التعامل مع وباء كورونا المستجد (كوفيد 19) من منظور شرعي - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أبو بكر الصديق رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 25 )           »          لماذا يصمت العالم عن المجاعة في غزة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          أعمال تعدل أجر الصدقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          البلاء في حقك: نعمةٌ أو نقمة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          شرح النووي لحديث: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          شرح النووي لحديث: ارم فداك أبي وأمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          شرح النووي لحديث: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          أنسيت بأنك في غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم الطبي و آخر الإكتشافات العلمية و الطبية > الملتقى الطبي

الملتقى الطبي كل ما يتعلق بالطب المسند والتداوي بالأعشاب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-02-2023, 09:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي التعامل مع وباء كورونا المستجد (كوفيد 19) من منظور شرعي

التعامل مع وباء كورونا المستجد (كوفيد 19) من منظور شرعي
محمد حسني عمران عبدالله

مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين وقيوم السماوات والأرضين، سبحانه بهرت عظمته قلوب العارفين، وأظهرت بدائعه لنواظر المتأملين، نصب الجبال فأرساها، وأرسل الرياح فأجراها، ورفع السماء فأعلاها، وبسط الأرض فدحاها، الملائكة من خشيته مشفقون، والرسل من هيبته خائفون، والجبابرة لعظمته خاضعون، ﴿ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ [الروم: 26]، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد الأحد، القيوم الصمد، الذي ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 3، 4]، لا مغيثَ غير الله، ولا مجيرَ غير الله، ولا معين غير الله، ولا ناصر غير الله، ولا رافع للبلاء غيره، ولا مانع لِما أعطى، ولا معطيَ لِما منع، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين؛ أما بعد:


فالأحداث المتجددة في حياة الناس كثيرة، يحتاج الناس فيها إلى معرفة رأي الشرع، والعلماء بدورهم يقومون باستنباط الأحكام المناسبة من نصوص الشرع للحالة التي يحياها الناس؛ إيمانًا منهم أن الشريعة بشمولها، وكمالها، وتمامها، وعمومها، وخلودها، لا تغادر صغيرة ولا كبيرة من أمور الحياة إلا وأشارت إليها على وجه التفصيل أو الإجمال، أو التنصيص على الاستعانة بأهل الاختصاص في ذلك، والرجوع إليهم وسؤالهم، وجلَّ الله الذي يقول: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: 38].

وإذا كان الإنسان هو المقصود الأول بالشريعة أمرًا ونهيًا، فكان هو المقصود بالحماية والحفاظ عليه، وإزالة الضرر الواقع عليه، حتى يستطيع القيام بالتكاليف الشرعية الموجَّهة إليه.

فجاءت الشريعة تحافظ على الكليات الخمس، وشرعت الحدود من أجل حمايتها، ومَنْعِ ما يكدرها، والحفاظ على النفس البشرية، و(من جملة الكليات الخمس: النفس، والدين، والنسب، والعقل، والمال، وشرعت الحدود حفظًا لهذه الأمور)[1].

وجاءت التعاليم الشرعية ثرية في هذا الباب حتى شملت الحديث عن صحة الإنسان، والتعامل مع الأمراض والأوبئة، وجعلت النظافة بأنواعها مبدأً عامًّا من المبادئ الإسلامية ينبغي الحرص عليه سلوكًا ونظامًا، والعمل على إيجاد البيئة الصالحة البعيدة عن التلوث حتى يُحاط الإنسان بسياج من الوقاية من الأمراض والأوجاع المهلكة، والتي هي نتيجة طبيعية لمثل هذه المواطن.

وحتى يتعرف الناس على جمال الشريعة الإسلامية، وأنها نظام أحاط بأمور الدنيا والآخرة، وتصحيحًا لفهم من أخطأ فقَصَرَ الشريعة على أمور طقوسية شعائرية فقط، لا تمس دنيا الناس، وحصر الإسلام في علاقة الإنسان بربه فقط - وهو فهم قاصر ظالم لما جاء به الوحي الشريف - فكان هذا البحث ليجلي بوضوح حاجة الناس إلى السير في ضوء الشريعة، لصلاح عاجلهم وآجلهم.

فجاء البحث بعنوان: التعامل مع وباء كورونا المستجد (كوفيد - 19) من منظور شرعي.

وينقسم إلى مقدمة وتمهيد وثلاثة مباحث:
المبحث الأول: التدابير الوقائية في الشريعة الإسلامية.
المبحث الثاني: الحث على التداوي والعلاج في الشريعة الإسلامية.
المبحث الثالث: كيفية التعامل مع وباء كورونا من منظور شرعي.
وخاتمة تشتمل على أهم النتائج والتوصيات.

التمهيد:
أُصيب العالم أجمع شرقًا وغربًا، عربًا وعجمًا، على اختلاف لغاته، وألوانه، وأجناسه، وأديانه، وأطيافه، ومذاهبه، بوباء (كورونا).

وهو كما عرَّفته منظمة الصحة العالمية: (مرض كوفيد - 19 هو مرض معدٍ يُسبِّبه آخر فيروس تم اكتشافه من سلالة فيروسات كورونا، ولم يكن هناك أي علم بوجود هذا الفيروس الجديد ومرضه قبل بدء تفشيه في مدينة ووهان الصينية في كانون الأول/ ديسمبر 2019م، وقد تحول كوفيد - 19 الآن إلى جائحة تؤثر على العديد من بلدان العالم)[2].

وبعيدًا عن البحث في الأسباب التي نتج عنها، وهل هي طبيعية، أم صناعية، أم شرعية، فهذا ما لم يستطع أحد الجزم به إلى الآن، لأن كل واحد له منطلقاته الفكرية التي تصدر عنها آراؤه وأفكاره واتجاهاته، والواقع لم ينتصر لأحدها.

فإذا قلنا: إن مردَّ الأمر صناعي من قبيل الحرب البيولوجية، فلم لم تتحرز منه دول الإنتاج والتصدير؟! وإذا قلنا: إن السبب شرعي من قبيل غضب الله على عباده، فلِمَ لم يُفرِّق بين المؤمن والكافر؟! فلقد أصاب الدول الإسلامية وغيرها على حد سواء.

وبين هذه الحيرة والاضطراب في التفسيرات، وفي البحث عن الحلول والعلاج، ينبغي أن يكون للمؤمن موقف مختلف؛ انطلاقًا من مرجعيته الدينية الإسلامية؛ لأن للدين موقفًا ظاهرًا تجاه النوازل والمستجدات التي تواجه الإنسان.

لقد جاء الإسلام ليشمل شؤون الدين والدنيا معًا، واشتملت أوامره على أحكام حاز بها قصب السبق في أمور الطب والعلم، ولا يزيده مرور الأيام إلا تصديقًا لِما جاء به.

فكان للإسلام دور وقائي قبل دخول المرض ودور علاجي بعد الإصابة به، وأحكام لكل نازلة على حسب زمانها ومكانها، وذلك على النحو الذي يفصله هذا البحث.



المبحث الأول: التدابير الوقائية في الشريعة الإسلامية:

التدابير من دبَّر الأمر؛ بمعنى: ساسه ونظر في عاقبته[3].
والوقاية: ما وقيت به الشيء، وصُنْتُه وسترته عنه.


وإذا كان تعريف الطب الوقائي هو: العلم المتعلق بمنع انتشار الأمراض الجرثومیة والنفسیة والعضویة؛ لتحسین أداء الأفراد والمجتمعات، وكل ما یقدمه العلم للحفاظ على الفرد جسمیًّا وسنيًّا، یسمى صحة الفرد، أما ما یقدمه للحفاظ على الجماعات والبیئة التي یعیشون فیها فیسمى صحة المجتمع.

أما الطب الوقائي في الإسلام، فقد رست قواعده منذ ما یزید على أربعة عشر قرنًا من الزمان، یوم كان العالم یغطُّ في سبات عمیق، وقد جاءت هذه الأسس على شكل تعالیم عامة، تتضمن أوامرَ ونواهيَ، یمارسها المسلم تعبدًا لله تعالى، وإن كان لا یعلم حقیقة فوائدها الصحیة، وإنما یمارسها امتثالًا لأمر الله[4].

فلقد جاءت الشريعة الإسلامية بالأمر بالوقاية قبل العلاج، ومنع انتشار الأمراض أيًّا كان نوعها؛ حماية للإنسان من الهلاك جسدًا ونفسًا، فردًا، ومجتمعًا، ونجد هذا متفرقًا في إشارات من آيات القرآن الكريم، ونصوص صريحة من السنة النبوية، ومسائل كثيرة في كتب الفقه الإسلامي.

ويؤكد هذا المعنى الإمام ابن القيم رحمه الله إذ يقول: (وكيف تنكر أن تكون شريعة المبعوث بصلاح الدنيا والآخرة مشتملةً على صلاح الأبدان، كاشتمالها على صلاح القلوب، وأنها مرشدة إلى حفظ صحتها، ودفع آفاتها بطرق كلية قد وُكل تفصيلها إلى العقل الصحيح، والفطرة السليمة بطريق القياس والتنبيه والإيماء، كما هو في كثير من مسائل فروع الفقه)[5].

في صور شتى أكتفي بذكرها دون ذكر نصوصها لشهرتها منها:
1- الأمر بالطهارة وضوءًا، وغسلًا، واستنجاءً للبدن، والثياب، والمكان، وغسل الآنية وتطهيرها من النجاسة.

2- الدعوة للمحافظة على الخصال الخمس، أو العشر على اختلاف النصوص في الزيادة والنقصان، وهي بمثابة قانون للنظافة الشخصية في أرقى معانيها.

3- الأمر بتطهير الآنية من النجاسات، والأمر بتغطيتها وعدم تركها عرضة للأمراض والأوبئة النازلة، أو الحشرات والهوامِّ.

4- النهي عن تلويث المياه، والبول في الماء الراكد أو في طريق الناس ومجالسهم.

5- الحث على تناول الأطعمة المباحة، والنهي عن الأكل من الأطعمة المحرمة، فالشريعة أحلَّت الطاهر النافع، وحرمت النجس الضار.

6- الالتزام بآداب الطعام والشراب، من عدم الإسراف في الأكل، وعدم الشرب من فيِّ السقاء، والتنفس خارج الإناء، وعدم النفخ فيه...؛ إلخ.

7- الالتزام بآداب العطاس عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا عطس غطى وجهه بيده - أو بثوبه - وغض بها صوته))[6].


وهنا يتجلى الإعجاز النبوي؛ حيث إن انتشار هذا المرض يكون عن طريق الفم كما أشارت منظمة الصحة العالمية: (وينتشر المرض بشكل أساسي من شخص إلى شخص عن طريق القطيرات الصغيرة التي يفرزها الشخص المصاب بكوفيد - 19 من أنفه أو فمه، عندما يسعل أو يعطس أو يتكلم)[7].

فمن رزقه الله حسن الفهم عنه وعن رسوله صلى الله عليه وسلم استطاع أن يجد في الشريعة العلاج النافع والدواء الناجع.

يقول عبدالحميد القضاة: (من یُرزَق تضلعًا في القرآن والسنة، یجد أن الإسلام لم یترك جزءًا من الطب الوقائي إلا وأشار إلیه بعمومیات، واضعًا بذلك الخطوة الأولى، تاركًا لعقل الإنسان ومختبراته أن یبحث على هداها[8].



المبحث الثاني: الحث على التداوي والعلاج في الشريعة الإسلامية:
كما تعاملت الشريعة الإسلامية بالحث على الوقاية والاحتماء من المرض قبل وقوعه، وأخذ الاحتياطات اللازمة لذلك، حثَّت على العلاج والتداوي، وربط الأسباب بمسبباتها؛ طلبًا للشفاء، بل جعلت حقيقة التوكل لا تتم إلا بذلك، وأن تركه ينافي التوكل، وهذا من تنظيم الشريعة الإسلامية للحفاظ على النفس الإنسانية، وأن الإهمال في ذلك ليس من الشرع في شيء.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: (بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرًا وشرعًا، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإنَّ تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلًا للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلًا ولا توكله عجزًا)[9].

فدور الشريعة الحفاظ على النفس البشرية، ودفع الاختلال الذي يقع عليها، أو المتوقع لها.

يقول الشاطبي رحمه الله تعالى: (والحفظ لها يكون بأمرين:
أحدهما:
ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود.

والثاني:
ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم)[10].

وجاءت أحاديث عديدة تحض الناس على التداوي والعلاج من الداء الذي ينزل بهم، وفي ذلك ردٌّ على من أنكر التداوي أو أهمل الأخذ بالأسباب، أو قلل من شأنها بحجة أن المرض قدر الله، فالعلاج أيضًا مما قدره الله عز وجل، والتوسط بين الطرفين أن يأخذ الإنسان بالسبب، ولا يعتقد فيه بذاته، ولا يعتمد عليه اعتمادًا يستغني به عن الله عز وجل.

روى مسلم في صحيحه من حديث أبي الزبير، عن جابر بن عبدالله، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((لكل داء دواء، فإذا أُصيب دواءُ الداءِ، برأ بإذن الله عز وجل))[11].

وفي الصحيحين: عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاءً))[12].

وعن أسامة بن شريك، قال: ((كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله، أنتداوى؟ فقال: نعم يا عباد الله تداوَوا، فإن الله عز وجل لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً غير داء واحد، قالوا: ما هو؟ قال: الهَرَم))[13].

وفي لفظ: ((إن الله لم ينزل داءً إلا أنزل له شفاءً، علِمه من علمه، وجهِله من جهله))[14].

وهناك بعض القواعد الصحية التي أشارت إليها السنة النبوية؛ منها:
قاعدة الحجر الصحي في الوباء العام:
عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، ((أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد: ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعون؟ فقال أسامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطاعون رجز أُرسل على طائفة من بني إسرائيل، وعلى من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرضٍ، فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا منها فرارًا منه))[15].

قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يُورِد ممرض على مصحٍّ))[16].

النهي عن الدخول إلى الأرض الموبوءة أو الخروج منها:
وذلك لئلا يُعرِّضَ الداخل نفسه للبلاء، وهو من باب حماية النفس عن الضرر والأذى.

(وفي المنع من الدخول إلى الأرض التي قد وقع بها عدة حِكَمٍ:
أحدها: تجنب الأسباب المؤذية والبعد منها.

الثاني: الأخذ بالعافية التي هي مادة المعاش والمعاد.

الثالث: ألَّا يستنشقوا الهواء الذي قد عفن وفسد فيمرضون.

الرابع: ألَّا يجاوروا المرضى الذين قد مرضوا بذلك؛ فيحصل لهم بمجاورتهم من جنس أمراضهم.

الخامس: حمية النفوس عن الطِّيَرة والعدوى، فإنها تتأثر بهما، فإن الطيرة على من تطير بها، وبالجملة ففي النهي عن الدخول في أرضه الأمر بالحذر والحمية، والنهي عن التعرض لأسباب التلف)[17].

وأما منع المصاب من الخروج، ففيه حمل النفوس على الرضا بقضاء الله عز وجل، والتوكل عليه، والثقة به، وله مع ذلك الأجر العظيم لصبره واحتسابه.

وفي النهي عن الفرار منه الأمر بالتوكل، والتسليم، والتفويض، فالأول: تأديب وتعليم، والثاني: تفويض وتسليم[18].


المبحث الثالث: كيفية التعامل مع وباء كورونا من منظور شرعي:
وفي إطار ما سبق ذكره لا بد من التعامل مع وباء كورونا من نواحٍ عديدة، فالطبيب يصدر عن مرجعيته الطبية، والداعية عن معلوماته الشرعية، وعالم الاجتماع والنفس عن دراسة المجتمعات ونفسيات أصحابها، والعمل على تهيئتها، وترويضها على التكيف مع الواقع والتعامل معه، وتحويل الخسائر إلى مكاسب.

وإذا كانت الشريعة تشمل ذلك كله، فيكون الحديث على النحو الآتي:
المطلب الأول: من الناحية العقدية والشرعية.
المطلب الثاني: من الناحية الطبية.
المطلب الثالث: وباء كورونا فوائد وثمرات.

المطلب الأول: من الناحية العقدية والشرعية.
أما الناحية العقدية:
1- الإيمان بالقدر خيره وشره، وحلوه ومُرِّه، وأن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

2- أن الابتلاء سنة كونية أشار إليها القرآن الكريم في مواضع عديدة، وذلك للكافر استعتابًا، وللمؤمن ثوابًا.

3- أن التوكل على الله تعالى وهو من عبادات القلوب، لا بد فيه من الأخذ بالأسباب، وإلا صار تواكلًا مذمومًا، لا يقره الشرع.

4- المحافظة على الأذكار الشرعية - لا سيما في الصباح والمساء - مع الالتزام بالتعليمات الطبية؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ((لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يَدَعُ هؤلاء الكلمات إذا أصبح وإذا أمسى: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أُغتال من تحتي)[19].

وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قال: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، ثلاث مرات، لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي))[20].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميع سخطك)[21].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أعوذ بك من البَرَص، والجنون، والجذام، ومن سيئ الأسقام)[22].

فالمسلم مع أخذه بالأسباب يعلم أن الله عز وجل هو الذي يشفي على الحقيقة؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء: 80].

وأما من الناحية الشرعية:
1- النزوع إلى أهل الاختصاص وسؤالهم والاستعانة بهم.

2- قياس المتشابه من هذه الحوادث على ما سبق من مثيلاتها.

3- مرونة الشريعة في تغيير الحكم تبعًا للآثار المترتبة عليه، ووجود قواعد شرعية تؤصل لهذا، ومن غاياتها الحفاظ على النفس البشرية؛ كقاعدة: (الضرر يُزال، درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، الضرورات تبيح المحظورات، لا واجب مع عجز...؛ إلخ).

4- عدم التعارض بين العلم الصريح والدين الصحيح، فليس هناك خصومة ألبتةَ فيما توصل إليه العلم الحقيقي، وما جاء به الدين الإسلامي.

وما أُوهمَ أن فيه تعارضًا فهذا يرجع إلى ضعف الثقافة الدينية التي في مضمونها لا تخالف العلم، بل تقر بكل ما توصي به منظمات وهيئات الصحة في العالم، فتجد جمًّا غفيرًا من الناس لا يعرفون أن الحجر الصحي كان منذ عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وأن نبينا حث عليه، بل واعتبره فرضًا من الدين في حالة دعت الضرورة إليه، وجعل المخالفين له بمثابة الفارين من الزحف، فهذا دليل على أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لم تَنَلْ من الاهتمام والاستفادة نصيبها[23].

المطلب الثاني: من الناحية الطبية:
النبي صلى الله عليه وسلم قدوة للمسلم في كل مجالات الحياة، وكان من هَدْيِه صلى الله عليه وسلم التداوي وطلب العلاج.

يقول ابن القيم رحمه الله: (وكان علاجه صلى الله عليه وسلم للمرض ثلاثة أنواع:
أحدها: بالأدوية الطبيعية.
والثاني: بالأدوية الإلهية.
والثالث: بالمركب من الأمرين)[24].

وحثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الذهاب للطبيب، فكان الحارث بن كلدة واسمه عمير بن أبي سلمة بن عبدالعزى بن غيرة بن عوف بن ثقيف، وكان طبيب العرب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر من كانت به علة أن يأتيَه فيسأله عن علته[25].

(فكان من هديه صلى الله عليه وسلم فعل التداوي في نفسه، والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه)[26].

وهنا تظهر ميزة الإسلام على غيره، فليس العلاج فيه جسديًّا فقط، ولا روحانيًّا نفسيًّا فقط، وإنما يمزج بينهما.

وهذه التعليمات الاحترازية كما أوردتها منظمة الصحة العالمية:
1- واظب على تنظيف يديك جيدًا بفركهما بمطهر كحوليٍّ لليدين أو بغسلهما بالماء والصابون.

2- حافظ على مسافة متر واحد (3 أقدام) على الأقل بينك وبين الآخرين.

3- تجنب الأماكن المزدحمة.

4- تجنب لمس عينيك وأنفك وفمك.

5- تأكد من اتباعك أنت والمحيطين بك ممارسات النظافة التنفسية الجيدة؛ ويعني ذلك أن تغطي فمك وأنفك بثني المرفق أو بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، تخلص من المنديل بعد استعماله فورًا.

6- الزم المنزل واعزل نفسك حتى لو كانت لديك أعراض خفيفة؛ مثل: السعال، والصداع، والحمى الخفيفة، إلى أن تتعافى، اطلب من شخص آخر أن يحضر لك مشترياتك، وإذا اضطررت إلى مغادرة المنزل، ضع كمامة لتجنب نقل العدوى إلى الآخرين.

7- إذا كنت مصابًا بالحمى والسعال وصعوبة التنفس، التمس الرعاية الطبية، واتصل بمقدم الرعاية إن أمكن قبل التوجه إليه، واتبع توجيهات السلطات الصحية المحلية.

8- الاتصال المسبق بمقدم الرعاية الصحية سيسمح له بتوجيهك سريعًا إلى المرفق الطبي المناسب، وسيساعد ذلك في حمايتك ومنع انتشار الفيروسات وسائر أنواع العدوى.

9- تابِعْ آخر المستجدات من مصادر موثوقة؛ مثل: منظمة الصحة العالمية، أو السلطات الصحية المحلية والوطنية.

وبنظرة سريعة على هذه التعليمات وما يماثلها، يظهر جلال التآخي بين ما يقدمه العلم الصحيح، وشريعة الإسلام، في اتفاقهما على الحفاظ على صحة الإنسان، ووقايتها من الأمراض والهلاك.

وهنا نقول: إن الالتزام بتعليمات الوقاية من فيروس كورونا، كما يوصي به الأطباء، ومنظمة الصحة العالمية واجب شرعي.

ومع الالتزام بالأمور الطبية، وتعليمات الأطباء من أهل الاختصاص - وهي جزء من الشرع - يستبين للإنسان دورُ الإيمان في تقوية الحالة النفسية والروحية، والتي بدورها تقوي الجهاز المناعي الذي يدافع عن الجسم من الميكروبات الداخلة عليه.

(فإن القلب متى اتصل برب العالمين، وخالق الداء والدواء، ومدبر الطبيعة ومصرفها على ما يشاء كانت له أدوية أخرى غير الأدوية التي يعانيها القلب البعيد منه المعرض عنه، وقد عُلم أن الأرواح متى قويت، وقويت النفس والطبيعة تعاونا على دفع الداء وقهره، فكيف ينكر لمن قويت طبيعته ونفسه، وفرحت بقربها من بارئها، وأنسها به، وحبها له، وتنعمها بذكره، وانصراف قواها كلها إليه، وجمعها عليه، واستعانتها به، وتوكلها عليه، أن يكون ذلك لها من أكبر الأدوية، وأن توجب لها هذه القوة دفع الألم بالكلية، ولا ينكر هذا إلا أجهل الناس، وأغلظهم حجابًا، وأكثفهم نفسًا، وأبعدهم عن الله وعن حقيقة الإنسانية)[27].

المطلب الثالث: وباء كورونا فوائد وثمرات:
لا شك أن المسلم يستثمر الأحداث، ويأخذ العبرة منها، ومهما كان الأمر شرًّا في ظاهره، فإن في طياته خيرًا كبيرًا، ومهما كان فيه من محن صحية واقتصادية ونفسية، فإن فيه منحًا وعطايا، فما منعنا الله منه لو رُزقنا الفهم فيه لعاد عين العطاء.

ومن هذه الفوائد والثمرات:
1- زيادة إيمان المؤمن ويقينه بوجود الله عز وجل، فالعالم الذي تعالت فيه صيحات الإلحاد في الآونة الأخيرة، يؤمن بوجود الفيروس الذي لم يَرَهُ إلا من خلال آثاره.

2- في هذا الفيروس أكبر رد على المقدسين للعلم التجريبي حتى جعلوا منه دينًا يُدان به، فالعلم التجريبي عجز عن تقديم علاج ناجع، وتفسير مقبول، وكل ما صدر عنه جزء من التوعية المعلومة، والاحتياطات العامة التي تؤخذ في الاعتبار عند كل بلاء ومرض.

3- جاء في الوقت المناسب الذي أخذت فيه الأرض زخرفها وازَّيَّنت بالحضارة المبهرة، والمدنية الخاطفة للأبصار، والغطرسة المادية وافتتان الدول الكبرى بقوتها وإمكاناتها، لنزداد يقينًا أن الله قاهر فوق عباده.

4- إن هذا البلاء خير للمؤمن على كل حال، ومُثاب عليه إن صبر واحتسب الأجر من الله تعالى.

5- جعل كثيرًا من البيوت قِبلةً، فاتجه الناس يعبدون الله تعالى بعد أن كادت أن تكون البيوت قبورًا خاوية من العبادة والذكر.

6- التفات الإنسان إلى نعمتين عظيمتين: (الأمن والصحة) بعد أن ألِفهما ولم يؤدِّ حق شكرهما لله تعالى.

7- أن الإيمان هو الزاد الحقيقي في مواجهة الابتلاءات، وتجاوز العقبات، وأن خلوَّ الإنسان منه قد يصيب الإنسان بالأمراض النفسية، وقد يؤدي بالإنسان للانتحار.

8- الأخذ بالأسباب من الإجراءات الاحترازية، والتدابير الوقائية شريعة ربانية وسنة نبوية، وتاركها آثم شرعًا.

9- استغلال الدعاة إلى الله تعالى للوسائل الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي، والمنصات الإلكترونية، وتوظيفها بالوجه الأمثل، وذلك بعدما حِيل بينهم وبين التواصل المباشر بينهم وبين الجمهور.

الخاتمة وتشتمل على النتائج والتوصيات:
أولًا: النتائج:
1- أن الشريعة جاءت للحفاظ على الضرورات الخمس، ويجب على الإنسان المكلف الحفاظ عليها، وتقصير الإنسان في ذلك يؤاخذ عليه شرعًا.

2- يجب عزل المريض مرضًا معديًا، حتى يتم شفاؤه، عملًا بالحجر الصحي، أو العزل الذاتي.

3- مشروعية الأخذ بالاحتياطات الوقائية، للحد من انتشار المرض.

4- الحث على طلب العلاج للمريض مطلب شرعي.

5- بيان جمال الشريعة الإسلامية في شمولها وكمالها.

ثانيًا: التوصيات:
أوصي العلماء وطلاب العلم، والمؤسسات العاملة في حقل الدعوة الإسلامية بالآتي:
1- محاولة الغوص في فهم نصوص الشريعة، وسبر أغوارها، وربطها بالواقع ربطًا لا يخل بمضمونها.

2- الاستعانة بأهل الاختصاص في المسائل النازلة والمستجدة، سواء كانت من الناحية الصحية، أو النفسية، الاقتصادية، أو القانونية وغيرها، حتى يصدر الحكم عن تصور صحيح للمسألة بعيدًا عن التخبط عشوائيًّا، مما تسمو عنه الشريعة.

3- الربط بين التراث الإسلامي في افتراضاته وبين الوقائع المستجدة، بما يظهر سبق علماء الإسلام، وحدة ذكائهم، وقوة عقولهم.

4- التأكيد على أن العلم المادي وحده غير كافٍ في سدِّ حاجيات الإنسان، حتى يقترن بالشريعة الغراء.

هذا... والله أسأل أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يجنبنا الخطأ والزلل، إنه على كل شيء قدير.

[1] تحفة المحتاج في شرح المنهاج، لابن حجر الهيتمي (9/ 101).
[2] موقع منظمة الصحة العالمية على شبكة الإنترنت.
[3] مادة د ب ر: المعجم الوسيط، (278).
[4] تفوق الطب الوقائي في الإسلام، عبدالحميد القضاة، ص6.
[5] زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 380)
[6] المستدرك على الصحيحين، كتاب الأدب، أدب العطاس.
[7] موقع منظمة الصحة العالمية على شبكة الإنترنت.
[8] تفوق الطب الوقائي في الإسلام، عبدالحميد القضاة، ص6.
[9] زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 14).
[10] الموافقات (2/ 18).
[11] صحيح مسلم، كتاب السَّلَامِ، بَابُ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، وَاسْتِحْبَابِ التَّدَاوِي.
[12] صحيح البخاري، باب: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء.
[13] أخرجه أبو داود والترمذي والإمام أحمد وابن ماجه، في كتاب الطب.
[14] رواه الحاكم، ونحوه للنسائي وابن ماجه، وصححه ابن حبان.
[15] سنن النسائي، كتاب الطب، باب الْخُرُوجُ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي لَا تُلَائِمُهُ.
[16] رواه البخاري.
[17] زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 40).
[18] زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 41).
[19] رواه أبو داود والترمذي.
[20] رواه أبو داود والترمذي.
[21] رواه الإمام مسلم.
[22] رواه أبو داود والنسائي وأحمد.
[23] مقال: الحجر الصحي بين وصايا العلم وتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم، د/ ليلى السبيعي، موقع: https://www.raialyoum.com/
[24] زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 22).
[25] الطبقات الكبرى، لابن سعد (6/ 47).
[26] الطب النبوي لابن القيم (ص: 9).
[27] زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 11).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 78.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.15 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.43%)]