خاتم النبيين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7820 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 45 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859381 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393694 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215911 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 75 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #11  
قديم 10-10-2022, 04:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خاتم النبيين

خاتم النبيين (21)
الشيخ خالد بن علي الجريش





الحلقة الواحد والعشرون من برنامج: خاتم النبيين

بعض الأحداث بين أحد والخندق (1)


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين؛ أما بعد:
فقد ذكرنا في الحلقة الماضية - إخواني الأفاضل - شيئًا من الحِكَم والأحكام في غزوة أحد، وبعض الأحداث التي حدثت في تلك الغزوة، وأيضًا تعرضنا للدروس المستفادة من ذلك، وفي تلك الحلقة نستعرض بعض الغزوات التي حدثت بين غزوة أحد والخندق، فمن ذلك غزوة بني النضير فقد حدثت في السنة الرابعة للهجرة، وقيل قبل ذلك، وكان سببها أن قريشًا كتبت لبني النضير بأنكم أنتم أهل الحلقة والحصون والسلاح، فقاتلوا محمدًا، أو لنفعلنَّ كذا وكذا، إلى آخر ما كتبوا لهم، فلما بلغ ذلك الكتابُ يهود بني النضير أجمعوا على الغدر فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنِ اخْرُج إلينا في ثلاثة من أصحابك، ويلقاك ثلاثة من علمائنا، فإن آمنوا بك اتبعناك، ففعل، فاشتمل اليهود الثلاثة على الخناجر والسلاح ليغدروا، فأرسلت امرأة من بني النضير إلى أخ لها من الأنصار قد أسلم تخبره بأمر بني النضير، وتخبره بغدرهم، فأخبر أخوها هذا النبيَّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليهم، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ثم صبَّحهم بالكتائب فحاصرهم من يومه، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم محمد بن مسلمة؛ قائلًا لهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنِ اخرجوا من المدينة، فلا تساكنوني فيها وقد هممتم بما هممتم به من الغدر، فمن رُئِيَ بعد ذلك ضربت عنقه))، فتجهز بنو النضير للخروج من المدينة خائفين صاغرين، فلما سمع المنافقون ذلك أرسل إليهم عبدالله بن أبي ابن سلول رئيس المنافقين، وقال لهم: لا تخرجوا من دياركم، لئن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أُخرجتم خرجنا معكم، فمن ذلك قوِيَتْ نفوس بني النضير فأرسل زعيمهم حُيَيُّ بن أخطب كتابًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فيهِ: إنا لن نخرج من ديارنا، وإن قاتلتنا قاتلناك؛ فنزل قول الله تبارك وتعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [الحشر: 11]؛ الآيات.

فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة قادمين، تحصنوا في حصونهم وبدؤوا ينبلون المسلمين بالنبل والحجارة، فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر بقطع نخيلهم وتحريقها؛ وفي هذا يقول الله تعالى: ﴿ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الحشر: 5]، واللِّينة هي النخلة، وقد فعل ذلك؛ إهانة لهم وإرعابًا لقلوبهم، وذلك لغدرهم المستديم، فلما كانوا في تلك الحال تخلَّى عنهم المنافقون كالمعتاد، فقذف الله في قلوبهم الرعب، واشتد عليهم الحصار، فعند ذلك صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجلاء؛ وهو الخروج من المدينة، وأنه ليس لهم من أموالهم إلا ما حملته الإبل من الأمتعة فقط، إلا السلاح فلا يحملوه أيضًا معهم؛ وأخرج البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم ((أجلى بني النضير وأقرَّ بني قريظة؛ حيث منَّ عليهم بالبقاء، فلما غدروا وقاتلوا، قتل رجالهم، وقسم نساءهم سبايا على المسلمين))؛ [رواه البخاري]، وكان بنو النضير لديهم ستمائة من الإبل، فاحتملوا عليها ما احتملت من الأمتعة، وكانوا قبل خروجهم من بيوتهم يهدمونها؛ ليخربوها على المسلمين، وليحملوا أيضًا ما يرونه نافعًا لهم، ثم خرجوا من المدينة إلى خيبر، وهم في حال من الصَّغار والذل، وسار بعضهم إلى الشام، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تركوه من السلاح، فكان عداده خمسين درعًا، وثلاثمائة وأربعين سيفًا، وخمسين قطعة من السلاح، وكانت أموالهم وأرضهم خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعها حيث يشاء؛ لأنها فيء، وليست غنيمة؛ فالفيءُ ما حصل بدون قتال، والغنيمة ما حصل بقتال، ووضعهم مع بني النضير هو بدون قتال فصار فيئًا، فصار خالصًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثرها للمهاجرين؛ نظرًا لحاجتهم المادية، وجعل بعضها في السلاح في سبيل الله، وأنزل الله عز وجل في بني النضير سورة الحشر فهي عرضت حالهم؛ فذكر الله تعالى ما أصابهم الله به من الهزيمة، وما سلط عليهم من الرعب، ثم ذكر حكم الفيء، وذكر أيضًا المنافقين ذامًّا لهم؛ لإخلافهم الوعد، وهذا من صفات المنافقين البارزة، ثم ضرب لهم مثلًا قبيحًا شنيعًا؛ حيث شبههم بالشيطان.

وأخرج البخاري عن سعيد بن جبير رضي الله عنه، قال: ((قلت لابن عباس عن سورة الحشر، قال: نزلت في بني النضير))، وفي رواية أخرى في البخاري؛ قال ابن عباس: ((قُلْ سورة النضير))؛ قال الحافظ في الفتح: "كأنه كره تسميتها بالحشر؛ لئلا يظن أن المراد به يوم القيامة، وإنما المراد بالحشر إخراج بني النضير وحشرهم وإجلاؤهم، وبإجلائهم ارتاح المسلمون من شرورهم، ومن الغزوات أيضًا التي حدثت بعد أحد ما يسمى بغزوة بدر الأخرى، وكانت في شعبان من السنة الرابعة؛ حيث خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ألف وخمسمائة رجل من الصحابة إلى بدر لموعده الذي كان واعد به أبا سفيان يوم أحد، واستخلف على المدينة عبدالله بن عبدالله بن أبي بن سلول، وكانت بدر مجتمعًا يجتمع فيه العرب، وسوقًا من أسواقهم، وخرج أبو سفيان من مكة في ألفي رجل من قريش متجهًا إلى بدر، ومعهم خمسون فارسًا؛ للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وحربه، وكان أبو سفيان كارهًا للخروج، حتى إذا وصلوا إلى عسفان، ثم ألقى الله تعالى في قلوبهم الرعب، فرأى أبو سفيان أن يرجع بهم، فقال لهم معتذرًا: "يا معشر قريش، إن هذا العام عام جدبٍ، ولا يصلحكم إلا عام خصب ترعَون به الشجر، وتشربون اللبن، وإني راجع فارجعوا"، فرجع الناس، وكان المسلمون قد أخذوا معهم بعض التجارات لموسم بدر، فأرسل أبو سفيان رجلًا ليخذِّل المسلمين عن الخروج، ووعده بعشرين بعيرًا، فقدم هذا الرجل المدينة فبدأ يخذل المسلمين ولكن لم ينخذل له أحد، فخرجوا حتى أقاموا في بدر ثمانية أيام، وباعوا تجارتهم في موسم بدر، وربحوا؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ﴾ [آل عمران: 174]، على حين أن بعض أهل العلم قالوا بأن هذه الآية ليست هنا، وإنما هي نزلت في خروجهم لحمراء الأسد.

ثم بعد ذلك رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر إلى المدينة، وسمعت قريش بخروجه إلى بدر فأصابهم من الرعب ما أصابهم، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، وأيضًا كذلك مما حدث في تلك الفترة بين أحد والخندق زواجُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة رضي الله عنها؛ فقد تزوجها في شوال من السنة الرابعة للهجرة؛ وهي هند بنت أبي أمية، وذلك بعد انقضاء عِدتها من أبي سلمة وهو ابن عمها، وكانت تقول بعد وفاة أبي سلمة: ومن خير من أبي سلمة؟ فلما أن استرجعت، وقالت ما يُشرع للمصاب أن يقوله؛ وهو: ((اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها)) ففعلًا استجاب الله دعاءها، وأخلف عليها خيرًا من أبي سلمة؛ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فتزوجها النبي عليه الصلاة والسلام، زوجها ابنها عمر، وقيل: سلمة، وفي ذات يوم جاءت أم سلمة بصَحْفَةٍ فيها طعام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاءت عائشة رضي الله عنها ملتفة بكساء، ومعها حجر، فكسرت الصحفة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة، وقال: ((غارت أمكم، غارت أمكم))، ثم أخذ صحفة من عائشة وبعثها إلى أم سلمة، وأعطى عائشة صحفة أم سلمة المكسورة، ومما حدث أيضًا كذلك بين أحد والخندق غزوة دُومة الجندل، وهي بضم الدال لا بفتحها؛ وهي موضع بين المدينة والشام، وقد كانت في ربيع الأول من السنة الخامسة، وسببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن بدومة الجندل عددًا من القبائل، وكانوا يظلمون من مرَّ بهم، وينهبون ما معهم من أموال، وأنهم أيضًا يريدون مهاجمة المدينة، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، وخرج ومعه ألف من المسلمين، فكانوا يسيرون بالليل، ويستترون بالنهار، ومعه دليل يُقال له: مذكور، فلما قربوا من دُومة الجندل، هجموا على ماشيتهم ورُعاتهم، فأصابوا ما أصابوا، وهرب من هرب، فلما علِم أهل دُومة الجندل بذلك، تفرقوا وخرجوا، فنزل بساحتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأقام أيامًا وأسر منهم رجل فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، فأسلم، ثم رجع النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة إلى المدينة، ولم يلقوا حربًا.

وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أعاد للأمة هيبتها بين الأمم والشعوب، بعد أن ضعفت من خلال ما وقع في غزوة أحد، وهذا كله من نصر الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام وعباده المؤمنين، فهو معهم أينما كانوا ينصرهم ويؤازرهم، ويكبت عدوهم، والله عز وجل متم نوره، ولو كره الكافرون.

إخواني الكرام، إن الحديث عن السيرة حديث لا يُمل، وفيه دروس وعِبر، وفيه حكم وأحكام، وفيه مفاهيم ومقاصد جليلة رائعة، فلعلنا نتطرق لشيء من الدروس والعبر مما سبق، ونستكمل الحديث عن السيرة في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى؛ فمن هذه الدروس ما يلي:
الدرس الأول: بيان شؤم النفاق والمنافقين، وذلك من خلال مواقف كثيرة؛ ومنها: رجوع عبدالله بن أبي بن سلول بثلث الجيش في غزوة أحد، وكذلك وعودهم المتتالية لبني النضير أن ينصروهم ويقاتلوا معهم، ولكنهم تخلَّوا عنهم في الساعة الحرجة، وأيضًا قد ذمهم القرآن، وإن كان فيهم بلاغة وفصاحة، وقد تعجبك أجسامهم إلا أنهم - كما وصفهم القرآن - كالخُشُب المُسَنَّدة، فهم لا يقومون بأنفسهم، كما أن هذه الخشب لا تقوم إلا بالجُدُر، وكذلك المنافقون لا يقومون إلا على أكتاف الآخرين، فمن النفاق العملي الكذبُ، وقد كذبوا على النبي صلى الله عليه وسلم في شهادتهم؛ وقد قال الله تعالى عنهم: ﴿ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ [المنافقون: 1]، وقد كذبوا حتى على من يوالونهم، وهم بنو النضير، فاحذر صفاتهم؛ فمن صفاتهم الكذب، والغدر، والخيانة، والخلف في الوعد، والفجور في الخصومة، فكلها صفات سوداء ليس فيها بياض، فمن كان فيه خَصلة منها، كان فيه خصلة من النفاق، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة المنافقون في يوم الجمعة؛ قال أهل العلم في حكمة ذلك: ليحذر المؤمنون النفاق، ولعله أن يرجع المنافقون عن نفاقهم، فهم أتعبوا أنفسهم في العمل، ولكن ليس لهم منه مثقال ذرة، فعندما تسمع عنهم أو تقرأ، فإنك ضرورة تحمد الله تبارك وتعالى أن عافاك وتسأله الثبات.

وعقوبة المنافقين قال الله عنها: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾ [النساء: 145]، فكيف يقر للمنافق قرارٌ، وهو يقرأ ويَعْلَم مثل ذلك؟ نسأل الله تعالى العافية والسلامة والثبات على الحق.


الدرس الثاني: كانت القوة عند المسلمين عزيزة وعارمة؛ وذلك لأنهم على الفطرة الربانية، ولقد وعد الله تعالى أن ينصر من ينصره؛ فقال تعالى: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ﴾ [الحج: 40]، بخلاف من خالف أمره واتبع هواه، فإن الله تعالى يضعفه؛ وذلك أن الأمر كله لله، فهو يمد أولياءه بنصره لهم، وتسديده، وتيسيره، ويمنع ذلك لأعدائه، وأما إن حصل خلاف ذلك، فهو ابتلاء للفريقين أو لخللٍ عند الأمة المسلمة، فأفعاله عز وجل كلها حكمة، ومن شواهد إمداد الله تعالى لعباده المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته يتوجه إلى ربه بالدعاء؛ كما حصل ذلك في غزوة بدر وغيرها، فيمدهم الله عز وجل بالملائكة، أو بالسكينة، أو بالثبات، أو بالنصر المبين؛ كما حصل في حمراء الأسد ودومة الجندل وغيرهما، وإن كان هذا على مستوى الجماعة والأمة، فإن ذلك أيضًا يحصل لعباده على مستوى الأفراد؛ فقد ورد في الحديث القدسي: ((وأنا معه إذا ذكرني))؛ [رواه البخاري]، وإذا كان الله تعالى معه، فإنه ييسر أموره وينصره ويوفقه ويسدده، فهذه المعية هي بهذا المعنى؛ بالنصر والتسديد، والتيسير والتوفيق لهذا الذاكر؛ فلْنُكْثِرْ من ذكر الله تعالى عند قضاء حوائجنا وشؤوننا؛ ليكون الله عز وجل معنا على مقتضى هذا الحديث الصحيح، وهذا الذكر أيضًا هو مما يمنعنا أن نظلم الناس أو نغشهم أو نأخذ ما ليس لنا، إن كان في القلب تقوى وخوف من الله تعالى، فما أجمل أن يذهب أهل البيت، ويخرجوا كلهم ذاكرين لله تعالى؛ فالأب يذهب إلى عمله وهو يلهج بذكر الله عز وجل، والابن يذهب إلى مدرسته وهو يتلفظ بهذا الذكر، والبنت كذلك تذهب إلى مدرستها وهي تحرك لسانها بالذكر! فما أجملها من حال وأسعدها من لحظات، فسيكون الله تعالى معهم جميعًا يطمئنهم وييسر أمورهم، فلنكن - معاشر الآباء والأمهات - كذلك نحن وأولادنا، ولنقم بتذكيرهم دائمًا بهذا الحديث وهذه الصفة.


الدرس الثالث:موقف أسري حكيم من خلال ما حصل من عائشة في إناء أم سلمة رضي الله عنهما، وهما زوجتان لهذا النبي الكريم، فلما جاءت أم سلمة بصحفة فيها طعام، كسرتها عائشة بحجر، فلما حصلت تلك المشكلة في بيت النبوة لم يزد النبي صلى الله عليه وسلم أن قال: ((غارت أمكم))؛ قالها مرتين، فتلك العبارة على قصرها أوضحت السبب، وذكرت الاعتذار، وهدَّأت الموقف، وأنهت الخصومة، ثم أبدلها بصحفة أخرى من عائشة، إن المشاكل الأسرية لا تنتهي، ولو وقف الزوجان مع كل مشكلة لتعبا وأتعبا، واختلفا ولم يتفقا، فهذه الحادثة هي تقدير من رب العالمين؛ لتكون بيانًا للعباد في التعامل، فيا أخي الكريم عندما تحصل أي مشكلة أسرية مع الزوجة أو غيرها، فلا تستعجل بما تريد فعله، بل أولًا اضبط انفعالك وتعرَّف على المآلات والعواقب، ادرأ المفسدة الكبرى بتحمُّل المفسدة الصغرى؛ فإن التربويين يقولون لا تصدر قرارك خلال بداية حصول الموقف، فإن تلك اللحظة هي حرجة وغير متفاهمة في الغالب، ويؤزُّها الشيطان أزًّا فتعرف على السبب، وحاول الهدوء وعدم الانفعال؛ لأننا حين نوصيك بهذا نعلم أن الأسرة هي المستقر والمقر المتين لذويها، فإذا تشتت لحصول مشكلة بسبب أنه لم يفهم بعضهم مقصود الآخر، أو استعجل أحدهم بتصرف غير مدروس، ولم يعذره الآخر، فإن هذا التشتت له أبعاده السلبية؛ فالتعامل مع الأسرة يختلف في الجملة عن التعامل مع الآخرين، فالأقربون أولى بالمعروف، ويا ليتنا في كلام بعضنا مع بعض حول مشكلة ما نأخذ بهذه القاعدة، وهي قاعدة رائعة جميلة ذهبية، تُروى عن الشافعي رحمه الله حيث يقول: "قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب"، لكن البعض - هداهم الله - يتعامل بقاعدة أخرى سلبية؛ وهي: رأيي صواب لا يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ لا يحتمل الصواب، ففرقٌ بين القاعدتين؛ فالأولى تحملك على التفاهم والتأمل والتأني، وأما الثانية، فهي تغلق عليك تلك الصفات الجميلة؛ فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((غارت أمكم))، هما كلمتان فقط، لكنهما أنهيا مشكلة بين بيتين من بيوت أزواجه عليه الصلاة والسلام، فما أجمل التفاهم والاعتذار، والتقبل والاعتراف، فلو كنا كذلك لزالت كثير من المشاكل الأسرية، وحصل الاطمئنان والسكون، فقد تفرقت أسرٌ بأسباب تافهة، من خلال أرشيف المحاكم، وجهات الإصلاح والمصلحين، وتم لمُّ الشمل بحمد الله تعالى لكثير منها عندما ساد الهدوء والتفاهم، وعرف كل منهم فضل الآخر، وعرفت مآلات الأمور في الأولاد والأحفاد، فاللهم لك الحمد كثيرًا على ذلك.

وإن مما يستحق الإشارة إليه في الجو الأسري أن نربي أنفسنا على ثقافة الحوار الجيد، وأيضًا على التغافل الإيجابي، وكذلك على التشجيع والتحفيز عند الإنجاز، وأيضًا على استدامة الدعاء بعضنا من بعض، وأيضًا ألَّا ننسى الفضل بيننا، وأن نعلم أن خيرنا هو خيرنا لأهله، وكذلك أن نقوم بتحميل أولادنا للمسؤوليات ليتعلموها، وأن يكون الشكر سائدًا بيننا أكثر من العتاب، مع استحداث جلسات تجمعنا، نتجاذب فيها أطراف الحديث، إن الاهتمام بهذه وأمثالها يبني الأسرة ويعززها، وأيضًا كذلك يزيل مشاكلها، ويجمع شملها، وقد تمثلت هذه الصفات في أسر، فنجحت وسعدت، وقد فقدتها بعض الأسر، فاختلفت، وربما فشلت، اللهم أجمع شملنا على الهدى والتقى، وأصلح نياتنا وذرياتنا، وبارك لنا وعلينا يا رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



 

[حجم الصفحة الأصلي: 978.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 975.84 كيلو بايت... تم توفير 2.40 كيلو بايت...بمعدل (0.24%)]