اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216078 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7826 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 52 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859606 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393951 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 83 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 30-03-2024, 10:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
معلومات عن أبي ذر الغفاري (21)


مريانا قمصية



محتويات
١ التعريف بأبي ذَرّ الغفاري ونَسَبه
  • ٢ إسلام أبي ذَرٍّ الغفاري
  • ٣ صفات أبي ذَرٍّ الغفاريّ
    • ٣.١ الصفات الخَلقية لأبي ذَرٍّ الغفاريّ
    • ٣.٢ الصفات الخُلقيّة لأبي ذَرٍّ الغفاريّ
  • ٤ من مواقف أبي ذَرٍّ الغفاريّ
  • ٥ من أقوال أبي ذَرٍّ الغفاري
  • ٦ وفاة أبي ذَرٍّ الغفاريّ
  • ٧ المراجع
التعريف بأبي ذَرّ الغفاري ونَسَبه

المشهور أنّ اسم أبي ذَرٍّ الغفاري هو جندب بن جنادة بن قيس بن عمرو بن مليل بن صعير بن حرام من بني غفار، وهو أصحّ ما قِيل فيه، وقد وردت العديد من الأسماء الأخرى لأبي ذَرٍّ؛ فقد قِيل إنّ اسمه هو: برير بن عبدالله، وقِيل: برير بن جنادة، وقِيل: بريرة بن عشرقة، وقِيل: جندب بن عبدالله، وقِيل: جندب بن سكن، وقد قِيل أيضاً إنّه: جندب بن جنادة بن سفيان بن عُبيد بن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة الغفاري، وأمّه هي رملة بنت الوقيعة الغفاري، وكلاهما من بني غفار؛ وغفار هي إحدى قبائل بني كنانة.[١][٢]
إسلام أبي ذَرٍّ الغفاري
كان أبو ذَرّ الغفاري يقطع الطريق قبل الإسلام، وكان شديد الشجاعة، وعندما سمع بالإسلام، أتى إلى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في مكّة وكان نور الإسلام قد قُذِفَ في قلبه،[٣] ويُشار إلى أنّه كان يتوجّه إلى الله -تعالى- بصلاته قبل الإسلام؛ فقد سأله عبدالله بن الصامت عن الإله الذي كان يعبده قبل الإسلام، فقال: إله السماء، أتوجّه حيث وجَّهني الله، وكان يُصلّي بذلك قبل إسلامه بأربع سنين.[٤]
وقبل أن يذهب أبو ذَرٍّ إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان قد علم بأمره، فأرسل أخاه ليتأكّد من صحّة نبوّته، وقال له: (ارْكَبْ إلى هذا الوَادِي، فَاعْلَمْ لي عِلْمَ هذا الرَّجُلِ)،[٥] وعندما عاد إليه أخبره بأنَّ الرسول ما جاء إلّا ليُتمّمَ مكارم الأخلاق، إلّا أنَّ الإجابة التي جاء بها أخوه لم تَشفِ غليله؛ فذهب بنفسه إلى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- الذي عَرضَ عليه الإسلام، فأسلم، فأمره أن يرجع إلى قومه، فقال: (ارْجِعْ إلى قَوْمِكَ، فأخْبِرْهُمْ حتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي)،[٥] إلّا أنّه أبى الرجوع قبل أن يُعلنَ إسلامه أمام أهل قريش؛ فقال: (وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، لأَصْرُخَنَّ بهَا بيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ).[٥][٦]

نطق أبو ذَرٍّ الغفاري الشهادتَين أمام قريش، فضربوه إلى أن أخبرهم العبّاس بأنّه من قبيلة غفار؛ فتركوه، ثمّ قام في اليوم الذي يليه وأعاد الكَرّة نفسها، وأخبرهم عن إسلامه إلى أن ضربوه، ثمّ أدركهَم العبّاس وأخبرهم بمثل ما أخبرهم به في الأمس، فتركوه،[٦] ويُعَدّ أبو ذرّ الغفاري من كبار الصحابة؛ فهو من السابقين إلى الإسلام حتى قِيل إنّه رابع من أسلم من المسلمين، وكان إسلامه في مكّة، ثمّ عاد إلى قومه، وأقام معهم إلى أن هاجر الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة، فذهب إليها؛[٧] وكانت قد مضت غزوة بدر وأُحُد والخندق؛ فلم يشهد منهنّ شيئاً.[٨]
وكان أبو ذَرٍّ الغفاريّ مثالاً عمليّاً في الدعوة إلى الله -تعالى-؛ فقد ورد في الصحيح أنّه عندما أسلم دعا أخاه أُنيساً إلى الإسلام، ثمّ والدتَه، ثمّ نشر الدعوة في قبيلته؛ فقد قال -رضي الله عنه-: (فَاحْتَمَلْنَا حتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارًا، فأسْلَمَ نِصْفُهُمْ وَكانَ يَؤُمُّهُمْ أَيْمَاءُ بنُ رَحَضَةَ الغِفَارِيُّ، وَكانَ سَيِّدَهُمْ. وَقالَ نِصْفُهُمْ: إذَا قَدِمَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ أَسْلَمْنَا، فَقَدِمَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ، فأسْلَمَ نِصْفُهُمُ البَاقِي).[٩][١٠]
صفات أبي ذَرٍّ الغفاريّ
الصفات الخَلقية لأبي ذَرٍّ الغفاريّ

كان أبو ذَرٍّ الغفاري رجلاً طويلاً ذا بُنية نحيفة، وقِيل إنّه كان جسيماً، وكان أسمر اللون، وأبيض الشَّعر واللحية، كما أنّ لحيته كانت كَثّةٌ.[١١][١٢][١٣]
الصفات الخُلقيّة لأبي ذَرٍّ الغفاريّ
اتّصف أبو ذَرّ الغفاري -رضي الله عنه- بغزارة عِلمه حتى أنَّه كان يُوازي عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- في عِلمه، وكان لا يخاف من قول الحقّ، كما كان يأمر بالمعروف، وينهى عن المُنكَر،[١٤] وبالإضافة إلى أنّه كان معروفاً بصِدقه في قوله، وعمله؛ إذ قال فيه الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما تُقِلُّ الغَبراءُ ولا تُظِلُّ الخضراءُ على ذي لهجةٍ أصدَقَ وأوفى مِن أبي ذرٍّ شبيهِ عيسى ابنِ مَريمَ)،[١٥][١٦] فقد كان يتّصف بالزُّهد،[١٧] وعاهد نفسه على أن يحيا عليها إلى أن يلقى الله -تعالى-؛ فلم تأخذ الدُّنيا، وزخارفها حَيِّزاً من تفكيره وانشغاله، فكان يرى الإقبال على الدُّنيا مِحنة، والابتعاد عن مباهجها نِعمة.[١٨]
ويُشار إلى أنّه كان معروفاً بشجاعته، ومع ذلك قال له الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (يا أبا ذَرٍّ، إنِّي أراكَ ضَعِيفًا، وإنِّي أُحِبُّ لكَ ما أُحِبُّ لِنَفْسِي، لا تَأَمَّرَنَّ علَى اثْنَيْنِ، ولا تَوَلَّيَنَّ مالَ يَتِيمٍ)؛[١٩] ورأى أهل العلم أنّ هذا محمول على رحمة النّبي -عليه السلام- به ومحبّته له؛ إذ كان أبو ذرّ لا يُجيز ادّخار المال، وربما دفعه ذلك لإنفاق المال في أوجه الخير دون إدارة لأولويات إنفاقها.[٢٠][٢١]

وقد كان للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الدور الكبير في تربيته؛ وذلك لقِدَم إسلامه -رضي الله عنه-، وكثرة مُلازمته للرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ فقد علّمه -صلّى الله عليه وسلّم- كلّ ما أنزلَه جبريل وميكائيل -عليهما السلام- عليه، كما علّمه ما يفعله المسلم دُبُرَ كلّ صلاة؛ ليُوازي أجرَ مَن أنفقَ مالَه في سبيل الله -تعالى-؛ فقال -صلّى الله عليه وسلّم-: (تُكبِّرُ اللهَ دبُرَ كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثينَ وتحمَدُه ثلاثًا وثلاثينَ وتُسبِّحُه ثلاثًا وثلاثينَ وتختِمُها بلا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ).[٢٢][٢١]
من مواقف أبي ذَرٍّ الغفاريّ
تعدّدت تضحيات أبي ذَرٍّ الغفاري -رضي الله عنه- في سبيل الله -تعالى-؛ فكان من أوائل الصحابة الذين جهروا بالقرآن الكريم في مكّة المُكرَّمة، كما أنّه شَهِد العديد من المشاهد مع الرسول -عليه الصلاة والسلام-،[٢٣] وكان من حَمَلة الراية يوم حُنين،[٢٤] وهو أوّل من ألقى على الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- تحيّةَ الإسلام؛ قال أبو ذرّ: (فَكُنْتُ أَنَا أَوَّلَ مَن حَيَّاهُ بتَحِيَّةِ الإسْلَامِ، قالَ: فَقُلتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يا رَسولَ اللهِ، فَقالَ: وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ)،[٢٥][٢٦] إضافة إلى أنَّه كان من الأحرار الذين خدموا الرسول -عليه الصلاة والسلام-.[٢٧]
من أقوال أبي ذَرٍّ الغفاري
تعدّدت الأقوال التي رُوِيَت عن أبي ذَرٍّ الغفاريّ، ومنها ما يأتي:
  • قال في تَرك الدُّنيا، والانشغال بالعمل من أجل الآخرة: "يا أيّها الناس، إنّي بكم ناصح، إنّي عليكم شفيق، صلّوا في ظُلمة الليل لوحشة القبر، وصوموا في الدُّنيا لحَرّ يوم النشور، وتصدّقوا مَخافة يوم عسير لعظائم الأمور".[٢٨]
  • قال في باب الزُّهد في الحياة الدُّنيا: "لَيْسَ الزهادة فِي الدُّنْيَا بِتَحْرِيم الْحَلَال وَلَا فِي إِضَاعَة المَال وَلَكِن الزهادة فِي الدُّنْيَا أَلا تكون بِمَا فِي يَديك أوثق مِنْك بِمَا فِي يَد الله وَأَن تكون فِي ثَوَاب الْمُصِيبَة إِذا أصبت بهَا أَرغب مِنْك فِيهَا لَو أَنَّهَا أبقيت لَك".[٢٩]
  • قال في صاحب المال: "ذو الدِّرهمين يوم القيامة أشدُّ حسابًا من ذي الدرهم".[٣٠]
وفاة أبي ذَرٍّ الغفاريّ

كان أبو ذرّ الغفاري في آخر حياته مُعتزلاً الناس في منطقة تُسمّى (الربذة)، وعندما بدأت علامات الموت تظهر عليه بَكت امرأته، فسألها عن سبب بكائها، فأجابته بأنّها تبكي؛ لأنَّهما في مكانٍ خالٍ من الأرض، ولا يُوجَد لديها ثوب يَسَعه كَفَناً، فأخبرها ألّا تبكي، وأن تبشر بما وعده رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إيّاه؛ وذلك أنّه سيموت في أرض فلاة، إلّا أنّ جماعة من المؤمنين ستشهد ذلك، وأمرها أن تُراقب الطريق، فكانت زوجته تعتني به قليلاً، وتخرج إلى الطريق قليلاً، وبينما هي تبصر الطريق، أقبل بعض الناس، فأشارت إليهم، فأسرعوا إليها، وعندما علموا أنَّه صاحب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فَدَوه بآبائهم وأمّهاتهم، ولَمّا دخلوا عليه سلّموا عليه، فرحّب بهم، وأخبرهم بما سمعه من الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وطلب منهم أن لا يُكفِّنه رجل منهم كان أميراً، أو عريفاً، أو بريداً، أو نقيباً، فكفَّنه أحد رجال الأنصار بثوبَين كانا معه، وبثوب من الذي عليه من اللباس، ودَفَنه الرجال الذين معه، ومنهم: حجر بن الأدبر، ومالك الأشتر، وتجدر الإشارة إلى أنّ وفاته كانت سنة اثنتين وثلاثين.[٣١][٢١]
المراجع
  1. ↑ أبو الحسن (1994)، أسد الغابة (الطبعة الأولى)، صفحة 96، جزء 6. بتصرّف.
  2. ↑ ابن قتيبة (1992)، كتاب المعارف (الطبعة الثانية)، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، صفحة 253، جزء 1. بتصرّف.
  3. ↑ عمر بن سليمان بن عبد الله الأشقر (2012)، كتاب التقوى تعريفها وفضلها ومحذوراتها وقصص من أحوالها (الطبعة الأولى)، الأردن: دار النفائس للنشر والتوزيع، صفحة 139، جزء 1. بتصرّف.
  4. ↑ الحجوي (1995)، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 255، جزء 1. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2474، صحيح.
  6. ^ أ ب البخاري (1422)، صحيح البخاري (الطبعة الأولى)، صفحة 47، جزء 5. بتصرّف.
  7. ↑ سليمان الأشقر (2012)، التقوى تعريفها وفضلها ومحذوراتها وقصص من أحوالها (الطبعة الأولى)، الأردن: دار النفائس، صفحة 139، جزء 1. بتصرّف.
  8. ↑ الدِّينَوري (1992)، المعارف (الطبعة الثانية)، القاهرة: الهيئة المصرية العامة، صفحة 253، جزء 1. بتصرّف.
  9. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذَرٍّ الغفاري، الصفحة أو الرقم: 2473، صحيح.
  10. ↑ سليمان العودة (2013)، شعاع من المحراب (الطبعة الثانية)، السعودية: دار المغني للنشر والتوزيع، صفحة 32، جزء 8. بتصرّف.
  11. ↑ شمس الدين الذهبي (2006)، سير أعلام النبلاء، القاهرة: دار الحديث، صفحة 370، جزء 3. بتصرّف.
  12. ↑ صلاح الدين الصفدي (2000)، الوافي بالوفيات، بيروت: دار إحياء التراث، صفحة 149، جزء 11. بتصرّف.
  13. ↑ سعيد حوى (1995)، الأساس في السنة وفقهها (الطبعة الثالثة)، صفحة 1795، جزء 4. بتصرّف.
  14. ↑ شمس الدين الذهبي (1993)، تاريخ الإسلام (الطبعة الثانية)، بيروت: الكتاب العربي، صفحة 406، جزء 3. بتصرّف.
  15. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 7135، صحيح.
  16. ↑ ابن حجر العسقلاني (1415)، الإصابة في تمييز الصحابة (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 108، جزء 7. بتصرّف.
  17. ↑ شمس الدين الذهبي (2006)، سير أعلام النبلاء، القاهرة: دار الحديث، صفحة 368، جزء 3.
  18. ↑ ابن عساكر (1955)، تاريخ دمشق، صفحة 176، جزء 66. بتصرّف.
  19. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 1826، صحيح.
  20. ↑ شمس الدين الذهبي (2006)، سير أعلام النبلاء، القاهرة: دار الحديث، صفحة 387، جزء 3. بتصرّف.
  21. ^ أ ب ت "أبو ذر الغفاري"، www.islamstory.com، 1-5-2006، اطّلع عليه بتاريخ 5-5-2020. بتصرّف.
  22. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2015، أخرجه في صحيحه.
  23. ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 791، جزء 10. بتصرّف.
  24. ↑ ابن منظور (1984)، مختصر تاريخ دمشق (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الفكر للطباعة والتوزيع، صفحة 286، جزء 28.
  25. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 2473، صحيح.
  26. ↑ أبو نعيم الأصبهاني (1974)، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، مصر: دار السعادة، صفحة 159، جزء 1. بتصرّف.
  27. ↑ ابن الدَّوَاداري، كنز الدرر وجامع الغرر، صفحة 144، جزء 3. بتصرّف.
  28. ↑ ابن منظور (1984)، مختصر تاريخ دمشق (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الفكر، صفحة 310، جزء 28.
  29. ↑ الديلمي (1986)، الفردوس بمأثور الخطاب (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 403-404، جزء 3.
  30. ↑ عمر المقبل، مواعظ الصحابة (الطبعة الأولى)، الرياض: دار المنهاج، صفحة 165، جزء 1.
  31. ↑ ابن منظور (1984)، مختصر تاريخ دمشق (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الفكر، صفحة 315-316، جزء 28. بتصرّف.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 01-04-2024, 12:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
أبو حنيفة النعمان (22)

مريانا قمصية

محتويات

  • ١ أبو حنيفة النعمان
  • ٢ تعريفٌ بأبي حنيفة النُّعمان
    • ٢.١ الاسم والنَّسَب
    • ٢.٢ مكان الولادة وتاريخها
    • ٢.٣ النشأة
  • ٣ علم أبي حنيفة
    • ٣.١ علم أبي حنيفة وشيوخه
    • ٣.٢ التلاميذ
  • ٤ وفاة أبي حنيفة النعمان
  • ٥ المراجع


أبو حنيفة النعمان

أبو حنيفة النعمان الإمام الفقيه، أحد أبرز الفقهاء والعلماء المسلمين، وهو صاحب المذهب الحنفيّ، وقد كان الإمام أبو حنيفة النعمان كثير العبادة، حتّى نُقِل من خبره أنّه لا ينام من الليل إلا القليل.
أمّا أبوه ثابت فقد كان تاجراً من أغنياء التُّجار، وقد أسلم وحسُن إسلامه، وقيل إنّه كان قد التقى بالإمام عليّ كرَّم الله وجهه، فدعا له ولذريّته بالبركة والخير،[١][٢] فمن هو أبو حنيفة، وما اسمه الحقيقيّ، وما قصّة حياته وعلمه الواسع الغزير، ومن هم شيوخه؟ هذه الأسئلة التي ستجيب عنها هذه المقالة بتوفيق الله.
تعريفٌ بأبي حنيفة النُّعمان
الاسم والنَّسَب
اسم أبي حنيفة -رحمه الله- هو النُّعمان، واسم أبيه ثابت بن المَرْزُبان، أمّا أبو حنيفة فهو كُنية للنّعمان، أصله فارسيّ من بلاد فارس، ويعود نَسَبُه إلى أسرة شريفة عريقةٍ من قومه، وتعود أصوله الأولى إلى مدينة كابل عاصمة دولة أفغانستان في الوقت الحاليّ.
أما جَدُّه المرزُبان فقد أسلم في عهد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثمّ انتقل إلى الكوفة، وسكن فيها،[٣] وقيل في تسميته: هو (النعمان بن ثابت بن زوطى التيميّ، الكوفيّ، مولى بني تيم الله بن ثعلبة).[٤]
مكان الولادة وتاريخها

وُلِد الإمام أبو حنيفة النعمان -رحمه الله- في مدينة الكوفة في العراق؛ حيث أقام جدّه فيها، وكان مولده في سنة ستّمئة وتسعة وتسعين للميلاد على الرّاجح، الموافق للعام ثمانين من الهجرة النبويّة الشريفة.
وقد كان الإمام أبو حنيفة النعمان وحيد أبوَيْه حيث لم يُنجبا سواه كما يظهر، وكان مولد أبي حنيفة في حياة صغار الصّحابة رضوان الله عنهم، فأدرك منهم أنساً بن مالك رضي الله عنه، الذي قدِم إلى الكوفة حينها.[٣][٤]
النشأة
نشأ الإمام أبو حنيفة النعمان -رحمه الله- في مكان مولده الكوفة، وفيها تربّى وترعرع وقضى معظم حياته، وقد كان ثابت والد أبي حنيفة تاجراً موسراً، وكان من أهل الصلاح وقد نشأ على الإسلام وتربّى عليه، حتّى إنّه التقى عليّاً بن أبي طالب رحمه الله.
وقيل: إن جدَّ أبي حنيفة أهدى لعليّ الفالوذج في عيد النيروز، ممّا يُنبئ أنّ جميع أسرة أبي حنيفة كان حالهم الغنى؛ إذ إنّ الفالوذج من الحلويات غالية الثمن في ذلك الوقت، فلم يكن يأكلها في ذلك الوقت إلا الموسرون، كما رُوِي أنّ عليّاً بن أبي طالب -رضي الله عنه- لمّا التقاه ثابت والد أبي حنيفة دعا له بالبركة له ولذريّته، فكان منشأ أبي حنيفة على ذلك في بيت دينٍ وهُدى.[١]


ولأنّ والد أبي حنيفة كان تاجراً، فقد نشأ الإمام أبو حنيفة في كنف الأسواق والتُّجار، وكان في أوّل حياته كثير التردُّد عليها بينما قلّ تردُّده على مجالس العلم، ولما توجّه للعلم قلَّ تردُّده على الأسواق، فكان لا يذهب إليها إلا لمعرفة سير متجره.
وقد حفظ القرآن الكريم، وكان شديد التَّعلق فيه وبتلاوته، حتّى رُوِي أنّه كان يختم القرآن في شهر رمضان ما يقارب ستّين مرّةً، ولو كان في هذا الرقم شيءٌ من المبالغة إلّا أنّه يُنبِئ عن كثرة قراءة أبي حنيفة لكتاب الله وتعلُّقه فيه.[١]
علم أبي حنيفة

علم أبي حنيفة وشيوخه

أوّل ما توجّه إليه أبو حنيفة من علوم عصره هو علم الكلام، والعقائد، وأصول الدّين، حتّى برع في هذا المجال، وأصبح ممّن يُشار إليهم بالبنان، ولم يُجاوِز حينها العشرين من عمره.
ثمّ توجَّه إلى علم الفقه، وكان قد تتلمذ على يدي العالم الفقيه حمَّاد بن أبي سليمان رحمه الله، ونهل من علمه الغزير حتّى صار أقرب تلاميذه إليه، وقد قال حماد في أبي حنيفة: (لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي -بجانبي- غير أبي حنيفة).[٣]
وقد اطَّلع الإمام أبو حنيفة النعمان على جميع العلوم الإسلامية والعلوم الأخرى المهمّة، ثمّ استقرَّ على علم الفقه بعد أن علِم فضله ومكانته في الدين وأهميّته في الأولى والآخرة، وقد اطلع على أصول العلوم جميعها قبل أن يتوجّه إلى علم الفقه، ولم يجد في جميع تلك العلوم أشرف ولا أرفع ولا أفضل مآلاً من علم الفقه مما جعله يستقر عليه.[١]
التلاميذ

تتلمذ على يدَي الإمام أبي حنيفة النعمان عددٌ من العلماء الذين برزوا في العلم لاحقاً، بل إنّ تلاميذه هم من أرسى القواعد الأوليّة للمذهب الحنفيّ تحت إشراف معلّمهم أبي حنيفة؛ الذي كان يُمليعلمه على تلاميذه أثناء الحلقات العلميّة، ثمّ يراجع ما يكتبونه لاحقاً ليُقرَّهم عليه، أو يحذف ما يُخالف مذهبه أو كان فيه لغطٌ أو خطأ.
ممّا جعل مذهبه يستقرُّ ويستمرّ ويزدهر على أيدي تلاميذه الذين برعوا في تدوين الفقه الحنفيّ ونشره للناس.[٥] ومن بين أشهر تلاميذ الإمام أبي حنيفة:
  • الشيخ أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم
ومن كُتبه الشهيرة كتاب الآثار، ومنها كذلك كتابه اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى
  • محمد بن الحسن الشيباني
برع من تلاميذ أبي حنيفة محمد بن الحسن الشيباني، وهو صاحب الفضل الأكبر في ترسيخ دعائم المذهب الحنفيّ وتدوينه، مع أنّه لم يتتلمذ على يدي أبي حنيفة إلا فترةً قصيرةً، ثمّ تتلمذ بعدها على أبي يوسف، والأوزاعي، ومالك، وغيرهم من أساطين الفقه.[٥]
وفاة أبي حنيفة النعمان

توفي الإمام أبو حنيفة النعمان في سنة مئة وخمسين للهجرة في شهر رجب، وقيل إنّه توفّي سنة مئة وإحدى وخمسين، وقيل توفّي سنة مئة ومائة وثلاث وخمسين، والأصوب في ذلك هو الرأي الأول، وكان أبو حنيفة حين وفاته يبلغ من العمر سبعين سنةً.
وممّا رُوِي في حاله قبل وفاته أنّه مكث أربعين سنةً يُصلّي الفجر بوضوء العشاء، وقيل إنّه قرأ القرآن في الموضع الذي مات فيه سبعة الآف مرّة؛ حيث كان شديد التعلُّق بكتاب الله؛ فقد كان يصلّي الليل ويقرأ القرآن في كلّ ليلة، وقد صُلِّي عليه في مدينة بغداد عدّة مرّات، قيل إنّها بلغت ستّاً؛ لكثرة الزّحام في جنازته، وقد دُفِن فيها.[٦]
المراجع
  1. ^ أ ب ت ث محمد أبو زهرة (1977)، أبو حنيفة-حياته وعصره آراؤه وفقهه (الطبعة الثانية)، بيروت-لبنان: دار الفكر العربي، صفحة: 18-27. بتصرّف.
  2. ↑ أحمد الجنابي (25-3-2013)، "الإمام أبو حنيفة النعمان"، www.aljazeera.netاطّلع عليه بتاريخ 12-11-2017. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت راغب السرجاني (1-5-2006)، "الإمام أبو حنيفة"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2017. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "أبو حنيفة"، www.library.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2017. بتصرّف.
  5. ^ أ ب محمد أبو زهرة (1977)، أبو حنيفة حياته وعصره آراؤه الفقهية (الطبعة الثانية)، بيروت-لبنان: دار الفكر العربي، صفحة: 211-232. بتصرّف.
  6. ↑ إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (2003)، البداية والنهاية، بيروت-لبنان: دار عالم الكتب، صفحة: 416-420، جزء: 13. بتصرّف.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 02-04-2024, 12:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان




اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
سيرة الإمام مالك (23)

لينا عميرة




محتويات

  • ١ أصل نسب الإمام مالك
  • ٢ نشأة الإمام مالك
  • ٣ طلبه للعلم
  • ٤ انتشار مذهب الإمام مالك
  • ٥ المراجع

أصل نسب الإمام مالك

الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي اليمني، ولد لأم وأب عربيين يمنيين، وقد ولد الإمام مالك في المدينة المنوَّرة، ويعود أصله إلى قبيلةٍ يميَّنةٍ؛ تُدعَي بذي أصبح، وتسمَّى أمُّه بالعالية بنت شريك الأزديَّة.[١]
نشأة الإمام مالك

كانت نشأة الإمام مالك في بيتٍ قد اهتمَّ بعلم الحديث والأثر، فقد كان جدُّه مالك بن أبي عامر من كبار التَّابعين، وقد روى عن عمر بن الخطَّاب، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله -رضي الله عنهم- بالإضافة إلى والد الإمام مالك بن أنس.[١]
وروى الإمام مالك بن أنس عن أبيه أحاديثاً نبويَّةً، إلَّا أنَّ انشغاله بالحديث لم يكن كثيراً، فلم يروِ الإمام مالك عن أبيه أحاديثاً كثيرة، وما رواه بسندٍ عن أبيه عن جدّه عدّه العلماء ضعيفاً.[١] وعلى الرَّغم من عدم انشغال والد الإمام بالحديث بما يُؤهله لأن يروي عنه ابنه من الأثر النبوي، إلَّا أنَّ جده وأعمامه قد كانوا منشغلين بعلم الحديث، فقد كانوا من الأُسر المشهورة بعلم الحديث، فقد كان أخوه النضر منشغلاً أيضاً بعلم الحديث، وقد رافق العلماء وقد كان ينادى الإمام بأبي النضر؛ لشهرة أخيه دونه، إلى أن أصبح أشهر من أخيه.[١]
وترعرع الإمام مالك في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- مبعث النور وموطن الشَّرع، والتي بها كبر الإسلام، وفيها تناقل قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه، فقد كان الإمام مُحاطاً بأسباب التنشئة العلميَّة الصَّالحة، حتى خرج لنا واحدٌ من أئمَّة الإسلام الكبار.[١]
طلبه للعلم

بدأ الإمام مالك رحلته في طلب العلم وهو ابن عشرة أعوام، فجدَّ في طلبه للعلم، وكان في عمر الواحد والعشرين مؤهلاً للفُتيا، فكان يرتاد إليه طلبة العلم في زمن الخليفة أبي جعفر المنصور حتى عصر الرشيد، وكان مخلصًا في طلبه للعلم وقد بات هذا واضحاً من خلال الثمار التي أنتجها في علم الحديث، فقد قيل فيه العديد من الألقاب مثل: عالم الحجاز.[٢]
ومن أمثلة شدَّة حرص الإمام مالك على العلم؛ أنَّه انقطع لمدة ثماني سنواتٍ للتعلّم على يد ابن الهرمز، فكان يأتي بيته صباحاً ويغادر ليلًا، وقد ساعده حرصه على طلبه للعلم واستمراره على ذلك؛ فقد كان الإمام مالك يتميز بقوَّة حفظه، وورد في حفظه أنَّه كان يأتي عروة، وابن المسيِّب، والقاسم، وأبا سلمة، فيسمع منهم ما بين الخمسين والمئة حديث، ولا يخلط بينها أبداً.[٣]
وكان لذكاء ودقَّة ملاحظة الإمام مالك أثرٌ كبيرٌ في طلبه للعلم؛ فكان يفقه ما يحفظ من الأحاديث، وله علمٌ بحكمة التَّشريع، وكان في فتواه يعتمد على قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد، فبرع في علم الحديث والفقه، وكان محاطاً بطلاب العلم لينالوا من فيض علمه.[٣]
وفي عصره كان قد كثر رواة الأحاديث، إلَّا أنَّه قد تميَّز بالتحرِّي الشَّديد عند أخذه للحديث واعتماده لديه، فكان لا يأخذ إلَّا من ثقات الرِّجال، وللثِّقات عنده صفاتٌ وحدود، فممّا ورد عنه في هذا الصَّدد أنه قال: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمّن تأذوا دينكم"، وقد قال الإمام البخاري صاحب صحيح البخاري والإمام أبي داود عن الإمام مالك بأنَّ أسانيد الإمام مالك من أصحِّ الأسانيد.[٣]
تصدّره للتعليم
كان للإمام مالك في حرصه على طلب العلم والمنهج الذي سار عليه أثرٌ كبيرٌ في جعله إماماً من أئمَّة الإسلام، الذين يُشدُّ لهم الرِّحال للأخذ منهم، وفيما يأتي بعض أقوال العلماء التي تُظهر مكانة الإمام مالك في تصدره للعلم:[٤]
  • سفيان بن عيينه
قال عندما بلغته وفاة الإمام مالك: ما ترك على الأرض مثله، وقد ورد في الحديث الضعيف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يوشِكُ أن يضرِبَ النَّاسُ أَكبادَ الإبلِ يطلبونَ العلمَ فلا يجدونَ أحدًا أعلمَ من عالمِ المدينةِ)،[٥] فقد قال بأن مالكًا هو المراد بهذا الحديث؛ لأنه لم يكن له نظير في المدينة المنورة، بالعلم والإفتاء.
  • الإمام الشَّافعي
قال عن الإمام مالك: "مالك أستاذي، عنه أخذت علمي".
  • ابن معين
قال عن الإمام مالك: "كان مالك من حجيج الله على الخلق". انتشار مذهب الإمام مالك
انتشرمذهب الإمام مالكبن أنس في بلاد كثيرة حتى وصل إلى دول إفريقيا، وسنذكر فيما يأتي بعض هذه الدول:[٦]
  • المغرب
ما زال مذهب الإمام مالك متصدّرا إلى الآن في المغرب مع القليل من مذهب داود الظاهري.
  • المدينة المنورة
انتشر المذهب في المدينة المنورة انتشاراً واسعاً، وبقي مذهبه متصدراً في المدينة المنورة حتى تولّاها ابن فرحون ونشر فيها فقه ابن عباس -رضي الله عنه-.
  • مكَّة المكرَّمة
ظهر فيها الإمام مالك، لكنه لم يغلب؛ وذلك لتصدُّر آراء الصحابي الجليل عبدالله بن عباس -رضي الله عنه- في مكَّة المكرَّمة.
  • البصرة
ضعف فيها المذهب بعد أن ظهر فيها، وكان ذلك بعد القرن الخامس.
  • مصر
كان عثمان بن الحكم الجذامي وعبد الرحمن بن خالد هما مَن أدخلا المذهب المالكي إلى مصر، وكان ظهوره في مصر في حياة الإمام مالك، وقد كان في مصر كثيرٌ من علماء المذهب المالكي؛ كابن القاسم، وابن وهب، واستمرَّ ظهور المذهب في مصر إلى أن جعل الإمام مالك مصر مقاماً له لمدَّة خمس سنين، ثم غلب على مصر مذهب الإمام الشَّافعي.
  • بلاد الأندلس
انتشر فيها المذهب المالكي بعد أن كان المذهب الأوزاعي هو السَّائد في البلاد، وكان ذلك بعد زمن الأمير هشام بن عبدالرحمن، فقد قال ابن حزم: إن المذهب المالكي انتشر بالرِّئاسة في الأندلس.
  • أفريقيا
كان أهلها يسيرون على المذهب الحنفيِّ، فلمَّا تولى المعز بن باديس نشر فيها وفي البلاد الموالية لأفريقيا مذهب الإمام مالك وتمَّ اعتماده لديهم.
المراجع
  1. ^ أ ب ت ث ج محمد أبو زهرة، مالك، صفحة 24-29. بتصرّف.
  2. ↑ احمد فريد، من اعلام السلف، صفحة 4. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت محمد الخضر حسين، كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين، صفحة 55-58. بتصرّف.
  4. ↑ محمد الخضر، كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين، صفحة 58-60. بتصرّف.
  5. ↑ رواه الألباني، في ضعيف الترمذي، عن ابي هريرة، الصفحة أو الرقم:2680، ضعيف.
  6. ↑ عبدالغني الدقر، الإمام مالك بن أنس، صفحة 278-280. بتصرّف.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 03-04-2024, 12:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
الإمام الشافعي (24)


نوال العتال


محتويات

  • ١ تعريف بالإمام الشافعي
  • ٢ رحلة الإمام الشافعي في طلب العلم
  • ٣ منجزات الإمام الشافعي العلمية
  • ٤ أخلاق وصفات الإمام الشافعي
  • ٥ وفاة الإمام الشافعي
  • ٦ المراجع
تعريف بالإمام الشافعي

هو الإمام الشافعي؛ محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هشام بن المطلب بن عبد مناف بن قصي الشافعي، وقد وُلد الإمام الشافعي في غزة، ومات أبوه في طفولته فعاش يتيماً، وانتقل إلى مكة وهو ابن عامين، فتعلّم الرماية منذ طفولته حتى أنه فاق أقرانه، وقد تعلّم الشافعي اللغة العربية والشرع وبرع فيهما وتقدم، ثم درس الفقه وأحبّه، إلى أن ساد أهل زمانه فيه.[١]
رحلة الإمام الشافعي في طلب العلم


ارتحل الإمام الشافعي إلى المدينة المنورة وهو في العشرين من عمره، وقد كان في ذلك الحين مُفتياً مُؤهلاً للإمامة، وكان قد حفظ موطأ الإمام مالك، وضبط قواعد السنة، وفهم مقاصدها وعلم الناسخ والمنسوخ منها، وقد ضبط قواعد القياس والموازين، وتلقّى العلم على يد شيوخ كثر متفرقين في بلاد مختلفة، وقد أخذ عنهم في أثناء ترحاله.[٢]
ومن شيوخه: سفيان بن عيينة، مسلم بن خالد الزنجى، سعيد بن سالم القداح، مالك بن أنس، داود بن عبد الرحمن العطار، إبراهيم بن سعد الأنصاري وغيرهم الكثير.[٢] واستمر في الترحال وطلب العلم، فذهب إلى اليمن وبغداد مرتين وأسّس مذهبه، وقد ارتحل إلى مصر وبقي فيها عدة سنوات ثم توفيّ فيها.[١]
وقد صنّف الكثير من التصانيف، ودوّن الكثير من العلم، وكتب مصنفات في أصول الفقه وفروعه، وقد ذاع صيته في ذلك الوقت وكثر عدد الطلبة عنده، فكلهم أرادوا أن يتعلموا من بحر العلم الذي كان عنده.[١] ومن تلاميذه: أبو بكر الحميدي، وأبو إسحاق ابراهيم بن محمد العباسي، وأبو بكر محمد بن إدريس، وأبو الوليد موسى بن أبي الجارود، والحسن الصباح الزعفراني.[٣]
منجزات الإمام الشافعي العلمية

أسس الإمام الشافعي مذهباً خاصاً به يدعى المذهب الشافعي، فبعد أن أقام في بغداد مدة طويلة أراد أن يخرج للناس مذهباً يجمع فقه أهل العراق مع أهل المدينة، وقد دوّن مذهبه في ثلاثة بلدان على ثلاث مراحل حسب مكان تواجده، وفي كل منها ثلاميذه الذين تلقّوا العلم على يديه، وهذه البلدان على الترتيب هي: مكة المكرمة بعد أن عاد إليها، ثم بغداد بعد أن سافر إليها للمرة الثانية، ثم ارتحل إلى مصر ومات فيها.[٤]
ومن الجدير بالذكر أن الإمام الشافعي عندما ذهب إلى مصر كان قد نضج فكره وزادت خبرته واختبر العمل بمذهبه، وهذا أدى إلى ظهور آراء جديدة لديه وحذف بعض الآراء القديمة،[٥] وقد ألّف الإمام الشافعي -رحمه الله- العديد من الكتب والمصنّفات، كما أنه أوّل من دوّن علم أصول الفقه ومن هذه الكتب:[٦]
  • كتاب الرسالة، وهو أول كتاب كُتب في علم أصول الفقه.
  • كتاب جماع العلم.
  • كتاب إبطال الاستحسان.
  • كتاب أحكام القرآن.
بالإضافة إلى غيرها الكثير من الكتب القيمة التي أثْرت علم الفقه، وأرشدت الفقهاء إلى هذا السبيل.
أخلاق وصفات الإمام الشافعي


كان الشافعي يتصف بمكارم الأخلاق وحسن المعاملة، وشهد له كثيرون في ذلك، فقد كان صاحب علم وخلق، ومن صفاته وأخلاقه:
  • كان الإمام الشافعي يتصف بالذكاء الشديد
وقد قيل عنه: "لو وُزن عقل الشافعي بنصف عقل أهل الأرض لرجحهم"، وقال المأمون عن الشافعي: "امتحنته في كل شيء فوجدته كاملاً"، وقد كان صافي العقل والذهن وسريع الفهم.[٧]
وكان الشافعي من أفقه الناس في كتاب الله والسنة النبوية، وقد قال أحمد بن حنبل عنه: "كان الفقه قفلا على أهله، حتى فتحه الله بالشافعي"، وقد كان الشافعي فيلسوفاً في اللغة، واختلاف الناس، والمعاني والفقه.[٧]
  • كان يتصف بالورع

فقد كان يختم القرآن في رمضان ستين مرة في الصلاة.[٨]
  • التواضع خضوعه للحق وبذل النصح للعالم.[٩]
  • السخاء وحسن الخلق.[١٠]
  • الفراسة والفطنة.[١١]
وفاة الإمام الشافعي

توفيّ الإمام الشافعي سنة 150هـ-204هـ،[١٢] وقد مات الإمام الشافعي -رحمه الله- في مصر وكان عمره أربعاً وخمسين سنة، بعد أن ارتحل إليها سنة 199هـ، فعاش فيها مدة خمس سنوات،[١٣] ثم مرض واشتد عليه المرض وتوفي على إثره.[١٤]
وقد سأله أحدهم عن حاله وهو في مرض موته فقال: يا أبا عبد الله كيف أصبحت؟ فرفع رأسه، وقال: "أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مُفارقاً، ولسوء فعالي ملاقياً، وعلى الله وارداً، ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أو إلى النار فأعزيها، ثم بكى وقال هذه الأبيات":[١٤]
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت الرجا من نحو عفوك سلماتعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك
ربي كان عفوك أعظمافما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل
تجود وتعفو منة وتكرمافإن تنتقم مني فلست بآيس
ولو دخلت نفسي بجرمي جهنمافلولاك لم يغو بإبليس عابد
فكيف وقد أغوى صفيك آدماوإني لآتي الذنب أعلم قدره
وأعلم أن الله يعفو ترحماملخص المقال: عاش الإمام الشافعي يتيماً، ووُلد في غزة وعاش في مكة، وقد فاق أقرانه بذكائه واجتهاده، وقد ارتحل إلى العديد من البلدان لطلب العلم، منها مصر واليمن والعراق والمدينة المنورة، وفي أثناء تواجده بالعراق أسّس مذهباً جديداً خاصاً به اسمه المذهب الشافعي، وقد جمع بين فقه أهل المدينة وبغداد.
وألّف الكثير من الكتب والمصنفات كان من ضمنها كتاب الرسالة وكتاب أحكام القرآن، واتصف الإمام الشافعي بالورع وحسن الخلق وبالفطنة والفراسة والذكاء الشديد، كما أنه كان متواضعاً، وتوفّي -رحمه الله- في مصر وقد كان عمره أربعاً وخمسين عاماً مليئة بالإنجاز والأثر، وقد ورثنا عنه علماً عظيماً.
المراجع
  1. ^ أ ب ت الذهبي، شمس الدين، كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة، صفحة 5-7. بتصرّف.
  2. ^ أ ب محمد ابو زهرة (2007)، كتاب الشافعي حياته وعصره آراؤه الفقهية، القاهرة:دار الفكر العربي، صفحة 35-41. بتصرّف.
  3. ↑ محمد ابو زهرة (2007)، الشافعي حياته وعصره آراؤه الفقهية، القاهرة:دار الفكر العربي، صفحة 149. بتصرّف.
  4. ↑ محمد ابو زهرة (2007)، الشافعي حياته وعصره آراؤه الفقهية، القاهرة:دار الفكر العربي، صفحة 146. بتصرّف.
  5. ↑ محمد ابو زهرة (2007)، الشافعي حياته وعصره آراؤه الفقهية، القاهرة:دار الفكر العربي، صفحة 148-149. بتصرّف.
  6. ↑ محمد مصطفى الزحيلي، كتاب الوجيز في أصول الفقه الإسلامي، صفحة 57-60. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ابن كثير، كتاب طبقات الشافعيين، صفحة -. بتصرّف.
  8. ↑ الرازي، ابن أبي حاتم، كتاب آداب الشافعي ومناقبه، صفحة 74. بتصرّف.
  9. ↑ الرازي، ابن أبي حاتم، كتاب آداب الشافعي ومناقبه، صفحة 67. بتصرّف.
  10. ↑ الرازي، ابن أبي حاتم، كتاب آداب الشافعي ومناقبه، صفحة 93. بتصرّف.
  11. ↑ الرازي، ابن أبي حاتم، كتاب آداب الشافعي ومناقبه، صفحة 96. بتصرّف.
  12. ↑ ابن كثير، كتاب طبقات الشافعيين، صفحة 41. بتصرّف.
  13. ↑ ابن كثير، كتاب طبقات الشافعيين، صفحة 46. بتصرّف.
  14. ^ أ ب ابن كثير، كتاب طبقات الشافعيين، صفحة 42-44. بتصرّف.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 03-04-2024, 11:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان



اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
أحمد بن حنبل .. إمام أهل السنة (25)



أحمد تمام


كان أحمد بن حنبل واحدًا من أئمة الهدى الذين ازدانت بهم القرون الهجرية الأولى، يلوذ بهم الناس حين تدلهمّ بهم الطرق، وتتشعب بهم السبل، فلا يجدون إلا يدًا حانية، ونورًا هاديًا يأخذهم إلى جادة الطريق، ويلقي بهم إلى بر النجاة.
ينظر الناس إليهم فيجدون دينهم فيهم، وخلقهم وآدابهم ماثلة بين أيديهم، وسنة نبيهم حية ناطقة، كأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال حيا بين ظهرانيهم، وأصحابه المهديين يعيشون بينهم، فيطمئنون إلى سلامة المنهج، وصدق التطبيق.
وكانت حلقاتهم في ساحات المسجد منازل للوحي ومجامع للأفئدة، وملجأ للعقول، يتحلق حولهم تلاميذهم ومن يرغب في سماع تفسير آية أو بيان حديث، أو طلب فتوى، ينزلهم الناس من أنفسهم المحل الأسمى، ويقتدون بهديهم كمن يطلب النجاة لنفسه من خطر داهم، ويستقبلونهم بالبشر والترحاب أينما حلوا كما يُستقبل القادة والفاتحون.
المولد والنشأة

في بيت كريم من بيوت بني شيبان في بغداد وُلد أحمد بن حنبل في (ربيع الأول 164هـ = نوفمبر 780م)، وشاء الله ألا يرى الوالد رضيعه؛ فقد توفي قبل مولده، فقامت أمّه برعايته وتنشئته، وحرصت على تربيته كأحسن ما تكون التربية، وعلى تعليمه فروع الثقافة التي كانت سائدة، فحفظ القرآن الكريم، وانكبّ على طلب الحديث في نهم وحب، يسرع الخطى إلى شيخه قبل أن يسفر الصباح؛ حتى يكون أول من يلقاه من تلاميذه، حتى إذا شبّ عن الطوق انتقل إلى حلقة “أبي يوسف” تلميذ أبي حنيفة، وأول من اعتلى منصب قاضي القضاة، وكانت حلقته آية في السمو والرقي، يؤمها طلاب العلم والعلماء والقضاة على اختلاف طبقاتهم ومنازلهم، وقد لزم أحمد بن حنبل حلقة أبي يوسف أربع سنوات، كتب ما سمعه فيها ما يملأ ثلاثة صناديق، كما لزم حلقة “هشيم بن بشير السلمي” شيخ المحدثين في بغداد، ولا يسمع بعالم ينزل بغداد إلا أقبل عليه وتتلمذ له، فسمع من “نعيم بن حماد”، و”عبد الرحمن بن مهدي”، و”عمير بن عبد الله بن خالد”.
رحلاته في طلب العلم

كانت الرحلة في طلب العلم وسماع الحديث من سمات طالبي العلم في هذه الفترة، وكان كبار الفقهاء وشيوخ المحدثين موزعين في أنحاء العالم الإسلامي، لا يختص بهم قطر أو إقليم؛ ولذا كان الطلاب النابهون يقومون بالترحال إليهم، لا يعوقهم عن ذلك قلّة المال أو بُعد المكان.
بدأ أحمد بن حنبل رحلته الميمونة في طلب الحديث سنة (186هـ = 802م) وهو في الثانية والعشرين من عمره، واتجه إلى البصرة، والكوفة والرقّة، واليمن، والحجاز، والتقى بعدد من كبار علماء الأمة وفقهائها العظام، من أمثال: يحيى بن سعيد القطان، وأبي داود الطيالسي، ووكيع بن الجراح، وأبي معاوية الضرير، وسفيان بن عيينة، والشافعي الذي لازمه ابن حنبل وأخذ عنه الفقه والأصول، وكان يقول عنه الإمام الشافعي: “ما رأيت أحدًا أفقه في كتاب الله من هذا الفتى القرشي.
وكان شغف ابن حنبل بطلب الحديث يجعله يستطيب كل صعب، ويستهين بكل مشقة، لم تمنعه إمامته وعلوّ قدره من الاستمرار في طلبه العلم، ولا يجد حرجًا في أن يقعد مقعد التلميذ بعد أن شهد له شيوخه أو أقرانه بالحفظ والإتقان، يراه بعض معاصريه والمحبرة في يده يسمع ويكتب، فيقول له: “يا أبا عبد الله، أنت قد بلغت هذا المبلغ وأنت إمام المسلمين “، فيكون جواب الإمام: “مع المحبرة إلى المقبرة”.
جلوسه للتدريس

كان من تصاريف القدر أن يجلس الإمام أحمد للفتيا والتدريس في بغداد سنة (204هـ – 819م) وهي السنة التي توفي فيها الشافعي فكان خلفًا عظيمًا لسلف عظيم، وكان له حلقتان: واحدة في بيته يقصدها تلاميذه النابهون، وأخرى عامة في المسجد، يؤمها المئات من عامة الناس وطلاب العلم، وتُعقد بعد صلاة العصر، وكان الإمام يهش للذين يكتبون الحديث في مجلسه، ويصف محابرهم بأنها سُرُج الإسلام، ولا يقول حديثًا إلا من كتاب بين يديه، مبالغة في الدقة، وحرصًا على أمانة النقل، وهو المشهود له بأن حافظته قوية واعية، حتى صار مضرب الأمثال.
ولزم الإمامَ عدد من تلاميذه النابهين، نشروا علمه، وحملوا فقهه إلى الآفاق، من أشهرهم: أبو بكر المروزي، وكان مقربًا إلى الإمام، أثيرًا عنده، لعلمه وفضله، وصدقه وأمانته، حتى قال عنه الإمام أحمد: “كل ما قاله على لساني فأنا قلته”، ومن تلاميذه: أبو بكر الأثرم، وإسحاق بن منصور التميمي، وإبراهيم بن إسحاق الحربي، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وبقي بن مخلد.
مذهب الإمام أحمد
لم يدون الإمام أحمد مذهبه الفقهي، ولم يصنف كتابًا في الفقه، أو أملاه على أحد من تلاميذه، بل كان يكره أن يُكتب شيء من آرائه وفتاواه، حتى جاء أبو بكر الخلال المتوفى سنة (311هـ = 923) فقام بمهمة جمع الفقه الحنبلي، وكان تلميذًا لأبي بكر المروزي، وجاب الآفاق يجمع مسائل الإمام أحمد الفقهية وما أفتى به، فتيسرت له منها مجموعة كبيرة لم تتهيأ لغيره، وقام بتصنيفها في كتابه: “الجامع الكبير” في نحو عشرين مجلدًا، وجلس في جامع المهدي، ببغداد يدرّسها تلاميذه، ومن هذه الحلقة المباركة انتشر المذهب الحنبلي، وتناقله الناس مدونًا بعد أن كان روايات مبعثرة.


ثم قام أبو القاسم الخرقي المتوفى سنة (334هـ = 946م) بتخليص ما جمعه أبو بكر الخلّال في كتاب اشتهر بـ”مختصر الخرقي”، تلقاه الناس بالقبول، وعكف عليه فقهاء الحنابلة شرحًا وتعليقًا، حتى كان له أكثر من ثلاثمائة شرح، كان أعظمها وأشهرها “كتاب المغني” لابن قدامة المقدسي المتوفى سنة (620هـ = 1233م)، ولم يكتف مؤلفه فيه بالشرح وإنما تعداه إلى بيان اختلاف الروايات وذكر الأدلة الفقهية، مرجحًا بينها، وصاغ ذلك في عبارة سلسلة دقيقة المعنى.
ثم جاء الإمام ابن تيمية الجد “عبد السلام بن عبد الله” المتوفى سنة (652هـ = 1254م)، فحرر مسائل المذهب، وألّف كتابه “المحرر” في الفقه، ثم تعددت بعد ذلك كتب المذهب وانتشرت بين الناس.
ويجدر بالذكر أن المذهب الحنبلي هو أوسع المذاهب الإسلامية في إطلاق حرية التعاقد، وفي الشروط التي يلتزم بها الطرفان؛ لأن الأصل عند الإمام أحمد هو جعل معاملات الناس على أصل الإباحة حتى يقوم دليل شرعي على التحريم؛ ومن ثمّ كان في الفقه الحنبلي متسع لنظام المعاملات، يمتاز بالسهولة واليسر وتحقيق المصلحة للناس.
محنة الإمام أحمد

كان الإمام أحمد على موعد مع المحنة التي تحملها في شجاعة، ورفض الخضوع والتنازل في القول بمسألة عمّ البلاء بها، وحمل الخليفة المأمون الناس على قبولها قسرًا وقهرًا دون دليل أو بيّنة.
وتفاصيل تلك المحنة أن المأمون أعلن في سنة (218هـ = 833م) دعوته إلى القول بأن القرآن مخلوق كغيره من المخلوقات، وحمل الفقهاء على قبولها، ولو اقتضى ذلك تعريضهم للتعذيب، فامتثلوا؛ خوفًا ورهبًا، وامتنع أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح عن القول بما يطلبه الخليفة، فكُبّلا بالحديد، وبُعث بهما إلى بغداد إلى المأمون الذي كان في طرسوس، لينظر في أمرهما، غير أنه توفي وهما في طريقهما إليه، فأعيدا مكبّلين إلى بغداد.
وفي طريق العودة قضى محمد بن نوح نحبه في مدينة الرقة، بعد أن أوصى رفيقه بقوله: “أنت رجل يُقتدى به، وقد مدّ الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك؛ فاتق الله واثبت لأمر الله”.
وكان الإمام أحمد عند حسن الظن، فلم تلن عزيمته، أو يضعف إيمانه أو تهتز ثقته، فمكث في المسجد عامين وثلث عام، وهو صامد كالرواسي، وحُمل إلى الخليفة المعتصم الذي واصل سيرة أخيه على حمل الناس على القول بخلق القرآن، واتُّخذت معه في حضرة الخليفة وسائل الترغيب والترهيب، ليظفر المجتمعون منه بكلمة واحدة، تؤيدهم فيما يزعمون، يقولون له: ما تقول في القرآن؟ فيجيب: هو كلام الله، فيقولون له: أمخلوق هو؟ فيجيب: هو كلام الله، ولا يزيد على ذلك.
ويبالغ الخليفة في استمالته وترغيبه ليجيبهم إلى مقالتهم، لكنه كان يزداد إصرارًا، فلما أيسوا منه علّقوه من عقبيه، وراحوا يضربونه بالسياط دون أن يستشعر واحد منهم بالخجل وهو يضرب إنسانًا لم يقترف جرمًا أو ينتهك عرضًا أو أصاب ذنبًا، فما بالك وهم يضربون إمامًا فقيهًا ومحدثًا ورعًا، يأتمّ به الناس ويقتدون به، ولم تأخذهم شفقة وهم يتعاقبون على جلد جسد الإمام الواهن بسياطهم الغليطة، حتى أغمي عليه، ثم أُطلق سراحه، وعاد إلى بيته، ثم مُنع من الاجتماع بالناس في عهد الخليفة الواثق (227-232هـ = 841-846م)، لا يخرج من بيته إلا للصلاة، حتى إذا ولي المتوكل الخلافة سنة (232هـ = 846م)، فمنع القول بخلق القرآن، ورد للإمام أحمد اعتباره، فعاد إلى الدرس والتحديث في المسجد.
مؤلفات الإمام أحمد

ترك الإمام أحمد عددًا من المؤلفات يأتي في مقدمتها “المسند”، وهو أكبر دواوين السُّنّة؛ إذ يحوي أربعين ألف حديث، استخلصها من 750 ألف حديث، وشرع في تأليفه بعدما جاوز السادسة والثلاثين.
أما كتبه الأخرى فهي كتاب “الزهد”، وكتاب “السُّنّة”، وكتاب “الصلاة وما يلزم فيها”، وكتاب “الورع والإيمان”، وكتاب “الأشربة”، وكتاب “المسائل”، وكتاب “فضائل الصحابة” وكلها مطبوعة ومتداولة.
وبعد حياة حافلة بجلائل الأعمال توفي الإمام أحمد في (12 من ربيع الآخر 241هـ = 30 من أغسطس 855م) عن سبعة وسبعين عامًا، ودُفن في بغداد.
من مصادر الدراسة:
  1. ابن خلكان: وفيات الأعيان – دار الثقافة – بيروت – بدون تاريخ.
  2. محمد أبو زهرة: أحمد بن حنبل ، حياته وعصره – دار الفكر العربي – القاهرة – بدون تاريخ.
  3. عبد الحليم الجندي: أحمد بن حنبل – إمام أهل السنة – دار المعارف – القاهرة – بدون تاريخ.
  4. عبد الغني الدقر: أحمد بن حنبل إمام أهل السنة – دار القلم – بيروت – 1408هـ = 1988م.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 04-04-2024, 11:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
شيخ الإسلام ابن تيمية (26)

محمد ابو خليف


محتويات
١ ابن تيمية
    • ١.١ الاسم والنسب والمولد
    • ١.٢ النشأة والعلم
    • ١.٣ الجهاد
    • ١.٤ المؤلّفات
    • ١.٥ الشيوخ
    • ١.٦ التلاميذ
    • ١.٧ الوفاة
  • ٢ المراجع
  • ابن تيمية
يُعتبر شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله من كبار العلماء في عصره والعصور التي تلت عصره؛ حيث بلغ من العلم والتقى والصلاح ما بلغ، وقد بلغ صيته أرجاء المعمورة في ذلك العصر قبل انتشار وسائل التواصل والمراسلات؛ لما له من قوةٍ في قول الحق، ولما له من حُجَّةٍ عند الاستدلال، فمن هو ابن تيمية؟ وما المجال الذي برع فيه؟ وما سبب اشتهاره في ذلك الوقت وإلى هذا اليوم؟
الاسم والنسب والمولد

هو أبو العباس أحمد بن تقي الدين بن شهاب الدين بن عبد الحليم بن عبد السلام مجد الدين أبي البركات بن عبد الله بن تيمية، ولد بحرّان يوم الاثنين العاشر وقيل الثاني عشر من شهر ربيع الأول من سنة ستمائة وواحد وستين من بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، أبوه الشيخ شهاب الدين بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية، قرأ المذهب الحنبلي على أبيه، وكان إماماً محقّقاً في كثير من الفنون، كان متواضعاً وجواداً، كان شيخاً لدار الحديث السكّرية بدمشق، أما جدّه فهو الشيخ مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحرّاني، فقيه حنبلي، وإمام مقرئ، ومحدّث ومفسّر وأصولي ونحوي. جدّته لأبيه بدرة بنت فخر الدين أبي عبد الله محمد بن الخضر، وتُكنّى بأم البدر، كانت تروي وتُحدّث بالإجازة عن ضياء الدين بن خريف، أما سبب تسمية عائلته بابن تيمية فقد اختلف العلماء فيه؛ فقيل أن جدّه محمد بن الخضر حجّ البيت على درب تيماء، فرأى طفلة اسمها تيمية، ثم رجع فوجد امرأته ولدت بنتاً فسمّاها تيمية، وقيل أنّ جدّه محمد كانت أمه واعظة اسمها تيمية وبها سمّيت العائلة.[١][٢]
النشأة والعلم

نشأ شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في حرّان حتى بلغ سنّ السابعة، ثم هاجر مع والده وإخوته إلى دمشق، نشأ رحمه الله في أسرة عريقة معروفة بعلمها، اتجّه بدايةً إلى حفظ القرآن الكريم، ثم اشتغل بحفظ الحديث والفقه واللغة، وبرع في النحو، والتفسير، وأصول الفقه وعمره لم يتجاوز بضع عشرة سنة، عُرِف بالذّكاء، وقوّة الحفظ، والنّجابة، وسرعة الإدراك منذ صغره، كان فريد عصره في الزهد، والعلم، والشجاعة، والسّخاء، وكثرة التصانيف. تأهّل للتدريس والفتوى وهو ابن سبعة عشر سنة، كان قويّ التوكّل على الله دائم الذكر، كان أوّل كتاب حفظه في الحديث كتاب الجمع بين الصحيحين للإمام الحميدي، توسَّع رحمه الله في دراسة العلوم وتبحّر فيها، واجتمعت فيه صفات المجتهد وشروط الاجتهاد منذ شبابه، فصار إماماً يعترف له الجهابذة بالعلم، والفضل، والإمامة، أثنى عليه شيوخ عصره وتلاميذه.
وُلِدَ رحمه الله ونشأ في مرحلة كانت فيها الدولة والأمة الإسلامية في حالة من التمزق والضعف، وقت ظهر فيها التتار؛ فقتلوا العباد، ونهبوا الديار، فلم يمنعه طلبه للعلم من المشاركة في الأحداث في عصره، بل شارك رحمه الله في ذلك مشاركة العالم المجاهد؛ شارك بسيفه ولسانه وقلمه في محاربتهم.[١]
الجهاد

جمع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في جهاده بين السيف والقلم، ومن مواقفه في ذلك ما يلي:[٣]
  • عندما جاء التتار بجموعهم إلى الشام سنة 702هـ، أخذ البعض ينشر الفزع، والهزيمة في قلوب العباد، أما شيخ الاسلام ابن تيمية فأخذ يدعو المسلمين إلى الجهاد، ويثبّت قلوبهم، ويعدهم بالنصر والغلبة على عدوّهم؛ حتى أنّه رحمه الله كان يحلف بالله: (إنكم لمنصورون)، فيقول له بعض الأمراء: (قل إن شاء الله، فيقول: أقولها تحقيقـاً لا تعليقـاً)، فاطمأنت النفوس والقلوب.
  • ذهب رحمه الله إلى مكان قريب من دمشق يُدعى مرج الصفر، ووقف وِقفة العالم المجاهد في قتال المغول في موقعة حربيّة عُرفت في التاريخ بموقعة شقجب، وكان ذلك في شهر رمضان من سنة 702هـ، وكان رحمه الله قد اجتمع بالسلطان قبل هذه الموقعة يحثّه على الجهاد والقتال، واستمرّ القتال طوال اليوم الرابع من شهر رمضان حتى أذن الله بالنصر، وزال خطر التتار.
المؤلّفات

للإمام ابن تيمية مؤلفات ومصنفات كثيرة، من أبرزها ما يلي:[٤]
  • كتاب الاستقامة، كتاب مطبوع في جزأين، وقام بتحقيقه الدكتور محمد رشاد سالم.
  • كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم مطبوع في جزأين، وقام بتحقيقه الدكتور ناصر العقل.
  • كتاب بيان تلبيس الجهمية، تم تحقيقه في ثمانية رسائل دكتورة.
  • كتاب الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح.
  • كتاب درء تعارض العقل والنقل.
  • كتاب الصفدية.
  • كتاب منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية.
  • كتاب النبوات.
الشيوخ

من أبرز شيوخ ابن تيمية الآتية أسماؤهم:[٥]
  • أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي، أبو العباس، زين الدين، المولود في عام 575هـ ، وهو من شيوخ المذهب الحنبلي، تلقّى عنه الإمام ابن تيمية علوم الحديث.
  • عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، المولود في عام 597هـ ، وكان شيخ الإمام في الفقه والحديث والأصول.
  • شرف الدين أبو العباس، أحمد بن أحمد بن نعمة المقدسي الشافعي، برع في الفقه والأصول والعربية.
التلاميذ

كثر تلاميذ ابن تيمية ومنهم الآتية أسماؤهم:[٥]
  • ابن قيّم الجوزية.
  • ابن قدامة المقدسي.
  • الحافظ الذهبي.
  • الحافظ اسماعيل بن كثير.
الوفاة

توفي شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في ليلة الاثنين الموافق العشرين من شهرذي القعدة من سنة (728هـ) بقلعة دمشق التي كان محبوساً فيها، أُذِن للناس بالدخول فيها عند وفاته، فغُسّل فيها، وصُلّي عليه بالقلعة، ثم وُضِعَت جنازته في الجامع؛ حيث قام الجند بحفظها من الناس من شدة الزحام، صُلّيَ عليه صلاة الجنازة بعد صلاة الظهر، ثم حُمِلَت الجنازة واشتد الزحام، فلم يتخلّف عن تشييع جنازته إلا القليل، ثم خرج الناس من الجامع من أبوابه كلها وهي شديدة الزحام.[٤]
المراجع
  1. ^ أ ب أبي عبد الله محمد بن سعيد بن رسلان (2002)، حول حياة شيخ الاسلام بن تيمية (الطبعة الثانية)، مصر: مكتبة المنار، صفحة 6-13. بتصرّف.
  2. ↑ أبي عبد الله محمد بن سعيد بن رسلان (2002)، حول حياة شيخ الاسلام بن تيمية (الطبعة الثانية)، مصر: مكتبة المنار، صفحة 6-21. بتصرّف.
  3. ↑ "العلماء والجهاد -احمد بن تيمية"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 12-9-2017. بتصرّف.
  4. ^ أ ب د. عبد الله بن صالح الغصن، "ترجمة موجزة لشيخ الاسلام ابن تيمية"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 29-8-2017. بتصرّف.
  5. ^ أ ب أحمد نافذ المحتسب (2008)، شخصيات إسلامية عرفها التاريخ ولن ينساها (الطبعة الأولى)، صفحة 295-296. بتصرّف.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 05-04-2024, 11:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
ابن قيم الجوزية .. العالم الفذ و”ظل” ابن تيمية (27)
نورالدين قلالة


عرفت الأمة الإسلامية العديد من العلماء البارزين الذين برعوا في علوم الدين، وفقهوا في الشريعة وأجادوا، ومن هؤلاء العلماء الأعلام هو العالم الجليل ابن قيم الجوزية، الذي يعتبر من العلماء النادرين القلائل الذين عرفهم التاريخ الإسلامي. فقد كان عالما فذا رزقه الله فكرا و علما لا مثيل له، ولا غرو في ذلك فقد كان ابن القيّم تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية.
ابن قيّم الجوزية هو الإمام الفذ، والعلم المتبحر، والمفسر المحدث، طبيب القلوب وعللِها، وخبير النفوس وآفاتها، صاحب التصانيف الرائعة، والمصنفات النافعة. كان كعادة العلماء الربانيين في الأمة يجمع بين العلم والعمل، فهو ليس كمن بليت بهم الأمة ممن ينتسب إلى العلم زورا، فيقول ولا يعمل، وينصح ولا يرتدع، ويعظ ولا يتعظ، فلقد كان ابن القيم رحمه الله ذا عبادة وزهادة، وتهجد واجتهاد، سائرا في مدارج الربانيين، دائم الذكر، طويل الفكر.
ويُعرف ابن القيّم بغزارة علمه وسعة اطّلاعه حيث برع رحمه الله تعالى في علوم عديدة من أبرزها علوم الحديث والفِقه والتفسير والسيرة، كما أنه أجاد العربية وفنونها فكان هذا بابا لسعة فهمه لعلوم الشريعة من خلال فهم كلام الله تعالى وحديث رسوله عليه الصلاة والسلام.
من هو الإمام ابن القيّم؟

هو شمس الدين محمد بن أبى بكر بن أيوب بن سعد بن حزيز الزرعى الدمشقى، ولد في السابع من صفر 691هـ – 1292م في مدينة دمشق، وتوفي في الثالث عشر من رجب 751هـ – 1349م.
عاش حياته في طاعة الله وطلب العلم، فقد اشتهر بالورع والتقوى وشدّة عبادته، وخصوصا في الصلاة التي هي ميزان المؤمن الحقّ، وكذلك تعرّض رحمه الله تعالى للعديد من الابتلاءات والمحن من أبرزها السجن الذي قضى جزءا من حياته فيه، بسبب بعض الفتاوى حيث إنّه سجن مع شيخه ابن تيمية في سِجن القلعة، ولكن في حجرة أخرى وخرج من السجن عقب وفاة ابن تيمية.
سمع ابن القيّم على التقى سليمان وأبى بكر بن عبد الدائم وغيرهما، وقرأ العربية على ابن أبى الفتح والمجد التونسى. وقرأ الفقه على المجد الحرانى وابن تيمية. وقرأ فى الأصول على ابن تيمية والصفى الهندى وكان جرىء اللسان واسع العلم، عارفا بالخلاف ومذاهب السلف وقد غلب عليه حب ابن تيمية حتى كان لا يخرج عن شىء من أقواله، بل كان ينتصر له فى جميع ذلك وهو الذى هذب كتبه ونشر علمه، وكان له حظ عند الأمراء المصريين، وقد اعتقل مع ابن تيمية بالقلعة بعد أن أهين وطيف به على جمل مضروبا بالدرة، فلما مات ابن تيمية أفرج عنه.
سبب تسميته بابن القيّم

سبب تسميته بابن قيم الجوزية أو ابن القيم: كان والده رحمه الله قَيِّماً على “المدرسة الجوزية” بدمشق، والقيّم هو الناظر أو الوصي، وهو ما يُشبه المدير في زمننا هذا، وكان والدُ ابن القيّم من علماء دمشق. فكان أبوه قيم الجوزية فأطلق عليه ابن قيم الجوزية، والبعض يقول ابن القيم وهو الأكثر لدي المتأخرين.
والجدير بالذكر أن ابن القيم أو ابن قيم الجوزية ليس هو ابن الجوزي، وأن ابن الجوزي سبق ابن القيم بحوالي مائة وثمانين عاما، وقد ولد ابن الجوزي في 510ه/1116م وهو: أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن، ومن أشهر كتبه: (تلبيس إبليس، صيد الخاطر، صفوة الصفوة).
شيوخه وتلاميذه

تلقى الإمام ابن القيم رحمهُ الله تعالى العلوم على عدد من الشيوخ والعلماء الأجلّاء ولعلّ من أبرزهم وأوثقهم صلة بابن القيّم هو شيخه الإمام تقيّ الدين ابن تيميّة، والمعروف بشيخ الإسلام، حيث لازمَ ابن قيّم الجوزيّة شيخ الإسلام ابن تيميّة وسمعَ منه العلم مُشافهةً ولازمه حتّى وفاة شيخه ابن تيميّة، ومِن هؤلاء العلماء الأعلام أيضاَ الذين تلقّى ابن القيّم العلوم على أيديهِم الشهاب النابلسيّ، وابن الشيرازي وغيرهِم. ولابن القيّم العديد من التلاميذ الكِبار كذلك، من أشهرهم هو الحافظ ابن رجب الحنبلي الذي اشتهر بحفظه وروايته لحديث رسول الله صلّى الله عليهِ وسلّم.
شرع ابن القيم في طلب العلم في سن مبكرة وعلى وجه التحديد في السابعة من عمره كما يذكر المؤرّخون. سمع من عدد كبير من الشيوخ، منهم والده أبو بكر بن أيوب فأخذ عنه الفرائض، وأخذ عن ابن عبد الدائم، وعن أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية أخذ التفسير والحديث والفقه والفرائض والأصلَين (أصول الدين وأصول الفقه)، وعلم الكلام، وقد لازم ابن تيمية سبعة عشر عاما تقريبا.
وسمع من الشهاب العابر أحمد بن عبد الرحمن النابلسي في سنٍ جدّ مبكرة، في السادسة أو السابعة من عمره. وعن ابن الشيرازي والمجد الحراني وأخذ عنهما الفقه وقرأ عليه مختصر أبي القاسم الخرقي وكتاب “المقنع” لابن قدامة وأخذ عنه الأصول وقرأ عليه أكثر “الروضة” لابن قدامة. وسمع من إسماعيل أبي الفداء القيسي وأيوب زين الدين الكحال والبهاء بن عساكر..وأخذ الفقه عن شرف الدين بن تيمية وفاطمة أم محمد بنت الشيخ إبراهيم البطائحي وقرأ العربية على مجد الدين التونسي وبدر الدين بن جماعة وأخذ العربية والفقه عن محمد شمس الدين البعلبكي فقرأ عليه “الملخص” لأبي البقاء و”الجرجانية” و”ألفية ابن مالك“.. وغيرهم كثيرون.
ويشير الحافظ ابن رجب إلى أخذ الكثير العلم من ابن القيم وتتلمذهم على يديه، وبين تأثيره في عصره، فيقول: “وأخذ عنه العلم خلق كثير من حياة شيخه، وإلى أن مات، وانتفعوا به، وكان الفضلاءُ يعظمونهُ ويتتلمذون له.” ومن أشهر تلاميذه:
ابنه برهان الدين إبراهيم، ابنه شرف الدين وجمال الدين عبد الله، الحافظ ابن رجب الحنبلي، ابن عبد الهادي، محمد بن عبد القادر بن عثمان النابلسي الحنبلي، محمد بن محمد بن محمد بن الخضر الغزي الشافعي، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، محمد بن محمد القرشي المقري التلمساني، صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، زين الدين علي بن الحسين بن علي الكناني الحنبلي.
أبرز مؤلفاته

لعل أهم ما يميز ابن القيم هو التراث العلمي والفكري الذي تركه للأمة، وأثرى به المكتبة الإسلامية، فلقد رزقه الله عز ذهنا سيالا وقلما دفاقا وبركة في اوقاته التي كانت عامرة كلها بالنافع والصالح لنفسه وللأمة كلها. ورغم تبحره في علوم كثيرة واتليفه في شتى ابواب العلم خاصة في الأصول والعقائد والحديث إلا أن أكثر ما يميزه هي كتاباته ومؤلفاته في علم السلوك والرقائق وأدواء النفوس ومقامات الإيمان. لقد اشتهر الإمام ابن القيّم الجوزية بكثرة مؤلفاته وتنوّعها، فقد كتب في الحديث والسيرة النبوية وكتب في رقائق القلوب، وما يتعلّق بالعبادات القلبيّة والعقيدة، وتطرّق كذلك للطب مستخلصا الحكمة من كلام الله تعالى وكلام نبيّه عليه الصلاةُ والسلام، ومن أهم هذه الكتب نذكر ما يلي:
  • زاد المعاد في هدي خير العباد
  • مدارج السالكين
  • حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح
  • القضاء والقدر
  • عدّة الصابرين
  • إعلام الموقّعين عن ربِّ العالمين
  • الروح
  • الداء والدواء
  • تحفة الودود في أحكام المولود
  • الصراط المستقيم في أحكام أهل الجحيم
  • إعلام الموقعين
  • بدائع الفوائد
  • طريق السعادتين وشرح منازل السائرين
  • جلاء الأفهام فى الصلاة والسلام على خير الأنام
  • مفتاح دار السعادة والروح
  • الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
ومما دل أيضا على سعة علمه وشغفه بالتأليف والكتابة أنه كان رحمه الله دائرة معارف تمشي على رجلين فقد ألف بعض المؤلفات وهو في سفره، بعيدا عن داره ومكتبته وهي:
  • روضة المحبين ونزهة المشتاقين
  • مفتاح دار السعادة ومنشور ألوية العلم والإرادة
  • بدائع الفوائد
  • تهذيب سنن أبي داود
  • الفروسية
قالو عن ابن القيم

يقول عنه تلميذه ابن كثير: “كان حسن القراءة والخلق، كثير التودد، لا يحسد أحدا ولا يؤذيه ولا يستعيبه، ولايحقد على أحد، وبالجملة كان قليل النظر في مجموعه وأموره وأحواله، والغالب عليه الخير والأخلاق الفاضلة”. وكان يعتز بصحبته ومحبته فقال: “وكنت من أصحب الناس له، وأحب الناس إليه”. وقال ابن كثير: “لا أعرف في هذا العالم في زماننا أكثر عبادة منه، وكانت له طريقة في الصلاة يطيلها جدا، ويمد ركوعها وسجودها”.
قال ابن رجب: “كان رحمه الله ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى، وتأله ولهج بالذكر، وشغف بالمحبة والإنابة والاستغفار والافتقار إلى الله والانكسار له، والإطراح بين يديه على عتبة عبوديته لم أشاهد مثله في ذلك، ولا رأيت أوسع منه علما، ولا أعرف بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان منه وليس هو بالمعصوم ولكن لم أر في معناه مثله، وقد امتحن وأوذي مرات، وحبس مع الشيخ تقي الدين في المرة الأخيرة بالقلعة منفردا عنه ولم يفرج عنه إلا بعد موت الشيخ”.
وقال ابن حجر: “وكان إذا صلي الصبح جلس مكانه يذكر الله حتى يتعالي النهار، ويقول: هذه غدوتي لو لم أقعدها سقطت قواي”. وقال ابن حجر: كان جريء الجنان، واسع العلم، عارفا بالخلاف ومذاهب السلف.
ويقول تلميذه الذهبي: “عني بالحديث ومتونه ورجاله، وكان يشتغل بالفقه ويجيد تقريره وفي النحو ويدريه، وفي الأصلين”.
وقال السيوطي: “وقد صنف وناظر واجتهد، وصار من الأئمة الكبار في التفسير والحديث والفروع والأصلين والعربية.
وقال الشوكاني: “برع في شتي العلوم وفاق الأقران واشتهر في الآفاق، وتبحر في معرفة مذاهب السلف”.
ابن القيم وابن تيمية

عاش ابن قيم الجوزية مقلدا لابن تيمية ومحافظا على مسلكه فى الدين والعلم، ينال من علماء عصره وينالون منه، وقد ذكره الذهبى فى المختص فقال: حبس مرة لإنكاره شد الرحل لزيارة قبر الخليل، ثم تصدر للاشتغال ونشر العلم ولكنه معجب برأيه جرىء على الأمور، وكانت مدة ملازمته لابن تيمية منذ عاد من مصر سنة 712 هـ إلى أن مات. وقال فيه ابن كثير: كان ملازما للاشتعال ليلا ونهارا، كثير الصلاة والتلاوة، حسن الخلق، كثير التودد. لا يحسد ولا يحقد. ثم قال: لا أعرف فى زماننا من أهل العلم أكثر عبادة منه، وكان يطيل الصلاة جدا، ويمد ركوعها وسجودها.
وكان إلى هذا مغرما بجمع الكتب، فحصل منها ما لا يحصر، حتى كان أولاده يبيعون منها بعد موته دهرا طويلا، سوى ما اصطفوه منها لأنفسهم. وكتبه كلها كما قال ابن حجر مرغوب فيها بين الطوائف، وهو طويل النفس فيها، يتعانى الإيضاح جهده فيسهب جدا، ومعظمها من كلام شيخه ابن تيمية بتصرف فى ذلك.
ويقول الشيخ عبد المتعال الصعيدى فى كتابه المجددون “يرى كثيرون أن ابن قيم الجوزية لم يأت بجديد غير ما أتى به أستاذه ابن تيمية قبله، لأنه كان لا يخرج عن شىء من أقواله، وكانت كتبه معظمها من كلامه، وليس له فيها إلا تصرف فى الألفاظ وتفنن فى العبارة”.
وكان لابن تيمية تأثير كبير على ابن القيم، وله أثر واضح في ثقافته وتكوين مذهبه، فأخذ عنه علما جمّا واتسع مذهبه ونصره، وهذب كتبه، وقد كانت مدة ملازمته له سبعة عشر عاما. يقول ابن حجر العسقلاني في ذلك: “وهو الذي هذّب كتبه – أي كُتب ابن تيمية – ونشر علمه، وكان ينتصر له في أغلب أقواله”.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 07-04-2024, 12:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
يوسف بن تاشفين (28)


شريف عبدالعزيز الزهيري

أمير المسلمين
يوسف بن تاشفين
مؤسس دولة المرابطين، بطل الزلاقة ومنقذ الأندلس

يوسف الشرق ويوسف الغرب:
عندما تذكر البطولة والشجاعة والأعمال العظيمة فإنه سوف يتبادر إلى ذهن معظم المسلمين عدة أسماء بعينها يحفظونها ويكررونها في كل موطن، فمن الصحابة مثلًا خالد بن الوليد، وحمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين، وينسون أن جيل الصحابة كان في معظمه أبطالًا شجعانًا لا يثبت لهم العدو في القتال فواق ناقة، أما من بعد الصحابة فتجد الناس لا يعرفون إلا صلاح الدين الأيوبي، واسمه يوسف بن أيوب، وسيف الدين قطز، والظاهر بيبرس، ثم تنقطع بعدهم الأسماء ولا يذكرون أحدًا غيرهم إلا قليلًا، وذلك على الرغم من أن هناك أبطالًا للمسلمين سجلوا أروع البطولات وقاموا بأعظم الأدوار في حماية الأمة، منهم صاحبنا "يوسف بن تاشفين" الذي أنقذ بلاد المغرب والأندلس من الضياع في فترة بالغة الحساسية، والعجيب أن الشهرة طارت كلها ليوسف الشرق الذي حرر بيت المقدس، والنسيان والإهمال كله كان من نصيب يوسف الغرب الذي كان له الدور الأكبر في إنقاذ دولة الإسلام في الأندلس من السقوط، وأجَّل هذا السقوط لأربعة قرون كاملة.

بلاد المغرب الممزقة:
منذ أن انطلقت الحملة الجهادية المباركة لفتح بلاد المغرب العربي وبلاد المغرب الواحدة تلو الأخرى تفتح أمام جيوش الصحابة والتابعين، وقبائل البربر الكبيرة والضخمة تدخل في دين الله أفواجًا تاركة ما كانت عليه من كفر وضلال وعادات عرفية تحكم حياتهم المظلمة، وأشرفت شمس الهداية على هذه القبائل الوثنية فتبدلت أخلاقهم وقلوبهم وسمت نفوسهم، وظلت بلاد المغرب العربي من ليبيا إلى الأطلسي ولاية تابعة للخلافة الأموية وشطرًا من الخلافة العباسية، ثم ظهر الطامعون واستبد المستبدون وقامت عدة دويلات من عباءة لخلافة العباسية المهترئة والضعيفة وقتها منها دولة الأغالبة ودولة الأدارسة ودولة الخوارج والدولة الفاطمية الخبيثة والدولة الرستمية، ولولا ضعف الخلافة العباسية بعد عصر المتوكل ما كان لهذه الدول أن تظهر أو تقوم.
وكانت قبائل البربر هي الضحية الأولى والكبرى لهذا التمزق الذي أصاب هذه البلاد الكبيرة من أمة الإسلام، إذ وجد البربر أنفسهم بعدما كانوا يدينون بالولاء لدولة الخلافة تمزقوا وتشرذموا وتفرقوا بين الدويلات العديدة التي ظهرت في بلادهم، وهذا أدى لتوقف عجلة تعليم البربر أصول الإسلام، فعاد الكثيرون منهم للعادات والأعراف البربرية القديمة وانتشر بينهم الجهل المطبق ولم يعد لهم نصيب من الإسلام سوى الاسم فقط لا غير، والجميع غارق في الشركيات والضلالات والخرافات.

ظهور حركة المرابطين:
ظلت بلاد المغرب مسرحًا للخلافات الداخلية بين الدويلات القائمة بعضها بعضًا، وظلت قبائل البربر تنحدر في هاوية الجهل والضلال حتى كأنها عادت للجاهلية الأولى، وظل الوضع يسير من سيء لأسوأ حتى ظهرت حركة المرابطين سنة 434 هجرية – 1042 ميلادية على يد فقيه ورع زاهد اسمه "عبد الله بن ياسين" عمل على نشر الدين الصحيح في صفوف البربر، فلم يجد استجابة منهم إلا القليل، فأنشأ رباطًا للعبادة في جزيرة بنهر النيجر وانقطع فيه للعبادة والعلم هو ومجموعة صغيرة من تلاميذه الذين أخذوا في الازدياد يومًا بعد يوم حتى صاروا عدة آلاف وعندها قرر "عبد الله بن ياسين" محاربة القبائل البربرية الخارجة عن تعاليم الإسلام وذلك بمساعدة أمير قبيلة "لمتونة" البربرية وهي إحدى بطون قبيلة صنهاجة الكبرى الأمير "يحيى بن عمر اللمتوني" وهكذا أصبحت حركة المرابطين حركة جهادية خالصة تقوم على نشر الإسلام ومحاربة الضلال والشركيات وتوحيد بلاد المغرب من جديد.
في هذه البيئة الجهادية والجو الإيماني وفي رباط نهر النيجر وعلى يد الشيخ الزاهد "عبد الله بن ياسين" ظهر بطلنا صاحب الدور الأروع في هذه الفترة من حياة الأمة "يوسف بن تاشفين اللمتوني" فقد توفي الأمير "يحيى بن عمر" سنة 447 هجرية وتولى مكانه أخوه "أبو بكر بن عمر" فواصل عمل أخيه من توحيد البلاد ومحاربة الضالين، وجعل قائد جيوشه ابن عمه الأمير المقدام "يوسف بن تاشفين" وذلك سنة 448 هجرية وكان وقتها في الثامنة والأربعين من العمر إذ إنه من مواليد سنة 400 هجرية.
يوسف مؤسس دولة المرابطين:
استشهد "عبد الله بن ياسين" في قتاله ضد قبيلة "براغوطة" الوثنية سنة 451 هجرية – 1059 ميلادية وآلت رياسة حركة المرابطين لأبي بكر بن عمر الذي واصل السير على نهج ابن ياسين، فافتتح العديد من مدن المغرب وأعادها للإسلام الصحيح، ثم ما لبث أن اضطر للعودة إلى قلب الصحراء للإصلاح بين قبيلتي "لمتونة" و"مسوفة"، وهما عماد حركة المرابطين، وترك قيادة المرابطين لابن عمه وقائد جيوشه "يوسف بن تاشفين" وذلك سنة 453 هجرية وقد وافق شيوخ المرابطين على هذا الاختيار لما يعلمونه عن يوسف من ديانة وشجاعة وفضل وحزم وعدل وورع وسداد رأي ويمن نقيبة.

عمل "يوسف بن تاشفين" من أول يوم له لقيادة المرابطين على تحويل الحركة المرابطية من حركة جهادية معنية بنشر الإسلام الصحيح إلى دولة كاملة الأركان، متينة الأسس بالمعنى الشامل لمفهوم الدولة، وذلك على أساس الجهاد لنشر الدين ومحاربة المرتدين وتوحيد بلاد المغرب الشاسعة تحت راية دولة واحدة تقوم على الكتاب والسنة.
اتبع يوسف بن تاشفين سياسة بارعة في إقامة الدولة، تقوم على تقسيم جيوشه البالغ عددها أربعين ألف مقاتل لعدة أقسام، يوجه كل قسم إلى جزء معين من بلاد المغرب، وشرع في بناء عاصمة للدولة المرابطية، وكانت مدينة "مراكش" الشهيرة هي عاصمة الدولة الجديدة سنة 454 هجرية ومعناها بلغة قبيلة المصامدة البربرية "امش مسرعًا" وكان موقع مراكش بالغ التحصين في قلب بلاد المصامدة أكثر قبائل المغرب قوة وعددًا وكانوا عماد جيش المرابطين.
واصل يوسف بن تاشفين مشروعه الكبير لتوحيد بلاد المغرب تحت راية واحدة هي الدولة المرابطية، فلم يهنأ براحة ولا عرف دعة أو سكونًا، ولا تنعم بمأكل أو مسكن رغم اتساع ملكه، فلم يلبس طوال حياته إلا الصوف، ولا يأكل سوى الشعير ولحوم الإبل وألبانها، دائب التفقد لبلاده وثغوره وأحوال المسلمين، لا يحكم إلا بالشرع، وظل يوسف بن تاشفين مجاهدًا من أجل تحقيق حلمه منذ سنة 454 هجرية حتى سنة 474 هجرية أي عشرين سنة متصلة حتى أقام بالمغرب دولة واحدة كبيرة ممتدة من تونس شرقًا حتى الأطلنطي غربًا، ومن البحر المتوسط شمالًا حتى ثلث أفريقيا الشمالي تقريبًا (حدود مالي وتشاد والنيجر والسنغال)، وقد تم القضاء على سلطان سائر الأمراء المحليين الذين مزقوا المغرب تحت أطماعهم وأهوائهم وحولوها لدويلات ضعيفة هزيلة متفرقة.

بعد أن حقق "يوسف بن تاشفين" مشروعه الكبير بتوحيد بلاد المغرب العربي أشار عليه بعض الناس أن يتخذ سمة الخلافة بحكم أنه أقوى رجل في العالم الإسلامي وقتها وأكثره ملكًا، ولكن البطل رفض ذلك فهو على دين وورع وزهد لا يريد من جهاده دنيا ولا مناصب بل أصر على أن تكون ولايته على بلاد المغرب مدعومة بموافقة الخليفة العباسي وقتها "المستظهر بالله" الذي أرسل إليه بالتقليد والعهد بالولاية وتلقب "يوسف بن تاشفين" من يومها باسم أمير المسلمين وناصر الدين.
من توحيد المغرب لإنقاذ الأندلس:
في الفترة التي كان يعمل فيها "يوسف بن تاشفين" على توحيد بلاد المغرب الممزقة وإعادة القبائل البربرية للإسلام الحق، كانت دولة الإسلام في الأندلس تمر بمرحلة دقيقة وخطرة في حياتها ووجودها، إذ أصابها ما أصاب بلاد المغرب من التشرذم والتفرق ولكن بصورة أكبر وأخطر، وهذه المرحلة المعروفة تاريخيًا بعصر ملوك الطوائف، والتي تحولت فيه دولة الإسلام في الأندلس لعدة دويلات صغيرة على رأس كل واحدة منهن أسرة حاكمة يتوارث أبناؤها الحكم والرياسة، وكانت السمة الغالبة لملوك الطوائف هي ضعف الوازع الديني والانغماس في الشهوات والمفاسد والملذات، والرتع في الدنيا مع رقة الدين، أضف لذلك كثرة الخلافات الجانبية بين الملوك مما أدى لكثرة القتال الداخلي بينهم على الحدود أو الحصون أو النفوذ، وهذا أدى بدوره لنتيجة في غاية الخطورة وهي تسلط نصارى إسبانيا على مسلمين الأندلس واتساع رقعتهم على حساب دولة الإسلام بالأندلس.
ومع مرور الأيام واتساع الخرق في وضع المسلمين بالأندلس، ازداد تسلط النصارى عليهم، وملوك الطوائف بلغ بهم الضعف والهوان لأن يدفعوا الجزية، لملك إسبانيا الكبير "ألفونسو السادس" الذي كان يخطط لمشروعه الصليبي الكبير، والذي عرف تاريخيًا باسم "حرب الاسترداد" أي استرداد الأندلس من المسلمين، وقد حقق "ألفونسو السادس" قفزة كبيرة في مشروعه عندما استولى على مدينة "طليطلة" عاصمة إسبانيا القديمة وذلك سنة 476 هجرية، وعندها توجهت القلوب والأنظار كلها نحو عدوة المغرب بحثًا عن المنقذ والمنجد بعد الله عز وجل.

الأمير مستجاب الدعوة:
انهالت الاستغاثات من أهل الأندلس وأيضًا من ملوكها على أمير المسلمين يوسف بن تاشفين الذي هالته الأخبار القادمة من هناك على وضع دولة الإسلام وتسلط الصليبيين على المسلمين، فجمع يوسف الفقهاء ومشايخ المرابطين واستشارهم في ذلك فأجابوه جميعًا بوجوب نصرة المسلمين فأرسل في بلاد المغرب مستنفرًا للناس للجهاد في سبيل الله ونجدة الدين.
في ضحى يوم الخميس سنة 479 هجرية عبر أمير المسلمين بجيوشه البحر، وما إن ركب البحر حتى اضطرب وتعالت أمواجه وهدرت منذرة بصعوبة العبور، فنهض الأمير زعيم المرابطين وسط سفينته ورفع يديه إلى السماء مناجيًا ربه عز وجل قائلًا: "اللهم إن كنت تعلم أن في جوازنا هذا خيرة للمسلمين، فسهل علينا جواز هذا البحر، وإن كان غير ذلك فصعبه حتى لا أجوزه"، فما كاد أن يتم دعاءه حتى هدأ البحر وسكن الريح وعبرت الأساطيل بسهولة، وهكذا نرى هنا البطل العجوز المجاهد، المتوكل على ربه، المستعين به في الشدائد، ما يكون بينه وبين ربه إلا أن يقول: "يا رب" فيقول المولى عز وجل: "أجبتك عبدي".

بطل الزلاقة:
عبر زعيم المرابطين "يوسف بن تاشفين" بجيوشه الكبيرة المتحمسة للجهاد ضد أعداء الإسلام ونجدة المسلمين، وكان لنزوله على أرض الأندلس رجة كبيرة، إذ أعلن "ألفونسو السادس" هو الآخر النفير العام في صليبيي إسبانيا وأوروبا، فجاءه المتطوعون بالآلاف من أنحاء إسبانيا وفرنسا وإيطاليا بعدما استمد المعونة من بابا روما، ولما شعر "ألفونسو" باجتماع قوة كبيرة عنده، أرسل برسالة طويلة للزعيم "يوسف بن تاشفين" يتهدده فيها ويتوعده ويصف له قوة جيوشه وكثرة جنوده، فرد عليه البطل المحنك برسالة مكونة من ثلاث كلمات كان لها وقع الصاعقة على ألفونسو، حيث كتب على ظهر رسالته الطويلة: "الذي يكون ستراه"، فارتاع ألفونسو بشدة وعلم أنه بُلي برجل له عز وحزم.
وفي يوم 12 رجب سنة 479 هجرية، وكان يوم جمعة، كانت بلاد الأندلس على موعد مع واحدة من أكبر وأعظم المعارك وواحدة من اللقاءات الحاسمة والمصيرية بين الإسلام والنصرانية، المسلمون من أندلسيين ومغاربة تحت قيادة البطل المجاهد "يوسف بن تاشفين" وقد بلغ الثمانين من العمر، وهو مع ذلك ما زال يجاهد من على صهرة جواده، شاهرًا سيفه، محمسًا لجنوده، والنصارى من إسبان وطليان وفرنسيين وغيرهم تحت قيادة "ألفونسو السادس" عاهل صليبيي إسبانيا، وكانت معركة عارمة قاسية في منتهى العنف، ثبت كلا الفريين في قتال لا فرار فيه ولكن الخطة الذكية التي وضعها "يوسف بن تاشفين" والتي قامت على استدراج الجيش الصليبي ثم مهاجمة مؤخرة الجيش والنفاذ منها إلى قلب الجيش الصليبي والدفع بكتيبة الحرس الأسود شديدة الشراسة في القتال للقضاء على ما تبقى من مقاومة لدى الصليبيين، وانتهت المعركة بنصر خالد للمسلمين على الصليبيين، وذلك كله بفضل الله عز وجل ثم القيادة البارعة والحكيمة للبطل العجوز "يوسف بن تاشفين".
مصيبة البطل:
بعد النصر العظيم الذي حققه أمير المسلمين "يوسف بن تاشفين" على صليبيي إسبانيا في الزلاقة كان من المقرر أن يواصل الفتح حتى يستعيد مدينة "طليطلة" العريقة، ولكنه وفي نفس يوم الفتح والنصر العظيم بالزلاقة والبطل في قمة سعادته بنصر الإسلام والمسلمين، إذ بالخبر المفجع يقطع سعادته ويبدد فرحه، إذ جاءه خير وفاة ولده الأكبر وولي عهده الأمير "أبى بكر" وقد تركه أميرًا على بلاد المغرب.
وبعد مجيء هذا الخبر المفجع اضطر "يوسف بن تاشفين" أن يعود إلى المغرب ليضبط البلاد حتى لا تضطرب بعد وفاة أميرها، فعاد إليها بعد أن ترك حامية مرابطية تقدر بثلاثة آلاف مقاتل تحت تصرف ملك إشبيلية "المعتمد بن عباد" وبذلك توقفت سيرة فتح المرابطين والتقط الصليبيون أنفاسهم بعودة "يوسف" إلى المغرب.
صرخات أندلسية:
بعد أن قام أمر المرابطين بمهمته المقدسة في نجدة المسلمين بالأندلس، عاد إلى بلاده ومكث بها عدة شهور ولكنه ما لبث أن جاءته رسائل استغاثة من أهل شرق الأندلس خاصة من أهل بلنسية ومرسية ولورقة الذين وقعوا تحت تهديد النصارى، ولقد علم المسلمون بالأندلس أنه لا ناصر لهم ولا منقذ لهم بعد الله عز وجل إلا الأمير المجاهد "يوسف بن تاشفين" فأرسلوا إليه بصرخاتهم وهم يعلمون أنه لن يتخلف أبدًا عن نجدتهم.
عاد "يوسف بن تاشفين" بجيوشه للأندلس في شهر ربيع الأول سنة 481 هجرية وأرسل إلى ملوك الطوائف يطلب منهم الاستعداد للجهاد، وكان الهدف تطهير منطقة شرق الأندلس من التهديدات الصليبية ولكن اختلاف أمراء الطوائف فيما بينهم وكثرة شكاويهم من بعضهم البعض، بل وصل الأمر أن تعاون بعضهم في السر مع "ألفونسو السادس" من أجل إفشال هذه الحملة المباركة، وهذه الأمور أغضبت أمير المرابطين "يوسف بن تاشفين" الذي ساءه ضعف الوازع الديني لدى هؤلاء الأمراء الذين يفترض فيهم أن يكونوا أغير الناس على المسلمين وحرماتهم، وقرر "يوسف بن تاشفين" العودة إلى بلاد المغرب ولكنه كان يضمر شيئًا آخر.

أعظم أعمال البطل:
عاد "يوسف بن تاشفين" إلى المغرب سنة 482 هجرية وقد اطلع أكثر فأكثر على أحوال الأندلس وأمرائها، ومن خلال النظرة الثاقبة للبطل المحنك الذي جاوز الثمانين، قرر "يوسف بن تاشفين" القيام بأعظم أعماله على الإطلاق وهو إسقاط دولة ملوك الطوائف الهزيلة وتوحيد الأندلس تحت راية واحدة قوية تمامًا مثلما فعل من قبل ببلاد المغرب الممزقة.
ولكن ما هي البواعث التي حملت "يوسف بن تاشفين" على اتخاذ هذا القرار الكبير الخطير؟.
الباعث الأول والأهم: الحفاظ على دولة الإسلام في الأندلس وإنقاذها من المحو والضياع، فلقد تأثر "يوسف بن تاشفين" منذ البداية بما شهده من اختلال أمراء الطوائف وضعف عقيدتهم، وانهماكهم في الترف والفسق، ورتعهم في الشهوات، وما يقتضيه ذلك من إرهاق شعوبهم بالمغارم الجائرة، وأدرك "يوسف" أن هذه الحياة الماجنة والعابثة التي انغمس فيها رؤساء الأندلس قد أثرت على شعوبهم فاقتدوا بهم وعمت الميوعة والترف حياة سائر الأندلسيين، وأن هذا الترف والنعومة هي التي قوضت منعتهم، وفتت في رجولتهم وعزائمهم وقعدت بهم عن متابعة الجهاد ومدافعة العدو المتربص بهم على الدوام، وأن الشقاق الذي استحكم بينهم ولم ينقطع حتى بعد الزلاقة، سوف يقضي عليهم جميعًا، وإذا تركت الأمور في مجراها فلسوف يستولي الصليبيون على الأندلس كلها ويعيدونها نصرانية مرة أخرى.
الباعث الثاني: وهو استراتيجي تكتيكي يكشف عن عقلية عسكرية متقدمة وفائقة عند أمير المرابطين "يوسف بن تاشفين"، وهو في حالة سقوط الأندلس فسوف تمتد الأطماع الصليبية لعدوة المغرب، والأندلس بالنسبة للمغرب بُعدًا استراتيجيًا دفاعيًا في غاية الأهمية، وهذه فطنة غابت عن حكام المسلمين اليوم، وهم يتركون مكرهين أو راضين بلاد العراق وأفغانستان تسقط لقمة سائغة بيد الصليبيين، وقد كشفت الأيام عن خطورة هذا الترك، فها هي أمريكا تتهدد سوريا وتعد مشروعًا كبيرًا لاحتلالها والبقية تأتي، فيا ليتنا نقرأ التاريخ لنستفيد من تجارب السابقين.
وفي أوائل سنة 483 هجرية بدأ البطل العجوز في أعظم أعماله وإنجازاته:
توحيد الأندلس، وإزاحة دولة الطوائف الذليلة الخانعة.

فهل يدري المسلمون ما فعله أمراء الطوائف؟
ما فعلوه يؤكد على صدق توقع "يوسف بن تاشفين" وصدق عمله وأهمية وضرورة ما سيقدم عليه، لقد قام أمراء الطوائف بالتعاون والاتفاق مع زعيم الصليبيين "ألفونسو السادس" على حرب المرابطين، إخوانهم المسلمين، وذلك نظير أموال طائلة وبلاد ومدن وحصون يؤدونها إلى هذا العدو الصليبي، فهل يصلح هؤلاء الطغاة للبقاء، ولقد استفتى "يوسف بن تاشفين" علماء زمانه أمثال الغزالي والطرطوشي وغيرهم فيما هو سيقدم عليه، فأجاب الجميع بوجوب قيامه بإزاحة ملوك الطوائف، بل إن علماء الأندلس وفقهاءها كتبوا بنفس المعنى ليوسف بن تاشفين.
وظل أمير المجاهدين يعمل على إزاحة ملوك الطوائف وإعادة الأندلس دولة واحدة من سنة 483 حتى سنة 495 هجرية تقريبًا أي اثني عشر سنة متواصلة من العمل الدؤوب لاستئصال هذا الورم السرطاني من جسد الأمة حتى تم له ذلك، واستقبلت الأندلس عهدًا جديدًا من القوة والوحدة، وانقمع الصليبيون حينًا من الدهر.
ولم يؤثر المجاهد الكبير الذي أصبح على مشارف المائة أن ينهي حياته بلا جولة جديدة مع كبير صليبيي إسبانيا "ألفونسو" وأراد أن يفتح مدينة "طليطلة" العريقة، فالتقى معه في معركة قوية سنة 491 هجرية وهزمه هزيمة فادحة، حطم بها قواه لفترة طويلة ولكنه لم يفتح "طليطلة" للأسف الشديد، ثم آثر أن يولي ابنه وولي عهده من بعده الأمير "علي" إمارة الأندلس للتأكد من سلامة الأوضاع فيها.

رحيل البطل:
وفي 1 محرم سنة 500 هجرية أي وهو في المائة من العمر، قرنًا كاملًا من الزمان، رحل البطل، وترجل الفارس الشجاع، وموحد الأمة بعد أن أتم أمير المرابطين عمله الذي عاش وجاهد من أجله، ووحد بلاد المغرب والأندلس تحت راية واحدة، وأعاد الإسلام الصحيح في ربوع المغرب، وأزال الظلمة والطواغيت والمتسلطين على رقاب العباد، وصد الصليبيين عن مسلمي الأندلس، وأوقف حرب الاسترداد الإسبانية فترة من الزمان، ورفع شأن المسلمين بالمغرب في الوقت الذي كانت أمة الإسلام بالمشرق تعاني من الضعف ومن التفرق، وقد سقط بيت المقدس بيد الصليبيين، ولو قدر أن يكون "يوسف بن تاشفين" بأرض المشرق لتغيرت مسيرة الحملات الصليبية تمامًا، ولربما تغيرت الأمور كلها هناك لما يحمله هذا الرجل من مشروع كامل وقوي لوحدة المسلمين وإقامة الدولة الإسلامية على أساس الكتاب والسنة.
فرحمة الله الواسعة على هذ البطل المنقذ الذي حفظ الله عز وجل به أمة الإسلام في جزء كبير من أرضها وتاريخها.

المراجع والمصادر:
1- نفح الطيب.
2- الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى.
3- تاريخ ابن خلدون.
4- روض القرطاس.
5- الحلل الموشية.
6- المعجب في تلخيص أخبار المغرب.
7- البيان المغرب.
8- الكامل في التاريخ.
9- الروض المعطار.
10- أعمال الأعلام.
11- سير أعلام النبلاء.
12- وفيات الأعيان.
13- شذرات الذهب.
14- دولة الإسلام في الأندلس.
15- أيام الإسلام.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 07-04-2024, 11:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
سيرة العز بن عبد السلام (29)



شريف عبدالعزيز الزهيري


صلاح الدنيا بصلاح الرؤساء والأمراء، وصلاح الرؤساء والأمراء بصلاح العلماء؛ لذلك العلاقة بين الصنفين علاقة خاصة ومتشابكة، لا يستغني أحدهما عن الآخر، ومتى أصبحت هذه العلاقة متضادة أو مختلفة أدى ذلك لكثير من المحن والابتلاءات، وتفسد الدنيا، وتضطرب الأحوال، ومتى كان العلماء صادعين بالحق، ثابتين على الشرع صلحت الدنيا والآخرة، ونهضت الأمة، وصمدت أمام أعدائها، ومتى نسي العلماء دورهم الريادي في إرشاد الأمراء والحكام، ونصحهم وتوجهيهم ضاعت الأمة، وصارت في مهب الريح، لا تعرف الحلال من الحرام، ولا العدو من الصديق.

التعريف به:
• سلطان العلماء، وبائع الملوك والأمراء، العالم الفذ، والشيخ العلامة، والمجتهد المطلق، شيخ الإسلام، وأحد الأئمة الأعلام، صاحب التصانيف النافعة، والمواقف السائرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كبير الشافعية، المفتي الكبير، الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن حسن بن محمد بن مهذب السلمي، المشهور بالعز بن عبد السلام.
• وُلد سنة 577هـ بمدينة دمشق حاضرة الشام، وكانت وقتها قلب الإسلام النابض، وعاصمة الجهاد ضد الصليبين تحت حكم الناصر صلاح الدين الأيوبي، وكانت دمشق وقتها زاخرة بالعلماء والشيوخ والمجاهدين، وفي ذلك الجو العلمي والإيماني والجهادي نشأ الإمام العز بن عبد السلام، وبدأ في طلب العلم متأخرًا على خلاف عادة العلماء الكبار؛ فجلس إلى علماء الوقت بدمشق: مثل فخر الدين بن عساكر، وسيف الدين الآمدي، وابن الحافظ، وجعل يجتهد ويتبحر في العلوم، خاصة في الفقه الشافعي، حتى صار شيخ الشافعية في دمشق، وقد اشتهر بجودة ذهنه، وسلامة بحثه، ودقة فتواه.

• جمع الإمام العز بن عبد السلام بين العلم والعمل، فلقد كان مشهورًا بالزهد والورع وشدة التحري، ومحاربة البدع والمخالفات الشرعية، محترزًا عن مواطن الشبهات، آية من آيات الله في الصدع بالحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يهاب أحدًا في الله عز وجل، له كثير من المواقف المشهورة التي جلبت عليه كثيرًا من المتاعب والمحن، التي جعلته رأس العلماء وإمامهم في زمانه.
ثناء الناس عليه:
رغم أن العصر الذي نشأ فيه العز بن عبد السلام كان زاخرًا بالعلماء والشيوخ والأعلام إلا أن العز بن عبد السلام كان شامتهم ورأسهم، ومقدمهم في كل فن، واعترف معاصروه ومن جاء بعده بإمامته وفضله وعلمه، وهذه طائفة من أقوالهم:
• قال عنه تاج الدين السبكي: شيخ الإسلام والمسلمين، وأحد الأئمة الأعلام، سلطان العلماء، إمام عصره بلا مدافعة، القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في زمانه، المطلع على حقائق الشريعة وغوامضها، العارف بمقاصدها، ولم ير مثل نفسه، ولا رأى من رآه مثله علمًا وورعًا وقيامًا في الحق، وشجاعة، وقوة جنان، وسلاطة لسان.
• قال عنه تلميذه أبو شامة: كان أحق الناس بالخطابة والإمامة، وأزال كثيرًا من البدع التي كان الخطباء يفعلونها: من دق السيف على المنبر، وأبطل صلاتي الرغائب، ونصف شعبان.
• قال عز الدين الحسيني: كان علم عصره في العلم، جامعًا لفنون متعددة، مضافًا إلى ما جبل عليه من ترك التكليف، مع الصلابة في الدين.
• قال الذهبي: بلغ رتبة الاجتهاد، وانتهت إليه رياسة المذهب، مع الزهد والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصلابة في الدين.
• قال ابن كثير: العز بن عبد السلام شيخ المذهب، ومفيد أهله، وله مصنفات حسان، وبرع في المذهب، وجمع علومًا كثيرة، وأفاد الطلبة، ودرَّس بعده مدارس، وانتهت إليه رياسة الشافعية، وقُصِدَ بالفتاوى من الآفاق.
• قال جلال الدين السيوطي: الشيخ عز الدين أبو محمد، شيخ الإسلام، سلطان العلماء، أخذ الأصول، وسمع الحديث، وبرع في الفقه والأصول والعربية، وقدم مصر فأقام بها أكثر من عشرين عامًا ناشرًا للعلم، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، يغلظ على الملوك فمن دونهم، وله من المصنفات والكرامات الكثير، ثم كان في آخر عمره لا يتقيد بالمذهب - يقصد الشافعي - بل اتسع نطاقه، وأفتى بما أدى إليه اجتهاده.

• قال عنه ابن شاكر الكتبي: شيخ الإسلام، بقية الأعلام، الشيخ عز الدين، سمع وتفقه ودرس وأفتى، وبرع في المذهب، وبلغ رتبة الاجتهاد، وقصده الطلبة من البلاد، وتخرج به أئمة، وله الفتاوى السديدة، وكان ناسكًا ورعًا، أمَّارًا بالمعروف، نهَّاءً عن المنكر، لا يخاف في الله لومة لائم.
• قال عنه العلَّامة اليافعي: سلطان العلماء، وفحل النجباء، المقدم في عصره على سائر الأقران، بحر العلوم والمعارف، والمعظم في البلدان، ذو التحقيق والإتقان والعرفان والإيقان، وهو من الذين قيل فيهم: علمهم أكثر من تصانيفهم، لا من الذين عبارتهم دون درايتهم، ومرتبته في العلوم الظاهرة مع السابقين في الرعيل الأول.
• قال العلَّامة الإسنوي: الشيخ عز الدين كان رحمه الله شيخ الإسلام علمًا وعملا وورعًا، وتصانيف وتلاميذ، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، يهين الملوك فمن دونهم، ويغلظ القول، وكان فيه مع ذلك حسن محاضرة بالنوادر والأشعار.
• قال الداودي: كان كل أحد يضرب به - يقصد العز بن عبد السلام - في الزهد والعلم.

مصنفاته:
لم يكن للشيخ العز بن عبد السلام مصنفات كثيرة تناسب حجمه العلمي، ومكانته في علماء الأمة، ولكنه ترك مصنفات نافعة عظيمة، مازال الناس ينتفعون بها، ومن أمثلة مصنفات الشيخ رحمه الله ما يلي:
1- القواعد الكبرى المعروف، بقواعد الأحكام، وهو من أشهر كتبه، وأكثرها نفعًا وتداولا بين الناس حتى وقتنا الحاضر.
2- شجرة المعارف.
3- الدلائل المتعلقة.
4- تفسير مختصر للقرآن.
5- مختصر صحيح مسلم.
6- الغاية في اختصار النهاية.
7- بداية السول في تفضيل الرسول.
8- الفتاوى الموصلية والمصرية.
9- بيان أحوال الناس يوم القيامة.
فوائد البلوى والمحن، وفيه يذكر من الآيات والأحاديث ما يصبر به أهل المحن والبلاء ويسليهم به، وقد كتبه بعد سلسلة المحن التي تعرض لها في الشام، وأجبرته على الرحيل إلى مصر.

محنته:
• محنة الإمام العز بن عبد السلام ترجع في الأساس لإدراكه لمهمة العلماء الربانيين، ودورهم في صيانة المجتمعات المسلمة، خاصة وقت الأزمات والنوازل، محنة العز بن عبد السلام التي تعرض لها في كل مكان حط فيه، ورحل إليه، ترجع في الأساس لشعوره الدائم والحي بأن العلماء هم أولو الأمر الحقيقيون للأمة، ولا بد من أخذ رأيهم، والعمل بمشورتهم لضمان مشروعية العمل، وسلامته من المخالفات والبدع، فلقد أراد العز أن يجعل من العلم والعلماء أئمة يسير ورائهم الناس، ويقتفون آثارهم، ويعملون بأقوالهم؛ لذلك أطلق عليه أهل العلم ومعاصروه لقب سلطان العلماء.
محنته في الشام:

• وُلد العز بن عبد السلام بدمشق أيام حكم الناصر صلاح الدين، ونشأ وترعرع في أيام العزة والكرامة والنصر، واسترجاع بيت المقدس، وشهد العز انحسار الوجود الصليبي بالشام، وشهد أيضًا الحملة الصليبية الخامسة والسادسة على العالم الإسلامي، والبطولات العظيمة التي أبداها المسلمون في صد تلك الحملات البربرية، ثم شهد الإمام التراجعات التي حصلت على مستوى القيادة في العالم الإسلامي، والصراع الشرس الذي حدث بين أمراء الأسرة الأيوبية على أماكن النفوذ في مصر والشام، الذي هوى ببعضهم - وهو الملك الصالح إسماعيل صاحب دمشق - لأحد دركات الأخلاق والدين؛ حيث تحالف مع الصليبين ضد ابن أخيه الملك نجم الدين أيوب صاحب مصر، وذلك من أجل الاستيلاء على حكم مصر.
• ففي سنة 639هـ تحالف الصالح إسماعيل مع الصليبيين ضد ابن أخيه نجم الدين أيوب، وأعطاهم نظير ذلك مدينة صيدا الساحلية، وقلعة الشقيف، وأباح لهم دخول دمشق؛ وذلك لأول مرة منذ اشتعال الحملات الصليبية، وأباح لهم شراء السلاح والمؤن، وكان العز بن عبد السلام وقتها خطيب الجامع الأموي، ومفتي الشافعية، ورأس علماء دمشق، فصعد الشيخ العز على منبر الجامع يوم الجمعة، وألقى خطبة نادرة من العيار الثقيل: أفتى فيها بحرمة البيع والشراء مع الصليبين، وشدد على التحريم، وأنكر على الصالح إسماعيل فعلته، وفي آخر الخطبة ترك الدعاء للصالح إسماعيل كما هي العادة، وقال بدلاً من ذلك قولته الشهيرة التي صارت مثلاً سائرًا، ودعاءً متداولاً: اللهم أبرم لهذه الأمَّة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك، ويُذل فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر.
• كان قطع الدعاء في الخطبة للصالح إسماعيل بمثابة إعلان خلعٍ وعزلٍ من قبل العز بن عبد السلام، فاستشاط الصالح إسماعيل غضبًا، وقامت قيامته، وعزل الشيخ العز عن الخطابة والإفتاء، وأمر باعتقاله، فأخذ الغضب يسري في أوساط الشعب الدمشقي الذي كره الصالح إسماعيل وجرائمه، وكان للصالح إسماعيل وزير سوء يزين له كل جرائمه - وهو غزال المسلماني - فنصحه باستمالة الشيخ العز بن عبد السلام، وإغرائه بإرجاعه لكافة مناصبه الدينية من خطابة وإفتاء، مع امتيازات أخرى، وذلك نظير خضوع العز بن عبد السلام للصالح إسماعيل، وتقبيله ليده في محضر عام من الناس.

• فلما جاء الرسول للشيخ العز بن عبد السلام برسالة الصالح إسماعيل جاءت إجابته غرة على جبين العلم والعلماء، ومفخرة لكل عالم رباني عبر العصور تتناقلها الأجيال، حيث قال للرسول: يا مسكين، ما أرضاه أن يُقَبلَ يدِي فضلاً أن أقبل يده، يا قوم أنتم في واد، والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به. وعندها أمر الصالح إسماعيل باعتقاله مرة أخرى، والتشديد عليه.
• استعد الصالح إسماعيل للخروج من دمشق بصحبة الصليبين للهجوم على مصر، وأخذها من ابن أخيه نجم الدين أيوب، ولكنه خاف من وجود الشيخ العز في دمشق، وتخوف من قيام الناس بإخراجه من السجن، وثورتهم عليه، فاصطحب الشيخ العز معه في معسكره مع الصليبين، وفي الطريق وقعت عدة كرامات للشيخ، وأثنى عليه الصليبيون كثيرًا، حتى قال كبيرهم للصالح إسماعيل: لو كان هذا الشيخ قسيسنا لغسلنا رجليه، وشربنا مرقتها.
• وبعد أن أعيت الصالح إسماعيل السبل، وفشلت كل ضغوطه على الشيخ العز بن عبد السلام، قرر أن ينفيه عن بلاد الشام كلها، فخرج الشيخ العز بن عبد السلام، ومعه أبو عمرو الحاجب شيخ المالكية، وكان مثله في العلم والصدع بالحق، وتوجه الإمامان إلى بلاد مصر ليبدآ فصلا جديدًا من العزة، وأيضًا المحنة.

محنته في مصر:
• خرج الشيخ العز بن عبد السلام من دمشق باتجاه مصر، فلما مر بمدينة الكرك تلقاه صاحبها "الناصر داود"، وطلب منه الإقامة عنده فقال له الشيخ العز: بلدك صغير على علمي، وهكذا يبرهن الشيخ العز على مدى اعتزازه بعلمه، وبمنزلة العلماء وقدرهم؛ فهو كما قلنا كان يؤكد في كل مرة، وفي كل موطن على مكانة العلم والعلماء، وقيادتهم للأمة.
• توجه الشيخ إلى القاهرة، وهناك تلقاه السلطان نجم الدين أيوب، وأحسن استقباله وقدَّر مواقفه التي أبداها بالشام، وولاه خطابة جامع عمرو بن العاص وقضاء الوجه القبلي، وانبسط الشيخ، وأخذ في التدريس والإفتاء، وكان أول من تصدى لعمل التفسير في الجامع على شكل دروس يومية، والتف حوله الناس وطلبة العلم والعلماء، والشيخ مستمر على حاله: من الصدع بالحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاحتساب على السلطان نفسه فما دونه، حتى هابه الجميع.
• شيئًا فشيئًا ثَقلت وطأة الشيخ العز على الأمراء والأعيان، ورجال الدولة الذين لم يعجبهم وجود مثل ذلك الشيخ، الذي أحيا شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الناس؛ ووصلت قوة الشيخ وجرأته في الحق إلى أن يسقط عدالة وشهادة نائب السلطان: الأمير فخر الدين بن شيخ الشيوخ، بسبب قيامه ببناء طبلخانة - دار للطبول التي تدق أوقات الصلوات، وخروج السلطان - على ظهر جامع بالقاهرة، وقد ظل الأمير فخر الدين ساقط الشهادة حتى مات، حتى إن الخليفة العباسي المستعصم ببغداد رفض رسالة جاءته من السلطان نجم الدين أيوب بسبب أن مؤدي الرسالة هو الأمير فخر الدين، وبعد تلك الحادثة عزل الشيخ نفسه عن القضاء.

• ثم وقعت حادثة أخرى، وهي الأشهر في تاريخ الشيخ، والتي تدل على مدى عزته ومكانته، وهي حادثة بيعه للأمراء المماليك، فقد ثبت عنده أن معظم هؤلاء الأمراء ما زالوا رقيقًا لا يصح لهم أي تعامل من أي نوع، فاستشاط الأمراء غضبًا، وأوغروا صدر السلطان على الشيخ العز؛ فاستدعاه، وأغلظ له القول، فما كان من الشيخ العز إلا أن حمل متاعه على حمار، وأركب عائلته على حمار آخر، وخرج من مصر؛ فمشى خلفه رجال ونساء، وخرج معه العلماء والصالحون والتجار، فبلغ الخبر السلطان، وقيل له: متى خرج الشيخ العز ذهب ملكك، فركب السلطان بنفسه واسترضاه وطيب قلبه، وترجاه من أجل العودة.
• عاد الشيخ للقاهرة بشرط أن يتم بيع الأمراء والأرقاء، فوافق السلطان، فلما علم كبير الأمراء بذلك حاول استمالة الشيخ ليرجع عن رأيه، ولكن الشيخ صمم، فانزعج كبير الأمراء بشدة، وقرر قتل الشيخ بنفسه، وذهب إلى دار الشيخ في جماعة من فرسانه، وأحاطوا بالدار، وسيوفهم مشهرة، فلما رآهم عبد اللطيف ابن الشيخ العز ارتعد فزعًا، ودخل على أبيه يخبره، فما اكترث لذلك، ولا تغير، وقال كلمته الشهيرة: يا ولدي أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله، ثم خرج كأنه قضاء الله قد نزل عليهم؛ فحين وقع بصره على الأمير يبست يد النائب، وسقط السيف منها، وارتعدت مفاصله وبكى، وسأل الشيخ أن يدعو له، ووافق على أن يباع هو وزملاؤه الأمراء، وتم ما أراد الشيخ، ونادى على الأمراء واحدًا واحدًا، وغالى في ثمنهم، وقبضه، وصرفه في وجوه الخير.

• ولما تولى سيف الدين قطز السلطنة، والتتار على أبواب الشام ومصر، وجمع قطز العلماء والفقهاء واستشارهم في جمع الأموال من الناس لتمويل الجيش ضد التتار؛ فما تكلم أحد من الحاضرين مهابة من السلطان غير الشيخ العز الذي قال: لا يجوز ذلك إلا بعد أن ينفق السلطان والأمراء وقادة الجند ما في قصورهم من كنوز وأموال حتى يستووا مع سائر الناس في المأكل والملبس والسلاح، عندها يجوز للسلطان أن يأخذ من أموال الشعب للتمويل الحربي.
• بالجملة كانت حياة الشيخ العز بن عبد السلام عبارة عن سلسلة متواصلة من الصدع بالحق، والثبات على الدين، والتصدي للباطل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما جعل حياة الشيخ مقترنة بالمحن والابتلاءات والتهديدات الدائمة، ومع ذلك لم يهادن ولم يداهن، ولم يتراجع، بل ثبات حتى الممات، لذلك استحق لقب سلطان العلماء.

المصادر والمراجع:
• طبقات الشافعية: (8/ 214).
• البداية والنهاية: (13/ 264).
• العبر للذهبي: (5/ 260).
• شذرات الذهب: (5/ 302).
• حسن المحاضرة: (1/ 343).
• طبقات المفسرين: (1/ 312).
• العز بن عبد السلام/ للدكتور الزحيلي.
• تراجم أعلام السلف: (621).
ترويض المحن - دراسة تحليلية لهم المحن التي مرَّ بها كبار علماء الأمة، دار الصفوة بالقاهرة، 1430 هـ، 2009م





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 08-04-2024, 11:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
هارون الرشيد .. والعصر الذهبي للدولة العباسية (30)

أحمد تمام



لم يحظَ خليفة بعد الخلفاء الراشدين بالشهرة الواسعة وذيوع الذكر، مثلما حظي الخليفة العباسي هارون الرشيد، غير أن تلك الشهرة امتزج في نسجها الحقيقة مع الخيال، واختلطت الوقائع مع الأساطير، حتى كادت تختفي صورة الرشيد، وتضيع قسماتها وملامحها، وتظهر صورة أخرى له أقرب إلى اللهو واللعب والعبث والمجون، وأصبح من الواجب نفض الروايات الموضوعة، والأخبار المدسوسة حتى نستبين شخصية الرشيد كما هي في الواقع، لا كما تصورها الأوهام والأساطير.


ما قبل الخلافة
نشأ الرشيد في بيت ملك، وأُعد ليتولى المناصب القيادية في الخلافة، وعهد به أبوه الخليفة “المهدي بن جعفر المنصور” إلى من يقوم على أمره تهذيبًا وتعليمًا وتثقيفًا، وحسبك أن يكون من بين أساتذة الأمير الصغير “الكسائي”، والمفضل الضبي، وهما مَن هما علمًا ولغة وأدبًا، حتى إذا اشتد عوده واستقام أمره، ألقى به أبوه في ميادين الجهاد، وجعل حوله القادة الأكفاء، يتأسى بهم، ويتعلم من تجاربهم وخبراتهم، فخرج في عام (165 هـ= 781م) على رأس حملة عسكرية ضد الروم، وعاد محملاً بأكاليل النصر، فكوفئ على ذلك بأن اختاره أبوه وليًا ثانيًا للعهد بعد أخيه موسى الهادي.
وكانت الفترة التي سبقت خلافته يحوطه في أثنائها عدد من الشخصيات السياسية والعسكرية، من أمثال “يحيى بن خالد البرمكي”، و”الربيع بن يونس”، و”يزيد بن مزيد الشيباني” و”الحسن بن قحطبة الطائي”، و”يزيد بن أسيد السلمي”، وهذه الكوكبة من الأعلام كانت أركان دولته حين آلت إليه الخلافة، ونهضوا معه بدولته حتى بلغت ما بلغت من التألق والازدهار.
تولّيه الخلافة


تمت البيعة للرشيد بالخلافة في (14 من شهر ربيع الأول 170هـ= 14 من سبتمبر 786م)، بعد وفاة أخيه موسى الهادي، وبدأ عصر زاهر كان واسطة العقد في تاريخ الدولة العباسية التي دامت أكثر من خمسة قرون، ارتقت فيه العلوم، وسمت الفنون والآداب، وعمَّ الرخاء ربوع الدولة.
وكانت الدولة العباسية حين آلت خلافتها إليه مترامية الأطراف تمتد من وسط أسيا حتى المحيط الأطلنطي، مختلفة البيئات، متعددة العادات والتقاليد، معرضة لظهور الفتن والثورات، تحتاج إلى قيادة حكيمة وحازمة يفرض سلطانها الأمن والسلام، وتنهض سياستها بالبلاد، وكان الرشيد أهلاً لهذه المهمة الصعبة في وقت كانت فيه وسائل الاتصال شاقة، ومتابعة الأمور مجهدة، وساعده على إنجاز مهمته أنه أحاط نفسه بكبار القادة والرجال من ذوي القدرة والكفاءة، ويزداد إعجابك بالرشيد حين تعلم أنه أمسك بزمام هذه الدولة العظيمة وهو في نحو الخامسة والعشرين من عمره، فأخذ بيدها إلى ما أبهر الناس من مجدها وقوتها وازدهار حضارتها.
استقرار الدولة
ولم تكن الفترة التي قضاها الرشيد في خلافة الدولة العباسية هادئة ناعمة، وإنما كانت مليئة بجلائل الأعمال في داخل الدولة وخارجها، ولم يكن الرشيد بالمنصرف إلى اللهو واللعب المنشغل عن دولته العظيمة إلى المتع والملذات، وإنما كان “يحج سنة ويغزو كذلك سنة”.
واستهل الرشيد عهده بأن قلد “يحيى بن خالد البرمكي” الوزارة، وكان من أكفأ الرجال وأمهرهم، وفوّض إليه أمور دولته، فنهض بأعباء الدولة، وضاعف من ماليتها، وبلغت أموال الخراج الذروة، وكان أعلى ما عرفته الدولة الإسلامية من خراج، وقدره بعض المؤرخين بنحو 400 مليون درهم، وكان يدخل خزينة الدولة بعد أن تقضي جميع الأقاليم الإسلامية حاجتها.
وكانت هذه الأموال تحصل بطريقة شرعية، لا ظلم فيها ولا اعتداء على الحقوق، بعد أن وضع القاضي “أبو يوسف” نظامًا شاملاً للخراج باعتباره واحدًا من أهم موارد الدولة، يتفق مع مبادئ الشرع الحنيف، وذلك في كتابه الخراج.
وكان الرشيد حين تولى الخلافة يرغب في تخفيف بعض الأعباء المالية عن الرعية، وإقامة العدل، ورد المظالم، فوضع له “أبو يوسف” هذا الكتاب استجابة لرغبته، وكان لهذا الفائض المالي أثره في انتعاش الحياة الاقتصادية، وزيادة العمران، وازدهار العلوم، والفنون، وتمتع الناس بالرخاء والرفاهية.


وأُنفقت هذه الأموال في النهوض بالدولة، وتنافس كبار رجال الدولة في إقامة المشروعات كحفر الترع والأنهار، وبناء الحياض، وتشييد المساجد، وإقامة القصور، وتعبيد الطرق، وكان لبغداد نصيب وافر من العناية والاهتمام من قبل الخليفة الرشيد وكبار رجال دولته، حتى بلغت في عهده قمة مجدها وتألقها؛ فاتسع عمرانها، وزاد عدد سكانها حتى بلغ نحو مليون نسمة، وبُنيت فيها القصور الفخمة، والأبنية الرائعة التي امتدت على جانبي دجلة، وأصبحت بغداد من اتساعها كأنها مدن متلاصقة، وصارت أكبر مركز للتجارة في الشرق، حيث كانت تأتيها البضائع من كل مكان.
وغدت بغداد قبلة طلاب العلم من جميع البلاد، يرحلون إليها حيث كبار الفقهاء والمحدثين والقراء واللغويين، وكانت المساجد الجامعة تحتضن دروسهم وحلقاتهم العلمية التي كان كثير منها أشبه بالمدارس العليا، من حيث غزارة العلم، ودقة التخصص، وحرية الرأس والمناقشة، وثراء الجدل والحوار. كما جذبت المدينة الأطباء والمهندسين وسائر الصناع.
وكان الرشيد وكبار رجال دولته يقفون وراء هذه النهضة، يصلون أهل العلم والدين بالصلات الواسعة، ويبذلون لهم الأموال تشجيعًا لهم، وكان الرشيد نفسه يميل إلى أهل الأدب والفقه والعلم، ويتواضع لهم حتى إنه كان يصب الماء في مجالسه على أيديهم بعد الأكل.
وأنشأ الرشيد “بيت الحكمة” وزودها بأعداد كبيرة من الكتب والمؤلفات من مختلف بقاع الأرض كالهند وفارس والأناضول واليونان، وعهد إلى “يوحنا بن ماسوية” بالإشراف عليها، وكانت تضم غرفًا عديدة تمتد بينها أروقة طويلة، وخُصصت بعضها للكتب، وبعضها للمحاضرات، وبعضها الآخر للناسخين والمترجمين والمجلدين.
هارون الرشيد مجاهدًا

كانت شهرة هارون الرشيد قبل الخلافة تعود إلى حروبه وجهاده مع الروم، فلما ولي الخلافة استمرت الحروب بينهما، وأصبحت تقوم كل عام تقريبًا، حتى إنه اتخذ قلنسوة مكتوبًا عليها: غاز وحاج.
وقام الرشيد بتنظيم الثغور المطلة على بلاد الروم على نحو لم يعرف من قبل، وعمرها بالجند وزاد في تحصيناتها، وعزل الجزيرة وقنسرين عن الثغور، وجعلها منطقة واحدة، وجعل عاصمتها أنطاكية، وأطلق عليها العواصم، لتكون الخط الثاني للثغور الملاصقة للروم، ولأهميتها كان لا يولي عليها إلا كبار القادة أو أقرب الأقربين إليه، مثل “عبد الملك بن صالح” ابن عم أبي جعفر المنصور أو ابنه “المعتصم“.
وعمّر الرشيد بعض مدن الثغور، وأحاط كثيرًا منها بالقلاع والحصون والأسوار والأبواب الحديدية، مثل: قلطية، وسميساط، ومرعش، وكان الروم قد هدموها وأحرقوها فأعاد الرشيد بناءها، وأقام بها حامية كبيرة، وأنشأ الرشيد مدينة جديدة عرفت باسم “الهارونية” على الثغور.
وأعاد الرشيد إلى الأسطول الإسلامي نشاطه وحيويته، ليواصل ويدعم جهاده مع الروم ويسيطر على الملاحة في البحر المتوسط، وأقام دارًا لصناعة السفن، وفكّر في ربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، وعاد المسلمون إلى غزو سواحل بحر الشام ومصر، ففتحوا بعض الجزر واتخذوها قاعدة لهم، مثلما كان الحال من قبل، فأعادوا فتح “رودس” سنة (175هـ= 791م)، وأغاروا على أقريطش “كريت” وقبرص سنة (190هـ= 806م).


واضطرت دولة الروم أمام ضربات الرشيد المتلاحقة إلى طلب الهدنة والمصالحة، فعقدت “إيريني” ملكة الروم صلحًا مع الرشيد، مقابل دفع الجزية السنوية له في سنة (181هـ= 797م)، وظلت المعاهدة سارية حتى نقضها إمبراطور الروم، الذي خلف إيريني في سنة (186هـ = 802م)، وكتب إلى هارون: “من نقفور ملك الروم إلى ملك العرب، أما بعد فإن الملكة إيريني التي كانت قبلي أقامتك مقام الأخ، فحملت إليك من أموالها، لكن ذاك ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وافتد نفسك، وإلا فالحرب بيننا وبينك”.
فلما قرأ هارون هذه الرسالة ثارت ثائرته، وغضب غضبًا شديدًا، وكتب على ظهر رسالة الإمبراطور: “من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام”.
وخرج هارون بنفسه في (187 هـ= 803م)، حتى وصل “هرقلة” وهي مدينة بالقرب من القسطنطينية، واضطر نقفور إلى الصلح والموادعة، وحمل مال الجزية إلى الخليفة كما كانت تفعل “إيريني” من قبل، ولكنه نقض المعاهدة بعد عودة الرشيد، فعاد الرشيد إلى قتاله في عام (188هـ= 804م) وهزمه هزيمة منكرة، وقتل من جيشه أربعين ألفا، وجُرح نقفور نفسه، وقبل الموادعة، وفي العام التالي (189هـ=805م) حدث الفداء بين المسلمين والروم، ولم يبق مسلم في الأسر، فابتهج الناس لذلك.
غير أن أهم غزوات الرشيد ضد الروم كانت في سنة ( 190 هـ= 806م)، حين قاد جيشًا ضخماً عدته 135 ألف جندي ضد نقفور الذي هاجم حدود الدولة العباسية، فاستولى المسلمون على حصون كثيرة، كانت قد فقدت من أيام الدولة الأموية، مثل “طوانة” بثغر “المصيصة”، وحاصر “هرقلة” وضربها بالمنجنيق، حتى استسلمت، وعاد نقفور إلى طلب الهدنة، وخاطبه بأمير المؤمنين، ودفع الجزية عن نفسه وقادته وسائر أهل بلده، واتفق على ألا يعمر هرقلة مرة أخرى.
بلاط الرشيد محط أنظار العالم
ذاع صيت الرشيد وطبق الآفاق ذكره، وأرسلت بلاد الهند والصين وأوروبا رسلها إلى بلاطه تخطب وده، وتطلب صداقته، وكانت سفارة “شارلمان” ملك الفرنجة من أشهر تلك السفارات، وجاءت لتوثيق العلاقات بين الدولتين، وذلك في سنة ( 183هـ= 779م)؛ فأحسن الرشيد استقبال الوفد، وأرسل معهم عند عودتهم هدايا قيمة، كانت تتألف من حيوانات نادرة، منها فيل عظيم، اعتبر في أوروبا من الغرائب، وأقمشة فاخرة وعطور، وشمعدانات، وساعة كبيرة من البرونز المطلي بالذهب مصنوعة في بغداد، وحينما تدق ساعة الظهيرة، يخرج منها اثنا عشر فارسًا من اثنتي عشرة نافذة تغلق من خلفهم، وقد تملك العجب شارلمان وحاشيته من رؤية هذه الساعة العجيبة، وظنوها من أمور السحر.
الرشيد وأعمال الحج

نظم العباسيون طرق الوصول إلى الحجاز، فبنوا المنازل والقصور على طول الطريق إلى مكة، طلبًا لراحة الحجاج، وعُني الرشيد ببناء السرادقات وفرشها بالأثاث وزودها بأنواع الطعام والشراب، وبارته زوجته “زبيدة” في إقامة الأعمال التي تيسر على الحجيج حياتهم ومعيشتهم، فعملت على إيصال الماء إلى مكة من عين تبعد عن مكة بنحو ثلاثين ميلاً، وحددت معالم الطريق بالأميال، ليعرف الحجاج المسافات التي قطعوها، وحفرت على طولها الآبار والعيون.
وفاة الرشيد
كان الرشيد على غير ما تصوره بعض كتب الأدب، دينا محافظًا على التكاليف الشرعية، وصفه مؤرخوه أنه كان يصلي في كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا، ويتصدق من ماله الخاص، ولا يتخلف عن الحج إلا إذا كان مشغولاً بالغزو والجهاد، وكان إذا حج صحبه الفقهاء والمحدثون.
وظل عهده مزاوجة بين جهاد وحج، حتى إذا جاء عام (192 هـ= 808م) فخرج إلى “خرسان” لإخماد بعض الفتن والثورات التي اشتعلت ضد الدولة، فلما بلغ مدينة “طوس” اشتدت به العلة، وتُوفي في (3 من جمادى الآخر 193هـ= 4 من إبريل 809م) بعد أن قضى في الخلافة أكثر من ثلاث وعشرين سنة، عدت العصر الذهبي للدولة العباسية.

* من مراجع الدراسة:
  • محمد جرير الطبري ـ تاريخ الرسل والملوك ـ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ـ دار المعارف ـ القاهرة 1979.
  • عبد المنعم ماجد ـ العصر العباسي الأول ـ مكتبة الأنجلو المصرية ـ القاهرة ـ 1979.
  • محمد الخضري ـ محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية (الدولة العباسية) ـ المكتبة التجارية الكبرى ـ القاهرة ـ 1959م.
  • فاروق عمر ـ الخليفة هارون الرشيد ـ وزارة الثقافة والإعلام ـ بغداد ـ 1989م.
  • حسن إبراهيم حسن ـ تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي (العصر العباسي الأول) مكتبة النهضة المصرية ـ القاهرة ـ 1948م.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 244.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 238.99 كيلو بايت... تم توفير 5.91 كيلو بايت...بمعدل (2.41%)]