاب محمد : لا تصدق إلا في شهر ونصف . ونحوه قول أبي ثور ، قال أبو ثور : أقل ما يكون ذلك في سبعة وأربعين يوما ، وذلك أن أقل الطهر خمسة عشر يوما ، وأقل الحيض يوم . وقال النعمان : لا تصدق في أقل من ستين يوما ، وقال به الشافعي . قوله تعالى : إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر هذا وعيد عظيم شديد لتأكيد تحريم الكتمان ، وإيجاب لأداء الأمانة في الإخبار عن الرحم بحقيقة ما فيه . أي فسبيل المؤمنات ألا [ ص: 112 ] يكتمن الحق ، وليس قوله : إن كن يؤمن بالله على أنه أبيح لمن لا يؤمن أن يكتم ؛ لأن ذلك لا يحل لمن لا يؤمن ، وإنما هو كقولك : إن كنت أخي فلا تظلمني ، أي فينبغي أن يحجزك الإيمان عنه ؛ لأن هذا ليس من فعل أهل الإيمان . قوله تعالى : وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا فيه إحدى عشرة مسألة : الأولى : قوله تعالى : وبعولتهن البعولة جمع البعل ، وهو الزوج ، سمي بعلا لعلوه على الزوجة بما قد ملكه من زوجيتها ، ومنه قوله تعالى : أتدعون بعلا ، أي ربا ، لعلوه في الربوبية ، يقال : بعل وبعولة ، كما يقال في جمع الذكر : ذكر وذكورة ، وفي جمع الفحل : فحل وفحولة ، وهذه الهاء زائدة مؤكدة لتأنيث الجماعة ، وهو شاذ لا يقاس عليه ، ويعتبر فيها السماع ، فلا يقال في لعب : لعوبة . وقيل : هي هاء تأنيث دخلت على فعول . والبعولة أيضا مصدر البعل . وبعل الرجل يبعل ( مثل منع يمنع ) بعولة ، أي صار بعلا : والمباعلة والبعال : الجماع ، ومنه قوله عليه السلام لأيام التشريق : إنها أيام أكل وشرب وبعال وقد تقدم . فالرجل بعل المرأة ، والمرأة بعلته . وباعل مباعلة إذا باشرها . وفلان بعل هذا ، أي مالكه وربه . وله محامل كثيرة تأتي إن شاء الله تعالى . الثانية : قوله تعالى : أحق بردهن أي بمراجعتهن ، فالمراجعة على ضربين : مراجعة في العدة على حديث ابن عمر . ومراجعة بعد العدة على حديث معقل ، وإذا كان هذا فيكون في الآية دليل على تخصيص ما شمله العموم في المسميات ؛ لأن قوله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء عام في المطلقات ثلاثا ، وفيما دونها لا خلاف فيه . ثم قوله : وبعولتهن أحق حكم خاص فيمن كان طلاقها دون الثلاث . وأجمع العلماء على أن الحر إذا طلق زوجته الحرة ، وكانت مدخولا بها تطليقة أو تطليقتين ، أنه أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها وإن كرهت المرأة ، فإن لم يراجعها المطلق حتى انقضت عدتها فهي أحق بنفسها وتصير أجنبية منه ، لا تحل له إلا بخطبة ونكاح مستأنف بولي وإشهاد ، ليس على سنة المراجعة ، وهذا إجماع من العلماء . قال المهلب : وكل من راجع في العدة فإنه لا يلزمه شيء من أحكام النكاح غير الإشهاد على المراجعة فقط ، وهذا إجماع من العلماء ، لقوله تعالى : فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم ، فذكر الإشهاد في [ ص: 113 ] الرجعة ولم يذكره في النكاح ولا في الطلاق . قال ابن المنذر : وفيما ذكرناه من كتاب الله مع إجماع أهل العلم كفاية عن ذكر ما روي عن الأوائل في هذا الباب ، والله تعالى أعلم الثالثة : واختلفوا فيما يكون به الرجل مراجعا في العدة ، فقال مالك : إذا وطئها في العدة وهو يريد الرجعة وجهل أن يشهد فهي رجعة . وينبغي للمرأة أن تمنعه الوطء حتى يشهد ، وبه قال إسحاق ، لقوله عليه السلام : إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى . فإن وطئ في العدة لا ينوي الرجعة فقال مالك : يراجع في العدة ولا يطأ حتى يستبرئها من مائه الفاسد . قال ابن القاسم : فإن انقضت عدتها لم ينكحها هو ولا غيره في بقية مدة الاستبراء ، فإن فعل فسخ نكاحه ، ولا يتأبد تحريمها عليه لأن الماء ماؤه . وقالت طائفة : إذا جامعها فقد راجعها ، هكذا قال سعيد بن المسيب . والحسن البصري وابن سيرين والزهري وعطاء وطاوس والثوري . قال : ويشهد ، وبه قال أصحاب الرأي والأوزاعي وابن أبي ليلى ، حكاه ابن المنذر . وقال أبو عمر : وقد قيل : وطؤه مراجعة على كل حال ، نواها أو لم ينوها ، ويروى ذلك عن طائفة من أصحاب مالك ، وإليه ذهب الليث . ولم يختلفوا فيمن باع جاريته بالخيار أن له وطأها في مدة الخيار ، وأنه قد ارتجعها بذلك إلى ملكه واختار نقض البيع بفعله ذلك . وللمطلقة الرجعية حكم من هذا . والله أعلم . الرابعة : من قبل أو باشر ينوي بذلك الرجعة كانت رجعة ، وإن لم ينو بالقبلة والمباشرة الرجعة كان آثما وليس بمراجع . والسنة أن يشهد قبل أن يطأ أو قبل أن يقبل أو يباشر . وقال أبو حنيفة وأصحابه : إن وطئها أو لمسها بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة فهي رجعة ، وهو قول الثوري وينبغي أن يشهد . وفي قول مالك والشافعي وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور لا يكون رجعة ، قاله ابن المنذر . وفي " المنتقى " قال : ولا خلاف في صحة الارتجاع بالقول ، فأما بالفعل نحو الجماع والقبلة فقال القاضي أبو محمد : يصح بها وبسائر الاستمتاع للذة . قال ابن المواز : ومثل الجسة للذة ، أو أن ينظر إلى فرجها أو ما قارب ذلك من محاسنها إذا أراد بذلك الرجعة ، خلافا للشافعي في قوله : لا تصح الرجعة إلا بالقول ، وحكاه ابن المنذر عن أبي ثور وجابر بن زيد وأبي قلابة . الخامسة : قال الشافعي : إن جامعها ينوي الرجعة ، أو لا ينويها فليس برجعة ، ولها عليه مهر مثلها . وقال مالك : لا شيء لها ؛ لأنه لو ارتجعها لم يكن عليه مهر ، فلا يكون الوطء دون الرجعة أولى بالمهر من الرجعة . وقال أبو عمر : ولا أعلم أحدا أوجب عليه مهر المثل غير [ ص: 114 ] الشافعي ، وليس قوله بالقوي ؛ لأنها في حكم الزوجات وترثه ويرثها ، فكيف يجب مهر المثل في وطء امرأة حكمها في أكثر أحكامها حكم الزوجة! إلا أن الشبهة في قول الشافعي قوية ؛ لأنها عليه محرمة إلا برجعة لها . وقد أجمعوا على أن الموطوءة بشبهة يجب لها المهر ، وحسبك بهذا! السادسة : واختلفوا هل يسافر بها قبل أن يرتجعها ، فقال مالك والشافعي : لا يسافر بها حتى يراجعها ، وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه إلا زفر فإنه روى عنه الحسن بن زياد أن له أن يسافر بها قبل الرجعة ، وروى عنه عمرو بن خالد ، لا يسافر بها حتى يراجع . السابعة : واختلفوا هل له أن يدخل عليها ويرى شيئا من محاسنها ، وهل تتزين له وتتشرف ، فقال مالك : لا يخلو معها ، ولا يدخل عليها إلا بإذن ، ولا ينظر إليها إلا وعليها ثيابها ، ولا ينظر إلى شعرها ، ولا بأس أن يأكل معها إذا كان معهما غيرهما ، ولا يبيت معها في بيت وينتقل عنها . وقال ابن القاسم : رجع مالك عن ذلك فقال : لا يدخل عليها ولا يرى شعرها . ولم يختلف أبو حنيفة وأصحابه في أنها تتزين له وتتطيب وتلبس الحلي وتتشرف . وعن سعيد بن المسيب قال : إذا طلق الرجل امرأته تطليقة فإنه يستأذن عليها ، وتلبس ما شاءت من الثياب والحلي ، فإن لم يكن لهما إلا بيت واحد فليجعلا بينهما سترا ، ويسلم إذا دخل ، ونحوه عن قتادة ، ويشعرها إذا دخل بالتنخم والتنحنح . وقال الشافعي : المطلقة طلاقا يملك رجعتها محرمة على مطلقها تحريم المبتوتة حتى يراجع ، ولا يراجع إلا بالكلام ، على ما تقدم . الثامنة : أجمع العلماء على أن المطلق إذا قال بعد انقضاء العدة : إني كنت راجعتك في العدة وأنكرت أن القول قولها مع يمينها ، ولا سبيل له إليها ، غير أن النعمان كان لا يرى يمينا في النكاح ولا في الرجعة ، وخالفه صاحباه فقالا كقول سائر أهل العلم . وكذلك إذا كانت الزوجة أمة واختلف المولى والجارية ، والزوج يدعي الرجعة في العدة بعد انقضاء العدة وأنكرت فالقول قول الزوجة الأمة وإن كذبها مولاها ، هذا قول الشافعي وأبي ثور والنعمان . وقال يعقوب ومحمد : القول قول المولى وهو أحق بها .
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |