التناص من دواعي البيان! - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 183 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28422 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60027 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 812 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإنشاء

ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-09-2022, 10:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي التناص من دواعي البيان!

التناص من دواعي البيان!


محمد صادق عبدالعال





التناصُّ إعلاءٌ من شأن البيان، ودَربٌ من دروب البلاغة، تُزيَّن به صفحاتُ الكاتب، ويُظهر العمقَ الثقافيَّ والمسكوت عنه مِن ثقافة المبدِع، يتحقَّق منها القارئ والمطَّلِع، وفيه إظهارٌ لمفاتن السرد ومباهِج الحكمة، وتحوُّلٌ من المباشرة في الكلام إلى الالتفات وإظهارِ هُويَّة الذات، وربط بين مشتقَّات الإبداع، فلا يوجد نصٌّ وليد الساعة، فهو موروث رغم أنف كاتبه وإن أبدَع فيه وزخرفه.

وقبل التحقيق والتدقِيق بكلام السابقين وأُولي النُّهى والتخصُّص وغيرهم، نقول بعد الثناء والحمد لرب العالمين:
إنَّ التناصَّ من موجبات الاستشهاد، وتقوية النص المكتوب، وصيانة النصِّ المنقول عنه، فلا يظُن كاتب أنَّه الألمعي المتفرِّد؛ فمَردُّ كل جميلٍ وبيان إلى القرآن الكريم، وما على الكاتب من حرَج إن أظهر ناحية التناص عنده وبيَّن للقارئ بأمانة من أين اشتقَّ ووثَّق كلامَه، فعندها سوف تذهب عنه الملامة، ولا يُرمى بصفة السارق ليقام عليه الحدُّ، وساعتها لن يثق بكلامه أحدٌ حتى ولو أخلَص وتَخلَّص ودقَّق وأمعَن في البيان، فما أروع أن أقول: اقتبستُ من فلان وفلان، وما أفضل أن أكون أمينًا طيِّبَ القلم مصونًا!

وأجمل تناص هو ما أُخذ من النصِّ المقدَّس والكتاب الأعظم، وهو القرآن الكريم، شريطة ألاَّ يكون فيه استعلاء من الكاتِب على القارئ، أو إظهار عِلم بتكبُّر؛ فإنَّ القرآن للذِّكر مُيسَّر بكلام رب العالمين: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]، وما على المقبِل على التناصِّ من القرآن من عتب إذا هو دقَّق الاستخدام، ووظَّف الجزءَ المنصوص في محلِّه؛ حتى لا يُتَّهم بالدخول في معترَك ليس أهلاً له، أو أن ينزل بالنصِّ المقدَّس نزولاً لا يليق، فهنا يَنبغي بل يجب التثبُّت إن كان في التناص فائدة تعمُّ أم مُزايدة على كتابات الآخرين! فمعلوم أنَّ الثقافة كالتجارة كلٌّ يعرِض بَهِيجَ سلعته ويزيِّنها ابتغاءَ الرَّواج وتداولها في الأسواق.

ولقد أمعنتُ في فتوى صدرَت بهذا الصَّدَد؛ حتى نقطع على القائلين بأنَّ التناصَّ تجرُّؤ على القرآن الكريم.

السؤال:
هل يجوز الكِتابة على وَزن الآيات القرآنيَّة أو استخدام الآيات القرآنية في (التناص الأدبي)، وهو تداخل نصوص أدبيَّة مختارة قديمة أو حديثة شِعرًا أو نثرًا مع نصِّ القصيدة الأصلي؛ بحيث تكون منسجمةً وموظَّفة ودالَّة قَدْرَ الإمكان على الفِكرة التي يَطرحها الشاعر؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، يجوز الاستشهادُ بآية من القرآن، أو بجزءٍ منها في كلام المتكلِّم، وهذا يسمَّى في علوم اللغة والأدب بـ(الاقتباس).

كما لا حرج في نَثر الكلام على وزن بعض الآيات إذا كان لمقاصد شرعيَّة؛ مثل: الاتِّعاظ والتدبُّر، ويكون على وَجه التعظيم، أو لتحسين الكلام، وليس على وجه المناظرة والمماثلة.

وأمَّا إن كان في مجال الأساليب المخالِفة للعقيدة - مثل: الهزل والغزل، أو وقع على سبيلٍ يوحي بالتقليل من شأن القرآن الكريم - فهو محرَّم، والله أعلم[1].

فهذا السؤال الذي حيَّرَنا، وتِلك الإجابة الشافية الوافِية التي تجبر المقبِل على التناصِّ أن يكون على حَذَر، وأنَّه على خطَر عظيم إن هو لم يدقِّق فيما اختار.

ولقد جرَت بنا السطور، وما زال مقالُنا مشطورًا يَعيبه التدقيقُ؛ إذ لم نتعرَّض لُغويًّا لكلمة التناص، فنقول بعد الحمد لله رب العالمين:
التناصُّ لُغةً: يعنى أخذ النَّاس بعضهم بعضًا بالنَّواصي، فمن يستحضر قول ربِّنا في محكم التنزيل: ﴿ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ ﴾ [الرحمن: 41]، ومنه تناص الأشياء؛ أي: تقابلَت واتصلَت، وتناص الناس: ازدحامهم.

تَنَاصَّ النَّاسُ: ازْدَحَمُوا، تناصَّ: تَنَاصَّ، يتَنَاصُّ، مصدر: تَنَاصٌّ [ن ص ص ]، (فعل خماسي لازم)؛ (المعجم الغني).

أمَّا في مجال النقد الأدبي وهو بيت القصيد نقول:
(هو مصطلَح نقديٌّ يُقصد به وجود تَشابه بين نصٍّ وآخر، أو بين عدَّة نصوص)؛ (المعجم الغني).

وعند الأصوليين (النصُّ): الكتاب والسنَّة، ومصدر الثقافة العقل والنص، إذًا فلا يوجد نصٌّ لم يتطرَّق له كاتب وإن اختلفَت الرُّؤى، واتسعَت أو ضاقت بحسب ثقافة الكاتِب والباحث.

وعلامتا التنصيص دليل صدق وأمانَة ومعراج أديب رَاقٍ يلفت نظرَ القارئ إلى مَن سبقوه في الإبداع والتعرُّض للمقال، ولقد اطلعتُ من صفحة طيِّبة نشرَتها شبكة الألوكة؛ للأستاذ سعيد بكور، والمنشورة بتاريخ 16/ 4/ 2012 م - 24/ 5/ 1433 هجري.

حيث تعرَّض الكاتب - أكرمه الله - إلى مسألة التناصِّ وبَيَّن بالتوثيق والتدقيق دراسةً تستحق الاحترامَ والتقدير إلى العلاقة بين التناصِّ والسرقة الأدبيَّة، مستندًا إلى كتاباتٍ أخرى من باب الأمانة الأدبيَّة، فأول ما ذَكر أردَف مقالة لميخائيل باختين، تَرجمة محمد البكري ويُمنى العيد، نقل عنهم:
إنَّ تَداخُل النُّصوص أمرٌ حَتْميٌّ لا مَفرَّ منه؛ فلا يُمْكن أن نتحدَّث عن نُشوء نصٍّ من الصِّفر؛ إذْ لا بدَّ مِن تلاقُح النُّصوص ودُخولها في سِجال وعَلاقاتِ تأثُّر وتأثيرٍ، وهو أمر يَفرضُه قانونُ الإبداع منذ الأزلِ؛ ذلكَ أنَّ: "كلَّ كتابَة أو نَقْشٍ امتدادٌ لسابِقاتها؛ تُثير سِجالاً معها، وتَنتظِر رُدودَ فِعلٍ نَشِطة في الفَهمِ، تَتجاوَزُها أو تستبقها".

وفي نفس المقال للأستاذ سعيد بكور بشبكة الألوكة، تَجدُر الإشارَة بادِئَ الأمر إلى أنَّ تَداخُل النُّصوصِ لم يَكنْ مُقتصِرًا على ميدان الإبداع الشِّعريِّ؛ ذلك أنَّنا نَجده في التَّفاسير، والشُّروح الشِّعريَّة، والمقامات، والخَطابة، والحِكايَة العجائبيَّة، وأدب الرِّحلَة، وعُلوم البَلاغَة، إلى غير ذلك مِن النُّصوص الأُخرى، لكنَّ المُلاحَظ أنَّ التَّركيز انصبَّ على الشِّعر دون غَيره مِن الفُنون الأُخرى؛ لما للشِّعر مِن مَكانة رمزيَّة، وهَيمنة على سائر المَجالات الإبداعيَّة آنذاك، وقد كان الاهتِمام في جانِب التَّداخُل بين النُّصوص بظاهِرَة "السَّرِقات" دون غَيرها مِن الظَّواهِر، ويُمكِن أن نَجدَ عَلاقاتٍ مُتنوِّعةً بين مَفهومَي التناصِّ والسَّرِقة الشِّعريَّة[2].

إذًا لنا أن نقطعَ بأنَّ التناص فِكرة قديمة، التجأ إليها الكثيرُ من الكتَّاب والحفَّاظ وأصحاب المعارف لتوثيق النصوص، فكما قال "الغذامي": "النَّصُّ ابن النَّصِّ"، أمكنَنا القَول: إنَّ النَّصَّ "يُولد" مِن نصٍّ أو نصوص.

وهذا ما حَوله ندَندن ونطوف: أنَّه لا يوجد نصٌّ فريد؛ إذ هي الفكرة تعرَّض لها الكثيرُ، وكلٌّ يعرضها حسب رؤيته ووجهة نظرِه، حتى ولو تباعدَت الرؤية، فمردودها لنصٍّ مشترك.

ولقد هالَني الشغفُ بالتناصِّ وروعته وجاذبيَّة النصِّ المنصوص وبهاؤه، وحاولتُ جاهدًا أن أُبرز ذلك في كثير ممَّا كتبتُ، وليس من باب حب الظهور ولا التملُّق، لكن لعظمة النصِّ المتناص منه، مراعِيًا قدرَ المستطاع ألاَّ أدخل النصَّ المقتبس مدخلاً ليس أهلَه أو لا يليق به، فما كتبتُ بتوفيق من الله.

ولا أعتبر مقالي هذا بحثيًّا أو مقالاً موسوعيًّا، فإنِّي لمَّا أردتُ التفحُّص والتجولَ بين الكتب والمواقع التقنية (إليكترونية)، وَجَدْتُني لا أمثِّل نقطةً في بَحر مَن تعرَّضوا للأمر؛ فاكتفيتُ بأن أعرض وجهةَ نظرٍ، فليس ما كتبوه قد مرَّ بمرور زمانهم، لكنَّنا نحن من يُعاصرونه ويردُّون عنه فِرية أَلصقها به كتاب ولهم أقلامٌ يُشارُ إليهم بالبنان، ولهم كتب في القصَّة ودراسات.

منهم من يرى أنَّ التناص من القرآن مثلاً عدمُ مواكَبة للرَّكب أو مسايرة لحركة التطوير، في حين يرى الآخر أنَّ مستلزمات الأدب العصري تتمثَّل في الانصياع التامِّ لمفردات العَصر، وإذا قيل له: كيف ذلك؟ برهَن بأمثلة من الأدب الإنجليزي وكتابات المعاصرين في القرن الماضي.

وما زلتُ مصرًّا على مبدأ أنَّ "التناص درب من دروب البيان وإسعافات أوليَّة، بل عالِية لمن كاد أن تزلَّ به القدَم في مرور ببحيرة السطحية والمباشرة"، ولقد تعرضتُ بصفة شخصيَّة للتناص من القرآن في كثير ممَّا نُشر لي بشبكة الألوكة الطيبة غير ملتفتٍ لمعترض، ولا مبالٍ بنقد لا يُسمن ولا يغني من جوع، بل زادني الإعراض منهم إصرارًا على استخدام التناص والتحوير والتضمين، وكلِّ ما من شأنه رفع مستوى النص بالبيان القرآني، ذلك البستان الماتع دائم الإثمار والشجر.

ولي بعض الأمثلة من كتاباتي بالشبكة تعمدتُ فيها التناص مرَّة، ومرة أجدني أسوق النصَّ تلقائيًّا على نَبرة القرآن مراعيًا معاييرَ الأدب مع النصِّ المقدَّس.

ومن الأمثلة قصة قصيرة لي بعنوان: اختبار (الألوكة - محمد صادق عبدالعال - المنشورة بصفحة حضارة الكلِمة تاريخ الإضافة 29/ 12/ 2014 ميلادي - 7/ 3/ 1436 هجري).

أراد الثاني أن يَقطع عليه جهوده، فهمَّ خلسةً أن يَصعد الجدار، فانقضَّ عليه وقَدَّ ثيابه من دُبر، فألفيا سيدة الدار تفتح البابَ، ففرَّ هاربًا، مَنحت صاحبة الدار ذلك الذي يبسط ذراعيه بأعتابها.

هنا استخدمت التناص ليس وجه مشابهة الحالَة؛ لكن العوز إلى البيان العالِي في النصِّ القرآني الذي أستطيع منه أن أجذب القارئَ، فما أطيب أن تكون المائدة محلاَّة بأشهى الفواكه على اختلاف صنوفها، ولكنِّي حين قصصتُ تلك القصَّة هاجمني بعضُ الأدباء وقال معترضًا على جزئيَّة (هيئة الممتحنين قد حضر منها اثنان ذوا لونٍ واحد؛ لينفيا عن هذا الذي يَبسط ذراعيه بعتبة الدَّار صفةَ الهروب): كيف تنفي ما أَثبته القرآن؟ وهو لم يتثبت من دواعي التناص والتضمين في النصِّ.

وما علم أنَّ القرآن الكريم حين أورد ذِكر الكلب لم يكن من باب التقديس، ولكنَّه من دواعي وصف الحالة العدديَّة وإبراز المشهدية التي كان عليها أهلُ الكهف، وأنا ما قمت بالتناص للتشكيك في مُلازمة الكلب لأهل الكهف قَدر ما هو اقتباس ولَفْت انتباه إلى وصف القرآن الكريم له بكلمة الذي يَبسط ذراعية بالوسيط.

وكذلك جزئية (فانقضَّ عليه وقَدَّ ثيابَه من دُبر، فألفيا سيدة الدار) من نفس النصِّ هو تعمُّد للتناص لإظهار محاسِن ودُرَر القرآن الكريم في الوصف والمشهدية؛ ليتعلَّم روَّاد القصة القصيرة أنَّ القرآن الكريم الذي هو أَحسن القصص على الإطلاق، به يُؤخذ ومنه يُستدل.

ومثال آخر - وأخشى الإطالة - ففي الإسهاب بعض عجز عن الاستدلال الصحيح في قصَّة (المدينة) المنشورة بشبكة الألوكة، تاريخ الإضافة 23/ 2/ 2015 ميلادي - 4/ 5/ 1436 هجري؛ جزئية (غير متجانف لقتال)، وفي الآية: ﴿ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ ﴾ [المائدة: 3]، ولكن اكتفيتُ بمفردتين فقط، رأيتُ بتوفيقٍ من الله أنَّهما سوف يضفيا على النصِّ الرونقَ والبهاء.

وأيضًا في قصة: حِيلة الرَّضيع المنشورة بتاريخ 4/ 10/ 2012 ميلادي - 18/ 11/ 1433 هجري؛ قمتُ بالتناص الكامل لقولِه تعالى بشأن الولدين المخلدين في أكثر من موضع أردفه القرآن الكريم في أكثر من سورة: (ولكنَّه يبشِّركم بأنَّه لن يطوف عليكم بأكوابٍ وأباريقَ وكأس من مَعِين؛ فخرُّوا سُجَّدًا وبُكِيًّا)، هنا قمتُ بالتناص من سورة وأخرى؛ لخِدمة النص ولخاتمة القصَّة، وأيضًا أُخذ عليَّ أنَّ التناص من القرآن بكلمات كثيرة ليس جيدًا في النص!

ومثال قبل الأخير لعدم الإطالة: قصَّة (هروب) التي نُشرَت أولاً بشبكة الألوكة تاريخ الإضافة: 26/ 7/ 2014 ميلادي - 28/ 9/ 1435 هجري، ثمَّ بكتاب (عندما يسكت زوربا) الصادر عن دار ضاد للنَّشر والتوزيع والترجمة بمصر هذا العام، وذلك بحمد الله لاختيارها ضمن مجموعة قصصيَّة نشرت بالكتاب:
(لن أبرح الأرض حتى تخرج ثانية تِلك الشمس، ائذن لي يا أبي)، هنا سيلاحِظ القارئ أنِّي وبحمد الله قد استعنتُ بالنصِّ القرآني في قوله تعالى على لسان (لاوي) أحد أسباط بني إسرائيل وأحد إخوة سيدنا يوسف عليه السلام: ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي ﴾ [يوسف: 80].

ولقد عولتُ على بيان وبلاغة المفردات، فوفَّقني الله لها، مراعيًا عدم التشتيت أو الإفراط والهبوط لمستوًى لا يليق بالنصِّ الأعلى.

ولعل المطَّلع على غالبيَّة ما أكتب يجدني على تِلك الحالة؛ أختار من كلام الله بالقرآن الكريم ما يسوقني لتضمين المشهَد أو العبارة كثيرًا من العذوبة إن هي خالطت نصًّا قرآنيًّا؛ فويل للمُدعين جهلاً أنَّ التناص من القرآن عَجز عن المواكبة والمسايرة، بل هو المسايرة بعينها، فالقرآن الكريم ليس كتاب حقبة ولا فَترة، إنَّما هو كلام ربِّ العالمين إلى أن يَرِث الله الأرضَ ومَن عليها.

وأخيرًا - وهو ما ارتقى إليه بعضُ عِلمي والله أعلم -: أنَّ التناصَّ موجود في القرآن الكريم نفسه وتشابه الآيات ليُستدل على أنَّه من دروب البلاغة المغفول عنها، وأنَّ الرجوع إليه واجب لتهذيب كلِّ منفر وتحسين كل رَديء.

[ومنه قصَّتي القصيرة (صياد اليمام)، التي نُشرَت بشبكة الألوكة 9/ 9/ 2014 ميلادي - 14/ 11/ 1435 هجري، وبخاصة في الجزئية قبل الأخيرة حين كتبتُ: "فألقى الأوراقَ وفيها بقيَّة مما خطَّت يمينُه، بدأت تتطاير لتستقرَّ على صفحة البحيرة، فيُمحى ما بها من سطور غير آسف عليها، وأمَّا القلم فدكَّه في الطين دكًّا دكًّا، وراح يَضرب في الأرض حيرانَ، له أفكار تَدعوه لصيدها، ثمَّ سَرعان ما تَذهب عنه وتفرُّ فرارًا".

ففي الجزئيَّة تأثُّر بلغة القرآن، ومعالجة لنصي المتواضع بإعلاء شأنه؛ ليَظهر رائعًا بالتناص من آيات متفرِّقة، لا يُدركها غير العالِمين والقارئين للقرآن الكريم.

مثال لتوثيق كلامي من كتاب الباحث د/ ياسر راضون في كتابه " التناص القرآني: دراسة في أشكال العلاقة في آيات القرآن".
"كما لم يَقصُر الباحث درس التناص وما ينتجه من علاقات بين الآيات القرآنيَّة الكريمة على ما ذكره ابنُ فارس؛ وإنَّما رأى أنَّ باب المتشابهات القرآنيَّة يرتبط كذلك بموضوع التناص من حيث إنَّ هذا الباب يُشير إلى وجود تَشابه وتناظُر بين ألفاظ القرآن الكريم - كما يذهب الإمام الكسائي (ت 189هـ) في كتابه "متشابه القرآن" - أو أنَّ المتشابه اللفظي في القرآن الكريم هو إيراد القصَّة الواحدة في صورٍ شتَّى وفواصل مختلفة، ويكثر في إيراد القصص والأنباء، كما يقول الإمام الزركشي (ت 794هـ) في كتابه "البرهان في علوم القرآن"، وتابعه فيه الإمامُ السيوطيُّ (ت911هـ) في كتابه "الإتقان في علوم القرآن"، وهذا التعريف الأخير أقرَب الصوَر التراثيَّة للتناص.

كذلك رأى الباحث أنَّ عِلم "الوجوه والنَّظائر القرآنيَّة" يتَّصل بصورة أو بأخرى بمفهوم "التناص"؛ لأنَّ هذا العِلم يدور حولَ مجيء الكلمة الواحدة في مَواضع من القرآن الكريم في لفظٍ واحد وحركة واحدة، مع اختلاف الدلالة في كلِّ مرَّة، وهو آية من آيات الإعجاز القرآني؛ إذ لا يَستطيع أيُّ إنسان مهما أُوتي من البلاغة والفَصاحة أن يستخدم الكلمةَ في وجوه متعدِّدة يزيد بعضها في أحيان كثيرة على عشرين وجهًا"[3].

وأخيرًا نطرح على أنفسنا سؤالاً يندى له جبين المدعين صلفًا وكِبرًا أنَّ التناص درب من دروب الهروب من مجابهة الكلمة العصريَّة واستخدامها وتوظيفها، ألم يكن الله أقدر وهو قادر على ألاَّ يجعل نصًّا شبيه نصٍّ؟ فهو القائل: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴾ [الشعراء: 4]، فبأي آلاء ربِّنا نجادِل ونماري؟!

وأمَّا عن التناص في الشِّعر والقصص وغيره، فيَحتاج لصفحات وأمثلة تفوق التصوُّر، فكما قال القدامى أرباب الأدب ومَن أسلفنا ذِكرَهم بعاليه: "النصُّ ابن النص، والنصُّ أبو النص"، لكن ما أحب أن أختَتم به كلامي لأولئك الذين اتَّخذوا القرآنَ مهجورًا، وأعوذ بالله أن نكون منهم أو ننحدرَ إليهم، إذ نظروا إليه أنَّه كتاب للموتى؛ حين يموت الميت يكون القرآن دليلاً وإشارة على دار بها ميِّت؛ وذلك قمَّة الهجر للقرآن، كيف وهو كتابُ حياة ودستور أمَّة، نُحسَد عليه، ويتمنَّى الحاسدون لو أنَّه كتابهم؛ كما في قوله: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ [البقرة: 109] لآخر الآيات؟

ومن المنطلَق الأدبي وعلى صعيد بعض من المثقَّفين الذين يرون أنَّ النص القرآنيَّ لا يجب أن يتجاوز الكتاب المقدَّس، أقول لهم: دعونا نتدبَّر القرآنَ الكريم تدبُّر الباحث عن البلاغة والبيان، ساعتها لن نستطيع أن نحصي بيانه الأعلى، ولا سموَّه اللَّفظي، ومعانيه القيِّمة، فما أجلَّ أن يتريَّض المتريِّض بجنان فيها من كلِّ زوجٍ كريم، ومفردات لا تَقبل المساومة، ولا ينازعه في السموِّ والرقي منازعٌ أو شبيه، والحمد لله رب العالمين.

والله المستعان.


[1] موقع دار الإفتاء العام، المملكة الأردنية الهاشمية.

[2] مقال: في العلاقة بين السرقة الشعرية والتناص؛ سعيد بكور، شبكة الألوكة.

[3] التناص القرآني دراسة في أشكال العلاقة بين الآيات القرآنية الكريمة، عرض أ/ محمد بركة؛ تأليف د/ ياسر عبدالحسيب رضوان، الناشر: إفريقيا الشرق، الدار البيضاء المغرب.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.78 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.85%)]