مفاتيح الرزق - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الصراع مع اليهود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 38 )           »          الوقـف الإســلامي ودوره في الإصلاح والتغيير العهد الزنكي والأيوبي نموذجاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          أفكار للتربية السليمة للطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          لزوم جماعة المسلمين يديم الأمن والاستقرار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          منهجُ السَّلَف الصالح منهجٌ مُستمرٌّ لا يتقيَّدُ بزمَانٍ ولا ينحصِرُ بمكانٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 38 - عددالزوار : 1203 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 72 - عددالزوار : 16929 )           »          حوارات الآخرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 17 )           »          الخواطر (الظن الكاذب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الإنفــاق العــام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-07-2021, 12:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي مفاتيح الرزق

مفاتيح الرزق «1»



د. أمير بن محمد المدري




الحمد لله الرحيم العليم الغفار القلوب والأبصار، ومُقدِّر الأمور كما يشاء ويختار، خلق الشمس والقمر بحسبان ومقدار، وجعلها مواقيت في هذه الدار حكمةٌ بالغة من عليم ذي اقتدار، أحمده وأشكره وفضله على من شكره مدرار، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له مقدر الأقدار.





وأسلمْتُ وجهي لمن أسلمَت

له الأرض تحمل صخرًا ثقالَا



وأسلمْت وجهي لمن أسلمَت

له الُمزن تَحمل عذبًا زُلالَا



وأسلمْت وجهي لمن أسلمَت

له الريح تصرف حالًا فحالَا










وأشهد أن محمدًاعبده ورسوله المصطفى المختار البدر جبينه إذا سُر استنار، واليم يمينه إذا سُئل أعطى عطاء من لا يخشى الإقتار، رفع الله ببعثته عن أمته الأغلال والآصار وكشف بدعوته أذى البصائر وقذى الأبصار، وفرَّق بشرعته بين المتقين والفجار صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأخيار، ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 2].







أما بعدُ:



فاعلموا عباد الله أنَّ الله قدَّر المقادير وقسَّم الأرزاق، وحدَّد الآجال قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وما من إنسان يُنفخ فيه الروح إلا ويُكتَب رزقه وأجله وشقي أو سعيد، والله جل وعلا يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، ولن تموت نفسٌ حتى تستوفي رزقها وأجلها، ومع هذا كله فهناك وسائل تُبارك في الرزق ومفاتيح تزيد في الرزق بإذن الله تعالى وهذه المفاتيح من كتاب الله وسنة نبيه.








المفتاح الأول التوبة والاستغفار:



فمتى تاب الناس إلى الله ورجعوا إليه بارك في أرزاقهم وأصلح أحوالهم؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ويُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [سورة التحريم: 8].








وقال صالح عليه السلام: ﴿ فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [سورة هود: 61].








وقال شعيب عليه السلام لقومه: ﴿ واسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ ودُودٌ [سورة هود: 90].








وهذا الصدِّيق أبو بكر يسأل المصطفى محمد أن يُعلمُه دعاء يدعو به في صلاته، فأوصاه المصطفى أن يدعو في صلاته قبل أن يُسلِّم ويقول: «اللهم أني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت».








وقال تعالى: ﴿ ومَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [سورة النساء: 110].








نعم ومن يُقْدِمْ على عمل سيِّئ قبيح، أو يظلم نفسه بارتكاب ما يخالف حكم الله وشرعه، ثم يرجع إلى الله نادمًا على ما عمل، راجيًا مغفرته وستر ذنبه، يجد الله تعالى غفورًا له، رحيمًا به.








وقال تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10- 12].








جاء رجلُ إلى الحسن البصري يشكو إليه الجدب والقحط، فأجابه قائلًا: «أكثر من الاستغفار»، ثم جاءه رجلُ آخر يشكو الحاجة والفقر، فقال له: «أكثر من الاستغفار»، ثم جاءه ثالثُ يشكو قلة الولد، فقال له: «أكثر من الاستغفار»، فعجب القوم من إجابته فأرشدهم إلى الفقه الإيماني والفهم القرآني والهدي النبوي، وتلا قول الحق جل وعلا: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * ويُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وبَنِينَ ويَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ ويَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [سورة نوح: 10-12].








أسئلة شتى وإجابة واحدة.



عباد الله، اعلموا أن التوبة من أهم أسباب البركة في الأرزاق، وأن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه.








ما التوبة؟



التوبة هي رجوع العبد إلى الله وأوبته إلى ما يرضيه وترك ما يسخطه.








التوبة أن يقف العبد المذنب المقصر وكلُّنا مذنبون، وكلنا مقصِّرون، يقف العبد أمام ربه التواب مُنكسر القلب خاشع الجوارح ولسان حاله ومقاله يقول: «يا رب، ليس لي رب سواك يقبل توبتي، من يغفر لي إن لم تغفر لي، يا رب العالمين من يرحمني إن لم ترحمني».







التوبة النصوح هي أن يقلع العبد عن الذنب في الحاضر، ويندم على ما سلف منه في الماضي، ويعزم على ألا يفعل في المستقبل، ويرد الحقوق والمظالم إلى أهلها.








وها هو عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يقول: كنا نعد للنبي في المجلس الواحد مائة مرة يقول: رب اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم؛ [صحيح، أخرجه أحمد «2 /67»وغيره].








عبد الله كن من ﴿ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ والصَّادِقِينَ والْقَانِتِينَ والْمُنْفِقِينَ والْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ [سورة آل عمران: 16].








وأكثر من الاستغفار فنبيُّك، يقول: «من لزم الاستغفار، جعَل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل همٍّ فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب»؛ [رواه أبو داود 1518 وابن ماجه 3819].








عبد الله، كم نصيبك من الاستغفار في اليوم والليلة إذا كان حبيب الله ورسوله المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يستغفر الله في اليوم أكثر من مائة مرة.








والاستغفار عباد الله ليس مجرَّد قولٍ باللسان فقط، بل هو عمل وتوبة بالجوارح والأركان.








فيا عبد الله، فارِق المعصية وأهل المعصية ومكان المعصية، وكل ما يُذكرك بالمعصية، وأكثر من قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ[سورة الأعراف: 23].










ارفَع صوتك بالنداء

يا رب إن ذنوبي قد كثرت



وليس لي بعذاب النار من قبل

ولا أُطيق لها صبرًا ولا جلَدَا



فانظر إلهي إلى ضعفي ومسكنتي

ولا تذقني حرًا لجهنم أبدَا










وأخرج الطبراني في الدعاء بسندٍ حسنه البيهقي بسند لا بأس به عن رسول الله أنه قال: «من أحب أن تسرُّه صحيفته، فليكثر فيها من الاستغفار».







وعند ابن ماجه بسندٍ صحيح وعند النسائي في عمل اليوم والليلة بسند صحيح أيضًا عن رسول الله أنه قال: «طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا»؛ [رواه ابن ماجه بإسناد صحيح عن عبدالله بن بسر].








وانظر كذلك إلى الأثر العظيم المهم من آثار الاستغفار وهو دفع العذاب ورفع المصائب، مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿ ومَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنْتَ فِيهِمْ ومَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [سورة الأنفال: 33].








ورحمة الله واسعة وعفوه أوسع لمن جاء إليه وتاب وأناب.



سبحانه القائل: ﴿ قلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [سورة الزمر: 53].








أخرج الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه عن سول الله عن رب العزة والجلال أنه قال: «يا بن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم لو لقيتني بقراب الأرض معصيةً، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لقيتك بقرابها مغفرة».







فالله الله عباد الله أن نتعرض إلى كرم الله بالتوبة والاستغفار أن أردنا البركة والزيادة في الرزق والسعادة في الدنيا والآخرة.








بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.












الخطبة الثانية



الحمد لله رب العالمين، والعاقبةُ للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.








وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا، أما بعد:



لا زلنا وإياكم مع مفاتيح الرزق والبركة، المفتاح الثاني من مفاتيح البركة والزيادة في الرزق التقوى: قال الله تعالى: ﴿ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ويَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ[الطلاق: 2].








أحيانًا تُغلق أمامك أبواب الرزق، كل السبُل مغلقة، إذًا اتقِ الله حتى يجعل الله لك من هذا الضيق فرجًا، وكل من أراد العز في الدين والدنيا والبركة في الرزق والوقت والعمل، فعليه بتقوى الله تعالى، فإنها من أعظم ما استُنزلت به الخيرات واستُدفعت المكروهات؛ قال الله تعالى: ﴿ ولَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ ولَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [سورة الأعراف: 96].








قال القرطبي: ما من خيرٍ عاجل ولا آجل، ظاهر ولا باطن، إلا وتقوى الله سبيل موصل إليه ووسيلة مبلِّغة له، وما من شر عاجل ولا ظاهر ولا آجل ولا باطن، إلا وتقوى الله تعالى حرز متين وحصنٌ حصين للسلامة منه والنجاة من ضرره.








في القرآن الكريم ما يزيد عن ثلاثمائة آية ذُكرت فيها التقوى بمشتقاتها.



والتقوى هي القيام بأمر الله وترك ما نهى الله.








التقوى ليست هيئة معينة، لباس معين، حركات معينة، إيماءات، كلمات، إيحاءات، إنما هي تطبيق لأوامر الله وترك لِما حرَّم الله.








ليس الولي الذي يطير في الهواء، ولا الذي يمشي على وجه الماء، ولكن الولي الذي تجده عند الحلال والحرام، يراه الله حيث أمره، ويفتقده حيث نهاه.








والتقوى عباد الله أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه وقاية؛ تقيةً منه، وذلك بفعل طاعته واجتناب معاصيه.








قال ابن عباس رضي الله عنه: «المتقون هم الذين يحذرون من الله وعقوبته»، وقال طلق بن حبيب رحمه الله: «التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نورٍ من الله، تخاف عقاب الله».








وقال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [سورة آل عمران: 102]؛ قال: «تقوى الله أن يُطاع فلا يُعصى، ويذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر».








وعرَّف علي بن أبي طالب رضي الله عنه التقوى، فقال: «هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل».








التقوى هي خير ضمانة نحفظ بها أولادنا ومستقبل أبنائنا من بعدنا؛ قال تعالى: ﴿ ولْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ ولْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [سورة النساء: 9].








والتقوى وصيَّة الله للأولين والآخرين؛ قال تعالى: ﴿ ولَقَدْ وصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [سورة النساء: 131].








وكان من دعاء النبي: «اللهم آت نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكَّاها، أنت وليها ومولاها».








والتقوى هي أجمل لباس يتزين به العبد: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ ورِيشًا ولِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف: 26].





إذا المرء لم يلبس ثيابًا من التقى

تقلَّب عُريانا وإن كان كاسيَا



وخير لباس المرء طاعة ربه

ولا خير فيمن كان لله عاصيَا











والتقوى هي أفضل زاد يتزود به العبد، قال تعالى: ﴿ وتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى واتَّقُونِي يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ [البقرة: 197].








وبها الطريق إلى الجنة فقد سُئل النبي: ما أكثر ما يُدخل الناس الجنة، قال: «تقوى الله وحُسْن الخلق»؛ [رواه أحمد].








أيها الناس، اتخذوا تقوى الله تجارة يأتكم الرزق بلا بضاعة ولا تجارة.








والمفتاح الثالثمن مفاتيح الرزق والبركة في حياتك يا عبد الله: التوكل على الله تعالى، والاستعانة بالله في الأمور كلها، والاعتماد على الله في كل أمر.








عباد الله، متى عادت الأمة إلى ربها وتوكلت عليه، واستعانت به، وفوَّضت جميع أمورها إليه، نصَرها الله وأعانها وأصلح بالها؛ قال الله تعالى: ﴿ ومَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا[سورة الطلاق: 3].








قال رسول الله: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكُّله، لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصًا وتروح بطانًا»؛ [رواه أحمد والترمذي وهو صحيح].








إن الطيور لم يأتها رزقها رغدًا إلى أوكارها، وهي قابعة في أعشاشها، وإنما غدت في الصباح سعيًا في طلبه، فطارت من عشها، وحلَّقت في السماء، وحطَّت على الشجر والحجر، ورجعت وقد شبِعت من رزق الله تعالى وفضله.








سُئل ابن تيمية رحمه الله كما في الفتاوى: ما أحسن وسيلة لطلب الرزق؟ أهي الزراعة أهي الصناعة أم التجارة؟ فأجاب عليه بقوله: «أحسن وأفضل وسيلة لطلب الرزق التوكل على الله الواحد الأحد مع العمل بالأسباب».





توكل على الرحمن في كل حاجةٍ

ولا تؤثرن العجز يومًا على الطلب



ألم ترَ أنّ الله قال لمريم

إليك فهزي الجذع يساقط الرطب



ولو شاء أن تجنيه من غير هزها

جنته ولكن كل شيء له سبب











فتخيل حال امرأة ضعيفة في حال النفاس، أضعف ما تكون المرأة، والنخلة شجرة قوية، جذعها قوي، ولكن الله قال: ﴿ وهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾ [مريم: 25]، ولكن بالسبب الضعيف جعل النتيجة، كان من الممكن أن يسقط الثمر بلا هز، وماذا يغني الهز من امرأة ضعيفة لشجرة قوية، ولكن ليعلم العباد الأخذ بما أمكن من الأسباب؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [الطلاق: 3].








فمن حقَّق والتوكل، كفاه الله ما أهمه في الدنيا والآخرة؛ يقول تعالى في الحديث القدسي: «وعزتي وجلالي وعظمتي، ما من عبدٍ آثر هواي على هواه، أي آثر طاعة الله على هوى نفسه، إلا أقللت همومه، وجمعت عليه ضيعته، ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغنى بين عينيه».








ويقول: «من أصبح وأكبر همه الآخرة، جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن أصبح وأكبر همه الدنيا، جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يؤتيه من الدنيا إلا ما قدر له»؛ [أخرجه ابن ماجه عن أنس بن مالك].








قال ابن القيم رحمه الله: «ولو توكل العبد على الله حقَّ توكُّله في إزالة جبل من مكانه وكان مأمورًا بإزالته لأزاله».







عباد الله، التوكل مقام جليل عظيم الأثر، ومن أعظم واجبات الإيمان وأفضل الأعمال والعبادات المقربة إلى الرحمن، وأعلى مقامات توحيد الله، فإن الأمور كلها لا تحصل إلا بالتوكل على الله.








قال ابن القيم رحمه الله: «التوكل نصف الدين والنصف الثاني الإنابة، فإن الدين استعانة وعبادة، فالتوكل هو الاستعانة والإنابة هي العبادة».








والله جل وعلا أمرنا وأمر نبيه بالتوكل، فقال تعالى: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [سورة التوبة: 129].








وقال تعالى: ﴿ وتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا [سورة الفرقان: 58].



وقال تعالى: ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ[سورة آل عمران: 159].



وقال تعالى: ﴿ ومَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإِلَيْهِ أُنِيبُ [سورة الشورى: 10].








عباد الله، التوكل على الله من صفات عباد الرحمن وشعار يتميزون به عمن سواهم وعلامة بارزة لأهل الإيمان؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [سورة الأنفال: 2].








لا يرجون سواه ولا يقصدون إلا إياه، ولا يلوذون إلا بجنابه، ولا يطلبون الحوائج إلا منه، ولا يرغبون إلا إليه، ويعلمون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه المتصرف بالمُلْك لا شريك له، ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب.








سيد المتوكلين هو محمد لما نزل مع أصحابه في وادٍ، فعلَّق سيفه في شجرة فتفرق الناس في الوادي يستظلون في الشجر، فلم يرعهم إلا والنبي يدعوهم فأتوه فإذا بشخص وسيف ساقط، فقال الرسول: إن رجلًا أتاني وأنا نائم، فاتخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلف؛ أي مسلول.








سبحان الله انتبه النبي والسيف فوق رأسه، أين المهرب؟! فقال: من يمنعك مني يا محمد؟



قال صلى الله عليه وسلم بلسان الواثق بربه وحفظه: الله، الله.








إنها كلمة فيها التوكل والتفويض والاستعانة وكل شيء، قال: فشام السيف؛ أي: أغمده، وفي رواية سقط السيف من يده؛ [كما في صحيح مسلم].



وها هو النبي مع أبي بكر رضي الله عنه في الغار، أبو بكر خائف على النبي أكثر من خوفه على نفسه؛ يقول: «يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى ما بين قدميه لأبصرنا»، ما بيننا وبين الهلاك إلا نظرة تحت، قال يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما، هذا هو التوكل والتفويض يظهر فعلًا في أوقات الأزمات جليًّا واضحًا.



هذا وصلوا عباد الله على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [سورة الأحزاب: 56].



اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28-07-2021, 03:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفاتيح الرزق

مفاتيح الرزق (2)

د. أمير بن محمد المدري

الحمد لله المُبدئ المعيد، الفعَّال لما يريد، خلق الخلق بعلمه، وقدَّر لهم أقدارًا، وضرب لهم آجالًا، لا يستأخرون عنها ولا يستقدمون، قدر مقادير الخلائق، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء، علم ما كان وما سيكون، لو كان كيف يكون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.


عباد الله، أُوصيكم ونفسي أولًا بتقوى الله ومراقبته بالليل والنهار، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1].


لا زلنا وإياكم مع الرزق والرزَّاق، لا زال الحديث معكم مع مفاتيح الرزق، ووقفنا مع المفتاح الأول وهو التوبة والاستغفار، والمفتاح الثاني تقوى الله عز و جل، والمفتاح الثالث التوكل على الله.


عباد الله، إنَّ الرزق سبب والله هو وحده ربُّ الأسباب، فلا نتعلق بالسبب وننسى المسبب جل وعلا، ولو أذن الله لعبدٍ برزق لن يستطيع أحد أن يمنعه ولو اجتمع أهل السماوات والأرض.


عباد الله، انظروا في السماوات والأرض وما فيهما من آيات باهرات وآلاء ظاهرات، هل فيهما رزق من عند غير الله؟


تفكروا في الحياة، من بنى سماها؟! ومن رفع سمكها فسواها؟! من أغطش ليلها وأخرج ضحاها؟! من بسط الأرض ودحاها؟! من أخرج منها ماءها ومرعاها؟! من نصب الجبال وأرساها؟! من فطر النفوس وسواها؟! من فجر العيون وأجراها؟! قال تعالى: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر: 3]؟! لا والله.


فما من نعمةٍ صغُرت في العيون أو كبُرت إلا والله رازقها وموليها، ورزقه شمل العباد جميعهم، برَّهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم.


ورزقه يعيش به كل مخلوق، لا غنى له عنه طرفة عين؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود: 6].


ولو كانت الأرزاق تجري مع الحجا هلكنَ إذًا من جهلهن البهائم؛ قال تعالى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [العنكبوت: 60].


فتأملوا في دواب الأرض، في برها وبحارها، في جبالها وسهولها، في ظاهرها وباطنها، من يسوق إليها أقواتها؟! ومن يحمل إليها أرزاقها؟! إنه الله تعالى جل جلاله رازق الدودة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.


قال عامر بن قيس رحمه الله: ثلاث آياتٍ من كتاب الله استغنيت بهنَّ على ما أنا فيه، قرأت قول الله تعالى: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنعام: 17].


فعلمت وأيقنت أن الله إذا أراد بي ضرًّا لم يقدر أحد على وجه الأرض أن يدفعه عني، وإن أراد أن يعطيني شيئًا لم يقدر أحد أن يأخذه مني.


وقرأت قوله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ واشْكُرُوا لِي ولا تَكْفُرُونِ [سورة البقرة: 152].


فاشتغلت بذكره جل وعلا عمَّا سواه.


وقرأت قوله تعالى: ﴿ ومَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا ويَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا ومُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [هود: 6].


فعلمت وأيقنت وازددت ثقةً بأن رزقي من عند الله لن يأخذه أحد غيري.


يا صاحب الهم إن الهم منفرجٌ
أبشر بخير فإن الفارج الله

اليأس يقطع أحيانا بصاحبه
لا تيأسن فإن الصانع الله

الله يُحدث بعد العسر ميسرةً
لا تجزعنَّ فإن المانع الله

إذا اُبتليت فثق بالله وارض به
إن الذي يكشف البلوى هو الله

إذا قضى الله فاستسلم لقدرته
فما ترى حيلة فيما قضى الله

والله مالك غير الله من أحدٍ
فحسبك الله في كلٍ لك الله


وها هم أصحاب نبينا محمد في غزوة الأحزاب: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الْوَكِيلُ[سورة آل عمران: 173]، ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنه: «حسبنا الله ونعم الوكيل»، قالها إبراهيم حين أُلقي في النار، وقالها النبي محمد حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا.


فالتوكل هو عُدَّة المؤمنين يوم يتوعَّدهم الناس ويخوِّفونهم بكثرة الأعداء، فكان أول شيء وآخر شيء قاله إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار: حسبنا الله ونعم الوكيل.


عباد الله، الإنسان الذي لا يعمل، ويدَّعي أنه متوكل فهو كاذب، والحُجَّة أنه يخاف أن يعمل فيُفتن، يخاف أن يعمل فيحب الدنيا، يخاف أن يعمل فتستهويه الدنيا، حجةٌ واهية فالسماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة.


قالأحد السلف: عجبتُ لمن يخاف كيف يغفل عن قوله: ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173]، والله تعالى يقول عقبها: ﴿ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران: 174]، وعجبتُ لمن يمكر به الناس كيف يغفل عن قوله: ﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [غافر: 44]، والله تعالى يقول عقبها: ﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ [غافر: 45].


وأوصانا نبينا عندما يخرج أحدنا من بيته يقول: «بسم الله، توكَّلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله»، فماذا يحدث له؟ يقول له ملَك من السماء: «هُدِيت، وُقِيت، كُفيت من كل شر»؛ [الألباني، صحيح سنن الترمذي «2724»].


عباد الله، من اعتمد على ماله قل، ومن اعتمد على عقله ضل، ومن اعتمد على جاهه ذل، ومن اعتمد على الله لا ضل ولا ذل ولا قل.


عباد الله، أحد أكبر أسباب زيادة الرزق التوكل على الله، والتوكل على الله يعني الحركة، مرَّ سيدنا عمر برجل معه جمل أجرب، قال له: «يا أخ العرب، ما تفعل به؟ قال: أدعو الله أن يشفيه، قال له: هلا جعلت مع الدعاء قطرانًا؟»؛ اسأل الطبيب، تحرَّك.


تصور إنسانًا يركب مركبة فتوقفت، خرج من المركبة وهو يقول: يا رب، أنقذنا، لو دعا مليون مرة، نقول له: افتح غطاء المحرك، وانظر أين الخلل، واطلب من الله أن يلهمك أين الخلل، واطلب من الله أن يعينك على إصلاح الخلل، هذا موقف علمي عملي، أما ألا تفعل شيئًا، وتكتفي بالدعاء، فالدعاء من دون سعي لا يُقبل، بل هو استهزاء بالدعاء.


أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.


الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.


المفتاح والسبب الرابع: من مفاتيح الرزق: التفرغ لعبادة الله تعالى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: يا بن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلًا ولم أسد فقرك»؛ [سنن ابن ماجه كتاب الزهد، باب: الهم بالدنيا «4107»، والألباني في الصحيحة «1359»].


وفي رواية أخرى صحيحة قال: «قال ربكم: ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى، وأملأ يديك رزقًا، ابن آدم لا تباعد مني أملأ قلبك فقرًا وأملأ يديك شغلًا».


وليس معنى هذا الحديث أنك لا تطلب الرزق ولا تتكسب، ولكن معناه أن يكون العبد حاضر القلب حال عبادته، غير ذاكر لأمر من أمور الدنيا، بل متوجهًا إلى الله تعالى بكل قلبه. ويقول الله جل وعلا: ﴿ وأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ واصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ والْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [سورة طه: 132].


قال ابن كثير رحمه الله: وقوله: ﴿ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ [طه: 132]؛ يعني إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2، 3]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: 56 - 58].


أخي الحبيب، تعال معي نستمع وإياك إلى قول حبيبنا محمد وهو يذكر هاذين الصنفين من الناس، في الحديث الذي أخرجه الترمذي وصححه الألباني عن أنس رضي الله عهنه أن النبي قال: «من كان همه الآخرة جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا راغمة، ومن كان همه الدنيا فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له».


المفتاح الخامس من مفاتيح الرزق: المتابعة بين الحج والعمرة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد»؛ [صحيح مسلم كتاب الحج «1381» من حديث أبي هريرة]، قال أهل العلم: إزالة المتابعة بين الحج والعمرة للفقر، كزيادة الصدقة للمال.


قال الشوكاني رحمه الله عند تفسير هذه الآية: ﴿ واللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ[سورة النحل: 71]: «فجعلكم متفاوتين فيه أي الرزق، فوسَّع على بعض عباده، حتى جعل له من الرزق ما يكفي ألوفًا مؤلَّفة من بني آدم، وضيَّقه على بعض عباده حتى صار لا يجد القوت إلا بسؤال الناس والتكفف لهم، وذلك لحكمة بالغة تقصر عقول العباد عن تعقلها والاطلاع على حقيقة أسبابها».


عباد الله، اعلموا أنه بسبب جهل بعض الناس بهذه السُّنَّة الكونية، دخل عليهم من الحسد والبلاء ما لا يحيط به قول ولا وصف، ولو قَنَع الناس بهذه السُّنَّة واستحضروها في تعاملهم ومعاملاتهم، لكان أمر الحياة أمرًا آخر، أمَا وقد أعرض البعض عن فطرة خالقهم، ولم يسلموا ويستسلموا لِمَا أقامهم عليه، فقد عاشوا معيشة ضنكًا، وخسروا الدنيا قبل الآخرة، نسأل الله الكريم أن يرزقنا القناعة والرشاد والسداد في الأمر كله.


روي أنَّ حاتمًا الأصم رحمه الله كان رجلًا كثير العيال وكان له أولاد ذكور وإناث، ولم يكن يملك حبة واحدة من الطعام، فجلس ذات ليلة مع أصحابه يتحدث معهم فتعرَّضوا لذكر الحج فداخل الشوق قلبه، ثم دخل على أولاده فجلس معهم يحدثهم، ثم قال لهم: «لو أذنتم لأبيكم أن يذهب إلى بيت ربه في هذا العام حاجًّا ويدعو لكم، ماذا عليكم لو فعلتم؟ فقالت زوجته وأولاده: أنت على هذه الحالة لا تملك شيئًا ونحن على ما ترى من الفاقة فكيف تريد ذلك ونحن بهذه الحالة؟ وكان له ابنة صغيرة فقالت: «ماذا عليكم لو أذنتم له ولا يهمكم ذلك، دعوه يذهب حيث شاء، فإنه مناول للرزق وليس برزاق»، فذكرتهم ذلك فقالوا: صدقت والله هذه الصغيرة يا أبانا انطلق حيث أحببت، فقام من وقته وساعته وأحرم بالحج وخرج مسافرًا، وأصبح أهل بيته يدخل عليهم جيرانهم يوبخونهم كيف أذنوا له بالحج، وتأسف على فراقه أصحابه وجيرانه، فجعل أولاده يلومون تلك الصغيرة ويقولون لو سكتِّ ما تكلمنا، فرفعت الصغيرة طرفها إلى السماء وقالت: «إلهي وسيدي ومولاي، عوَّدت القوم بفضلك وأنك لا تُضيعهم، فلا تخيبهم ولا تخجلني معهم»، فبينما هم على هذه الحالة إذ خرج أمير البلدة متصيدًا، فانقطع عن عسكره وأصحابه، فحصل له عطش شديد، فاجتاز ببيت الرجل الصالح حاتم الأصم، فاستسقى منهم ماءً وقرع الباب، فقالوا: من أنت؟ قال الأمير ببابكم يستسقيكم، فرفعت زوجة حاتم رأسها إلى السماء وقالت: إلهي وسيدي، سبحانك البارحة بتنا جياعًا واليوم يقف الأمير على بابنا يستسقينا، فأخذت كوزًا جديدًا وملأته ماء وقالت للمتناول منها: اعذرونا، فأخذ الأمير الكوز وشرب منه، فاستطاب الشرب من ذلك الماء، فقال: هذه الدار لأمير، فقالوا: لا والله بل لعبد من عباد الله الصالحين يعرف بحاتم الأصم، فقال الأمير: لقد سمعت به، فقال الوزير: يا سيدي لقد سمعت أنه البارحة أحرم بالحج، وسافر ولم يخلف لعياله شيئًا، وأخبرت أنهم البارحة باتوا جياعًا، فقال الأمير: ونحن أيضًا قد ثقلنا عليهم اليوم وليس من المروءة أن يثقل مثلنا على مثلهم، ثم وضع الأمير دينارًا ذهبيًّا ووضعها في الكوز ثم قال لأصحابه: من أحبني فيفعل مثل ما فعلت، ففعل جميع أصحابه مثله وملؤوا الكوز دنانير، ثم انصرفوا، فلما رأت الصبية الصغيرة ذلك بكت بكاءً شديدًا، فقالوا لها: ما هذا البكاء، إنما يجب أن تفرحي، فإن الله قد وسَّع علينا، فقالت: يا أماه والله إنما بكائي كيف بتنا البارحة جياعًا فنظر إلينا مخلوق نظرة واحدة، فأغنانا بعد فقرنا، فالكريم الخالق إذا نظر إلينا لا يكلنا إلى أحد طرفة عين، اللهم انظر إلى أبينا ودبِّره بأحسن التدبير.


المفتاح السادس من المفاتيح المؤدية إلى كثرة المال والرزق في الدنيا: صلة الرحم: نعم صلة الرحم، والمقصود بالرحم هم الأقارب، وهم كل من بينك وبينهم نسب من جهة الولادة سواءً كان ذلك من طريق الأب أو الأم.


وصلة الرحم معناه تقديم الإحسان بكل أنواعه حسية ومعنوية، وسواء كانوا صغارًا أو كبارًا، نساءً أو رجالًا، يسكنون في بلدك أو بعيدون عنك، روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله يقول: «مَن سرَّه أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه»، ولهذا بوَّب البخاري رحمه الله فقال: باب من بُسِط له في الرزق بصلة الرحم.


وقال القاضي عياض رحمه: لا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطعها معصية كبيرة والأحاديث تشهد لهذا، ولكن الصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة بالكلام والسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة، ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعًا، ولو قصَّر عما يقدر عليه وينبغي له، لا يسمى واصلًا؛ [مسلم بشرح النووي «16 /96» ط. دار الفكر].


قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «لأن أصل أخًا من إخواني بدرهم أحب إلي من أن أتصدق بعشرين درهمًا، ولأن أصله بعشرين درهمًا أحب إلى من أن أتصدق بمائة درهم، ولأن أصله بمائة درهم أحب إلي من أن أعتق رقبة».


وقال عمرو بن دينار رحمه الله: «تعلمُنَّ أنه ما من خطوة بعد الفريضة أعظم أجرًا من خطوة إلى ذي الرحم».


وصلة الرحم تكون مع القريب وإن كان كافرًا، فله حق القرابة فيوصل، وصلة الرحم تزيد في العمر فهي تحقق السعة في الرزق والبركة في العمر؛ كما في الحديث المتقدم، وصلة الرحم تقوي أواصر المودة والمحبة بين الناس، وبين القرابات بوجه خاص، ثم إنه وفوق ذلك أن صلة الرحم مما يرضي الرب تعالى، فما أحرانا بصلة الرحم.


لعلك أخي المسلم تستغرب إذا وجدت بعض المسلمين قد فتح الله لهم أبواب تلو أبواب من الرزق وهم قليلو النشاط وضعيفو الخبرة قياسًا بغيرهم من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، ولكنك إذا فتشت عن حاله وجدته ممن يصل رحمه، بل لا تستغرب أخي الحبيب إذا أخبرتك أن بعض العصاة والفساق، وبعض الفجرة قد تنمو أموالهم بسبب صلة الرحم، اسمع لما رواه ابن حبان في صحيحه بسند جيد عن أبي بكرة رحمه الله عن النبي أنه قال: «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدَّخره له في الآخرة له من قطعية الرحم، والخيانة، والكذب، وإن أعجل الطاعة ثوابًا صلة الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونون فجرة، فتنمو أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا»؛[السلسلة الصحيحة «918»].


إن هذا الحديث يُفسِّر لنا ظاهرة ربما كانت موضع استغراب عند كثيرين، نعم أيها الأحبة: «إن أهل البيت ليكونون فجرة، فتنمو أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا».


هذا وصلوا عباد الله على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [سورة الأحزاب: 56].


اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 31-07-2021, 04:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفاتيح الرزق

مفاتيح الرزق (3)















د. أمير بن محمد المدري




الحمد لله معز مَن أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، قاهر الجبابرة وكاسر الأكاسرة، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له لا يذل من والاه، ولا يعز من عاداه، ينصر من نصره يغضب لغضبه ويرضى لرضاه، أحمده سبحانه وأشكره حمدًا وشكرًا يملأان أرضه وسماه، إلهي:





كلُّ اجتهاد في سواك مضيَّع

وكلُّ كلامٍ لا بذكرك آفات



وكل اشتغالٍ لا بحبك باطل

وكل سماعٍ لا لقولك زلات



وكل وقوفٍ لا لبابك خيبةٌ

وكل عكوفٍ لا إليك جنايات



وكل اهتمامٍ دون وصلك ضائع

وكل اتجاه لا إليك ضلالات



وكل رجاء دون فضلك آيس

وكل حديثٍ عن سواك خطيئات











وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه ومصطفاه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين وكل من نصره ووالاه.








﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].








اتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الإسلام رغَّب في العمل وطلب الرزق والكسب الحلال والإتجار في جمع المال؛ قال تعالى: * ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة: 10]، وقال أيضًا: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك: 15].








فالله قد جعل النهار معاشًا، وجعل للناس فيه سبحًا طويلًا، أمرهم بالمشي في مناكب الأرض، في أطرافها وفجاجها، ونواحيها وجبالها؛ ليأكلوا من رزقه بأنواع المكاسب والتجارات.








الحديث يتواصل معكم مع أسباب الرزق ومفاتيحه.








سابعًا: من أسباب الرزق أيضًا، وأسباب البركات التي توجب على العباد الرحمات النفقات والصدقات، فمن يسَّر على معسر يسَّر الله له في الدنيا والآخرة، ومن فرَّج كربة المكروب، فرَّج الله كربته في الدنيا والآخرة، فارحموا عباد الله، يرحمكم من في السماء، والله يرحم من عباده الرحماء؛ قال الله تعالى: ﴿ ومَا أَنفَقْتُمْ مّن شيء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ[سورة سبأ: 39]؛ قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي مهما أنفقتم من شيء مما أمركم الله به وأباحه لكم، فهو يُخلفكم ويُخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب، ولذا لما أمر الله تعالى بالإنفاق في سبيل الله قال بعد ذلك: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ ويَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ واللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وفَضْلًا واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ[سورة البقرة: 268].








وقال: «أنفقْ يا بلال ولا تخشَ من ذي العرش إقلالًا»؛ [صححه الألباني].








فمتى ما أنفقت من مالك يا عبد الله، كان ذلك سببًا لكثرته، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال الله تبارك وتعالى: «يا بن آدم، أنفق أُنفق عليك».








الله أكبر ما أعظمه من ضمان بالرزق، أنفقْ أُنفق عليك، فمن أنفق لوجه الله ضاعف الله له الأجر؛ فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة لا يعلمها إلا الله، ولك الخَلَف من الله، فما نقص مالٌ من صدقة.








وروى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قوله: «ما من يوم يُصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدها: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا».








قيل لأحد السلف: ما سر زهدك في الدنيا؟ قال: «أربع، علمت أن رزقي لا يأخذه أحد غيري فاطمأنَّ قلبي، وعلمت أن عملي لا يقوم به أحد سواي، فاشتغلت به، وعلمت أن الموت لا شك قادم، فاستعددت له، وعلمت أني لا محالة مسؤول واقفٌ بين يدي ربي، فجعلت أعد للسؤال جوابه».








ثامنًا: من أعظم أسباب الرزق ومفاتيحه: العناية بالضعفاء والمحتاجين والفقراء، والإنفاق على طلبة العلم؛لأن المصطفى قال: «هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم»؛ [رواه البخاري].








فمن رغب في رزق الله له، وبسطه عليه، فلا ينسَ الضعفاء والمساكين، فإنما بهم تُرزق ويُعطى لك، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يقول: «أبغوني في ضعفائكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم»؛ [رواه النسائي وأبو داود والترمذي].








وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أخَوان على عهد رسول الله، فكان أحدهما يأتي النبي، والآخر يحترف، فشكى المحترف أخاه إلى النبي، فقال عليه الصلاة والسلام: «لعلك تُرزق به»؛ [رواه الترمذي].








قال شُرَّاح هذا الحديث: قوله: لعلك تُرزق به؛ أي: أرجو أنك مرزوق ببركته، فلا تَمنُن عليه بصَنعتك.








تاسعًا: من مفاتيح ومستجلبات الرزق: المهاجرة في سبيل الله، والسعي في أرض الله الواسعة، فما أغلق دونك هنا، قد يُفتح لك هناك؛ قال تعالى: ﴿ ومَن يُهَاجِرْ في سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ في الأرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وسَعَةً [سورة النساء: 100].








كم من الناس تركوا بلادًا هي أحب البلاد لقلوبهم ولو خُيِّروا لاختاروها على غيرها - لكنه الرزق - فتح الله عليهم في غير أرضهم، وفي غير بلادهم، ولله الأمر من قبل ومن بعد.








عاشرًا: ومن أسباب زيادة الرزق والبركات: الدعاء والالتجاء إلى الله جل وعلا، فهو الملاذ في الشدة، فإن ضاق عليك رزقك وعظُم عليك همُّك وغمُّك، وكثُر عليك دَينك، فالجأ إلى الله، واقرَع الباب الذي لا يَخيب قارعه، واسأل الله جل جلاله فهو الكريم الجواد، وما وقف أحد ببابه فنحَّاه، ولا رجاه عبد فخيَّبه في دعائه ورجاه، «دخل النبي يومًا إلى مسجده المبارك، فنظر إلى أحد أصحابه وجده وحيدًا فريدًا، ونظر إلى وجه ذلك الصحابي فرأى فيه علامات الهم والغم، رآه جالسًا في مسجده في ساعة ليست بساعة صلاة، فدنا منه الحليم الرحيم صلوات الله وسلامه عليه، وكان لأصحابه أبر وأكرم من الأب لأبنائه، وقف عليه رسول الهدى، فقال: «يا أبا أمامة، ما الذي أجلسك في المسجد في هذه الساعة؟»، قال: يا رسول الله، هموم أصابتني وديون غلبتني - أصابني الهم وغلبني الدين الذي هو همُّ الليل وذل النهار - فقال: «ألا أُعلمك كلمات إذا قلتهنَّ أذهَب الله همَّك وقضى دينك»، صلوات ربي وسلامه عليه، ما ترك باب خير إلا دلَّنا عليه، ولا سبيل هدى ورشد إلا أرشدنا إليه، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًّا عن أمته: «ألا أدلك على كلمات إذا قلتهنَّ أذهب الله همك وقضى دَينك؟» قال: بلى يا رسول الله، قال: «قل إذا أصبحت وأمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال»، قال رضي الله عنه وأرضاه: فقلتهنَّ،فأذهب الله همي وقضى ديني»؛[رواه أبو داود في كتاب الوتر، باب في الاستعاذة «4 /412»؛ عون المعبود شرح سنن أبي داود، عن أبي سعيد الخدري].








بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا وأستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.








الخطبة الثانية



الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.








عباد الله، لما غزا قتيبة بن مسلم الترك وهاله أمرُهم وقوتهم، سأل عن محمد بن واسع، فقالوا: هو ذاك في الميمنة يبصبص بإصبعه إلى السماء؛ «أي يدعو الله عز وجل»، فقال: تلك الإصبع أحب إليَّ من مائة ألف سيفٍ شهير وشابٍ طرير.








قال الأصمعي: نزلت بحي من قبيلة كلب مجدبين قد توالت السنون عليهم، فماتت المواشي ومنعت الأرض من إخراج النبات، وأمسكت السماء قطرها، فجعلت انظر إلى السحابة ترتفع من ناحية القبلة سوداء متقاربة حتى تطبق الأرض، فيتشوف لها أهل الحي ويرفعون أصواتهم بالتكبير، ثم يعدلها الله عنهم مرارًا، فلما كثُر ذلك خرجت عجوزًا منهم فعلت مكانًا من الأرض، ثم نادت بأعلى صوتها: «يا ذا العرش، اصنع كيف شئت، فإن أرزاقنا عليك»، فما نزلت من موضعها حتى تغيَّمت السماء غيمًا شديدًا وأُمطروا مطرًا مباركًا.








وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول لمعاذ: «ألا أعلمك دعاءً تدعو به لو كان عليك مثل جبل أُُحد دينًا لأدَّاه الله عنك، قل يا معاذ: قل اللهم مالك الملك، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء وتمنعهما من تشاء، ارحمني رحمة تُغنيني عن رحمة مَن سواك»؛ [رواه الطبراني في الصغير ورجاله ثقات].








قال الحسن البصري رحمه الله: «عجبًا لمكروب غفل عن خمس، وقد عرف ما جعل الله لقائلهن:



قوله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة: 155 - 157].








وقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ اللَّهِ وفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء واتَّبَعُواْ رِضْوانَ اللَّهِ واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [سورة آل عمران: 173-174].








وقوله تعالى: ﴿ وأُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ فَوقَاهُ اللَّهُ سَيّئَاتِ مَا مَكَرُواْ وحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوء الْعَذَابِ[سورة غافر: 45].








وقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 147، 148].








وقوله تعالى: ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء: 87، 88].








الدعاء حبلٌ متين وعصمةٌ بالله رب العالمين: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5]، فإذا أراد الله أن يرحم المهموم والمغموم والمنكوب في ماله ودينه، ألْهمَه الدعاء، وشرح صدره لسؤال الله جل وعلا من بيده خزائن السماوات والأرض، يده سحاء الليل والنهار لا تفيضها نفقة.








وهذا سالم بن عبدالله بن عمر رضي الله عنه كان جالسًا في المسجد، فدخل عليه سليمان بن عبدالملك الخليفة الأموي، وجلس بجواره، وقال سلني حاجتك، فقال: «إني أستحيي أن أسأل في بيت الله غير الله»، وانتظر سليمان حتى خرج سالم من المسجد وخرج وراءه، فقال له: الآن سلني حاجتك، قال من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة، قال: من حوائج الدنيا وهل أملك الآخرة، فقال: إني ما سألت الدنيا ممن يَملِكها، فكيف أسأل مَن لا يملكها.








هذا وصلوا عباد الله على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [سورة الأحزاب: 56].








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 01-08-2021, 04:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفاتيح الرزق

مفاتيح الرزق (4)

د. أمير بن محمد المدري

الحمد لله ذي النعم الكثيرة والآلاء، الغني الكريم الواسع العطاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام النجباء، وعلى أتباعهم في هديهم القويم إلى يوم الميعاد والمأوى، وسلم تسليمًا، أما بعد:
فيا أيها المؤمنون، اتقوا الله تعالى حق التقوى وراقبوه في السر والعلن.


الحديث يتواصل معكم مع أسباب الرزق ومفاتيحه؛ يقول تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود: 6].


سبحان الله، خلق الخلق فأحصاهم عددًا وقسَّم أرزاقهم وأقواتهم، فلم ينس منهم أحدًا، فما رُفعت كف طعام إلى فمك وفيك إلا والله كتب لك هذا الطعام قبل أن يخلق السماوات والأرض، سبحان من رزق الطير في الهواء والسمكة والحوت في ظلمات الماء، سبحان من رزق الحية في العراء والدود في الصخرة الصماء، سبحان من لا تخفى عليه الخوافي، فهو المتكفل بالأرزاق، كتب الآجال والأرزاق، وحكم بها فلم يعقب حكمه، ولم يُردُّ عليه عدله، سبحان ذي العزة والجلال، مصرف الشؤون والأحوال، وإذا أراد الله بالعبد خيرًا بارك له في رزقه الحلال، وكتب له الخير فيما أولاه من النعم.


عباد الله، البركة في الأموال، والبركة في العيال، والبركة في الشؤون والأحوال، نعمة من الله الكريم المتفضل المتعال، الله وحده منه البركة ومنه الخيرات والرحمات، فما فتح من أبوابها لا يغلقه أحد سواه، وما أغلق لا يستطيع أحد أن يفتحه؛ قال تعالى: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا ومَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[سورة فاطر: 2].


يقول ابن القيم رحمه الله: «فرِّغ خاطرك لله بما أُمرت به، ولا تشغله بما ضمن لك، فإن الرزق والأجل قرينان مضمونان، فما دام الأجل باقيًا كان الرزق آتيًا، وإذا سدَّ عليك بحكمته طريقًا من طرقه، فتح لك برحمته طريقًا أنفع لك منه، فتأمل حال الجنين يأتيه غذاؤه وهو الدم من طريق واحدة وهو السرة، فلما خرج من بطن الأم وانقطع ذلك الحبل السُّري، فتح له طريقين اثنين وأجرى له فيهما رزقًا أطيب وألذ من الأول لبنًا خالصًا سائغًا، فإذا تمت مدة الرضاع وانقطعت الطريقان بالفطام، فتح طرقًا أربعة أكمل منها، طعامان وشرابان، فالطعامان من الحيوان والنبات، والشرابان من المياه والألبان، وما يضاف إليهما من المنافع والملاذ، فإذا مات انقطعت عنه هذه الطرق الأربعة، لكنه سبحانه فتح له إن كان سعيدًا مؤمنًا طُرقًا ثمانية وهي أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، فهكذا الرب سبحانه لا يمنع عبده المؤمن شيئًا من الدنيا إلا ويؤتيه أفضل منه وأنفع له، وليس ذلك لغير المؤمن، فإنه يمنعه الحظ الأدنى الخسيس ولا يرضى له به؛ ليعطيه الحظ الأعلى النفيس»؛ انتهى كلامه رحمه الله.


عباد الله، إن الرزق يُجري للعبد، ليستعين به على طاعة ربه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: رحمه الله: «إنما خلق الله الخلق، ليعبدوه، وإنما خلق الزرق لهم، ليستعينوا به على عبادته».


إذًا يعطيك الله سبحانه ما أعطاك لتلهوَ وتلعب به، وتنسى الدار الآخرة التي من أجلها خُلقت ولأجلها أُعطيت، لا يا عبد الله، إن الله أعطاك ما أعطاك، لتستعين به على عبادته، لا لتستخدمه في محرَّماته.


إن أولئك الذين يستخدمون مال الله فيما حرَّم الله، وينهكون الصحة والبدن والعافية التي هي من أَجَلِّ زرق الله، ينهكونه ويسخرونه في شهوات حرَّمها الله عليهم، هؤلاء بماذا وكيف يجيبون إذا سُئلوا يوم القيامة؟ بماذا يجيب من يستخدم رزق الله في محاربة أولياء الله؟


المفتاح الحادي عشر من مفاتيح الرزق والبركة إقامة شرع الله تعالى:

كيف لا والله تعالى يقول: ﴿ ولَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ والإِنجِيلَ ومَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ ومِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ [سورة المائدة: 66]، ﴿ ولَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ والإِنجِيلَ ومَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ [سورة المائدة: 66]؛ قال ابن عباس وغيره: هو القرآن، وقوله تعالى: ﴿ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ ومِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [سورة المائدة: 66]؛ يعني بذلك كثرة الرزق النازل عليهم من السماء والنابت لهم من الأرض، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ﴿ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ [سورة المائدة: 66]؛ يعني لأرسل السماء عليهم مدرارًا، ﴿ ومِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [سورة المائدة: 66]؛ يعني يخرج من الأرض بركاتها؛ كما قال تعالى: ﴿ ولَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ [سورة الأعراف: 96].


ومن أين يأتي القحط والضر والفساد والبلاء إلا من المعاصي والإعراض عن شرع الله؛ قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ والْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [سورة الروم: 41].


ويقول: «إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه»؛ [رواه الإمام أحمد وابن ماجه في سننه، وأورده الألباني في ضعيف الترغيب «1473، 1478»].


ومتى عاش المسلمون بهذا الدين يُحكمون شرع الله ويتحاكمون إليه، ويقيمون حدوده وينفذون أحكامه، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، أعزهم الله ورفعهم وبارك في أرزاقهم، كيف نُريد أن يبارك الله في أرزاقنا ويرفع عنا الضُّر والبلاء والغلاء، ونحن نحارب الله بالربا؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ وإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ ولا تُظْلَمُونَ [البقرة: 279]، وقال صلى الله عليه وسلم: «درهم ربا يأكلُّه الرجلُ وهو يعلم أشدُّ من ستةٍ وثلاثين زنية»؛ [رواه الإمام أحمد عن عبدالله بن حنظلة، وصحَّحه الألباني في صحيح الترغيب]، وقال عليه الصلاة والسلام: «الربا ثلاثٌ وسبعون بابًا، أيسرُها مثلُ أن ينكحَ الرجلُ أمه»؛ [صححه الألباني أيضًا في صحيح الترغيب]، فاتَّقِ الله في نفسك يا عبد الله، ولا تُعرِّضْ نفسَك وأهلكَ لأكلِ الحرام، يقولُ النبي: «لا يدخلُ الجنةَ لحمٌ ولا دمٌ نبتَ من سُحتٍ، النارُ أَولى به»؛ [رواه الطبراني].


الربا عباد الله محقٌ للبركة وضياع للأموال؛ قال تعالى: ﴿ مْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة: 276].


كيف نُريد أن يبارك الله في اقتصادنا وحدود الله لا تُقام وفيها الحياة للأمة؛ قال تعالى: ﴿ ولَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [سورة البقرة: 179].


الرشوة انتشرت انتشار النار في الهشيم فلا تتم لك معاملة، ولا توقع لك ورقة، ولا ترتفع لك قضية إلا برشوة، إلا من رحم الله ولعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما.


بل إن من أسباب انهيار الأمم وضياعها وفقرها ودمارها الإعراض عن شرع الله والظلم للعباد؛ قال تعالى: ﴿ وتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا[سورة الكهف: 59].


ظلموا بنشر المنكرات، ظلموا بنشر الزنا والخمور؛ قال تعالى: ﴿ وإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا[سورة الإسراء: 16].


لأن أكابر المجرمين الذين يُفسدون في الأرض ولا يصلحون إذا تأمروا، وإذا تُرِك لهم الحبل على الغارب وأُطلق لهم العنان، ولم يضرب على أيديهم، فهذا من أعظم أسباب دمار الأمم والشعوب؛ قال تعالى: ﴿ وكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا ورُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا فَذَاقَتْ وبَالَ أَمْرِهَا وكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ﴾ [الطلاق: 9].


والمفتاح الثاني عشر من مفاتيح الرزق والبركة: الصلاة والذكر، فأما الصلاة من حافظ عليها كانت له نورًا ونجاةً وبركة وسعادة في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ وأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ واصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ والْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى[سورة طه: 132].


يعني إذا أقمت الصلاة يأتيك رزقك من حيث لا تحتسب.


عباد الله، بيتٌ فيه قاطع للصلاة بيت تقل فيه البركة، فالناس في مساجدهم والله في قضاء حوائجهم، ولذلك عندما تدخل المسجد يا عبد الله تحمد الله وتصلي على النبي، وتقول: اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وعند الخروج كذلك وتقول: الله اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك؛ قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاةُ فَانتَشِرُواْ في الأَرْضِ وابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ [سورة الجمعة: 10].


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا وأستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.


المفتاح الثالث عشر للبركة والرزق والتيسير: التبكير في طلب الرزق فعن صخر الغامدي رحمه الله، قال: قال رسول الله: «اللهم بارك لأمتي في بكورها»؛ [رواه أحمد وقال الشيخ الألباني: «صحيح»؛ انظر حديث رقم: 1300 في صحيح الجامع].


وروي عن فاطمة رضي الله عنها قالت: مر بي رسول وأنا مضطجعة، فحركني برجله، ثم قال: يا بنية، قومي اشهدي رزق الله ولا تكوني من الغافلين، فإن الله يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس»؛ [فيض القدير شرح الجامع الصغير 1457].


المفتاح الرابع عشر والأخير: الزواج لمن يريد العفاف، الزواج الذي يحرص الزوجان فيه على طاعة الله تعالى؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «ثلاثةٌ حقٌّ على الله عونهم، المجاهد في سبيل الله والمكاتب يريد الأداء، والناكح يريد العفاف»؛ [حديث حسن كما في صحيح ابن ماجه للألباني «2041»].


وقال تعالى: ﴿ وأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ والصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ [سورة النور: 32]، وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي قال: «أربعٌ من أُعطيهن أعطي خير الدنيا والآخرة: قلبًا شاكرًا ولسانًا ذاكرًا، وبدنًا على البلاء صابرًا، وزوجة لا تبغيه خونًا في نفسها ولا ماله»؛ [رواه البيهقي في شعب الإيمان].


وأخيرًا عباد الله، إن عطاء الله، وإغداقه سبحانه في الرزق على العبد، لا يدل على محبة الله لهذا العبد، ورضاه عنه؛ قال تعالى: ﴿ ومَن كَفَرَ فَأُمَتّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ [سورة البقرة: 126]، فلو وسِّعَ عليك في رزقك، وأصبحت تربح الألوف بدل المئات، والملايين بدل الألوف، فلا تظن بأن هذا بسبب محبة الله لك، فالله قد يُعطي الفجار أكثر من الأبرار، وقد يرزق الكافرين أضعاف أضعاف المسلمين.


أخي الحبيب، اسمع لحديث عقبة بن عامر في المسند، وهو حديث صحيح، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيت الله يُعطي العبد من الدنيا، وهو قائم على معاصيه فليحذرْ فإنما هو استدراج»، ثم تلا قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شيء حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَـاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ [سورة الأنعام: 44].


قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ [الفجر: 15، 16].


هذه أيها الإخوة هي الأسباب الحقيقية لاستجلاب رحمة الله ورزقه وفضله.


أما الأشياء المادية، فإنما هي أسباب رتَّب الله عليها الوقوع، والله تعالى إذا قدَّر الرزق هيَّأ له السبب المادي سواء رضيت أم لم ترضَ، وسواء سعيت أم لم تسعَ، فدورُك أيها المسلم ليس في السعي الحثيث في أمور مادية، لكن دورك الحقيقي هو في السعي لإرضاء الخالق الذي بيده الرزق وبيده العطاء والمنع؛ قال تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [سورة آل عمران: 26]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ ويَقْدِرُ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [سورة سبأ: 36].


والأدهى من ذلك لماذا نطلب المال من الحرام؟ وبعض الناس همه جمع المال ولا يبالي أخذ الريال من حلال أم من حرام.
لماذا نسرق ونختلس ونغش ونكذب؟ لماذا نتعامل بالربا والبيوع المحرمة؟
لماذا الحسد؟ لماذا النجش؟ لماذا الظلم؟ لماذا البغي؟ لماذا الخداع؟


أفلا نعلم أن الله هو الرزاق، فنطلب الرزق من عنده؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ واعْبُدُوهُ واشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [سورة العنكبوت: 17].


هذا وصلوا عباد الله على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [سورة الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 165.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 162.28 كيلو بايت... تم توفير 3.17 كيلو بايت...بمعدل (1.91%)]