قصص الحيوان في أدبنا والآداب الأخرى - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3952 - عددالزوار : 391104 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4419 - عددالزوار : 856612 )           »          حق الجار والضيف وفضل الصمت.محاضرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          حبل الله قبل كلّ سبب وفوقه .! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          اضربوا لي معكم بسهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          ونَزَعْنا ما في صدورهم من غِلٍّ إخواناً على سُرُر متقابلين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          أنت وصديقاتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          التشجيع القوة الدافعة إلى الإمام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          شجاعة السلطان عبد الحميد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          نظرات في مشكلات الشباب ومحاولة الحل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-09-2022, 06:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي قصص الحيوان في أدبنا والآداب الأخرى

قصص الحيوان في أدبنا والآداب الأخرى (1)


د. إبراهيم عوض






تعرف "موسوعة الإنكاراتا" الإنجليزية (ط 2006م) قصة الحيوان في المادة المخصصة لها بعنوان "eAnimal Tal" على النحو التالي:
"Animal Tale: a folek tale or muthe in which animals are featuted prominently، either as the main characters or as important particaipants in the unfolding of a narratve"، وهو ما يعني أن قصص الحيوانات هي حكايات أو أساطير شعبية تحتل فيها الحيوانات مقدمة الصورة بوصفها أشخاصًا رئيسيين أو مشاركين مهمين في تطور الأحداث،وتعد قصة الحيوان لونًا من القصص الرمزي يتضمن معاني أخلاقية أو دينية،وتُلقي مادة "les animaux imagimaires" في النسخة الفرنسية من "موسوعة الإنكارتا الشبابية" (ط2009م) الضوء على تلك النقطة فتقول: إن الأساطير والحكايات والخرافات في كل بلاد العالم وفي كل العصور تمتلئ بالكائنات العجيبة ذات الأشكال الغريبة أو القدرات السحرية،وتعج بعض الحكايات التي من هذا النوع بحيوانات من كل صنف: بعضها متوحش، وبعضها مسالم، وبعضها معادٍ للإنسان، وبعضها خادم له، وكثير منها قد أبدعته الروايات لشرح بعض الظواهر المرعبة، أو التي لا يستطاع تعليلها تعليلًا علميًّا،كذلك فكثير من حيوانات تلك الحكايات تجسد جوانب من الشخصية الإنسانية، وبعضها يرتبط بدورات الطبيعة...إلخ.

ومن أشهر القصص الحيوانية الحكايات المنسوبة إلى إيسوب الكاتب الإغريقي القديم الذي عاش قبل الميلاد بعدة قرون، وإن قال بعض الدارسين: إنه ليس له وجود حقيقي،وهو ذو أصول إثيوبية مثلما أن كلمة "إيسوب: AesoP" هي نفسها إثيوبية الأصل،وتمتاز شخصية الرجل بما لها من سرعة بديهة، وقدرة عقلية فذة، وحكمة تنساب على لسانها،ولإيسوب (أو "يعسوب" كما يقول بعض الباحثين العرب) مجموعة من القصص تنسب إليه،وهي، مثلها مثل كافة الحكايات المروية على لسان الحيوان، تقدم نصيحة أخلاقية مفيدة،كما أن معظم الشخصيات فيها هي لحيوانات تتكلم وتتصرف كالبشر، وتوضح فضائل الطبيعة البشرية ومساوئها بطريقة مبسطة فَكِهة،وتنتهي كل حكاية بمثَل يلخص مغزاها الأخلاقي.

وقد زُوِّدت حكايات يعسوب بتعبيرات شهيرة كثيرة،وعلى سبيل المثال فإن العدو الذي يتظاهر بأنه صديق يسمى: ذئبًا في ثياب حَمَل،وقد نشأ هذا التعبير من قصة يتنكر فيها ذئب في جلد حَمَل، ثم يتحرك وسط قطيع من الخراف دون أن يكتشف أحد حقيقته، ويقتلها ويأكلها، ولسنين كثيرة كانت حكايات يعسوب تروى بالتواتر من جيل لآخر، وفي حوالي عام 300 ق.م قام سياسي أثيني اسمه ديميتريوس فاليريوس بجمع نحو المائتين منها في مجموعة أسماها: "تجميعات حكايات يعسوب"، وقد ترجم هذه المجموعة إلى اللاتينية بعد حوالي 300 سنة عبد إغريقي عتيق يسمى: فيدروس، وفي نحو عام 230م قام الكاتب الإغريقي فاليروس بايريوس بضم حكايات يعسوب إلى بعض الحكايات الهندية، ثم نظمها شعرًا، ومنذ ذلك الحين أعاد كتاب آخرون رواية الحكايات، وزادوا في معانيها، إلا أن الحكايات لم تفقد مطلقًا بساطتها وجاذبيتها الأصليتين،وكان صاحبها يرغب في أن يعلم قراءه شيئًا عن طبيعة الإنسان، ولعل من أشهرها قصة "الثعلب وعناقيد العنب"، التي تتلخص في أن ثعلبًا أراد الحصول على عنقود من العنب متدلٍّ فوق رأسه، فحاول يائسًا الوصول إليه، لكنه لم يتمكن من ذلك، مما اضطره في النهاية إلى أن يتخلى عن رغبته قائلًا: إن العنب حامض، والمعنى الرمزي لتلك القصة هو أن الناس قد يتظاهرون بأن الأشياء التي لا يمكنهم الحصول عليها ليست بذات قيمة، ومن ثم لا يبالون بها أو بتملُّكها.

ومن قصص إيسوب التي وصلتنا القصص التالية:
كان الثعلب يتضور جوعًا، ويبحث عن أي شيء يسد رمقه عندما رأى تجويفا كبيرًا في شجرة بها وجبة طعام تركها الرعاة ليتناولوها بعد القيلولة، فأكلها،وعندما امتلأت معدته بالطعام انتفخ بطنه، فلم يستطع أن يخرج من الفجوة، فأخذ يصيح،وسمع صياحه ثعلب آخر، فسأله عما حدث،وعندما روى له القصة كان رده: ابقَ حيث أنت حتى تجوع وتعود المعدة إلى وضعها الأول، وعندئذ تستطيع الخروج بسهولة.

اعتقد الذئب أنه لو تخفى لاستطاع الحصول على صيد وفير، فوضع على جسمه جلد غنم ليخدع الراعي، ولحق بالقطيع في أرض معشوشبة دون أن يكشف أحد أمره، وعندما هبط الليل أغلق عليه الراعي الحظيرة مع الغنم، ولما شعر الراعي بالجوع استَلَّ سكينه، وراع يذبح أحد حيواناته ليعد طعام العَشاء، وكان هذا الحيوان هو الذئب.

جلس الدب تحت شجرة يشحذ أسنانه، فسأله الثعلب: لماذا تجعل أنيابك حادة على هذا النحو إذا لم يكن هناك صياد يتعقبك ولا خطر يتهددك؟ فأجاب الدب: عندي مبرر هام لذلك، هو أنه إذا ما تهددني الخطر، فلن يكون عندي الوقت لشحذها، بل عليها أن تكون مستعدة من فورها للعمل.

جرى الفأر مسرعًا فوق جسم الأسد وهو نائم، فهب من نومه غاضبًا، وأمسك به يريد أن يلتهمه،غير أن الفأر توسل إليه أن يتركه، واعدًا أن يرد الجميل يومًا ما، فضحك الأسد من وعده وتركه لحال سبيله،ومرت الأيام إلى أن جاء يوم وقع فيه الأسد في حبائل الصيادين الذين ربطوه بالحبال إلى شجرة وذهبوا لتناول الطعام، وسمع الفأر زمجرة الأسد، فذهب إليه مسرعًا وراح يقرض الحبل بأسنانه وهو يقول: لقد سخِرتَ مني ذلك اليوم عندما وعدتك برد الجميل؛ لأنك لم تتوقع أن أرد لك كرمك، وها أنذا أفعل الآن،ولعلك تدرك أن الفئران أيضًا تقدر على رد الجميل.

شد انتباهَ الأسد ما يحدثه نقيق الضفدعة، وقد ظنه في البداية يصدر عن حيوان كبير الحجم، وبعد أن انتظر لحظة شاهد الضفدعة تخرج من البركة، فجرى إليها ووضع قدمه فوقها لسحقها وهو يقول: عجبًا! كائن في مثل حجمك هذا الضئيل يصدر هذا الصوت العظيم؟

دعا فأر من الريف فأرًا صديقًا يعيش في المدينة لطعام العَشاء،وعنما حضر الصديق قدم له فأر الريف طعامًا كان يتألف من الشعير والقمح فقط، فقال فأر المدينة لصديقه: دعني أقول لك شيئًا، وأرجو ألا تغضب، أنت تعيش يا صديقي مثل النملة، أما نحن في المدينة فلدينا وفرة في الطعام من الأشياء الطيبة، ولو قبلت دعوتي إلى زيارة المدينة فسوف تشارك في تلك الوفرة،وعلى الفور سافر الاثنان إلى المدينة، وعندما قدَّم فأر المدينة لصديقه البازلاء والفول والخبز والبلح والعسل والجبن والفاكهة أصيب فأر الريف بالذهول، وهنأ زمليه من صميم قلبه، ولعن حظه العاثر! وكانا على وشك البدء في تناول وجبة الطعام الشهية عندما انفتح الباب فجأة ودخل شخص،وهنا قفز المخلوقان الجبانان مرتاعين من الصوت وفرا مذعورين إلى الشقوق،ثم حين عادا وحاولا أن يتناولا بعض التين الجاف رأيَا شخصًا آخر يدخل الغرفة كي يأخذ شيئًا، فقفزا إلى الجُحر من جديد،فقال فأر الريف: أنا لا أبالي أن أموت جوعًا،وداعًا يا صديقي، هنيئًا لك ما أنت فيه من رغَد وشِبع، لكن ذلك يكلفك كثيرًا؛ إذ إنك تعيش دائمًا في رعب، وعلى حافَة الخطر! أما أنا فأفضل أن أتناول وجباتي الفقيرة من القمح والشعير دون خوف أو إحساس بالحذر طول الوقت.

في يوم من أيام الشتاء وجد الفلاح أفعى تكاد أن تتجمد من البرد، فتحرك قلبه شفقة عليها، والتقطها ووضعها في صدره، لكن مع الدفء عادت إلى الأفعى غريزتها الطبيعية، فلدغت الرجل الطيب الذي أحسن إليها لدغةً قاتلة، فقال وهو يُحتَضَر: لقد نلتُ ما أستحق لأنني قد أخذتني الشفقة بمخلوق شرير.

هذا، وقد وضعت كل الشعوب القديمة تقريبًا حكايات شعبية أبطالها شخصيات حيوانية ذات صفات آدمية: فصور الثعلب مثلًا على أنه ماكر، والبومة على أنها عاقلة في بعض الثقافات، ونذير شؤم في ثقافات أخرى...وهكذا، وبمرور الوقت بدأ الناس يحكون الحكايات لتعليم الأخلاق الحميدة، وتنسب معظم الحكايات اليونانية إلى يعسوب، الذي اكتسب شهرته من قدرته على قص هذه الحكايات الممتلئة حكمة وذكاء وفكاهة على لسان الحيوانات، ومن المحتمل أن الحكايات المعروفة باسم "حكايات يعسوب" قد جاءت من عدة مصادر قديمة كالهند.

وقد تأثرت حكايات الشعب الهندي باعتقادهم في أن بني البشر يولدون مرة ثانية بعد الموت على هيئة حيوانات،وألَّف رواة القصص الهنود حكايات كثيرة عن مثل هذا البعث أو الميلاد الجديد، واستخدموه لتلقين مختلف الدروس الأخلاقية،كما وصلت بعض هذه القصص إلى الغرب في بداية التاريخ الميلادي، وتم ضمها إلى المجموعات الأولى لـ: "حكايات يعسوب"، وخلال القرن الثالث ق.م أو بعده جمع الهنود أفضل حكاياتهم في عمل يسمى: "بانتشاتانترا"،وعبر القرون أعاد كثير من الكتاب رواية الحكايات الخرافية القديمة، وفي الثقافة العربية الكثير من الخرافات التي قد تعود إلى أصل محلي أو جاءت من ثقافات أخرى، كما في كتاب "كليلة ودمنة" لابن المقفع (انظر مثلًا د. نفوسة زكريا في كتابها: "خرافات لافنتين في الأدب العربي" (دار المعرفة الجامعية/ 8 وما بعدها).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 08-10-2022 الساعة 06:00 PM.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18-09-2022, 06:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قصص الحيوان في أدبنا والآداب الأخرى

قصص الحيوان في أدبنا والآداب الأخرى (2)


د. إبراهيم عوض





ترك كتاب "كليلة ودمنة" بصماته على كثير من الأعمال الأدبية العالمية، وكانت النسخة العربية التي ترجمها ابن المقفع (ت 142هـ/ 759م) مثار دراسات وأخذ ورد،والمعروف أن النص العربي للكتاب قد ترجم إلى السريانية الحديثة، والإنجليزية، والفارسية الأولى ثم الثانية، والفارسية الهندية، والتركية، واليونانية، والإيطالية، والعبرية، واللاتينية الوسطى، ثم اللاتينية القديمة، والإسبانية القديمة،أما الترجمات الأوروبية الأخرى، فأكثرها مترجم عن لغات وسيطة مأخوذة عن النص العربي مباشرة.

ويقال في أصل ذلك الكتاب:
إن العالم الفارسي برزويه كان مولعًا بالحكمة والعلم، وكان مقربًا من كسرى أنوشروان، فقرأ في كتاب الهنود أن لديهم نباتًا ينثر على الميت فيتكلم في الحال، فارتحل إلى الهند بتشجيع من كسرى، وظل يبحث ويتقصى إلى أن عرف أن النبات المقصود هو رمز لكتاب "كليلة ودمنة" الموجود لدى الراجا حاكم الهند،وقيل: إن هذا الكتاب كان متوارثًا عند الحاكم لا يسمح لأحد باستنساخه، إلا أن برزويه بعلمه وحكمته وحسن خُلقه استطاع الاطلاع على النسخة الهندية، وكان يرسل إلى كسرى أنوشروان ما يحفظه منها تباعًا،وتولى بزرجمهر كتابة ما يصل من برزويه، ثم صدر الكتاب بعد ذلك.

ويدور الكتاب حول قصص يرويها الفيلسوف بيديا للملك دبشليم،واطلع ابن المقفع على النسخة الفارسية، وكان لها أثر بالغ في نفسه وتفكيره وثقافته،وكانت الظروف الاجتماعية والسياسية التي تحيط بالفيلسوف الهندي بيدبا في علاقته بالملك دبشليم تشابه ما كان فيه ابن المقفع مع الخليفة المنصور، الذي كان بحاجة إلى النصح غير المباشر؛ لِما عرف عنه من قوة البأس والبطش بكل من يخرج عن طاعته؛ لذا اتسمت ترجمة ابن المقفع للكتاب بخصوصية ظرفها الزماني والمكاني، فأضاف بعض القصص من نسج تأليفه، وعدل بعضها، وأكسب المترجَمَ منها روحًا جديدة من خلال أسلوبه الشائق وعرضه الرائع.

ويتناول الكتاب، كما هو معروف، قصصًا تجري على لسان الحيوان في الظاهر لتصل إلى أهداف أخرى أخلاقية وإصلاحية لشؤون المجتمع والسياسة؛ فالحيوان في "كليلة ودمنة" أداة توظف لغاية قصدها الكاتب،وقد يتحقق هدف الكاتب بعرض الحكمة مباشرة أو من خلال الفكاهة التي تظهر في قيام الحيوان بالدور الإنساني تصرفًا أو كلامًا،قال ابن المقفع: "وأما الكتاب فجمع حكمة ولهوًا، فاختاره الحكماء لحكمته، والسفهاء للهوه،والمتعلم من الأحداث ناشط في حفظ ما صار إليه من أمر يربط في صدره، ولا يدري ما هو"،وقد صرح ابن المقفع أكثر من مرة أن للكتاب غرضًا ظاهريًّا، وآخر باطنيًّا، فقال: "وكذلك من قرأ هذا الكتاب ولم يفهم ما فيه ولم يعلم غرضه ظاهرًا أو باطنًا لم ينتفع بما بدا له من خطه ونقشه".

ويقوم الكتاب على حكاية مثل يسأل الملك دبشليم الفيلسوف بيدبا عنه، فيسوق له الأخير قصة هذا المثل،وتأخذ تلك القصص شكلًا خرافيًّا على ألسنة الحيوانات تطول وتتسع لتضم في جوانبها قصصًا أخرى متداخلة، إلى أن تصل في النهاية إلى حلقة متشابكة من القصص يفضي بعضها إلى بعض، مشيدة بذلك عالمًا من الحكم والتجارِب ينهل منها القارئ بشغف في كل قراءة جديدة للكتاب، منبهرًا برشاقة الأسلوب وعمق الفكرة.

وقد تناول د. عمر فروخ في المجلد الثاني من كتابه "تاريخ الأدب العربي" (ط4/ دار العلم للملايين/ 1401هـ -1981م/ 54 - 55) النظريات التي تتعلق بكيفية تأليف ذلك الكتاب فقال: إن هناك من يقول: إن الكتاب هندي الأصل ترجم إلى اللغة الفهلوية (الفارسية القديمة)، التي نقله عنها ابن المقفع إلى العربية، وعلى العكس من ذلك يؤكد أن الكتاب غير معروف في الآداب القديمة، وما الشخصيات التي تظهر فيه إلا اختراعات لا علاقة لها بالهند، فضلًا عن أن ما يتضمنه الكتاب من آيات وأحاديث يدل على نشأته العربية الإسلامية، وإن دفعت الظروف ابن المقفع، خوفًا من بطش المنصور، إلى الادعاء بأنه إنما ترجمه عن الفهلوية،لكن هناك نظرية ثالثة تقوم على أن القصص الواردة في الكتاب معروفة بأعيانها أو أشباهها عند الإغريق والفرس والهنود واليابانيين، وأن ابن المقفع قد استقاها من الفرس والهنود وتصرف فيها بما أضفى عليها طابعًا عربيًّا؛ فالكتاب إذًا ليس ترجمة صرفًا ولا تأليفًا محضًا.

وهذا مثال من كتاب "كليلة ودمنة"، وهو الحكاية المسماة: "القرد والغيلم"، وتجري على النحو التالي: "قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف: اضرب لي مثل الرجل الذي يطلب الحاجة، فإذا ظفر بها أضاعها،قال الفيلسوف: إن طلب الحاجة أهون من الاحتفاظ بها، ومن ظفر بحاجة ثم لم يحسن القيام بها أصابه ما أصاب الغيلم،قال الملك: وكيف ذلك؟ قال بيدبا: زعموا أن قردًا يقال له: "ماهر" كان ملك القردة، وكان قد كبر وهرم، فوثب عليه قرد شاب من بيت المملكة فتغلب عليه وأخذ مكانه، فخرج هاربًا على وجهه حتى انتهى إلى الساحل، فوجد شجرة من شجر التين فارتقى إليها وجعلها مقامه،فبينما هو ذات يوم يأكل من ذلك التين إذ سقطت من يده تينة في الماء، فسمع لها صوتًا وإيقاعًا، فجعل يأكل ويرمي في الماء، فأطربه ذلك،فأكثر من طرح التين في الماء، وثم غيلم كلما وقعت تينة أكلها،فلما كثر ذلك ظن أن القرد إنما يفعل ذلك لأجله فرغب في مصادقته، وأنس إليه وكلمه، وألف كل واحد منهما صاحبه،وطالت غيبة الغيلم عن زوجته، فجزعت عليه وشكَتْ ذلك إلى جارة لها وقالت: قد خِفت أن يكون قد عرض له عارض سوء فاغتاله،فقالت لها: إن زوجك بالساحل قد ألف قردًا وألفه القرد، فهو مؤاكله ومشاربه، وهو الذي قطعه عنك، ولا يقدر أن يقيم عندك حتى تحتالي لهلاك القرد،قالت: وكيف أصنع؟ قالت لها جارتها: إذا وصل إليك فتمارضي، فإذا سألك عن حالك فقولي: إن الحكماء وصفوا لي قلب قرد.

ثم إن الغيلم انطلق بعد مدة إلى منزله فوجد زوجته سيئة الحال مهمومة، فقال لها الغيلم: ما لي أراك هكذا؟ فأجابته جارتها وقالت: إن زوجتك مريضة مسكينة،وقد وصف لها الأطباء قلب قرد، وليس لها دواء سواه،قال الغيلم: هذا أمر عسير،من أين لنا قلب قرد، ونحن في الماء؟ لكن سأحتال لصديقي،ثم انطلق إلى ساحل البحر، فقال له القرد: يا أخي، ما حبسك عني؟ قال الغيلم: ما حبسني إلا حيائي، فلم أعرف كيف أجازيك على إحسانك إلي؟ وأريد أن تتم إحسانك إلي بزيارتك لي في منزلي، فإني ساكن في جزيرة طيبة الفاكهة،فركب ظَهْر الغيلم، فسبح به حتى إذا سبح به عرض له قبح ما أضمر في نفسه من الغدر، فنكس رأسه، فقال له القرد: ما لي أراك مهتمًا؟ قال الغيلم: إنما همي لأني ذكرت أن زوجتي شديدة المرض،وذلك يمنعني من كثير مما أريد أن أبلغه من حرص على كرامتك وملاطفتك،قال القرد: إن الذي أعرف من حرصك على كرامتي يكفيك مؤونة التكليف،قال الغيلم: أجل،ومضى بالقرد ساعة، ثم توقف به ثانية، فساء ظن القرد وقال في نفسه: ما احتباس الغيلم وإبطاؤه إلا لأمر، ولست آمنًا أن يكون قلبه قد تغير لي وحال عن مودتي، فأراد بي سوءًا، فإنه لا شيء أخف وأسرع تقلبًا من القلب،وقد يقال: ينبغي للعاقل ألا يغفل عن التماس ما في نفس أهله وولده وإخوانه وصديقه عند كل أمر، وفي كل لحظة وكلمة، وعند القيام والقعود،وعلى كل حال فإن ذلك كله يشهد على ما في القلوب،وقد قالت العلماء: إذا دخل قلب الصديق من صديقه ريبة فليأخذ بالحزم في الحفظ منه، وليتفقد ذلك في لحظاته وحالاته، فإن كان ما يظن حقًّا ظفر بالسلامة، وإن كان باطلًا ظفر بالحزم، ولم يضره ذلك،ثم قال للغيلم: ما الذي يحبسك؟ وما لي أراك مهتمًّا كأنك تحدث نفسك مرة أخرى؟ قال: يهمني أنك تأتي منزلي فلا تجد أمري كما أحب؛ لأن زوجتي مريضة،قال القرد: لا تهتم؛ فإن الهم لا يغني عنك شيئًا،ولكن التمس ما يصلح زوجتك من الأدوية والأغذية، فإنه يقال: ليبذل ذو المال ماله في أربعة مواضع: في الصدقة، وفي الحاجة، وعلى البنين، وعلى الأزواج،قال الغيلم: صدقت، وقد قال الأطباء: إنه لا دواء لها إلا قلب قرد،فقال القرد: واأسفاه! لقد أدركني الحرص والشره على كبر سني حتى وقعت في شر ورطة،ولقد صدق الذي قال: يعيش القانع الراضي مستريحًا مطمئنًّا، وذو الحرص والشره يعيش ما عاش في تعب ونصب،وإني قد احتجت الآن إلى عقلي في التماس المخرج مما وقعت فيه،ثم قال للغيلم: وما منعك أن تعلمني عند منزلي حتى كنت أحمل قلبي معي؟ فهذه سنة فينا معاشر القردة، إذا خرج أحد لزيارة صديق خلف قلبه عند أهله أو في موضعه للنظر إذا نظرنا إلى حرم المزور، وليس قلوبنا معنا،قال الغيلم: وأين قلبك الآن؟ قال: خلفته في الشجرة،فإن شئت فارجع بي إلى الشجرة حتى آتيك به،ففرح الغيلم بذلك وقال: لقد وافقني صاحبي بدون أن أغدر به،ثم رجع بالقرد إلى مكانه،فلما أبطأ على الغيلم ناداه: يا خليلي، احمل قلبك وانزل، فقد حبستني،فقال القرد: هيهات! أتظن أني كالحمار الذي زعم ابن آوى أنه لم يكن له قلب ولا أذنان؟ قال الغيلم: وكيف ذلك؟ قال القرد: زعموا أنه كان أسد في أجمة، وكان معه ابن آوى يأكل من فواضل طعامه، فأصاب الأسدَ جربٌ وضعف شديد، فلم يستطع الصيد، فقال له ابن آوى: ما بالك، يا سيد السباع، قد تغيرت أحوالك؟ قال: هذا الجرب الذي قد أجهدني، وليس له دواء إلا قلب حمار وأذناه،قال ابن آوى: ما أيسر هذا! وقد عرفت بمكان كذا حمارًا مع قصار يحمل عليه ثيابه، وأنا آتيك به،ثم دلف إلى الحمار فأتاه وسلم عليه فقال له: ما لي أراك مهزولًا؟ قال: ما يطعمني صاحبي شيئًا،فقال له: وكيف ترضى المقام معه على هذا؟ قال: فما لي حيلة في الهرب منه،لست أتوجه إلى جهة إلا أضر بي إنسان فكدني وأجاعني،قال ابن آوى: فأنا أدلك على مكان معزول عن الناس لا يمر به إنسان، خصيب المرعى، فيه قطيع من الحمر لم ترَ عين مثلها حسنًا وسمنًا،قال الحمار: وما يحبسنا عنها؟ فانطلق بنا إليها،فانطلق به ابن آوى نحو الأسد، وتقدم ابن آوى ودخل الغابة على الأسد، فأخبره بمكان الحمار فخرج إليه وأراد أن يثب عليه، فلم يستطِعْ لضعفه،وتخلص الحمار منه فأفلت هلعًا على وجهه،فلما رأى ابن آوى أن الأسد لم يقدر على الحمار قال له: أعجزت يا سيد السباع إلى هذه الغاية؟ فقال له: إن جئتني به مرة أخرى فلن ينجو مني أبدًا،فمضى ابن آوى إلى الحمار فقال له: ما الذي جرى عليك؟ إن أحد الحمر رآك غريبًا، فخرج يتلقاك مرحبًا بك،ولو ثبت له لآنسك ومضى بك إلى أصحابه،فلما سمع الحمار كلام ابن آوى، ولم يكن رأى أسدًا قط، فصدقه وأخذ طريقه إلى الأسد وأعلمه بمكانه وقال له: استعد له، فقد خدعته لك،فلا يدركنك الضعف في هذه النوبة،إن أفلت فلن يعود معي أبدًا،فجأش جأش الأسد لتحريض ابن آوى له، وخرج إلى موضع الحمار،فلما بصر به عاجله بوثبة افترسه بها،ثم قال: قد ذكر الأطباء أنه لا يؤكل إلا بعد الغسل والطهور،فاحتفظ به حتى أعود فآكل قلبه وأذنيه، وأترك ما سوى ذلك قوتًا لك،فلما ذهب الأسد ليغتسل عمد ابن آوى إلى الحمار فأكل قلبه وأذنيه رجاء أن يتطير الأسد منه، فلا يأكل منه شيئًا،فقال الأسد لابن آوى: أين قلب الحمار وأذناه؟ قال ابن آوى: ألم تعلم أنه لو كان له قلب يفقه به، وأذنان يسمع بهما، لم يرجع إليك بعدما أفلت ونجا من الهلكة؟ وإنما ضربت لك هذا المثل لتعلم أني لست كذلك الحمار الذي زعم ابن آوى أنه لم يكن له قلب وأذنان، ولكنك احتلت علي وخدعتني، فخدعتك بمثل خديعتك، واستدركت فارط أمري،وقد قيل: إن الذي يفسده الحِلم لا يصلحه إلا العلم،قال الغيلم: صدقت، إلا أن الرجل الصالح يعترف بزلته، وإذا أذنب ذنبًا لم يستح أن يؤدب لصدقه في قوله وفعله،وإن وقع في ورطة أمكنه التخلص منها بحيلته وعقله كالرجل الذي يعثر على الأرض، ثم ينهض عليها معتمدًا،فهذا مثل الرجل الذي يطلب الحاجة، فإذا ظفر بها أضاعها".

وقد نقل أبان بن عبدالحميد الشاعر العباسي للبرامكة كتاب "كليلة ودمنة" وجعله شعرًا ليسهل حفظه عليهم، وهو معروف، أوله:
هذا كتاب أدب ومِحنه
وهو الذي يدعى كليله ودمنه

فيه احتيالات وفيه رشد
وهو كتاب وضعته الهند


ويقع في أربعة عشر ألف بيت، وانتهى منه في ثلاثة أشهر، فأعطاه يحيى بن خالد عشرة آلاف دينار، وأعطاه الفضل خمسة آلاف، ولم يعطه جعفر شيئًا، وقال: ألا يكفيك أن أحفظه فأكون راويتك؟ (يرجع إلى كتابي "الأغاني" للأصفهاني، و"الكشكول" لبهاء الدين العاملي).

أما ابن المعتز فيقول في كتابه:
"طبقات الشعراء": إنه نظمه في أكثر من خمسة آلاف بيت في أربعة أشهر،وهذه عبارته نصًّا: "هو صاحب البرامكة وشاعرهم وصاحب جوائزهم للشعراء، وهو يستخرجها لهم ويفرقها عليهم، وهو الذي نقل كليلة ودمنة شعرًا بتلك الألفاظ الحسنة العجيبة، وهي هذه المزدوجة التي في أيدي الناس،وكان الذي استدعى ذلك وأراده يحيى بن خالد بن برمك،وكان قد اختار أبا نواس، فصار إليه أبان اللاحقي، فقال كالمنتصح: أنت رجل مغرم بهذا الشراب لا تصبر عنه وعن الاجتماع مع إخوانك عليه، وهو لذتك من الدنيا ومتعتك،وهذا الكتاب مشهور، ولم ينتقل إلى هذا الوقت من المنثور إلى الشعر،وإذا فعل ذلك تداوله الناس وطلبوه ونظروا فيه،فإن أنت توليته مع تشاغلك بلهوك ولذتك لم يتوفر عليه فكرك وخاطرك، ولم يخرج بالغًا في الجودة والحسن، وإن توفرت عليه واهتممت به قطعك ذلك عن لهوك ولذتك ومتعتك،فلا تقدم عليه إلا بعد إنعام النظر في أمرك،فظن أبو نواس أنه قد نصح له، واستقال الأمر فيه، فاستعفى عنه، وتخلى به اللاحقي، ولزم بيته لا يخرج حتى فرغ منه في أربعة أشهر،وهي قريبة من خمسة آلاف بيت،لم يقدر أحد من الناس أن يتعلق عليه بخطأ في نقله ولا أن يقول: ترك من لفظ الكتاب أو معناه،ثم حمله إلى يحيى بن خالد، فسر به سرورًا عظيمًا، وأعطاه على ذلك مائة ألف درهم"،ولابن الهبارية أيضًا "تاريخ الفطنة في نظم كليلة ودمنة".

وعن أثر "كليلة ودمنة" في الأدب العربي والآداب العالمية تقول د. نفوسة زكريا، في كتابها: "خرافات لافونتين في الأدب العربي" (ص15 - 17)، إن المسلمين لم يجدوا فيه ما يصطدم بشعورهم الديني؛ إذ عرفوا كلام الطير مع سليمان عليه السلام في القرآن الكريم، ومن ثم تقبله العرب تقبلًا حسنًا،ثم لم تقف شهرته عند العرب وحدهم، بل امتدت شرقًا وغربًا حتى صار بعد ضياع الأصل الهندي والترجمة الفارسية هو الأصل الذي ترجمت عنه لغات العالم،بل إن الفرس أنفسهم قد ترجموا هذا الأصل العربي إلى لغتهم عدة مرات، ومنها ترجمة حسين واعظ كاشي المعروفة بـ: "أنوار سهيلي" التي تمت في القرن الخامس عشر الميلادي والتي ترجمها بدوره إلى الفرنسية ساهد الأصفهاني بعنوان "كتاب الأنوار أو أخلاق الملوك" سنة 1644م في عصر لافونتين، الذي من الممكن أن يكون قد اطلع عليها وتأثر بها، وبخاصة أنه، في مقدمة المجموعة الثانية من خرافاته، يقر بمعرفته ببيدبا الحكيم الهندي المذكور في كل حكاية من حكايات ذلك الكتاب، وباتخاذه مصدرًا لخرافاته،وتشير د. نفوسة إلى انتعاش قصص الحيوان نثرًا وشعرًا في الأدب العربي بسبب من كتاب "كلية ودمنة"، كما هو الحال في نظم أبان اللاحقي لهذا الكتاب في أربعة عشر ألف بيت لم يبقَ منها إلا بضع عشرات ليس إلا، وكذلك نظم على ابن داود وبشر بن المعتمر وأبي المكارم أسعد بن خاطر، وإن كان هذا كله قد ضاع، كذلك نظمه ابن الهبارية في القرن السادس الهجري في كتاب سماه: "نتائج الفطنة في نظم كليلة ودمنة"، وابن مماتي المصري في القرن الذي بعده، وعبدالمؤمن بن الحسن الصاغاني في كتاب عنوانه: "درر الحكم في أمثال الهنود والعجم"، وجلال الدين النقاش في القرن التاسع، إلى جانب قصص الحيوان المؤلفة مثل "ثعلة وعفراء" لسهل بن هارون، و"الصادح والباغم" لابن الهبارية، و"سلوان المطاع في عدوان الطباع" لابن ظفر، و"فاكهة الخلفاء، نهاية القرن التاسع عشر، الذي سبق شوقي في هذا المضمار، رغم ما يقوله مؤرخو الأدب العربي من أن أمير الشعراء إنما نحا ذلك المنحى تأثرًا بالشاعر الفرنسي لافونتين بناءً على ما كتبه هو نفسه في هذا السبيل، وإن لم يمنع هذا أن يكون قد اطلع على ذلك التراث الأدبي عند العرب قديمًا وحديثًا إلى جانب لافونتين، الذي كان له الأثر الأقوى عليه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 08-10-2022 الساعة 06:01 PM.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18-09-2022, 06:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قصص الحيوان في أدبنا والآداب الأخرى

قصص الحيوان في أدبنا والآداب الأخرى (3)
د. إبراهيم عوض





لافونتين (1621 - 1695م) هو أشهر كاتب قصص خرافية في تاريخ الأدب الفرنسي، ويقول فلوبير: إنه الشاعر الفرنسي الوحيد الذي استطاع أن يفهم تراكيب اللغة الفرنسية ويتمكن من استخدامها قبل عصر هوجو، وقد خلف وراءه شعرًا قصصيًّا يدور حول الحيوانات التي كان يحبها ويحب مراقبتها والقرب منها في الغابات الملكية التي كان أبوه يشرف عليها بمقاطعة شاتو تييري في جو شاعري حالم،ولم يكن لافونتين بطبيعة الحال مخترع فن الخرافة، بل استفاد من كل من سبقه، أمثال: إيسوب الإغريقي، وفيدر اللاتيني، وبلبى (بيديا) الهندي، ومارو ورابيليه الفرنسيين، وغيرهم من مبدعي القصص الخرافية في الشرق والغرب على السواء، فأبدع خرافاته الخاصة، باثًّا فيها طابعه الفني وعاطفته القوية ونكتته الرفيعة وسخريته اللطيفة وملاحظته الدقيقة وقدرته على الغوص إلى أغوار النفوس وإحساسه بالواقع، متناولًا الملوك والسادة ورجال الدين والعلماء والفلاحين بطبائعهم المختلفة من تكبر وجبن واستغلال وسذاجة، عارضًا كل ذلك خلف ستار من الرموز الحيوانية والنباتية والجمادية والبشرية، مع الغلبة للحيوانات، مختارًا لكل رمز الحيوان الذي يناسبه: فالأسد الملك، والثعلب لرجل الحاشية، والدب للفلاح...وهلم جرًّا، منوعًا في الأوزان والقوافي حسب الموضوع الذي يتناوله، مصطنعًا لكل أصحاب حرفة لهجتهم التي يتميزون بها (انظر د. نفوسة زكريا/ المرجع السابق/ 34 فصاعدًا).

وكان للافونتين تأثيره على بعض الشعراء العرب في العصر الحديث؛ كمحمد عثمان جلال وأحمد شوقي المصريين، وكلاهما درس الأدب الفرنسي وقرأ لافونتين في لغته الأصلية وأعجب به ونسج على منواله، وجلال هو أول من نقل خرافات لافونتين إلى العربية، إلى جانب بعض المترجمات العلمية والأدبية، ومنها عدد من المسرحيات الفرنسية، وقد عنون الكتاب الذي أودعه ترجمته لتلك الخرافات باسم "العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ"، وقال: إن له سوابق في الأدب العربي القديم مثل كتاب "الصادح والباغم" وكتاب "فاكهة الخلفاء" وغيرهما، وإنه يريد أن يستبدل القراء مطالعته بقصص أبي زيد الهلالي وعنترة والظاهر بيبرس وذات الهمة، ورغم هذا فقد استقبلن هذه الأشعار بالنفور والتهكم، وإن لم يَثنه ذلك عن المضي في خطته، وطبع الكتاب على نفقته، وتكلفه في طباعته المال الكثير، وفي ذلك يقول:
يقولون ما هذا الكتاب وما به؟
أكاذيب أقوال البهائم في قبح

وقد زعموا أن البلاغة لم تكن
بأحسن مما قيل في القد والرمح

وتشبيه لون الخد بالورد واللظى
وتمثيل نور الوجه إن لاح بالصبح

وما علموا أن الغراب وثعلبًا
حديث النهى فيه وداعية النصح

وقولي صرار حكى مع نميلة
فقصدي به التفريط يذهب بالربح

ولصَّان في جحش صغير تشاجرا
فذلك كم شاهدته في بني الفلح

وقصة طاعون الوحوش رأيتها
كثيرًا وكم من طعنها أوسعَتْ جرحي

فيا قارئًا إن كنت بالقول ساخرًا
ولم تدرِ شيئًا فالتعرض كالنبح

وإن كنت تدري أنما بك جنة
ترجَّح حب الحرب فيك على الصلح

فما أنت إلا في الحقيقة جاهل
وما لكلام قلت فيَّ سوى الطرح


والغريب أن جلال لم يشر في كتابه: "العيون اليواقظ" إلى لافونتين من قريب أو بعيد، لا في الأشعار التي نظمها ولا في المقدمة النقدية التي صدر كتابه بها رغم تأثره الواضح بالشاعر الفرنسي، ورغم أن كثيرًا من القصائد التي يحتوي عليها الكتاب مأخوذة من لافونتين بعناوينها وبتفصيلاتها، وإن لم يترجمها ترجمة بل اكتفى بتمصيرها،أما الباقي فمستقى من تراثنا العربي،وتمضي د. نفوسة فتورد بعض أشعار جلال، وتورد إزاءها الأصل اللافونتيني، ثم تقارن بينهما لترى كيف تصرف أديبنا المصري مع الأصل الفرنسي تارة بالتقديم والتأخير، وتارة بالتصرف الواسع، وتارة بالاقتراب الشديد...ومن ذلك المقطوعة اللافونتينية التالية التي تحكى قصة "الثعلب والعنب: Le Renard et les Raisins
Certain renard gascon، d autres
Dissent monrmand.
Mourant Presque de faim، vit au
Haut d une trille
Des raisins murs apparemment.
Et couverts d une peau vermeille.
Le galand en eut fait volontiers
Un repas;
Mais comme il my pouvait point
Atteindre:
IIs sont trop verts، dit - il، et bons
Pour de gougats.
Fit - il pas mieux que de se
Plaindre?

والتي وضعها جلال نصب عينيه حين نظم القصيدة التالية:
حكاية عن ثعلب قد مر تحت العنب
وشاهد العنقود في لون كلون الذهب
وغيره في جنبه أسود مثل الرطب
والجوع قد أودى به بعد أذان المغرب
فهم يبغي أكلة منه ولو بالتعب
عالج ما أمكنه يطلع فوق الخشب
فراح مثلما أتى وجوفه في لهب
وقال: هذا حصرم رأيته في حلب
والفرق عندي بينه وبين تين العلب
فإن هذا أكله يشبه لحم الأرنب
ولحم ذلك مالح كالضرب فوق الركب
قال له القطف: انطلق ثعلب ابن ثعلب
طول لسان في الهوا وقصر في الذنب
(د.نفوسة زكريا/ المرجع السابق/ 42 وما بعدها إلى 63).

ويمكن أن نلاحظ أن شعر جلال أطول من نظيره اللافونتيني وأملأ منه بالتفاصيل؛ إذ هو مثلًا يحدد الوقت الذي رأى فيه الثعلب عنقود العنب بأنه بعد أذان المغرب، فضلًا عن أنه لا يكتفي بوصف لون العنقود الذي رآه أولًا بل يضيف إليه وصف لون عنقود آخر،كما أنه يذكر حلب، التي لم يرد لها بطبيعة الحال ذكر في أبيات الشاعر الفرنسي، وهي لمسة عربية في شعر جلال يقابلها النص في قصيدة لافونتين على أن الثعلب هو من إقليم جسكونيا أو نورماندي الفرنسي، وفوق هذا نرى شاعرنا المصري في نهاية القصيدة يستطرد إلى الكلام عن تين العلب ولحم الأرانب مما لا وجود له في شعر لافونتين،كذلك نلاحظ أن عنقود العنب يتكلم مخاطبًا الثعلب يتهكم به وبثرثرته السخيفة ونفاقه العاجز مما لا نرى مثيله في أبيات لافونتين...وهلم جرًّا.

أما بالنسبة للصلة بين لافونتين وشوقي فقد صرح شوفي نفسه في مقدمة ديوانه (1898م) بمحاكاته للافونتين في نظم ما نظم من خرافات، وبأنه كان كلما أنجز شيئًا من هذا الشعر قرأه على بعض الأطفال كي يتأكد من أن ما يكتبه مشوق لهم، وأنه كان يهدف من ذلك إلى غاية تعليمية،وترى د. نفوسة زكريا أن شوقي كان أصدق من لافونتين في حبه للأطفال؛ إذ لم يكن الشاعر الفرنسي يهتم حتى بطفله الوحيد،إلا أن شوقي لم يبالِ بنشر خرافاته في ديوان مستقل كما فعل لافونتين، بل ضمنها ديوانه: "الشوقيات"، وإن كانت الطبعات التي ظهرت من ديوانه بعد موته قد أهملت تلك الخرافات، إلى أن تدارك هذا النقص محمد سعيد العريان في نشرته لذلك الديوان عام 1943م،وقد عرفت بعض تلك الخرافات طريقها إلى الكتب المدرسية،وتدور الحكايات المنظومة عند شوقي على موضوعات إنسانية عامة، أو موضوعات تتصل بعصره؛ كالأوضاع السياسية والاجتماعية في ذلك الوقت، بالإضافة إلى ما اقتبسه من خرافات لافونتين مع إضفاء شخصيته على تلك المقتبسات؛ إذ وضع فيها لمسات عربية إسلامية،وهناك قصائد خرافية أخرى استلهم فيها أمير الشعراء موضوعات عربية قديمة.

وتتميز الخرافات الشوقية بروح الفكاهة العالية؛ إذ كان يحرص على إمتاع الناشئة بتلك الأشعار، ولم يكن يقصد التوجيه التعليمي فحسب،كما اتسمت تلك الأشعار ببساطة الأسلوب ومناسبتها لعقلية الناشئين، الذين وضعت لتعليمهم وتسليتهم، مع حفاظها على الفصحى، على عكس محمد عثمان جلال، الذي لجأ إلى العامية أحيانًا،وفوق ذلك كان شوقي حريصًا على استخدام الأوزان القصيرة في تلك الأشعار، أما القافية فكانت أحيانًا واحدة على مدار القصيدة كلها، وأحيانًا ما كانت تقوم على الازدواج، وفي كل الأحوال كانت القصيدة الخرافية عنده تهتم باستخلاص الحكمة التي تكمن في القصة كما فعل لافونتين (انظر كتاب د. نفوسة زكريا: "خرافات لافونتين في الأدب العربي"/ 74 فصاعدًا).

وقد أشارت الأستاذة الدكتورة إلى استلهام شوقي قصيدته التي مطلعها: "برز الثلعب يومًا" من قصيدة لافونتين: "Le Cop et le Renard"، مع انطلاق أمير شعراء العرب على سجيته مع ذلك بعيدًا عن مصدر إلهامه،لكنها لم تورد النص اللافونتيني الفرنسي ليكون النصان تحت أعين القارئ فيستطيع الحكم بنفسه على ما تقول،وهأنذا أورد هنا نص كل من القصيدتين:
la branche dun arbre etait en
inelle
ieux coq adroit et natois
ditunrenard
cissant sa voix
ne sommes plus en
Querelle:
Paix generale cette fois.
Je viens te lannoncer; descends.
Que je t embrasse.
Ne me ratarde point، de grace;
Je dois faire aujourd hui vingt
Postes sans manquér.
Les tiens et toi pouvez vaquer
Sans nulle crainte a vos affaires;
Nous vous y serbirons en freres.
Faites - en les feux des ce soir.
Et cependant viens recevoir
Le baiser d amour fraternelle.
- Amo، reprit le coq، je me pouvais jamais
Apprendre une plus douce te meilleur nouvelle
Que celle
De cette paix;
Et ce m est une double joie
De la tenir de toi،Je vois deux
Levriers.
Qui، je Massure، sont courriers
Que pour ce sujet on envoie.
IIs vont vite، et seront dans un moment a nous.
Je descends; nous pourreons nous entre - baiser tous.
- Adieu، dit le Renard، ma traite est longue a faire;
Nous nous rejouitons du success de laffaire
Une autre fois،Le galand aussitot
Tire ses gragues، gagne au haut.
Mal ******* de son stratagem;
Et notre vvieux coq en soi - meme
Se mit a rire de sa peur;
Car c est double plaiser de
Tromper le tronpeur.
برز الثعلب يومًا
في شعار الواعظينا

فمشى في الأرض يهدي
ويسب الماكرينا

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 08-10-2022 الساعة 06:03 PM.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18-09-2022, 06:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قصص الحيوان في أدبنا والآداب الأخرى

ويسب الماكرينا


ويقول: الحمد لل
ه إله العالمينا

يا عباد الله توبوا
فهْو كهف التائبينا

وازهدوا في الطير إن ال
عيش عيش الزاهدينا

واطلبوا الديك يؤذن
لصلاة الصبح فينا

فأتى الديكَ رسولٌ
من إمام الناسكينا

عرض الأمر عليه
وهو يرجو أن يلينا

فأجاب الديك: عذرًا
يا أضل المهتدينا

بلِّغِ الثعلب عني
عن جدودي الصالحينا

عن ذوي التيجان ممن
دخل البطن اللعينا

أنهم قالوا، وخير ال
قول قول العارفينا:

مخطئٌ من ظن يومًا
أن للثعلب دينًا

ونلاحظ للوهلة الأولى أن قصيدة لافونتين أطول من نظيرتها الشوقية،كما أن ثعلبه قد تولى بنفسه مخاطبة الديك عاملًا على خداعه، أما لدى شوقي فقد كان هناك وسيط أرسله الثعلب ليبلغ رسالته إلى الديك،كذلك فإن ديك شوقي كان أكثر وضوحًا من ديك لافونتين؛ إذ فضح خداع الثعلب وشنع به وذكر ضحاياه من آبائه وأجداده، مؤكدًا من ثم أنه لا يمكن أن تجوز عليه حيلة الثعلب، الذي ادعى التقوى والصلاح والنسك وأراد أن يحضر الديك ليؤذن للصلاة فيه وفي أمثاله من الثعالب الماكرة كي يأكله ويغيبه في بطنه كما صنع مع آبائه وأجداده الطيبين، أما ديك لافونتين فقد آثر اللجوء إلى الحيلة بدلًا من التصريح بما في قلبه؛ إذ زعم أن كلبًا من كلاب الصيد يوشك أن يصل، فما كان من الثعلب إلا أن أخذ ذيله في أسنانه وقال: يا فكيك، معتذرًا بأن لديه شغلًا هامًّا لا بد من أدائه الآن، ومن ثم ينبغي تأجيل ما كان قد جاء إلى الديك من أجله، ألا وهو تصفية العداوة التي بين الديكة والثعالب والعمل على نشر السلام بين الطائفتين،ثم إن ديك لافونتين كان واقفًا على غصن شجرة، بينما لم يحدد شوقي المكان الذي كان فيه ديكه،وفوق هذا نجد لافونتين يصف ديكه بالمهارة والمكر، على حين لم يصنع شوقي شيئًا من ذلك تاركًا إيانا نفهم أن ديكه ديك ذكي: ذكي فقط لا ماكر، بالإضافة إلى أنه صريح واضح يكشف عما يدور في عقله دون لف أو دوران، مكتفيًا بأن ينفذ بجلده من الحفرة التي قد حفرها له الثعلب يريد أن يوقعه فيها، بخلاف ديك لافونتين، الذي تعمد تعمدًا خداع الثعلب، ذلك الحيوان المخادع، لتكون فرحته مضاعفة...



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 08-10-2022 الساعة 06:05 PM.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 111.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 108.40 كيلو بايت... تم توفير 3.40 كيلو بايت...بمعدل (3.04%)]