وتدلوا بها إلى الحكام - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الدين والحياة الدكتور أحمد النقيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 56 )           »          فبهداهم اقتده الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 55 )           »          يسن لمن شتم قوله: إني صائم وتأخير سحور وتعجيل فطر على رطب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 24 )           »          رمضان مدرسة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أمور قد تخفى على بعض الناس في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          دروس رمضانية السيد مراد سلامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 343 )           »          جدول لآحلى الأكلات والوصفات على سفرتك يوميا فى رمضان . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 732 )           »          منيو إفطار 18رمضان.. طريقة عمل كبسة اللحم وسلطة الدقوس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          5 ألوان لخزائن المطبخ عفا عليها الزمان.. بلاش منها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          5 طرق لتنظيف الأرضيات الرخامية بشكل صحيح.. عشان تلمع من تانى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-09-2022, 09:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي وتدلوا بها إلى الحكام

وتدلوا بها إلى الحكام
د. خالد النجار

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 188، 189].

مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة، وذلك أن من يعبد الله تعالى بالصيام، فحبس نفسه عما تعوَّده من الأكل والشرب والمباشرة بالنهار، ثم حبس نفسه بالتقييد في مكان تعبد الله تعالى صائمًا له ممنوعًا من اللذة الكبرى بالليل والنهار، جدير ألا يكون مطعمه ومشربه إلا من الحلال الخالص الذي ينور القلب ويزيده بصيرة، ويفضي به إلى الاجتهاد في العبادة، فلذلك نهى عن أكل الحرام المفضي به إلى عدم قبول عبادته من صيامه واعتكافه؛ قال ابن عاشور: عطف على جملة، والمناسبة أن قوله: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا ﴾ [البقرة:187] تحذير من الجرأة على مخالفة الصيام بالإفطار غير المأذون فيه، وهو ضرب الأكل الحرام، فعطف عليه أكل آخر محرم وهو أكل المال بالباطل، والمشاكلة زادت المناسبة قوة، هذا من جملة عداد الأحكام المشروعة لإصلاح ما اختل من أحوالهم في الجاهلية، ولذلك عُطِفَ على نظائره، وهو مع ذلك أصل تشريع عظيم للأموال في الإسلام.

كان أكل المال بالباطل شِنْشِنَةً معروفة لأهل الجاهلية، بل كان أكثر أحوالهم المالية، فإن اكتسابهم كان من الإغارة ومن الميسر، ومن غصب القوي مال الضعيف، ومن أكل الأولياء أموال اليتامى، ومن الْغرَر وَالْمُقَامَرَةِ، ومن الْمُرَابَاةِ ونحو ذلك، وكل ذلك من الباطل الذي ليس عن طيب نفس.

﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ ﴾: المراد بالأكل ما هو أعم منه، فيشمل الانتفاع بغير الأكل من الملبوسات، والمفروشات، والمسكونات، والمركوبات، لكنه خَص الأكل؛ لأنه أقوى وجوه الانتفاع، فالإنسان ينتفع بالمال ببناء مسكن له، وهو منفصل عنه، ويفترش الفراش فينتفع به، وهو منفصل عنه إلا أنه ألصق به من البيت، ويلبس ثوبًا فينتفع به، وهو منفصل عنه، إلا أنه ألصق به من الفراش، والإنسان يأكل الأكل فينتفع، وهو متصل ممازج لعروقه، فكان أخص أنواع الانتفاع، وألصقها بالمنتفع، ولهذا ذكر بعض أهل العلم رحمهم الله أن الإنسان إذا كان عنده مال مشتبه، ينبغي أن يصرفه في الوقود، لا يصرفه في الأكل والشرب يتغذى بهما البدن، وهما أخص انتفاع بالمال.

﴿ أَمْوَالَكُم ﴾، فهناك آكل، ومأكول منه، فإذا كنت أنت أيها الآكل لا ترضى أن يؤكل مالك، فكيف ترضى أن تأكل مال غيرك، فاعتبر مال غيرك بمنزلة مالك في أنك لا ترضى أن يأكله أحد، وبهذا تتبين الحكمة في إضافة الأموال المأكولة للغير إلى آكلها.

والمعنى: أموال بعضكم بعضًا، فمال الكافر غير المحارب كمال المسلم في الحرمة، إلا أن مال المسلم أشد حرمة، فإضافة الأموال إلى المخاطبين من باب التأليف؛ كقوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ﴾ [النساء:29]؛ أي لا يقتل بعضكم بعضًا.

﴿ بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ﴾ بغير حق شرعي؛ إما بغير حق أصلًا كالغضْب والسرقة والخيانة والخَدْع والتطفيف والغش، وغير ذلك، أو بحق باطل كما يؤخذ في السحر والكهانة والفأل والقِمار والجاه، وهدية القرض والضمان، والرشوة، والربا، وغير ذلك مما نهى الشارعُ عنه، ولا يدخل في ذلك التمائم والعزائم إذا كان بالقرآن أو السنة وغلَب الشفاء، وكذلك لا يدخل أيضًا الغَبْن، إذا كان البائعُ عالِمًا بالمَبِيع.

﴿ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ ﴾: تتوسلوا بدفعها رشوة، وأصل الإدلاء: إرسالُ الدَّلْو في الماء ليتوصل به إلى أخذ الماء من البئر، ثم أُطلق في كل ما يتوسل به إلى شيء، يقال: أدلَى بمالِه إلى الحكام، أي: دفعه رِشْوة، ليتوصل بذلك إلى أخذ أكثر منه، فنهوا عن أمرين أحدهما: أخذ المال بالباطل، والثاني: صرفه للحكام لأخذه بالباطل.

وخص هذه الصورة بالنهي بعد ذكر ما يشملها وهو أكل الأموال بالباطل؛ لأن هذه شديدة الشناعة جامعة لمحرمات كثيرة، وللدلالة على أن معطي الرشوة آثم.

وفيه دلالة على أن حُكمَ الحاكم لا يغيِّر بواطن الأحكام، وعلى أن قضاء القاضي لا يغير صفة أكل المال بالباطل، ولأن الحاكم يحكم بالظاهر وهو مصيب في عمله، لا أنه مصيب ما عند الله تعالى حقيقة.

﴿ لِتَأْكُلُواْ ﴾: قد يقول قائل: إن فيها إشكالًا؛ لأنه تعالى قال: ﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ ﴾، ثم قال تعالى: ﴿ لِتَأْكُلُواْ ﴾، كيف يعلل الحكم بنفس الحكم؟ فنقول: إن اللام هنا ليست للتعليل، اللام هنا للعاقبة - يعني أنكم إذا فعلتم ذلك وقعتم في الأكل - أكل فريق من أموال الناس، وتأتي اللام للعاقبة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾ [القصص: 8]، فآل فرعون لم يلتقطوه لهذا الغرض؛ ولكن كانت هذه العاقبة.

﴿ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ ﴾: طائفة وقطعة من أموال الناس، فالفريق بمعنى الطائفة، وسُمي فريقًا؛ لأنه يُفْرَق عن غيره، فهذا فريق من الناس - يعني طائفة منهم افترقت، وانفصلت - لو قال قائل: قد يأكل كل مال المدعى عليه لا فريقًا منه؟ فالجواب من وجهين:
الأول: أنه لو أكل جميع مال المدعى عليه، لم يأكل جميع أموال الناس؛ لأن مال المدعى عليه فريق من أموال الناس.
الثاني: أنه إذا كان النهي عن أكل فريق من أموال المدعى عليه، فهو تنبيهٌ بالأدنى على الأعلى.

﴿ بِالإِثْمِ ﴾ الباء للمصاحبة؛ يعني أكلًا مصحوبًا بالإثم وهو الذنب؛ كالرشوة وشهادة الزور، واليمين الفاجرة؛ أي الحلف بالكذب؛ ليقضي القاضي له بالباطل في صورة حق.

﴿ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾: الجملة حالية، وهي قيد للحكم على أعلى أنواع بشاعته؛ لأن من أكل أموال الناس بالباطل عالِمًا أبشع مما لو أكله جاهلًا.

والمعنى: وأنتم تعلمون حرمة ذلك، وهذا تشنيع وتفظيع في الإقدام على المعصية مع العلم بها، وخصوصًا حقوق العباد، فإنَّ حُكْمَ الحاكِم لا يُحِلُّ حرامًا، وفي الحديث الصحيح الذي رواه ابن حبان عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ، أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ، مِنْ حَقِّ أَخِيهِ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ)، وهذا في الأموال باتفاق.

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ ﴾؛ أي الحكمة من أحوالها، والذي سأله معاذُ بن جبل وثعلبةُ بن غنمة، فقالا: يا رسول الله، ما بال الهلال يبدو رقيقًا كالخيط، ثم لا يزال يزيد حتى يستوي، ثم لا يزال ينقص حتى يرجع كالخيط؟

والأهلة جمع هلال وهو القمر في بداية ظهوره في الثلاثة الأيام الأولى من الشهر، وإنما سُمي هلالًا لظهوره في ذلك بعد خفائه، ولأن الناس إذا رأوه رفعوا أصواتهم بالإخبار عنه ينادي بعضهم بعضًا، فالإهلال هو رفع الصوت، كما في حديث خلاد بن السائب عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال)؛ يعني بالتلبية في الحج، ومنه قولهم: «استهل المولود»: إذا صرخ بعد وضعه، وفي قوله تعالى: ﴿ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة:173]، ويقولون: تهلَّل وجهه إذا ظهر فيه البِشر والسرور.

﴿ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ ﴾: جمع ميقات، وهي الوقت المحدد المعلوم للناس كالشهر، والشهر مشتقٌّ من الشهرة؛ لأن الذي يرى هلال الشهر يشهره لدى الناس، وسمى العرب الوقت المعين ميقاتًا كأنه مبالغة، وإلا فهو الوقت عينه.

وعلة بدئها صغيرةً ثم تتكامل، ثم تنقص حتى المحاق - هي أن يعرف الناس بها مواقيتهم التي يؤقِّتونها لأعمالهم بالأشهر التي تُحسب بها، مثل: عدة الوفاة أربعة أشهر وعشر، وعدة المطلقة بعد الدخول إذا كانت لا تحيض ثلاثة أشهر، وآجال ديونهم، وإجاراتهم، وغير ذلك.

﴿ وَالْحَجِّ ﴾؛ يعني مواقيت للحج؛ لأن الحج أشهر معلومات تبتدئ بدخول شوال، وتنتهي بانتهاء ذي الحجة؛ ثلاثة أشهر، وكذلك هي مواقيت للصيام، كما قال تعالى: ﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة:185].

واحتياج الحج للتوقيت ضروري؛ إذ لو لم يوقَّت لجاء الناس للحج متخالفين، فلم يحصل المقصود من اجتماعهم، ولم يجدوا ما يحتاجون إليه في أسفارهم، وحلولهم بمكة وأسواقها، والاقتصار على الحج دون العمرة؛ لأن العمرة لا وقت لها فلا تكون للأهلة فائدة في فعلها.

قال ابن عاشور: صرفهم عن بيان مسؤولهم إلى بيان فائدة أخرى، ولا سيما والرسول، لم يجيء مبينًا لعلل اختلاف أحوال الأجرام السماوية، والسائلون ليس لهم من أصول معرفة الهيئة ما يهيئهم إلى فَهْم ما أرادوا علمه بمجرد البيان اللفظي، بل ذلك يستدعي تعليمهم مقدمات لذلك العلم، على أنه لو تعرض صاحب الشريعة لبيانه، لبيَّن أشياء من حقائق العلم لم تكن معروفة عندهم، ولا تقبلها عقولهم يومئذ، ولكان ذلك ذريعة إلى طعن المشركين والمنافقين بتكذيبه، فإنهم قد أسرعوا إلى التكذيب فيما لم يطلعوا على ظواهره؛ كقولهم: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ ﴾ [سبأ:8-7]، وقولهم: ﴿ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ ﴾ [ص:7]، وعليه فيكون هذا الجواب بقوله: ﴿ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾ تخريجًا للكلام على خلاف مقتضى الظاهر.

﴿ وَلَيْسَ الْبِرُّ ﴾: هو الخير الكثير، وسُمي الخير برًّا لما فيه من السعة؛ ومنه في الاشتقاق «البَر» الذي هو الخلاء: وهو ما سوى البنيان لسعته.

﴿ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ﴾ من الخلف، فقد كانت الأنصار إذا حَجُّوا أو اعتمروا، يقولون: لا يَحُول بيننا وبين السماء سَقْفٌ، حين يدخلوا بيوتهم، فإذا رجعوا تسوَّرُوا الجُدْران، أو نَقَبُوا في ظهور بيوتهم، فجاء رجل منهم فدخل من الباب، فَعُيِّر بذلك، فأنزل الحق جل جلاله هذه الآية.

ففي صحيح البخاري عن الْبَرَاءَ بن عازب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا، كَانَتْ الْأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَجَاءُوا لَمْ يَدْخُلُوا مِنْ قِبَلِ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، وَلَكِنْ مِنْ ظُهُورِهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَدَخَلَ مِنْ قِبَلِ بَابِهِ فَكَأَنَّهُ عُيِّرَ بِذَلِكَ فَنَزَلَتْ ﴿ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ﴾.

فقد جعلوا من أحكام الإجرام ألا يدخل المحرم بيته من بابه، أو لا يدخل تحت سقف يحول بينه وبين السماء، وكان المحرمون إذا أرادوا أخذ شيء من بيوتهم، تسنموا على ظهور البيوت، أو اتخذوا نقبًا في ظهور البيوت إن كانوا من أهل المدر، وإن كانوا من أهل الخيام دخلوا خلف الخيمة، وكان الأنصار يدينون بذلك، وأما الْحُمسُ فلم كانوا يفعلون هذا، والْحُمسُ هم المتشددون بأمر الدين، وهم: قريش، وكنانة، وخزاعة، وثقيف، وجلُّهم من سكان مكة.

فنفي البر عن هذا نفي أن يكون مشروعًا أو من الحنيفية، وإنما لم يكن مشروعًا؛ لأنه غلو في أفعال الحج، فإن الحج وإن اشتمل على أفعال راجعة إلى ترك الترفه عن البدن؛ كترك المخيط وترك تغطية الرأس، إلا أنه لم يكن المقصد من تشريعه إعنات الناس، بل إظهار التجرد وترك الترفه، ولهذا لم يكن الحُمْسُ يفعلون ذلك؛ لأنهم أقرب إلى دين إبراهيم عليه السلام.

﴿ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ﴾: المحارم وخالف الشهوات، ﴿ وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾؛ أي تظفرون بمطلبكم من البر، فإن البر في اتباع الشرع فلا تفعلوا شيئًا، إلا إذا كان فيه مرضاة الله، ولا تتبعوا خطوات المبتدعين الذين زادوا في الحج ما ليس من شرع إبراهيم عليه السلام.

ومن فوائد الآية: أن العادات لا تجعل غير المشروع مشروعًا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ﴾ مع أنهم اعتادوه، واعتقدوه من البر، فمن اعتاد شيئًا يعتقده برًّا، عُرِض على شريعة الله ابتداءً.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 60.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.77 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (3.10%)]