تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - الصفحة 54 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         عبدُ الرَّحمن بن مهديِّ (إمامُ الضَّبط والإتقان) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          شموع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 4180 )           »          الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 47 - عددالزوار : 19009 )           »          "ولئن انتهى رمضان" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          من مدرسة رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الليلة السابعة والعشرون: الاستغفار وفضله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الدرس الرابع عشر: الخشوع في الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الليلة السادسة والعشرون: الاستغفار وفضله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          مسائل مهمة في منهجية البحث الفقهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          من صيام التطوع (صوم تسع من ذي الحجة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #531  
قديم 17-02-2025, 07:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (531)
صــ 551 إلى صــ 565





[ ص: 551 ]

فأباح صلى الله عليه وسلم صيد البازي وجعله من الجوارح . ففي ذلك دلالة بينة على فساد قول من قال : "عنى الله بقوله : "وما علمتم من الجوارح" ، ما علمنا من الكلاب خاصة ، دون غيرها من سائر الجوارح" .

فإن ظن ظان أن في قوله : " مكلبين " ، دلالة على أن الجوارح التي ذكرت في قوله : "وما علمتم من الجوارح " ، هي الكلاب خاصة ، فقد ظن غير الصواب .

وذلك أن معنى الآية : قل أحل لكم ، أيها الناس ، في حال مصيركم أصحاب كلاب الطيبات ، وصيد ما علمتوه الصيد من كواسب السباع والطير . فقوله : " مكلبين " ، صفة للقانص ، وإن صاد بغير الكلاب في بعض أحيانه . وهو نظير قول القائل يخاطب قوما : " أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين مؤمنين " . فمعلوم أنه إنما عنى قائل ذلك ، إخبار القوم أن الله جل ذكره أحل لهم ، في حال كونهم أهل إيمان ، الطيبات وصيد الجوارح التي أعلمهم أنه لا يحل لهم منه إلا ما صادوه به فكذلك قوله : " أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين " لذلك نظيره ، في أن التكليب للقانص بالكلاب كان صيده أو بغيرها لا أنه إعلام من الله عز ذكره أنه لا يحل من الصيد إلا ما صادته الكلاب .

[ ص: 552 ] القول في تأويل قوله ( تعلمونهن مما علمكم الله )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "تعلمونهن" ، تؤدبون الجوارح فتعلمونهن طلب الصيد لكم "مما علمكم الله" ، يعني بذلك : من التأديب الذي أدبكم الله ، والعلم الذي علمكم .

وقد قال بعض أهل التأويل : معنى قوله : "مما علمكم الله" ، كما علمكم الله .

ذكر من قال ذلك :

11157 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " تعلمونهن مما علمكم الله " ، يقول : تعلمونهن من الطلب كما علمكم الله .

ولسنا نعرف في كلام العرب"من" بمعنى"الكاف" ، لأن"من" تدخل في كلامهم بمعنى التبعيض ، و"الكاف" بمعنى التشبيه . وإنما يوضع الحرف مكان آخر غيره ، إذا تقارب معنياهما . فأما إذا اختلفت معانيهما ، فغير موجود في كلامهم وضع أحدهما عقيب الآخر . وكتاب الله وتنزيله أحرى الكلام أن يجنب ما خرج عن المفهوم والغاية في الفصاحة من كلام من نزل بلسانه . . . . . . . . . . . .

[ ص: 553 ]

11158 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا إسماعيل بن صبيح قال : حدثنا أبو هانئ عمر بن بشير قال : حدثنا عامر : أن عدي بن حاتم الطائي قال : أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن صيد الكلاب ، فلم يدر ما يقول له ، حتى نزلت هذه الآية : " تعلمونهن مما علمكم الله " .

قيل : اختلف أهل التأويل في ذلك .

فقال بعضهم : هو أن يستشلي لطلب الصيد إذا أرسله صاحبه [ ص: 554 ] ويمسك عليه إذا أخذه فلا يأكل منه ، ويستجيب له إذا دعاه ، ولا يفر منه إذا أراده . فإذا تتابع ذلك منه مرارا كان"معلما" . وهذا قول جماعة من أهل الحجاز وبعض أهل العراق .

ذكر من قال ذلك :

11159 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : أخبرنا ابن جريج قال : قال عطاء : كل شيء قتله صائدك قبل أن يعلم ويمسك ويصيد ، فهو ميتة . ولا يكون قتله إياه ذكاة ، حتى يعلم ويمسك ويصيد . فإن كان ذلك ثم قتل ، فهو ذكاته .

11160 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : إن المعلم من الكلاب : أن يمسك صيده فلا يأكل منه حتى يأتيه صاحبه . فإن أكل من صيده قبل أن يأتيه صاحبه فيدرك ذكاته ، فلا يأكل من صيده .

11161 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : إذا أكل الكلب فلا تأكل ، فإنما أمسك على نفسه .

[ ص: 555 ]

11162 - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم قالا حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال : حدثنا أبو المعلى ، عن سعيد بن جبير قال : قال ابن عباس : إذا أرسل الرجل الكلب فأكل من صيده فقد أفسده ، وإن كان ذكر اسم الله حين أرسله فزعم أنه إنما أمسك على نفسه والله يقول : " من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله " ، فزعم أنه إذا أكل من صيده قبل أن يأتيه صاحبه أنه ليس بمعلم ، وأنه ينبغي أن يضرب ويعلم حتى يترك ذلك الخلق .

11163 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا معمر الرقي ، عن حجاج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : إذا أخذ الكلب فقتل فأكل ، فهو سبع .

11164 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثني عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن عامر ، عن ابن عباس قال : لا يأكل منه ، فإنه لو كان معلما لم يأكل منه ، ولم يتعلم ما علمته . إنما أمسك على نفسه ، ولم يمسك عليك .

11165 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا داود ، عن الشعبي ، عن ابن عباس ، بنحوه .

11166 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن ابن عباس قال : إذا أكل الكلب فلا تأكل .

[ ص: 556 ]

11167 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الشعبي ، عن ابن عباس ، بمثله .

11168 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا ابن عون قال : قلت لعامر الشعبي : الرجل يرسل كلبه فيأكل منه ، أنأكل منه ؟ قال : لا لم يتعلم الذي علمته .

11169 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : إذا أكل الكلب من صيده فاضربه ، فإنه ليس بمعلم .

11170 - حدثنا سوار بن عبد الله قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : إذا أكل الكلب فهو ميتة ، فلا تأكله .

11171 - حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير وسيار ، عن الشعبي ومغيرة ، عن إبراهيم أنهم قالوا في الكلب إذا أكل من صيده : فلا تأكل ، فإنما أمسك على نفسه .

11172 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : أخبرنا ابن جريج قال : قال عطاء : إن وجدت الكلب قد أكل من الصيد ، فما وجدته ميتا فدعه ، فإنه مما لم يمسك عليك صيدا . إنما هو سبع أمسك على نفسه ولم يمسك عليك ، وإن كان قد علم .

11173 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، بنحوه .

وقال آخرون نحو هذه المقالة ، غير أنهم حدوا لمعرفة الكلاب بأن كلبه قد قبل التعليم وصار من الجوارح الحلال صيدها أن يفعل ذلك كلبه مرات [ ص: 557 ] ثلاثا . وهذا قول محكي عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن .

وقال آخرون ممن قال هذه المقالة : لا حد لعلم الكلاب بذلك من كلبه ، أكثر من أن يفعل كلبه ما وصفنا أنه له تعليم . قالوا : فإذا فعل ذلك فقد صار معلما حلالا صيده . وهذا قول بعض المتأخرين .

وفرق بعض قائلي هذه المقالة بين تعليم البازي وسائر الطيور الجارحة وتعليم الكلب وضاري السباع الجارحة ، فقال : جائز أكل ما أكل منه البازي من الصيد . قالوا : وإنما تعليم البازي أن يطير إذا استشلي ، ويجيب إذا دعي ، ولا ينفر من صاحبه إذا أراد أخذه . قالوا : وليس من شروط تعليمه أن لا يأكل من الصيد .

ذكر من قال ذلك :

11174 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم وحجاج ، عن عطاء قال : لا بأس بصيد البازي وإن أكل منه .

11175 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أسباط قال : حدثنا أبو إسحاق الشيباني ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن ابن عباس أنه قال في الطير : إذا أرسلته فقتل ، فكل . فإن الكلب إذا ضربته لم يعد . وإن تعليم الطير أن يرجع إلى صاحبه ، وليس يضرب إذا أكل من الصيد ونتف من الريش .

11176 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا أبو حمزة ، عن جابر ، عن الشعبي قال : ليس البازي والصقر كالكلب ، فإذا أرسلتهما فأمسكا فأكلا فدعوتهما فأتياك ، فكل منه .

[ ص: 558 ]

11177 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو زبيد ، عن مطرف ، عن حماد ، قال إبراهيم : كل صيد البازي وإن أكل منه .

11178 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم وجابر ، عن الشعبي ، قالا كل من صيد الباز وإن أكل .

11179 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن حماد ، عن إبراهيم : إذا أكل البازي والصقر من الصيد ، فكل ، فإنه لا يعلم .

11180 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم قال : لا بأس بما أكل منه البازي .

11181 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن حماد : أنه قال في البازي إذا أكل منه ، قال : كل .

وقال آخرون منهم : سواء تعليم الطير والبهائم والسباع ، لا يكون نوع من ذلك معلما إلا بما يكون به سائر الأنواع معلما . وقالوا : لا يحل أكل شيء من الصيد الذي صادته جارحة فأكلت منه كائنة ما كانت تلك الجارحة ، بهيمة ، أو طائرا . قالوا : لأن من شروط تعليمها الذي يحل به صيدها : أن تمسك ما صادت على صاحبها ، فلا تأكل منه .

ذكر من قال ذلك :

11182 - حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا ابن أبي زائدة قال : حدثنا [ ص: 559 ] محمد بن سالم ، عن عامر قال : قال علي : إذا أكل البازي من صيده فلا تأكل .

11183 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن جعفر ، عن شعبة ، عن مجالد بن سعيد ، عن الشعبي قال : إذا أكل البازي منه فلا تأكل .

11184 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير قال : إذا أكل البازي فلا تأكل .

11185 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن عمر بن الوليد الشني قال : سمعت عكرمة قال : إذا أكل البازي فلا تأكل .

11186 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : أخبرنا ابن جريج قال : قال عطاء : الكلب والبازي كله واحد ، لا تأكل ما أكل منه من الصيد ، إلا أن تدرك ذكاته فتذكيه . قال : قلت لعطاء : البازي ينتف الريش ؟ قال : فما أدركته ولم يأكل فكل . قال ذلك غير مرة .

وقال آخرون : تعليم كل جارحة من البهائم والطير واحد . قالوا : وتعليمه الذي يحل به صيده : أن يشلى على الصيد فيستشلي ويأخذ الصيد ويدعوه صاحبه فيجيب ، ولا يفر منه إذا أخذه . قالوا : فإذا فعل الجارح ذلك كان"معلما" [ ص: 560 ] داخلا في المعنى الذي قال الله : " وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم " . قالوا : وليس من شرط تعليم ذلك أن لا يأكل من الصيد . قالوا : وكيف يجوز أن يكون ذلك من شرطه ، وهو يؤدب بأكله ؟

ذكر من قال ذلك :

11187 - حدثنا ابن أبي الشوارب قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد أو سعد ، عن سلمان قال : إذا أرسلت كلبك على صيد ، وذكرت اسم الله ، فأكل ثلثيه وبقي ثلثه ، فكل ما بقي .

11188 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا حميد قال : حدثني القاسم بن ربيعة ، عمن حدثه ، عن سلمان وبكر بن عبد الله ، عمن حدثه ، عن سلمان : أن الكلب يأخذ الصيد فيأكل منه ، قال : كل ، وإن أكل ثلثيه ، إذا أرسلته وذكرت اسم الله ، وكان معلما .

11189 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر قال : [ ص: 561 ] حدثنا شعبة قال : سمعت قتادة يحدث ، عن سعيد بن المسيب قال : قال سلمان : كل وإن أكل ثلثيه يعني : الصيد إذا أكل منه الكلب .

11190 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن سلمان ، نحوه .

11191 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي وعبد العزيز بن عبد الصمد ، عن شعبة ح وحدثنا هناد قال : حدثنا عبدة جميعا ، عن سعيد ، عن قتادة : عن سعيد بن المسيب قال : قال سلمان : إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله ، فأكل ثلثيه وبقي ثلثه ، فكل . .

11192 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبدة ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد ، عن سلمان ، نحوه .

11193 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا يزيد ، عن بكر بن عبد الله المزني والقاسم : أن سلمان قال : إذا أكل الكلب فكل ، وإن أكل ثلثيه .

11194 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن داود بن أبي الفرات ، عن محمد بن زيد ، عن سعيد بن المسيب قال : قال سلمان : إذا أرسلت كلبك المعلم أو بازك ، فسميت فأكل نصفه أو ثلثيه ، فكل بقيته .

11195 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني مخرمة بن بكير ، عن أبيه ، عن حميد بن مالك بن خثيم الدؤلي : أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن الصيد يأكل منه الكلب ، فقال : كل ، وإن لم يبق منه إلا حذية - يعني : بضعة .

[ ص: 562 ]

11196 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثني عبد الصمد قال : حدثنا شعبة ، عن عبد ربه بن سعيد قال : سمعت بكير بن الأشج يحدث ، عن سعد قال : كل ، وإن أكل ثلثيه .

11197 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا سعيد بن الربيع قال : حدثنا شعبة ، عن عبد ربه بن سعيد قال : سمعت بكير بن الأشج ، عن سعيد بن المسيب قال شعبة : قلت : سمعته من سعيد ؟ قال : لا قال : كل وإن أكل ثلثيه قال : ثم إن شعبة قال في حديثه : عن سعد . قال : كل ، وإن أكل نصفه .

11198 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثني عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن عامر ، عن أبي هريرة قال : إذا أرسلت كلبك فأكل منه ، فإن أكل ثلثيه وبقي ثلثه ، فكل .

11199 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن أبي هريرة ، بنحوه .

11200 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو معاوية ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن أبي هريرة ، نحوه .

11201 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثني سالم بن نوح العطار ، عن عمر يعني : ابن عامر عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن سلمان قال : إذا [ ص: 563 ] أرسلت كلبك المعلم فأخذ فقتل ، فكل ، وإن أكل ثلثيه .

11202 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر قال : سمعت عبيد الله ح وحدثنا هناد قال : حدثنا عبدة ، عن عبيد الله بن عمر عن نافع ، عن عبد الله بن عمر قال : إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله ، فكل ما أمسك عليك ، أكل أو لم يأكل .

11203 - حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، بنحوه .

11204 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني ابن أبي ذئب : أن نافعا حدثهم : أن عبد الله بن عمر كان لا يرى بأكل الصيد بأسا ، إذا قتله الكلب أكل منه .

11205 - حدثني يونس به مرة أخرى فقال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني عبيد الله بن عمرو ، ابن أبي ذئب ، وغير واحد : أن نافعا حدثهم ، عن عبد الله بن عمر ، فذكر نحوه .

11206 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا محمد بن أبي ذئب ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه كان لا يرى بأسا بما أكل الكلب الضاري .

11207 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن ابن أبي ذئب ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن حميد بن عبد الله ، عن سعد قال : قلت لنا : كلاب ضوار يأكلن ويبقين ؟ قال : كل ، وإن لم يبق إلا بضعة .

11208 - حدثنا هناد قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن ابن أبي [ ص: 564 ] ذئب ، عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج ، عن حميد قال : سألت سعدا ، فذكر نحوه .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندنا في تأويل قوله : " تعلمونهن مما علمكم الله " : أن"التعليم" الذي ذكره الله في هذه الآية للجوارح ، إنما هو أن يعلم الرجل جارحه الاستشلاء إذا أشلي على الصيد وطلبه إياه إذا أغرى ، أو إمساكه عليه ، إذا أخذه من غير أن يأكل منه شيئا ، وألا يفر منه إذا أراده ، وأن يجيبه إذا دعاه . فذلك ، هو تعليم جميع الجوارح ، طيرها وبهائمها . فإن أكل من الصيد جارحة صائد فجارحه حينئذ غير معلم . فإن أدرك صيده صاحبه حيا فذكاه ، حل له أكله . وإن أدركه ميتا ، لم يحل له أكله ، لأنه مما أكله السبع الذي حرمه الله تعالى بقوله : ( وما أكل السبع ) ، ولم يدرك ذكاته .

وإنما قلنا : ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصواب ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بما : -

11209 - حدثنا به ابن حميد قال : حدثنا ابن المبارك ، عن عاصم بن سليمان الأحول ، عن الشعبي ، عن عدي بن حاتم : أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيد فقال : إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله عليه ، فإن أدركته وقد قتل وأكل منه فلا تأكل منه شيئا ، فإنما أمسك على نفسه . " [ ص: 565 ]

11210 - حدثنا أبو كريب وأبو هشام الرفاعي قالا حدثنا محمد بن فضيل ، عن بيان بن بشر ، عن عامر ، عن عدي بن حاتم قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إنا قوم نتصيد بهذه الكلاب ؟ فقال : إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله عليها ، فكل ما أمسكن عليك وإن قتلن ، إلا أن يأكل الكلب ، فإن أكل فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون إنما حبسه على نفسه . "

فإن قال قائل : فما أنت قائل فيما حدثك به : -

11211 - عمران بن بكار الكلاعي قال : حدثنا عبد العزيز بن موسى قال : حدثنا محمد بن دينار ، عن أبي إياس ، عن سعيد بن المسيب ، عن سلمان الفارسي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أرسل الرجل كلبه على الصيد فأدركه وقد أكل منه ، فليأكل ما بقي .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #532  
قديم 17-02-2025, 07:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (532)
صــ 566 إلى صــ 580







قيل : هذا خبر في إسناده نظر ، فإن" سعيدا " غير معلوم له سماع من" سلمان " ، والثقات من أهل الآثار يقفون هذا الكلام على سلمان ، ويروونه عنه من قبله غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم . والحفاظ الثقات إذا تتابعوا على نقل شيء بصفة ، فخالفهم واحد منفرد ليس له حفظهم ، كانت الجماعة الأثبات أحق بصحة ما نقلوا من الفرد الذي ليس له حفظهم .

قال أبو جعفر : وإذا كان الأمر في الكلب على ما ذكرت : من أنه إذا أكل من الصيد فغير معلم ، فكذلك حكم كل جارحة : في أن ما أكل منها من الصيد فغير معلم ، لا يحل له أكل صيده إلا أن يدرك ذكاته .
القول في تأويل قوله ( فكلوا مما أمسكن عليكم )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : " فكلوا مما أمسكن عليكم " ، فكلوا ، أيها الناس ، مما أمسكت عليكم جوارحكم .



واختلف أهل التأويل في معنى ذلك .

فقال بعضهم : ذلك على الظاهر والعموم كما عممه الله ، حلال أكل كل ما أمسكت علينا الكلاب والجوارح المعلمة من الصيد الحلال أكله ، أكل منه الجارح والكلاب أو لم يأكل منه ، أدركت ذكاته فذكي أو لم تدرك ذكاته حتى قتلته الجوارح بجرحها إياه أو بغير جرح .

[ ص: 567 ]

وهذا قول الذين قالوا : " تعليم الجوارح الذي يحل به صيدها أن تعلم الاستشلاء على الصيد ، وطلبه إذا أشليت عليه ، وأخذه ، وترك الهرب من صاحبها ، دون ترك الأكل من صيدها إذا صادته" . وقد ذكرنا قول قائلي هذه المقالة والرواية عنهم بأسانيدها الواردة آنفا .

وقال آخرون : بل ذلك على الخصوص دون العموم . قالوا : ومعناه : فكلوا مما أمسكن عليكم من الصيد جميعه دون بعضه . قالوا : فإن أكلت الجوارح منه بعضا وأمسكت بعضا ، فالذي أمسكت منه غير جائز أكله وقد أكلت بعضه ، لأنها إنما أمسكت ما أمسكت من ذلك الصيد بعد الذي أكلت منه ، على أنفسها لا علينا ، والله تعالى ذكره إنما أباح لنا كل ما أمسكته جوارحنا المعلمة علينا بقوله : " فكلوا مما أمسكن عليكم " ، دون ما أمسكته على أنفسها . وهذا قول من قال : " تعليم الجوارح الذي يحل به صيدها : أن تستشلي للصيد إذا أشليت ، فتطلبه وتأخذه ، فتمسكه على صاحبها فلا تأكل منه شيئا ، ولا تفر من صاحبها" . وقد ذكرنا ممن قال ذلك فيما مضى منهم جماعة كثيرة ونذكر منهم جماعة أخر في هذا الموضع .

11212 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " فكلوا مما أمسكن عليكم " ، يقول : كلوا مما قتلن قال علي : وكان ابن عباس يقول : إن قتل وأكل فلا تأكل ، وإن أمسك فأدركته حيا فذكه .

11213 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : [ ص: 568 ] حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : إن أكل المعلم من الكلاب من صيده قبل أن يأتيه صاحبه فيدرك ذكاته ، فلا يأكل من صيده .

11214 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فكلوا مما أمسكن عليكم " ، إذا صاد الكلب فأمسكه وقد قتله ولم يأكل منه ، فهو حل . فإن أكل منه ، فيقال : إنما أمسك على نفسه . فلا تأكل منه شيئا ، إنه ليس بمعلم .

11215 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "يسألونك ماذا أحل لهم" إلى قوله : "فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه" ، قال : إذا أرسلت كلبك المعلم أو طيرك أو سهمك ، فذكرت اسم الله ، فأخذ أو قتل ، فكل .

11216 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول : إذا أرسلت كلبك المعلم فذكرت اسم الله حين ترسله ، فأمسك أو قتل ، فهو حلال . فإذا أكل منه فلا تأكله ، فإنما أمسكه على نفسه .

11217 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو معاوية ، عن عاصم ، عن الشعبي ، عن عدي قوله : "فكلوا مما أمسكن عليكم" ، قال : قلت يا رسول الله ، إن أرضي أرض صيد ؟ قال : "إذا أرسلت كلبك وسميت ، فكل مما أمسك عليك كلبك وإن قتل . فإن أكل فلا تأكل ، فإنه إنما أمسك على نفسه . [ ص: 569 ]

وقد بينا أولى القولين في ذلك بالصواب قبل ، فأغنى ذلك عن إعادته وتكراره .

فإن قال قائل : وما وجه دخول"من" ، في قوله : " فكلوا مما أمسكن عليكم " ، وقد أحل الله لنا صيد جوارحنا الحلال ، و"من" إنما تدخل في الكلام مبعضة لما دخلت فيه ؟

قيل : قد اختلف في معنى دخولها في هذا الموضع أهل العربية .

فقال بعض نحويي البصرة : دخلت"من" في هذا الموضع لغير معنى ، كما تدخله العرب في قولهم : "كان من مطر" و"كان من حديث" . قال : ومن ذلك قوله : ( ويكفر عنكم من سيئاتكم ) [ سورة البقرة : 271 ] ، وقوله : ( وينزل من السماء من جبال فيها من برد ) [ سورة النور : 43 ] ، قال : وهو فيما فسر : وينزل من السماء جبالا فيها برد . قال : وقال بعضهم : و" وينزل من السماء من جبال فيها من برد " ، أي : من السماء من برد ، بجعل"الجبال من برد" في السماء ، وبجعل الإنزال منها .

وكان غيره من أهل العربية ينكر ذلك ويقول : لم تدخل"من" إلا لمعنى مفهوم ، لا يجوز الكلام ولا يصلح إلا به . وذلك أنها دالة على التبعيض . وكان يقول : معنى قولهم"قد كان من مطر" و"كان من حديث"; هل كان من مطر مطر عندكم ؟ وهل من حديث حدث عندكم ؟ ويقول : معنى : ( ويكفر عنكم من سيئاتكم ) ، أي : ويكفر عنكم من سيئاتكم ما يشاء ويريد وفي قوله : ( وينزل من السماء من جبال فيها من برد ) ، فيجيز [ ص: 570 ] حذف"من" من "من برد" ولا يجيز حذفها من"الجبال" ، ويتأول معنى ذلك : وينزل من السماء أمثال جبال برد ، ثم أدخلت"من" في"البرد" ، لأن"البرد" مفسر عنده من"الأمثال" أعني : "أمثال الجبال" ، وقد أقيمت "الجبال" مقام"الأمثال" ، و"الجبال" وهي"جبال برد" فلا يجيز حذف"من" من"الجبال" ، لأنها دالة على أن الذي في السماء الذي أنزل منه البرد ، أمثال جبال برد . وأجاز حذف"من" من "البرد" ، لأن"البرد" مفسر عن"الأمثال" ، كما تقول : "عندي رطلان زيتا" و"عندي رطلان من زيت" ، وليس عندك"الرطل" ، وإنما عندك المقدار . ف"من" تدخل في المفسر وتخرج منه . وكذلك عند قائل هذا القول : من السماء ، من أمثال جبال ، وليس بجبال . وقال : وإن كان : "أنزل من جبال في السماء من برد جبالا" ، ثم حذف"الجبال" الثانية ، و"الجبال" الأول في السماء ، جاز . تقول : "أكلت من الطعام" ، تريد : أكلت من الطعام طعاما ، ثم تحذف"الطعام" ولا تسقط"من" .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك : أن"من" لا تدخل في الكلام إلا لمعنى مفهوم ، وقد يجوز حذفها في بعض الكلام وبالكلام إليها حاجة ، لدلالة ما يظهر من الكلام عليها . فأما أن تكون في الكلام لغير معنى أفادته بدخولها ، فذلك قد بينا فيما مضى أنه غير جائز أن يكون فيما صح من الكلام .

ومعنى دخولها في قوله : " فكلوا مما أمسكن عليكم " ، للتبعيض ، إذ كانت الجوارح تمسك على أصحابها ما أحل الله لهم لحومه ، وحرم عليهم فرثه ودمه ، فقال جل ثناؤه : "فكلوا" مما أمسكت عليكم جوارحكم الطيبات التي أحللت [ ص: 571 ] لكم من لحومها ، دون ما حرمت عليكم من خبائثه من الفرث والدم وما أشبه ذلك ، مما لم أطيبه لكم . فذلك معنى دخول"من" في ذلك .

وأما قوله : ( ويكفر عنكم من سيئاتكم ) ، فقد بينا وجه دخولها فيه فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته .

وأما دخولها في قوله : ( وينزل من السماء من جبال ) ، فسنبينه إذا أتينا عليه إن شاء الله . .

القول في تأويل قوله ( واذكروا اسم الله عليه )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( واذكروا اسم الله عليه ) على ما أمسكت عليكم جوارحكم من الصيد . كما : -

11218 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " واذكروا اسم الله عليه " ، يقول : إذا أرسلت جوارحك فقل : "بسم الله" ، وإن نسيت فلا حرج .

11219 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " واذكروا اسم الله عليه " ، قال : إذا أرسلته فسم عليه حين ترسله على الصيد .

[ ص: 572 ] القول في تأويل قوله ( واتقوا الله إن الله سريع الحساب ( 4 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه : واتقوا الله ، أيها الناس ، فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه ، فاحذروه في ذلك أن تقدموا على خلافه ، وأن تأكلوا من صيد الجوارح غير المعلمة ، أو مما لم تمسك عليكم من صيدها وأمسكته على أنفسها ، أو تطعموا ما لم يسم الله عليه من الصيد والذبائح مما صاده أهل الأوثان وعبدة الأصنام ومن لم يوحد الله من خلقه ، أو ذبحوه ، فإن الله قد حرم ذلك عليكم فاجتنبوه .

ثم خوفهم إن هم فعلوا ما نهاهم عنه من ذلك ومن غيره . فقال : اعلموا أن الله سريع حسابه لمن حاسبه على نعمه عليه منكم وشكر الشاكر منكم ربه على ما أنعم به عليه بطاعته إياه فيما أمر ونهى ، لأنه حافظ لجميع ذلك فيكم ، فيحيط به ، لا يخفى عليه منه شيء ، فيجازي المطيع منكم بطاعته ، والعاصي بمعصيته ، وقد بين لكم جزاء الفريقين .

القول في تأويل قوله ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " اليوم أحل لكم الطيبات " ، اليوم أحل لكم ، أيها المؤمنون ، الحلال من الذبائح والمطاعم دون الخبائث منها .

وقوله : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، وذبائح أهل الكتاب من [ ص: 573 ] اليهود والنصارى وهم الذين أوتوا التوراة والإنجيل وأنزل عليهم ، فدانوا بهما أو بأحدهما "حل لكم" يقول : حلال لكم ، أكله دون ذبائح سائر أهل الشرك الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب وعبدة الأوثان والأصنام . فإن من لم يكن منهم ممن أقر بتوحيد الله عز ذكره ودان دين أهل الكتاب ، فحرام عليكم ذبائحهم .

ثم اختلف فيمن عنى الله عز ذكره بقوله : " وطعام الذين أوتوا الكتاب " ، من أهل الكتاب .

فقال بعضهم : عنى الله بذلك ذبيحة كل كتابي ممن أنزل عليه التوراة والإنجيل ، أو ممن دخل في ملتهم فدان دينهم ، وحرم ما حرموا ، وحلل ما حللوا ، منهم ومن غيرهم من سائر أجناس الأمم .

ذكر من قال ذلك :

11220 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال : حدثنا عبد الواحد قال : حدثنا خصيف قال : حدثنا عكرمة قال : سئل ابن عباس عن ذبائح نصارى بني تغلب ، فقرأ هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود ) إلى قوله : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) ، الآية [ سورة المائدة : 51 ] .

11221 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان : عن عاصم الأحول ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله .

11222 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن عثمة قال : حدثنا سعيد بن بشر ، عن قتادة ، عن الحسن وعكرمة : أنهما كانا لا يريان بأسا بذبائح نصارى [ ص: 574 ] بني تغلب ، وبتزوج نسائهم ، ويتلوان : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) .

11223 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن وسعيد بن المسيب : أنهما كانا لا يريان بأسا بذبيحة نصارى بني تغلب .

11224 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن الشعبي : أنه كان لا يرى بأسا بذبائح نصارى بني تغلب ، وقرأ : ( وما كان ربك نسيا ) ، [ سورة مريم : 64 ] .

11225 - حدثني ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا أبو عاصم قال : أخبرنا ابن جريج قال : حدثني ابن شهاب عن ذبيحة نصارى العرب ، قال : تؤكل من أجل أنهم في الدين أهل كتاب ، ويذكرون اسم الله .

11226 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا ابن جريج قال : قال عطاء : إنما يقرون بدين ذلك الكتاب .

11227 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا شعبة قال : سألت الحكم وحمادا وقتادة عن ذبائح نصارى بني تغلب ، فقالوا : لا بأس بها . قال : وقرأ الحكم : ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) ، [ سورة البقرة : 78 ] .

11228 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كلوا من ذبائح بني تغلب ، وتزوجوا من نسائهم ، فإن الله قال في كتابه : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) [ سورة المائدة : 51 ] ، فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية ، لكانوا منهم .

[ ص: 575 ]

11229 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة : أن الحسن كان لا يرى بأسا بذبائح نصارى بني تغلب ، وكان يقول : انتحلوا دينا ، فذاك دينهم .

وقال آخرون : إنما عنى بالذين أوتوا الكتاب في هذه الآية ، الذين أنزل عليهم التوراة والإنجيل من بني إسرائيل وأبنائهم ، فأما من كان دخيلا فيهم من سائر الأمم ممن دان بدينهم وهم من غير بني إسرائيل ، فلم يعن بهذه الآية ، وليس هو ممن يحل أكل ذبائحه ، لأنه ليس ممن أوتي الكتاب من قبل المسلمين . وهذا قول كان محمد بن إدريس الشافعي يقوله حدثنا بذلك عنه الربيع ويتأول في ذلك قول من كره ذبائح نصارى العرب من الصحابة والتابعين .

ذكر من حرم ذبائح نصارى العرب .

11230 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن محمد ، عن عبيدة قال : قال علي رضوان الله عليه : لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب ، فإنهم إنما يتمسكون من النصرانية بشرب الخمر .

11231 - حدثنا يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا هشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، عن علي قال : لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب ، فإنهم لم يتمسكوا بشيء من النصرانية إلا بشرب الخمر .

11232 - حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا عبد الله بن بكر قال : حدثنا هشام ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة قال : سألت عليا عن ذبائح نصارى العرب ، فقال : لا تؤكل ذبائحهم ، فإنهم لم يتعلقوا من دينهم إلا بشرب الخمر .

11233 - حدثني علي بن سعيد الكندي قال : حدثنا علي بن عابس ، [ ص: 576 ] عن عطاء بن السائب ، عن أبي البختري قال : نهانا علي عن ذبائح نصارى العرب .

11234 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي حمزة القصاب قال : سمعت محمد بن علي يحدث ، عن علي : أنه كان يكره ذبائح نصارى بني تغلب .

11235 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لا تأكلوا ذبائح نصارى العرب ، وذبائح نصارى أرمينية .

قال أبو جعفر : وهذه الأخبار عن علي رضوان الله عليه ، إنما تدل على أنه كان ينهى عن ذبائح نصارى بني تغلب ، من أجل أنهم ليسوا على النصرانية ، لتركهم تحليل ما تحلل النصارى ، وتحريم ما تحرم ، غير الخمر . ومن كان منتحلا ملة هو غير متمسك منها بشيء فهو إلى البراءة منها أقرب منه إلى اللحاق بها وبأهلها . فلذلك نهى علي عن أكل ذبائح نصارى بني تغلب ، لا من أجل أنهم ليسوا من بني إسرائيل .

فإذ كان ذلك كذلك ، وكان إجماعا من الحجة أن لا بأس بذبيحة كل نصراني ويهودي دان دين النصراني أو اليهودي فأحل ما أحلوا ، وحرم ما حرموا ، [ ص: 577 ] من بني إسرائيل كان أو من غيرهم فبين خطأ ما قال الشافعي في ذلك ، وتأويله الذي تأوله في قوله : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، أنه ذبائح الذين أوتوا الكتاب التوراة والإنجيل من بني إسرائيل وصواب ما خالف تأويله ذلك ، وقول من قال : إن كل يهودي ونصراني فحلال ذبيحته ، من أي أجناس بني آدم كان .

وأما"الطعام" الذي قال الله : " وطعام الذين أوتوا الكتاب " ، فإنه الذبائح .

وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

11236 - حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، قال : الذبائح .

11237 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد في قوله : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، قال : ذبائحهم .

11238 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

11239 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو نعيم وقبيصة قالا : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

11240 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي ، عن أبي سنان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

[ ص: 578 ]

11241 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

11242 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، قال : ذبيحة أهل الكتاب .

11243 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، قال : ذبائحهم .

11244 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، بمثله .

11245 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، مثله .

11246 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، مثله .

11247 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو نعيم وقبيصة قالا حدثنا سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، مثله .

11248 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، قال : ذبائحهم .

11249 - حدثني المثنى قال : حدثنا المعلى بن أسد قال : حدثنا خالد ، عن يونس ، عن الحسن ، مثله .

[ ص: 579 ]

11250 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، أي : ذبائحهم .

11251 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، أما طعامهم ، فهو الذبائح .

11252 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، قال : أحل الله لنا طعامهم ونساءهم .

11253 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : أما قوله : "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم" ، فإنه أحل لنا طعامهم ونساءهم .

11254 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سألته يعني ابن زيد عما ذبح للكنائس وسمي عليها ، فقال : أحل الله لنا طعام أهل الكتاب ، ولم يستثن منه شيئا .

11255 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني معاوية ، عن أبي الزاهرية حدير بن كريب ، عن أبي الأسود ، عن عمير بن الأسود : أنه سأل أبا الدرداء عن كبش ذبح لكنيسة يقال لها"جرجس" ، أهدوه لها ، أنأكل منه ؟ فقال أبو الدرداء : اللهم عفوا! إنما هم أهل كتاب ، طعامهم حل لنا ، وطعامنا حل لهم! وأمره بأكله .

[ ص: 580 ]

وأما قوله : "وطعامكم حل لهم" ، فإنه يعني : ذبائحكم ، أيها المؤمنون ، حل لأهل الكتاب .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #533  
قديم 17-02-2025, 07:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (533)
صــ 581 إلى صــ 594







[ ص: 581 ] القول في تأويل قوله ( والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " والمحصنات من المؤمنات " ، أحل لكم ، أيها المؤمنون ، المحصنات من المؤمنات وهن الحرائر منهن أن تنكحوهن " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، يعني : والحرائر من الذين أعطوا الكتاب وهم اليهود والنصارى الذين دانوا بما في التوراة والإنجيل من قبلكم ، أيها المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم من العرب وسائر الناس ، أن تنكحوهن أيضا " إذا آتيتموهن أجورهن " ، يعني : إذا أعطيتم من نكحتم من محصناتكم ومحصناتهم "أجورهن" ، وهي مهورهن .

واختلف أهل التأويل في المحصنات اللاتي عناهن الله عز ذكره بقوله : " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " .

فقال بعضهم : عنى بذلك الحرائر خاصة ، فاجرة كانت أو عفيفة . وأجاز قائلو هذه المقالة نكاح الحرة ، مؤمنة كانت أو كتابية من اليهود والنصارى ، من أي أجناس الناس كانت بعد أن تكون كتابية ، فاجرة كانت أو عفيفة .

[ ص: 582 ] وحرموا إماء أهل الكتاب أن يتزوجن بكل حال لأن الله جل ثناؤه شرط من نكاح الإماء الإيمان بقوله : ( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) ، [ سورة النساء : 25 ] .

ذكر من قال ذلك :

11256 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو داود ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب " ، قال : من الحرائر .

11257 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، قال : من الحرائر .

11258 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب : أن رجلا طلق امرأته وخطبت إليه أخته ، وكانت قد أحدثت ، فأتى عمر فذكر ذلك له منها ، فقال عمر : ما رأيت منها ؟ قال : ما رأيت منها إلا خيرا! فقال : زوجها ولا تخبر .

11259 - حدثنا ابن أبي الشوارب قال : حدثنا عبد الواحد قال : حدثنا سليمان الشيباني قال : حدثنا عامر قال : زنت امرأة منا من همدان ، قال : فجلدها مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد ثم تابت . فأتوا عمر فقالوا : [ ص: 583 ] نزوجها ، وبئس ما كان من أمرها! قال عمر : لئن بلغني أنكم ذكرتم شيئا من ذلك ، لأعاقبنكم عقوبة شديدة .

11260 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب : أن رجلا أراد أن يزوج أخته ، فقالت : إني أخشى أن أفضح أبي ، فقد بغيت! فأتى عمر ، فقال : أليس قد تابت ؟ قال : بلى! قال : فزوجها .

11261 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا شعبة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي : أن نبيشة ، امرأة من همدان ، بغت ، فأرادت أن تذبح نفسها ، قال : فأدركوها ، فداووها فبرئت ، فذكروا ذلك لعمر ، فقال : انكحوها نكاح العفيفة المسلمة .

11262 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن عامر : أن رجلا من أهل اليمن أصابت أخته فاحشة ، فأمرت الشفرة على أوداجها ، فأدركت ، فدووي جرحها حتى برئت . ثم إن عمها انتقل بأهله حتى قدم المدينة ، فقرأت القرآن ونسكت ، حتى كانت من أنسك نسائهم . فخطبت إلى عمها ، وكان يكره أن يدلسها ، ويكره أن يفشي على ابنة أخيه ، فأتى عمر فذكر ذلك له ، فقال عمر : لو أفشيت عليها لعاقبتك! إذا أتاك رجل صالح ترضاه فزوجها إياه .

11263 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن عامر : أن جارية باليمن يقال لها : "نبيشة" ، أصابت فاحشة ، فذكر نحوه .

11264 - حدثنا تميم بن المنتصر قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا إسماعيل ، عن عامر قال : أتى رجل عمر فقال : إن ابنة لي كانت وئدت في الجاهلية ، فاستخرجتها قبل أن تموت ، فأدركت الإسلام ، فلما أسلمت أصابت حدا من [ ص: 584 ] حدود الله ، فعمدت إلى الشفرة لتذبح بها نفسها ، فأدركتها وقد قطعت بعض أوداجها ، فداويتها حتى برئت ، ثم إنها أقبلت بتوبة حسنة ، فهي تخطب إلي يا أمير المؤمنين ، فأخبر من شأنها بالذي كان ؟ فقال عمر : أتخبر بشأنها ؟ تعمد إلى ما ستره الله فتبديه! والله لئن أخبرت بشأنها أحدا من الناس لأجعلنك نكالا لأهل الأمصار ، بل أنكحها بنكاح العفيفة المسلمة .

11265 - حدثنا أحمد بن منيع قال : حدثنا مروان ، عن إسماعيل ، عن الشعبي قال : جاء رجل إلى عمر ، فذكر نحوه .

11266 - حدثنا مجاهد قال : حدثنا يزيد قال : أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن أبي الزبير : أن رجلا خطب من رجل أخته ، فأخبره أنها قد أحدثت . فبلغ ذلك عمر بن الخطاب ، فضرب الرجل وقال : ما لك والخبر! أنكح واسكت .

11267 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا أبو هلال ، عن قتادة ، عن الحسن قال : قال عمر بن الخطاب : لقد هممت أن لا أدع أحدا أصاب فاحشة في الإسلام أن يتزوج محصنة! فقال له أبي بن كعب : يا أمير المؤمنين ، الشرك أعظم من ذلك ، وقد يقبل منه إذا تاب!

وقال آخرون : إنما عنى الله بقوله : " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، العفائف من الفريقين ، إماء كن أو حرائر . فأجاز قائلو هذه المقالة نكاح إماء أهل الكتاب الدائنات دينهم بهذه الآية ، [ ص: 585 ] وحرموا البغايا من المؤمنات وأهل الكتاب .

ذكر من قال ذلك :

11268 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، قال : العفائف .

11269 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

11270 - حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير ، عن مطرف ، عن عامر : " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، قال : إحصان اليهودية والنصرانية : أن لا تزني ، وأن تغتسل من الجنابة .

11271 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن فضيل ، عن مطرف ، عن عامر : " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، قال : إحصان اليهودية والنصرانية : أن تغتسل من الجنابة ، وأن تحصن فرجها .

11272 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن مطرف ، عن رجل ، عن الشعبي في قوله : "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" ، قال : إحصان اليهودية والنصرانية : أن لا تزني ، وأن تغتسل من الجنابة .

11273 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن مطرف ، عن الشعبي في قوله : " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، قال : إحصانها : أن تغتسل من الجنابة ، وأن تحصن فرجها من الزنا .

11274 - حدثني المثنى قال : حدثنا معلى بن أسد قال : حدثنا خالد ، قال : أخبرنا مطرف ، عن عامر ، بنحوه .

11275 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك قال : سمعت سفيان يقول في قوله : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) ، قال : العفائف .

[ ص: 586 ]

11276 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، قال : أما"المحصنات" ، فهن العفائف .

11277 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : أن امرأة اتخذت مملوكها وقالت : تأولت كتاب الله : "وما ملكت أيمانكم" ، قال : فأتي بها عمر بن الخطاب ، فقال له ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : تأولت آية من كتاب الله على غير وجهها . قال فغرب العبد وجز رأسه . وقال : أنت بعده حرام على كل مسلم .

11278 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن إبراهيم أنه قال : في التي تزني قبل أن يدخل بها قال : ليس لها صداق ، ويفرق بينهما .

11279 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا أشعث ، عن الشعبي ، في البكر تفجر قال : تضرب مائة سوط ، وتنفى سنة ، وترد على زوجها ما أخذت منه .

11280 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا أشعث ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، مثل ذلك .

11281 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : أخبرنا أشعث عن الحسن ، مثل ذلك .

[ ص: 587 ]

11282 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن يونس : أن الحسن كان يقول : إذا رأى الرجل من امرأته فاحشة فاستيقن ، فإنه لا يمسكها .

11283 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن أبي ميسرة قال : مملوكات أهل الكتاب بمنزلة حرائرهم .

ثم اختلف أهل التأويل في حكم قوله عز ذكره : " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، أعام أم خاص ؟

فقال بعضهم : هو عام في العفائف منهن ؛ لأن "المحصنات" ، العفائف . وللمسلم أن يتزوج كل حرة وأمة كتابية ، حربية كانت أو ذمية .

واعتلوا في ذلك بظاهر قوله تعالى : " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، وأن المعني بهن العفائف ، كائنة من كانت منهن . وهذا قول من قال : عنى ب "المحصنات" في هذا الموضع : العفائف .

وقال آخرون : بل اللواتي عنى بقوله جل ثناؤه : " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، الحرائر منهن ، والآية عامة في جميعهن . فنكاح جميع الحرائر اليهود والنصارى جائز ، حربيات كن أو ذميات ، من أي أجناس اليهود والنصارى كن . وهذا قول جماعة من المتقدمين والمتأخرين .

ذكر من قال ذلك :

11284 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب والحسن : أنهما كانا لا يريان بأسا بنكاح نساء اليهود والنصارى ، وقالا أحله الله على علم .

وقال آخرون منهم : بل عنى بذلك نكاح بني إسرائيل الكتابيات منهن [ ص: 588 ] خاصة ، دون سائر أجناس الأمم الذين دانوا باليهودية والنصرانية . وذلك قول الشافعي ومن قال بقوله .

وقال آخرون : بل ذلك معني به نساء أهل الكتاب الذين لهم من المسلمين ذمة وعهد . فأما أهل الحرب ، فإن نساءهم حرام على المسلمين .

ذكر من قال ذلك :

11285 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا محمد بن عقبة ، قال : حدثنا الفزاري ، عن سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : من نساء أهل الكتاب من يحل لنا ، ومنهم من لا يحل لنا ، ثم قرأ : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية ) ، [ سورة التوبة : 29 ] . فمن أعطى الجزية حل لنا نساؤه ، ومن لم يعط الجزية لم يحل لنا نساؤه قال الحكم : فذكرت ذلك لإبراهيم ، فأعجبه .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، قول من قال : [ ص: 589 ] عنى بقوله : " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، حرائر المؤمنين وأهل الكتاب . لأن الله جل ثناؤه لم يأذن بنكاح الإماء الأحرار في الحال التي أباحهن لهم ، إلا أن يكن مؤمنات ، فقال عز ذكره : ( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) [ سورة النساء : 25 ] ، فلم يبح منهن إلا المؤمنات . فلو كان مرادا بقوله : "والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب " ، العفائف ، لدخل العفائف من إمائهم في الإباحة ، وخرج منها غير العفائف من حرائرهم وحرائر أهل الإيمان . وقد أحل الله لنا حرائر المؤمنات ، وإن كن قد أتين بفاحشة بقوله : ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ) [ سورة النور : 32 ] . وقد دللنا على فساد قول من قال : "لا يحل نكاح من أتى الفاحشة من نساء المؤمنين وأهل الكتاب للمؤمنين" ، في موضع غير هذا ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

فنكاح حرائر المسلمين وأهل الكتاب حلال للمؤمنين ، كن قد أتين بفاحشة أو لم يأتين بفاحشة ، ذمية كانت أو حربية ، بعد أن تكون بموضع لا يخاف الناكح فيه على ولده أن يجبر على الكفر ، بظاهر قول الله جل وعز : "والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" .

فأما قول الذي قال : "عنى بذلك نساء بني إسرائيل ، الكتابيات منهن خاصة" فقول لا يوجب التشاغل بالبيان عنه ، لشذوذه والخروج عما عليه علماء الأمة ، من تحليل نساء جميع اليهود والنصارى . وقد دللنا على فساد قول قائل [ ص: 590 ] هذه المقالة من جهة القياس في غير هذا الموضع بما فيه الكفاية ، فكرهنا إعادته .

وأما قوله : " إذا آتيتموهن أجورهن " ، فإن"الأجر" : العوض الذي يبذله الزوج للمرأة للاستمتاع بها ، وهو المهر . كما : -

11286 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس في قوله : "آتيتموهن أجورهن" ، يعني : مهورهن .

القول في تأويل قوله ( محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : أحل لكم المحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ، وأنتم محصنون غير مسافحين ولا متخذي أخدان .

ويعني بقوله جل ثناؤه : " محصنين " ، أعفاء "غير مسافحين" ، يعني : لا معالنين بالسفاح بكل فاجرة ، وهو الفجور " ولا متخذي أخدان " ، يقول : ولا منفردين ببغية واحدة ، قد خادنها وخادنته ، واتخذها لنفسه صديقة يفجر بها .

وقد بينا معنى"الإحصان" ووجوهه ومعنى"السفاح" و"الخدن" في غير هذا الموضع ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع وهو كما : - [ ص: 591 ]

11287 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "محصنين غير مسافحين" ، يعني : ينكحوهن بالمهر والبينة غير مسافحين متعالنين بالزنا "ولا متخذي أخدان" ، يعني : يسرون بالزنا .

11288 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : أحل الله لنا محصنتين : محصنة مؤمنة ، ومحصنة من أهل الكتاب "ولا متخذي أخدان" : ذات الخدن ، ذات الخليل الواحد .

11289 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سليمان بن المغيرة ، عن الحسن قال : سأله رجل : أيتزوج الرجل المرأة من أهل الكتاب ؟ قال : ما له ولأهل الكتاب ، وقد أكثر الله المسلمات! فإن كان لا بد فاعلا فليعمد إليها حصانا غير مسافحة . قال الرجل : وما المسافحة ؟ قال : هي التي إذا لمح الرجل إليها بعينه اتبعته .

القول في تأويل قوله ( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ( 5 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " ومن يكفر بالإيمان " ، ومن يجحد ما أمر الله بالتصديق به ، من توحيد الله ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به [ ص: 592 ] من عند الله وهو"الإيمان" ، الذي قال الله جل ثناؤه : " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله " يقول : فقد بطل ثواب عمله الذي كان يعمله في الدنيا ، يرجو أن يدرك به منزلة عند الله . " وهو في الآخرة من الخاسرين " ، يقول : وهو في الآخرة من الهالكين ، الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من ثواب الله بكفرهم بمحمد ، وعملهم بغير طاعة الله .

وقد ذكر أن قوله : " ومن يكفر بالإيمان " ، عنى به أهل الكتاب ، وأنه أنزل على رسول الله صلى عليه وسلم من أجل قوم تحرجوا نكاح نساء أهل الكتاب لما قيل لهم : " أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " .

ذكر من قال ذلك :

11290 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن ناسا من المسلمين قالوا : كيف نتزوج نساءهم يعني : نساء أهل الكتاب وهم على غير ديننا ؟ فأنزل الله عز ذكره : " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين " ، فأحل الله تزويجهن على علم .

وبنحو الذي قلنا في تأويل"الإيمان" قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك .

11291 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء : " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله " ، قال : "الله" ، الإيمان .

[ ص: 593 ]

11292 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن واصل ، عن عطاء : "ومن يكفر بالإيمان" ، قال : "الإيمان" ، التوحيد .

11293 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : "ومن يكفر بالإيمان" ، قال : بالله .

11294 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

11295 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد في قوله : " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله " ، قال : من يكفر بالله .

11296 - حدثنا محمد قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "ومن يكفر بالإيمان" ، قال : من يكفر بالله .

11297 - حدثنا محمد قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "ومن يكفر بالإيمان" ، قال : الكفر بالله .

11298 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة . قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

11299 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله " ، قال : أخبر الله سبحانه أن"الإيمان" هو العروة الوثقى ، وأنه لا يقبل عملا إلا به ، ولا يحرم الجنة إلا على من تركه .

فإن قال لنا قائل : وما وجه تأويل من وجه قوله : " ومن يكفر بالإيمان " ، إلى معنى : ومن يكفر بالله ؟ [ ص: 594 ]

قيل : وجه تأويله ذلك كذلك ، أن"الإيمان" هو التصديق بالله وبرسله وما ابتعثهم به من دينه ، و"الكفر" جحود ذلك . قالوا : فمعنى"الكفر بالإيمان" ، هو جحود الله وجحود توحيده . ففسروا معنى الكلمة بما أريد بها ، وأعرضوا عن تفسير الكلمة على حقيقة ألفاظها وظاهرها في التلاوة .

فإن قال قائل : فما تأويلها على ظاهرها وحقيقة ألفاظها ؟

قيل : تأويلها : ومن يأب الإيمان بالله ، ويمتنع من توحيده والطاعة له فيما أمره به ونهاه عنه ، فقد حبط عمله . وذلك أن"الكفر" هو الجحود في كلام العرب ، و"الإيمان" التصديق والإقرار . ومن أبى التصديق بتوحيد الله والإقرار به ، فهو من الكافرين فذلك تأويل الكلام على وجهه .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #534  
قديم 17-02-2025, 07:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (534)
صــ 7 إلى صــ 20









القول في تأويل قوله عز ذكره ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ، وأنتم على غير طهر الصلاة ، فاغسلوا وجوهكم بالماء ، وأيديكم إلى المرافق .

ثم اختلف أهل التأويل في قوله : "إذا قمتم إلى الصلاة" ، أمراد به كل حال قام إليها ، أو بعضها؟ وأي أحوال القيام إليها؟

فقال بعضهم في ذلك بنحو ما قلنا فيه ، من أنه معني به بعض أحوال القيام إليها دون كل الأحوال ، وأن الحال التي عني بها حال القيام إليها على غير طهر .

ذكر من قال ذلك :

11300 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا عبيد الله قال : سئل عكرمة عن قول الله : "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق" ، فكل ساعة يتوضأ؟ فقال : قال ابن عباس : لا وضوء إلا من حدث .

11301 - حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت مسعود بن علي الشيباني ، قال : سمعت عكرمة قال : كان [ ص: 8 ] سعد بن أبي وقاص يصلي الصلوات بوضوء واحد .

11302 - حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا سفيان بن حبيب ، عن مسعود بن علي ، عن عكرمة قال : كان سعد بن أبي وقاص يقول : صل بطهورك ما لم تحدث .

11303 - حدثنا أحمد بن عبدة الضبي قال : أخبرنا سليم بن أخضر قال : أخبرنا ابن عون ، عن محمد ، قال : قلت لعبيدة السلماني : ما يوجب الوضوء؟ قال : الحدث .

11304 - حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن واقع بن سحبان ، عن يزيد بن طريف ، أو طريف بن يزيد : أنهم كانوا مع أبي موسى على شاطئ دجلة ، فتوضئوا فصلوا الظهر ، فلما نودي بالعصر ، قام رجال يتوضئون من دجلة ، فقال : إنه لا وضوء إلا على من أحدث .

11305 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن طريف بن زياد أو : زياد بن طريف ، عن واقع بن سحبان : أنه شهد أبا موسى صلى بأصحابه الظهر ، ثم جلسوا حلقا على شاطئ دجلة ، فنودي بالعصر ، فقام رجال يتوضئون ، فقال أبو موسى : لا وضوء إلا على من أحدث . [ ص: 9 ]

11306 - حدثنا ابن بشار ، وابن المثنى قالا : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة قال : سمعت قتادة يحدث ، عن واقع بن سحبان ، عن طريف بن يزيد أو : يزيد بن طريف قال : كنت مع أبي موسى بشاطئ دجلة ، فذكر نحوه .

11307 - حدثنا ابن بشار ، وابن المثنى قالا : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن واقع بن سحبان ، عن طريف بن يزيد ، أو يزيد بن طريف ، عن أبي موسى ، مثله .

11308 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا أبو خالد قال : توضأت عند أبي العالية الظهر أو العصر ، فقلت : أصلي بوضوئي هذا ، فإني لا أرجع إلى أهلي إلى العتمة؟ قال أبو العالية : لا حرج . وعلمنا : [ ص: 10 ] إذا توضأ الإنسان فهو في وضوئه حتى يحدث حدثا .

11309 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا ابن هلال ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب قال : الوضوء من غير حدث اعتداء .

11310 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا أبو هلال ، عن قتادة ، عن سعيد ، مثله .

11311 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش قال : رأيت إبراهيم صلى بوضوء واحد الظهر ، والعصر والمغرب .

11312 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثام قال : حدثنا الأعمش قال : كنت مع يحيى ، فأصلي الصلوات بوضوء واحد . قال : وإبراهيم مثل ذلك .

11313 - حدثنا سوار بن عبد الله قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا يزيد بن إبراهيم قال : سمعت الحسن سئل عن الرجل يتوضأ فيصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ، فقال : لا بأس به ما لم يحدث .

11314 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا عبيد ، عن الضحاك ، قال : يصلي الصلوات بالوضوء الواحد ما لم يحدث .

11315 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا زائدة ، عن الأعمش ، عن عمارة قال : كان الأسود يصلي الصلوات بوضوء واحد .

11316 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، [ ص: 11 ] عن السدي : "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة" يقول : قمتم وأنتم على غير طهر .

11317 - حدثنا أبو السائب قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمارة ، عن الأسود : أنه كان له قعب قدر ري رجل ، فكان يتوضأ ثم يصلي بوضوئه ذلك الصلوات كلها .

11318 - حدثنا محمد بن عباد بن موسى قال : أخبرنا زياد بن عبد الله بن الطفيل البكائي قال : حدثنا الفضل بن المبشر قال : رأيت جابر بن عبد الله يصلي الصلوات بوضوء واحد ، فإذا بال أو أحدث توضأ ومسح بفضل طهوره الخفين . فقلت : أبا عبد الله ، أشيء تصنعه برأيك؟ قال : بل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه ، فأنا أصنعه كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع .

وقال آخرون : معنى ذلك : يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم من نومكم إلى الصلاة .

ذكر من قال ذلك :

11319 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني من سمع مالك بن أنس ، [ ص: 12 ] يحدث عن زيد بن أسلم ، قوله : " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة " قال : يعني : إذا قمتم من النوم .

11320 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب : أن مالك بن أنس أخبره عن زيد بن أسلم ، بمثله .

11321 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم" قال : فقال : قمتم إلى الصلاة من النوم .

وقال آخرون : بل ذلك معني به كل حال قيام المرء إلى صلاته ، أن يجدد لها طهرا .

ذكر من قال ذلك :

11322 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا سفيان بن حبيب ، عن مسعود بن علي قال : سألت عكرمة ، قال قلت : يا أبا عبد الله ، أتوضأ لصلاة الغداة ، ثم آتي السوق فتحضر صلاة الظهر ، فأصلي؟ قال : كان علي بن أبي طالب رضوان الله عليه يقول : "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق" .

11323 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة قال : سمعت مسعود بن علي الشيباني قال : سمعت عكرمة يقول : كان علي رضي الله عنه يتوضأ عند كل صلاة ، ويقرأ هذه الآية : "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم [ ص: 13 ] إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم" . . . الآية .

11324 - حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال : حدثنا أزهر ، عن ابن عون ، عن ابن سيرين : أن الخلفاء كانوا يتوضئون لكل صلاة .

11325 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس قال : توضأ عمر بن الخطاب وضوءا فيه تجوز ، خفيفا ، فقال : هذا وضوء من لم يحدث .

11326 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثني وهب بن جرير قال : أخبرنا شعبة ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن النزال ، قال : رأيت عليا صلى الظهر ، ثم قعد للناس في الرحبة ، ثم أتي بماء فغسل وجهه ويديه ، ثم مسح برأسه ورجليه ، وقال : هذا وضوء من لم يحدث .

11327 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن [ ص: 14 ] إبراهيم : أن عليا اكتال من حب فتوضأ وضوءا فيه تجوز ، فقال : هذا وضوء من لم يحدث .

وقال آخرون : بل كان هذا أمرا من الله عز ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به أن يتوضئوا لكل صلاة ، ثم نسخ ذلك بالتخفيف .

ذكر من قال ذلك :

11328 - حدثني عبد الله بن أبي زياد القطواني ، قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري ، ثم المازني ، مازن بني النجار فقال لعبيد الله بن عبد الله بن عمر : أخبرني عن وضوء عبد الله لكل صلاة ، طاهرا كان أو غير طاهر ، عمن هو؟ قال : حدثتنيه أسماء ابنة زيد بن الخطاب : أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الغسيل حدثها : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء عند كل صلاة ، فشق ذلك عليه ، فأمر بالسواك ، ورفع عنه الوضوء إلا من حدث . فكان عبد الله يرى أن به قوة عليه ، فكان يتوضأ . [ ص: 15 ]

11329 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، عن ابن إسحاق ، [ ص: 16 ] عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال : حدثني محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري قال : قلت لعبيد الله بن عبد الله بن عمر : أخبرني عن وضوء عبد الله لكل صلاة . ثم ذكر نحوه .

11330 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يحيى ، وعبد الرحمن قالا : حدثنا سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة . فلما كان عام الفتح ، صلى الصلوات بوضوء واحد ، ومسح على خفيه ، فقال عمر : إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله! قال : "عمدا فعلته . [ ص: 17 ]

11331 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن محارب بن دثار ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة . فلما كان يوم فتح مكة ، صلى الصلوات كلها بوضوء واحد .

11332 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، [ ص: 18 ] عن محارب بن دثار ، عن سليمان بن بريدة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ ، فذكر نحوه .

11333 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات كلها بوضوء واحد ، فقال له عمر : يا رسول الله ، صنعت شيئا لم تكن تصنعه؟ فقال : "عمدا فعلته يا عمر .

11334 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا معاوية ، عن سفيان ، عن محارب بن دثار ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة ، فلما فتح مكة ، صلى الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء بوضوء واحد .

11335 - حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال : حدثنا الحكم بن ظهير ، عن مسعر ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بوضوء واحد . [ ص: 19 ]

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال : إن الله عنى بقوله : "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا" جميع أحوال قيام القائم إلى الصلاة ، غير أنه أمر فرض بغسل ما أمر الله بغسله القائم إلى صلاته بعد حدث كان منه ناقض طهارته ، وقبل إحداث الوضوء منه ، وأمر ندب لمن كان على طهر قد تقدم منه ، ولم يكن منه بعده حدث ينقض طهارته . ولذلك كان عليه السلام يتوضأ لكل صلاة قبل فتح مكة ، ثم صلى يومئذ الصلوات كلها بوضوء واحد ، ليعلم أمته أن ما كان يفعل عليه السلام من تجديد الطهر لكل صلاة ، إنما كان منه أخذا بالفضل ، وإيثارا منه لأحب الأمرين إلى الله ، ومسارعة منه إلى ما ندبه إليه ربه لا على أن ذلك كان عليه فرضا واجبا .

فإن ظن ظان أن في الحديث الذي ذكرناه عن عبد الله بن حنظلة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء عند كل صلاة دلالة على خلاف ما قلنا من أن ذلك كان ندبا للنبي عليه السلام وأصحابه ، وخيل إليه أن ذلك كان على الوجوب فقد ظن غير الصواب .

وذلك أن قول القائل : "أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا" ، محتمل من وجوه لأمر الإيجاب ، والإرشاد ، والندب ، والإباحة ، والإطلاق . وإذ كان محتملا ما ذكرنا من الأوجه ، كان أولى وجوهه به ما على صحته الحجة مجمعة ، دون ما لم يكن على صحته برهان يوجب حقيقة مدعيه . .

وقد أجمعت الحجة على أن الله عز وجل لم يوجب على نبيه صلى الله عليه وسلم ولا على عباده فرض [ ص: 20 ] الوضوء لكل صلاة ، ثم نسخ ذلك ، ففي إجماعها على ذلك الدلالة الواضحة على صحة ما قلنا : من أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يفعل من ذلك كان على ما وصفنا من إيثاره فعل ما ندبه الله عز ذكره إلى فعله ، وندب إليه عباده المؤمنين بقوله : " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق " . . . الآية ، وأن تركه في ذلك الحال الذي تركه كان ترخيصا لأمته ، وإعلاما منه لهم أن ذلك غير واجب ولا لازم له ولا لهم ، إلا من حدث يوجب نقض الطهر .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #535  
قديم 17-02-2025, 07:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (535)
صــ 21 إلى صــ 35











وقد روي بنحو ما قلنا في ذلك أخبار :

11336 - حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثني وهب بن جرير قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن عامر ، عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بقعب صغير فتوضأ . قال : قلت لأنس : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة؟ قال : نعم . قلت : فأنتم؟ قال : كنا نصلي الصلوات بوضوء واحد . . [ ص: 21 ]

11337 - حدثنا سليمان بن عمر بن خالد الرقي ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن عبد الرحمن بن زياد الأفريقي ، عن أبي غطيف ، قال : صليت مع ابن عمر الظهر ، فأتى مجلسا في داره فجلس وجلست معه . فلما نودي بالعصر دعا بوضوء فتوضأ ، ثم خرج إلى الصلاة ، ثم رجع إلى مجلسه . فلما نودي بالمغرب دعا بوضوء فتوضأ ، فقلت : أسنة ما أراك تصنع؟ قال : لا وإن كان وضوئي لصلاة الصبح كاف للصلوات كلها ما لم أحدث ،

ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات" ،

، فأنا رغبت في ذلك . [ ص: 22 ]

11338 - حدثني أبو سعيد البغدادي ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، عن هريم ، عن عبد الرحمن بن زياد ، عن أبي غطيف ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات .

وقد قال قوم : إن هذه الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم إعلاما من الله له بها أن لا وضوء عليه ، إلا إذا قام إلى صلاته دون غيرها من الأعمال كلها ، وذلك أنه كان إذا أحدث امتنع من الأعمال كلها حتى يتوضأ ، فأذن الله بهذه الآية أن يفعل كل ما بدا له من الأفعال بعد الحدث عدا الصلاة توضأ أو لم يتوضأ ، وأمره بالوضوء إذا قام إلى الصلاة قبل الدخول فيها .

ذكر من قال ذلك :

11339 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن شيبان ، عن جابر ، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، عن عبد الله بن علقمة بن الفغواء ، عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراق البول نكلمه فلا يكلمنا ، ونسلم عليه فلا يرد علينا ، حتى يأتي منزله فيتوضأ كوضوئه للصلاة . فقلنا : يا رسول الله ، نكلمك فلا تكلمنا ، ونسلم عليك فلا ترد علينا؟ قال : حتى نزلت آية الرخصة : "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة" ، الآية .

[ ص: 23 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( فاغسلوا وجوهكم )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في حد "الوجه" الذي أمر الله بغسله ، القائم إلى الصلاة بقوله : "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم" . [ ص: 24 ] [ ص: 25 ]

فقال بعضهم : هو ما ظهر من بشرة الإنسان من قصاص شعر رأسه ، منحدرا إلى منقطع ذقنه طولا وما بين الأذنين عرضا . قالوا : فأما الأذن وما بطن من داخل الفم والأنف والعين ، فليس من الوجه وغير واجب غسل ذلك ولا غسل شيء منه في الوضوء . قالوا : وأما ما غطاه الشعر منه كالذقن الذي غطاه شعر اللحية ، والصدغين اللذين قد غطاهما عذار اللحية ، فإن إمرار الماء على ما على ذلك من الشعر مجزئ من غسل ما بطن منه من بشرة الوجه ،

لأن"الوجه" [ ص: 26 ] عندهم : هو ما عن لعين الناظر من ذلك فقابلها دون غيره .

ذكر من قال ذلك :

11340 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عمر بن عبيد ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : يجزئ اللحية ما سال عليها من الماء .

11341 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا شعبة قال : حدثنا المغيرة ، عن إبراهيم قال : يكفيه ما سال من الماء من وجهه على لحيته .

11342 - حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، بنحوه .

11343 - حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، عن شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، بنحوه .

11344 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن مغيرة في تخليل اللحية ، قال : يجزيك ما مر على لحيتك .

11345 - حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني ، قال : حدثنا مصعب بن المقدام ، قال : حدثنا زائدة ، عن منصور ، قال : رأيت إبراهيم يتوضأ ، فلم يخلل لحيته . [ ص: 27 ]

11346 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن سعيد الزبيدي ، عن إبراهيم ، قال : يجزيك ما سال عليها من أن تخللها .

11347 - حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن يونس ، قال : كان الحسن إذا توضأ مسح لحيته مع وجهه .

11348 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : حدثنا هشام ، عن الحسن ، أنه كان لا يخلل لحيته .

11349 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن هشام ، عن الحسن أنه كان لا يخلل لحيته إذا توضأ .

11350 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن إسماعيل ، عن الحسن ، مثله .

11351 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن أشعث ، عن ابن سيرين ، قال : ليس غسل اللحية من السنة .

11352 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عيسى بن يزيد ، عن عمرو ، عن الحسن : أنه كان إذا توضأ لم يبلغ الماء في أصول لحيته .

11353 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن أبي شيبة سعيد بن عبد الرحمن الزبيدي ، قال : سألت إبراهيم : أخلل لحيتي عند الوضوء بالماء؟ فقال : لا إنما يكفيك ما مرت عليه يدك .

11354 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : سألت شعبة عن تخليل اللحية في الوضوء ، فقال : قال المغيرة ، قال إبراهيم : يكفيه ما سال من الماء من وجهه على لحيته . [ ص: 28 ]

11355 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا حجاج بن رشدين قال : حدثنا عبد الجبار بن عمر : أن ابن شهاب وربيعة توضآ فأمرا الماء على لحاهما ، ولم أر واحدا منهما خلل لحيته .

11356 - حدثنا أبو الوليد الدمشقي قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : سألت سعيد بن عبد العزيز ، عن عرك العارضين في الوضوء ، فقال : ليس ذلك بواجب ، رأيت مكحولا يتوضأ فلا يفعل ذلك .

11357 - حدثنا أبو الوليد أحمد بن عبد الرحمن القرشي ، قال : حدثنا الوليد ، قال : أخبرني سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن الحسن ، قال : ليس عرك العارضين في الوضوء بواجب .

11358 - حدثنا أبو الوليد ، قال : حدثنا الوليد قال : أخبرني إبراهيم بن محمد ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، قال : يكفيه ما مر من الماء على لحيته .

11359 - حدثنا أبو الوليد القرشي ، قال : حدثنا الوليد ، قال : أخبرني ابن لهيعة ، عن سليمان بن أبي زينب ، قال : سألت القاسم بن محمد : كيف أصنع بلحيتي إذا توضأت؟ قال : لست من الذين يغسلون لحاهم . [ ص: 29 ]

11360 - حدثنا أبو الوليد ، قال : حدثنا الوليد قال : قال أبو عمرو : ليس عرك العارضين وتشبيك اللحية بواجب في الوضوء .

ذكر من قال ما حكينا عنه من أهل هذه المقالة في غسل ما بطن من الفم والأنف .

11361 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الملك بن أبي بشير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لولا التلمظ في الصلاة ما مضمضت .

11362 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت عبد الملك يقول : سئل عطاء عن رجل صلى ولم يتمضمض ، قال : ما لم يسم في الكتاب يجزئه .

11363 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : ليس المضمضة والاستنشاق من واجب الوضوء .

11364 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا الصباح ، عن أبي سنان قال : كان الضحاك ينهانا عن المضمضة والاستنشاق في الوضوء في رمضان .

11365 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت هشاما ، عن الحسن قال : إذا نسي المضمضة والاستنشاق ، قال : إن ذكر وقد دخل في الصلاة فليمض في صلاته . وإن كان لم يدخل تمضمض واستنشق . [ ص: 30 ]

11366 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن شعبة قال : سألت الحكم وقتادة عن رجل ذكر وهو في الصلاة أنه لم يتمضمض ولم يستنشق ، فقال : يمضي في صلاته .

ذكر من قال ما حكينا عنه من أهل هذه المقالة : من أن الأذنين ليستا من الوجه .

11367 - حدثني يزيد بن مخلد الواسطي قال : حدثنا هشيم ، عن غيلان قال : سمعت ابن عمر يقول : الأذنان من الرأس .

11368 - حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير ، قال : حدثنا أبو مطرف [ . . . . ] قال : حدثنا غيلان مولى بني مخزوم ، قال : سمعت ابن عمر يقول : الأذنان من الرأس .

11369 - حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا محمد بن يزيد ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : الأذنان من الرأس ، فإذا مسحت الرأس فامسحهما . [ ص: 31 ]

11370 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرني غيلان بن عبد الله مولى قريش ، قال : سمعت ابن عمر سأله سائل قال : إنه توضأ ونسي أن يمسح أذنيه ، قال فقال ابن عمر : الأذنان من الرأس . ولم ير عليه بأسا .

11371 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا أيوب بن سويد ح ، وحدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن جميعا ، عن سفيان ، عن سالم أبي النضر ، عن سعيد بن مرجانة ، عن ابن عمر ، أنه قال : الأذنان من الرأس .

11372 - حدثني ابن المثنى قال : حدثني وهب بن جرير قال : حدثنا شعبة ، عن رجل ، عن ابن عمر قال : الأذنان من الرأس .

11373 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال : الأذنان من الرأس .

11374 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن وسعيد بن المسيب قالا الأذنان من الرأس .

11375 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة قال : الأذنان من الرأس عن الحسن وسعيد . [ ص: 32 ]

11376 - حدثنا أبو الوليد الدمشقي قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : أخبرني أبو عمرو ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن ابن عمر قال : الأذنان من الرأس .

11377 - حدثنا أبو الوليد قال : حدثنا الوليد قال : أخبرني ابن لهيعة ، عن أبي النضر ، عن ابن عمر ، مثله .

11378 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هارون ، عن عيسى بن يزيد ، عن عمرو ، عن الحسن قال : الأذنان من الرأس .

11379 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن سنان بن ربيعة ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة أو : عن أبي هريرة ، - شك ابن بزيع - : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الأذنان من الرأس .

11380 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا معلى بن منصور ، عن حماد بن زيد ، عن سنان بن ربيعة ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة قال : الأذنان من الرأس . قال حماد : لا أدري هذا عن أبي أمامة أو : عن النبي صلى الله عليه وسلم .

11381 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو أسامة قال : حدثني حماد بن زيد قال : حدثني سنان بن ربيعة أبو ربيعة ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الأذنان من الرأس . [ ص: 33 ]

11382 - حدثنا أبو الوليد الدمشقي قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : أخبرني ابن جريج وغيره ، عن سليمان بن موسى : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الأذنان من الرأس .

11383 - حدثنا الحسن بن شبيب ، قال : حدثنا علي بن هاشم بن البريد قال : حدثنا إسماعيل بن مسلم ، عن عطاء ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الأذنان من الرأس .

11384 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا سفيان بن حبيب ، عن يونس : أن الحسن قال : الأذنان من الرأس .

وقال آخرون : "الوجه" كل ما دون منابت شعر الرأس إلى منقطع الذقن [ ص: 34 ] طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا ، ما ظهر من ذلك لعين الناظر ، وما بطن منه من منابت شعر اللحية النابت على الذقن وعلى العارضين ، وما كان منه داخل الفم والأنف ، وما أقبل من الأذنين على الوجه . كل ذلك عندهم من" الوجه" الذي أمر الله بغسله بقوله : "فاغسلوا وجوهكم" . وقالوا : إن ترك شيئا من ذلك المتوضئ فلم يغسله لم تجزه صلاته بوضوئه ذلك .

ذكر من قال ذلك :

11385 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثني محمد بن بكر وأبو عاصم قالا أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني نافع : أن ابن عمر كان يبل أصول شعر لحيته ، ويغلغل بيده في أصول شعرها حتى يكثر القطران منها .

11386 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا سفيان بن حبيب ، عن ابن جريج قال : أخبرني نافع مولى ابن عمر : أن ابن عمر كان يغلغل يديه في لحيته حتى يكثر منها القطران .

11387 - حدثنا عمران بن موسى قال : حدثنا عبد الوارث ، عن سعيد قال : حدثنا ليث ، عن نافع ، عن ابن عمر : كان إذا توضأ خلل لحيته حتى يبلغ أصول الشعر .

11388 - حدثنا ابن أبي الشوارب قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا معلى بن جابر اللقيطي قال : أخبرني الأزرق بن قيس قال : رأيت ابن عمر توضأ فخلل لحيته . [ ص: 35 ]

11389 - حدثنا يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : أخبرنا ليث ، عن نافع : أن ابن عمر كان يخلل لحيته بالماء حتى يبلغ أصول الشعر .

11390 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا ابن جريج قال : أخبرني عبد الله بن عبيد بن عمير : أن أباه عبيد بن عمير كان إذا توضأ غلغل أصابعه في أصول شعر الوجه يغلغلها بين الشعر في أصوله ، يدلك بأصابعه البشرة فأشار لي عبد الله كما أخبره الرجل ، كما وصف عنه .

11391 - حدثنا أبو الوليد قال : حدثنا الوليد قال : حدثنا أبو عمرو ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه كان إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك ، وشبك لحيته بأصابعه أحيانا ويترك أحيانا .

11392 - حدثنا أبو الوليد وعلي بن سهل قالا : حدثنا الوليد قال : قال أبو عمرو ، وأخبرني عبدة ، عن أبي موسى الأشعري ، نحو ذلك .

11393 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن مسلم قال : رأيت ابن أبي ليلى توضأ فغسل لحيته ، وقال : من استطاع منكم أن يبلغ الماء أصول الشعر فليفعل .

11394 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا سفيان بن حبيب ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : حق عليه أن يبل أصول الشعر .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #536  
قديم 17-02-2025, 07:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (536)
صــ 36 إلى صــ 50






11395 - حدثنا ابن أبي الشوارب قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم قال : كان مجاهد يخلل لحيته . [ ص: 36 ]

11396 - حدثنا حميد قال : حدثنا سفيان ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد : أنه كان يخلل لحيته إذا توضأ .

11397 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، مثله .

11398 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، مثله .

11399 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو داود الحفري ، عن سفيان ، عن ابن شبرمة ، عن سعيد بن جبير قال : ما بال اللحية تغسل قبل أن تنبت فإذا نبتت لم تغسل؟!

11400 - حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه كان يخلل لحيته إذا توضأ .

11401 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هارون ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن طاوس : أنه كان يخلل لحيته .

11402 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هارون ، عن إسماعيل ، عن ابن سيرين : أنه كان يخلل لحيته .

11403 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا ابن المبارك ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، مثله .

11404 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : سألت شعبة عن تخليل اللحية في الوضوء ، فذكر عن الحكم بن عتيبة : أن مجاهدا كان يخلل لحيته . [ ص: 37 ]

11405 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عمرو عن معروف ، قال : رأيت ابن سيرين توضأ فخلل لحيته .

11406 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا هشام ، عن ابن سيرين ، مثله .

11407 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن الزبير بن عدي ، عن الضحاك قال : رأيته يخلل لحيته .

11408 - حدثنا تميم بن المنتصر قال : أخبرنا محمد بن يزيد ، عن أبي الأشهب ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن زيد الخدري ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فخلل لحيته ، فقلت : لم تفعل هذا يا نبي الله؟ قال : "أمرني بذلك ربي" .

11409 - حدثنا تميم قال : أخبرنا محمد بن يزيد ، عن سلام بن سلم ، عن [ ص: 38 ] زيد العمي ، عن معاوية بن قرة أو : يزيد الرقاشي عن أنس ، قال : وضأت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأدخل أصابعه من تحت حنكه ، فخلل لحيته ، وقال : بهذا أمرني ربي جل وعز" .

11410 - حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال : حدثنا المحاربي ، عن سلام بن سلم المديني ، قال : حدثنا زيد العمي ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه .

11411 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو عبيدة الحداد ، قال : حدثنا موسى بن ثروان ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هكذا أمرني ربي"! وأدخل أصابعه في لحيته ، فخللها [ ص: 39 ]

11412 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا معاوية بن هشام وعبيد الله بن موسى ، عن خالد بن إلياس ، عن عبد الله بن رافع ، عن أم سلمة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ، فخلل لحيته .

11413 - حدثنا علي بن الحسين بن الحر ، قال : حدثنا محمد بن ربيعة ، عن واصل بن السائب ، عن أبي سورة ، عن أبي أيوب ، قال : رأينا النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ، وخلل لحيته . [ ص: 40 ]

11414 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا زيد بن حباب قال : حدثنا عمر بن سليمان ، عن أبي غالب ، عن أبي أمامة : "أن النبي صلى الله عليه وسلم خلل لحيته" .

11415 - حدثنا محمد بن عيسى الدامغاني قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الكريم أبي أمية : أن حسان بن بلال المزني رأى عمار بن ياسر توضأ وخلل لحيته ، فقيل له : أتفعل هذا؟! فقال : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله . [ ص: 41 ]

11416 - حدثنا أبو الوليد قال : حدثنا الوليد قال : حدثنا أبو عمرو قال : أخبرني عبد الواحد بن قيس ، عن يزيد الرقاشي وقتادة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان إذا توضأ عرك عارضيه ، وشبك لحيته بأصابعه .

11417 - حدثنا أبو الوليد قال : حدثنا الوليد قال : أخبرني أبو مهدي سعيد بن سنان ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفير ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه .

11418 - حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي قال : حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي أبو عبد الله قال : حدثني واصل الرقاشي ، عن أبي سودة - هكذا قال [ ص: 42 ] الأحمسي - عن أبي أيوب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ تمضمض ومسح لحيته من تحتها بالماء .

ذكر من قال ما حكينا عنه من أهل هذه المقالة في غسل ما بطن من الأنف والفم .

11419 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح قال : سمعت مجاهدا يقول : الاستنشاق شطر الوضوء .

11420 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن شعبة قال : سألت حمادا عن رجل ذكر وهو في الصلاة أنه لم يتمضمض ولم يستنشق ، قال حماد : ينصرف فيتمضمض ويستنشق .

11421 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا الصباح ، عن أبي سنان قال : قدمت الكوفة فأتيت حمادا فسألته عن ذلك يعني : عمن ترك المضمضة والاستنشاق وصلى فقال : أرى عليه إعادة الصلاة .

11422 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا شعبة قال : كان قتادة يقول : إذا ترك المضمضة أو الاستنشاق أو أذنه أو طائفة من رجله حتى يدخل في صلاته ، فإنه ينفتل ويتوضأ ، ويعيد صلاته . [ ص: 43 ]

ذكر من قال ما حكينا عنه من أهل هذه المقالة من أن ما أقبل من الأذنين فمن الوجه ، وما أدبر فمن الرأس .

11423 - حدثنا أبو السائب قال : حدثنا حفص بن غياث قال : حدثنا أشعث ، عن الشعبي ، قال : ما أقبل من الأذنين فمن الوجه ، وما أدبر فمن الرأس .

11424 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثني شعبة ، عن الحكم وحماد ، عن الشعبي في الأذنين : باطنهما من الوجه ، وظاهرهما من الرأس .

11425 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن الشعبي قال : مقدم الأذنين من الوجه ، ومؤخرهما من الرأس .

11426 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن الحكم وحماد ، عن الشعبي بمثله إلا أنه قال : باطن الأذنين .

11427 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن حماد ، عن الشعبي بمثله ، إلا أنه قال : باطن الأذنين .

11428 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن حماد ، عن الشعبي ، بمثله .

11429 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، قال : باطن الأذنين من الوجه ، وظاهرهما من الرأس .

11430 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أبو تميلة ح ، وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قالا جميعا : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة ، عن عبيد الله الخولاني ، عن ابن [ ص: 44 ] عباس قال : قال علي بن أبي طالب : ألا أتوضأ لكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : قلنا : نعم . فتوضأ ، فلما غسل وجهه ، ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه . قال : ثم لما مسح برأسه مسح أذنيه من ظهورهما

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في ذلك عندنا قول من قال : "الوجه" الذي أمر الله جل ذكره بغسله القائم إلى صلاته : كل ما انحدر عن منابت شعر الرأس إلى منقطع الذقن طولا وما بين الأذنين عرضا مما هو ظاهر لعين الناظر دون ما بطن من الفم والأنف والعين ، ودون ما غطاه شعر اللحية والعارضين والشاربين فستره عن أبصار الناظرين ، ودون الأذنين .

وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب وإن كان ما تحت شعر اللحية والشاربين قد كان"وجها" يجب غسله قبل نبات الشعر الساتر عن أعين الناظرين على القائم إلى صلاته لإجماع جميعهم على أن العينين من الوجه ، ثم هم - مع إجماعهم على ذلك - مجمعون على أن غسل ما علاهما من أجفانهما دون إيصال الماء إلى ما تحت الأجفان منهما مجزئ .

فإذ كان ذلك منهم إجماعا بتوقيف الرسول صلى الله عليه وسلم أمته على ذلك ، فنظير ذلك كل ما علاه شيء من مواضع الوضوء من جسد ابن آدم من نفس خلقه ساتره لا يصل الماء إليه إلا بكلفة ومؤنة وعلاج ، قياسا لما ذكرنا من حكم العينين في ذلك . [ ص: 45 ]

فإذا كان ذلك كذلك ، فلا شك أن مثل العينين في مؤنة إيصال الماء إليهما عند الوضوء ما بطن من الأنف ، والفم ، وشعر اللحية ، والصدغين ، والشاربين ، لأن كل ذلك لا يصل الماء إليه إلا بعلاج لإيصال الماء إليه نحو كلفة علاج الحدقتين لإيصال الماء إليهما أو أشد .

وإذا كان ذلك كذلك ، كان بينا أن غسل من غسل من الصحابة والتابعين ما تحت منابت شعر اللحية والعارضين والشاربين ، وما بطن من الأنف والفم ، إنما كان إيثارا منه لأشق الأمرين عليه : من غسل ذلك وترك غسله ، كما آثر ابن عمر غسل ما تحت أجفان العينين بالماء بصبه الماء في ذلك لا على أن ذلك كان عليه عنده فرضا واجبا . فأما من ظن أن ذلك من فعلهم كان على وجه الإيجاب والفرض ، فإنه خالف في ذلك بقوله منهاجهم وأغفل سبيل القياس ، لأن القياس هو ما وصفنا من تمثيل المختلف فيه من ذلك ، بالأصل المجمع عليه من حكم العينين وأن لا خبر عن واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب على تارك إيصال الماء في وضوئه إلى أصول شعر لحيته وعارضيه ، وتارك المضمضة والاستنشاق إعادة صلاته إذا صلى بطهره ذلك . ففي ذلك أوضح الدليل على صحة ما قلنا من أن فعلهم ما فعلوا من ذلك كان إيثارا منهم لأفضل الفعلين من الترك والغسل .

فإن ظن ظان أن في الأخبار التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :

11431 - "إذا توضأ أحدكم فليستنثر" .

دليلا على وجوب الاستنثار ، فإن في إجماع الحجة على أن ذلك غير فرض واجب ، يجب على من تركه إعادة الصلاة التي صلاها قبل غسله ، ما يغني عن إكثار القول فيه . [ ص: 46 ] وأما الأذنان فإن في إجماع جميعهم على أن ترك غسلهما ، أو غسل ما أقبل منهما مع الوجه غير مفسد صلاة من صلى بطهره الذي ترك فيه غسلهما مع إجماعهم جميعا على أنه لو ترك غسل شيء مما يجب عليه غسله من وجهه في وضوئه أن صلاته لا تجزئه بطهوره ذلك ما ينبئ عن أن القول في ذلك ما قاله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرنا قولهم : إنهما ليسا من الوجه دون ما قاله الشعبي .

القول في تأويل قوله عز ذكره ( وأيديكم إلى المرافق )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في "المرافق" ، هل هي من اليد الواجب غسلها ، أم لا؟ بعد إجماع جميعهم على أن غسل اليد إليها واجب .

فقال مالك بن أنس وسئل عن قول الله : "فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق" أترى أن يخلف المرفقين في الوضوء؟ قال : الذي أمر به أن يبلغ "المرفقين" ، قال تبارك وتعالى : " فاغسلوا وجوهكم " فذهب هذا يغسل خلفه!! فقيل له : فإنما يغسل إلى المرفقين والكعبين لا يجاوزهما؟ فقال : لا أدري"ما لا يجاوزهما" أما الذي أمر به أن يبلغ به فهذا إلى المرفقين والكعبين . حدثنا يونس ، عن أشهب عنه . [ ص: 47 ]

وقال الشافعي : لم أعلم مخالفا في أن المرافق فيما يغسل" ، كأنه يذهب إلى أن معناها : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى أن تغسل المرافق حدثنا بذلك عنه الربيع .

وقال آخرون : إنما أوجب الله بقوله : "وأيديكم إلى المرافق" غسل اليدين إلى المرفقين ، فالمرفقان غاية لما أوجب الله غسله من آخر اليد ، والغاية غير داخلة في الحد ، كما غير داخل الليل فيما أوجب الله تعالى على عباده من الصوم بقوله : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) [ سورة البقرة : 187 ] لأن الليل غاية لصوم الصائم ، إذا بلغه فقد قضى ما عليه . قالوا : فكذلك المرافق في قوله : " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق " غاية لما أوجب الله غسله من اليد . وهذا قول زفر بن الهذيل .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا : أن غسل اليدين إلى المرفقين من الفرض الذي إن تركه أو شيئا منه تارك لم تجزه الصلاة مع تركه غسله . فأما المرفقان وما وراءهما ، فإن غسل ذلك من الندب الذي ندب إليه صلى الله عليه وسلم أمته بقوله :

11432 - "أمتي الغر المحجلون من آثار الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" . [ ص: 48 ]

فلا تفسد صلاة تارك غسلهما وغسل ما وراءهما ، لما قد بينا قبل فيما مضى : من أن كل غاية حدت ب"إلى" فقد تحتمل في كلام العرب دخول الغاية في الحد وخروجها منه . وإذا احتمل الكلام ذلك لم يجز لأحد القضاء بأنها داخلة فيه ، إلا لمن لا يجوز خلافه فيما بين وحكم ، ولا حكم بأن المرافق داخلة فيما يجب غسله عندنا ممن يجب التسليم بحكمه .

القول في تأويل قوله عز ذكره ( وامسحوا برءوسكم )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في صفة "المسح" الذي أمر الله به بقوله : "وامسحوا برءوسكم" .

فقال بعضهم : وامسحوا بما بدا لكم أن تمسحوا به من رءوسكم بالماء ، إذا قمتم إلى الصلاة .

ذكر من قال ذلك :

11433 - حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال : حدثنا حماد بن مسعدة ، عن عيسى بن حفص قال : ذكر عند القاسم بن محمد مسح الرأس فقال : يا نافع كيف كان ابن عمر يمسح؟ فقال : مسحة واحدة ووصف أنه مسح مقدم رأسه إلى وجهه فقال القاسم : ابن عمر أفقهنا وأعلمنا .

11434 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : سمعت يحيى بن سعيد يقول : أخبرني نافع : أن ابن عمر كان إذا توضأ رد كفه اليمنى إلى الماء ووضعهما فيه ، ثم مسح بيديه مقدم رأسه .

11435 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا محمد بن بكير ، قال أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني نافع : أن ابن عمر كان يضع بطن كفه اليمنى على الماء ، [ ص: 49 ]

لا ينفضهما ثم يمسح بها ما بين قرنيه إلى الجبين واحدة ، ثم لا يزيد عليها ، في كل ذلك مسحة واحدة مقبلة من الجبين إلى القرن .

11436 - حدثنا تميم بن المنتصر قال : حدثنا إسحاق قال : أخبرنا شريك ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه كان إذا توضأ مسح مقدم رأسه .

11437 - حدثنا تميم بن المنتصر قال : أخبرنا إسحاق قال : أخبرنا شريك ، عن عبد الأعلى الثعلبي ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : يجزيك أن تمسح مقدم رأسك إذا كنت معتمرا . وكذلك تفعل المرأة .

11438 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبد الله الأشجعي ، عن سفيان ، عن ابن عجلان ، عن نافع قال : رأيت ابن عمر مسح بيافوخه مسحة وقال سفيان : إن مسح شعرة أجزأه - يعني : واحدة - .

11439 - حدثنا أبو هشام قال : حدثنا عبد السلام بن حرب قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم قال : أي جوانب رأسك أمسست الماء أجزأك .

11440 - حدثنا أبو هشام قال : حدثنا علي بن ظبيان قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، قال : أي جوانب رأسك أمسست الماء أجزأك .

11441 - حدثنا الرفاعي قال : حدثنا وكيع ، عن إسماعيل الأزرق ، عن الشعبي ، مثله . [ ص: 50 ]

11442 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : أخبرنا أيوب ، عن نافع قال : كان ابن عمر يمسح رأسه هكذا فوضع أيوب كفه وسط رأسه ، ثم أمرها على مقدم رأسه .

11443 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا زيد بن الحباب ، عن سفيان ، قال : إن مسح رأسه بأصبع واحدة أجزأه .

11444 - حدثنا أبو الوليد الدمشقي قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : قلت لأبي عمرو : ما يجزئ من مسح الرأس؟ قال : أن تمسح مقدم رأسك إلى القفا أحب إلي .

11445 - حدثني العباس بن الوليد ، عن أبيه ، عنه ، نحوه .

وقال آخرون : معنى ذلك : فامسحوا بجميع رءوسكم . قالوا : إن لم يمسح بجميع رأسه بالماء لم تجزه الصلاة بوضوئه ذلك .

ذكر من قال ذلك :

11446 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : حدثنا أشهب قال : قال مالك : من مسح بعض رأسه ولم يعم أعاد الصلاة بمنزلة من غسل بعض وجهه أو بعض ذراعه . قال : وسئل مالك عن مسح الرأس ، قال : يبدأ من مقدم وجهه ، فيدير يديه إلى قفاه ، ثم يردهما إلى حيث بدأ منه .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #537  
قديم 17-02-2025, 07:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (537)
صــ 51 إلى صــ 65







وقال آخرون : لا يجزئ مسح الرأس بأقل من ثلاث أصابع . وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ومحمد . [ ص: 51 ]

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ، أن الله جل ثناؤه أمر بالمسح برأسه القائم إلى صلاته مع سائر ما أمره بغسله معه أو مسحه ، ولم يحد ذلك بحد لا يجوز التقصير عنه ولا يجاوزه . وإذ كان ذلك كذلك ، فما مسح به المتوضئ من رأسه فاستحق بمسحه ذلك أن يقال : "مسح برأسه" ، فقد أدى ما فرض الله عليه من مسح ذلك لدخوله فيما لزمه اسم "ماسح برأسه" إذا قام إلى صلاته .

فإن قال لنا قائل : فإن الله قد قال في التيمم : ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) [ سورة النساء : 43 ] أفيجزئ المسح ببعض الوجه واليدين في التيمم ؟

قيل له : كل ما مسح من ذلك بالتراب فيما تنازعت فيه العلماء فقال بعضهم : "يجزيه ذلك من التيمم" ، وقال بعضهم : "لا يجزيه" فهو مجزئه ، لدخوله في اسم"الماسحين به" .

وما كان من ذلك مجمعا على أنه غير مجزئه ، فمسلم لما جاءت به الحجة نقلا عن نبيها صلى الله عليه وسلم . ولا حجة لأحد علينا في ذلك ، إذ كان من قولنا : إن ما جاء في آي الكتاب عاما في معنى ، فالواجب الحكم أنه على عمومه ،

حتى يخصه ما يجب التسليم له ، فإذا خص منه شيء ، كان ما خص منه خارجا من ظاهره ، وحكم سائره على العموم .

وقد بينا العلة الموجبة صحة القول بذلك في غير هذا الموضع ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

و"الرأس" الذي أمر الله جل وعز بالمسح به بقوله : "وامسحوا برءوسكم [ ص: 52 ] وأرجلكم إلى الكعبين " هو منابت شعر الرأس دون ما جاوز ذلك إلى القفا مما استدبر ، ودون ما انحدر عن ذلك مما استقبل من قبل وجه إلى الجبهة .
القول في تأويل قوله عز ذكره ( وأرجلكم إلى الكعبين )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأه جماعة من قرأة الحجاز والعراق : ( وأرجلكم إلى الكعبين ) ، نصبا ، فتأويله : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين ، وامسحوا برءوسكم . وإذا قرئ كذلك ، كان من المؤخر الذي معناه التقديم ، وتكون "الأرجل" منصوبة عطفا على"الأيدي" . وتأول قارئو ذلك كذلك ، أن الله جل ثناؤه : إنما أمر عباده بغسل الأرجل دون المسح بها .

ذكر من قال : عنى الله بقوله : "وأرجلكم إلى الكعبين" الغسل .

11447 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا خالد الحذاء ، عن أبي قلابة أن رجلا صلى وعلى ظهر قدمه موضع ظفر ، فلما قضى صلاته ، قال له عمر : أعد وضوءك وصلاتك .

11448 - حدثنا حميد قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا إسرائيل قال : حدثنا عبد الله بن حسن قال : حدثنا هزيل بن شرحبيل ، عن ابن مسعود قال : خللوا الأصابع بالماء ، لا تخللها النار . [ ص: 53 ]

11449 - حدثنا عبد الله بن الصباح العطار قال : حدثنا حفص بن عمر الحوضي ، قال : حدثنا مرجى يعني : ابن رجاء اليشكري قال : حدثنا أبو روح عمارة بن أبي حفصة ، عن المغيرة بن حنين : أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يتوضأ وهو يغسل رجليه ، فقال : بهذا أمرت .

11450 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن واقد مولى زيد بن خليدة ، قال : سمعت مصعب بن سعد يقول : رأى عمر بن الخطاب قوما يتوضئون فقال : خللوا .

11451 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : سمعت يحيى قال : سمعت القاسم قال : كان ابن عمر يخلع خفيه ، ثم يتوضأ فيغسل رجليه ، ثم يخلل أصابعه .

11452 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، [ ص: 54 ] عن الزبير بن عدي ، عن إبراهيم قال : قلت للأسود : رأيت عمر يغسل قدميه غسلا؟ قال : نعم .

11453 - حدثني محمد بن خلف قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، قال : حدثنا محمد بن مسلم ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن عمر بن عبد العزيز : أنه قال لابن أبي سويد : بلغنا عن ثلاثة كلهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يغسل قدميه غسلا أدناهم ابن عمك المغيرة .

11454 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الصباح ، عن محمد وهو ابن أبان ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي قال : اغسلوا الأقدام إلى الكعبين .

11455 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن خالد ، عن أبي قلابة : أن عمر بن الخطاب رأى رجلا قد ترك على ظهر قدمه مثل الظفر ، فأمره أن يعيد وضوءه وصلاته .

11456 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن محمد بن إسحاق ، عن شيبة بن نصاح قال : صحبت القاسم بن محمد إلى مكة ، فرأيته إذا توضأ للصلاة يدخل أصابع رجليه يصب عليها الماء ، قلت : يا أبا محمد ، لم تصنع هذا؟ قال : رأيت ابن عمر يصنعه .

11457 - حدثنا أبو كريب ، وابن وكيع قالا : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت أبي ، عن حماد ، عن إبراهيم في قوله : "فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين" قال : عاد الأمر إلى الغسل .

11458 - حدثني الحسين بن علي الصدائي ، قال : حدثنا أبي ، عن حفص [ ص: 55 ] الغاضري ، عن عامر بن كليب ، عن أبي عبد الرحمن قال : قرأ علي الحسن والحسين رضوان الله عليهما ، فقرآ : ( وأرجلكم إلى الكعبين ) فسمع علي رضي الله عنه ذلك وكان يقضي بين الناس فقال : "وأرجلكم" ، هذا من المقدم والمؤخر من الكلام .

11459 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبد الوهاب بن عبد الأعلى ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنه قرأها : ( فامسحوا برءوسكم وأرجلكم ) بالنصب ، وقال : عاد الأمر إلى الغسل .

11460 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبدة وأبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أنه قرأها : ( وأرجلكم ) وقال : عاد الأمر إلى الغسل .

11461 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن المبارك ، عن قيس ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله : أنه كان يقرأ : ( وأرجلكم ) بالنصب .

11462 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : [ ص: 56 ] حدثنا أسباط ، عن السدي ، قوله : "فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين" ، فيقول : اغسلوا وجوهكم ، واغسلوا أرجلكم ، وامسحوا برءوسكم . فهذا من التقديم والتأخير .

11463 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا حسين بن علي ، عن شيبان ، قال : أثبت لي عن علي أنه قرأ : ( وأرجلكم ) .

11464 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : ( وأرجلكم ) رجع الأمر إلى الغسل .

11465 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خالد ، عن عكرمة ، مثله .

11466 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن الأعمش قال : كان أصحاب عبد الله يقرءونها : ( وأرجلكم ) فيغسلون .

11467 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي قال : اغسل القدمين إلى الكعبين .

11468 - حدثني عبد الله بن محمد الزهري قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي السوداء ، عن ابن عبد خير ، عن أبيه قال : رأيت عليا توضأ ، فغسل ظاهر قدميه ، وقال : لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ظننت أن بطن القدم أحق من ظاهرها . [ ص: 57 ]

11469 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان قال : حدثنا عبد الملك ، عن عطاء قال : لم أر أحدا يمسح على القدمين .

11470 - حدثني المثنى قال : حدثني الحجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد ، عن قيس بن سعد ، عن مجاهد أنه قرأ : ( وأرجلكم إلى الكعبين ) فنصبها ، وقال : رجع إلى الغسل .

11471 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح قال : سمعت الأعمش يقرأ : ( وأرجلكم ) بالنصب .

11472 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا أشهب قال : سئل مالك عن قول الله : "وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين" أهي : "أرجلكم" أو "أرجلكم"؟ فقال : إنما هو الغسل وليس بالمسح ، لا تمسح الأرجل ، إنما تغسل . قيل له : أفرأيت من مسح أيجزيه ذلك؟ قال : لا .

11473 - حدثنا أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سلمة ، عن الضحاك : "وامسحوا برءوسكم وأرجلكم" قال : اغسلوها غسلا .

وقرأ ذلك آخرون من قراء الحجاز والعراق : ( وامسحوا برءوسكم وأرجلكم ) بخفض "الأرجل" . وتأول قارئو ذلك كذلك : أن الله إنما أمر عباده بمسح الأرجل [ ص: 58 ] في الوضوء دون غسلها ، وجعلوا "الأرجل" عطفا على"الرأس" ، فخفضوها لذلك .

ذكر من قال ذلك من أهل التأويل :

11474 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا محمد بن قيس الخراساني ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الوضوء غسلتان ومسحتان .

11475 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل ، عن حميد ح ، وحدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا حميد قال : قال موسى بن أنس لأنس ونحن عنده : يا أبا حمزة ، إن الحجاج خطبنا بالأهواز ونحن معه ، فذكر الطهور فقال : "اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برءوسكم وأرجلكم ، وإنه ليس شيء من ابن آدم أقرب إلى خبثه من قدميه ، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما" . فقال أنس : صدق الله وكذب الحجاج ، قال الله : "وامسحوا برءوسكم وأرجلكم" قال : وكان أنس إذا مسح قدميه بلهما .

11476 - حدثنا علي بن سهل قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا حماد قال : حدثنا عاصم الأحول ، عن أنس قال : نزل القرآن بالمسح ، والسنة الغسل .

11477 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن حميد ، عن موسى [ ص: 59 ] بن أنس قال : خطب الحجاج فقال : "اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم ، ظهورهما وبطونهما ، وعراقيبهما ، فإن ذلك أدنى إلى خبثكم" . قال أنس : صدق الله وكذب الحجاج ، قال الله : "وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين" .

11478 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا عبيد الله العتكي ، عن عكرمة قال : ليس على الرجلين غسل ، إنما نزل فيهما المسح .

11479 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هارون ، عن عنبسة ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، قال : امسح على رأسك وقدميك .

11480 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا ابن إدريس ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي قال : نزل جبريل بالمسح . قال : ثم قال الشعبي : ألا ترى أن"التيمم" أن يمسح ما كان غسلا ويلغي ما كان مسحا ؟

11481 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي قال : أمر بالتيمم فيما أمر به بالغسل .

11482 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن داود ، عن الشعبي أنه قال : إنما هو المسح على الرجلين ، ألا ترى أنه ما كان عليه الغسل جعل عليه المسح ، وما كان عليه المسح أهمل؟

11483 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن عامر أنه قال : أمر أن يمسح في التيمم ، ما أمر أن يغسل في الوضوء ، وأبطل [ ص: 60 ] ما أمر أن يمسح في الوضوء : الرأس والرجلان .

11484 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي قال : أمر أن يمسح بالصعيد في التيمم ما أمر أن يغسل بالماء . وأهمل ما أمر أن يمسح بالماء .

11485 - حدثنا ابن أبي زياد قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا إسماعيل قال : قلت لعامر : إن ناسا يقولون إن جبريل صلى الله عليه وسلم نزل بغسل الرجلين! فقال : نزل جبريل بالمسح .

11486 - حدثنا أبو بشر الواسطي إسحاق بن شاهين قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن يونس قال : حدثني من صحب عكرمة إلى واسط قال : فما رأيته غسل رجليه ، إنما يمسح عليهما ، حتى خرج منها .

11487 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين " افترض الله غسلتين ومسحتين .

11488 - حدثنا ابن حميد ، وابن وكيع قالا : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن يحيى بن وثاب ، عن علقمة : أنه قرأ : "وأرجلكم" مخفوضة"اللام" .

11489 - حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، مثله . [ ص: 61 ]

11490 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو الحسين العكلي ، عن عبد الوارث ، عن حميد ، عن مجاهد : أنه كان يقرأ : "وأرجلكم" .

11491 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا جابر بن نوح قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال : كان الشعبي يقرأ : "وأرجلكم" بالخفض .

11492 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن الحسن بن صالح ، عن غالب ، عن أبي جعفر ، أنه قرأ : "وأرجلكم" بالخفض .

11493 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سلمة ، عن الضحاك : أنه قرأ "وأرجلكم" بالكسر .

قال أبو جعفر : والصواب من القول عندنا في ذلك ، أن الله عز ذكره أمر [ ص: 62 ] بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء ، كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم . وإذا فعل ذلك بهما المتوضئ كان مستحقا اسم "ماسح غاسل" ، لأن "غسلهما" إمرار الماء عليهما ، أو إصابتهما بالماء . و"مسحهما" إمرار اليد أو ما قام مقام اليد عليهما . فإذا فعل ذلك بهما فاعل فهو "غاسل ماسح" .

ولذلك من احتمال "المسح" المعنيين اللذين وصفت من العموم والخصوص اللذين أحدهما مسح ببعض والآخر مسح بالجميع ، اختلفت قراءة القرأة في قوله : "وأرجلكم" فنصبها بعضهم توجيها منه ذلك إلى أن الفرض فيهما الغسل ، وإنكارا منه المسح عليهما ، مع تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعموم مسحهما بالماء . وخفضها بعضهم ، توجيها منه ذلك إلى أن الفرض فيهما المسح .

ولما قلنا في تأويل ذلك إنه معني به عموم مسح الرجلين بالماء كره من كره للمتوضئ الاجتزاء بإدخال رجليه في الماء دون مسحهما بيده ، أو بما قام مقام اليد ، توجيها منه قوله : "وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين" إلى مسح جميعهما عاما باليد ، أو بما قام مقام اليد ، دون بعضهما مع غسلهما بالماء ، كما : -

11494 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا نافع ، عن ابن عمر عن الأحول ، عن طاوس ، أنه سئل عن الرجل يتوضأ ويدخل رجليه في الماء . قال : ما أعد ذلك طائلا . [ ص: 63 ]

وأجاز ذلك من أجاز ، توجيها منه إلى أنه معني به الغسل . كما : -

11495 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت هشاما يذكر ، عن الحسن ، في الرجل يتوضأ في السفينة ، قال : لا بأس أن يغمس رجليه غمسا .

11496 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرني أبو حرة ، عن الحسن في الرجل إذا توضأ على حرف السفينة ، قال : يخضخض قدميه في الماء .

فإذا كان"المسح" المعنيان اللذان وصفنا : من عموم الرجلين بالماء ، وخصوص بعضهما به وكان صحيحا بالأدلة الدالة التي سنذكرها بعد ، أن مراد الله من مسحهما العموم ، وكان لعمومهما بذلك معنى"الغسل" و"المسح" فبين صواب قرأة القراءتين جميعا

أعني النصب في"الأرجل" والخفض . لأن في عموم الرجلين بمسحهما بالماء غسلهما ، وفي إمرار اليد وما قام مقام اليد عليهما مسحهما .

فوجه صواب قراءة من قرأ ذلك نصبا لما في ذلك من معنى عمومها بإمرار الماء عليهما .

ووجه صواب قراءة من قرأه خفضا ، لما في ذلك من إمرار اليد عليهما ، أو ما قام مقام اليد ، مسحا بهما . [ ص: 64 ]

غير أن ذلك وإن كان كذلك ، وكانت القراءتان كلتاهما حسنا صوابا ، فأعجب القراءتين إلي أن أقرأها قراءة من قرأ ذلك خفضا ، لما وصفت من جمع "المسح" المعنيين اللذين وصفت ، ولأنه بعد قوله : "وامسحوا برءوسكم" فالعطف به على "الرءوس" مع قربه منه أولى من العطف به على"الأيدي" ، وقد حيل بينه وبينها بقوله : "وامسحوا برءوسكم" .

فإن قال قائل : وما الدليل على أن المراد بالمسح في الرجلين العموم دون أن يكون خصوصا نظير قولك في المسح بالرأس؟

قيل : الدليل على ذلك تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار" . ولو كان مسح بعض القدم مجزئا عن عمومها بذلك لما كان لها الويل بترك ما ترك مسحه منها بالماء بعد أن يمسح بعضها . لأن من أدى فرض الله عليه فيما لزمه غسله منها لم يستحق الويل ، بل يجب أن يكون له الثواب الجزيل . وفي وجوب الويل لعقب تارك غسل عقبه في وضوئه أوضح الدليل على وجوب فرض العموم بمسح جميع القدم بالماء ، وصحة ما قلنا في ذلك ، وفساد ما خالفه .

ذكر بعض الأخبار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا :

11497 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا شعبة ، عن محمد بن زياد قال : كان أبو هريرة يمر ونحن نتوضأ من المطهرة ، فيقول :

أسبغوا الوضوء ، أسبغوا الوضوء ، قال أبو القاسم : ويل للعراقيب من النار . [ ص: 65 ]

11498 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه إلا أنه قال : ويل للأعقاب من النار .

11499 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن محمد بن زياد قال : كان أبو هريرة يمر بأناس يتوضئون يسيئون الطهور ، فيقول : أسبغوا الوضوء ، فإني سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول : ويل للعقب من النار .

11500 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو أسامة ، عن شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .

11501 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن حماد بن سلمة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .

11502 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن حماد بن سلمة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ويل للأعقاب من النار .

11503 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا خالد بن مخلد قال : حدثني سليمان بن بلال قال : حدثني سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويل للأعقاب من النار يوم القيامة .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #538  
قديم 17-02-2025, 07:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (538)
صــ 66 إلى صــ 85








11504 - حدثني إسحاق بن شاهين ، وإسماعيل بن موسى قالا : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال [ ص: 66 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ويل للأعقاب من النار وقال إسماعيل في حديثه : ويل للعراقيب من النار " .

11505 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا حسين المعلم ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن سالم الدوسي قال : دخلت مع عبد الرحمن بن أبي بكر على عائشة ، فدعا بوضوء ، فقالت عائشة : يا عبد الرحمن ، أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ويل للأعقاب من النار . .

11506 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عمر بن يونس الحنفي قال : حدثنا عكرمة بن عمار قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير قال : حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال : حدثني أبو سالم مولى المهري هكذا قال عمر بن يونس قال : خرجت أنا وعبد الرحمن بن أبي بكر في جنازة سعد بن أبي وقاص قال : [ ص: 67 ] فمررت أنا ، وعبد الرحمن على حجرة عائشة أخت عبد الرحمن ، فدعا عبد الرحمن بوضوء ، فسمعت عائشة تناديه : يا عبد الرحمن ، أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ويل للأعقاب من النار " .

11507 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا أبو عامر قال : حدثنا علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن سالم مولى دوس قال : سمعت عائشة تقول لأخيها عبد الرحمن : يا عبد الرحمن ، أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ويل للأعقاب من النار" . [ ص: 68 ]

11508 - حدثني يعقوب ، وسوار بن عبد الله ، قالا : حدثنا يحيى القطان ، عن ابن عجلان ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي سلمة ، أن عائشة رأت عبد الرحمن يتوضأ فقالت : أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ويل للأعقاب من النار . .

11509 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، ويحيى بن سعيد القطان ، عن ابن عجلان ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي سلمة ، قال : رأت عائشة عبد الرحمن يتوضأ ، فقالت : أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ويل للعراقيب من النار . .

11510 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : أخبرنا أبو زرعة وهب الله بن راشد قال : أخبرنا حيوة بن شريح قال : أخبرنا أبو الأسود : أن أبا عبد الله مولى شداد بن الهاد حدثه : أنه دخل على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعندها عبد الرحمن ، فتوضأ عبد الرحمن ، ثم قام فأدبر ، فنادته عائشة فقالت : يا عبد الرحمن ! فأقبل عليها ، فقالت له : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ويل للأعقاب من النار . . [ ص: 69 ]

11511 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، قال : حدثني أبو إسحاق ، عن سعيد أو : شعيب بن أبي كرب قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ويل للعراقيب من النار" .

11512 - حدثنا خلاد بن أسلم قال : حدثنا النضر قال : أخبرنا شعبة ، [ ص: 70 ] عن أبي إسحاق قال : سمعت ابن أبي كرب قال : سمعت جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ويل للعقب - أو : العراقيب - من النار" .

11513 - حدثني إسماعيل بن محمود الحجيري ، قال : حدثنا خالد بن الحارث قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت سعيدا يقول : سمعت جابرا يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ويل للأعقاب من النار . .

11514 - حدثنا ابن بشار ، وابن المثنى ، قالا : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن أبي كرب ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويل للعراقيب من النار .

11515 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا الصباح بن محارب ، عن محمد بن أبان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن أبي كرب ، عن جابر بن عبد الله قال : سمع أذني من النبي صلى الله عليه وسلم : ويل للعراقيب من النار . [ ص: 71 ]

11516 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا الصباح بن محارب ، عن محمد بن أبان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن أبي كرب ، عن جابر بن عبد الله قال : سمع أذني من النبي صلى الله عليه وسلم : "ويل للعراقيب من النار! أسبغوا الوضوء .

11517 - حدثني الحسين بن علي الصدائي قال : حدثنا الوليد بن القاسم ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر بن عبد الله قال : أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يتوضأ ، وبقي من عقبه شيء ، فقال : ويل للعراقيب من النار . .

11518 - حدثني علي بن مسلم قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال : حدثنا حفص ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قوما يتوضئون لم يصب أعقابهم الماء ، فقال : ويل للعراقيب من النار . .

11519 - حدثنا أبو سفيان الغنوي يزيد بن عمرو قال : حدثنا خلف بن الوليد قال : حدثني أيوب بن عتبة ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن معيقيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويل للعراقيب من النار . [ ص: 72 ]

11520 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن أبي يحيى ، عن عبد الله بن عمرو قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتوضئون ، فرأى أعقابهم تلوح ، فقال : "ويل للأعقاب من النار! أسبغوا الوضوء .

11521 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن أبي يحيى الأعرج ، عن عبد الله بن عمرو قال : أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتوضئون لم يتموا الوضوء ، فقال : أسبغوا الوضوء ، ويل للعراقيب - أو : الأعقاب - من النار!

11522 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن رجل من أهل مكة ، عن عبد الله بن عمرو : أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى قوما يتوضئون ، فلم يتموا الوضوء ، فقال : ويل للأعقاب من النار . . [ ص: 73 ]

11523 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن أبي يحيى ، عن عبد الله بن عمرو : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قوما يتوضئون وأعقابهم تلوح ، فقال : ويل للأعقاب من النار! أسبغوا الوضوء .

11524 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن منصور ، عن هلال ، عن أبي يحيى مولى عبد الله بن عمرو ، عن عبد الله بن عمرو قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة ، فسبقنا ناس فتوضئوا ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأى أقدامهم بيضا من أثر الوضوء ، فقال : ويل للعراقيب من النار! أسبغوا الوضوء"

11525 - حدثني علي بن عبد الأعلى قال : حدثنا المحاربي ، عن مطرح بن يزيد ، عن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويل للأعقاب من النار! قال : فما بقي في المسجد شريف ولا وضيع إلا نظرت إليه يقلب عرقوبيه ينظر إليهما . [ ص: 74 ]

11526 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا حسين ، عن زائدة ، عن ليث قال : حدثني عبد الرحمن بن سابط ، عن أبي أمامة أو : أخي أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر أقواما يتوضئون ، وفي عقب أحدهم أو كعب أحدهم مثل موضع الدرهم أو : موضع الظفر لم يمسه الماء ، فقال : ويل للأعقاب من النار! فقال : فجعل الرجل إذا رأى في عقبه شيئا لم يصبه الماء أعاد وضوءه . .

قال أبو جعفر : فإن قال قائل : فما أنت قائل فيما حدثكم به : -

11527 - محمد بن المثنى قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، عن أبيه ، عن أوس بن أبي أوس ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه ، ثم قام فصلى . [ ص: 75 ]

وما حدثك به :

11528 - عبد الله بن الحجاج بن المنهال قال : حدثني أبي قال : حدثنا جرير بن حازم قال : سمعت الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سباطة قوم فبال عليها قائما ، ثم دعا بماء فتوضأ ومسح على نعليه .

وما حدثك به : -

11529 - الحارث قال : حدثنا القاسم بن سلام قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا يعلى بن عطاء ، عن أبيه ، عن أوس بن أبي أوس قال : "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم ، فتوضأ ومسح على قدميه" [ ص: 76 ]

وما أشبه ذلك من الأخبار الدالة على أن المسح ببعض الرجلين في الوضوء مجزئ؟ قيل له : أما حديث أوس بن أبي أوس فإنه لا دلالة فيه على صحة ذلك ، إذ لم يكن في الخبر الذي روي عنه ذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بعد حدث يوجب عليه الوضوء لصلاته ، فمسح على نعليه ، أو على قدميه . وجائز أن يكون مسحه على قدميه الذي ذكره أوس كان في وضوء توضأه من غير حدث كان منه وجب عليه من أجله تجديد وضوئه ، لأن الرواية عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا توضأ لغير حدث ، كذلك يفعل ، يدل على ذلك ما : -

11530 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال : حدثنا أبو مالك الجنبي ، عن مسلم ، عن حبة العرني قال : رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه شرب في الرحبة قائما ، ثم توضأ ومسح على نعليه وقال : هذا وضوء من لم يحدث ، هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع . [ ص: 77 ]

فقد أنبأ هذا الخبر عن صحة ما قلنا في معنى حديث أوس .

فإن قال : فإن حديث أوس ، وإن كان محتملا من المعنى ما قلت ، فإنه محتمل أيضا ما قاله من قال أنه معني به المسح على النعلين أو القدمين في وضوء توضأه رسول الله صلى الله عليه وسلم من حدث؟

قيل : أحسن حالات الخبر ما حمل ما قلت ، إن سلم له ما ادعى من احتماله ما ذكر من المسح على القدم أو النعل بعد الحدث ، وإن كان ذلك غير محتمله عندنا ، إذ كان غير جائز أن تكون فرائض الله وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم متنافية متعارضة ، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بعموم غسل القدمين في الوضوء بالماء بالنقل المستفيض القاطع عذر من انتهى إليه وبلغه . وإذ كان [ ص: 78 ] ذلك عنه صحيحا ، فغير جائز أن يكون صحيحا عنه إباحة ترك غسل بعض ما قد أوجب فرضا غسله في حال واحدة ووقت واحد ، لأن ذلك إيجاب فرض ، وإبطاله في حال واحدة . وذلك عن أحكام الله وأحكام رسوله صلى الله عليه وسلم منتف .

غير أنا إذا سلمنا لمن ادعى في حديث أوس ما ادعى من احتماله مسح النبي صلى الله عليه وسلم على قدمه في حال وضوء من حدث ، ثقة منا بالفلج عليه ، بأنه لا حجة له في ذلك قلنا : فإذا كان محتملا ما ادعيت ، أفمحتمل هو ما قلناه إن ذلك كان من النبي صلى الله عليه وسلم في حال وضوئه لا من حدث؟

فإن قال : "لا" ثبتت مكابرته لأنه لا بيان في خبر أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في وضوء من حدث .

وإن قال : "بل هو محتمل ما قلت ومحتمل ما قلنا" .

قيل له : فما البرهان على أن تأويلك الذي ادعيت فيه أولى به من تأويلنا؟ فلن يدعي برهانا على صحة دعواه في ذلك ، إلا عورض بمثله في خلاف دعواه .

وأما حديث حذيفة فإن الثقات الحفاظ من أصحاب الأعمش حدثوا به ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة : "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما ، ثم توضأ ومسح على خفيه" .

11531 - حدثنا بذلك أحمد بن عبدة الضبي قال : حدثنا أبو عوانة ، عن [ ص: 79 ] الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة .

11532 - ح ، حدثني المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن أبي وائل ، عن حذيفة .

11533 - ح ، حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا : حدثنا ابن إدريس ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة .

11534 - ح ، حدثني أبو السائب قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن حذيفة .

11535 - ح ، حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي قال : حدثنا عمي يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن حذيفة .

11536 - ح ، حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة . . [ ص: 80 ]

وكل هؤلاء يحدث ذلك عن الأعمش ، بالإسناد الذي ذكرنا عن حذيفة : "أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه" ، وهم أصحاب الأعمش . ولم ينقل هذا الحديث عن الأعمش غير جرير بن حازم . ولو لم يخالفه في ذلك مخالف ، لوجب التثبت فيه لشذوذه ، فكيف والثقات من أصحاب الأعمش يخالفونه في روايته ما روى من ذلك!! ولو صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كان جائزا أن يكون مسح على نعليه وهما ملبوستان فوق الجوربين ، وإذا جاز ذلك لم يكن لأحد صرف الخبر إلى أحد المعاني المحتملها الخبر إلا بحجة يجب التسليم لها .

القول في تأويل قوله عز ذكره ( إلى الكعبين )

قال أبو جعفر : واختلف أهل التأويل في"الكعب" .

فقال بعضهم بما : -

11537 - حدثني أحمد بن حازم الغفاري قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا القاسم بن الفضل الحداني ، قال : قال أبو جعفر : أين"الكعبين"؟ فقال القوم : هاهنا . فقال : هذا رأس الساق! ولكن"الكعبين" هما عند المفصل [ ص: 81 ]

11538 - حدثني يونس قال : أخبرنا أشهب قال : قال مالك : " الكعب" الذي يجب الوضوء إليه ، هو الكعب الملتصق بالساق المحاذي العقب ، وليس بالظاهر في ظاهر القدم .

وقال آخرون بما : -

11539 - حدثنا الربيع قال : قال الشافعي : لم أعلم مخالفا في أن " الكعبين" اللذين ذكرهما الله في كتابه في الوضوء ، هما الناتئان وهما مجمع مفصل الساق والقدم

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن "الكعبين" هما العظمان اللذان في مفصل الساق والقدم ، تسميهما العرب "المنجمين" . وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول : هما عظما الساق في طرفها

واختلف أهل العلم في وجوب غسلهما في الوضوء وفي الحد الذي ينبغي أن يبلغ بالغسل إليه من الرجلين نحو اختلافهم في وجوب غسل المرفقين ، وفي الحد الذي ينبغي أن يبلغ بالغسل إليه من اليدين . وقد ذكرنا ذلك ودللنا على الصحيح من القول فيه بعلله فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته .

[ ص: 82 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( وإن كنتم جنبا فاطهروا )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "وإن كنتم جنبا" وإن كنتم أصابتكم جنابة قبل أن تقوموا إلى صلاتكم فقمتم إليها "فاطهروا" ، يقول : فتطهروا بالاغتسال منها قبل دخولكم في صلاتكم التي قمتم إليها .

ووحد "الجنب" وهو خبر عن الجميع ، لأنه اسم خرج مخرج الفعل كما قيل : "رجل عدل وقوم عدل" ، و"رجل زور وقوم زور" ، وما أشبه ذلك لفظ الواحد والجميع والاثنين والذكر والأنثى فيه واحد .

يقال منه : "أجنب الرجل" و"جنب" و"اجتنب" والفعل "الجنابة" ، و"الإجناب" . وقد سمع في جمعه "أجناب" ، وليس ذلك بالمستفيض الفاشي في كلام العرب ، بل الفصيح من كلامهم ما جاء به القرآن .

القول في تأويل قوله عز ذكره ( وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : إن كنتم جرحى أو مجدرين وأنتم [ ص: 83 ] جنب

وقد بينا أن ذلك كذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته .

وأما قوله : "أو على سفر" فإنه يقول : وإن كنتم مسافرين وأنتم جنب "أو جاء أحد منكم من الغائط" يقول : أو جاء أحدكم وقد قضى حاجته فيه وهو مسافر . وإنما عنى بذكر مجيئه منه قضاء حاجته فيه .

أو لامستم النساء" يقول : أو جامعتم النساء وأنتم مسافرون . وقد ذكرنا اختلاف المختلفين فيما مضى قبل في"اللمس" وبينا أولى الأقوال في ذلك بالصواب فيما مضى بما أغنى عن إعادته .

فإن قال قائل : وما وجه تكرير قوله : "أو لامستم النساء" إن كان معنى"اللمس" الجماع ، وقد مضى ذكر الواجب عليه بقوله : "وإن كنتم جنبا فاطهروا"؟

قيل : وجه تكرير ذلك أن المعنى الذي ألزمه تعالى ذكره من فرضه بقوله : "وإن كنتم جنبا فاطهروا" غير المعنى الذي ألزمه بقوله : "أو لامستم النساء" ، وذلك أنه بين حكمه في قوله : "وإن كنتم جنبا فاطهروا" إذا كان له السبيل إلى الماء الذي يطهره ، ففرض عليه الاغتسال به ، ثم بين حكمه إذا أعوزه الماء فلم يجد إليه السبيل وهو مسافر غير مريض مقيم ، فأعلمه أن التيمم بالصعيد له حينئذ الطهور .

[ ص: 84 ] القول في تأويل قوله ( فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا" فإن لم تجدوا أيها المؤمنون إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم مرضى مقيمون ، أو على سفر أصحاء ، أو قد جاء أحد منكم من قضاء حاجته ، أو جامع أهله في سفره "ماء فتيمموا صعيدا طيبا" يقول : فتعمدوا واقصدوا وجه الأرض"طيبا" ، يعني : طاهرا نظيفا غير قذر ولا نجس ، جائزا لكم حلالا "فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه" يقول : فاضربوا بأيديكم الصعيد الذي تيممتموه وتعمدتموه بأيديكم ، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم مما علق بأيديكم "منه" ، يعني : من الصعيد الذي ضربتموه بأيديكم من ترابه وغباره .

وقد بينا فيما مضى كيفية "المسح بالوجوه والأيدي منه" ، واختلاف المختلفين في ذلك ، والقول في معنى"الصعيد" ، و"التيمم" ، ودللنا على الصحيح من القول في كل ذلك بما أغنى عن تكريره في هذا الموضع .

القول في تأويل قوله عز ذكره ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج" ما يريد الله بما فرض عليكم من الوضوء إذا قمتم إلى صلاتكم ، والغسل [ ص: 85 ] من جنابتكم والتيمم صعيدا طيبا عند عدمكم الماء "ليجعل عليكم من حرج" ليلزمكم في دينكم من ضيق ، ولا ليعنتكم فيه .

وبما قلنا في معنى الحرج " قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

11540 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن خالد بن دينار ، عن أبي العالية وعن أبي مكين ، عن عكرمة في قوله : "من حرج" قالا : من ضيق .

11541 - حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "من حرج" من ضيق .

11542 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #539  
قديم 17-02-2025, 07:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (539)
صــ 86 إلى صــ 100







القول في تأويل قوله عز ذكره ( ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ( 6 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "ولكن يريد ليطهركم" ولكن الله يريد أن يطهركم بما فرض عليكم من الوضوء من الأحداث والغسل من الجنابة ، والتيمم عند عدم الماء ، فتنظفوا وتطهروا بذلك أجسامكم من الذنوب . كما : -

11543 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد قال : حدثنا قتادة عن شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الوضوء يكفر ما قبله ، ثم تصير الصلاة نافلة . قال : قلت : أنت سمعت [ ص: 86 ] ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : نعم ، غير مرة ، ولا مرتين ، ولا ثلاث ، ولا أربع ، ولا خمس .

11544 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة صدي بن عجلان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نحوه .

11545 - حدثنا أبو كريب ، ومحمد بن المثنى ويحيى بن داود الواسطي ، قالوا : حدثنا إبراهيم بن يزيد مردانبه القرشي قال : أخبرنا رقبة بن مصقلة العبدي ، عن شمر بن عطية ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم قام إلى الصلاة ، خرجت ذنوبه من سمعه ، وبصره ، ويديه ، ورجليه" [ ص: 87 ]

11546 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن كعب بن مرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما من رجل يتوضأ فيغسل يديه أو : ذراعيه إلا خرجت خطاياه منهما ، فإذا غسل وجهه خرجت خطاياه من وجهه ، فإذا مسح رأسه خرجت خطاياه من رأسه ، وإذا غسل رجليه خرجت خطاياه من رجليه . [ ص: 88 ]

11547 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد قال : حدثنا حاتم ، عن محمد بن عجلان ، عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك ، عن عمرو بن عبسة : أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا غسل المؤمن كفيه انتثرت الخطايا من كفيه ، وإذا تمضمض واستنشق خرجت خطاياه من فيه ومنخريه ، وإذا غسل وجهه خرجت من وجهه حتى تخرج من أشفار عينيه ، فإذا غسل يديه خرجت من يديه ، فإذا مسح رأسه وأذنيه خرجت من رأسه وأذنيه ، فإذا غسل رجليه خرجت حتى تخرج من أظفار قدميه ، فإذا انتهى إلى ذلك من وضوئه كان ذلك حظه منه ، فإن قام فصلى ركعتين مقبلا فيهما بوجهه وقلبه على ربه ، كان من خطاياه كيوم ولدته أمه" [ ص: 89 ]

11548 - حدثنا أبو الوليد الدمشقي قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : أخبرني مالك بن أنس ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء ، أو مع آخر قطرة من الماء ، أو نحو هذا . وإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشت بها يداه مع الماء ، أو مع آخر قطرة من الماء ، حتى يخرج نقيا من الذنوب" .

11549 - حدثنا عمران بن بكار الكلاعي ، قال : حدثنا علي بن عياش ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : حدثنا زيد بن أسلم ، عن حمران مولى عثمان قال : [ ص: 90 ] أتيت عثمان بن عفان بوضوء وهو قاعد ، فتوضأ ثلاثا ثلاثا ، ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ كوضوئي هذا . ثم قال : من توضأ وضوئي هذا كان من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وكانت خطاه إلى المساجد نافلة .

وقوله : "وليتم نعمته عليكم" فإنه يقول : ويريد ربكم مع تطهيركم من ذنوبكم بطاعتكم إياه فيما فرض عليكم من الوضوء والغسل إذا قمتم إلى الصلاة بالماء إن وجدتموه ، وتيممكم إذا لم تجدوه أن يتم نعمته عليكم بإباحته لكم التيمم ، وتصييره لكم الصعيد الطيب طهورا ، رخصة منه لكم في ذلك مع سائر نعمه التي أنعم بها عليكم أيها المؤمنون "لعلكم تشكرون" يقول : لكي تشكروا الله على نعمه التي أنعمها عليكم بطاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم .

[ ص: 91 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور ( 7 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : واذكروا نعمة الله عليكم أيها المؤمنون بالعقود التي عقدتموها لله على أنفسكم ، واذكروا نعمته عليكم في ذلك بأن هداكم من العقود لما فيه الرضا ، ووفقكم لما فيه نجاتكم من الضلالة والردى في نعم غيرها جمة . كما : -

11550 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "واذكروا نعمة الله عليكم" قال : النعم : آلاء الله .

11551 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

وأما قوله : "وميثاقه الذي واثقكم به" فإنه يعني : واذكروا أيضا أيها المؤمنون ، في نعم الله التي أنعم عليكم" ميثاقه الذي واثقكم به ، وهو عهده الذي عاهدكم به .

واختلف أهل التأويل في"الميثاق" الذي ذكر الله في هذه الآية ، أي مواثيقه عنى؟

فقال بعضهم : عنى به ميثاق الله الذي واثق به المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة [ ص: 92 ] له فيما أحبوا وكرهوا ، والعمل بكل ما أمرهم الله به ورسوله .

ذكر من قال ذلك :

11552 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : "واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا" الآية ، يعني : حيث بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنزل عليه الكتاب ، فقالوا : "آمنا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالكتاب ، وأقررنا بما في التوراة" ، فذكرهم الله ميثاقه الذي أقروا به على أنفسهم ، وأمرهم بالوفاء به .

11553 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا" ، فإنه أخذ ميثاقنا فقلنا : سمعنا وأطعنا على الإيمان والإقرار به وبرسوله .

وقال آخرون : بل عنى به جل ثناؤه : ميثاقه الذي أخذ على عباده حين أخرجهم من صلب آدم صلى الله عليه وسلم ، وأشهدهم على أنفسهم : ألست بربكم؟ فقالوا : بلى شهدنا .

ذكر من قال ذلك :

11554 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا [ ص: 93 ] عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "وميثاقه الذي واثقكم به" قال : الذي واثق به بني آدم في ظهر آدم .

11555 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك : قول ابن عباس ، وهو أن معناه : "واذكروا" أيها المؤمنون "نعمة الله عليكم" التي أنعمها عليكم بهدايته إياكم للإسلام "وميثاقه الذي واثقكم به" ، يعني : وعهده الذي عاهدكم به حين بايعتم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة له في المنشط والمكره ، والعسر واليسر "إذ قلتم سمعنا" ما قلت لنا ، وأخذت علينا من المواثيق وأطعناك فيما أمرتنا به ونهيتنا عنه ، وأنعم عليكم أيضا بتوفيقكم لقبول ذلك منه بقولكم له : "سمعنا وأطعنا" ، يقول : ففوا لله ، أيها المؤمنون بميثاقه الذي واثقكم به ، ونعمته التي أنعم عليكم في ذلك بإقراركم على أنفسكم بالسمع له والطاعة فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه ، يف لكم بما ضمن لكم الوفاء به إذا أنتم وفيتم له بميثاقه ، من إتمام نعمته عليكم ، وبإدخالكم جنته وإنعامكم بالخلود في دار كرامته ، وإنقاذكم من عقابه وأليم عذابه .

وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب من قول من قال : "عنى به الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم صلوات الله عليه" ، لأن الله جل ثناؤه ذكر بعقب تذكرة المؤمنين ميثاقه الذي واثقهم به ميثاقه الذي واثق به أهل التوراة بعد ما أنزل كتابه على نبيه موسى صلى الله عليه وسلم فيما أمرهم به ونهاهم فيها ، فقال : ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ) الآيات ، بعدها [ سورة المائدة : 12 ] منبها بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 94 ] محمد على مواضع حظوظهم من الوفاء لله بما عاهدهم عليه ومعرفهم سوء عاقبة أهل الكتاب في تضييعهم ما ضيعوا من ميثاقه الذي واثقهم به في أمره ونهيه ، وتعزير أنبيائه ورسله زاجرا لهم عن نكث عهودهم ، فيحل بهم ما أحل بالناكثين عهوده من أهل الكتاب قبلهم .

فكان إذ كان الذي ذكرهم فوعظهم به ونهاهم عن أن يركبوا من الفعل مثله ميثاق قوم أخذ ميثاقهم بعد إرسال الرسول إليهم وإنزال الكتاب عليهم واجبا أن يكون الحال التي أخذ فيها الميثاق والموعوظين نظير حال الذين وعظوا بهم . وإذا كان ذلك كذلك ، كان بينا صحة ما قلنا في ذلك وفساد خلافه .

وأما قوله : "واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور" ، فإنه وعيد من الله جل اسمه للمؤمنين كانوا برسوله صلى الله عليه وسلم من أصحابه وتهددا لهم أن ينقضوا ميثاق الله الذي واثقهم به في رسوله وعهدهم الذي عاهدوه فيه بأن يضمروا له خلاف ما أبدوا له بألسنتهم . .

يقول لهم جل ثناؤه : واتقوا الله ، أيها المؤمنون ، فخافوه أن تبدلوا عهده وتنقضوا ميثاقه الذي واثقكم به ، أو تخالفوا ما ضمنتم له بقولكم : "سمعنا وأطعنا" ، بأن تضمروا له غير الوفاء بذلك في أنفسكم ، فإن الله مطلع على ضمائر صدوركم ، وعالم بما تخفيه نفوسكم لا يخفى عليه شيء من ذلك ، فيحل بكم من عقوبته ما لا قبل لكم به ، كالذي حل بمن قبلكم من اليهود من المسخ وصنوف النقم ، وتصيروا في معادكم إلى سخط الله وأليم عقابه .

[ ص: 95 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : يا أيها الذين آمنوا بالله وبرسوله محمد ، ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيام لله شهداء بالعدل في أوليائكم وأعدائكم ، ولا تجوروا في أحكامكم وأفعالكم فتجاوزوا ما حددت لكم في أعدائكم لعدواتهم لكم ، ولا تقصروا فيما حددت لكم من أحكامي وحدودي في أوليائكم لولايتهم لكم ، ولكن انتهوا في جميعهم إلى حدي ، واعملوا فيه بأمري .

وأما قوله : "ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا" فإنه يقول : ولا يحملنكم عداوة قوم على ألا تعدلوا في حكمكم فيهم وسيرتكم بينهم ، فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة .

وقد ذكرنا الرواية عن أهل التأويل في معنى قوله : ( كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ) [ سورة النساء : 135 ] وفي قوله : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم ) [ سورة المائدة : 2 ] واختلاف المختلفين في قراءة ذلك ، والذي هو أولى بالصواب من القول فيه ، والقراءة بالأدلة الدالة على صحته بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وقد قيل : إن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين همت اليهود بقتله .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 96 ]

11556 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير : "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" ، نزلت في يهود خيبر ، أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن جريج ، قال عبد الله بن كثير : ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود يستعينهم في دية ، فهموا أن يقتلوه ، فذلك قوله : " ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا " . . . الآية .

القول في تأويل قوله عز ذكره ( اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ( 8 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "اعدلوا" أيها المؤمنون ، على كل أحد من الناس وليا لكم كان أو عدوا ، فاحملوهم على ما أمرتكم أن تحملوهم عليه من أحكامي ، ولا تجوروا بأحد منهم عنه .

وأما قوله : "هو أقرب للتقوى" فإنه يعني بقوله : "هو" العدل عليهم أقرب لكم أيها المؤمنون إلى التقوى ، يعني : إلى أن تكونوا عند الله باستعمالكم إياه من أهل التقوى ، وهم أهل الخوف والحذر من الله أن يخالفوه في شيء من أمره ، أو يأتوا شيئا من معاصيه .

وإنما وصف جل ثناؤه "العدل" بما وصفه به من أنه "أقرب للتقوى" من الجور ، لأن من كان عادلا كان لله بعدله مطيعا ، ومن كان لله مطيعا ، كان لا شك [ ص: 97 ] من أهل التقوى ، ومن كان جائرا كان لله عاصيا ، ومن كان لله عاصيا ، كان بعيدا من تقواه .

وإنما كنى بقوله : "هو أقرب" عن الفعل . والعرب تكني عن الأفعال إذا كنت عنها ب "هو" وب "ذلك" ، كما قال جل ثناؤه : ( فهو خير لكم ) [ سورة البقرة : 271 ] و ( ذلكم أزكى لكم ) [ سورة البقرة : 232 ] . ولو لم يكن في الكلام "هو" لكان "أقرب" نصبا ، ولقيل : "اعدلوا أقرب للتقوى" ، كما قيل : ( انتهوا خيرا لكم ) [ سورة النساء : 171 ] .

وأما قوله : " واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " ، فإنه يعني : واحذروا أيها المؤمنون ، أن تجوروا في عباده فتجاوزوا فيهم حكمه وقضاءه الذين بين لكم ، فيحل بكم عقوبته ، وتستوجبوا منه أليم نكاله "إن الله خبير بما تعملون" ، يقول : إن الله ذو خبرة وعلم بما تعملون أيها المؤمنون فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه ، من عمل به أو خلاف له ، محص ذلكم عليكم كله ، حتى يجازيكم به جزاءكم ، المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، فاتقوا أن تسيئوا .

[ ص: 98 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم ( 9 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات " ، وعد الله أيها الناس الذين صدقوا الله ورسوله ، وأقروا بما جاءهم به من عند ربهم ، وعملوا بما واثقهم الله به ، وأوفوا بالعقود التي عاقدهم عليها بقولهم : "لنسمعن ولنطيعن الله ورسوله" فسمعوا أمر الله ونهيه وأطاعوه ، فعملوا بما أمرهم الله به ، وانتهوا عما نهاهم عنه .

ويعني بقوله : "لهم مغفرة" لهؤلاء الذين وفوا بالعقود والميثاق الذي واثقهم به ربهم "مغفرة" وهي ستر ذنوبهم السالفة منهم عليهم ، وتغطيتها بعفوه لهم عنها ، وتركه عقوبتهم عليها ، وفضيحتهم بها ، "وأجر عظيم" يقول : ولهم مع عفوه لهم عن ذنوبهم السالفة منهم ، جزاء على أعمالهم التي عملوها ووفائهم بالعقود التي عاقدوا ربهم عليها "أجر عظيم" ، و"العظيم" من خيره غير محدود مبلغه ، ولا يعرف منتهاه غيره تعالى ذكره .

فإن قال قائل : إن الله جل ثناؤه أخبر في هذه الآية أنه وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ولم يخبر بما وعدهم ، فأين الخبر عن الموعود؟

قيل : بلى إنه قد أخبر عن الموعود ، والموعود هو قوله : "لهم مغفرة وأجر عظيم" . [ ص: 99 ]

فإن قال : فإن قوله : "لهم مغفرة وأجر عظيم" خبر مبتدأ ، ولو كان هو الموعود لقيل : "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات مغفرة وأجرا عظيما ، ولم يدخل في ذلك "لهم" ، وفي دخول ذلك فيه دلالة على ابتداء الكلام ، وانقضاء الخبر عن الوعد!

قيل : إن ذلك وإن كان ظاهره ما ذكرت ، فإنه مما اكتفي بدلالة ما ظهر من الكلام على ما بطن من معناه من ذكر بعض قد ترك ذكره فيه ، وذلك أن معنى الكلام : وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن يغفر لهم ويأجرهم أجرا عظيما لأن من شأن العرب أن يصحبوا "الوعد" "أن" ويعملوه فيها ، فتركت "أن" إذ كان "الوعد" قولا . ومن شأن "القول" أن يكون ما بعده من جمل الأخبار مبتدأ ، وذكر بعده جملة الخبر اجتزاء بدلالة ظاهر الكلام على معناه ، وصرفا للوعد الموافق للقول في معناه وإن كان للفظه مخالفا إلى معناه ، فكأنه قيل : "قال الله : للذين آمنوا وعملوا الصالحات مغفرة وأجر عظيم" .

وكان بعض نحويي البصرة يقول ، إنما قيل : "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم" ، في الوعد الذي وعدوا فكأن معنى الكلام على تأويل قائل هذا القول : وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم ، [ فيما وعدهم به ] .

[ ص: 100 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ( 10 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "والذين كفروا" والذين جحدوا وحدانية الله ، ونقضوا ميثاقه وعقوده التي عاقدوها إياه" وكذبوا بآياتنا" يقول : وكذبوا بأدلة الله وحججه الدالة على وحدانيته التي جاءت بها الرسل وغيرها "أولئك أصحاب الجحيم" يقول : هؤلاء الذين هذه صفتهم أهل"الجحيم" ، يعني : أهل النار الذين يخلدون فيها ولا يخرجون منها أبدا .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #540  
قديم 17-02-2025, 07:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (540)
صــ 101 إلى صــ 115







القول في تأويل قوله عز ذكره ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "يا أيها الذين آمنوا" يا أيها الذين أقروا بتوحيد الله ورسالة رسوله صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عند ربهم "اذكروا نعمة الله عليكم" ، اذكروا النعمة التي أنعم الله بها عليكم ، فاشكروه عليها بالوفاء له بميثاقه الذي واثقكم به ، والعقود التي عاقدتم نبيكم صلى الله عليه وسلم عليها . ثم وصف نعمته التي أمرهم جل ثناؤه بالشكر عليها مع سائر نعمه ، فقال : هي كفه عنكم أيدي القوم الذين هموا بالبطش بكم ، فصرفهم عنكم ، [ ص: 101 ] وحال بينهم وبين ما أرادوه بكم .

ثم اختلف أهل التأويل في صفة هذه النعمة التي ذكر الله جل ثناؤه أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم بها ، وأمرهم بالشكر له عليها .

فقال بعضهم : هو استنقاذ الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه مما كانت اليهود من بني النضير هموا به يوم أتوهم يستحملونهم دية العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري .

ذكر من قال ذلك :

11557 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر قالا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير ليستعينهم على دية العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري . فلما جاءهم خلا بعضهم ببعض فقالوا : إنكم لن تجدوا محمدا أقرب منه الآن ، فمن رجل يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه؟ فقال عمرو بن جحاش بن كعب : أنا . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر ، وانصرف عنهم ، فأنزل الله عز ذكره فيهم وفيما أراد هو وقومه : " ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم " . . . الآية . [ ص: 102 ]

11558 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم" ، قال : اليهود ، دخل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم حائطا لهم ، وأصحابه من وراء جداره ، فاستعانهم في مغرم دية غرمها ، ثم قام من عندهم ، فائتمروا بينهم بقتله ، فخرج يمشي القهقرى ينظر إليهم ، ثم دعا أصحابه رجلا رجلا حتى تتاموا إليه .

11559 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم" : يهود ، حين دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطا لهم ، وأصحابه من وراء جدار لهم ، فاستعانهم في مغرم ، في الدية التي غرمها ، ثم قام من عندهم ، فائتمروا بينهم بقتله ، فخرج يمشي معترضا ينظر إليهم خيفتهم ، ثم دعا أصحابه رجلا رجلا حتى تتاموا إليه . قال الله جل وعز : " فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون " .

11560 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثني أبو معشر ، عن يزيد بن أبي زياد قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير يستعينهم في عقل أصابه ومعه أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، فقال : أعينوني في عقل أصابني . فقالوا : نعم يا أبا القاسم ، قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجة! اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا! فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 103 ] وأصحابه ينتظرونه ، وجاء حيي بن أخطب وهو رأس القوم ، وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال : فقال حيي لأصحابه : لا ترونه أقرب منه الآن ، اطرحوا عليه حجارة فاقتلوه ، ولا ترون شرا أبدا ! فجاءوا إلى رحى لهم عظيمة ليطرحوها عليه ، فأمسك الله عنها أيديهم ، حتى جاءه جبريل صلى الله عليه وسلم فأقامه من ثم ، فأنزل الله جل وعز : "يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون" ، فأخبر الله عز ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم ما أرادوا به .

11561 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير : "يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم" الآية ، قال : يهود ، دخل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم حائطا ، فاستعانهم في مغرم غرمه ، فائتمروا بينهم بقتله ، فقام من عندهم فخرج معترضا ينظر إليهم خيفتهم ، ثم دعا أصحابه رجلا رجلا حتى تتاموا إليه .

11562 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو الأنصاري أحد بني النجار وهو أحد النقباء ليلة العقبة فبعثه في ثلاثين راكبا من المهاجرين والأنصار ، فخرجوا ، فلقوا عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر على بئر معونة ، وهي من مياه بني عامر ، فاقتتلوا ، فقتل المنذر وأصحابه إلا ثلاثة نفر كانوا في طلب ضالة لهم ، فلم يرعهم إلا والطير تحوم في السماء ، يسقط من بين خراطيمها علق الدم . فقال أحد النفر : قتل أصحابنا والرحمن! ثم تولى يشتد حتى لقي رجلا فاختلفا ضربتين ، فلما خالطته الضربة ، رفع رأسه إلى السماء ففتح [ ص: 104 ] عينيه ثم قال : الله أكبر ، الجنة ورب العالمين!! فكان يدعى"أعنق ليموت" ، ورجع صاحباه ، فلقيا رجلين من بني سليم ، وبين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قومهما موادعة ، فانتسبا لهما إلى بني عامر ، فقتلاهما . وقدم قومهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون الدية ، فخرج ومعه أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، وعبد الرحمن بن عوف ، حتى دخلوا إلى كعب بن الأشرف ويهود النضير ، فاستعانهم في عقلهما . قال : فاجتمعت اليهود لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، واعتلوا بصنيعة الطعام ، فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم بالذي أجمعت عليه يهود من الغدر ، فخرج ثم دعا عليا ، فقال : لا تبرح مقامك ، فمن خرج عليك من أصحابي فسألك عني فقل : "وجه إلى المدينة فأدركوه" . قال : فجعلوا يمرون على علي ، فيأمرهم بالذي أمره حتى أتى عليه آخرهم ، ثم تبعهم ، فذلك قوله : ( ولا تزال تطلع على خائنة منهم ) [ سورة المائدة : 13 ] .

11563 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي مالك في قوله : "يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم" قال : نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه ، حين أرادوا أن يغدروا برسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال آخرون : بل النعمة التي ذكرها الله في هذه الآية ، فأمر المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى اله عليه وسلم بالشكر له عليها : أن اليهود كانت همت بقتل النبي صلى الله عليه وسلم في طعام دعوه إليه ، فأعلم الله عز وجل نبيه صلى [ ص: 105 ] الله عليه وسلم ما هموا به ، فانتهى هو وأصحابه عن إجابتهم إليه .

ذكر من قال ذلك :

11564 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم " إلى قوله : "فكف أيديهم عنكم" وذلك أن قوما من اليهود صنعوا لرسول الله وأصحابه طعاما ليقتلوه إذا أتى الطعام ، فأوحى الله إليه بشأنهم ، فلم يأت الطعام ، وأمر أصحابه فلم يأتوه .

وقال آخرون : عنى الله جل ثناؤه بذلك : النعمة التي أنعمها على المؤمنين باطلاع نبيه صلى الله عليه وسلم على ما هم به عدوه وعدوهم من المشركين يوم بطن نخل من اغترارهم إياهم ، والإيقاع بهم ، إذا هم اشتغلوا عنهم بصلاتهم فسجدوا فيها ، وتعريفه نبيه صلى الله عليه وسلم الحذار من عدوه في صلاته بتعليمه إياه صلاة الخوف .

ذكر من قال ذلك :

11565 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم" . . . الآية ، ذكر لنا أنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببطن نخل في الغزوة السابعة ، فأراد بنو ثعلبة وبنو محارب أن يفتكوا [ ص: 106 ] به ، فأطلعه الله على ذلك . ذكر لنا أن رجلا انتدب لقتله ، فأتى نبي الله صلى الله عليه وسلم وسيفه موضوع ، فقال : آخذه ، يا نبي الله؟ قال : خذه! قال : أستله؟ قال : نعم! فسله ، فقال : من يمنعك مني؟ قال : "الله يمنعني منك! . فهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغلظوا له القول ، فشام السيف وأمر نبي الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالرحيل ، فأنزلت عليه صلاة الخوف عند ذلك .

11566 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، ذكره عن أبي سلمة ، عن جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلا وتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها ، فعلق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه بشجرة ، فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه فسله ، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : من يمنعك مني؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : "الله" ، فشام الأعرابي السيف ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي ، وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه قال معمر : وكان قتادة يذكر نحو هذا ، وذكر أن قوما من العرب أرادوا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسلوا هذا الأعرابي . وتأول : "اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم" ، الآية . [ ص: 107 ]

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصحة في تأويل ذلك ، قول من قال : عنى الله بالنعمة التي ذكر في هذه الآية نعمته على المؤمنين به وبرسوله التي أنعم بها عليهم في استنقاذه نبيهم محمدا صلى الله عليه وسلم مما كانت يهود بني النضير همت به من قتله وقتل من معه يوم سار إليهم نبي الله صلى الله عليه وسلم في الدية التي كان تحملها عن قتيلي عمرو بن أمية .

وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة في تأويل ذلك لأن الله جل ثناؤه عقب ذكر ذلك برمي اليهود بصنائعها وقبيح أفعالها ، وخيانتها ربها وأنبياءها . ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالعفو عنهم ، والصفح عن عظيم جهلهم ، فكان معلوما بذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يؤمر بالعفو عنهم والصفح عقيب قوله : "إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم" وغيرهم كان يبسط الأيدي إليهم . لأنه لو كان الذين هموا ببسط الأيدي إليهم غيرهم لكان حريا أن يكون الأمر بالعفو والصفح عنهم ، لا عمن لم يجر لهم بذلك ذكر ولكان الوصف بالخيانة في وصفهم في هذا الموضع ، [ ص: 108 ] لا في وصف من لم يجر لخيانته ذكر ، ففي ذلك ما ينبئ عن صحة ما قضينا له بالصحة من التأويلات في ذلك دون ما خالفه .

القول في تأويل قوله عز ذكره ( واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( 11 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه : واحذروا الله ، أيها المؤمنون أن تخالفوه فيما أمركم ونهاكم ، وأن تنقضوا الميثاق الذي واثقكم به فتستوجبوا منه العقاب الذي لا قبل لكم به"وعلى الله فليتوكل المؤمنون" يقول : وإلى الله فليلق أزمة أمورهم ، ويستسلم لقضائه ، ويثق بنصرته وعونه المقرون بوحدانية الله ورسالة رسوله ، العاملون بأمره ونهيه ، فإن ذلك من كمال دينهم وتمام إيمانهم وأنهم إذا فعلوا ذلك كلأهم ورعاهم وحفظهم ممن أرادهم بسوء ، كما حفظكم ودافع عنكم أيها المؤمنون اليهود الذين هموا بما هموا به من بسط أيديهم إليكم كلاءة منه لكم ، إذ كنتم من أهل الإيمان به وبرسوله دون غيره ، فإن غيره لا يطيق دفع سوء أراد بكم ربكم ولا اجتلاب نفع لكم لم يقضه لكم . [ ص: 109 ]

القول في تأويل قوله عز ذكره ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا )

قال أبو جعفر : وهذه الآية أنزلت إعلاما من الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به أخلاق الذين هموا ببسط أيديهم إليهم من اليهود . كالذي : -

11567 - حدثنا الحارث بن محمد قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا مبارك ، عن الحسن في قوله : "ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل" قال : اليهود من أهل الكتاب .

وأن الذي هموا به من الغدر ونقض العهد الذي بينهم وبينه ، من صفاتهم وصفات أوائلهم وأخلاقهم وأخلاق أسلافهم قديما واحتجاجا لنبيه صلى الله عليه وسلم على اليهود ، بإطلاعه إياه على ما كان علمه عندهم دون العرب من خفي أمورهم ومكنون علومهم وتوبيخا لليهود في تماديهم في الغي ، وإصرارهم على الكفر ، مع علمهم بخطإ ما هم عليه مقيمون .

يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : لا تستعظموا أمر الذين هموا ببسط أيديهم إليكم من هؤلاء اليهود بما هموا به لكم ، ولا أمر الغدر الذي حاولوه وأرادوه بكم ، فإن ذلك من أخلاق أوائلهم وأسلافهم ، لا يعدون أن يكونوا على منهاج أولهم وطريق سلفهم . ثم ابتدأ الخبر عز ذكره عن بعض غدراتهم وخياناتهم وجراءتهم على ربهم ونقضهم ميثاقهم الذي واثقهم عليه بارئهم ، مع نعمه التي خصهم بها ، [ ص: 110 ] وكراماته التي طوقهم شكرها ، فقال : ولقد أخذ الله ميثاق سلف من هم ببسط يده إليكم من يهود بني إسرائيل ، يا معشر المؤمنين بالوفاء له بعهوده وطاعته فيما أمرهم ونهاهم ، كما : -

11568 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم العسقلاني قال : حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : "ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل" قال : أخذ الله مواثيقهم أن يخلصوا له ، ولا يعبدوا غيره .

" وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا " يعني بذلك : وبعثنا منهم اثني عشر كفيلا كفلوا عليهم بالوفاء لله بما واثقوه عليه من العهود فيما أمرهم به وفيما نهاهم عنه .

و"النقيب" في كلام العرب كالعريف على القوم ، غير أنه فوق "العريف" . يقال منه : "نقب فلان على بني فلان فهو ينقب نقبا فإذا أريد أنه لم يكن نقيبا فصار نقيبا ، قيل : "قد نقب فهو ينقب نقابة" ومن"العريف" : "عرف عليهم يعرف عرافة" . فأما"المناكب" فإنهم كالأعوان يكونون مع العرفاء ، واحدهم "منكب" .

وكان بعض أهل العلم بالعربية يقول : هو الأمين الضامن على القوم .

فأما أهل التأويل فإنهم قد اختلفوا بينهم في تأويله . [ ص: 111 ]

فقال بعضهم : هو الشاهد على قومه .

ذكر من قال ذلك :

11569 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا " ، من كل سبط رجل شاهد على قومه .

وقال آخرون : "النقيب" ، الأمين .

ذكر من قال ذلك :

11570 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : "النقباء" الأمناء .

11571 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، مثله .

وإنما كان الله عز ذكره أمر موسى نبيه صلى الله عليه وسلم ببعثة النقباء الاثني عشر من قومه بني إسرائيل إلى أرض الجبابرة بالشأم ، ليتحسسوا لموسى أخبارهم إذ أراد هلاكهم ، وأن يورث أرضهم وديارهم موسى وقومه ، وأن يجعلها مساكن لبني إسرائيل بعد ما أنجاهم من فرعون وقومه ، وأخرجهم من أرض مصر ، فبعث موسى الذين أمره الله ببعثهم إليها من النقباء ، كما :

11572 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : أمر الله بني إسرائيل بالسير إلى أريحا ، وهي أرض بيت المقدس ، فساروا حتى إذا كانوا قريبا منهم بعث موسى اثني عشر نقيبا من جميع أسباط بني إسرائيل . فساروا يريدون أن يأتوه بخبر الجبابرة ، فلقيهم رجل [ ص: 112 ] من الجبارين يقال له"عاج" ، فأخذ الاثني عشر ، فجعلهم في حجزته وعلى رأسه حملة حطب . فانطلق بهم إلى امرأته فقال : انظري إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقاتلونا!! فطرحهم بين يديها ، فقال : ألا أطحنهم برجلي! فقالت امرأته : بل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا . ففعل ذلك . فلما خرج القوم ، قال بعضهم لبعض : يا قوم إنكم إن أخبرتم بني إسرائيل خبر القوم ، ارتدوا عن نبي الله عليه السلام ، ولكن اكتموه وأخبروا نبيي الله ، فيكونان هما يريان رأيهما! فأخذ بعضهم على بعض الميثاق بذلك ليكتموه ، ثم رجعوا فانطلق عشرة منهم فنكثوا العهد ، فجعل الرجل يخبر أخاه وأباه بما رأى من [ أمر ] "عاج" وكتم رجلان منهم ، فأتوا موسى ، وهارون ، فأخبروهما الخبر ، فذلك حين يقول الله : "ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا" .

11573 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "اثني عشر نقيبا" من كل سبط من بني إسرائيل رجل ، أرسلهم موسى إلى الجبارين ، فوجدوهم يدخل في كم أحدهم اثنان منهم يلقونهم إلقاء ولا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة أنفس [ ص: 113 ] منهم في خشبة ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس أو أربع . فرجع النقباء كل منهم ينهى سبطه عن قتالهم إلا يوشع بن نون وكلاب بن يافنة ، يأمران الأسباط بقتال الجبابرة وبجهادهم ، فعصوا هذين وأطاعوا الآخرين .

11574 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه إلا أنه قال : "من بني إسرائيل رجال" وقال أيضا : "يلقونهما" .

11575 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : أمر موسى أن يسير ببني إسرائيل إلى الأرض المقدسة ، وقال : إني قد كتبتها لكم دارا وقرارا ومنزلا فاخرج إليها ، وجاهد من فيها من العدو ، فإني ناصركم عليهم ، وخذ من قومك اثني عشر نقيبا من كل سبط نقيبا يكون على قومه بالوفاء منهم على ما أمروا به ، وقل لهم : إن الله يقول لكم : ( إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة ) . . . إلى قوله : ( فقد ضل سواء السبيل ) وأخذ موسى منهم اثني عشر نقيبا اختارهم من الأسباط كفلاء على قومهم بما هم فيه ، على الوفاء بعهده وميثاقه . وأخذ من كل سبط منهم خيرهم وأوفاهم رجلا . يقول الله عز وجل : "ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا" فسار بهم موسى إلى الأرض المقدسة بأمر الله ، حتى إذا نزل التيه بين مصر والشام وهي بلاد ليس فيها خمر [ ص: 114 ] ولا ظل دعا موسى ربه حين آذاهم الحر ، فظلل عليهم بالغمام ، ودعا لهم بالرزق ، فأنزل الله عليهم المن والسلوى . وأمر الله موسى فقال : أرسل رجالا يتحسسون إلى أرض كنعان التي وهبت لبني إسرائيل من كل سبط رجلا . فأرسل موسى الرءوس كلهم الذين فيهم ، [ فبعث الله جل وعز من برية فاران بكلام الله ، وهم رءوس بني إسرائيل ] . وهذه أسماء الرهط الذين بعث الله جل ثناؤه من بني إسرائيل إلى أرض الشام ، فيما يذكر أهل التوراة ليجوسوها لبني إسرائيل من سبط روبيل : " شامون بن زكور " ومن سبط شمعون : " شافاط بن حرى " ومن سبط يهوذا : " كالب بن يوفنا ومن سبط [ ص: 115 ] أتين : " يجائل بن يوسف " ومن سبط يوسف : وهو سبط أفرائيم : " يوشع بن نون " ومن سبط بنيامين " فلط بن رفون " ومن سبط زبالون : " جدى بن سودى ومن سبط منشا بن يوسف : " جدى بن سوسا ومن سبط دان : " حملائل بن جمل " ومن سبط أشر : ساتور بن ملكيل " ومن [ ص: 116 ] سبط نفتالى : " نحى بن وفسى " ومن سبط جاد : " جولايل بن ميكى " .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 320.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 314.25 كيلو بايت... تم توفير 5.80 كيلو بايت...بمعدل (1.81%)]