|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#411
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (411) صــ 483 إلى صــ 498 [ ص: 483 ] القول في تأويل قوله ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ( 64 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : " قل " يا محمد ، لأهل الكتاب ، وهم أهل التوراة والإنجيل " تعالوا " هلموا " إلى كلمة سواء " يعني : إلى كلمة عدل بيننا وبينكم ، والكلمة العدل ، هي أن نوحد الله فلا نعبد غيره ، ونبرأ من كل معبود سواه ، فلا نشرك به شيئا . وقوله : " ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا " يقول : ولا يدين بعضنا لبعض بالطاعة فيما أمر به من معاصي الله ، ويعظمه بالسجود له كما يسجد لربه " فإن تولوا " يقول : فإن أعرضوا عما دعوتهم إليه من الكلمة السواء التي أمرتك بدعائهم إليها ، فلم يجيبوك إليها " فقولوا " أيها المؤمنون ، للمتولين عن ذلك " اشهدوا بأنا مسلمون " . واختلف أهل التأويل فيمن نزلت فيه هذه الآية . فقال بعضهم : نزلت في يهود بني إسرائيل الذين كانوا حوالي مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ذكر من قال ذلك : 7191 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - دعا يهود أهل المدينة إلى الكلمة السواء ، وهم الذين حاجوا في إبراهيم . [ ص: 484 ] 7192 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - دعا اليهود إلى كلمة السواء . 7193 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : بلغنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - دعا يهود أهل المدينة إلى ذلك ، فأبوا عليه ، فجاهدهم قال : دعاهم إلى قول الله - عز وجل - : " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " الآية . وقال آخرون : بل نزلت في الوفد من نصارى نجران . ذكر من قال ذلك : 7194 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " الآية ، إلى قوله : " فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " قال : فدعاهم إلى النصف ، وقطع عنهم الحجة - يعني وفد نجران . 7195 - حدثنا موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : ثم دعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . - يعني الوفد من نصارى نجران - فقال : " يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " الآية . 7196 - حدثني يونس قال : أخبرني ابن وهب قال : حدثنا ابن زيد قال قال : يعني - جل ثناؤه - : " إن هذا لهو القصص الحق " في عيسى على ما قد بيناه فيما مضى قال : فأبوا - يعني الوفد من نجران - فقال : ادعهم إلى أيسر من هذا ، " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " [ ص: 485 ] فقرأ حتى بلغ أربابا من دون الله " فأبوا أن يقبلوا هذا ولا الآخر . قال أبو جعفر : وإنما قلنا عنى بقوله : " يا أهل الكتاب " أهل الكتابين ، لأنهما جميعا من أهل الكتاب ، ولم يخصص - جل ثناؤه - بقوله : " يا أهل الكتاب " بعضا دون بعض . فليس بأن يكون موجها ذلك إلى أنه مقصود به أهل التوراة ، بأولى منه بأن يكون موجها إلى أنه مقصود به أهل الإنجيل ، ولا أهل الإنجيل بأولى أن يكونوا مقصودين به دون غيرهم من أهل التوراة . وإذ لم يكن أحد الفريقين بذلك بأولى من الآخر لأنه لا دلالة على أنه المخصوص بذلك من الآخر ، ولا أثر صحيح فالواجب أن يكون كل كتابي معنيا به . لأن إفراد العبادة لله وحده ، وإخلاص التوحيد له ، واجب على كل مأمور منهي من خلق الله . واسم " أهل الكتاب " يلزم أهل التوراة وأهل الإنجيل ، فكان معلوما بذلك أنه عني به الفريقان جميعا . وأما تأويل قوله : " تعالوا " فإنه : أقبلوا وهلموا . وإنما " هو تفاعلوا " من " العلو " فكأن القائل لصاحبه : " تعال إلي " قائل " تفاعل " من " العلو " كما يقال : " تدان مني " من " الدنو " و " تقارب مني " من " القرب " . [ ص: 486 ] وقوله : " إلى كلمة سواء " . فإنها الكلمة العدل ، " والسواء " من نعت " الكلمة " . وقد اختلف أهل العربية في وجه إتباع " سواء " في الإعراب " لكلمة " وهو اسم لا صفة . فقال بعض نحويي البصرة : جر " سواء " لأنها من صفة " الكلمة " وهي العدل ، وأراد مستوية . قال : ولو أراد " استواء " كان النصب . وإن شاء أن يجعلها على " الاستواء " ويجر ، جاز ، ويجعله من صفة " الكلمة " مثل " الخلق " لأن " الخلق " هو " المخلوق " . " والخلق " قد يكون صفة واسما ، ويجعل " الاستواء " مثل " المستوي " قال - عز وجل - : ( الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ) [ سورة الحج : 25 ] ، لأن " السواء " للآخر ، وهو اسم ليس بصفة فيجرى على الأول ، وذلك إذا أراد به " الاستواء " . فإن أراد به " مستويا " جاز أن يجري على الأول . والرفع في ذا المعنى جيد ، لأنها لا تغير عن حالها ولا تثنى ولا تجمع ولا تؤنث فأشبهت الأسماء التي هي مثل " عدل " و " رضى " و " جنب " وما أشبه ذلك . وقالوا : [ في قوله ] : ( أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ) [ سورة الجاثية : 21 ] ، ف " السواء " للمحيا والممات بهذا ، المبتدأ . وإن شئت أجريته على الأول ، وجعلته صفة مقدمة ، كأنها من سبب الأول [ ص: 487 ] فجرت عليه . وذلك إذا جعلته في معنى " مستوي " . والرفع وجه الكلام كما فسرت لك . وقال بعض نحويي الكوفة : " سواء " مصدر وضع موضع الفعل ، يعني موضع " متساوية " : و " متساو " فمرة يأتي على الفعل ، ومرة على المصدر . وقد يقال في " سواء " بمعنى عدل : " سوى وسوى " كما قال - جل ثناؤه - : ( مكانا سوى ) و ( سوى ) [ سورة طه : 58 ] ، يراد به : عدل ونصف بيننا وبينك . وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرأ ذلك ( " إلى كلمة عدل بيننا وبينكم " ) . وبمثل الذي قلنا في تأويل قوله : " إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " بأن " السواء " هو العدل ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 7197 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " عدل بيننا وبينكم " ألا نعبد إلا الله " الآية . 7198 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا " بمثله . [ ص: 488 ] وقال آخرون : هو قول " لا إله إلا الله " . ذكر من قال ذلك : 7199 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : قال أبو العالية : " كلمة السواء " لا إله إلا الله . وأما قوله : " ألا نعبد إلا الله " فإن " أن " في موضع خفض على معنى : تعالوا إلى أن لا نعبد إلا الله . وقد بينا - معنى " العبادة " في كلام العرب فيما مضى ، ودللنا على الصحيح من معانيه بما أغنى عن إعادته . وأما قوله : " ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا " فإن " اتخاذ بعضهم بعضا " ما كان بطاعة الأتباع الرؤساء فيما أمروهم به من معاصي الله ، وتركهم ما نهوهم عنه من طاعة الله ، كما قال - جل ثناؤه - : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا ) [ سورة التوبة : 31 ] ، كما : - 7200 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : " ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله " يقول : لا يطع بعضنا بعضا في معصية الله . ويقال إن تلك الربوبية : أن يطيع الناس سادتهم وقادتهم في غير عبادة ، وإن لم يصلوا لهم . [ ص: 489 ] وقال آخرون : " اتخاذ بعضهم بعضا أربابا " سجود بعضهم لبعض . ذكر من قال ذلك : 7201 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا حفص بن عمر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة في قوله : " ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله " قال : سجود بعضهم لبعض . وأما قوله : " فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " فإنه يعني : فإن تولى الذين تدعونهم إلى الكلمة السواء عنها وكفروا ، فقولوا أنتم ، أيها المؤمنون ، لهم : اشهدوا علينا بأنا بما توليتم عنه ، من توحيد الله ، وإخلاص العبودية له ، وأنه الإله الذي لا شريك له " مسلمون " يعني : خاضعون لله به ، متذللون له بالإقرار بذلك بقلوبنا وألسنتنا . وقد بينا معنى " الإسلام " فيما مضى ، ودللنا عليه بما أغنى عن إعادته . القول في تأويل قوله ( يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ( 65 ) ) قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " يا أهل الكتاب " يا أهل التوراة والإنجيل " لم تحاجون " لم تجادلون " في إبراهيم " وتخاصمون فيه ، يعني : في إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه . وكان حجاجهم فيه : ادعاء كل فريق من أهل هذين الكتابين أنه كان [ ص: 490 ] منهم ، وأنه كان يدين دين أهل نحلته . فعابهم الله - عز وجل - بادعائهم ذلك ، ودل على مناقضتهم ودعواهم ، فقال : وكيف تدعون أنه كان على ملتكم ودينكم ، ودينكم إما يهودية أو نصرانية ، واليهودي منكم يزعم أن دينه إقامة التوراة والعمل بما فيها ، والنصراني منكم يزعم أن دينه إقامة الإنجيل وما فيه ، وهذان كتابان لم ينزلا إلا بعد حين من مهلك إبراهيم ووفاته ؟ فكيف يكون منكم ؟ فما وجه اختصامكم فيه ، وادعاؤكم أنه منكم ، والأمر فيه على ما قد علمتم ؟ وقيل : نزلت هذه الآية في اختصام اليهود والنصارى في إبراهيم ، وادعاء كل فريق منهم أنه كان منهم . ذكر من قال ذلك : 7202 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثني محمد بن إسحاق وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنازعوا عنده ، فقالت الأحبار : ما كان إبراهيم إلا يهوديا ، وقالت النصارى : ما كان إبراهيم إلا نصرانيا ! فأنزل الله - عز وجل - فيهم " يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون " قالت النصارى : كان نصرانيا ! وقالت اليهود : كان يهوديا ! فأخبرهم الله أن التوراة والإنجيل ما أنزلا إلا من بعده ، وبعده كانت اليهودية والنصرانية . [ ص: 491 ] 7203 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم " يقول : " لم تحاجون في إبراهيم " وتزعمون أنه كان يهوديا أو نصرانيا ، " وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده " فكانت اليهودية بعد التوراة ، وكانت النصرانية بعد الإنجيل ، " أفلا تعقلون " ؟ وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية في دعوى اليهود إبراهيم أنه منهم . ذكر من قال ذلك : 7204 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - دعا يهود أهل المدينة إلى كلمة السواء ، وهم الذين حاجوا في إبراهيم ، وزعموا أنه مات يهوديا . فأكذبهم الله - عز وجل - ونفاهم منه فقال : " يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون " . 7205 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله . 7206 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله - عز وجل - : " يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم " قال : اليهود والنصارى ، برأه الله - عز وجل - منهم ، حين ادعت كل أمة أنه منهم ، وألحق به المؤمنين ، من كان من أهل الحنيفية . 7207 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . [ ص: 492 ] وأما قوله : " أفلا تعقلون " فإنه يعني : " أفلا تعقلون " تفقهون خطأ قيلكم : إن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا ، وقد علمتم أن اليهودية والنصرانية حدثت من بعد مهلكه بحين ؟ القول في تأويل قوله ( ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ( 66 ) ) قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " ها أنتم " القوم الذين [ قالوا في إبراهيم ما قالوا " حاججتم " ] ، خاصمتم وجادلتم " فيما لكم به علم " من أمر دينكم الذي وجدتموه في كتبكم ، وأتتكم به رسل الله من عنده ، وفي غير ذلك مما أوتيتموه وثبتت عندكم صحته " فلم تحاجون " يقول : فلم تجادلون وتخاصمون " فيما ليس لكم به علم " يعني : في الذي لا علم لكم به من أمر إبراهيم ودينه ، ولم تجدوه في كتب الله ، ولا أتتكم به أنبياؤكم ، ولا شاهدتموه فتعلموه ؟ كما : - 7208 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم [ ص: 493 ] أما " الذي لهم به علم " فما حرم عليهم وما أمروا به . وأما " الذي ليس لهم به علم " فشأن إبراهيم . 7209 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم " يقول : فيما شهدتم ورأيتم وعاينتم " فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم " فيما لم تشاهدوا ولم تروا ولم تعاينوا " والله يعلم وأنتم لا تعلمون " . 7210 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله . وقوله : " والله يعلم وأنتم لا تعلمون " يقول : والله يعلم ما غاب عنكم فلم تشاهدوه ولم تروه ، ولم تأتكم به رسله من أمر إبراهيم وغيره من الأمور ومما تجادلون فيه ، لأنه لا يغيب عنه شيء ، ولا يعزب عنه علم شيء في السموات ولا في الأرض " وأنتم لا تعلمون " من ذلك إلا ما عاينتم فشاهدتم ، أو أدركتم علمه بالإخبار والسماع . القول في تأويل قوله ( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ( 67 ) ) قال أبو جعفر : وهذا تكذيب من الله - عز وجل - دعوى الذين جادلوا في إبراهيم وملته من اليهود والنصارى ، وادعوا أنه كان على ملتهم وتبرئة لهم منه ، وأنهم لدينه مخالفون وقضاء منه - عز وجل - لأهل الإسلام ولأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أنهم هم أهل دينه ، وعلى منهاجه وشرائعه ، دون سائر أهل الملل والأديان غيرهم . [ ص: 494 ] يقول الله - عز وجل - : ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولا كان من المشركين ، الذين يعبدون الأصنام والأوثان أو مخلوقا دون خالقه الذي هو إله الخلق وبارئهم " ولكن كان حنيفا " يعني : متبعا أمر الله وطاعته ، مستقيما على محجة الهدى التي أمر بلزومها " مسلما " يعني : خاشعا لله بقلبه ، متذللا له بجوارحه ، مذعنا لما فرض عليه وألزمه من أحكامه . وقد بينا اختلاف أهل التأويل في معنى " الحنيف " فيما مضى ، ودللنا على القول الذي هو أولى بالصحة من أقوالهم ، بما أغنى عن إعادته . وبنحو ما قلنا في ذلك من التأويل قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 7211 - حدثني إسحاق بن شاهين الواسطي قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن داود ، عن عامر ، قال : قالت اليهود : إبراهيم على ديننا . وقالت النصارى : هو على ديننا . فأنزل الله - عز وجل - ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا " الآية ، فأكذبهم الله ، وأدحض حجتهم - يعني : اليهود الذين ادعوا أن إبراهيم مات يهوديا . 7212 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله . [ ص: 495 ] 7213 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري ، عن موسى بن عقبة ، عن سالم بن عبد الله - لا أراه إلا يحدثه عن أبيه - : أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ، ويتبعه ، فلقي عالما من اليهود ، فسأله عن دينه ، وقال : إني لعلي أن أدين دينكم ، فأخبرني عن دينكم . فقال له اليهودي : إنك لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله . قال زيد : ما أفر إلا من غضب الله ، ولا أحمل من غضب الله شيئا أبدا وأنا أستطيع . فهل تدلني على دين ليس فيه هذا ؟ قال : ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا ! قال : وما الحنيف ؟ قال : دين إبراهيم ، لم يك يهوديا ولا نصرانيا ، وكان لا يعبد إلا الله . فخرج من عنده فلقي عالما من النصارى ، فسأله عن دينه فقال : إني لعلي أن أدين دينكم ، فأخبرني عن دينكم . قال : إنك لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله . قال : لا أحتمل من لعنة الله شيئا ، ولا من غضب الله شيئا أبدا ، وأنا أستطيع ، فهل تدلني على دين ليس فيه هذا ؟ فقال له نحوا مما قاله اليهودي : لا أعلمه إلا أن يكون حنيفا . فخرج من عنده ، وقد رضي الذي أخبراه والذي اتفقا عليه من شأن إبراهيم ، فلم يزل رافعا يديه إلى الله وقال : اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم . [ ص: 496 ] أخبرنا أبو بكر محمد بن داود بن سليمان قال : حدثنا محمد بن جرير الطبري : [ ص: 497 ] القول في تأويل قوله ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ( 68 ) ) قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : " إن أولى الناس بإبراهيم " إن أحق الناس بإبراهيم ونصرته وولايته " للذين اتبعوه " يعني : الذين سلكوا طريقه ومنهاجه ، فوحدوا الله مخلصين له الدين ، وسنوا سنته ، وشرعوا شرائعه ، وكانوا لله حنفاء مسلمين غير مشركين به " وهذا النبي " يعني : محمدا - صلى الله عليه وسلم - " والذين آمنوا " يعني : والذين صدقوا محمدا ، وبما جاءهم به من عند الله " والله ولي المؤمنين " يقول : والله ناصر المؤمنين بمحمد ، المصدقين له في نبوته وفيما جاءهم به من عنده ، على من خالفهم من أهل الملل والأديان . وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 7214 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه " يقول : الذين اتبعوه على ملته وسنته ومنهاجه وفطرته " وهذا النبي " وهو نبي الله محمد " والذين آمنوا " معه ، وهم المؤمنون الذين صدقوا نبي الله واتبعوه . كان محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذين معه من المؤمنين ، أولى الناس بإبراهيم . [ ص: 498 ] 7215 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله . 7216 - حدثنا محمد بن المثنى ، وجابر بن الكردي ، والحسن بن أبي يحيى المقدسي ، قالوا : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن أبيه ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن لكل نبي ولاة من النبيين ، وإن وليي منهم أبي وخليل ربي ، ثم قرأ : " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " . ![]()
__________________
|
#412
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (412) صــ 499 إلى صــ 517 [ ص: 499 ] 7217 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال : حدثنا سفيان ، عن أبيه ، عن أبي الضحى ، عن عبد الله ، أراه قال : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذكر نحوه . 7218 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي ، عن ابن عباس : يقول الله سبحانه : " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه " وهم المؤمنون . [ ص: 500 ] القول في تأويل قوله ( ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون ( 69 ) ) قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " ودت " تمنت " طائفة " يعني جماعة " من أهل الكتاب " وهم أهل التوراة من اليهود ، وأهل الإنجيل من النصارى " لو يضلونكم " يقولون : لو يصدونكم أيها المؤمنون ، عن الإسلام ، ويردونكم عنه إلى ما هم عليه من الكفر ، فيهلكونكم بذلك . و " الإضلال " في هذا الموضع ، الإهلاك ، من قول الله - عز وجل - : ( وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد ) [ سورة السجدة : 10 ] ، يعني : إذا هلكنا ، ومنه قول الأخطل في هجاء جرير : كنت القذى في موج أكدر مزبد قذف الأتي به فضل ضلالا يعنى : هلك هلاكا ، وقول نابغة بني ذبيان : فآب مضلوه بعين جلية وغودر بالجولان حزم ونائل يعني مهلكوه . [ ص: 501 ] " وما يضلون إلا أنفسهم " وما يهلكون - بما يفعلون من محاولتهم صدكم عن دينكم - أحدا غير أنفسهم ، يعني ب " أنفسهم " : أتباعهم وأشياعهم على ملتهم وأديانهم ، وإنما أهلكوا أنفسهم وأتباعهم بما حاولوا من ذلك لاستيجابهم من الله بفعلهم ذلك سخطه ، واستحقاقهم به غضبه ولعنته ، لكفرهم بالله ، ونقضهم الميثاق الذي أخذ الله عليهم في كتابهم ، في اتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - وتصديقه ، والإقرار بنبوته . ثم أخبر جل ثناءه عنهم أنهم يفعلون ما يفعلون ، من محاولة صد المؤمنين عن الهدى إلى الضلالة والردى ، على جهل منهم بما الله بهم محل من عقوبته ، [ ص: 502 ] ومدخر لهم من أليم عذابه ، فقال تعالى ذكره : " وما يشعرون " أنهم لا يضلون إلا أنفسهم ، بمحاولتهم إضلالكم أيها المؤمنون . ومعنى قوله : " وما يشعرون " وما يدرون ولا يعلمون . وقد بينا تأويل ذلك بشواهده في غير هذا الموضع ، فأغنى ذلك عن إعادته . القول في تأويل قوله ( يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون ( 70 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : " يا أهل الكتاب " من اليهود والنصارى " لم تكفرون " يقول : لم تجحدون " بآيات الله " يعني : بما في كتاب الله الذي أنزله إليكم على ألسن أنبيائكم ، من آيه وأدلته " وأنتم تشهدون " أنه حق من عند ربكم . وإنما هذا من الله - عز وجل - ، توبيخ لأهل الكتابين على كفرهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وجحودهم نبوته ، وهم يجدونه في كتبهم ، مع شهادتهم أن ما في كتبهم حق ، وأنه من عند الله ، كما : - 7219 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون " يقول : تشهدون [ ص: 503 ] أن نعت محمد نبي الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابكم ، ثم تكفرون به وتنكرونه ولا تؤمنون به ، وأنتم تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل : " النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته " . 7220 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون " يقول : تشهدون أن نعت محمد في كتابكم ، ثم تكفرون به ولا تؤمنون به ، وأنتم تجدونه عندكم في التوراة والإنجيل : " النبي الأمي " . 7221 - حدثني محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون " " آيات الله " محمدا ، وأما " تشهدون " فيشهدون أنه الحق ، يجدونه مكتوبا عندهم . 7222 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قوله : " يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون " أن الدين عند الله الإسلام ، ليس لله دين غيره . القول في تأويل قوله ( يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : يا أهل التوراة والإنجيل " لم تلبسون " يقول : لم تخلطون " الحق بالباطل " . [ ص: 504 ] وكان خلطهم الحق بالباطل ، إظهارهم بألسنتهم من التصديق بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به من عند الله ، غير الذي في قلوبهم من اليهودية والنصرانية . كما : - 7223 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال عبد الله بن الصيف ، وعدي بن زيد ، والحارث بن عوف ، بعضهم لبعض : تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد وأصحابه غدوة ونكفر به عشية ، حتى نلبس عليهم دينهم ، لعلهم يصنعون كما نصنع ، فيرجعوا عن دينهم ! فأنزل الله - عز وجل - فيهم : " يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل " إلى قوله : " والله واسع عليم " . 7224 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل " يقول : لم تلبسون اليهودية والنصرانية بالإسلام ، وقد علمتم أن دين الله الذي لا يقبل غيره ، الإسلام ، ولا يجزى إلا به ؟ 7225 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بمثله إلا أنه قال : الذي لا يقبل من أحد غيره ، الإسلام ولم يقل : " ولا يجزى إلا به " . 7226 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل " الإسلام باليهودية والنصرانية . وقال آخرون : في ذلك بما : - [ ص: 505 ] 7227 - حدثني به يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله - عز وجل - : " لم تلبسون الحق بالباطل " قال : " الحق " التوراة التي أنزل الله على موسى ، و " الباطل " الذي كتبوه بأيديهم . قال أبو جعفر : وقد بينا معنى " اللبس " فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته . القول في تأويل قوله ( وتكتمون الحق وأنتم تعلمون ( 71 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : ولم تكتمون ، يا أهل الكتاب ، الحق ؟ و " الحق " الذي كتموه : ما في كتبهم من نعت محمد - صلى الله عليه وسلم - ومبعثه ونبوته ، كما : - 7227 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وتكتمون الحق وأنتم تعلمون " كتموا شأن محمد ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر . 7229 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " وتكتمون الحق وأنتم تعلمون " يقول : يكتمون شأن محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل : يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر . 7230 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 506 ] ابن جريج : " تكتمون الحق " الإسلام ، وأمر محمد - صلى الله عليه وسلم - " وأنتم تعلمون " أن محمدا رسول الله ، وأن الدين الإسلام . وأما قوله : " وأنتم تعلمون " فإنه يعني به : وأنتم تعلمون أن الذي تكتمونه من الحق حق ، وأنه من عند الله . وهذا القول من الله - عز وجل - ، خبر عن تعمد أهل الكتاب الكفر به ، وكتمانهم ما قد علموا من نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ووجدوه في كتبهم ، وجاءتهم به أنبياؤهم . القول في تأويل قوله - جل ثناؤه - ( وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ( 72 ) ) قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في صفة المعنى الذي أمرت به هذه الطائفة من أمرت به : من الإيمان وجه النهار ، وكفر آخره . فقال بعضهم : كان ذلك أمرا منهم إياهم بتصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - في نبوته وما جاء به من عند الله ، وأنه حق ، في الظاهر من غير تصديقه في ذلك بالعزم واعتقاد القلوب على ذلك وبالكفر به وجحود ذلك كله في آخره . ذكر من قال ذلك : [ ص: 507 ] 7231 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره " فقال بعضهم لبعض : أعطوهم الرضى بدينهم أول النهار ، واكفروا آخره ، فإنه أجدر أن يصدقوكم ، ويعلموا أنكم قد رأيتم فيهم ما تكرهون ، وهو أجدر أن يرجعوا عن دينهم . 7232 - حدثني المثنى قال : حدثنا معلى بن أسد قال : حدثنا خالد ، عن حصين ، عن أبي مالك في قوله : " آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره " قال : قالت اليهود : آمنوا معهم أول النهار ، واكفروا آخره ، لعلهم يرجعون معكم . 7233 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون " كان أحبار قرى عربية اثني عشر حبرا ، فقالوا لبعضهم : ادخلوا في دين محمد أول النهار ، وقولوا : " نشهد أن محمدا حق صادق " فإذا كان آخر النهار فاكفروا وقولوا : " إنا رجعنا إلى علمائنا وأحبارنا فسألناهم ، فحدثونا أنمحمدا كاذب ، وأنكم لستم على شيء ، وقد رجعنا إلى ديننا فهو أعجب إلينا من دينكم " لعلهم يشكون ، يقولون : هؤلاء كانوا معنا أول النهار ، فما بالهم ؟ فأخبر الله - عز وجل - رسوله - صلى الله عليه وسلم - بذلك . 7234 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن حصين ، عن أبي مالك الغفاري قال : قالت اليهود بعضهم لبعض : أسلموا أول النهار ، وارتدوا آخره لعلهم يرجعون . فأطلع الله على سرهم ، فأنزل الله - عز وجل - : [ ص: 508 ] " وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون " . وقال آخرون : بل الذي أمرت به من الإيمان : الصلاة ، وحضورها معهم أول النهار ، وترك ذلك آخره . ذكر من قال ذلك : 7235 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله - عز وجل - : " آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار " يهود تقوله ، . صلت مع محمد صلاة الصبح ، وكفروا آخر النهار ، مكرا منهم ، ليروا الناس أن قد بدت لهم منه الضلالة ، بعد أن كانوا اتبعوه . 7236 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بمثله . 7237 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار " الآية ، وذلك أن طائفة من اليهود قالوا : إذا لقيتم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أول النهار فآمنوا ، وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم ، لعلهم يقولون : هؤلاء أهل الكتاب ، وهم أعلم منا ! لعلهم ينقلبون عن دينهم ، ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم . قال أبو جعفر : فتأويل الكلام إذا : " وقالت طائفة من أهل الكتاب " يعني : من اليهود الذين يقرأون التوراة " آمنوا " صدقوا " بالذي أنزل على الذين آمنوا " وذلك ما جاءهم به محمد - صلى الله عليه وسلم - من الدين الحق وشرائعه وسننه " وجه النهار " يعني : أول النهار . [ ص: 509 ] وسمى أوله " وجها " له ، لأنه أحسنه ، وأول ما يواجه الناظر فيراه منه ، كما يقال لأول الثوب : " وجهه " وكما قال ربيع بن زياد : من كان مسرورا بمقتل مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 7238 - حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وجه النهار " أول النهار . 7239 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " وجه النهار " أول النهار " واكفروا آخره " يقول : آخر النهار . 7240 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره ) [ ص: 510 ] ، قال : قال : صلوا معهم الصبح ، ولا تصلوا معهم آخر النهار ، لعلكم تستزلونهم بذلك . وأما قوله : " واكفروا آخره " فإنه يعني به ، أنهم قالوا : واجحدوا ما صدقتم به من دينهم في وجه النهار ، في آخر النهار " لعلهم يرجعون " : يعني بذلك : لعلهم يرجعون عن دينهم معكم ويدعونه : كما : - 7241 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " لعلهم يرجعون " يقول : لعلهم يدعون دينهم ، ويرجعون إلى الذي أنتم عليه . 7242 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله . 7243 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " لعلهم يرجعون " لعلهم ينقلبون عن دينهم . 7244 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " لعلهم يرجعون " لعلهم يشكون . 7245 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : " لعلهم يرجعون " قال : يرجعون عن دينهم . [ ص: 511 ] القول في تأويل قوله ( ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : ولا تصدقوا إلا من تبع دينكم فكان يهوديا . وهذا خبر من الله عن قول الطائفة الذين قالوا لإخوانهم من اليهود : " آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار " . و " اللام " التي في قوله : " لمن تبع دينكم " نظيرة " اللام " التي في قوله : ( عسى أن يكون ردف لكم ) ، بمعنى : ردفكم ، ( بعض الذي تستعجلون ) [ سورة النمل : 72 ] . وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 7246 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم " هذا قول بعضهم لبعض . 7247 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله . 7247 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم " قال : لا تؤمنوا إلا لمن تبع اليهودية . 7248 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن يزيد في قوله : [ ص: 512 ] " ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم " قال : لا تؤمنوا إلا لمن آمن بدينكم ، ومن خالفه فلا تؤمنوا له . القول في تأويل قوله ( قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم ) قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم : قوله : " قل إن الهدى هدى الله " اعتراض به في وسط الكلام ، خبرا من الله عن أن البيان بيانه والهدى هداه . قالوا : وسائر الكلام بعد ذلك متصل بالكلام الأول ، خبرا عن قيل اليهود بعضها لبعض . فمعنى الكلام عندهم : ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، أو أن يحاجوكم عند ربكم أي : ولا تؤمنوا أن يحاجكم أحد عند ربكم . ثم قال الله - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : قل ، يا محمد : " إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء " و " إن الهدى هدى الله " . ذكر من قال ذلك : 7249 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، حسدا من يهود أن تكون النبوة في غيرهم ، وإرادة أن يتبعوا على دينهم . [ ص: 513 ] 7250 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . وقال آخرون : تأويل ذلك : قل يا محمد : " إن الهدى هدى الله " إن البيان بيان الله " أن يؤتى أحد " قالوا : ومعناه : لا يؤتى أحد من الأمم مثل ما أوتيتم ، كما قال : ( يبين الله لكم أن تضلوا ) [ سورة النساء : 176 ] ، بمعنى : لا تضلون ، وكقوله : ( كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به ) [ سورة الشعراء : 200 - 201 ] ، يعني : أن لا يؤمنوا " مثل ما أوتيتم " يقول : مثل ما أوتيت ، أنت يا محمد ، وأمتك من الإسلام والهدى " أو يحاجوكم عند ربكم " قالوا : ومعنى " أو " : " إلا " أي : إلا أن " يحاجوكم " يعني : إلا أن يجادلوكم عند ربكم عند ما فعل بهم ربكم . ذكر من قال ذلك : 7251 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : قال الله - عز وجل - لمحمد - صلى الله عليه وسلم - : " قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم " يقول ، مثل ما أوتيتم يا أمة محمد " أو يحاجوكم عند ربكم " تقول اليهود : فعل الله بنا كذا وكذا من الكرامة ، حتى أنزل علينا المن والسلوى فإن الذي أعطيتكم أفضل فقولوا : " إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء " الآية . فعلى هذا التأويل ، جميع هذا الكلام ، [ أمر ] من الله نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن يقوله لليهود ، وهو متلاصق بعضه ببعض لا اعتراض فيه . و " الهدى " [ ص: 514 ] الثاني رد على " الهدى " الأول ، و " أن " في موضع رفع على أنه خبر عن " الهدى " . وقال آخرون : بل هذا أمر من الله نبيه أن يقوله لليهود . وقالوا : تأويله : " قل " يا محمد " إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد " من الناس " مثل ما أوتيتم " يقول : مثل الذي أوتيتموه أنتم يا معشر اليهود من كتاب الله ، ومثل نبيكم ، فلا تحسدوا المؤمنين على ما أعطيتهم ، مثل الذي أعطيتكم من فضلي ، فإن الفضل بيدي أوتيه من أشاء . ذكر من قال ذلك : 7252 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم " يقول : لما أنزل الله كتابا مثل كتابكم ، وبعث نبيا مثل نبيكم ، حسدتموهم على ذلك " قل إن الفضل بيد الله " الآية . 7253 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله . وقال آخرون : بل تأويل ذلك : " قل " يا محمد : " إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم " أنتم يا معشر اليهود من كتاب الله . قالوا : وهذا آخر القول الذي أمر الله به نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن يقوله لليهود من هذه الآية . قالوا : وقوله : " أو يحاجوكم " مردود على قوله : " ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم " . وتأويل الكلام - على قول أهل هذه المقالة - : ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ، فتتركوا الحق : أن يحاجوكم به عند ربكم من اتبعتم دينه فاخترتموه : أنه محق ، وأنكم تجدون نعته في كتابكم . فيكون حينئذ قوله : " أو يحاجوكم " مردودا [ ص: 515 ] على جواب نهي متروك ، على قول هؤلاء . ذكر من قال ذلك : 7254 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم " يقول : هذا الأمر الذي أنتم عليه : أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم " أو يحاجوكم عند ربكم " قال : قال بعضهم لبعض : لا تخبروهم بما بين الله لكم في كتابه ، " ليحاجوكم " قال : ليخاصموكم به عند ربكم " قل إن الهدى هدى الله " . [ قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يكون قوله : " قل إن الهدى هدى الله " ] معترضا به ، وسائر الكلام متسق على سياق واحد . فيكون تأويله حينئذ : ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم بمعنى : لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم " أو يحاجوكم عند ربكم " بمعنى : أو أن يحاجوكم عند ربكم . . . . . . . . أحد بإيمانكم ، [ ص: 516 ] لأنكم أكرم على الله بما فضلكم به عليهم . فيكون الكلام كله خبرا عن قول الطائفة التي قال الله - عز وجل - : " وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار " سوى قوله : " قل إن الهدى هدى الله " . ثم يكون الكلام مبتدأ بتكذيبهم في قولهم : " قل " يا محمد ، للقائلين ما قالوا من الطائفة التي وصفت لك قولها لتباعها من اليهود " إن الهدى هدى الله " إن التوفيق توفيق الله والبيان بيانه ، " وإن الفضل بيده يؤتيه من يشاء " لا ما تمنيتموه أنتم يا معشر اليهود . وإنما اخترنا ذلك من سائر الأقوال التي ذكرناها ، لأنه أصحها معنى ، وأحسنها استقامة ، على معنى كلام العرب ، وأشدها اتساقا على نظم الكلام وسياقه . وما عدا ذلك من القول ، فانتزاع يبعد من الصحة ، على استكراه شديد للكلام . القول في تأويل قوله ( قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ( 73 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : " قل " يا محمد ، لهؤلاء اليهود الذين وصفت قولهم لأوليائهم " إن الفضل بيد الله " إن التوفيق للإيمان والهداية للإسلام ، بيد الله وإليه ، دونكم ودون سائر خلقه " يؤتيه من يشاء " من [ ص: 517 ] خلقه ، يعني : يعطيه من أراد من عباده ، تكذيبا من الله - عز وجل - لهم في قولهم لتباعهم : " لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم " . فقال الله - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : قل لهم : ليس ذلك إليكم ، إنما هو إلى الله الذي بيده الأشياء كلها ، وإليه الفضل ، وبيده ، يعطيه من يشاء " والله واسع عليم " يعني : والله ذو سعة بفضله على من يشاء أن يتفضل عليه " عليم " ذو علم بمن هو منهم للفضل أهل . 7255 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك قراءة ، عن ابن جريج في قوله : " قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء " قال : الإسلام . القول في تأويل قوله ( يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ( 74 ) ) قال أبو جعفر : يعني بقوله : " يختص برحمته من يشاء " " يفتعل " من قول القائل : " خصصت فلانا بكذا ، أخصه به " . وأما " رحمته " في هذا الموضع ، فالإسلام والقرآن ، مع النبوة ، كما : - ![]()
__________________
|
#413
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (413) صــ 518 إلى صــ 533 7256 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " يختص برحمته من يشاء " قال : النبوة ، يخص بها من يشاء . [ ص: 518 ] [ الفاتحة ] [ الفاتحة 001 ] بسم الله الرحمن الرحيم [ الفاتحة 002 ] الحمد لله رب العالمين [ 7257 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . 7258 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " يختص برحمته من يشاء " قال : يختص بالنبوة من يشاء . 7259 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك قراءة ، عن ابن جريج : " يختص برحمته من يشاء " قال : القرآن والإسلام . 7260 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج مثله . " والله ذو الفضل العظيم " يقول : ذو فضل يتفضل به على من أحب وشاء من خلقه . ثم وصف فضله بالعظم فقال : " فضله عظيم " لأنه غير مشبهه في عظم موقعه ممن أفضله عليه [ فضل ] من أفضال خلقه ، ولا يقاربه في جلالة خطره ولا يدانيه . [ ص: 519 ] القول في تأويل قوله ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ) قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله - عز وجل - : أن من أهل الكتاب - وهم اليهود من بني إسرائيل - أهل أمانة يؤدونها ولا يخونونها ، ومنهم الخائن أمانته ، الفاجر في يمينه المستحل . فإن قال قائل : وما وجه إخبار الله - عز وجل - بذلك نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وقد علمت أن الناس لم يزالوا كذلك : منهم المؤدي أمانته والخائنها ؟ قيل : إنما أراد جل وعز بإخباره المؤمنين خبرهم - على ما بينه في كتابه بهذه الآيات - تحذيرهم أن يأتمنوهم على أموالهم ، وتخويفهم الاغترار بهم ، لاستحلال كثير منهم أموال المؤمنين . فتأويل الكلام : ومن أهل الكتاب الذي إن تأمنه ، يا محمد ، على عظيم من المال كثير ، يؤده إليك ولا يخنك فيه ، ومنهم الذي إن تأمنه على دينار يخنك فيه فلا يؤده إليك ، إلا أن تلح عليه بالتقاضي والمطالبة . [ ص: 520 ] و " الباء " في قوله : " بدينار " و " على " يتعاقبان في هذا الموضع ، كما يقال : " مررت به ، ومررت عليه " . واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " إلا ما دمت عليه قائما " . فقال بعضهم : " إلا ما دمت له متقاضيا " . ذكر من قال ذلك : 7261 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " إلا ما دمت عليه قائما " إلا ما طلبته واتبعته . 7262 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " إلا ما دمت عليه قائما " قال : تقتضيه إياه . 7263 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " إلا ما دمت عليه قائما " قال : مواظبا . 7264 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . وقال آخرون : معنى ذلك : " إلا ما دمت قائما على رأسه " . ذكر من قال ذلك : 7265 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " إلا ما دمت عليه قائما " يقول : يعترف [ ص: 521 ] بأمانته ما دمت قائما على رأسه ، فإذا قمت ثم جئت تطلبه كافرك الذي يؤدي ، والذي يجحد . قال أبو جعفر : وأولى القولين بتأويل الآية ، قول من قال : " معنى ذلك : إلا ما دمت عليه قائما بالمطالبة والاقتضاء " . من قولهم : " قام فلان بحقي على فلان حتى استخرجه لي " أي عمل في تخليصه ، وسعى في استخراجه منه حتى استخرجه . لأن الله - عز وجل - إنما وصفهم باستحلالهم أموال الأميين ، وأن منهم من لا يقضي ما عليه إلا بالاقتضاء الشديد والمطالبة . وليس القيام على رأس الذي عليه الدين ، بموجب له النقلة عما هو عليه من استحلال ما هو له مستحل ، ولكن قد يكون - مع استحلاله الذهاب بما عليه لرب الحق - إلى استخراجه السبيل بالاقتضاء والمحاكمة والمخاصمة . فذلك الاقتضاء ، هو قيام رب المال باستخراج حقه ممن هو عليه . القول في تأويل قوله ( ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : أن من استحل الخيانة من اليهود ، وجحود حقوق العربي التي هي له عليه ، فلم يؤد ما ائتمنه العربي عليه إلا ما دام له متقاضيا مطالبا من أجل أنه يقول : لا حرج علينا فيما أصبنا من أموال العرب [ ص: 522 ] ولا إثم ، لأنهم على غير الحق ، وأنهم مشركون . واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم نحو قولنا فيه . ذكر من قال ذلك : 7266 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل " الآية ، قالت اليهود : ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل . 7267 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " ليس علينا في الأميين سبيل " قال : ليس علينا في المشركين سبيل يعنون من ليس من أهل الكتاب . 7268 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل " قال : يقال له : ما بالك لا تؤدي أمانتك ؟ فيقول : ليس علينا حرج في أموال العرب ، قد أحلها الله لنا ! ! 7269 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير : لما نزلت " ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل " قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : كذب أعداء الله ، ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي ، إلا الأمانة ، فإنها مؤداة إلى البر والفاجر . [ ص: 523 ] 7270 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا هشام بن عبيد الله ، عن يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير قال : لما قالت اليهود : " ليس علينا في الأميين سبيل " يعنون أخذ أموالهم ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم ذكر نحوه إلا أنه قال : إلا وهو تحت قدمي هاتين ، إلا الأمانة ، فإنها مؤداة ولم يزد على ذلك . 7271 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل " وذلك أن أهل الكتاب كانوا يقولون : ليس علينا جناح فيما أصبنا من هؤلاء ، لأنهم أميون . فذلك قوله : ( ليس علينا في الأميين سبيل ) ، إلى آخر الآية . وقال آخرون في ذلك ، ما : - 7272 - حدثنا به القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل " قال : بايع اليهود رجال من المسلمين في الجاهلية ، فلما أسلموا تقاضوهم ثمن بيوعهم ، فقالوا : ليس لكم علينا أمانة ، ولا قضاء لكم عندنا ، لأنكم تركتم دينكم الذي كنتم عليه ! قال : وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم ، فقال الله - عز وجل - : " ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون " . 7273 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن صعصعة قال : قلت لابن عباس : إنا نغزو أهل الكتاب فنصيب من ثمارهم ؟ قال : وتقولون كما قال أهل الكتاب : " ليس علينا في الأميين سبيل ! ! [ ص: 524 ] 7274 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن صعصعة : أن رجلا سأل ابن عباس فقال : إنا نصيب في الغزو أو : [ العذق ] ، الشك من الحسن من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة ، فقال ابن عباس : فتقولون ماذا ؟ قال نقول : ليس علينا بذلك بأس ! قال : هذا كما قال أهل الكتاب : " ليس علينا في الأميين سبيل " ! إنهم إذا أدوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم . [ ص: 525 ] القول في تأويل قوله ( ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ( 75 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : إن القائلين منهم : " ليس علينا في أموال الأميين من العرب حرج أن نختانهم إياه " يقولون بقيلهم إن الله أحل لنا ذلك ، فلا حرج علينا في خيانتهم إياه ، وترك قضائهم الكذب على الله عامدين الإثم بقيل الكذب على الله ، إنه أحل ذلك لهم . وذلك قوله - عز وجل - : " وهم يعلمون " كما : - 7275 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : فيقول على الله الكذب وهو يعلم يعني الذي يقول منهم - إذا قيل له : ما لك لا تؤدي أمانتك ؟ - : ليس علينا حرج في أموال العرب ، قد أحلها الله لنا ! 7276 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون " يعني : ادعاءهم أنهم وجدوا في كتابهم قولهم : " ليس علينا في الأميين سبيل " . القول في تأويل قوله ( بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين ( 76 ) ) قال أبو جعفر : وهذا إخبار من الله - عز وجل - عمن أدى أمانته إلى من ائتمنه عليها اتقاء الله ومراقبته ، عنده . فقال - جل ثناؤه - : ليس الأمر كما يقول [ ص: 526 ] هؤلاء الكاذبون على الله من اليهود ، من أنه ليس عليهم في أموال الأميين حرج ولا إثم ، ثم قال : بلى ، ولكن من أوفى بعهده واتقى - يعني : ولكن الذي أوفى بعهده ، وذلك وصيته إياهم التي أوصاهم بها في التوراة ، من الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وما جاءهم به . و " الهاء " في قوله : " من أوفى بعهده " عائدة على اسم " الله " في قوله : " ويقولون على الله الكذب " . يقول : بلى من أوفى بعهد الله الذي عاهده في كتابه ، فآمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وصدق به وبما جاء به من الله ، من أداء الأمانة إلى من ائتمنه عليها ، وغير ذلك من أمر الله ونهيه " واتقى " يقول : واتقى ما نهاه الله عنه من الكفر به ، وسائر معاصيه التي حرمها عليه ، فاجتنب ذلك مراقبة وعيد الله وخوف عقابه " فإن الله يحب المتقين " يعني : فإن الله يحب الذين يتقونه فيخافون عقابه ويحذرون عذابه ، فيجتنبون ما نهاهم عنه وحرمه عليهم ، ويطيعونه فيما أمرهم به . وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقول : هو اتقاء الشرك . 7277 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " بلى من أوفى بعهده واتقى " يقول : اتقى الشرك " فإن الله يحب المتقين " يقول : الذين يتقون الشرك . [ ص: 527 ] وقد بينا اختلاف أهل التأويل في ذلك والصواب من القول فيه ، بالأدلة الدالة عليه ، فيما مضى من كتابنا ، بما فيه الكفاية عن إعادته . القول في تأويل قوله ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ( 77 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : إن الذين يستبدلون - بتركهم عهد الله الذي عهد إليهم ، ووصيته التي أوصاهم بها في الكتب التي أنزلها الله إلى أنبيائه ، باتباع محمد وتصديقه والإقرار به وما جاء به من عند الله - وبأيمانهم الكاذبة التي يستحلون بها ما حرم الله عليهم من أموال الناس التي ائتمنوا عليها " ثمنا " يعني عوضا وبدلا خسيسا من عرض الدنيا وحطامها " أولئك لا خلاق لهم في الآخرة " يقول : فإن الذين يفعلون ذلك لا حظ لهم في خيرات الآخرة ، ولا نصيب لهم من نعيم الجنة وما أعد الله لأهلها فيها دون غيرهم . وقد بينا اختلاف أهل التأويل فيما مضى في معنى " الخلاق " ودللنا على [ ص: 528 ] أولى أقوالهم في ذلك بالصواب ، بما فيه الكفاية . وأما قوله : " ولا يكلمهم الله " فإنه يعني : ولا يكلمهم الله بما يسرهم " ولا ينظر إليهم " يقول : ولا يعطف عليهم بخير ، مقتا من الله لهم ، كقول القائل لآخر : " انظر إلي نظر الله إليك " بمعنى : تعطف علي تعطف الله عليك بخير ورحمة وكما يقال للرجل : " لا سمع الله لك دعاءك " يراد : لا استجاب الله لك ، والله لا يخفى عليه خافية ، وكما قال الشاعر : دعوت الله حتى خفت أن لا يكون الله يسمع ما أقول وقوله " ولا يزكيهم " يعني : ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم " ولهم عذاب أليم " يعني : ولهم عذاب موجع . واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أنزلت هذه الآية ، ومن عني بها . فقال بعضهم نزلت في أحبار من أحبار اليهود . ذكر من قال ذلك : 7278 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة قال : نزلت هذه الآية : " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " [ ص: 529 ] ، في أبي رافع ، وكنانة بن أبي الحقيق ، وكعب بن الأشرف ، وحيي بن أخطب . وقال آخرون : بل نزلت في الأشعث بن قيس وخصم له . ذكر من قال ذلك : 7279 - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم ، لقي الله وهو عليه غضبان فقال الأشعث بن قيس : في والله كان ذلك : كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني ، فقدمته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألك بينة ؟ قلت : لا ! فقال لليهودي : " احلف . قلت : يا رسول الله ، إذا يحلف فيذهب مالي ! فأنزل الله - عز وجل - : "إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " الآية . [ ص: 530 ] 7280 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا جرير بن حازم ، عن عدي بن عدي ، عن رجاء بن حيوة والعرس أنهما حدثاه ، عن أبيه عدي بن عميرة قال : كان بين امرئ القيس ورجل من حضرموت خصومة ، فارتفعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال للحضرمي : " بينتك ، وإلا فيمينه " . قال : يا رسول الله ، إن حلف ذهب بأرضي ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها حق أخيه ، لقي الله وهو عليه غضبان . فقال امرؤ القيس : يا رسول الله ، فما لمن تركها ، وهو يعلم أنها حق ؟ قال : الجنة . قال : فإني أشهدك أني قد تركتها قال جرير : فكنت مع أيوب السختياني حين سمعنا هذا الحديث من عدي ، فقال أيوب : إن عديا قال في حديث العرس بن عميرة : فنزلت هذه الآية : " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " إلى آخر الآية قال جرير : ولم أحفظ يومئذ من عدي . [ ص: 531 ] 7281 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال آخرون : إن الأشعث بن قيس اختصم هو ورجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أرض كانت في يده لذلك الرجل ، أخذها لتعززه في الجاهلية ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أقم بينتك . قال الرجل : ليس يشهد لي أحد على الأشعث ! قال : فلك يمينه . فقام الأشعث ليحلف ، فأنزل الله - عز وجل - هذه الآية ، فنكل الأشعث وقال : إني أشهد الله وأشهدكم أن خصمي صادق . فرد إليه أرضه ، وزاده من أرض نفسه زيادة كثيرة ، مخافة أن يبقى في يده شيء من حقه ، فهي لعقب ذلك الرجل بعده . [ ص: 532 ] 7282 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن شقيق ، عن عبد الله قال : من حلف على يمين يستحق بها مالا هو فيها فاجر ، لقي الله وهو عليه غضبان ، ثم أنزل الله تصديق ذلك : " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " الآية . ثم إن الأشعث بن قيس خرج إلينا فقال : ما حدثكم أبو عبد الرحمن ؟ فحدثناه بما قال : فقال : صدق ، لفي أنزلت ! كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر ، فاختصمنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " شاهداك أو يمينه . فقلت : إذا يحلف ولا يبالي ! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من حلف على يمين يستحق بها مالا هو فيها فاجر ، لقي الله وهو عليه غضبان " ثم أنزل الله - عز وجل - تصديق ذلك : " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " الآية . [ ص: 533 ] وقال آخرون بما : - 7283 - حدثنا به محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : أخبرني داود بن أبي هند ، عن عامر : أن رجلا أقام سلعته أول النهار ، فلما كان آخره جاء رجل يساومه ، فحلف لقد منعها أول النهار من كذا وكذا ، ولولا المساء ما باعها به ، فأنزل الله - عز وجل - : " إن الذي يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " . 7284 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن رجل ، عن مجاهد نحوه . 7285 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) الآية ، إلى : " ولهم عذاب أليم " أنزلهم الله بمنزلة السحرة . 7286 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : أن عمران بن حصين كان يقول : من حلف على يمين فاجرة يقتطع بها مال أخيه ، فليتبوأ مقعده من النار . فقال له قائل : شيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال لهم : إنكم لتجدون ذلك . ثم قرأ هذه الآية : " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " الآية . 7287 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال : حدثنا حسين بن علي ، عن زائدة ، عن هشام قال : قال محمد ، عن عمران بن حصين : من حلف على يمين مصبورة فليتبوأ بوجهه مقعده من النار . ثم قرأ هذه الآية كلها : " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " . ![]()
__________________
|
#414
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (414) صــ 534 إلى صــ 549 [ ص: 534 ] [ ص: 538 ] القول في تأويل قوله ( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ) 7288 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب قال : إن اليمين الفاجرة من الكبائر . ثم تلا " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " . 7289 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، أن عبد الله بن مسعود كان يقول : كنا نرى ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن من الذنب الذي لا يغفر : يمين الصبر ، إذا فجر فيها صاحبها . [ ص: 535 ] القول في تأويل قوله ( وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ( 78 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وإن من أهل الكتاب وهم اليهود الذين كانوا حوالي مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عهده ، من بني إسرائيل . و " الهاء والميم " في قوله : " منهم " عائدة على " أهل الكتاب " الذين ذكرهم في قوله : " ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك " . وقوله " لفريقا " يعني : جماعة " يلوون " يعني : يحرفون " ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب " يعني : لتظنوا أن الذي يحرفونه بكلامهم من كتاب الله وتنزيله . يقول الله - عز وجل - : وما ذلك الذي لووا به ألسنتهم فحرفوه وأحدثوه من كتاب الله ، ويزعمون أن ما لووا به ألسنتهم من التحريف والكذب والباطل فألحقوه في كتاب الله " من عند الله " يقول : مما أنزله الله على أنبيائه " وما هو من عند الله " يقول : وما ذلك الذي لووا به ألسنتهم فأحدثوه ، مما أنزله الله إلى أحد من أنبيائه ، ولكنه مما أحدثوه من قبل أنفسهم افتراء على الله . يقول - عز وجل - : " ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون " يعني بذلك : أنهم يتعمدون قيل الكذب على الله ، والشهادة عليه بالباطل ، والإلحاق بكتاب [ ص: 536 ] الله ما ليس منه ، طلبا للرياسة والخسيس من حطام الدنيا . وبنحو ما قلنا في معنى " يلوون ألسنتهم بالكتاب " قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 7290 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب " قال : يحرفونه . 7291 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . 7292 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب " حتى بلغ : " وهم يعلمون " هم أعداء الله اليهود ، حرفوا كتاب الله ، وابتدعوا فيه ، وزعموا أنه من عند الله . 7293 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله . 7294 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب " وهم اليهود ، كانوا يزيدون في كتاب الله ما لم ينزل الله . 7295 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب " قال : فريق من أهل الكتاب " يلوون ألسنتهم " وذلك تحريفهم إياه عن موضعه . قال أبو جعفر : وأصل " اللي " الفتل والقلب . من قول القائل : " لوى [ ص: 537 ] فلان يد فلان " إذا فتلها وقلبها ، ومنه قول الشاعر : لوى يده الله الذي هو غالبه يقال منه : " لوى يده ولسانه يلوي ليا " " وما لوى ظهر فلان أحد " إذا لم يصرعه أحد ، ولم يفتل ظهره إنسان " وإنه لألوى بعيد المستمر " إذا كان شديد الخصومة ، صابرا عليها ، لا يغلب فيها ، قال الشاعر : فلو كان في ليلى شدا من خصومة للويت أعناق الخصوم الملاويا قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وما ينبغي لأحد من البشر . و " البشر " جمع بني آدم لا واحد له من لفظه مثل : " القوم " و " الخلق " . وقد يكون اسما لواحد " أن يؤتيه الله الكتاب " يقول : أن ينزل الله عليه كتابه " والحكم " يعني : ويعلمه فصل الحكمة " والنبوة " يقول : ويعطيه النبوة " ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله " يعني : ثم يدعو الناس إلى عبادة نفسه دون الله ، وقد آتاه الله ما آتاه من الكتاب والحكم والنبوة . ولكن إذا آتاه الله ذلك ، فإنما يدعوهم إلى العلم بالله ، ويحدوهم على معرفة شرائع دينه ، وأن يكونوا رؤساء في المعرفة بأمر الله ونهيه ، وأئمة في طاعته وعبادته ، بكونهم معلمي الناس الكتاب ، وبكونهم دارسيه . [ ص: 539 ] وقيل : إن هذه الآية نزلت في قوم من أهل الكتاب قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أتدعونا إلى عبادتك ؟ كما : - 7296 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثنا ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ودعاهم إلى الإسلام : أتريد يا محمد أن نعبدك ، كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم ؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الربيس : أوذاك تريد منا يا محمد ، وإليه تدعونا ! أو كما قال فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : معاذ الله أن نعبد غير الله ، أو نأمر بعبادة غيره ! ما بذلك بعثني ، ولا بذلك أمرني أو كما قال . فأنزل الله - عز وجل - في ذلك من قولهم : " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة " الآية إلى قوله : " بعد إذ أنتم مسلمون " . 7297 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال أبو رافع القرظي ، فذكر نحوه . 7298 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله " [ ص: 540 ] ، يقول : ما كان ينبغي لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ، يأمر عباده أن يتخذوه ربا من دون الله . 7299 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله . - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : كان ناس من يهود يتعبدون الناس من دون ربهم ، بتحريفهم كتاب الله عن موضعه ، فقال الله - عز وجل - : " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله " ثم يأمر الناس بغير ما أنزل الله في كتابه . القول في تأويل قوله ( ولكن كونوا ربانيين ) قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بذلك : " ولكن " يقول لهم : " كونوا ربانيين " فترك " القول " استغناء بدلالة الكلام عليه . وأما قوله : " كونوا ربانيين " فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله . فقال بعضهم : معناه : كونوا حكماء علماء . ذكر من قال ذلك : 7301 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين : " كونوا ربانيين " قال : حكماء علماء . 7302 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين : " كونوا ربانيين " قال : حكماء علماء . [ ص: 541 ] 7303 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن أبي رزين مثله . 7304 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي رزين : " ولكن كونوا ربانيين " حكماء علماء . 7305 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن في قوله : " كونوا ربانيين " قال : كونوا فقهاء علماء . 7306 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " كونوا ربانيين " قال : فقهاء . 7307 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . 7308 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال أخبرني القاسم ، عن مجاهد قوله : " ولكن كونوا ربانيين " قال : فقهاء . 7309 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولكن كونوا ربانيين " قال : كونوا فقهاء علماء . 7310 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن منصور بن المعتمر ، عن أبي رزين في قوله : " كونوا ربانيين " قال : علماء حكماء قال معمر : قال قتادة . 7311 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : " كونوا ربانيين " أما " الربانيون " فالحكماء الفقهاء . 7312 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرنا سفيان ، عن [ ص: 542 ] ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : " الربانيون " الفقهاء العلماء ، وهم فوق الأحبار . 7313 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " ولكن كونوا ربانيين " يقول : كونوا حكماء فقهاء . 7314 - حدثت عن المنجاب قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن يحيى بن عقيل في قوله : ( الربانيون والأحبار ) [ سورة المائدة : 63 ] ، قال : الفقهاء العلماء . 7315 - حدثت عن المنجاب قال : حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس مثله . 7316 - حدثني ابن سنان القزاز قال : حدثنا الحسين بن الحسن الأشقر قال : حدثنا أبو كدينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : " كونوا ربانيين " قال : كونوا حكماء فقهاء . 7317 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " كونوا ربانيين " يقول : كونوا فقهاء علماء . وقال آخرون : بل هم الحكماء الأتقياء . ذكر من قال ذلك : 7318 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير قوله : " كونوا ربانيين " قال : حكماء أتقياء . [ ص: 543 ] وقال آخرون : بل هم ولاة الناس وقادتهم . ذكر من قال ذلك : 7319 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : " كونوا ربانيين " قال : الربانيون : الذين يربون الناس ، ولاة هذا الأمر ، يربونهم : يلونهم . وقرأ : ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار ) [ سورة المائدة : 63 ] ، قال : الربانيون : الولاة ، والأحبار العلماء . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال عندي بالصواب في " الربانيين " أنهم جمع " رباني " وأن " الرباني " المنسوب إلى " الربان " الذي يرب الناس ، وهو الذي يصلح أمورهم ، و " يربها " ويقوم بها ، ومنه قول علقمة بن عبدة : وكنت امرأ أفضت إليك ربابتي وقبلك ربتني ، فضعت ، ربوب يعني بقوله : " ربتني " : ولي أمري والقيام به قبلك من يربه ويصلحه ، فلم يصلحوه ، ولكنهم أضاعوني فضعت . يقال منه : " رب أمري فلان ، فهو يربه ربا ، وهو رابه " . فإذا أريد به المبالغة في مدحه قيل : " هو ربان " كما يقال : " هو نعسان " من قولهم : " نعس ينعس " . وأكثر ما يجيء من الأسماء على " فعلان " ما كان من الأفعال ماضيه على " فعل " مثل قولهم : " هو سكران ، وعطشان ، وريان " من " سكر يسكر ، وعطش يعطش ، وروي يروى " . وقد يجيء مما كان ماضيه على " فعل يفعل " نحو ما قلنا من " نعس ينعس " و " رب يرب " . فإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا وكان " الربان " ما ذكرنا ، [ ص: 544 ] و " الرباني " هو المنسوب إلى من كان بالصفة التي وصفت وكان العالم بالفقه والحكمة من المصلحين ، يرب أمور الناس ، بتعليمه إياهم الخير ، ودعائهم إلى ما فيه مصلحتهم وكان كذلك الحكيم التقي لله ، والوالي الذي يلي أمور الناس على المنهاج الذي وليه المقسطون من المصلحين أمور الخلق ، بالقيام فيهم بما فيه صلاح عاجلهم وآجلهم ، وعائدة النفع عليهم في دينهم ، ودنياهم كانوا جميعا يستحقون أن [ يكونوا ] ممن دخل في قوله - عز وجل - : " ولكن كونوا ربانيين " . ف " الربانيون " إذا ، هم عماد الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا . ولذلك قال مجاهد : " وهم فوق الأحبار " لأن " الأحبار " هم العلماء ، و " الرباني " الجامع إلى العلم والفقه ، البصر بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية ، وما يصلحهم في دنياهم ودينهم . القول في تأويل قوله ( بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ( 79 ) ) قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأه عامة قرأة أهل الحجاز وبعض البصريين : ( بما كنتم تعلمون ) بفتح " التاء " وتخفيف " اللام " يعني : بعلمكم الكتاب ودراستكم إياه وقراءتكم . [ ص: 545 ] واعتلوا لاختيارهم قراءة ذلك كذلك ، بأن الصواب كذلك ، لو كان التشديد في " اللام " وضم " التاء " لكان الصواب في : " تدرسون " بضم " التاء " وتشديد " الراء " . وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين : ( بما كنتم تعلمون الكتاب ) بضم " التاء " من " تعلمون " وتشديد " اللام " بمعنى : بتعليمكم الناس الكتاب ودراستكم إياه . واعتلوا لاختيارهم ذلك ، بأن من وصفهم بالتعليم ، فقد وصفهم بالعلم ، إذ لا يعلمون إلا بعد علمهم بما يعلمون . قالوا : ولا موصوف بأنه " يعلم " إلا وهو موصوف بأنه " عالم " . قالوا : فأما الموصوف بأنه " عالم " فغير موصوف بأنه معلم غيره . قالوا : فأولى القراءتين بالصواب أبلغهما في مدح القوم ، وذلك وصفهم بأنهم كانوا يعلمون الناس الكتاب ، كما : - 7320 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن ابن عيينة ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد أنه قرأ : " بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون " مخففة بنصب " التاء " وقال ابن عيينة : ما علموه حتى علموه ! قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك ، قراءة من قرأه بضم " التاء " وتشديد " اللام " . لأن الله - عز وجل - وصف القوم بأنهم أهل عماد للناس في دينهم ودنياهم ، وأهل إصلاح لهم ولأمورهم وتربية . يقول - جل ثناؤه - : " ولكن كونوا ربانيين " على ما بينا قبل من معنى " الرباني " [ ص: 546 ] ثم أخبر تعالى ذكره عنهم أنهم صاروا أهل إصلاح للناس وتربية لهم بتعليمهم إياهم كتاب ربهم . و " دراستهم " إياه : تلاوته . وقد قيل : " دراستهم " الفقه . وأشبه التأويلين بالدراسة ما قلنا : من تلاوة الكتاب ، لأنه عطف على قوله : " تعلمون الكتاب " " والكتاب " هو القرآن ، فلأن تكون الدراسة معنيا بها دراسة القرآن ، أولى من أن تكون معنيا بها دراسة الفقه الذي لم يجر له ذكر . ذكر من قال ذلك : 7321 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : قال يحيى بن آدم قال : أبو زكريا : كان عاصم يقرؤها : ( بما كنتم تعلمون الكتاب ) ، قال : القرآن ( وبما كنتم تدرسون ) ، قال : الفقه . فمعنى الآية : ولكن يقول لهم : كونوا ، أيها الناس ، سادة الناس ، وقادتهم في أمر دينهم ودنياهم ، ربانيين بتعليمكم إياهم كتاب الله وما فيه من حلال وحرام ، وفرض وندب ، وسائر ما حواه من معاني أمور دينهم ، وبتلاوتكم إياه ودراستكموه . [ ص: 547 ] القول في تأويل قوله ( ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ( 80 ) ) قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة قوله : " ولا يأمركم " . فقرأته عامة قرأة الحجاز والمدينة : ( ولا يأمركم ) ، على وجه الابتداء من الله بالخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يأمركم ، أيها الناس ، أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا . واستشهد قارئو ذلك كذلك بقراءة ذكروها عن ابن مسعود أنه كان يقرؤها ، وهي : ( " ولن يأمركم " ) ، فاستدلوا بدخول " لن " على انقطاع الكلام عما قبله ، وابتداء خبر مستأنف . قالوا : فلما صير مكان " لن " في قراءتنا " لا " وجبت قراءته بالرفع . وقرأه بعض الكوفيين والبصريين : ( ولا يأمركم ) ، بنصب " الراء " ، عطفا على قوله : " ثم يقول للناس " . وكان تأويله عندهم : ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب ، ثم يقول للناس ، ولا أن يأمركم بمعنى : ولا كان له أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا . قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك : " ولا يأمركم " بالنصب على الاتصال بالذي قبله ، بتأويل : ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ، ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولا أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا . لأن الآية نزلت في سبب القوم الذين قالوا لرسول [ ص: 548 ] الله - صلى الله عليه وسلم - : " أتريد أن نعبدك " ؟ فأخبرهم الله - جل ثناؤه - أنه ليس لنبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو الناس إلى عبادة نفسه ، ولا إلى اتخاذ الملائكة والنبيين أربابا . ولكن الذي له : أن يدعوهم إلى أن يكونوا ربانيين . فأما الذي ادعى من قرأ ذلك رفعا ، أنه في قراءة عبد الله : " ولن يأمركم " استشهادا لصحة قراءته بالرفع ، فذلك خبر غير صحيح سنده ، وإنما هو خبر رواه حجاج ، عن هارون الأعور أن ذلك في قراءة عبد الله كذلك . ولو كان ذلك خبرا صحيحا سنده ، لم يكن فيه لمحتج حجة . لأن ما كان على صحته من القراءة من الكتاب الذي جاء به المسلمون وراثة عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ، لا يجوز تركه لتأويل على قراءة أضيفت إلى بعض الصحابة ، بنقل من يجوز في نقله الخطأ والسهو . [ ص: 549 ] قال أبو جعفر : فتأويل الآية إذا : وما كان للنبي أن يأمركم ، أيها الناس ، " أن يتخذوا الملائكة والنبيين أربابا " يعني بذلك آلهة يعبدون من دون الله ، كما ليس له أن يقول لهم : كونوا عبادا لي من دون الله . ثم قال - جل ثناؤه - نافيا عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر عباده بذلك : " أيأمركم بالكفر " أيها الناس ، نبيكم ، بجحود وحدانية الله " بعد إذ أنتم مسلمون " يعني : بعد إذ أنتم له منقادون بالطاعة ، متذللون له بالعبودة أي أن ذلك غير كائن منه أبدا . وقد : - 7322 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : " ولا يأمركم " النبي - صلى الله عليه وسلم - " أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا " . ![]()
__________________
|
#415
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (415) صــ 550 إلى صــ 565 [ ص: 550 ] القول في تأويل قوله ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : واذكروا ، يا أهل الكتاب ، " إذ أخذ الله ميثاق النبيين " يعني : حين أخذ الله ميثاق النبيين " وميثاقهم " ما وثقوا به على أنفسهم طاعة الله فيما أمرهم ونهاهم . وقد بينا أصل " الميثاق " باختلاف أهل التأويل فيه ، بما فيه الكفاية . : " لما آتيتكم من كتاب وحكمة " فاختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأته عامة قرأة الحجاز والعراق ( لما آتيتكم ) بفتح " اللام " من " لما " إلا أنهم اختلفوا في قراءة : " آتيتكم " . فقرأه بعضهم : " آتيتكم " على التوحيد . وقرأه آخرون : ( آتيناكم ) على الجمع . ثم اختلف أهل العربية إذا قرئ ذلك كذلك . فقال بعض نحويي البصرة : " اللام " التي مع " ما " في أول الكلام " لام الابتداء " نحو قول القائل : " لزيد أفضل منك " لأن " ما " اسم ، والذي بعدها صلة لها ، " واللام " التي في : " لتؤمنن به ولتنصرنه " لام القسم ، كأنه قال : والله لتؤمنن به يؤكد في أول الكلام وفي آخره ، كما يقال : " أما والله أن لو جئتني [ ص: 551 ] لكان كذا وكذا " وقد يستغنى عنها . فوكد في : " لتؤمنن به " باللام في آخر الكلام . وقد يستغنى عنها ، ويجعل خبر " ما آتيتكم من كتاب وحكمة " " لتؤمنن به " . مثل : " لعبد الله والله لتأتينه " . قال : وإن شئت جعلت خبر " ما " " من كتاب " يريد : لما آتيتكم ، كتاب وحكمة وتكون " من " زائدة . وخطأ بعض نحويي الكوفيين ذلك كله وقال : " اللام " التي تدخل في أوائل الجزاء ، تجاب بجوابات الأيمان ، يقال : " لمن قام لآتينه " " ولمن قام ما أحسن " فإذا وقع في جوابها " ما " و " لا " علم أن اللام ليست بتوكيد للأولى ، لأنه يوضع موضعها " ما " و " لا " فتكون كالأولى ، وهي جواب للأولى . قال : وأما قوله : " لما آتيتكم من كتاب وحكمة " بمعنى إسقاط " من " غلط . لأن " من " التي تدخل وتخرج ، لا تقع مواقع الأسماء ، قال : ولا تقع في الخبر أيضا ، إنما تقع في الجحد والاستفهام والجزاء . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في تأويل هذه الآية - على قراءة من قرأ ذلك بفتح " اللام " - بالصواب : أن يكون قوله : " لما " بمعنى " لمهما " وأن تكون " ما " حرف جزاء أدخلت عليها " اللام " وصير الفعل معها على " فعل " ثم [ ص: 552 ] أجيبت بما تجاب به الأيمان ، فصارت " اللام " الأولى يمينا ، إذ تلقيت بجواب اليمين . وقرأ ذلك آخرون : ( لما آتيتكم ) " بكسر " اللام " من " لما " وذلك قراءة جماعة من أهل الكوفة . ثم اختلف قارئو ذلك كذلك في تأويله . فقال بعضهم : معناه إذا قرئ كذلك : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين للذي آتيتكم ف " ما " على هذه القراءة . بمعنى " الذي " عندهم . وكان تأويل الكلام : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين من أجل الذي آتاهم من كتاب وحكمة ثم " جاءكم رسول " يعني : ثم إن جاءكم رسول ، يعني : ذكر محمد في التوراة " لتؤمنن به " أي : ليكونن إيمانكم به ، للذي عندكم في التوراة من ذكره . وقال آخرون منهم : تأويل ذلك إذا قرئ بكسر " اللام " من " لما " : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ، للذي آتاهم من الحكمة . ثم جعل قوله : " لتؤمنن به " من الأخذ أخذ الميثاق . كما يقال في الكلام : " أخذت ميثاقك لتفعلن " . لأن أخذ الميثاق بمنزلة الاستحلاف . فكان تأويل الكلام عند قائل هذا القول : وإذ استحلف الله النبيين للذي آتاهم من كتاب وحكمة ، متى جاءهم رسول مصدق لما معهم ، ليؤمنن به ولينصرنه . قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأ : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم " بفتح " اللام " . لأن الله - عز وجل - أخذ ميثاق جميع الأنبياء بتصديق كل رسول له ابتعثه إلى خلقه فيما ابتعثه به إليهم ، كان ممن آتاه كتابا أو ممن لم يؤته كتابا . وذلك أنه غير جائز وصف أحد من أنبياء الله - عز وجل - ورسله ، بأنه كان ممن أبيح له التكذيب بأحد من رسله . فإذا كان ذلك [ ص: 553 ] كذلك ، وكان معلوما أن منهم من أنزل عليه الكتاب ، وأن منهم من لم ينزل عليه الكتاب كان بينا أن قراءة من قرأ ذلك : " لما آتيتكم " بكسر " اللام " بمعنى : من أجل الذي آتيتكم من كتاب ، لا وجه له مفهوم إلا على تأويل بعيد ، وانتزاع عميق . ثم اختلف أهل التأويل فيمن أخذ ميثاقه بالإيمان بمن جاءه من رسل الله مصدقا لما معه . فقال بعضهم : إنما أخذ الله بذلك ميثاق أهل الكتاب دون أنبيائهم . واستشهدوا لصحة قولهم بذلك بقوله : " لتؤمنن به ولتنصرنه " . قالوا : فإنما أمر الذين أرسلت إليهم الرسل من الأمم بالإيمان برسل الله ونصرتها على من خالفها . وأما الرسل ، فإنه لا وجه لأمرها بنصرة أحد ، لأنها المحتاجة إلى المعونة على من خالفها من كفرة بني آدم . فأما هي ، فإنها لا تعين الكفرة على كفرها ولا تنصرها . قالوا : وإذا لم يكن غيرها وغير الأمم الكافرة ، فمن الذي ينصر النبي ، فيؤخذ ميثاقه بنصرته ؟ ذكر من قال ذلك : 7323 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة " قال : هي خطأ من الكاتب ، وهي في قراءة ابن مسعود : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب " . [ ص: 554 ] 7324 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . 7325 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين " يقول : وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ، وكذلك كان يقرؤها الربيع : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب " إنما هي أهل الكتاب . قال : وكذلك كان يقرؤها أبي بن كعب . قال الربيع : ألا ترى أنه يقول : " ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ؟ يقول : لتؤمنن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ولتنصرنه . قال : هم أهل الكتاب . وقال آخرون : بل الذين أخذ ميثاقهم بذلك ، الأنبياء دون أممها . ذكر من قال ذلك : [ ص: 555 ] 7326 - حدثني المثنى وأحمد بن حازم قالا حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم . 7327 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه في قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين " أن يصدق بعضهم بعضا . 7328 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن ابن طاوس ، عن أبيه في قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم " الآية ، قال : أخذ الله ميثاق الأول من الأنبياء ، ليصدقن وليؤمنن بما جاء به الآخر منهم . 7329 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن هاشم قال : أخبرنا سيف بن عمر ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي بن أبي طالب قال : لم يبعث الله - عز وجل - نبيا ، آدم فمن بعده - إلا أخذ عليه العهد في محمد : لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ويأمره فيأخذ العهد على قومه ، فقال : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة " الآية . 7330 - حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب " الآية : هذا ميثاق أخذه الله على النبيين أن يصدق بعضهم بعضا ، وأن يبلغوا كتاب الله ورسالاته ، فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم ، وأخذ عليهم - فيما بلغتهم رسلهم - أن يؤمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ويصدقوه وينصروه . [ ص: 556 ] 7331 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة " الآية . قال : لم يبعث الله - عز وجل - نبيا قط من لدن نوح ، إلا أخذ ميثاقه ليؤمنن بمحمد ولينصرنه إن خرج وهو حي ، وإلا أخذ على قومه أن يؤمنوا به ولينصرنه إن خرج وهم أحياء . 7332 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا عبد الكبير بن عبد المجيد أبو بكر الحنفي قال : حدثنا عباد بن منصور قال : سألت الحسن عن قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة " الآية كلها ، قال : أخذ الله ميثاق النبيين : ليبلغن آخركم أولكم ، ولا تختلفوا . وقال آخرون : معنى ذلك : أنه أخذ ميثاق النبيين وأممهم فاجتزأ بذكر الأنبياء عن ذكر أممها ، لأن في ذكر أخذ الميثاق على المتبوع ، دلالة على أخذه على التباع ، لأن الأمم هم تباع الأنبياء . ذكر من قال ذلك : 7333 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : ثم ذكر ما أخذ عليهم - يعني على أهل الكتاب - وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه - يعني بتصديق محمد - صلى الله عليه وسلم - - إذا جاءهم ، وإقرارهم به على أنفسهم . فقال : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة " إلى آخر الآية . 7334 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد [ ص: 557 ] بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس مثله . قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : معنى ذلك : الخبر عن أخذ الله الميثاق من أنبيائه بتصديق بعضهم بعضا ، وأخذ الأنبياء على أممها وتباعها الميثاق بنحو الذي أخذ عليها ربها من تصديق أنبياء الله ورسله بما جاءتها به لأن الأنبياء عليهم السلام بذلك أرسلت إلى أممها . ولم يدع أحد ممن صدق المرسلين ، أن نبيا أرسل إلى أمة بتكذيب أحد من أنبياء الله - عز وجل - وحججه في عباده ، بل كلها - وإن كذب بعض الأمم بعض أنبياء الله ، بجحودها نبوته - مقرة بأن من ثبتت صحة نبوته ، فعليها الدينونة بتصديقه . فذلك ميثاق مقر به جميعهم . ولا معنى لقول من زعم أن الميثاق إنما أخذ على الأمم دون الأنبياء . لأن الله - عز وجل - قد أخبر أنه أخذ ذلك من النبيين ، فسواء قال قائل : " لم يأخذ ذلك منها ربها " أو قال : " لم يأمرها ببلاغ ما أرسلت " وقد نص الله - عز وجل - أنه أمرها بتبليغه ، لأنهما جميعا خبران من الله عنها : أحدهما أنه أخذ منها ، والآخر منهما أنه أمرها . فإن جاز الشك في أحدهما ، جاز في الآخر . وأما ما استشهد به الربيع بن أنس ، على أن المعني بذلك أهل الكتاب من قوله : " لتؤمنن به ولتنصرنه " فإن ذلك غير شاهد على صحة ما قال . لأن الأنبياء قد أمر بعضها بتصديق بعض ، وتصديق بعضها بعضا ، نصرة من بعضها بعضا . تم اختلفوا في الذين عنوا بقوله : " ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه " . فقال بعضهم : الذين عنوا بذلك ، هم الأنبياء ، أخذت مواثيقهم أن يصدق [ ص: 558 ] بعضهم بعضا وأن ينصروه ، وقد ذكرنا الرواية بذلك عمن قاله . وقال آخرون : هم أهل الكتاب ، أمروا بتصديق محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا بعثه الله وبنصرته ، وأخذ ميثاقهم في كتبهم بذلك . وقد ذكرنا الرواية بذلك أيضا عمن قاله . وقال آخرون ممن قال : الذين عنوا بأخذ الله ميثاقهم منهم في هذه الآية هم الأنبياء قوله : " ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم " معني به أهل الكتاب . ذكر من قال ذلك : 7335 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر قال : أخبرنا ابن طاوس ، عن أبيه في قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ، قال أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضا ، ثم قال : " ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه " قال : فهذه الآية لأهل الكتاب ، أخذ الله ميثاقهم أن يؤمنوا بمحمد ويصدقوه . 7336 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثني ابن أبي جعفر ، عن أبيه قال : قال قتادة : أخذ الله على النبيين ميثاقهم : أن يصدق بعضهم بعضا ، وأن يبلغوا كتاب الله ورسالته إلى عباده ، فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم ، وأخذوا مواثيق أهل الكتاب - في كتابهم ، فيما بلغتهم رسلهم - : أن يؤمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ويصدقوه وينصروه . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب عندنا في تأويل هذه الآية : أن جميع ذلك خبر من الله - عز وجل - عن أنبيائه أنه أخذ ميثاقهم به ، وألزمهم دعاء أممها [ ص: 559 ] إليه ، والإقرار به . لأن ابتداء الآية خبر من الله - عز وجل - عن أنبيائه أنه أخذ ميثاقهم ، ثم وصف الذي أخذ به ميثاقهم فقال : هو كذا وهو كذا . وإنما قلنا إن ما أخبر الله أنه أخذ به مواثيق أنبيائه من ذلك ، قد أخذت الأنبياء مواثيق أممها به ، لأنها أرسلت لتدعو عباد الله إلى الدينونة بما أمرت بالدينونة به في أنفسها ، من تصديق رسل الله ، على ما قدمنا البيان قبل . قال أبو جعفر : فتأويل الآية : واذكروا يا معشر أهل الكتاب ، إذ أخذ الله ميثاق النبيين لمهما آتيتكم ، أيها النبيون ، من كتاب وحكمة ، ثم جاءكم رسول من عندي مصدق لما معكم ، لتؤمنن به يقول : لتصدقنه ولتنصرنه . وقد قال السدي في ذلك بما : - 7337 - حدثنا به محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " لما آتيتكم " يقول لليهود : أخذت ميثاق النبيين بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهو الذي ذكر في الكتاب عندكم . فتأويل ذلك على قول السدي الذي ذكرناه : واذكروا ، يا معشر أهل الكتاب ، إذ أخذ الله ميثاق النبيين بما آتيتكم ، أيها اليهود ، من كتاب وحكمة . وهذا الذي قاله السدي كان تأويلا له وجه ، لو كان التنزيل : " بما آتيتكم " ولكن التنزيل باللام " لما آتيتكم " . وغير جائز في لغة أحد من العرب أن يقال : " أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم " بمعنى : بما آتيتكم . [ ص: 560 ] القول في تأويل قوله ( قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين بما ذكر ، فقال لهم تعالى ذكره : أأقررتم بالميثاق الذي واثقتموني عليه : من أنكم مهما أتاكم رسول من عندي مصدق لما معكم " لتؤمنن به ولتنصرنه " " وأخذتم على ذلك إصري " ؟ يقول : وأخذتم على ما واثقتموني عليه من الإيمان بالرسل التي تأتيكم بتصديق ما معكم من عندي والقيام بنصرتهم " إصري " . يعني عهدي ووصيتي ، وقبلتم في ذلك مني ورضيتموه . و " الأخذ " : هو القبول - في هذا الموضع - والرضى ، من قولهم : " أخذ الوالي عليه البيعة " بمعنى : بايعه وقبل ولايته ورضي بها . وقد بينا معنى " الإصر " باختلاف المختلفين فيه ، والصحيح من القول في ذلك فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وحذفت " الفاء " من قوله : " قال أأقررتم " لأنه ابتداء كلام ، على نحو ما قد بينا في نظائره فيما مضى . [ ص: 561 ] وأما قوله : " قالوا أقررنا " فإنه يعني به : قال النبيون الذين أخذ الله ميثاقهم بما ذكر في هذه الآية : أقررنا بما ألزمتنا من الإيمان برسلك الذين ترسلهم مصدقين لما معنا من كتبك ، وبنصرتهم . القول في تأويل قوله ( قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ( 81 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : قال الله : فاشهدوا ، أيها النبيون ، بما أخذت به ميثاقكم من الإيمان بتصديق رسلي التي تأتيكم بتصديق ما معكم من الكتاب والحكمة ، ونصرتهم على أنفسكم وعلى أتباعكم من الأمم إذ أنتم أخذتم ميثاقهم على ذلك ، وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعليهم بذلك ، كما : - 7338 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن هاشم قال : أخبرنا سيف بن عمر ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي بن أبي طالب في قوله : " قال فاشهدوا " يقول : فاشهدوا على أممكم بذلك " وأنا معكم من الشاهدين " عليكم وعليهم . [ ص: 562 ] القول في تأويل قوله ( فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ( 82 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : فمن أعرض عن الإيمان برسلي الذين أرسلتهم بتصديق ما كان مع أنبيائي من الكتب والحكمة ، وعن نصرتهم ، فأدبر ولم يؤمن بذلك ، ولم ينصر ، ونكث عهده وميثاقه " بعد ذلك " يعني بعد العهد والميثاق الذي أخذه الله عليه " فأولئك هم الفاسقون " يعني بذلك : أن المتولين عن الإيمان بالرسل الذين وصف أمرهم ، ونصرتهم بعد العهد والميثاق اللذين أخذا عليهم بذلك " هم الفاسقون " يعني بذلك : الخارجون من دين الله وطاعة ربهم ، كما : - 7339 - حدثنا المثنى قال حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن هاشم قال : أخبرنا سيف بن عمر ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي بن أبي طالب : فمن تولى عنك ، يا محمد ، بعد هذا العهد من جميع الأمم " فأولئك هم الفاسقون " هم العاصون في الكفر . 7340 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه قال أبو جعفر : يعني الرازي " فمن تولى بعد ذلك " يقول : بعد العهد والميثاق الذي أخذ عليهم " فأولئك هم الفاسقون " . [ ص: 563 ] 7341 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، [ عن أبيه ] ، عن الربيع مثله . قال أبو جعفر : وهاتان الآيتان ، وإن كان مخرج الخبر فيهما من الله - عز وجل - بما أخبر أنه أشهد وأخذ به ميثاق من أخذ ميثاقه به ، عن أنبيائه ورسله ، فإنه مقصود به إخبار من كان حوالي مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يهود بني إسرائيل أيام حياته - صلى الله عليه وسلم - ، عما لله عليهم من العهد في الإيمان بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ومعني [ به ] تذكيرهم ما كان الله آخذا على آبائهم وأسلافهم من المواثيق والعهود ، وما كانت أنبياء الله عرفتهم وتقدمت إليهم في تصديقه واتباعه ونصرته على من خالفه وكذبه وتعريفهم ما في كتب الله ، التي أنزلها إلى أنبيائه التي ابتعثها إليهم ، من صفته وعلامته . القول في تأويل قوله ( أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون ( 83 ) ) قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك : فقرأته عامة قرأة الحجاز من مكة والمدينة ، وقرأة الكوفة : ( " أفغير دين الله تبغون " ) ، ( وإليه ترجعون ) على وجه الخطاب . [ ص: 564 ] وقرأ ذلك بعض أهل الحجاز ( أفغير دين الله يبغون ) ( وإليه يرجعون ) بالياء كلتيهما ، على وجه الخبر عن الغائب . وقرأ ذلك بعض أهل البصرة : ( أفغير دين الله يبغون ) ، على وجه الخبر عن الغائب ، ( وإليه ترجعون ) ، بالتاء على وجه المخاطبة . قال أبو جعفر : وأولى ذلك بالصواب ، قراءة من قرأ : " أفغير دين الله تبغون " على وجه الخطاب " وإليه ترجعون " بالتاء . لأن الآية التي قبلها خطاب لهم ، فإتباع الخطاب نظيره ، أولى من صرف الكلام إلى غير نظيره . وإن كان الوجه الآخر جائزا ، لما قد ذكرنا فيما مضى قبل : من أن الحكاية يخرج الكلام معها أحيانا على الخطاب كله ، وأحيانا على وجه الخبر عن الغائب ، وأحيانا بعضه على الخطاب ، وبعضه على الغيبة ، فقوله : " تبغون " و " إليه ترجعون " في هذه الآية ، من ذلك . وتأويل الكلام : يا معشر أهل الكتاب " أفغير دين الله تبغون " يقول : أفغير طاعة الله تلتمسون وتريدون ، " وله أسلم من في السماوات والأرض " يقول : وله خشع من في السموات والأرض ، فخضع له بالعبودة ، وأقر له بإفراد الربوبية ، وانقاد له بإخلاص التوحيد والألوهية " طوعا وكرها " يقول أسلم لله طائعا من كان إسلامه منهم له طائعا ، وذلك كالملائكة والأنبياء والمرسلين ، [ ص: 565 ] فإنهم أسلموا لله طائعين " وكرها " من كان منهم كارها . واختلف أهل التأويل في معنى إسلام الكاره الإسلام وصفته . فقال بعضهم : إسلامه ، إقراره بأن الله خالقه وربه ، وإن أشرك معه في العبادة غيره . ذكر من قال ذلك : 7342 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : " وله أسلم من في السموات والأرض " قال : هو كقوله : ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ) [ سورة الزمر : 38 ] . 7343 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد مثله . 7344 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : " وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون " قال : كل آدمي قد أقر على نفسه بأن الله ربي وأنا عبده . فمن أشرك في عبادته فهذا الذي أسلم كرها ، ومن أخلص له العبودة ، فهو الذي أسلم طوعا . وقال آخرون : بل إسلام الكاره منهم ، كان حين أخذ منه الميثاق فأقر به . ذكر من قال ذلك : 7345 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : " وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها " قال : حين أخذ الميثاق . ![]()
__________________
|
#416
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (416) صــ 566 إلى صــ 579 [ ص: 566 ] وقال آخرون ; عنى بإسلام الكاره منهم ، سجود ظله . ذكر من قال ذلك : 7346 - حدثنا سوار بن عبد الله قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن ليث ، عن مجاهد في قول الله - عز وجل - : " وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها " قال : الطائع المؤمن و " كرها " ظل الكافر . 7347 - حدثني محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " طوعا وكرها " قال : سجود المؤمن طائعا ، وسجود الكافر وهو كاره . 7348 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " كرها " قال : سجود المؤمن طائعا ، وسجود ظل الكافر وهو كاره . 7349 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد قال : سجود وجهه طائعا ، وظله كارها . وقال آخرون : بل إسلامه بقلبه في مشيئة الله ، واستقادته لأمره وإن أنكر ألوهته بلسانه . ذكر من قال ذلك : 7350 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر : " وله أسلم من في السموات والأرض " قال : استقاد كلهم له . [ ص: 567 ] وقال آخرون : عنى بذلك إسلام من أسلم من الناس كرها ، حذر السيف على نفسه . ذكر من قال ذلك : 7351 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا عباد بن منصور ، عن الحسن في قوله : " وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها " الآية كلها ، فقال : أكره أقوام على الإسلام ، وجاء أقوام طائعين . 7352 - حدثني الحسن بن قزعة الباهلي قال : حدثنا روح بن عطاء ، عن مطر الوراق في قول الله - عز وجل - : " وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون " قال : الملائكة طوعا ، والأنصار طوعا ، وبنو سليم وعبد القيس طوعا ، والناس كلهم كرها . وقال آخرون معنى ذلك : أن أهل الإيمان أسلموا طوعا ، وأن الكافر أسلم في حال المعاينة ، حين لا ينفعه إسلام ، كرها . ذكر من قال ذلك : 7353 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " أفغير دين الله تبغون " الآية ، فأما المؤمن فأسلم طائعا فنفعه ذلك ، وقبل منه ، وأما الكافر فأسلم كارها حين لا ينفعه ذلك ، ولا يقبل منه . 7354 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها " قال : أما المؤمن فأسلم طائعا ، وأما الكافر فأسلم حين رأى بأس الله ، ( فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ) [ سورة غافر : 85 ] . [ ص: 568 ] وقال آخرون : معنى ذلك : أي : عبادة الخلق لله - عز وجل - . ذكر من قال ذلك : 7355 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " أفغير دين الله تبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها " قال : عبادتهم لي أجمعين طوعا وكرها ، وهو قوله : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها ) [ سورة الرعد : 15 ] . وأما قوله : " وإليه ترجعون " فإنه يعني : " وإليه " يا معشر من يبتغي غير الإسلام دينا من اليهود والنصارى وسائر الناس " ترجعون " يقول : إليه تصيرون بعد مماتكم ، فمجازيكم بأعمالكم ، المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء بإساءته . وهذا من الله - عز وجل - تحذير خلقه أن يرجع إليه أحد منهم فيصير إليه بعد وفاته على غير ملة الإسلام . [ ص: 569 ] القول في تأويل قوله ( قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ( 84 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : " أفغير دين الله تبغون " يا معشر اليهود ، " وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون " فإن ابتغوا غير دين الله ، يا محمد ، فقل لهم : " آمنا بالله " فترك ذكر قوله : " فإن قالوا : نعم " أو ذكر قوله : " فإن ابتغوا غير دين الله " لدلالة ما ظهر من الكلام عليه . وقوله : " قل آمنا بالله " يعني به : قل لهم ، يا محمد ، : صدقنا بالله أنه ربنا وإلهنا ، لا إله غيره ، ولا نعبد أحدا سواه " وما أنزل علينا " يقول : وقل : وصدقنا أيضا بما أنزل علينا من وحيه وتنزيله ، فأقررنا به " وما أنزل على إبراهيم " يقول : وصدقنا أيضا بما أنزل على إبراهيم خليل الله ، وعلى ابنيه إسماعيل وإسحاق ، وابن ابنه يعقوب وبما أنزل على " الأسباط " وهم ولد يعقوب الاثنا عشر ، وقد بينا أسماءهم بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . " وما أوتي موسى وعيسى " يقول : وصدقنا أيضا مع ذلك بالذي أنزل الله على موسى وعيسى من الكتب والوحي ، وبما أنزل على النبيين من عنده . والذي آتى الله موسى وعيسى مما أمر الله - عز وجل - محمدا بتصديقهما فيه ، والإيمان به التوراة التي آتاها موسى ، والإنجيل الذي أتاه عيسى . " لا نفرق بين أحد منهم " يقول : لا نصدق بعضهم ونكذب بعضهم ، [ ص: 570 ] ولا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعضهم ، كما كفرت اليهود والنصارى ببعض أنبياء الله وصدقت بعضا ، ولكنا نؤمن بجميعهم ، ونصدقهم " ونحن له مسلمون " . يعني : ونحن ندين لله بالإسلام لا ندين غيره ، بل نتبرأ إليه من كل دين سواه ، ومن كل ملة غيره . ويعني بقوله : " ونحن له مسلمون " . ونحن له منقادون بالطاعة ، متذللون بالعبودة ، مقرون له بالألوهة والربوبية ، وأنه لا إله غيره . وقد ذكرنا الرواية بمعنى ما قلنا في ذلك فيما مضى ، وكرهنا إعادته . القول في تأويل قوله ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ( 85 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : ومن يطلب دينا غير دين الإسلام ليدين به ، فلن يقبل الله منه " وهو في الآخرة من الخاسرين " يقول : من الباخسين أنفسهم حظوظها من رحمة الله - عز وجل - . وذكر أن أهل كل ملة ادعوا أنهم هم المسلمون ، لما نزلت هذه الآية ، فأمرهم الله بالحج إن كانوا صادقين ، لأن من سنة الإسلام الحج ، فامتنعوا ، فأدحض الله بذلك حجتهم . [ ص: 571 ] ذكر الخبر بذلك : 7356 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح قال : زعم عكرمة : " ومن يبتغ غير الإسلام دينا " فقالت الملل : نحن المسلمون ! فأنزل الله - عز وجل - : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) [ سورة آل عمران : 97 ] ، فحج المسلمون ، وقعد الكفار . 7357 - حدثني المثنى قال : حدثنا القعنبي قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن عكرمة قال : " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه " قالت اليهود : فنحن المسلمون ! فأنزل الله - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - يحجهم أن : ( لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) . 7358 - حدثني يونس قال : أخبرنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن عكرمة قال : لما نزلت : " ومن يبتغ غير الإسلام دينا " إلى آخر الآية ، قالت اليهود : فنحن مسلمون ! قال الله - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : قل لهم إن : ( لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر ) من أهل الملل ( فإن الله غني عن العالمين ) . وقال آخرون : في هذه الآية بما : - 7359 - حدثنا به المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني [ ص: 572 ] معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر ) إلى قوله : ( ولا هم يحزنون ) [ سورة البقرة : 62 ] ، فأنزل الله - عز وجل - بعد هذا : " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه " . القول في تأويل قوله ( كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ( 87 ) خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ( 88 ) إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ( 89 ) ) اختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية ، وفيمن نزلت . فقال بعضهم : نزلت في الحارث بن سويد الأنصاري ، وكان مسلما فارتد بعد إسلامه . ذكر من قال ذلك : 7360 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع البصري قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ، ثم ندم فأرسل إلى قومه : أرسلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، هل لي من توبة ؟ قال : فنزلت : " كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم " إلى قوله [ ص: 573 ] : " وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم " فأرسل إليه قومه فأسلم . 7361 - حدثني ابن المثنى قال : حدثني عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن عكرمة بنحوه ، ولم يرفعه إلى ابن عباس إلا أنه قال : فكتب إليه قومه ، فقال : ما كذبني قومي ! فرجع . 7362 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا حكيم بن جميع ، عن علي بن مسهر ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ارتد رجل من الأنصار ، فذكر نحوه . 7363 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا جعفر بن سليمان قال : أخبرنا حميد الأعرج ، عن مجاهد قال : جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه ، فأنزل الله - عز وجل - فيه القرآن : " كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم " إلى " إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم " قال : فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه ، فقال الحارث : إنك والله ما علمت لصدوق ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصدق منك ، وإن الله - عز وجل - لأصدق الثلاثة . قال : فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه . 7364 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق " قال : أنزلت في الحارث بن سويد الأنصاري ، كفر بعد إيمانه ، فأنزل الله - عز وجل - فيه هذه الآيات ، إلى : " أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " [ ص: 574 ] ثم تاب وأسلم ، فنسخها الله عنه ، فقال : " إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم " . 7365 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله - عز وجل - : " كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات " قال : رجل من بني عمرو بن عوف ، كفر بعد إيمانه . 7366 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . 7367 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : هو رجل من بني عمرو بن عوف ، كفر بعد إيمانه قال ابن جريج ، أخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد قال : لحق بأرض الروم فتنصر ، ثم كتب إلى قومه : " أرسلوا ، هل لي من توبة ؟ " قال : فحسبت أنه آمن ، ثم رجع قال ابن جريج ، قال عكرمة ، نزلت في أبي عامر الراهب ، والحارث بن سويد بن الصامت ، ووحوح بن الأسلت في اثني عشر رجلا رجعوا عن الإسلام ولحقوا بقريش ، ثم كتبوا إلى أهلهم : هل لنا من توبة ؟ فنزلت : " إلا الذين تابوا من بعد ذلك " الآيات . وقال آخرون : عنى بهذه الآية أهل الكتاب ، وفيهم نزلت . ذكر من قال ذلك : 7368 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم " فهم أهل الكتاب ، عرفوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - ثم كفروا به . [ ص: 575 ] 7369 - حدثنا محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا عباد بن منصور ، عن الحسن في قوله : " كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم " الآية كلها . قال : اليهود والنصارى . 7370 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : كان الحسن يقول في قوله : " كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم " الآية ، هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، رأوا نعت محمد - صلى الله عليه وسلم - في كتابهم وأقروا به ، وشهدوا أنه حق ، فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب على ذلك فأنكروه ، وكفروا بعد إقرارهم ، حسدا للعرب ، حين بعث من غيرهم . 7371 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن في قوله : " كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم " قال : هم أهل الكتاب ، كانوا يجدون محمدا - صلى الله عليه وسلم - في كتابهم ، ويستفتحون به ، فكفروا بعد إيمانهم . قال أبو جعفر : وأشبه القولين بظاهر التنزيل ما قال الحسن من أن هذه الآية معني بها أهل الكتاب على ما قال . غير أن الأخبار بالقول الآخر أكثر ، والقائلين به أعلم بتأويل القرآن . وجائز أن يكون الله - عز وجل - أنزل هذه الآيات بسبب القوم الذين ذكر أنهم كانوا ارتدوا عن الإسلام ، فجمع قصتهم وقصة من كان سبيله سبيلهم في ارتداده عن الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآيات . ثم عرف عباده سنته فيهم ، فيكون داخلا في ذلك كل من كان مؤمنا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يبعث ، ثم كفر به بعد أن بعث ، وكل من كان كافرا ثم أسلم على عهده - صلى الله عليه وسلم - ثم ارتد وهو حي عن [ ص: 576 ] إسلامه . فيكون معنيا بالآية جميع هذين الصنفين وغيرهما ممن كان بمثل معناهما ، بل ذلك كذلك إن شاء الله . فتأويل الآية إذا : " كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم " يعني : كيف يرشد الله للصواب ويوفق للإيمان قوما جحدوا نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - " بعد إيمانهم " أي : بعد تصديقهم إياه ، وإقرارهم بما جاءهم به من عند ربه " وشهدوا أن الرسول حق " يقول : وبعد أن أقروا أن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خلقه حقا " وجاءهم البينات " يعني : وجاءهم الحجج من عند الله والدلائل بصحة ذلك ؟ " والله لا يهدي القوم الظالمين " يقول : والله لا يوفق للحق والصواب الجماعة الظلمة ، وهم الذين بدلوا الحق إلى الباطل ، فاختاروا الكفر على الإيمان . وقد دللنا فيما مضى قبل على معنى " الظلم " - وأنه وضع الشيء في غير موضعه - بما أغنى عن إعادته . " أولئك جزاؤهم " يعني : هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم ، وبعد أن شهدوا أن الرسول حق - " جزاؤهم " ثوابهم من عملهم الذي عملوه " أن عليهم لعنة الله " يعني : أن يحل بهم من الله الإقصاء والبعد ، ومن الملائكة والناس الدعاء بما يسوؤهم من العقاب " أجمعين " يعني : من جميعهم لا من [ ص: 577 ] بعض من سماه - جل ثناؤه - من الملائكة والناس ، ولكن من جميعهم . وإنما جعل ذلك - جل ثناؤه - ثواب عملهم ؛ لأن عملهم كان بالله كفرا . وقد بينا صفة " لعنة الناس " الكافر في غير هذا الموضع ، بما أغنى عن إعادته . " خالدين فيها " يعني : ماكثين فيها ، يعني في عقوبة الله " لا يخفف عنهم العذاب " لا ينقصون من العذاب شيئا في حال من الأحوال ، ولا ينفسون فيه " ولا هم ينظرون " يعني : ولا هم ينظرون لمعذرة يعتذرون . وذلك كله عين الخلود في العقوبة في الآخرة . ثم استثنى - جل ثناؤه - الذين تابوا من هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم فقال - تعالى ذكره - : " إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا " يعني : إلا الذين تابوا [ ص: 578 ] من بعد ارتدادهم عن إيمانهم ، فراجعوا الإيمان بالله وبرسوله ، وصدقوا بما جاءهم به نبيهم - صلى الله عليه وسلم - من عند ربهم " وأصلحوا " يعني : وعملوا الصالحات من الأعمال " فإن الله غفور رحيم " يعني : فإن الله لمن فعل ذلك بعد كفره " غفور " يعني : ساتر عليه ذنبه الذي كان منه من الردة ، فتارك عقوبته عليه ، وفضيحته به يوم القيامة ، غير مؤاخذه به إذا مات على التوبة منه . " رحيم " متعطف عليه بالرحمة . القول في تأويل قوله ( إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون ( 90 ) ) قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم : عنى الله - عز وجل - بقوله : " إن الذين كفروا " ببعض أنبيائه الذين بعثوا قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - " بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا " بكفرهم بمحمد " لن تقبل توبتهم " عند حضور الموت وحشرجته بنفسه . ذكر من قال ذلك : 7372 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا عباد بن منصور ، عن الحسن في قوله : " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون " قال : اليهود والنصارى ، لن تقبل توبتهم عند الموت . 7373 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، [ ص: 579 ] قوله : " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا " أولئك أعداء الله اليهود كفروا بالإنجيل وبعيسى ، ثم ازدادوا كفرا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والفرقان . 7374 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " ثم ازدادوا كفرا " قال : ازدادوا كفرا حتى حضرهم الموت ، فلم تقبل توبتهم حين حضرهم الموت . قالمعمر : وقال مثل ذلك عطاء الخراساني . 7375 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة قوله : " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون " وقال : هم اليهود كفروا بالإنجيل ، ثم ازدادوا كفرا حين بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، فأنكروه وكذبوا به . وقال آخرون : معنى ذلك : إن الذين كفروا من أهل الكتاب بمحمد بعد إيمانهم بأنبيائهم " ثم ازدادوا كفرا " يعني : ذنوبا " لن تقبل توبتهم " من ذنوبهم ، وهم على الكفر مقيمون . ذكر من قال ذلك : 7376 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن رفيع : " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا " ازدادوا ذنوبا وهم كفار " لن تقبل توبتهم " من تلك الذنوب ما كانوا على كفرهم وضلالتهم . 7377 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن داود قال : سألت أبا العالية قال : قلت : " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم " ؟ قال : إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا ، ثم ازدادوا كفرا بذنوب أصابوها ، فهم يتوبون منها في كفرهم . ![]()
__________________
|
#417
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (417) صــ 580 إلى صــ 592 7378 - حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري قال : أخبرنا ابن أبي عدي ، [ ص: 580 ] عن داود قال : سألت أبا العالية عن : الذين آمنوا ثم كفروا ، فذكر نحوا منه . 7379 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود قال : سألت أبا العالية عن هذه الآية : " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون " قال : هم اليهود والنصارى والمجوس ، أصابوا ذنوبا في كفرهم ، فأرادوا أن يتوبوا منها ، ولن يتوبوا من الكفر ، ألا ترى أنه يقول : " وأولئك هم الضالون " ؟ 7380 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا سفيان ، عن داود ، عن أبي العالية في قوله : " لن تقبل توبتهم " قال : تابوا من بعض ، ولم يتوبوا من الأصل . 7381 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن داود بن أبي هند ، عن أبي العالية قوله : " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا " قال : هم اليهود والنصارى يصيبون الذنوب فيقولون : " نتوب " وهم مشركون . قال الله - عز وجل - : لن تقبل التوبة في الضلالة . وقال آخرون : بل معنى ذلك : إن الذين كفروا بعد إيمانهم بأنبيائهم " ثم ازدادوا كفرا " يعني : بزيادتهم الكفر تمامهم عليه حتى هلكوا وهم عليه مقيمون " لن تقبل توبتهم " لن تنفعهم توبتهم الأولى وإيمانهم ، لكفرهم الآخر وموتهم . ذكر من قال ذلك : [ ص: 581 ] 7382 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة قوله : " ثم ازدادوا كفرا " قال : تموا على كفرهم قال ابن جريج : " لن تقبل توبتهم " يقول : إيمانهم أول مرة لن ينفعهم . وقال آخرون : معنى قوله : " ثم ازدادوا كفرا " ماتوا كفارا ، فكان ذلك هو زيادتهم من كفرهم . وقالوا : معنى " لن تقبل توبتهم " لن تقبل توبتهم عند موتهم . ذكر من قال ذلك : 7383 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون " أما " ازدادوا كفرا " فماتوا وهم كفار . وأما " لن تقبل توبتهم " فعند موته إذا تاب لم تقبل توبته . قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل هذه الآية قول من قال : " عنى بها اليهود " وأن يكون تأويله : إن الذين كفروا من اليهود بمحمد - صلى الله عليه وسلم - عند مبعثه بعد إيمانهم به قبل مبعثه ، ثم ازدادوا كفرا بما أصابوا من الذنوب في كفرهم ومقامهم على ضلالتهم لن تقبل توبتهم من ذنوبهم التي أصابوها في كفرهم ، حتى يتوبوا من كفرهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ويراجعوا التوبة منه بتصديقه بما جاء به من عند الله . وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في هذه الآية بالصواب ؛ لأن الآيات [ ص: 582 ] قبلها وبعدها فيهم نزلت ، فأولى أن تكون هي في معنى ما قبلها وبعدها إذ كانت في سياق واحد . وإنما قلنا : " معنى ازديادهم الكفر : ما أصابوا في كفرهم من المعاصي ؛ لأنه - جل ثناؤه - قال : " لن تقبل توبتهم " فكان معلوما أن معنى قوله : " لن تقبل توبتهم " إنما هو معني به : لن تقبل توبتهم مما ازدادوا من الكفر على كفرهم بعد إيمانهم ، لا من كفرهم ؛ لأن الله - تعالى ذكره - وعد أن يقبل التوبة من عباده فقال : ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ) [ سورة الشورى : 25 ] فمحال أن يقول - عز وجل - : " أقبل " و " لا أقبل " في شيء واحد . وإذا كان ذلك كذلك وكان من حكم الله في عباده أنه قابل توبة كل تائب من كل ذنب ، وكان الكفر بعد الإيمان أحد تلك الذنوب التي وعد قبول التوبة منها بقوله : " إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم " علم أن المعنى الذي لا يقبل التوبة منه غير المعنى الذي يقبل التوبة منه . وإذا كان ذلك كذلك ، فالذي لا يقبل منه التوبة هو الازدياد على الكفر بعد الكفر ، لا يقبل الله توبة صاحبه ما أقام على كفره ؛ لأن الله لا يقبل من مشرك عملا ما أقام على شركه وضلاله . فأما إن تاب من شركه وكفره وأصلح فإن الله - كما وصف به نفسه - غفور رحيم . فإن قال قائل : وما تنكر أن يكون معنى ذلك كما قال من قال : " فلن تقبل توبته من كفره عند حضور أجله وتوبته الأولى " ؟ [ ص: 583 ] قيل : أنكرنا ذلك ؛ لأن التوبة من العبد غير كائنة إلا في حال حياته ، فأما بعد مماته فلا توبة ، وقد وعد الله - عز وجل - عباده قبول التوبة منهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم . ولا خلاف بين جميع الحجة في أن كافرا لو أسلم قبل خروج نفسه بطرفة عين أن حكمه حكم المسلمين في الصلاة عليه ، والموارثة ، وسائر الأحكام غيرهما . فكان معلوما بذلك أن توبته في تلك الحال لو كانت غير مقبولة لم ينتقل حكمه من حكم الكفار إلى حكم أهل الإسلام ، ولا منزلة بين الموت والحياة يجوز أن يقال : " لا يقبل الله فيها توبة الكافر " . فإذا صح أنها في حال حياته مقبولة ، ولا سبيل بعد الممات إليها بطل قول الذي زعم أنها غير مقبولة عند حضور الأجل . وأما قول من زعم أن معنى ذلك : " التوبة التي كانت قبل الكفر " فقول لا معنى له ؛ لأن الله - عز وجل - لم يصف القوم بإيمان كان منهم بعد كفر ، ثم كفر بعد إيمان بل إنما وصفهم بكفر بعد إيمان . فلم يتقدم ذلك الإيمان كفر كان للإيمان لهم توبة منه ، فيكون تأويل ذلك على ما تأوله قائل ذلك . وتأويل القرآن على ما كان موجودا في ظاهر التلاوة - إذا لم تكن حجة تدل على باطن خاص - أولى من غيره ، وإن أمكن توجيهه إلى غيره . وأما قوله : " وأولئك هم الضالون " فإنه يعني بذلك : وهؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم ، ثم ازدادوا كفرا هم الذين ضلوا سبيل الحق فأخطأوا منهجه ، وتركوا نصف السبيل وهدى الدين ، حيرة منهم ، وعمى عنه . [ ص: 584 ] وقد بينا فيما مضى معنى الضلال بما فيه الكفاية . القول في تأويل قوله ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين ( 91 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - " إن الذين كفروا " أي : جحدوا نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولم يصدقوا به وبما جاء به من عند الله من أهل كل ملة ، يهودها ونصاراها ومجوسها وغيرهم " وماتوا وهم كفار " يعني : وماتوا على ذلك من جحود نبوته وجحود ما جاء به " فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به " يقول : فلن يقبل ممن كان بهذه الصفة في الآخرة جزاء ولا رشوة على ترك عقوبته على كفره ، ولا جعل على العفو عنه ، ولو كان له من الذهب قدر ما يملأ الأرض من مشرقها إلى مغربها فرشا ، وجزى على ترك عقوبته وفي العفو عنه على كفره عوضا مما الله محل به من عذابه ؛ لأن الرشا إنما يقبلها من كان ذا حاجة إلى ما رشي . فأما من له الدنيا والآخرة فكيف يقبل [ ص: 585 ] الفدية ، وهو خلاق كل فدية افتدى بها مفتد من نفسه أو غيره ؟ وقد بينا أن معنى " الفدية " العوض ، والجزاء من المفتدى منه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . ثم أخبر - عز وجل - عما لهم عنده فقال : " أولئك " يعني هؤلاء الذين كفروا وماتوا وهم كفار " لهم عذاب أليم " يقول : لهم عند الله في الآخرة عذاب موجع " وما لهم من ناصرين " يعني : وما لهم من قريب ولا حميم ولا صديق ينصره ، فيستنقذه من الله ومن عذابه كما كانوا ينصرونه في الدنيا على من حاول أذاه ومكروهه . وقد : - 7384 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : حدثنا أنس بن مالك : أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له : أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا ، أكنت مفتديا به ؟ فيقول : نعم . قال فيقال : لقد سئلت ما هو أيسر من ذلك ، فذلك قوله : " إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به " . 7385 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا عباد ، عن الحسن قوله : " إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا " قال : هو كل كافر . [ ص: 586 ] ونصب قوله " ذهبا " على الخروج من المقدار الذي قبله والتفسير منه ، وهو قوله : " ملء الأرض " كقول القائل : " عندي قدر زق سمنا وقدر رطل عسلا " ف " العسل " مبين به ما ذكر من المقدار ، وهو نكرة منصوبة على التفسير للمقدار والخروج منه . وأما نحويو البصرة فإنهم زعموا أنه نصب " الذهب " لاشتغال " الملء " ب " الأرض " ومجيء " الذهب " بعدهما ، فصار نصبها نظير نصب الحال . وذلك أن الحال يجيء بعد فعل قد شغل بفاعله ، فينصب كما ينصب المفعول الذي يأتي بعد الفعل الذي قد شغل بفاعله . قالوا : ونظير قوله : " ملء الأرض ذهبا " في نصب " الذهب " في الكلام : " لي مثلك رجلا " بمعنى : لي مثلك من الرجال . وزعموا أن نصب " الرجل لاشتغال الإضافة بالاسم ، فنصب كما ينصب المفعول به ، لاشتغال الفعل بالفاعل . وأدخلت الواو في قوله : " ولو افتدى به " لمحذوف من الكلام بعده دل عليه دخول " الواو " وكالواو في قوله : ( وليكون من الموقنين ) [ سورة الأنعام : 75 ] ، وتأويل الكلام : وليكون من الموقنين أريناه ملكوت السموات والأرض . فكذلك ذلك في قوله : " ولو افتدى به " ولو لم يكن في الكلام " واو " لكان الكلام صحيحا ، ولم يكن هنالك متروك . وكان : فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا لو افتدى به . [ ص: 587 ] القول في تأويل قوله تعالى ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم ( 92 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : لن تدركوا - أيها المؤمنون - البر وهو " البر " من الله الذي يطلبونه منه بطاعتهم إياه وعبادتهم له ويرجونه منه ، وذلك تفضله عليهم بإدخالهم جنته ، وصرف عذابه عنهم . ولذلك قال كثير من أهل التأويل " البر " : الجنة ؛ لأن بر الرب بعبده في الآخرة إكرامه إياه بإدخاله الجنة . ذكر من قال ذلك . 7386 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون في قوله : " لن تنالوا البر " قال : الجنة . 7387 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون في قوله : " لن تنالوا البر " قال : البر الجنة . 7388 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " لن تنالوا البر " أما البر فالجنة . قال أبو جعفر : فتأويل الكلام : لن تنالوا - أيها المؤمنون - جنة ربكم " حتى تنفقوا مما تحبون " يقول : حتى تتصدقوا مما تحبون وتهوون أن يكون لكم من نفيس أموالكم ، كما : - 7389 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " يقول : لن تنالوا بر ربكم حتى [ ص: 588 ] تنفقوا مما يعجبكم ، ومما تهوون من أموالكم . 7390 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر ، عن عباد ، عن الحسن قوله : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " قال : من المال . وأما قوله : " وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم " فإنه يعني به : ومهما تنفقوا من شيء فتتصدقوا به من أموالكم فإن الله - تعالى ذكره - بما يتصدق به المتصدق منكم - فينفقه مما يحب من ماله في سبيل الله وغير ذلك - " عليم " . يقول : هو ذو علم بذلك كله ، لا يعزب عنه شيء منه ، حتى يجازي صاحبه عليه جزاءه في الآخرة ، كما : - 7391 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم " يقول : محفوظ لكم ذلك ، الله به عليم شاكر له . وبنحو التأويل الذي قلنا تأول هذه الآية جماعة من الصحابة والتابعين . ذكر من قال ذلك : 7392 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله - عز وجل - : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " قال : كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من جلولاء يوم فتحت مدائن كسرى في قتال سعد بن أبي وقاص ، فدعا بها عمر بن الخطاب فقال : إن الله يقول : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " فأعتقها عمر وهي مثل قول الله - عز وجل - : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) [ سورة الإنسان : 8 ] ، و ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) [ سورة الحشر : 9 ] . [ ص: 589 ] 7393 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله سواء . 7394 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس بن مالك ، قال : لما نزلت هذه الآية : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) ، أو هذه الآية : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) [ سورة البقرة : 245\ الحديد : 11 ] قال أبو طلحة يا رسول الله : حائطي الذي بكذا وكذا صدقة ، ولو استطعت أن أجعله سرا لم أجعله علانية . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اجعلها في فقراء أهلك . 7395 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك قال : لما نزلت هذه الآية : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " قال أبو طلحة يا رسول الله : إن الله يسألنا من أموالنا ، اشهد أني قد جعلت أرضي بأريحا لله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اجعلها [ ص: 590 ] في قرابتك . فجعلها بين حسان بن ثابت وأبي بن كعب . [ ص: 591 ] 7396 - حدثنا عمران بن موسى قال : حدثنا عبد الوارث قال : حدثنا ليث ، عن ميمون بن مهران : أن رجلا سأل أبا ذر : أي الأعمال أفضل ؟ قال : الصلاة عماد الإسلام ، والجهاد سنام العمل ، والصدقة شيء عجب . فقال : يا أبا ذر لقد تركت شيئا هو أوثق عملي في نفسي ، لا أراك ذكرته ؟ قال : ما هو ؟ قال : الصيام . فقال : قربة ، وليس هناك . وتلا هذه الآية : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " . [ ص: 592 ] 7397 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني داود بن عبد الرحمن المكي ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ، عن عمرو بن دينار قال : لما نزلت هذه الآية : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " جاء زيد بفرس له يقال له : " سبل " إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : تصدق بهذه يا رسول الله . فأعطاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنه أسامة بن زيد بن حارثة ، فقال : يا رسول الله ، إنما أردت أن أتصدق به . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قد قبلت صدقتك . 7398 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن أيوب وغيره أنها حين نزلت : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " جاء زيد بن حارثة بفرس له كان يحبها ، فقال : يا رسول الله ، هذه في سبيل الله . فحمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها أسامة بن زيد ، فكأن زيدا وجد في نفسه ، فلما رأى ذلك منه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أما إن الله قد قبلها . ![]()
__________________
|
#418
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السابع تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (418) صــ 7 إلى صــ 21 [ ص: 7 ] القول في تأويل قوله تعالى ( كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ( 93 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : أنه لم يكن حرم على بني إسرائيل وهم ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن شيئا من الأطعمة من قبل أن تنزل التوراة ، بل كان ذلك كله لهم حلالا إلا ما كان يعقوب حرمه على نفسه ، فإن ولده حرموه استنانا بأبيهم يعقوب ، من غير تحريم الله ذلك عليهم في وحي ولا تنزيل ، ولا على لسان رسول له إليهم ، من قبل نزول التوراة . ثم اختلف أهل التأويل في تحريم ذلك عليهم ، هل نزل في التوراة أم لا؟ فقال بعضهم : لما أنزل الله عز وجل التوراة ، حرم عليهم من ذلك ما كانوا يحرمونه قبل نزولها . ذكر من قال ذلك : 7399 - حدثني محمد بن الحسين ، قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " قالت اليهود : إنما نحرم ما حرم إسرائيل على نفسه ، وإنما حرم [ ص: 8 ] إسرائيل العروق ، كان يأخذه عرق النسا ، كان يأخذه بالليل ويتركه بالنهار ، فحلف لإن الله عافاه منه لا يأكل عرقا أبدا ، فحرمه الله عليهم ثم قال : " قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " ، ما حرم هذا عليكم غيري ببغيكم ، فذلك قوله : ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ) [ سورة النساء : 160 ] قال أبو جعفر : فتأويل الآية على هذا القول : كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ، فإن الله حرم عليهم من ذلك ما كان إسرائيل حرمه على نفسه في التوراة ، ببغيهم على أنفسهم وظلمهم لها . قل يا محمد : فأتوا ، أيها اليهود ، إن أنكرتم ذلك بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين أن الله لم يحرم ذلك عليكم في التوراة ، وأنكم إنما تحرمونه لتحريم إسرائيل إياه على نفسه . وقال آخرون : ما كان شيء من ذلك عليهم حراما ، لا حرمه الله عليهم في التوراة ، وإنما هو شيء حرموه على أنفسهم اتباعا لأبيهم ، ثم أضافوا تحريمه إلى الله . فكذبهم الله عز وجل في إضافتهم ذلك إليه ، فقال الله عز وجل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهم يا محمد : إن كنتم صادقين ، فأتوا بالتوراة فاتلوها ، حتى ننظر هل ذلك فيها ، أم لا؟ فيتبين كذبهم لمن يجهل أمرهم . ذكر من قال ذلك : [ ص: 9 ] 7400 - حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال ، سمعت أبا معاذ ، قال ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : " إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " إسرائيل هو يعقوب ، أخذه عرق النسا فكان لا يبيت الليل من وجعه ، وكان لا يؤذيه بالنهار . فحلف لإن شفاه الله لا يأكل عرقا أبدا ، وذلك قبل نزول التوراة على موسى . فسأل نبي الله صلى الله عليه وسلم اليهود : ما هذا الذي حرم إسرائيل على نفسه؟ فقالوا : نزلت التوراة بتحريم الذي حرم إسرائيل . فقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : " قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " إلى قوله : " فأولئك هم الظالمون " ، وكذبوا وافتروا ، لم تنزل التوراة بذلك . وتأويل الآية على هذا القول : كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل من قبل أن تنزل التوراة وبعد نزولها ، إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة بمعنى : لكن إسرائيل حرم على نفسه من قبل أن تنزل التوراة بعض ذلك . وكأن الضحاك وجه قوله : " إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " إلى الاستثناء الذي يسميه النحويون "الاستثناء المنقطع" . وقال آخرون : تأويل ذلك : كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ، فإن ذلك حرام على ولده بتحريم إسرائيل إياه على ولده ، من غير أن يكون الله حرمه على إسرائيل ولا على ولده . [ ص: 10 ] ذكر من قال ذلك : 7401 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " فإنه حرم على نفسه العروق ، وذلك أنه كان يشتكي عرق النسا ، فكان لا ينام الليل ، فقال : والله لإن عافاني الله منه لا يأكله لي ولد وليس مكتوبا في التوراة ! وسأل محمد صلى الله عليه وسلم نفرا من أهل الكتاب فقال : ما شأن هذا حراما؟ فقالوا : هو حرام علينا من قبل الكتاب . فقال الله عز وجل : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل " إلى" إن كنتم صادقين " . 7402 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج ، قال ابن عباس : أخذه - يعني إسرائيل - عرق النسا ، فكان لا يبيت بالليل من شدة الوجع ، وكان لا يؤذيه بالنهار ، فحلف لإن شفاه الله لا يأكل عرقا أبدا ، وذلك قبل أن تنزل التوراة . فقال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم : نزلت التوراة بتحريم الذي حرم إسرائيل على نفسه . قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : " قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " ، وكذبوا ، ليس في التوراة . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، قول من قال : "معنى ذلك : كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل من قبل أن تنزل التوراة ، إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من غير تحريم الله ذلك عليه ، فإنه كان حراما عليهم بتحريم أبيهم إسرائيل ذلك عليهم ، من غير أن يحرمه الله عليهم في تنزيل ولا وحي قبل التوراة ، حتى نزلت التوراة ، فحرم الله عليهم فيها ما شاء ، وأحل لهم فيها ما أحب" . وهذا قول قالته جماعة من أهل التأويل ، وهو معنى قول ابن عباس الذي ذكرناه قبل . ذكر بعض من قال ذلك : [ ص: 11 ] 7403 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة " ، وإسرائيل ، هو يعقوب " قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " يقول : كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل من قبل أن تنزل التوراة . إلا ما حرم إسرائيل على نفسه ، فلما أنزل الله التوراة حرم عليهم فيها ما شاء وأحل لهم ما شاء . 7404 - حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة بنحوه . واختلف أهل التأويل في الذي كان إسرائيل حرمه على نفسه . فقال بعضهم : كان الذي حرمه إسرائيل على نفسه العروق . ذكر من قال ذلك : 7405 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا أبو بشر ، عن يوسف بن ماهك قال : جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال إنه جعل امرأته عليه حراما ، قال : ليست عليك بحرام . قال : فقال الأعرابي : ولم؟ والله يقول في كتابه : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه "؟ قال : فضحك ابن عباس وقال : وما يدريك ما كان إسرائيل حرم على نفسه؟ قال : ثم أقبل على القوم يحدثهم فقال : إسرائيل عرضت له الأنساء فأضنته ، فجعل لله عليه إن شفاه الله منها لا يطعم عرقا . قال : فلذلك اليهود تنزع العروق من اللحم . 7406 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، [ ص: 12 ] عن أبي بشر . قال : سمعت يوسف بن ماهك يحدث : أن أعرابيا أتى ابن عباس ، فذكر رجلا حرم امرأته فقال : إنها ليست بحرام . فقال الأعرابي : أرأيت قول الله عز وجل : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " ؟ فقال : إن إسرائيل كان به عرق النسا ، فحلف لإن عافاه الله أن لا يأكل العروق من اللحم ، وإنها ليست عليك بحرام . 7407 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز في قوله : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " قال ، إن يعقوب أخذه وجع عرق النسا ، فجعل لله عليه أو : أقسم ، أو : آلى : لا يأكله من الدواب . قال : والعروق كلها تبع لذلك العرق . 7408 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن الذي حرم إسرائيل على نفسه : أن الأنساء أخذته ذات ليلة ، فأسهرته ، فتألى إن الله شفاه لا يطعم نسا أبدا ، فتتبعت بنوه العروق بعد ذلك يخرجونها من اللحم . 7409 - حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة بنحوه وزاد فيه . قال : فتألى لإن شفاه الله لا يأكل عرقا أبدا ، فجعل بنوه بعد ذلك يتتبعون العروق ، فيخرجونها من اللحم . وكان"الذي حرم على نفسه من قبل أن تنزل التوراة" ، العروق . 7410 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " قال ، اشتكى [ ص: 13 ] إسرائيل عرق النسا فقال : إن الله شفاني لأحرمن العروق! فحرمها . 7411 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان إسرائيل أخذه عرق النسا ، فكان يبيت له زقاء ، فجعل لله عليه إن شفاه أن لا يأكل العروق . فأنزل الله عز وجل : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " قال سفيان : "له زقاء" ، يعني صياحا . 7412 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " قال ، كان يشتكي عرق النسا ، فحرم العروق . 7413 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . 7414 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عباس في قوله : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة " قال : كان إسرائيل يأخذه عرق النسا ، فكان يبيت وله زقاء ، فحرم على نفسه أن يأكل عرقا . وقال آخرون : بل " الذي كان إسرائيل حرم على نفسه " ، لحوم الإبل وألبانها . ذكر من قال ذلك : 7415 - حدثنا القاسم ، قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن [ ص: 14 ] جريج ، عن عبد الله بن كثير قال : سمعنا أنه اشتكى شكوى ، فقالوا : إنه عرق النسا ، فقال : رب ، إن أحب الطعام إلي لحوم الإبل وألبانها ، فإن شفيتني فإني أحرمها علي قال ابن جريج ، وقال عطاء بن أبي رباح : لحوم الإبل وألبانها حرم إسرائيل . 7416 - حدثنا محمد بن سنان قال ، حدثنا أبو بكر الحنفي قال ، حدثنا عباد ، عن الحسن في قوله : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل " قال ، كان إسرائيل حرم على نفسه لحوم الإبل ، وكانوا يزعمون أنهم يجدون في التوراة تحريم إسرائيل على نفسه لحوم الإبل وإنما كان حرم إسرائيل على نفسه لحوم الإبل قبل أن تنزل التوراة ، فقال الله : " فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " ، فقال : لا تجدون في التوراة تحريم إسرائيل على نفسه ، أي لحم الإبل . 7417 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال ، حدثنا سفيان قال ، حدثنا حبيب بن أبي ثابت قال ، حدثنا سعيد ، عن ابن عباس : أن إسرائيل أخذه عرق النسا ، فكان يبيت بالليل له زقاء يعني : صياح قال : فجعل على نفسه لإن شفاه الله منه لا يأكله يعني : لحوم الإبل قال : فحرمه اليهود ، وتلا هذه الآية : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " ، أي : إن هذا قبل التوراة . 7418 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في : " إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " قال ، حرم العروق ولحوم الإبل . قال : كان به عرق النسا ، فأكل من لحومها فبات بليلة يزقو ، فحلف أن لا يأكله أبدا . [ ص: 15 ] 7419 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد في قوله : " إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " . قال : حرم لحم الأنعام . قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب ، قول ابن عباس الذي رواه الأعمش ، عن حبيب ، عن سعيد عنه : أن ذلك : العروق ولحوم الإبل ، لأن اليهود مجمعة إلى اليوم على ذلك من تحريمها ، كما كان عليه من ذلك أوائلها . وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك خبر ، وهو : ما : - 7420 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا يونس بن بكير ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس : أن عصابة من اليهود حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا أبا القاسم ، أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرض مرضا شديدا ، فطال سقمه منه ، فنذر لله نذرا لإن عافاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه ، وكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل ، وأحب الشراب إليه ألبانها؟ فقالوا : اللهم نعم . وأما قوله : " قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " ، فإن معناه : قل ، يا محمد ، للزاعمين من اليهود أن الله حرم عليهم في التوراة العروق ولحوم الإبل وألبانها : " ائتوا بالتوراة فاتلوها " ، يقول : قل لهم : جيئوا بالتوراة فاتلوها ، حتى يتبين لمن خفي عليه كذبهم وقيلهم الباطل على الله من أمرهم : أن ذلك ليس مما [ ص: 16 ] أنزلته في التوراة " إن كنتم صادقين " ، يقول : إن كنتم محقين في دعواكم أن الله أنزل تحريم ذلك في التوراة ، فأتونا بها ، فاتلوا تحريم ذلك علينا منها . وإنما ذلك خبر من الله عن كذبهم ، لأنهم لا يجيئون بذلك أبدا على صحته ، فأعلم الله بكذبهم عليه نبيه صلى الله عليه وسلم ، وجعل إعلامه إياه ذلك حجة له عليهم . لأن ذلك إذ كان يخفى على كثير من أهل ملتهم ، فمحمد صلى الله عليه وسلم وهو أمي من غير ملتهم ، لولا أن الله أعلمه ذلك بوحي من عنده كان أحرى أن لا يعلمه . فكان ذلك له صلى الله عليه وسلم ، من أعظم الحجة عليهم بأنه نبي الله صلى الله عليه وسلم ، إليهم . لأن ذلك من أخبار أوائلهم ، كان من خفي علومهم الذي لا يعلمه غير خاصة منهم ، إلا من أعلمه الذي لا يخفى عليه خافية من نبي أو رسول ، أو من أطلعه الله على علمه ممن شاء من خلقه . القول في تأويل قوله تعالى ( فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون ( 94 ) ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : فمن كذب على الله منا ومنكم ، من بعد مجيئكم بالتوراة ، وتلاوتكم إياها ، وعدمكم ما ادعيتم من تحريم الله العروق ولحوم الإبل وألبانها فيها " فأولئك هم الظالمون " يعني : فمن فعل ذلك منهم "فأولئك" ، يعني : فهؤلاء الذين يفعلون ذلك " هم الظالمون " ، يعني : فهم الكافرون ، القائلون على الله الباطل ، كما : - [ ص: 17 ] 7421 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، حدثنا هشيم ، عن زكريا ، عن الشعبي : " فأولئك هم الظالمون " قال ، نزلت في اليهود . القول في تأويل قوله تعالى جل ثناؤه ( قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ( 95 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : "قل" ، يا محمد " صدق الله " ، فيما أخبرنا به من قوله : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل " ، وأن الله لم يحرم على إسرائيل ولا على ولده العروق ولا لحوم الإبل وألبانها ، وأن ذلك إنما كان شيئا حرمه إسرائيل على نفسه وولده بغير تحريم الله إياه عليهم في التوراة ، وفي كل ما أخبر به عباده من خبر ، دونكم . وأنتم ، يا معشر اليهود ، الكذبة في إضافتكم تحريم ذلك إلى الله عليكم في التوراة ، المفترية على الله الباطل في دعواكم عليه غير الحق " فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " ، يقول : فإن كنتم ، أيها اليهود ، محقين في دعواكم أنكم على الدين الذي ارتضاه الله لأنبيائه ورسله " فاتبعوا ملة إبراهيم " ، خليل الله ، فإنكم تعلمون أنه الحق الذي ارتضاه الله من خلقه دينا ، وابتعث به أنبياءه ، ذلك الحنيفية - يعني الاستقامة على الإسلام وشرائعه - دون اليهودية والنصرانية والمشركة . [ ص: 18 ] وقوله : " وما كان من المشركين " ، يقول : لم يكن يشرك في عبادته أحدا من خلقه . فكذلك أنتم أيضا ، أيها اليهود ، فلا يتخذ بعضكم بعضا أربابا من دون الله تطيعونهم كطاعة إبراهيم ربه ، وأنتم يا معشر عبدة الأوثان ، فلا تتخذوا الأوثان والأصنام أربابا ، ولا تعبدوا شيئا من دون الله ، فإن إبراهيم خليل الرحمن كان دينه إخلاص العبادة لربه وحده ، من غير إشراك أحد معه فيه . فكذلك أنتم أيضا ، فأخلصوا له العبادة ولا تشركوا معه في العبادة أحدا ، فإن جميعكم مقرون بأن إبراهيم كان على حق وهدى مستقيم ، فاتبعوا ما قد أجمع جميعكم على تصويبه من ملته الحنيفية ، ودعوا ما اختلفتم فيه من سائر الملل غيرها ، أيها الأحزاب ، فإنها بدع ابتدعتموها إلى ما قد أجمعتم عليه أنه حق ، فإن الذي أجمعتم عليه أنه صواب وحق من ملة إبراهيم ، هو الحق الذي ارتضيته وابتعثت به أنبيائي ورسلي ، وسائر ذلك هو الباطل الذي لا أقبله من أحد من خلقي جاءني به يوم القيامة . وإنما قال جل ثناؤه : " وما كان من المشركين " ، يعني به : وما كان من عددهم وأوليائهم . وذلك أن المشركين بعضهم من بعض في التظاهر على كفرهم . ونصرة بعضهم بعضا . فبرأ الله إبراهيم خليله أن يكون منهم أو [ من ] نصرائهم وأهل ولايتهم . وإنما عنى جل ثناؤه بالمشركين ، اليهود والنصارى وسائر الأديان ، غير الحنيفية . قال : لم يكن إبراهيم من أهل هذه الأديان المشركة ، ولكنه كان حنيفا مسلما . [ ص: 19 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين ( 96 ) ) قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم : تأويله : إن أول بيت وضع للناس ، يعبد الله فيه مباركا وهدى للعالمين ، الذي ببكة . قالوا : وليس هو أول بيت وضع في الأرض ، لأنه قد كانت قبله بيوت كثيرة . ذكر من قال ذلك : 7422 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن خالد بن عرعرة قال : قام رجل إلى علي فقال : ألا تخبرني عن البيت؟ أهو أول بيت وضع في الأرض؟ فقال : لا ولكنه أول بيت وضع في البركة مقام إبراهيم ، ومن دخله كان آمنا . 7423 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن سماك قال : سمعت خالد بن عرعرة قال : سمعت عليا ، وقيل له : " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة " ، هو أول بيت كان في الأرض؟ قال : لا! قال : فأين كان قوم نوح؟ وأين كان قوم هود؟ قال : ولكنه أول بيت وضع للناس مباركا وهدى . [ ص: 20 ] 7424 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء قال ، سأل حفص الحسن وأنا أسمع عن قوله : " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا " قال ، هو أول مسجد عبد الله فيه في الأرض . 7425 - حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي قال ، حدثنا ضمرة ، عن ابن شوذب ، عن مطر في قوله : " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة " قال : قد كانت قبله بيوت ، ولكنه أول بيت وضع للعبادة . 7426 - حدثني محمد بن سنان قال ، حدثنا أبو بكر الحنفي قال ، حدثنا عباد ، عن الحسن قوله : " إن أول بيت وضع للناس " ، يعبد الله فيه " للذي ببكة " . 7427 - حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد : " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا " قال ، وضع للعبادة . وقال آخرون : بل هو أول بيت وضع للناس . ثم اختلف قائلو ذلك في صفة وضعه أول . فقال بعضهم : خلق قبل جميع الأرضين ، ثم دحيت الأرضون من تحته . ذكر من قال ذلك : 7428 - حدثنا محمد بن عمارة الأسدي قال ، حدثنا عبيد الله بن موسى قال ، أخبرنا شيبان ، عن الأعمش ، عن بكير بن الأخنس ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو قال : خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة ، وكان - إذ كان عرشه على الماء - زبدة بيضاء ، فدحيت الأرض من تحته . [ ص: 21 ] 7429 - حدثني محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد قال ، حدثنا خصيف قال : سمعت مجاهدا يقول : إن أول ما خلق الله الكعبة ، ثم دحى الأرض من تحتها . 7430 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " إن أول بيت وضع للناس " ، كقوله : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) [ سورة آل عمران : 110 ] 7431 - حدثني محمد قال ، حدثنا أحمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين " ، أما" أول بيت " ، فإنه يوم كانت الأرض ماء ، كان زبدة على الأرض ، فلما خلق الله الأرض ، خلق البيت معها ، فهو أول بيت وضع في الأرض . 7432 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ) قال : أول بيت وضعه الله عز وجل ، فطاف به آدم ومن بعده . وقال آخرون : موضع الكعبة ، موضع أول بيت وضعه الله في الأرض . ذكر من قال ذلك : 7433 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ذكر لنا أن البيت هبط مع آدم حين هبط ، قال : أهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي . فطاف حوله آدم ومن كان بعده من المؤمنين ، حتى إذا كان زمن الطوفان ، زمن أغرق الله قوم نوح ، رفعه الله وطهره من أن يصيبه عقوبة أهل الأرض ، فصار معمورا في السماء . ثم إن إبراهيم تتبع منه أثرا بعد ذلك ، فبناه على أساس قديم كان قبله . ![]()
__________________
|
#419
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السابع تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (419) صــ 22 إلى صــ 36 [ ص: 22 ] قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ما قال جل ثناؤه فيه : إن أول بيت مبارك وهدى وضع للناس ، للذي ببكة . ومعنى ذلك : " إن أول بيت وضع للناس " ، أي : لعبادة الله فيه " مباركا وهدى " ، يعني بذلك : ومآبا لنسك الناسكين وطواف الطائفين ، تعظيما لله وإجلالا له " للذي ببكة " لصحة الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك ما : - 7434 - حدثنا به محمد بن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله ، أي مسجد وضع أول؟ قال : " المسجد الحرام . قال : ثم أي؟ قال : المسجد الأقصى . قال : كم بينهما؟ قال : أربعون سنة . فقد بين هذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المسجد الحرام هو أول مسجد وضعه الله في الأرض ، على ما قلنا . فأما في موضعه بيتا ، بغير معنى بيت للعبادة والهدى والبركة ، ففيه من الاختلاف ما قد ذكرت بعضه في هذا الموضع ، وبعضه في سورة البقرة وغيرها من سور القرآن ، وبينت الصواب من القول عندنا في ذلك بما أغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع . [ ص: 23 ] وأما قوله : " للذي ببكة مباركا " فإنه يعني : للبيت الذي بمزدحم الناس لطوافهم في حجهم وعمرهم . وأصل"البك" : الزحم ، يقال : منه : "بك فلان فلانا" إذا زحمه وصدمه - "فهو يبكه بكا ، وهم يتباكون فيه" ، يعني به : يتزاحمون ويتصادمون فيه . فكأن" بكة ""فعلة" من "بك فلان فلانا" زحمه ، سميت البقعة بفعل المزدحمين بها . فإذا كانت" بكة " ما وصفنا ، وكان موضع ازدحام الناس حول البيت ، وكان لا طواف يجوز خارج المسجد كان معلوما بذلك أن يكون ما حول الكعبة من داخل المسجد ، وأن ما كان خارج المسجد فمكة ، لا" بكة " . لأنه لا معنى خارجه يوجب على الناس التباك فيه . وإذ كان ذلك كذلك ، كان بينا بذلك فساد قول من قال : " بكة " اسم لبطن " مكة " ، ومكة اسم للحرم . . ذكر من قال في ذلك ما قلنا : من أن " بكة " موضع مزدحم الناس للطواف : [ ص: 24 ] 7435 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : : حدثنا هشيم ، عن حصين ، عن أبي مالك الغفاري في قوله : " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة " قال : "بكة " موضع البيت ، "ومكة " ما سوى ذلك . 7436 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم مثله . 7437 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن أبي جعفر قال : مرت امرأة بين يدي رجل وهو يصلي وهي تطوف بالبيت ، فدفعها . قال أبو جعفر : إنها بكة ، يبك بعضها بعضا . 7438 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الصمد قال : : حدثنا شعبة قال : حدثنا سلمة ، عن مجاهد قال : إنما سميت "بكة " ، لأن الناس يتباكون فيها ، الرجال والنساء . 7439 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن حماد ، عن سعيد قال : قلت : لأي شيء سميت "بكة "؟ قال : لأنهم يتباكون فيها قال : يعني : يزدحمون . 7440 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن الأسود بن قيس ، عن أبيه ، عن ابن الزبير قال : إنما سميت "بكة " ، لأنهم يأتونها حجاجا . 7441 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا " ، فإن الله بك به الناس جميعا ، فيصلي النساء قدام الرجال ، ولا يصلح ببلد غيره . 7442 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : "بكة " ، بك الناس بعضهم بعضا ، الرجال والنساء ، يصلي بعضهم بين يدي بعض ، لا يصلح ذلك إلا بمكة . [ ص: 25 ] 7443 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي قال : "بكة " ، موضع البيت ، و "مكة " : ما حولها . 7444 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني يحيى بن أزهر ، عن غالب بن عبيد الله : أنه سأل ابن شهاب عن "بكة " قال : "بكة " البيت ، والمسجد . وسأله عن " مكة " ، فقال ابن شهاب : " مكة " : الحرم كله . 7445 - حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حجاج ، عن عطاء ومجاهد قالا "بكة " : بك فيها الرجال والنساء . 7446 - حدثني عبد الجبار بن يحيى الرملي . قال : قال ضمرة بن ربيعة ، " بكة " : المسجد ، . و "مكة " : البيوت . وقال بعضهم بما : - 7447 - حدثني به يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة " قال : هي مكة . وقيل : "مباركا " ، لأن الطواف به مغفرة للذنوب . فأما نصب قوله : "مباركا " ، فإنه على الخروج من قوله : "وضع " ، لأن في "وضع " ذكرا من "البيت " هو به مشغول ، وهو معرفة ، و "مبارك " نكرة لا يصلح أن يتبعه في الإعراب . [ ص: 26 ] وأما على قول من قال : "هو أول بيت وضع للناس " ، على ما ذكرنا في ذلك قول من ذكرنا قوله ، فإنه نصب على الحال من قوله : " للذي ببكة " . لأن معنى الكلام على قولهم : إن أول بيت وضع للناس البيت [ الذي ] ببكة مباركا . ف " البيت " عندهم من صفته "الذي ببكة " ، و"الذي" بصلته معرفته ، و"المبارك " نكرة ، فنصب على القطع منه ، في قول بعضهم وعلى الحال في قول بعضهم . و"هدى " في موضع نصب على العطف على قوله "مباركا " . القول في تأويل قوله تعالى ( فيه آيات بينات مقام إبراهيم ) قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك ، فقرأه قرأة الأمصار : ( فيه آيات بينات ) على جماع "آية " ، بمعنى : فيه علامات بينات . وقرأ ذلك ابن عباس . ( فيه آية بينة ) ، يعني بها : مقام إبراهيم ، يراد بها : علامة واحدة . ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " فيه آيات بينات " وما تلك الآيات؟ . فقال بعضهم : مقام إبراهيم والمشعر الحرام ، ونحو ذلك . ذكر من قال ذلك : 7448 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : [ ص: 27 ] حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " فيه آيات بينات " ، مقام إبراهيم ، والمشعر . 7449 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ومجاهد : " فيه آيات بينات مقام إبراهيم " قال : مقام إبراهيم ، من الآيات البينات . وقال آخرون : "الآيات البينات " ، مقام إبراهيم " ومن دخله كان آمنا " . ذكر من قال ذلك : 7450 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا عباد ، عن الحسن في قوله : " فيه آيات بينات " قال : " مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا " . وقال آخرون : "الآيات البينات " ، هو مقام إبراهيم . ذكر من قال ذلك : 7451 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قوله : " فيه آيات بينات مقام إبراهيم " أما "الآيات البينات " فمقام إبراهيم . قال أبو جعفر : وأما الذين قرأوا ذلك : "فيه آية بينة " على التوحيد ، فإنهم عنوا ب "الآية البينة " ، مقام إبراهيم . ذكر من قال ذلك : 7452 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي [ ص: 28 ] نجيح ، عن مجاهد : "فيه آية بينة " ، قال : قدماه في المقام آية بينة . يقول : " ومن دخله كان آمنا " قال : هذا شيء آخر . 7453 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن ليث ، عن مجاهد : "فيه آية بينة مقام إبراهيم " قال : أثر قدميه في المقام ، آية بينة . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب ، قول من قال : "الآيات البينات ، منهن مقام إبراهيم " ، وهو قول قتادة ومجاهد الذي رواه معمر عنهما . فيكون الكلام مرادا فيه "منهن " ، فترك ذكره اكتفاء بدلالة الكلام عليها . فإن قال قائل : فهذا المقام من الآيات البينات ، فما سائر الآيات التي من أجلها قيل : " آيات بينات "؟ قيل : منهن المقام ، ومنهن الحجر ، ومنهن الحطيم . وأصح القراءتين في ذلك قراءة من قرأه : " فيه آيات بينات " ، على الجماع ، لإجماع قرأة أمصار المسلمين على أن ذلك هو القراءة الصحيحة دون غيرها . وأما اختلاف أهل التأويل في تأويل : " مقام إبراهيم " ، فقد ذكرناه في "سورة البقرة " ، وبينا أولى الأقوال بالصواب فيه هنالك ، وأنه عندنا المقام المعروف به . [ ص: 29 ] فتأويل الآية إذا : إن أول بيت وضع للناس مباركا وهدى للعالمين ، للذي ببكة ، فيه علامات بينات من قدرة الله وآثار خليله إبراهيم ، منهن أثر قدم خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم في الحجر الذي قام عليه . القول في تأويل قوله ( ومن دخله كان آمنا ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم : تأويله : الخبر عن أن كل من جر في الجاهلية جريرة ثم عاذ بالبيت ، لم يكن بها مأخوذا . ذكر من قال ذلك : 7454 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ومن دخله كان آمنا " وهذا كان في الجاهلية ، كان الرجل لو جر كل جريرة على نفسه ، ثم لجأ إلى حرم الله ، لم يتناول ولم يطلب . فأما في الإسلام فإنه لا يمنع من حدود الله ، من سرق فيه قطع ، ومن زنى فيه أقيم عليه الحد ، ومن قتل فيه قتل وعن قتادة : أن الحسن كان يقول : إن الحرم لا يمنع من حدود الله . لو أصاب حدا في غير الحرم ، فلجأ إلى الحرم ، لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحد . ورأى قتادة ما قاله الحسن . 7455 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : " ومن دخله كان آمنا " قال : كان ذلك في الجاهلية . [ ص: 30 ] فأما اليوم ، فإن سرق فيه أحد قطع ، وإن قتل فيه قتل ، ولو قدر فيه على المشركين قتلوا . 7456 - حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال : حدثنا عبد السلام بن حرب قال : حدثنا خصيف ، عن مجاهد في الرجل يقتل ثم يدخل الحرم قال : يؤخذ ، فيخرج من الحرم ، ثم يقام عليه الحد . يقول : القتل . 7457 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن حماد ، مثل قول مجاهد . 7458 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس قال : أخبرنا هشام ، عن الحسن وعطاء في الرجل يصيب الحد ويلجأ إلى الحرم يخرج من الحرم ، فيقام عليه الحد . قال أبو جعفر : فتأويل الآية على قول هؤلاء : فيه آيات بينات مقام إبراهيم ، والذي دخله من الناس كان آمنا بها في الجاهلية . وقال آخرون : معنى ذلك : ومن يدخله يكن آمنا بها بمعنى الجزاء ، كنحو قول القائل . "من قام لي أكرمته " ، بمعنى : من يقم لي أكرمه . وقالوا : هذا أمر كان في الجاهلية ، كان الحرم مفزع كل خائف . وملجأ كل جان ، لأنه لم يكن يهاج به ذو جريرة ، ولا يعرض الرجل فيه لقاتل أبيه وابنه بسوء . قالوا : وكذلك هو في الإسلام ، لأن الإسلام زاده تعظيما وتكريما . ذكر من قال ذلك : 7459 - حدثني محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد قال : حدثنا خصيف قال : حدثنا مجاهد قال : قال ابن عباس : إذا أصاب الرجل الحد : قتل أو سرق ، فدخل الحرم ، لم يبايع ولم يؤو ، حتى يتبرم فيخرج من الحرم ، فيقام عليه الحد . قال . فقلت لابن عباس : ولكني لا أرى [ ص: 31 ] ذلك! أرى أن يؤخذ برمته ، ثم يخرج من الحرم ، فيقام عليه الحد ، فإن الحرم لا يزيده إلا شدة . 7460 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا عبد الملك ، عن عطاء قال : أخذ ابن الزبير سعدا مولى معاوية - وكان في قلعة بالطائف - فأرسل إلى ابن عباس من يشاوره فيهم : إنهم لنا عدو . فأرسل إليه ابن عباس : لو وجدت قاتل أبي لم أعرض له . قال : فأرسل إليه ابن الزبير : ألا نخرجهم من الحرم ؟ قال : فأرسل إليه ابن عباس : أفلا قبل أن تدخلهم الحرم ؟ زاد أبو السائب في حديثه : فأخرجهم فصلبهم ، ولم ينظر إلى قول ابن عباس . 7461 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حجاج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : من أحدث حدثا في غير الحرم ، ثم لجأ إلى الحرم لم يعرض له ، ولم يبايع ، ولم يكلم ، ولم يؤو حتى يخرج من الحرم . فإذا خرج من الحرم ، أخذ فأقيم عليه الحد . قال : ومن أحدث في الحرم حدثا أقيم عليه . [ ص: 32 ] 7462 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن نصر السلمي ، عن ابن أبي حبيبة ، عن داود بن حصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال : من أحدث حدثا ثم استجار بالبيت فهو آمن ، وليس للمسلمين أن يعاقبوه على شيء إلى أن يخرج . فإذا خرج أقاموا عليه الحد . 7463 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا حجاج ، عن عطاء عن ابن عمر قال : لو وجدت قاتل عمر في الحرم ، ما هجته . 7464 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا : حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا ليث ، عن عطاء : أن الوليد بن عتبة أراد أن يقيم الحد في الحرم ، فقال له عبيد بن عمير : لا تقم عليه الحد في الحرم إلا أن يكون أصابه فيه . 7465 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس قال : أخبرنا مطرف ، عن عامر قال : إذا أصاب الحد ثم هرب إلى الحرم ، فقد أمن ، فإذا أصابه في الحرم أقيم عليه الحد في الحرم . 7466 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن فراس ، عن الشعبي قال : من أصاب حدا في الحرم أقيم عليه في الحرم . ومن أصابه خارجا من الحرم ثم دخل الحرم ، لم يكلم ولم يبايع حتى يخرج من الحرم ، فيقام عليه . 7467 - حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال : حدثنا عبد السلام بن حرب قال : حدثنا عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير وعن عبد الملك ، عن عطاء بن أبي رباح في الرجل يقتل ثم يدخل الحرم قال : لا يبيعه أهل مكة ولا يشترون منه ، ولا يسقونه ولا يطعمونه ولا يؤونه ، عد أشياء كثيرة حتى [ ص: 33 ] يخرج من الحرم ، فيؤخذ بذنبه . 7468 - حدثت عن عمار قال : : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن الرجل إذا أصاب حدا ثم دخل الحرم ، أنه لا يطعم ، ولا يسقى ، ولا يؤوى ، ولا يكلم ، ولا ينكح ، ولا يبايع . فإذا خرج منه أقيم عليه الحد . 7469 - حدثني المثنى قال : حدثني حجاج قال : : حدثنا حماد ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس قال : إذا أحدث الرجل حدثا ثم دخل الحرم ، لم يؤو ، ولم يجالس ، ولم يبايع ، ولم يطعم ، ولم يسق ، حتى يخرج من الحرم . 7470 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله . 7471 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما قوله : " ومن دخله كان آمنا " ، فلو أن رجلا قتل رجلا ثم أتى الكعبة فعاذ بها ، ثم لقيه أخو المقتول لم يحل له أبدا أن يقتله . وقال آخرون : معنى ذلك : ومن دخله يكن آمنا من النار . ذكر من قال ذلك : 7472 - حدثنا علي بن مسلم قال : حدثنا أبو عاصم قال : أخبرنا رزيق بن مسلم المخزومي قال : حدثنا زياد بن أبي عياش ، عن يحيى بن جعدة في قوله : " ومن دخله كان آمنا " قال : آمنا من النار . [ ص: 34 ] قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، قول ابن الزبير ومجاهد والحسن ، ومن قال : "معنى ذلك : ومن دخله من غيره ممن لجأ إليه عائذا به ، كان آمنا ما كان فيه ، ولكنه يخرج منه فيقام عليه الحد ، إن كان أصاب ما يستوجبه في غيره ثم لجأ إليه . وإن كان أصابه فيه أقيم عليه فيه " . فتأويل الآية إذا : فيه آيات بينات مقام إبراهيم ، ومن يدخله من الناس مستجيرا به ، يكن آمنا مما استجار منه ما كان فيه ، حتى يخرج منه . فإن قال قائل : وما منعك من إقامة الحد عليه فيه ؟ قيل : لاتفاق جميع السلف على أن من كانت جريرته في غيره ثم عاذ به ، [ ص: 35 ] فإنه لا يؤخذ بجريرته فيه . وإنما اختلفوا في صفة إخراجه منه لأخذه بها . فقال بعضهم : صفة ذلك : منعه المعاني التي يضطر مع منعه وفقده إلى الخروج منه . وقال آخرون : لا صفة لذلك غير إخراجه منه بما أمكن إخراجه من المعاني التي توصل إلى إقامة حد الله معها . فلذلك قلنا : غير جائز إقامة الحد عليه فيه إلا بعد إخراجه منه . فأما من أصاب الحد فيه ، فإنه لا خلاف بين الجميع في أنه يقام عليه فيه الحد . فكلتا المسألتين أصل مجمع على حكمهما على ما وصفنا . فإن قال لنا قائل : وما دلالتك على أن إخراج العائذ بالبيت إذا أتاه مستجيرا به من جريرة جرها . أو من حد أصابه من الحرم ، جائز لإقامة الحد عليه ، وأخذه بالجريرة ، وقد أقررت بأن الله عز وجل قد جعل من دخله آمنا ، ومعنى "الآمن " غير معنى "الخائف " ؟ فبما هما فيه مختلفان ؟ . قيل : قلنا ذلك ، لإجماع الجميع من المتقدمين والمتأخرين من علماء الأمة ، على أن إخراج العائذ به من جريرة أصابها أو فاحشة أتاها وجبت عليه بها عقوبة منه ببعض معاني الإخراج لأخذه بما لزمه ، واجب على إمام المسلمين وأهل الإسلام معه . وإنما اختلفوا في السبب الذي يخرج به منه . فقال بعضهم : السبب الذي يجوز إخراجه به منه : ترك جميع المسلمين مبايعته وإطعامه وسقيه وإيواءه وكلامه ، وما أشبه ذلك من المعاني التي لا قرار للعائذ به [ ص: 36 ] فيه مع بعضها ، فكيف مع جميعها ؟ وقال آخرون منهم : بل إخراجه لإقامة ما لزمه من العقوبة ، واجب بكل معاني الإخراج . فلما كان إجماعا من الجميع على أن حكم الله - فيمن عاذ بالبيت من حد أصابه أو جريرة جرها - إخراجه منه ، لإقامة ما فرض الله على المؤمنين إقامته عليه ، ثم اختلفوا في السبب الذي يجوز إخراجه به منه كان اللازم لهم ولإمامهم إخراجه منه بأي معنى أمكنهم إخراجه منه ، حتى يقيموا عليه الحد الذي لزمه خارجا منه إذا كان لجأ إليه من خارج ، على ما قد بينا قبل . وبعد ، فإن الله عز وجل لم يضع حدا من حدوده عن أحد من خلقه من أجل بقعة وموضع صار إليها من لزمه ذلك ، . وقد تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : 7473 - " إني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة " . ولا خلاف بين جميع الأمة أن عائذا لو عاذ من عقوبة لزمته بحرم النبي صلى الله عليه وسلم ، يؤاخذ بالعقوبة فيه . ولولا ما ذكرت من إجماع السلف على أن حرم إبراهيم لا يقام فيه على من عاذ به من عقوبة لزمته حتى يخرج منه ما لزمه ، لكان أحق البقاع أن تؤدى فيه فرائض الله التي ألزمها عباده من قتل أو غيره ، أعظم البقاع إلى الله ، كحرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولكنا أمرنا بإخراج من أمرنا بإخراجه من حرم الله لإقامة الحد ، لما ذكرنا من فعل الأمة ذلك وراثة . ![]()
__________________
|
#420
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السابع تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (420) صــ 37 إلى صــ 51 [ ص: 37 ] فمعنى الكلام إذ كان الأمر على ما وصفنا : ومن دخله كان آمنا ما كان فيه . فإذ كان ذلك كذلك ، فمن لجأ إليه من عقوبة لزمته عائذا به ، فهو آمن ما كان به حتى يخرج منه ، وإنما يصير إلى الخوف بعد الخروج أو الإخراج منه ، فحينئذ هو غير داخله ولا هو فيه . القول في تأويل قوله تعالى ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : وفرض واجب لله على من استطاع من أهل التكليف السبيل إلى حج بيته الحرام الحج إليه . وقد بينا فيما مضى معنى "الحج" ، ودللنا على صحة ما قلنا من معناه ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . واختلف أهل التأويل في تأويل قوله عز وجل : " من استطاع إليه سبيلا " ، وما السبيل التي يجب مع استطاعتها فرض الحج ؟ فقال بعضهم : هي الزاد والراحلة . ذكر من قال ذلك : 7474 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا محمد بن بكر قال : أخبرنا ابن جريج قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "من استطاع إليه سبيلا " قال : الزاد والراحلة . 7475 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا محمد بن بكر قال : أخبرنا ابن [ ص: 38 ] جريج قال : قال عمرو بن دينار : الزاد والراحلة . 7476 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن أبي جناب ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : " من استطاع إليه سبيلا " ، قال : الزاد والبعير . 7477 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " ، والسبيل أن يصح بدن العبد ، ويكون له ثمن زاد وراحلة من غير أن يجحف به . 7478 - حدثنا خلاد بن أسلم قال : حدثنا النضر بن شميل قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي عبد الله البجلي قال : سألت سعيد بن جبير عن قوله : " من استطاع إليه سبيلا " ، قال قال ابن عباس : من ملك ثلاثمائة درهم فهو السبيل إليه . 7479 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو عاصم ، عن إسحاق بن عثمان قال : سمعت عطاء يقول : السبيل ، الزاد والراحلة . 7480 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما " من استطاع إليه سبيلا " ، فإن ابن عباس قال : السبيل ، راحلة وزاد . 7481 - حدثني المثنى وأحمد بن حازم قالا حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن محمد بن سوقة ، عن سعيد بن جبير : "من استطاع إليه سبيلا " ، قال : الزاد والراحلة . [ ص: 39 ] 7482 - حدثنا أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : أخبرنا الربيع بن صبيح ، عن الحسن ، قال : الزاد والراحلة . 7483 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن الحسن قال : قرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية : " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " ، فقال رجل : يا رسول الله ، ما السبيل ؟ قال : الزاد والراحلة . واعتل قائلو هذه المقالة بأخبار رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ما قالوا في ذلك . ذكر الرواية بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : 7484 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا إبراهيم بن يزيد الخوزي قال : سمعت محمد بن عباد بن جعفر يحدث ، عن ابن عمر قال : قام رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما السبيل ؟ قال : "الزاد والراحلة " . [ ص: 40 ] 7485 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا سفيان ، عن إبراهيم الخوزي ، عن محمد بن عباد ، عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله عز وجل : " من استطاع إليه سبيلا " ، قال : السبيل إلى الحج ، الزاد والراحلة . 7486 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا يونس وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن يونس عن الحسن قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " ، قالوا : يا رسول الله ، ما السبيل ؟ قال . "الزاد والراحلة . [ ص: 41 ] 7487 - حدثنا أبو عثمان المقدمي والمثني بن إبراهيم قالا : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا هلال بن عبد الله مولى ربيعة بن عمرو بن مسلم الباهلي قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن الحارث ، عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا ، وذلك أن الله عز وجل يقول في كتابه : " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " الآية . 7488 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، [ ص: 42 ] عن الحسن قال : بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال له قائل ، أو رجل : يا رسول الله ، ما السبيل إليه ؟ قال : من وجد زادا وراحلة . 7489 - حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال : حدثنا شاذ بن فياض البصري قال : حدثنا هلال أبو هاشم ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن الحارث ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ملك زادا وراحلة فلم يحج مات يهوديا أو نصرانيا . وذلك أن الله يقول في كتابه : " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " الآية . 7490 - حدثني أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة وحميد ، عن الحسن ، أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما السبيل إليه ؟ قال : الزاد والراحلة . 7491 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا [ ص: 43 ] حماد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله . وقال آخرون : السبيل التي إذا استطاعها المرء كان عليه الحج : الطاقة للوصول إليه . قالوا : وذلك قد يكون بالمشي وبالركوب ، وقد يكون مع وجودهما العجز عن الوصول إليه : بامتناع الطريق من العدو الحائل ، وبقلة الماء ، وما أشبه ذلك . قالوا : فلا بيان في ذلك أبين مما بينه الله عز وجل ، بأن يكون مستطيعا إليه السبيل ، وذلك : الوصول إليه بغير مانع ولا حائل بينه وبينه ، وذلك قد يكون بالمشي وحده وإن أعوزه المركب ، وقد يكون بالمركب وغير ذلك . ذكر من قال ذلك : 7492 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان ، عن خالد بن أبي كريمة ، عن رجل ، عن ابن الزبير قوله : " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " قال : على قدر القوة . 7493 - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " من استطاع إليه سبيلا " ، قال : الزاد والراحلة ، فإن كان شابا صحيحا ليس له مال ، فعليه أن يؤاجر نفسه بأكله وغفته حتى يقضي حجته به ، فقال له قائل : كلف الله الناس أن يمشوا إلى البيت ؟ فقال : لو أن لبعضهم ميراثا بمكة ، أكان تاركه ؟ والله لانطلق إليه ولو حبوا!! كذلك يجب عليه الحج . 7494 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا محمد بن بكر قال : أخبرنا ابن [ ص: 44 ] جريج قال : قال عطاء : من وجد شيئا يبلغه ، فقد وجد سبيلا كما قال الله عز وجل : . " من استطاع إليه سبيلا " . 7495 - حدثنا أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا أبو هانئ قال : سئل عامر عن هذه الآية : " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " ؟ قال : السبيل ، ما يسره الله . 7496 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا عباد ، عن الحسن : من وجد شيئا يبلغه فقد استطاع إليه سبيلا . وقال آخرون : السبيل إلى ذلك : الصحة . ذكر من قال ذلك : 7497 - حدثنا محمد بن حميد ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم والمثنى بن إبراهيم قالوا ، حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ قال : حدثنا حيوة بن شريح وابن لهيعة قالا أخبرنا شرحبيل بن شريك المعافري : أنه سمع عكرمة مولى ابن عباس يقول في هذه الآية : " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " ، قال : السبيل الصحة . وقال آخرون بما : - 7498 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله عز وجل : " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " ، قال : من وجد قوة في النفقة والجسد والحملان . قال : وإن كان في جسده ما لا يستطيع [ ص: 45 ] الحج ، فليس عليه الحج ، وإن كان له قوة في مال ، كما إذا كان صحيح الجسد ولا يجد مالا ولا قوة ، يقولون : لا يكلف أن يمشي . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، قول من قال بقول ابن الزبير وعطاء : إن ذلك على قدر الطاقة . لأن "السبيل " في كلام العرب : الطريق ، فمن كان واجدا طريقا إلى الحج لا مانع له منه من زمانة ، أو عجز ، أو عدو ، أو قلة ماء في طريقه ، أو زاد ، أو ضعف عن المشي ، فعليه فرض الحج ، لا يجزيه إلا أداؤه . فإن لم يكن واجدا سبيلا أعني بذلك : فإن لم يكن مطيقا الحج ، بتعذر بعض هذه المعاني التي وصفناها عليه فهو ممن لا يجد إليه طريقا ولا يستطيعه . لأن الاستطاعة إلى ذلك ، هو القدرة عليه . ومن كان عاجزا عنه ببعض الأسباب التي ذكرنا أو بغير ذلك ، فهو غير مطيق ولا مستطيع إليه السبيل . وإنما قلنا : هذه المقالة أولى بالصحة مما خالفها ، لأن الله عز وجل لم يخصص ، إذ ألزم الناس فرض الحج ، بعض مستطيعي السبيل إليه بسقوط فرض ذلك عنه . فذلك على كل مستطيع إليه سبيلا بعموم الآية . فأما الأخبار التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بأنه : " الزاد والراحلة " ، فإنها أخبار في أسانيدها نظر ، لا يجوز الاحتجاج بمثلها في الدين . قال أبو جعفر : واختلف القرأة في قراءة "الحج " . فقرأ ذلك جماعة من قرأة أهل المدينة والعراق بالكسر : ( ولله على الناس حج البيت ) . وقرأ ذلك جماعة أخر منهم بالفتح : ( ولله على الناس حج البيت ) . وهما لغتان معروفتان للعرب ، فالكسر لغة أهل نجد ، والفتح لغة أهل العالية . ولم نر أحدا من أهل العربية ادعى فرقا بينهما في معنى ولا غيره ، غير ما ذكرنا من اختلاف اللغتين; إلا ما : - 7499 - حدثنا به أبو هشام الرفاعي قال : قال حسين الجعفي "الحج " . مفتوح ، اسم ، "والحج " مكسور ، عمل . وهذا قول لم أر أهل المعرفة بلغات العرب ومعاني كلامهم يعرفونه ، بل رأيتهم مجمعين على ما وصفت ، من أنهما لغتان بمعنى واحد . والذي نقول به في قراءة ذلك : أن القراءتين إذ كانتا مستفيضتين في قراءة أهل الإسلام ، ولا اختلاف بينهما في معنى ولا غيره فهما قراءتان قد جاءتا مجيء الحجة ، فبأي القراءتين - أعني : بكسر "الحاء " من "الحج " أو فتحها - قرأ القارئ فمصيب الصواب في قراءته . وأما "من " التي مع قوله : " من استطاع " ، فإنه في موضع خفض على الإبدال من "الناس " . لأن معنى الكلام : ولله على من استطاع من الناس سبيلا إلى حج البيت ، حجه . فلما تقدم ذكر "الناس " قبل "من " ، بين بقوله : " من استطاع إليه سبيلا " ، الذي عليه فرض ذلك منهم . لأن فرض ذلك على بعض الناس دون جميعهم . [ ص: 47 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ( 97 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ومن جحد ما ألزمه الله من فرض حج بيته ، فأنكره وكفر به ، فإن الله غني عنه وعن حجه وعمله ، وعن سائر خلقه من الجن والإنس ، كما : 7500 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، عن الحجاج بن أرطاة ، عن محمد بن أبي المجالد قال : سمعت مقسما ، عن ابن عباس في قوله : " ومن كفر " ، قال : من زعم أنه ليس بفرض عليه . 7501 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا الحجاج ، عن عطاء وجويبر ، عن الضحاك في قوله : " ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " ، قالا : من جحد الحج وكفر به . 7502 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا هشيم ، عن الحجاج بن أرطاة ، عن عطاء قال : من جحد به . 7503 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا عمران القطان ، يقول : من زعم أن الحج ليس عليه . 7504 - حدثنا محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " ، قال : من أنكره ، ولا يرى أن ذلك عليه حقا ، فذلك كفر . 7505 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ومن كفر " ، قال : من كفر بالحج . [ ص: 48 ] 7506 - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال : أخبرنا إسحاق بن يوسف ، عن أبي بشر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " ، قال : من كفر بالحج ، كفر بالله . 7507 - حدثني المثنى قال : حدثنا يعلى بن أسد قال : حدثنا خالد ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن في قول الله عز وجل : " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر " ، قال : من لم يره عليه واجبا . 7508 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ومن كفر " ، قال : بالحج . وقال آخرون : معنى ذلك : "أن لا يكون معتقدا في حجه أن له الأجر عليه ، ولا أن عليه بتركه إثما ولا عقوبة " . ذكر من قال ذلك : 7509 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : أخبرنا ابن جريج قال : حدثني عبد الله بن مسلم ، عن مجاهد في قوله : " ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " ، قال : هو ما إن حج لم يره برا ، وإن قعد لم يره مأثما . 7510 - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال : أخبرنا إسحاق بن يوسف ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : هو ما إن حج لم يره برا ، وإن قعد لم يره مأثما . 7511 - حدثني أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا فطر ، عن أبي داود نفيع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " [ ص: 49 ] فقام رجل من هذيل ، فقال : يا رسول الله ، من تركه كفر ؟ قال : من تركه ولا يخاف عقوبته ، ومن حج ولا يرجو ثوابه ، فهو ذاك . 7512 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " ، يقول : من كفر بالحج ، فلم ير حجه برا ، ولا تركه مأثما . وقال آخرون : معنى ذلك : ومن كفر بالله واليوم الآخر . ذكر من قال ذلك : 7513 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد قال : سألته عن قوله : " ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " ، ما هذا الكفر ؟ قال : من كفر بالله واليوم الآخر . 7514 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : " ومن كفر " ، قال : من كفر بالله واليوم الآخر . 7515 - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " ، قال : لما نزلت آية الحج ، جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الأديان كلهم فقال : يا أيها الناس ، إن الله عز وجل كتب عليكم الحج فحجوا ، فآمنت به ملة [ ص: 50 ] واحدة ، وهي من صدق النبي صلى الله عليه وسلم ، وآمن به ، وكفرت به خمس ملل ، قالوا : لا نؤمن به ، ولا نصلي إليه ، ولا نستقبله . فأنزل الله عز وجل : " ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " . 7516 - حدثني أحمد بن حازم قال : أخبرنا أبو نعيم قال : حدثنا أبو هانئ قال : سئل عامر عن قوله : " ومن كفر " ، قال : من كفر من الخلق ، فإن الله غني عنه . 7517 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا سفيان ، عن إبراهيم ، عن محمد بن عباد ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في قول الله : " ومن كفر " ، قال : من كفر بالله واليوم الآخر . 7518 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن عكرمة مولى ابن عباس في قول الله عز وجل : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا ) [ سورة آل عمران : 85 ] ، فقالت الملل : نحن مسلمون! فأنزل الله عز وجل : " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " ، فحج المؤمنون ، وقعد الكفار . وقال آخرون : معنى ذلك : ومن كفر بهذه الآيات التي في مقام إبراهيم . ذكر من قال ذلك : 7519 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " ، فقرأ : " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا " ، فقرأ حتى بلغ : " من استطاع إليه سبيلا ومن كفر " ، قال : من كفر بهذه الآيات " فإن الله غني عن العالمين " ، ليس كما يقولون : "إذا [ ص: 51 ] لم يحج وكان غنيا وكانت له قوة " ، فقد كفر بها . وقال قوم من المشركين : فإنا نكفر بها ولا نفعل! فقال الله عز وجل : " فإن الله غني عن العالمين " . وقال آخرون بما : - 7520 - حدثني إبراهيم بن عبد الله بن مسلم قال : أخبرنا أبو عمر الضرير قال : حدثنا حماد ، عن حبيب بن أبي بقية ، عن عطاء بن أبي رباح ، في قوله : " ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " ، قال : من كفر بالبيت . وقال آخرون : كفره به : تركه إياه حتى يموت . ذكر من قال ذلك : 7521 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثني أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما " من كفر " ، فمن وجد ما يحج به ثم لا يحج ، فهو كافر . قال أبو جعفر : وأولى التأويلات بالصواب في ذلك قول من قال : "معنى " ومن كفر " ، ومن جحد فرض ذلك وأنكر وجوبه ، فإن الله غني عنه وعن حجه وعن العالمين جميعا " . ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |