|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#371
|
||||
|
||||
![]() «عون الرحمن في تفسير القرآن» الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم تفسير قوله تعالى:﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ....﴾ قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 215]. قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه تشريفٌ وتكريم له صلى الله عليه وسلم، والسائلون هم الصحابة رضي الله عنهم. ﴿ مَاذَا يُنْفِقُونَ ﴾: «ماذا» اسم استفهام، مبني على السكون، في محل نصب، مفعول مقدّم لـ«ينفقون»، أي: يسألونك، أيَّ شيء ينفقون؟ أو «ما» اسم استفهام، في محل رفع مبتدأ، و«ذا» اسم موصول، مبني على السكون، في محل رفع خبر، و«ينفقون» صلته، والعائد محذوف، أي: ما الذي ينفقونه؟ والجملة في محل نصب مفعول ثانٍ لـ«يسألونك»، والمعنى: ماذا ينفقون من أموالهم جنسًا وقدرًا وكيفًا. والإنفاق: إخراج المال وصرفه في سائر وجوه الإنفاق، والمراد به في الشرع: إخراجه في وجوهه المشروعة؛ الواجبة، والمستحبة، والمباحة. ﴿ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾: الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم، و«ما»: شرطية، و«أنفقتم»: فعل الشرط، وقوله: ﴿ فَلِلْوَالِدَيْنِ﴾: جواب الشرط، وقرن بالفاء؛ لأنه جملة اسمية. ﴿ مِنْ خَيْرٍ﴾ «من»: لبيان الجنس، أي: ما أنفقتم من خير، من أيِّ جنس، وأي قدر. والخير: المال. وقد تضمن قوله: ﴿ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ جواب سؤالهم، وزيادة. فقد سألوا ﴿ مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾، فأجيبوا بقوله تعالى: ﴿ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ ﴾ الآية. ففي قوله: ﴿ مِنْ خَيْرٍ ﴾ جواب سؤالهم، وهو أن الإنفاق يكون من أيّ أنواع الخير والمال، من غير تحديد جنس المال؛ ولا قدر المنفق منه، وكيفيته. وفيه إشارة واضحة إلى أن المصلحة عدم تحديد جنس وقدر المنفق تيسيرًا عليهم، ودفعًا للحرج عنهم، ويؤيد هذا قوله تعالى بعد ذلك: ﴿ قُلِ الْعَفْوَ ﴾ [البقرة: 219]. كما أن فيه إشارة إلى أن النفقة تقع موقعها أيًّا كانت جنسًا وقدرًا، وفي الحديث: «أفضلُ الصدقة جهدُ المقل»[1]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سبق درهم مائة ألف درهم»، قالوا: وكيف؟ قال: «كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عرض ماله، فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق بها»[2]. وأما الزيادة في الإجابة على سؤالهم فهي قوله تعالى: ﴿ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾، وهو بيان محل ومصرف النفقة، وقد انصب الجواب على هذا حتى إنه ليبدو أنهم إنما أجيبوا عنه دون المنْفَق. ولعل من الحكمة في هذا - والله أعلم - التنبيه إلى أن معرفة محل النفقة ومصرفها أهم من معرفة المنفَق، وذلك لعِظم حقِّ مَن ذُكروا وفضل النفقة عليهم، من بين سائر وجوه النفقة التي لا تحصى، المشروع منها وغيره، فكأنه قيل لهم: ليس المهم معرفة المنفَق، فهو من الخير والمال أيًّا كان جنسًا وقدرًا، وإنما المهم معرفة المنفَق عليهم، وأن تقع النفقة موقعها، كما قال الشاعر: إن الصنيعة لا تكون صنيعة ![]() حتى يصاب بها طريق المصنع[3] ![]() ![]() ![]() قوله: ﴿ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾؛ أي: فينبغي أن يعطى ما أنفق من خير، ويصرف للوالدين والأقربين، واليتامى والمساكين وابن السبيل. والوالدان هما الأب والأم، والجد والجدة، وإن علوا. ﴿ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ معطوف على «الوالدين» من عطف العام على الخاص؛ لأن الوالدين من الأقربين، وإنما خصهما بالذكر، وقدمهما لفضلهما، وعلو منزلتهما وعظيم حقهما. ﴿ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾: جمع أقرب على وزن «أفعل» فالأولى بالنفقة من الأقارب الأقرب فالأقرب منهم، كما هو الحال في الميراث؛ عن طارق المحاربي رضي الله عنه قال: قدمنا المدينة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس، وهو يقول: «يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك»[4]، وقال صلى الله عليه وسلم في المواريث: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر»[5]. ويدخل في «الأقربين» الأولاد وإن نزلوا، والإخوة والأعمام وبنوهم وإن نزلوا، وغيرهم. والنفقة على الأقارب أفضل من غيرها؛ لأنها كما قال صلى الله عليه وسلم: «صدقة وصلة»[6]. ﴿ وَالْيَتَامَى ﴾ جمع يتيم ويتيمة، وهو من فقد أباه دون البلوغ، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يتم بعد احتلام»[7]، مشتق من اليتم وهو الانفراد، ومنه سميت «الدرة اليتيمة». وخص اليتامى من بين الأطفال؛ لأنهم فقدوا كاسبهم وكافلهم- بعد الله- عز وجل- وهو والدهم، مما يوجب على المسلمين تعويضهم عن فقد أبيهم، والعطف عليهم، ورعايتهم، والإنفاق عليهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرّج بينهما شيئًا»[8]. ﴿ وَالْمَسَاكِينِ ﴾ جمع مسكين، وهو من لا يجد كفايته، أو لا يجد شيئًا، مأخوذ من السكون، وهو عدم الحركة، واللصوق بالأرض، من شدة الحاجة والفقر، كما قال تعالى: ﴿ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾ [البلد: 16]. وسمي مسكينًا؛ لأن الفقر أسكنه وأذله، فإن تكلم لم يُسمع له، وإن سُمع لم يُصدق. والمسكين إذا أفرد شمل الفقير، كما أن الفقير إذا أفرد شمل المسكين، وإذا ذكرا معًا، فالمسكين أحسن حالًا من الفقير، وقيل العكس[9]. ﴿ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ هو المسافر الذي انقطع به السفر، فيُنْفَق ويُتصدق عليه، بل ويعطى من الزكاة الواجبة، ولو كان غنيًّا في بلده، وسُمِّي المسافر: ابن السبيل لملازمته السبيل، أي: الطريق. ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ في هذا ترغيب في فعل الخير عمومًا من الإنفاق وغيره. الواو: عاطفة، و«ما»: شرطية، و«تفعلوا»: فعل الشرط، وجوابه جملة: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾؛ أي: وما تفعلوا من خير أيًّا كان بذلًا أو قولًا أو فعلًا، قليلًا كان أو كثيرًا، صغيرًا كان أو كبيرًا. ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾؛ أي: فإن الله بالذي تفعلونه من الخير ذو علم تام، محيط به، ولن يضيع عنده، بل سيجازيكم عليه أعظم الجزاء، في الدنيا والآخرة، وفي هذا أعظم الوعد لمن فعل الخير، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المزمل: 20]، وقال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 110]، وقال تعالى: ﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج: 77]. وقد أحسن القائل[10]: من يفعل الخير لا يُعدم جوازيه ![]() لا يذهب العرفُ بين الله والناس ![]() ![]() ![]() وقال الآخر[11]: يدُ المعروف غنمٌ حيث كانت ![]() تحملها كفور أم شكور ![]() ففي شكر الشكور لها جزاءٌ ![]() وعند الله ما كفر الكفور ![]() [1] أخرجه أبوداود في الصلاة (1449)، والنسائي في الزكاة (2526)، من حديث عبدالله بن حبشي رضي الله عنه. [2] أخرجه النسائي في الزكاة (2527). [3] البيت ينسب لحسان بن ثابت رضي الله عنه, ولغيره. انظر: «ربيع الأبرار» (5/280). [4] أخرجه النسائي في الزكاة (2532). [5] أخرجه البخاري في الفرائض - ميراث الجد مع الأب والإخوة (6737)، ومسلم في الفرائض- ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر (4141)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. [6] أخرجه النسائي في الزكاة (2582)، والترمذي في الزكاة (658)، وابن ماجه في الزكاة (1699)، من حديث سلمان بن عامر رضي الله عنه ، وقال الترمذي: «حديث حسن». [7] أخرجه أبوداود في الوصايا (2873)، من حديث علي رضي الله عنه. [8] أخرجه البخاري في الطلاق (5304)، وأبو داود في الأدب (5150)، والترمذي في البر والصلة (1918)، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه. [9] انظر تفصيل الكلام في الفرق بين الفقير والمسكين عند تفسير قول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [النساء: 8]. [10] البيت للحطيئة؛ انظر: «ديوانه» (ص51). [11] البيتان لابن عائشة؛ انظر: «المحاسن والأضداد» للجاحظ (ص25)، «الجامع لأحكام القرآن» (5/ 384).
__________________
|
#372
|
||||
|
||||
![]() «عون الرحمن في تفسير القرآن» الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم فوائد وأحكام من قوله تعالى:﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ... ﴾ قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 215]. 1- حرص الصحابة رضي الله عنهم على السؤال عمّا يحتاجون إليه، وينفعهم في أمر دينهم ودنياهم، من النفقة ووجوه صرفها وغير ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ﴾. دون ما لا حاجة لهم به، ولهذا كانت أسئلتهم رضي الله عنهم معدودة محدودة؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «ما رأيت قومًا خيرًا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض، كلهن في القرآن»[1]. 2- توجُّه الصحابة رضي الله عنهم بأسئلتهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه المبلِّغ عن الله عز وجل، وهو أعلم الخلق، وهكذا ينبغي التوجه في السؤال بعده إلى أهل العلم والذكر، كما قال عز وجل: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]. 3- أن من كمال وحسن الإجابة الزيادة في الجواب عن السؤال، إذا كان الأمر يحتاج إلى ذلك، كأن يكون فيه تنبيهٌ لما هو أهم من ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾. 4- الترغيب في الإنفاق من الخير والمال، من أي جنس، وبأي قدر، وعلى أي كيفية؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ ﴾ الآية. 5- التيسير على العباد، ورفع الحرج عنهم في عدم تحديد جنس وقدر المنفَق، وأن المهم معرفة المنفَق عليهم؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾. 6- أن النفقة تقع موقعها من أي جنس كانت من المال، وبأي قدر وعلى أي كيفية؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ ﴾. فلا ينبغي أن يحقر الإنسان شيئًا من ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة»[2]، وقال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا النار ولو بشقِّ تمرة»[3]. 7- أن من أهم وأعظم وجوه الإنفاق النفقة على الوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾. 8- عظم منزلة الوالدين ووجوب الإنفاق عليهما، لهذا خصَّهما بالذكر من بين الأقارب، وقد قال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له: مَن أحق الناس بحُسن الصحبة؟ قال صلى الله عليه وسلم: «أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك»[4]. 9- فضل النفقة على الأقارب، فالنفقة عليهم صدقة وصلة، وأن الأَولى منهم بالنفقة الأقرب فالأقرب؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾. وعن زينب زوجة عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما أنها قالت لبلال: سل النبي صلى الله عليه وسلم: أيجزئ عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري؟ قال: «نعم، لها أجران، أجر القرابة، وأجر الصدقة»[5]. وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «زوجك وولدك أحق مَن تصدَّقت عليهم»[6]. 10- عناية الإسلام باليتامى والمساكين وأبناء السبيل، وحثه على الإنفاق عليهم؛ لضعف اليتامى بفقدهم من يعولهم، ولفقر المساكين وشدة حاجتهم، ولحاجة أبناء السبيل غالبًا في سفرهم إلى المساعدة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾. 11- أن الدين الإسلامي هو دين التكافل الاجتماعي بأسمى معانيه. 12- علم الله- عز وجل- بكل ما يعمله العباد من خير، ووعده - عز وجل - بالمجازاة على ذلك أعظم الجزاء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾. 13- الترغيب في فعل الخير مطلقًا، قولًا وفعلًا وبذلًا، قليلًا كان أو كثيرًا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾. [1] انظر: «الجامع لأحكام القرآن» (6/ 333). [2] أخرجه البخاري في الهبة وفضلها والتحريض عليها (2566)، ومسلم في الزكاة (1030)، والترمذي في الولاء والهبة (2130)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [3] أخرجه البخاري في الزكاة (1417)، ومسلم في الزكاة (1016)، والنسائي في الزكاة (2552)، من حديث عدي ابن حاتم رضي الله عنه. [4] أخرجه مسلم في البر والصلة (2548)، وابن ماجه في الأدب (3658)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [5] أخرجه البخاري في الزكاة (1466)، ومسلم في الزكاة (1000)، والنسائي في الزكاة (2583)، وابن ماجه في الزكاة (1834). [6] أخرجه البخاري في الزكاة (1462).
__________________
|
#373
|
||||
|
||||
![]() «عون الرحمن في تفسير القرآن» الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم تفسير قوله تعالى:﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ... ﴾ قال الله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]. قوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ﴾؛ أي: فرض وأوجب عليكم أيها المؤمنون القتال في سبيل الله؛ لإعلاء كلمة الله، ونشر دينه، والدفاع عن حوزة الإسلام، وعن حرمات المسلمين، وهو فرض كفاية، وقد يتعين في بعض الأحوال. وبني الفعل «كتب» لما لم يسم فاعله؛ لأن الذي كتب ذلك وأوجبه وفرضه معلوم، وهو الله عز وجل. قال صلى الله عليه وسلم: «من مات، ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق»[1]. وقال صلى الله عليه وسلم: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا»[2]. ﴿ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ﴾ الواو: للحال، والجملة في محل نصب على الحال، أي: ﴿ وَهُوَ﴾ أي: القتال ﴿ كُرْهٌ لَكُمْ ﴾ «كُرْه» مصدر بمعنى اسم المفعول، أي: وهو مكروه لكم، تكرهه النفوس البشرية من حيث طبيعتها، لما فيه من التعرض للقتل، ومجالدة الأعداء، والمشقة والنصب، والجراح، وبذل المال، وغير ذلك. والنفوس- بطبيعتها البشرية- قد تكره ما هو دون القتال من التكاليف، وفي الحديث: «حفت الجنة بالمكاره»[3]. لكن المؤمن لا يكره ما أوجبه الله وأمر به، من القتال وغيره، بل يحبه- لما فيه من مرضاة الله، وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة- حتى وإن كرهته النفس بطبعها- قال تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾ [الحجرات: 7]. والمؤمن في هذا، في جهاد مع نفسه، وهواه وشيطانه، قبل جهاد الكفار. وقد قيل: ![]() وارى الهوى تدعو إليه خواطري ![]() في ظلمة الشبهات والآراء ![]() وزخارف الدنيا تقول أما ترى ![]() حسني وفخر ملابسي وبهائي[4] ![]() وقال ابن دريد[5]: وآفة العقل الهوى فمن علا ![]() على هواه عقله فقد نجا ![]() ![]() ![]() ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾. «عسى» للترجي في المحبوب، والإشفاق من المكروه، أي: الطمع في حصول المطلوب والسلامة من المرهوب أو زواله- مع كون ذلك ممكنًا. قال الشاعر: عسى وعسى من قبل يوم التفرق ![]() بما نرتجي يومًا من الخير نلتقي[6] ![]() ![]() ![]() وقال الآخر: عسى الكرب الذي أمسيت فيه ![]() يكون وراءه فرج قريب[7] ![]() ![]() ![]() وقال الآخر: عسى فرج يأتي به الله إنه ![]() له كل يوم في خليقته أمر[8] ![]() ![]() ![]() كما تأتي «عسى» للتوقع، وهو المراد- والله أعلم- في قوله تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا ﴾ الآية. والترجي والإشفاق والتوقع إنما هو بالنسبة للمخلوق، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: «عسى من الله واجبة»[9]. وقوله: ﴿ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ﴾، هذا عام في الأشياء كلها من أمور الدين والدنيا، فقد يكره المرء الشيء كالقتال أو غيره، وهو خير له؛ لما يعقبه من العز والنصر والتمكين للمسلمين في الدنيا، ودخول الجنة في الآخرة، كما قال تعالى: ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]. وقد يحب المرء الشيء، كالقعود عن القتال، وهو شر له؛ لما يعقبه من ضعف المسلمين، وتسلط الأعداء عليهم، ومن التعرض لعذاب الله الذي توعد به القاعدين عن القتال، كما قال تعالى: ﴿ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التوبة: 39]. وقال تعالى: ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [التوبة: 81، 82]. والخير كل الخير في محبة أوامر الله- عز وجل- وامتثالها من القتال في سبيل الله وغير ذلك، وكراهية ما نهى الله عنه واجتنابه، والتسليم لأمره، والخيرة فيما يختاره الله للعبد، مما يوجب التسليم لأمره وقد أحسن القائل: رب أمر تتقيه ![]() جرَّ أمرًا ترتضيه ![]() خفي المحبوب منه ![]() وبدا المكروه فيه[10] ![]() ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ هذه الجملة كالتعليل لما قبلها، وحذف مفعول «يعلم» ليعم كل شيء، أي: والله يعلم كل شيء سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: ﴿ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [طه: 98]، وقال تعالى: ﴿ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الأنعام: 80]، ومن ذلك ما هو خير لكم، وما هو شر لكم، وما يصلح العباد في دينهم ودنياهم وأخراهم من الأحكام الشرعية والكونية والجزائية وغير ذلك. ﴿ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ الواو: عاطفة، أي: وأنتم لا تعلمون ما هو خير لكم، وما هو شر لكم، فقد تكرهون ما هو خير لكم، وقد تحبون ما هو شر لكم بسبب عدم علمكم. والأصل في الإنسان الجهل وعدم العلم إلا ما علمه الله- عز وجل- كما قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، وقال تعالى: ﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 5]، وقال تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ﴾ [النساء: 113]. فهو عز وجل عندما فرض القتال وأوجبه يعلم أن ذلك خير للعباد في دينهم ودنياهم وأخراهم، وهم قد يكرهون ذلك؛ لأنهم لا يعلمون وجه المصلحة في ذلك، مما يوجب التسليم لله في ذلك كله، والاستجابة له، والانقياد لأمره. وفي هذا حض على القتال في سبيل الله، وترغيب فيه، كما أن فيه ما يسلي المؤمن ويطمئنه، فلا يكره شيئًا مما قضاه الله، شرعًا أو قدرًا، ويصبر على ما ناله في ذات الله، ولا يأسى على ما فاته من محبوبات الدنيا، أو يُلحف في طلبه، أو يفرح بحصوله، فرح بطر واختيال، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التغابن: 11] وقال تعالى: ﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 23]. قال ابن القيم[11]: «في هذه الآية عدة حكم وأسرار، ومصالح للعبد، فإن العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب، والمحبوب قد يأتي بالمكروه، لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة؛ لعدم علمه بالعواقب، فإن الله يعلم منها ما لا يعلمه العبد- أوجب له ذلك أمورًا: منها: أنه لا أنفع له من امتثال أمر ربه، وإن شق عليه في الابتداء؛ لأن عواقبه كلها خيرات ومسرات، ولذات وأفراح، وإن كرهته نفسه، فهو خير لها وأنفع، وكذلك لا شيء أضر عليه من ارتكاب المنهي، وإن هويته نفسه، ومالت إليه، وأن عواقبه كلها آلام وأحزان، وشرور ومصائب، وخاصية العاقل تحمّل الألم اليسير، لما يعقبه من اللذة العظيمة، والخير الكثير، واجتناب اللذة اليسيرة، لما يعقبها من الألم العظيم، والشر الطويل. فنظر الجاهل لا يجاوز المبادئ إلى غايتها، والعاقل الكيس دائمًا ينظر إلى الغايات، من وراء ستور مباديها؛ فيرى ما وراء تلك الستور، من الغايات المحمودة والمذمومة، فيرى المناهي، كطعام لذيذ، قد خلط فيه سم قاتل، فكلما دعته لذته إلى تناوله، نهاه عنه ما فيه من السم، ويرى الأوامر كدواء مر المذاق، مفض إلى العافية والشفاء، وكلما نهاه مرارة مذاقه عن تناوله، أمره نفعه بالتناول. ولكن هذا يحتاج إلى فضل علم، تدرك به الغايات من مبادئها، وقوة صبر يوطن به نفسه على تحمّل مشقة الطريق، لما يؤمل عند الغاية، فإذا فقد اليقين والصبر، تعذر عليه ذلك، وإذا قوي يقينه وصبره، هان عليه كل مشقة، يتحملها في طلب الخير الدائم، واللذة الدائمة. ومن أسرار هذه الآية: أنها تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب الأمور، والرضا بما يختاره له، ويقتضيه له لما يرجو من حسن العاقبة. ومنها: أنه لا يقترح على ربه، ولا يختار عليه، ولا يسأله ما ليس له به علم، فلعل مضرته وهلاكه فيه، وهو لا يعلم، فلا يختار على ربه شيئًا، بل يسأله حسن الاختيار له، وأن يرضيه بما يختاره، فلا أنفع له من ذلك. ومنها: أنه إذا فوض إلى ربه، ورضي بما يختاره له، أمره فيما يختاره له بالقوة عليه، والعزيمة والصبر، وصرف عنه الآفات، التي هي عرضة اختيار العبد لنفسه، وأراه من حسن عواقب اختياره ما لم يكن ليصل إلى بعضه، بما يختاره هو لنفسه. ومنها: أن يريحه من الأفكار المتعبة، من أنواع الاختيارات، ويفرغ قلبه من التقديرات والتدبيرات، التي يصعد منها في عقبة، وينزل في أخرى، ومع هذا فلا خروج له عما قدر عليه، فلو رضي باختيار الله، أصابه القدر، وهو محمود مشكور، ملطوف به فيه، وإلا جرى عليه القدر، وهو مذموم عنده، غير ملطوف به فيه، مع اختياره لنفسه. ومتى صح تفويضه ورضاه، اكتنفه في المقدور العطف عليه، واللطف به، فيصير بين عطفه ولطفه، فعطفه يقيه ما يحذره، ولطفه يهون عليه ما قدره. إذا نفذ القدر في العبد كان من أعظم أسباب نفوذه: تحيله في رده، فلا أنفع له من الاستسلام، وإلقاء نفسه بين يدي القدر طريحًا كالميت، فإن السبع لا يرضى أن يأكل الجيف». وقال أيضًا: «فهذه الآية تضمنت الحض على التزام أمر الله، وإن شق على النفوس، وعلى الرضا بقضائه وإن كرهته النفوس»[12]. [1] أخرجه مسلم في الإمارة (1910)، وأبو داود في الجهاد (3097)، والنسائي في الجهاد (2502)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [2] أخرجه البخاري في الحج (1834)، ومسلم في الحج (1353)، وأبو داود في الجهاد (2480)، والنسائي في مناسك الحج (2875)، والترمذي في السير (1590)، وابن ماجه في الجهاد (2773)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. [3] أخرجه مسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2823)، والترمذي في صفة الجنة (2559)، من حديث أنس رضي الله عنه. [4] الأبيات مجهولة النسبة. انظر: «كشف الخفاء» للعجلوني (1/ 40)، و«مجاني الأدب» (3/ 188). [5] انظر: «العقد الفريد» (2/ 113). [6] البيت لمحمد بن إسماعيل، كما في حاشية «شذرات الذهب» ص(351)، وهو بلا نسبة في «الدرر» (2/ 157). [7] البيت لهدبة بن خشرم وهو في «ديوانه» ص(54). [8] البيت لمحمد بن إسماعيل. انظر: «الصاحبي في فقه اللغة» (ص157). [9] أخرجه البيهقي في سننه ـ فيما ذكره الزركشي في «البرهان» (4/ 288)، وانظر: «السنن الكبرى» (9/ 13)، «معاني القرآن وإعرابه» للزجاج (2/ 103). [10] البيتان لابن المعتز؛ انظر: «ديوانه» (ص749). [11] انظر: «بدائع التفسير» (1/ 391- 392). [12] انظر: «بدائع التفسير» (1/ 392- 393.
__________________
|
#374
|
||||
|
||||
![]() «عون الرحمن في تفسير القرآن» الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم فوائد وأحكام من قوله تعالى:﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ... ﴾ 1- وجوب القتال في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله - عز وجل - مع ولاة أمور المسلمين، عند القدرة عليه؛ لقوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ﴾. وهو فرض على الكفاية، ويتعين في بعض الأحوال، كما إذا كان في الصف، أو استنفره الإمام، أو داهم العدو بلاد الإسلام، ونحو ذلك. وكان صلى الله عليه وسلم يبايع من دخل في الإسلام، على الإسلام والجهاد، كما في حديث مجاشع رضي الله عنه قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وأخي، فقلت: بايعنا على الهجرة. قال: مضت الهجرة لأهلها. قلت: علامَ تبايعنا؟ قال: على الإسلام والجهاد»[1]. وقال صلى الله عليه وسلم: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا»[2]. 2- أن النفوس البشرية طبعت على كراهة ما يشق عليها، ومن ذلك القتال، لما فيه من التعرض لإزهاق الأرواح، والجراح، وبذل الأموال، والنصب والتعب؛ لقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ﴾. لكن المؤمن لا يكره شيئًا مما أوجبه الله، وأمر به، من القتال وغيره، بل يحبه، لما فيه من مرضاة الله - عز وجل - وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة - وإن كرهته النفس بطبعها - وهو في ذلك في جهاد مع نفسه وهواه وشيطانه. 3- أن الإنسان قد يكره الشيء، وهو خير له، وقد يحب الشيء، وهو شر له؛ لأن ذلك من الغيب، الذي استأثر الله بعلمه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ ﴾. 4- أن الخِيرة والخير كل الخير فيما يختاره الله للعبد، وفي امتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والتسليم لقضائه وقدره، وأن الشرور كلها في مخالفة أمر الله - عز وجل - والاعتراض على قضائه وقدره. 5- أن القتال في سبيل الله خير للأمة، في الحال والمآل، وأن ترك ذلك شر لها، في الحال والمآل. لما في القتال في سبيل الله من قوة للمسلمين وظهور الإسلام ونشره، والفوز برضوان الله وجنته، ولما في تركه من ضعف للمسلمين وظهور أعدائهم عليهم، وانطماس معالم الدين، والتعرض لسخط الله وعقابه. 6- علم الله - عز وجل - المحيط بكل شيء، والواسع لكل شيء، لهذا فرض القتال في سبيله، وأوجبه، لعلمه - عز وجل - بما فيه من الخير للأمة في دينها ودنياها وأخراها، وحذر ونهى عن تركه، لعلمه - عز وجل - بما في تركه من الشر على الأمة في دينها ودنياها وأخراها، لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ﴾. 7- قصور علم الخلق، فهم لا يعلمون ما هو خير لهم، ولا ما هو شر لهم، لهذا كان لزامًا عليهم الاهتداء بهدى الله، والاستنارة بوحيه، واتباع أمره، واجتناب نهيه، والرضا والتسليم لقضائه وقدره؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾. [1] أخرجه البخاري في الجهاد والسير (2963)، ومسلم في الإمارة (1863). [2] أخرجه البخاري في الجهاد والسير (2783)، ومسلم في الحج (1353)، وأبو داود في الجهاد (2480)، والنسائي في البيعة (4170)، والترمذي في السير (1590)، وابن ماجه في الجهاد (2773)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
__________________
|
#375
|
||||
|
||||
![]() «عون الرحمن في تفسير القرآن» الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم تفسير قوله تعالى:﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ... ﴾ قال الله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 217، 218]. قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾. لما ذكر الله تعالى فرض القتال ووجوبه على الأمة، وذلك مطلق يشمل جميع الأوقات، استثنى من ذلك الأشهر الحرم، فلا يجوز القتال فيها. ســبب النــزول: عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رهطًا، وبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح، أو عبيدة بن الحارث، فلما ذهب ينطلق، بكى صبابة[1] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس، فبعث عليهم مكانه عبدالله بن جحش، وكتب له كتابًا، وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا[2]، وقال: «لا تكرهن أحدًا على السير معك من أصحابك» فلما قرأ الكتاب استرجع، وقال: سمعًا وطاعة لله ولرسوله، فخبرهم الخبر، وقرأ عليهم الكتاب، فرجع رجلان[3]، ومضى بقيتهم، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب، أو من جمادى. فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشهر الحرام. فأنزل الله: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ﴾[4]. وهكذا رُويَ عن جمع من المفسرين؛ منهم ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما، وعروة بن الزبير وغيرهم، أنها نزلت في سرية عبدالله بن جحش رضي الله عنه حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه لترصد قريش، بنخلة، بين مكة والطائف، فمرت بهم عير لقريش، فيهم عمرو بن الحضرمي، وعثمان بن عبدالله بن المغيرة، وأخوه نوفل ابن عبدالله المخزوميان، والحكم بن كيسان، فأغاروا عليهم، فقتلوا عمرو بن الحضرمي، وأسروا عثمان والحكم بن كيسان[5]، وأفلت نوفل فهرب، وذلك في آخر يوم من رجب. فقالت قريش: استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدم، وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرجال، فأنزل الله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ ﴾ الآية[6]. قوله: ﴿ يَسْأَلُونَكَ ﴾ أي: يسألك أصحابك يا محمد، ويقوي هذا قوله بعد ذلك: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ الآية. وقيل: يسألك المشركون، وقد يقوي هذا قوله: ﴿ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ ﴾، ويحتمل كون السؤال من الفريقين. ﴿ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ﴾ «أل» في ﴿ الشَّهْرِ ﴾ للجنس، أي: عن جنس الشهر الحرام، أي: عن الأشهر الحرم، وهي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، ورجب، التي حرم الله- عز وجل- فيها الظلم والاعتداء، وعظم فيها الحرمات، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 36]. وقال صلى الله عليه وسلم: «السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر، الذي بين جمادى وشعبان»[7]. ﴿ قِتَالٍ فِيهِ ﴾ «قتال» بدل اشتمال من ﴿ الشَّهْرِ ﴾، والضمير في قوله: «فيه» يعود إلى الشهر الحرام- جنس الأشهر الحرم، أي: هل يجوز القتال فيه، أي: يسألونك عن حكم القتال في الشهر الحرام. وإنما قدم السؤال عن الشهر الحرام، فقال: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ﴾ مع أن السؤال عن حكم القتال في الشهر الحرام؛ لأنهم إنما سألوا عن حكم القتال في الشهر الحرام، من أجل حرمة الشهر، بعد أن وقع منهم القتال فيه، وشنع عليهم بسبب ذلك المشركون. ﴿ قل ﴾ أي: قل لهم يا محمد: ﴿ قِتَالٌ فِيهِ ﴾ أي: في الشهر الحرام. ﴿ كبير ﴾؛ أي: عظيم وكبيرة من كبائر الذنوب، لا يجوز إلا على سبيل المدافعة، وأعاد «قتال» بلفظ الظاهر دون أن يقول «قل هو كبير»؛ لتعظيم ذلك، ولئلا يُتوهم- والله أعلم- اختصاص الحكم بذلك القتال المسؤول عنه- علمًا أنه عام في كل قتال وقع في شهر حرام[8]. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ ﴾ [المائدة: 2]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36]، وقال تعالى: ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾ [التوبة: 5]. ﴿ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ الواو: استئنافية، و«صد» مبتدأ، وهو يحتمل أن يكون مصدرًا من الفعل اللازم، ومن المتعدي: أي: وصدهم بأنفسهم وللناس عن سبيل الله. و«سبيل الله» دينه وصراطه المستقيم. وذلك يشمل الصد عن الإيمان كلية، وعن فعل بعض ما يقتضيه الإيمان من الواجبات والمندوبات، أو حمل الناس على فعل المحرمات والمنهيات، فكل هذا من الصد عن سبيل الله- مع التفاوت في حرمة ذلك. ﴿ وَكُفْرٌ بِهِ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ والضمير في قوله: «به» يعود إلى الله، أي: وكفر بالله عز وجل. ﴿ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ معطوف على الضمير في قوله: «وكفر به» أي: وكفر بالمسجد الحرام، بانتهاك حرمته وعدم احترامه وتعظيمه. ويحتمل عطفه على ﴿ سبيل الله ﴾- وهو أظهر- أي: وصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام، كما قال تعالى: ﴿ هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ﴾ [الفتح: 25]. ﴿ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾، والضمير في قوله: «منه» يعود إلى المسجد الحرام، أي: وإخراج أهل المسجد الحرام - وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمؤمنون - منه، وذلك بأذيتهم والتضييق عليهم، واضطرارهم إلى الخروج من مكة إلى المدينة، قال صلى الله عليه وسلم وقد وقف بالحزْوَرَة[9]: «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت»[10]. ﴿ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ هذا هو خبر المبتدأ في قوله: ﴿ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ وما عطف عليه. أي: إن صدكم بأنفسكم وللناس عن دين الله وصراطه المستقيم، وكفركم بالله، والمسجد الحرام، وصد الناس عنه، وإخراج أهله منه ﴿ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ أي: أعظم إثمًا وجرمًا عند الله- عز وجل- من القتال في الشهر الحرام. قال ابن هشام[11] بعدما ذكر الروايات في سرية عبدالله بن جحش رضي الله عنه: «وهي أول غنيمة غنمها المسلمون، وعمرو بن الحضرمي أول من قتل المسلمون، وعثمان بن عبدالله والحكم بن كيسان أول من أسر المسلمون». قال ابن هشام: وفي هذا قال عبدالله بن جحش رضي الله عنه: تعدُون قتلًا في الحرام عظيمة ![]() وأعظم منه لو يرى الرشد ر أشد ![]() صدودُكم عما يقول محمد ![]() وكفر به والله راء وشاهد ![]() وإخراجكم من مسجد الله أهله ![]() لئلا يُرى لله في البيت ساجد ![]() فإنا وإن عيرتمونا بقتله ![]() وأرجف بالإسلام باغ وحاسد ![]() سقينا من ابن الحضرمي رماحنا ![]() بنخلة لما أوقد الحرب واقد ![]() دمًا، وابن عبدالله عثمان بيننا ![]() ينازعه غُلُّ من القدِّ عاندُ ![]() ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ أي: الفتنة في الدين بالشرك، وصد الناس عن دين الله، وإكراههم على الشرك بالله، وقتالهم على ذلك، كما قال تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 193]؛ أي: حتى لا يكون شرك وصد للناس عن دين الله. وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 23]؛ أي: ثم لم تكن نهاية وعاقبة شركهم، إلا أن تبرؤوا من الشرك، وأنكروه، وهيهات. ومنه قوله تعالى: ﴿ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ﴾ [الذاريات: 14]؛ أي: ذوقوا نهاية وعاقبة شرككم، وقوله تعالى: ﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ [النجم: 10]؛ أي: عذبوهم بالنار؛ ليردوهم عن دينهم إلى الشرك. والمعنى: أن الفتنة في الدين بالكفر والشرك، والصد عن دين الله، أعظم وأشد من القتل؛ لأن غاية القتل أن يموت الإنسان، فيخسر الحياة الدنيا، أما الشرك والصد عن دين الله ففيه خسارة الدارين؛ الدنيا والآخرة، وتلك الخسارة العظمى، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الزمر: 15]. ولهذا توعد الله- عز وجل- الذين يفتنون الناس، ويصدونهم عن دينهم بعذاب جهنم، وعذاب الحريق- كما في سورة البروج. ونهى صلى الله عليه وسلم عن التعرض للفتن- لما فيها من الخطر على الدين، فأمر من سمع بالدجال أن ينأى عنه، فقال صلى الله عليه وسلم: «من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه- وهو يحسب أنه مؤمن- فيتبعه مما يبعث به من الشبهات، أو لما يبعث به من الشبهات»[12]. وإن من المحزن والمؤسف- حقًّا- أن يعرِّض كثير من المسلمين أنفسهم وأهليهم وأولادهم للفتن، بمشاهدة وسماع ما يبث في الفضائيات وشبكة الإنترنت وغيرها من الوسائل، مما يفسد العقائد، ويهدم الأخلاق، ويبيحون لأنفسهم الخلوة بالأجنبيات، من الخادمات وغيرهن، والذهاب إلى بلاد الكفار- غير مبالين بما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة، وقد كان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقول: «كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، فقال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تَعَضَّ بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك»[13]. وقال صلى الله عليه وسلم: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء...» [14]. وقال صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا»[15]. قوله: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ أي: ولا يزال هؤلاء الكفار يقاتلونكم؛ لشدة عداوتهم لكم ودوامها. ﴿ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ ﴾ «حتى» للتعليل: أي: ولا يزالون يقاتلونكم كي يرجعوكم عن دينكم. ﴿ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ استبعاد لاستطاعتهم، أي: ولن يستطيعوا ذلك، كما قال تعالى متحديًا الجن والإنس: ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴾ [الرحمن: 33]. وفي الآية دلالة على شدة عداوة الكافرين للمؤمنين ولدينهم، وحرصهم على ردهم عن دينهم واستمرارهم على ذلك مما يوجب الحذر منهم، وعدم الاطمئنان لهم، حتى وإن زعموا خلاف ذلك. كما أن فيها بشارة للأمة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم مَن خذلهم حتى يأتي أمر الله، وهم كذلك»[16]. وما نال الأعداء من المسلمين ما نالوا إلا لما بَعُدَ كثير من المسلمين عن دينهم، وغزاهم أعداء الإسلام في أفكارهم وأخلاقهم، وأصبح كثير من المنتسبين إلى الإسلام أداة طيِّعة تنفِّذ مخططات أعداء الإسلام، في بلاد المسلمين، مصداق قوله صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة رضي الله عنه: «دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها» قال حذيفة: قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: «هم من جلدتنا ويتكلمون بلغتنا»[17]. وفي حديث ثوبان رضي الله عنه: «أنه صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن لا يهلك أمته بسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وألا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم، فيستبيح بَيْضَتَهُمْ، إلا أن يكون بعضهم يُهْلِك بعضًا، ويَسْبِي بعضهم بعضًا»[18]. ﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ﴾ الواو: استئنافية، و«من»: شرطية، و«يرتدد»: فعل الشرط، أي: ومن يرجع منكم عن الإسلام إلى الكفر. ﴿ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ﴾ الفاء: عاطفة، والواو حالية، فالجملة في محل نصب على الحال، أي: فيمتْ حال كونه كافرًا، سواء قتل بعد استتابته، أو مات من غير قتل. ﴿ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾: جواب الشرط في قوله: ﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ ﴾ واقترن بالفاء؛ لأنه جملة اسمية. والإشارة في قوله: «أولئك» في الموضعين للذين ارتدوا عن دينهم، وجاءت بصيغة الجمع مراعاة لمعنى «من»، وجاءت بإشارة البعيد تحقيرًا لهم. ﴿ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾؛ أي: بطلت أعمالهم واضمحلّت، وذهبت هباءً منثورًا. والمعنى: فأولئك المرتدون عن دينهم، الراجعون عنه بطلت أعمالهم، فلا يثابون عليها، لا في الدنيا، ولا في الآخرة، سواء منها ما كان صالحًا، وما كان طالحًا غير صالح، كما قال تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23]، وذلك لفقدان شرطها، وهو الإيمان. وفي هذا دلالة على أن المرتد يعامل في الأحكام الشرعية في الدنيا معاملة الكافر، ودلَّت الآية بمفهومها على أن المرتد إذا عاد إلى الإسلام لم يحبط ما عمله من أعمال صالحة قبل ردته. ﴿ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾ من عطف المسبب على السبب؛ لأن حبوط الأعمال سبب لمصاحبة النار والخلود فيها. ومعنى ﴿ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾؛ أي: أهلها وملازموها، كما يلازم الصاحب صاحبه، والغريم غريمه. وأكد هذا بقوله بعده: ﴿ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾؛ أي: هم فيها مقيمون إقامة أبدية لا تحول ولا تزول؛ لأن النار- على الصحيح- لا تفنى، ولا يفنى عذابها، ولا يموت أهلها. قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾. هذه الآية كقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الأنفال: 74]. وكقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [التوبة: 20]. وعن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: «لما كان من أمر عبدالله بن جحش وأصحابه، وأمر ابن الحضرمي ما كان، قال بعض المسلمين: إن لم يكونوا أصابوا في سفرهم - وزرًا، فليس لهم فيه أجر، فأنزل الله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾[19]. وعن عروة بن الزبير: «أنه لما نزل قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ﴾ الآية، طمع عبدالله بن جحش وأصحابه رضي الله عنهم في الأجر، فقالوا: يا رسول الله، أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين؟ فأنزل الله- عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ قال: فوضعهم الله من ذلك على أعظم الرجاء»[20]. قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ أي: صدقوا بقلوبهم وألسنتهم، وانقادوا بجوارحهم، أي: آمنوا ظاهرًا وباطنًا. ﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا ﴾ أي: والذين هاجروا من مكة قبل أن تكون دار إسلام- إلى المدينة فرارًا بدينهم، إلى الله ورسوله، كما قال صلى الله عليه وسلم: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه»[21]. والهجرة لغة: الترك. قال صلى الله عليه وسلم: «والمهاجر من هجر مانهىٰ الله عنه»[22]. أي: تركه. وشرعًا: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام. وهي واجبة، إذا كان المسلم لا يستطيع إظهار شعائر دينه في بلاد الشرك. وسموا مهاجرين؛ لأنهم هجروا أوطانهم وديارهم وتركوها. وهجروا ما نهى الله عنه. وقد فتح الله مكة للمسلمين، فصارت دار إسلام، لا هجرة منها، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية»[23]؛ أي: لا هجرة من مكة بعد فتحها وكونها دار إسلام، وإلا فالهجرة باقية إلى طلوع الشمس من مغربها، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها»[24]. ﴿ وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ الجهاد والمجاهدة: بذل الجهد، والجهد: هو الطاقة والوسع في أي أمر، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ ﴾ [التوبة: 79]؛ أي: إلا طاقتهم، وهو ما لم يتجاوزه التكليف، كما قال تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]. ومعنى قوله: ﴿ وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾؛ أي: بذلوا جهدهم وطاقتهم، بأموالهم وأنفسهم في قتال الكفار، لإعلاء كلمة الله- عز وجل- قال صلى الله عليه وسلم: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»[25]. وقد يحمل الجهاد في سبيل الله على ما هو أعم من ذلك، من بذل الجهد بالحجة واللسان والسنان والبنان، لإعلاء كلمة الله تعالى، وبالجوارح بفعل الطاعات، واجتناب المعاصي، فيشمل جهاد الكفار وجهاد النفس وجهاد الشيطان والهوى. ﴿ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ﴾ هذه الجملة خبر «إن» في قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ والإشارة للذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله، وأشار إليهم بإشارة البعيد تعظيمًا لهم، ورفعة لشأنهم، وتنويهًا بما أُعد لهم. ﴿ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ﴾ أي: يأملون ويطمعون أن يرحمهم الله ذو الرحمة الواسعة، برحمته الخاصة، التي بها يرحم من اصطفاه من عباده في دينهم ودنياهم وأخراهم، ويدخلهم بها جنته التي هي من رحمته- عز وجل- قال تعالى: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56]. فجمعوا بين فعل السبب بحسن العمل، بالإيمان والهجرة والجهاد في سبيل الله، وبين حسن الظن بالله- عز وجل- ورجائه، وحق لهم ذلك، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ 29 لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29، 30]. وقال صلى الله عليه وسلم: «لن يدخل أحدًا منكم عمله الجنة»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل»[26]. بخلاف من يرجو الرحمة بغير عمل، فهو كما قال الشاعر: ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ![]() إن السفينة لا تجري على اليبس[27] ![]() ![]() ![]() ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ أي: إنه- عز وجل- ذو المغفرة التامة لجميع ذنوب عباده إذا تابوا منها، كما قال عز وجل: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53] وقال تعالى: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الرعد: 6]، وقال تعالى: ﴿ مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [فصلت: 43]. والمغفرة: هي ستر الذنب عن الخلق والتجاوز عن العقوبة عليه. ومنه سُمِّي المغفر، وهو البيضة التي توضع على الرأس، تستره وتقيه السهام. وناسَب ذكر المغفرة هنا؛ لأن العبد لا يخلو من نقص، ولا يسلم من التقصير مهما اجتهد. ﴿ رَحِيمٌ ﴾ أي: ذو رحمة واسعة، وسعت كل شيء، وعمت كل حي، كما قال عز وجل: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ﴾ [الأنعام: 133]، وقال تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَة ﴾ [الكهف: 58]، وقال عز وجل: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156]. رحمة ذاتية ثابتة له- عز وجل- ورحمة فعلية يوصلها من شاء من عباده، كما قال- عز وجل: ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ﴾ [العنكبوت: 21]، رحمة عامة لجميع خلقه، ورحمة خاصة بالمؤمنين، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 143]، وقال تعالى: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43]. وقدّم المغفرة على الرحمة - وإن كانت الرحمة سبب المغفرة؛ لأن بالمغفرة زوال المرهوب، وبالرحمة حصول المطلوب، والتخلية قبل التحلية. و«الغفور» و«الرحيم» من أسمائه- عز وجل- كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس: 107]. [1] أي: شوقًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. [2] جاء في بعض الروايات: «حتى ينزل بطن «ملل» موضع بين مكة والمدينة على بعد سبعة عشر ميلًا من المدينة. وجاء فيها أيضًا: أنه كتب فيه: «أن سر حتى تبلغ بطن نخلة بين مكة والطائف فترصد قريشًا». [3] جاء في الروايات الأخرى أن سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان رضي الله عنهما كان معهما بعير يتعاقبان عليه فأضلاه، فتخلفا في طلبه. [4] أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (2/ 384)، وانظر: «الجامع لأحكام القرآن» (3/ 40- 42). [5] وفاداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول الآية، أما الحكم بن كيسان فأسلم، وحسن إسلامه، وقتل يوم بئر معونة شهيدًا، وأما عثمان بن عبدالله فلحق بمكة، ومات بها كافرًا. [6] انظر: «جامع البيان» (3/ 650- 660)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (2/ 384- 386)، و«أسباب النزول» للواحدي، (ص41)، و«السيرة النبوية» لابن هشام (1/ 601- 605)، و«دلائل النبوة» للبيهقي (3/ 18، 19)، و«تفسير ابن كثير» (1/ 368- 372). [7] أخرجه البخاري في بدء الخلق (3197)، ومسلم في القسامة (1679)، وأبو داود في المناسك (1947)، وابن ماجه في المقدمة (233)، وأحمد (5/ 37)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه. [8] انظر: «بدائع التفسير» (1/ 395). [9] «الحزْوَرَة» على وزن «قسورة» موضع بمكة عند باب الحناطين. انظر: «النهاية» مادة «حزر». [10] أخرجه الترمذي في المناقب (3925)، وابن ماجه في المناسك (3108)، وأحمد (4/ 305)، وقال الترمذي: «حسن غريب صحيح». [11] انظر: «السيرة النبوية» (2/ 256). [12] أخرجه أبوداود في الملاحم- خروج الدجال (4319)، من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه. [13] أخرجه البخاري في المناقب (3606)، ومسلم في الإمارة (1847)، وابن ماجه في الفتن (3979). [14] أخرجه مسلم في الإيمان (144)، من حديث حذيفة رضي الله عنه. [15] أخرجه مسلم في الإيمان (118)، والترمذي في الفتن (2195)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [16] أخرجه مسلم في الإمارة (1920)، وأبو داود في الفتن والملاحم (4252)، والترمذي في الفتن (2229)، وابن ماجه في المقدمة (10)، من حديث ثوبان رضي الله عنه. [17] سبق تخريجه. [18] أخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2889)، وأبوداود في الفتن والملاحم (4252)، والترمذي في الفتن (2176)، وابن ماجه في الفتن (3952). [19] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (3/ 668)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (2/ 388). [20] أخرجه ابن إسحاق- انظر: «السيرة النبوية» لابن هشام (2/ 255). وانظر: «تفسير ابن كثير» (1/ 371). [21] أخرجه البخاري في الإيمان (54)، ومسلم في الإمارة (1907)، وأبو داود في الطلاق (2201)، والنسائي في الطهارة (75)، والترمذي في فضائل الجهاد (1647)، وابن ماجه في الزهد (4227)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. [22] أخرجه البخاري في الإيمان- المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده (10)، وأبو داود في الجهاد (2481)، والنسائي في الإيمان وشرائعه (4996)، من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما. [23] أخرجه البخاري في الجهاد والسير (2783)، ومسلم في الحج (1353)، وأبو داود في المناسك (2017)، والنسائي في مناسك الحج (2875)، والترمذي في السير (1590)، وابن ماجه في الجهاد (2773)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. [24] أخرجه أبو داود في الجهاد (2479)، والدارمي في السير (2513)، من حديث معاوية رضي الله عنه. [25] أخرجه البخاري في العلم (123)، ومسلم في الإمارة (1904)، وأبو داود في الجهاد (2517)، والنسائي في الجهاد (3136)، والترمذي في فضائل الجهاد (1646)، وابن ماجه في الجهاد (2783)، من حديث أبي موسى رضي الله عنه. [26] أخرجه البخاري في المرضى (5673)، ومسلم في صفة القيامة (2816)، وابن ماجه في الزهد (4201)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [27] البيت لأبي العتاهية وهو في «ديوانه» ص(194).
__________________
|
#376
|
||||
|
||||
![]() «عون الرحمن في تفسير القرآن» الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم فوائــد وأحكــام من قوله تعالى:﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ... ﴾ 1- حرص الصحابة رضي الله عنهم على معرفة أحكام دينهم؛ لقوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ الآية. وذلك احترازًا منهم عن الوقوع في المخالفة؛ بخلاف أهل الشرك الذين يسألون إظهارًا للشماتة بالحق وأهله. 2- توجه الصحابة رضي الله عنهم بالسؤال إليه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه المبلغ عن الله - عز وجل - وهو أعلم الخلق، وهكذا ينبغي الرجوع بعده بالسؤال إلى أهل العلم. 3- دفاع الله - عز وجل - عن نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وتسليته لهم، وتخفيفه عليهم، وعنايته بهم، بتوليه - عز وجل - الإجابة عن نبيه صلى الله عليه وسلم، وأنه إنما هو مبلغ عن الله - عز وجل - كما قال تعالى: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 4]. 4- تحريم القتال في الأشهر الحرم، وأنه كبيرة من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ﴾. وفي تقديم السؤال عن الشهر الحرام، مع أن المسؤول عنه القتال في الشهر الحرام، تأكيد لبيان العلة في منع القتال فيه، وأنها حرمة الشهر الحرام؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ﴾ [المائدة: 2]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 36]. وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن النهي عن القتال في الأشهر الحرم منسوخ بالأمر بقتال المشركين بقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾ [التوبة: 5]، وبقوله تعالى: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [التوبة: 29]، وقوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 36]، قالوا: وقد قاتل النبي صلى الله عليه وسلم هوازن وثقيف في ذي القعدة، وكانت غزوة تبوك في رجب، وكلاهما من الأشهر الحرم. والصحيح أن تحريم القتال في الأشهر الحرم باق لم ينسخ، فلا يجوز القتال في الأشهر الحرم ابتداءً، أما إذا كان القتال دفاعًا أو امتدادًا لغزو سابق فإن ذلك جائز. ولا تنافي بين آيات المنع من القتال في الأشهر الحرم، وآيات الأمر بالقتال؛ لأن آيات الأمر بالقتال، كآية السيف وغيرها عامة بجواز القتال في جميع الأمكنة والأزمنة، وآيات المنع من القتال في الأشهر الحرم خاصة بهذه الأشهر، ولا تعارض بين عام وخاص. فإذا استحل المشركون القتال في الأشهر الحرم، وقاتلوا المسلمين فيها جاز للمسلمين قتالهم فيها، كما قال تعالى: ﴿ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 194]، وإليه يشير قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾. وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاتل في الشهر الحرام إلا أن يغزى، أو يغزو، فإذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ»[1]. ومن هذا خروجه صلى الله عليه وسلم لغزو الروم، حيث تجمعوا لقتاله، فخرج إليهم ليدافعهم، وكذا إذا كان القتال امتدادًا لقتال قبل دخول الأشهر الحرم، وعلى هذا يحمل قتال النبي صلى الله عليه وسلم هوازن في حنين، وثقيفًا في الطائف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قاتلهم في شوال، واستمر في محاصرتهم حتى دخل عليه ذو القعدة[2] إضافة إلى أن قتاله صلى الله عليه وسلم لهم كان من باب المدافعة. 5- وجوب تعظيم الأشهر الحرم؛ لأن الله تعالى حرم القتال فيها تعظيمًا لها، وفي هذا دلالة على أن التفضيل كما يقع بين الناس يقع بين الأزمنة، فالأشهر الحرم، وشهر رمضان، ويوم الجمعة، وعشر ذي الحجة، وبخاصة يوم عرفة، ويوم النحر كل هذه الأزمنة أفضل من غيرها. كما يقع التفضيل بين الأمكنة، فالمسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، والمساجد عمومًا أفضل من غيرها. 6- أن الذنوب منها ما هو كبير، ومنها ما هو صغير؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ﴾، كما قال تعالى: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾ [النساء: 31]. وقال صلى الله عليه وسلم عن صاحبي القبرين: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، ألا إنه كبير»[3]. 7- أن الصد عن سبيل الله، والكفر بالله، والمسجد الحرام، وإخراج أهله منه- هذه الأمور الأربعة- كل واحد منها، وبمجموعها أكبر عند الله من القتال في الأشهر الحرم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾. 8- حرمة الصد عن سبيل الله، وأنه من أعظم الذنوب، وقد يصل إلى الكفر، ولهذا قرن بالكفر بالله، قال تعالى: ﴿ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ﴾. 9- التحذير من الكفر بالله؛ لقوله تعالى: ﴿ وَكُفْرٌ بِهِ ﴾. 10- أن الكفر بالمسجد الحرام بانتهاك حرمته، وعدم تعظيمه، وصد الناس عنه، وإخراج أهله منه من أعظم الذنوب، لهذا عطف على الكفر بالله، وقرن به، قال تعالى: ﴿ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾. 11- عظم حرمة المسجد الحرام، وعظم حرمة أهله وساكنيه من المؤمنين. 12- أن أهل المسجد الحرام هم الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه المؤمنون، فهم الذين أخرجهم المشركون؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ ﴾، وهم أهل الولاية عليه، كما قال تعالى: ﴿ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ ﴾ [الأنفال: 34]. بل هم أهل الولاية الشرعية على الأرض كلها، كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105]. 13- أن الذنوب والمعاصي تتفاوت، فبعضها أكبر وأعظم من بعض عند الله- عز وجل- وبعضها كبائر، وبعضها صغائر؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ﴾. وبحسب تفاوت الذنوب، وتفاوت الأعمال يتفاوت الإيمان فيزيد وينقص- كما هو مذهب أهل السنة والجماعة. 14- أن الفتنة في الدين، وصد الناس عنه أشد من القتل؛ لأن الهلاك الحقيقي والخسران المبين هو الهلاك والخسران في الدين؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ﴾. 15- وجوب الحذر من الفتن ودعاتها، والبعد عن مواطنها لخطرها على الدين، ولو أن يعضَّ الإنسان على أصل شجرة، كما قال صلى الله عليه وسلم لحذيفة رضي الله عنه: «اعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة»[4]. 16- الإشارة إلى جواز القتال في الشهر الحرام إذا ابتدأ العدو القتال فيه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾. 17- شدة عداوة الكافرين للمؤمنين، ولدينهم، وقتالهم لهم؛ ليرجعوهم عن دينهم، واستمرارهم على ذلك، مما يوجب على المؤمنين الحذر منهم، وعدم الاطمئنان إليهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ ﴾، كما قال تعالى في اليهود والنصارى: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة: 120]. 18- عدم استطاعة الكافرين ردّ المؤمنين عن دينهم، وتيئيسهم من ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾؛ أي: إنهم لن يستطيعوا ذلك. 19- التحذير من الردة عن الدين، وأنها كفر محبط للأعمال الصالحة، إذا مات الإنسان عليها من غير توبة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾. 20- أن من ارتد عن دينه ثم تاب قُبلت توبته، ولم يبطل عمله قبل الردة؛ لمفهوم قوله تعالى: ﴿ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ﴾، خلافًا لمن قال ببطلان عمله قبل الردة. 21- أن المرتد عن دينه كافر يعامل معاملة الكافر، فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرث ولا يورث، ولا تقبل شهادته على المسلمين؛ لقوله تعالى: ﴿ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾. 22- هوان من يرتد عن دينه، ويموت على الكفر، لهذا أشار إليهم في الموضعين بإشارة البعيد «أولئك» تحقيرًا لهم. 23- أن من ارتد عن الإسلام، واستمر حتى مات على الكفر فهو من أصحاب النار الخالدين فيها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾. 24- أن الإيمان أساس وشرط لصحة الأعمال، من الهجرة والجهاد في سبيل الله، وغير ذلك من الأعمال؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾. 25- فضل الإيمان والهجرة والجهاد في سبيل الله- وأن الهجرة أفضل من الجهاد؛ لتقديمها عليه، في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾. 26- وجوب الإخلاص لله- عز وجل- في الهجرة والجهاد؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾، فمن كانت هجرته أو جهاده لغير الله لم ينفعه ذلك عند الله تعالى. 27- التنويه بشأن المؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيله، وأنهم هم الراجون لرحمة الله تعالى؛ لإتيانهم بسببها؛ لقوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ﴾. 28- ينبغي الجمع بين فعل أسباب الرحمة، وبين الرجاء، فلا ينبغي الاعتماد على العمل وحده، مهما كان، ولا على الرجاء وحده دون عمل. 29- وعد الله- عز وجل- بالرحمة للذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله، والترغيب في ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ﴾. 30- ينبغي للمؤمن أن يحسن الظن بالله؛ لقوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ﴾ من غير أن يغتر بعمله، أو يُدِلَّ به على الله، بل يرجو ثواب الله، ويخاف عقابه. 31- إثبات صفة المغفرة الواسعة- لله عز وجل- وأنه- عز وجل- يغفر ذنوب عباده، فيسترها عن الخلق، ويتجاوز عن عقوبتها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. 32- إثبات صفة الرحمة الواسعة لله- عز وجل- رحمة ذاتية ثابتة له- عز وجل- ورحمة فعلية، يوصلها من شاء من خلقه، رحمة عامة لجميع الخلق، ورحمة خاصة بالمؤمنين، بتوفيقه لهم للإيمان والأعمال الصالحة، من الهجرة والجهاد وغير ذلك، وإثابتهم على ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ رحيم ﴾. 33- أن التخلية بمغفرة الذنوب وزوال المرهوب قبل التحلية بالرحمة، وحصول المطلوب؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ بتقديم «غفور» على «رحيم»، وإن كانت الرحمة هي سبب المغفرة. [1] أخرجه أبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» الأثر (389، 390)، وأحمد (2 /334، 345)، والنحاس في «الناسخ والمنسوخ» (1/435)- الأثر (93)- وإسناده صحيح. وذكره الهيثمي من رواية أحمد (6 /66)- وقال: «رجاله رجال الصحيح». [2] انظر: «زاد المعاد» (3/341)، وانظر الكلام على قوله تعالى في سورة المائدة: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ ﴾ [المائدة: 2]، و«الناسخ والمنسوخ» للنحاس، بتحقيقنا (1 /539). [3] أخرجه البخاري في الأدب (6055)، والنسائي في الجنائز (2068)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وانظر تفصيل الكلام عن الكبائر والصغائر عند تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾ [النساء: 31]. [4] سبق تخريجه.
__________________
|
#377
|
||||
|
||||
![]() «عون الرحمن في تفسير القرآن» الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم تفسير قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ... ﴾ قال الله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 219، 220]. قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾. ســبب النــزول: عن أبي ميسرة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لما نزل تحريم الخمر: «اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت هذه الآية التي في البقرة: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾، فدعي عمر، فقرئت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في النساء: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾ [النساء: 43]، فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى: أن لا يقربن الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في المائدة. فدعي عمر فقرئت عليه، فلما بلغ: ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91]، قال عمر: انتهينا انتهينا»[1]. قوله: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه تشريف وتكريم من الله - عز وجل- لنبيه صلى الله عليه وسلم، وتعظيم له. والسائلون هم الصحابة رضي الله عنهم، أي: يسألك أصحابك يا محمد. ﴿ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ﴾ أي: عن حكمهما- وسبب السؤال عن ذلك ظاهر، وهو ما يترتب عليهما من المفاسد العظيمة، التي لا تخفى على من كان له أدنى عقل. و«الخمر» لغة: مأخوذ من الستر والتغطية، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر رضي الله عنه: «وخمروا آنيتكم، واذكروا اسم الله»[2]. وهو في الشرع: اسم لكل ما أسكر العقل، أي: خامره وستره وغطاه، على سبيل اللذة والنشوة والطرب، قال صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر خمر»[3]. و«الميسر» مأخوذ من اليسر، وهو القمار، وكسب المال على وجه المخاطرة، والمراهنة، والمغالبة، التي يكون فيها عوض من الطرفين، ويكون الطرفان فيها بين غانم وغارم. وسُمي القمار ميسرًا من اليسار وهو الغنى، ومن اليسر، وهو السهولة؛ لحصول الغالب فيه على المال بيسر وسهولة، من غير كد ولا تعب. وقدم الخمر على الميسر؛ لأنه أكثر انتشارًا، وأعم ضررًا، ولأنه يُذهب العقل مع المال. ﴿ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾ قرأ حمزة والكسائي بالثاء المثلثة: «كثير» أي: كثير من حيث الكمية، وقرأ الباقون بالباء الموحدة: ﴿ كَبِيرٌ ﴾ أي: من حيث الكيفية، أي: قل لهم يا محمد: ﴿ فِيهِمَا ﴾ أي: في الخمر والميسر: ﴿ إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾؛ أي: ذنب عظيم في الدين، وكبيرة من كبائر الذنوب يستوجب العقوبة الشديدة؛ لأنهما رجس من عمل الشيطان يسبب العداوة والبغضاء، ويصد عن ذكر الله، وعن الصلاة. كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 90، 91]. أما الخمر فلما فيها من مخامرة العقل وتغطيته وإزالته، وهو النعمة الكبرى التي ميز الله بها الإنسان وكرمه، وهو مناط التكليف والمدح والذم، وبإذهابه يهذي الإنسان بما لا يدري، ويتخبط في حياته، فيخسر دينه ودنياه وأخراه. وأما الميسر فلما فيه من المقامرة والمخاطرة، وأكل أموال الناس بالباطل، وتعريض النفس للاضطرابات النفسية، والأمراض البدنية المفاجئة من أمراض القلب والسكري وغير ذلك بسبب الخسارة أو الربح. وفيهما أيضًا: ﴿ إِثْمٌ كَثِيرٌ ﴾ كما في القراءة الثانية؛ لعظم جرمهما، ولأن من ابتلي بهما أدمن عليهما مرة بعد أخرى حتى لا يكاد ينفك عنهما، وبهذا صار إثمهما كثيرًا لكثرة تعاطيهما. ﴿ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ﴾ أي: وفيهما منافع للناس دنيوية فقط. فالمنافع في الخمر ما فيها من اللذة والنشوة والطرب، كما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه في جاهليته[4]: ونشربها فتتركنا ملوكًا ![]() وأسدًا لا ينهنهنا اللقاء ![]() ![]() ![]() وكذا ما فيها من منافع ثمنها، والاتجار بها، وغير ذلك. وأما منافع الميسر فهي ما فيها من الترويح عن النفس، والكسب لمن حالفه الحظ في هذه المقامرة، وما يصيبون من لحم الجزور الذي يياسرون عليه ويقتسمونه على حسب القداح. وهذه المنافع في الخمر والميسر لا تساوي شيئًا بالنسبة لمضارهما ومفاسدهما؛ ولهذا قال عز وجل: ﴿ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾؛أي: وإثم الخمر والميسر وضررهما أكبر وأعظم من نفعهما، فإثمهما كبير وكثير، لا تساويه تلك المنافع؛ وذلك؛ لأن إثمهما وضررهما في الدين، ومنافعهما في الدنيا فقط. ومنافع الدنيا كلها، بل والدنيا بما فيها لا تساوي شيئًا بالنسبة للدين، وماذا يبقى للمرء بعد ضياع دينه، وقد أحسن القائل: وكل كسر فإن الله جابره ![]() وما لكسر قناة الدين جبران[5] ![]() ![]() ![]() وفي سؤال الصحابة رضي الله عنهم عن الخمر والميسر- ما يشير إلى موافقة العقل الصحيح للنقل الصحيح، فأدركوا رضي الله عنهما بعقولهم الصحيحة السليمة ما في الخمر والميسر من أضرار ومفاسد، حتى قال عمر رضي الله عنه: «اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا» فجاء القرآن بتحريمهما، لكن على التدرج- كما هو معلوم. فقد كان الخمر حلالًا بدليل قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [النحل: 67]، ثم أنزل الله - عز وجل - هذه الآية: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ ﴾ الآية، تمهيدًا وتعريضًا بتحريمهما، ثم نزل بعدها قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾ [النساء: 43]، في تحريم الصلاة حال السكر، ثم نزل بعدها تحريم الخمر والميسر مطلقًا في سورة المائدة، في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 90، 91]. قوله: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ﴾ سألوا أولًا: عن الخمر والميسر، ثم سألوا ثانيًا: ماذا ينفقون، والمناسبة بينهما أن في الخمر والميسر إضاعة المال بدون فائدة، ومحق بركته، وفي الإنفاق بذل المال بفائدة والمباركة فيه. «ماذا» «ما» اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، و«ذا» اسم موصول بمعنى «الذي» في محل رفع خبر، أي: ما الذي ينفقونه. أو «ماذا» اسم استفهام مفعول مقدم لـ«ينفقون». أي: ويسألك أصحابك يا محمد ما الذي ينفقون، أو أيَّ شيء ينفقون من أموالهم من الصدقات ونحوها. ﴿ قُلِ الْعَفْوَ ﴾ قرأ أبوعمرو بالرفع: «قل العفوُ» أي: هو العفوُ، وقرأ الباقون بالنصب ﴿ الْعَفْوَ ﴾ أي: ينفقون العفوَ، و«العفو» هو الفضل، وما لا يبلغ الجهد واستفراغ الوسع، قال الشاعر: خذي العفو مني تستديمي مودتي ![]() ولا تنطقي في سورتي حين أغضب[6] ![]() ![]() ![]() والمعنى: أنفقوا ما يفضل عن حاجتكم، ولا يشق عليكم، وفي هذا إشارة إلى أن المطلوب إنفاقه لا يمثل غرمًا ثقيلًا، وإنما هو شيء يسير، وقليل من كثير، وما زاد عن الكفاية والحاجة، فما أعظم ذلك، وإن كان قليلًا، إذا كان خالصًا لله- عز وجل- ومن مال طيب، وبطيب نفس، بلا مَنّ ولا أذى. كما أن فيه دلالة على أنه لا يجوز أن ينفق ماله، ويعرض نفسه وأهله وولده للحاجة. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، عندي دينار؟ قال: «أنفقه على نفسك». قال: عندي آخر؟ قال: «أنفقه على أهلك». قال: عندي آخر؟ قال: «أنفقه على ولدك». قال عندي آخر؟ قال: «فأنت أبصر»[7]. وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا وهكذا» يقول: «فبين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك»[8]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول»[9]. وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ابن آدم، إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف»[10]. ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ﴾ الكاف: للتشبيه، وهي: صفة لمصدر محذوف أي: بيانًا مثل ذلك البيان، والإشارة لما سبق بيانه في الآيات السابقة، وأشار إليه بإشارة «البعيد» تعظيمًا له. أي: مثل ذلك البيان والإيضاح والتفصيل لحكم الخمر والميسر، وبيان قدر المُنْفَق. ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ﴾؛أي: يوضح لكم الآيات ويفصلها في سائر الأحكام، كما قال تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الحديد: 17]، وقال تعالى: ﴿ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 126]، وقال تعالى: ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [فصلت: 3]. والآيات: جمع آية، وهي العلامة. وآيات الله تنقسم إلى قسمين: آيات كونية، وهي كل ما خلقه الله- عز وجل- وذرأه في هذا الكون من المخلوقات العلوية والسفلية- كما قال تعالى: ﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴾ [يس: 37 - 39]، وقال تعالى: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 20 - 22]. وقد أحسن القائل: فواعجبًا كيف يُعصى الإله ![]() أم كيف يجحده الجاحد ![]() وفي كل شيء له آية ![]() تدل على أنه واحد[11] ![]() وسميت المخلوقات آيات لدلالتها على وجود الله- عز وجل- وكماله في ذاته وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته واستحقاقه للعبادة وحده، دون من سواه، كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [فصلت: 37]. والقسم الثاني: الآيات الشرعية، وهي ما أنزله- عز وجل- من الوحي على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام- ومنها: آيات القرآن الكريم- وهي المرادة هنا. وسميت الآيات الشرعية آيات؛ لما فيها من الدلالة على صدق من جاء بها صلى الله عليه وسلم، وأنها من عند الله - عز وجل - ذي الكمال التام في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته المستحق للعبادة وحده دون من سواه؛ كما قال عز وجل: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]، ولما اشتملت عليه من الهداية لأقوم طريق، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9]، ولكمالها وتمامها، كما قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾ [المائدة: 3]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنعام: 38]. ومعنى قوله: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ﴾؛ أي: مثل ذلك البيان الذي بين الله- عز وجل- به هذه الآيات وأوضحها وفصلها، يبين لكم غيرها من الآيات الشرعية المشتملة على المواعظ والأحكام، والآيات الكونية الدالة على عظمته- عز وجل- واستحقاقه للعبادة وحده، دون من سواه. ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾«لعل» للتعليل، أي: لأجل أن تتفكروا. والتفكر: إعمال الفكر والعقل، والتأمل والنظر والتدبر. قوله تعالى: ﴿ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾. قوله: ﴿ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾؛ أي: لعلكم تتفكرون فيما هو أنفع لكم في الدنيا والآخرة من البعد عن الخمر والميسر، ومن إنفاق العفو، وتتفكرون في الدنيا، وأنها دار عمل وابتلاء، دار حقيرة، نهايتها الزوال والفناء، وتتفكرون في الآخرة وقربها، وعظم مكانتها، وأنها دار ثواب وجزاء، وخلود وبقاء، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64]. فتؤثرون الآخرة العظيمة الباقية، على الدنيا الحقيرة الفانية. قال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ﴾ [الرعد: 26]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [التوبة: 38]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]، وقال تعالى: ﴿ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 17]، وقال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴾ [الضحى: 4]. وقال صلى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء»[12]. وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير، فقام وقد أثَّر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله، لو اتخذنا لك وطاء. فقال صلى الله عليه وسلم: «ما لي وللدنيا، ما أنا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها»[13]. وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل»، وكان ابن عمر يقول: «إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك»[14]. ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾. رُويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لما نزلت ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [الأنعام: 152]، و﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10]، انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيُحْبَس له، حتى يأكله، أو يفسد، فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾، فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم»[15]. قوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى ﴾ هذا السؤال الثالث في هذه الآية، فالسؤال الأول يتعلق بالعقول والأموال، والسؤال الثاني في الحفاظ على المال، وعدم إضاعته وإتلافه، وفي بيان المنفق منه، والسؤال الثالث عن اليتامى والإصلاح لهم وحفظ أموالهم. أي: ويسألك أصحابك يا محمد- عن اليتامى- كيف يعاملونهم- إشفاقًا منهم عليهم، وخوفًا من التقصير في حقوقهم أو ظلمهم؛ لقول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [الأنعام: 152]. واليتامى جمع يتيم، ويتيمة، يقال في جمعهما: يتامى، وأيتام، ويقال أيضًا في جمع يتيمة: «يتيمات»، واليتيم واليتيمة مَن مات أبوه وهو دون البلوغ، ذَكرًا كان أو أنثى، مأخوذ من اليتم، وهو الانفراد، ومنه سميت: «الدرة اليتيمة» فإذا بلغ زال عنه اليتم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يتم بعد احتلام»[16]. ﴿ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ﴾ جاء السؤال عامًّا عن اليتامى، وجاء الجواب أعم منه بقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ﴾؛ أي: عمل الأصلح لهم، أو اعملوا الأصلح لهم في أنفسهم وأموالهم وغير ذلك، من تربيتهم وتعليمهم وتأديبهم، وحفظ أموالهم، وتنميتها لهم، وتمييزها عن أموال الأولياء، إن اقتضى الحال ذلك. ﴿ خَيْرٌ ﴾؛ أي: خير مطلقًا، وخير من عدم الإصلاح؛ خير لكم أيها الأولياء، في دينكم ودنياكم وأخراكم، لما فيه من براءة الذمة، بأداء حقوقهم، والاحتياط من أن يدخل عليكم شيء من أموالهم، وخير لليتامى بحيث تصلح أحوالهم - بإذن الله - عز وجل - وتحفظ وتنمى أموالهم، وتبقى متميزة عن أموال أوليائهم، حتى ترد إليهم بعد بلوغهم سالمة، بلا إشكال ولا منازعة، وخير للأُمة بأن يكون اليتامى لبنات صالحة في المجتمع. ﴿ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ الواو: عاطفة، أي: وإن تخالطوهم في طعامهم وأموالهم، فتخلطوا طعامهم مع طعامكم، وتأكلون معهم، وتخلطوا أموالهم مع أموالكم، فتتجرون بها جميعًا، وترعون مواشيهم مع مواشيكم، ونحو ذلك. ﴿ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ أي: فهم إخوانكم في الدين، أو في النسب، أو فيهما جميعًا، وليسوا أجانب منكم، فلا حرج من خلط طعامهم مع طعامكم، وأموالهم مع أموالكم، دفعًا للمشقة والحرج عنكم. لكن ذلك مشروط بضبط مال اليتيم، ومعرفته عند خلطه بمال الولي، عددًا، ونوعًا، ووصفًا، وغير ذلك، حتى لا يضيع مع مال الولي، وأن يحدد قدر النفقة عليه في طعامه وشرابه كفرد من أفراد الأسرة، ويحتسب ذلك عليه من ماله. وفي قوله: ﴿ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ إشارة إلى مبدأ التسامح بين المسلمين، وأن الأصل بينهم الأمان والثقة. ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ﴾؛ أي: والله يعلم من قصده ونيته وعمله الإفساد، ومن قصده ونيته وعمله الإصلاح في توليه على اليتيم، وخلط ماله بماله، وغير ذلك. وفي هذا وعيد للمفسد ووعد للمصلح، كما أن فيه إشارة إلى أن المعول عليه النية والقصد، فمن أحسن النية، وقصد الإصلاح في توليه اليتيم فهو موفق مثاب بإذن الله- عز وجل- سواء خلط مال اليتيم مع ماله، أو لم يخلطه، ومن أساء النية، وقصد الإفساد فهو ونيته. ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ﴾ الواو: عاطفة، و«لو»: شرطية، وهي: حرف امتناع لامتناع، و«شاء»: فعل الشرط، وجوابه: «لأعنتكم»، وجاء مقترنًا باللام- كما هو الأكثر في جواب «لو» إذا كان الكلام مثبتًا. ﴿ لأَعْنَتَكُمْ ﴾ العنت: المشقة والشدة والحرج، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾ [التوبة: 128]؛ أي: ما يشق عليكم. والمعنى: ولو شاء الله لشدد وشق عليكم وأحرجكم، فيما شرعه لكم في أمر اليتامى وغيره، ومن ذلك أن يحظر عليكم مخالطتهم في طعامهم وأموالهم، ولكنه- عز وجل- خفف عنكم، فطلب منكم الإصلاح لليتامى، ما استطعتم، من غير قيود، أو شروط، وأباح لكم مخالطتهم في طعامهم وأموالهم، مع التصرف فيها بالتي هي أحسن، كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [الأنعام: 152]. بل إنه - عز وجل - أباح للولي إذا كان فقيرًا أن يأكل من مال اليتيم بالمعروف، فقال عز وجل: ﴿ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 6]. ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾؛ أي: إن الله- عز وجل- ذو العزة التامة، له- عز وجل- عزة القوة، كما قال- عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58]، وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾ [الشورى: 19]. وله - عز وجل - عزة القهر والغلبة، كما قال تعالى: ﴿ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الزمر: 4]، وقال عز وجل: ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ﴾ [يوسف: 21]. وله عز وجل عزة الامتناع، فلا يمكن أن يناله أحد بسوء. قال ابن القيم[17]: وهو العزيز فلن يُرام جنابه ![]() أنى يرام جناب ذي السلطان ![]() وهو العزيز القاهر الغلاب لم ![]() يغلبه شيء هذه صفتان ![]() وهو العزيز بقوة هي وصفه ![]() فالعز حينئذٍ ثلاث معان ![]() وهي التي كملت له سبحانه ![]() من كل وجه عادم النقصان ![]() ﴿ حكيم ﴾؛ أي: إنه عز وجل ذو الحكم التام بأقسامه الثلاثة: الحكم الكوني، والحكم الشرعي، والحكم الجزائي، وذو الحكمة البالغة بقسميها: الحكمة الغائية، والحكمة الصورية. وفي اجتماع العزة والحكم والحكمة في حقه- عز وجل- كمال إلى كمال. وفي ختم الآية بهذين الوصفين إشعار بأن ما حكم به- عز وجل- في شأن اليتامى من الأمر بالإصلاح لهم، وإباحة مخالطتهم في طعامهم وأموالهم، ورفع المشقة عن الأولياء في ذلك، والتنبيه على علمه- عز وجل- بالمفسد من المصلح، وما فيها من الوعد والوعيد- كل ذلك عن عزة وقوة، وحكم تام، وحكمة بالغة. [1] أخرجه أبو داود في الأشربة- تحريم الخمر (3670)، والنسائي في الأشربة- تحريم الخمر (55)، والترمذي في تفسير سورة المائدة (3049)، وقال: «حديث صحيح»، وأحمد (1/ 53)، والحاكم في «المستدرك» (2/ 278)، وقال: «صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي. [2] أخرجه البخاري في الأشربة (5623)، ومسلم في الأشربة (2012)، وأبو داود في الأشربة (3731)، والترمذي في الأدب (2857). [3] أخرجه البخاري في الوضوء (242)، ومسلم في الأشربة (2001)، وأبو داود في الأشربة (3682)، والترمذي في الأشربة (1863)، وابن ماجه في الأشربة (3386)، وأحمد (6/ 36)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وأخرجه البخاري في المغازي (4343- 4345)، ومسلم في الأشربة (1733)، وغيرهما من حديث أبي موسى رضي الله عنه. وأخرجه مسلم في الأشربة (2003)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. [4] انظر «ديوان» حسان، ص(73). [5] البيت لأبي الفتح البستي. انظر: «ديوانه» (ص80). [6] البيت ينسب لشريح القاضي، ينظر: «الحماسة الصغرى» (ص85)، وينسب لخارجة بن أسماء الفزاري، انظر: «الموشى= الظرف والظرفاء» (ص149). وينسب لأبي الأسود الدؤلي، انظر: «حماسة الخالدين» (ص101). وينسب لعامر البكاء، انظر: «الحماسة البصرية» (2/ 71). [7] أخرجه أبو داود في الزكاة (1691)، والنسائي في الزكاة (2534)، وأحمد (2/ 381، 471). [8] أخرجه مسلم في الزكاة (997)، وأبو داود في العتق (3957)، والنسائي في البيوع (4652). [9] أخرجه البخاري في الزكاة (1428)، ومسلم في الزكاة (1034)، وأبو داود في الزكاة (1676)، والنسائي في الزكاة (2534)، والترمذي في صفة القيامة (2463). [10] أخرجه مسلم في الزكاة (1036)، والترمذي في الزهد (2343). [11] البيت لأبي العتاهية. انظر: «ديوانه» ص(104). [12] أخرجه الترمذي في الزهد (2320)، وابن ماجه في الزهد (4110)، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه. وقال الترمذي: «حديث صحيح غريب». [13] أخرجه الترمذي في الزهد (2377)، وابن ماجه في الزهد (4109)، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح». [14] أخرجه البخاري في الرقاق (6416)، والترمذي في الزهد (2333)، وابن ماجه في الزهد (4114). [15] أخرجه أبو داود في الوصايا - مخالطة اليتيم في الطعام (2871)، والنسائي في الوصايا - ما للوصي من مال اليتيم (3670)، والطبري في «جامع البيان» (3/ 698- 699)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (2/ 395، 5/ 1418)، والواحدي في «أسباب النزول»، ص(44، 49)، والبيهقي في «سننه» (5/ 258- 259، 6/ 284). [16] سبق تخريجه. [17] في «النونية» ص (147).
__________________
|
#378
|
||||
|
||||
![]() «عون الرحمن في تفسير القرآن» الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم فوائد وأحكام من قوله تعالى :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ... ﴾ 1- تشريف الله عز وجل وتكريمه للنبي صلى الله عليه وسلم بتوجيه الخطاب إليه؛ لقوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ ﴾. 2- حرص الصحابة رضي الله عنهم على معرفة ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، والحذر مما يضرهم في ذلك، فسألوا أولًا عن الخمر والميسر؛ حفاظًا على العقول من الذهاب، وحفاظًا على الأموال من الضياع. وسألوا ثانيًا ماذا ينفقون ليرابحوا مع الله عز وجل ويبارك لهم في أموالهم. وسألوا ثالثًا عن اليتامى؛ شفقة عليهم، وحفاظًا على أموالهم، وخوفًا من التقصير في حقوقهم؛ لقوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ﴾، وقوله: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ﴾، وقوله: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى ﴾. 3- وجوب الرجوع إليه صلى الله عليه وسلم في حياته فيما أشكل من أمر الدين، ووجوب الرجوع بعده إلى أهل العلم، العارفين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. 4- موافقة العقل الصحيح، للنقل الصريح، فإن سؤال الصحابة رضي الله عنهم عن الخمر والميسر، لما أدركوا بعقولهم ما فيهما من المضار، فجاء القرآن ببيان ذلك. 5- عظم إثم الخمر والميسر، وكثرته، وأنهما من كبائر الذنوب؛ لما في الخمر من تغطية العقل وإزالته، فيهذي الإنسان بما لا يدري، ويرتكب بسبب ذلك الجرائم والموبقات. ولما في الميسر من أكل أموال الناس بالباطل، وما يحدثه من اضطرابات نفسية وأمراض بدنية، وعقلية، وغير ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 90، 91]. 6- أن في الخمر بعض المنافع من النشوة والطرب، وفيه وفي الميسر بعض المنافع المادية؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ لكنها لا تساوي شيئًا بالنسبة لمضارهما. ولهذا لما سأل طارق بن سويد الجعفي رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر، فنهاه عنها، وكره أن يصنعها. قال: إنما أصنعها للدواء. قال صلى الله عليه وسلم: «إنه ليس بدواء، ولكنه داء»[1]. 7- أن إثم الخمر والميسر وضررهما أكبر وأعظم وأشد من نفعهما؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾. 8- أن دفع المضار والمفاسد مقدم على جلب المصالح. 9- التدرج في التشريع، مراعاة لأحوال المكلفين، ففي هذه الآية توطئة وتمهيد لتحريم الخمر والميسر. 10- أن الخمر أشد ضررًا من الميسر، لهذا قدم عليه في الذكر؛ لأن في الخمر زوال العقل، مع ضياع المال. 11- أن الإنفاق إنما يكون مما فضل عن حاجة المنفِق وأهله، فلا ينبغي أن ينفق ماله، ويبقى عالة على الآخرين؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلِ الْعَفْوَ﴾. 12- أن الإنفاق من المال من أسباب حفظه والمباركة فيه؛ لأن الله ذكر ذلك بعد ذكر حكم الخمر والميسر اللذين بهما ضياع المال وإتلافه. 13- تبيين الله- عز وجل- وتفصيله للعباد ما أنزله عليهم من الآيات الشرعية والكونية، كما بين لهم الآيات في حكم الخمر والميسر، وفي الإنفاق، وفي اليتامى؛ لقوله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ﴾. 14- أن الحكمة من إنزال الآيات وتبيينها وتفصيلها التفكر في آيات الله- عز وجل- والتأمل فيها، والعمل بها؛ لقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾. 15- إثبات الحكمة في أفعال الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾. 16- ينبغي التفكر في الدنيا والآخرة وأحوالهما، ومعرفة قدر كل منهما، وإنزالهما منزلتهما، وعدم الاغترار بالدنيا الفانية، وتقديمها على الآخرة الباقية؛ لقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾. 17- عناية الإسلام باليتامى؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى ﴾ الآية. 18- الحث على الإصلاح لليتامى في أنفسهم وأموالهم، وجميع أحوالهم، وأن ذلك خير مطلقًا لهم وللأولياء وللأُمة؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ﴾. 19- جواز مخالطة اليتامى في أموالهم وطعامهم، رفعًا للمشقة عن الأولياء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾. 20- إثبات مبدأ الأخوة الدينية بين المسلمين، والتسامح فيما بينهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾. 21- إثبات علم الله- عز وجل- التام بالمفسد من المصلح، في ولاية اليتامى وأموالهم، وفي غيرها من الولايات، وفي كل شيء، وتمييز كل منهما عن الآخر، ومجازاته بما عمل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ﴾ وفي هذا وعيد للمفسد، وتحذير من الإفساد، ووعد للمصلح وترغيب في الإصلاح. 22- الإشارة إلى أن من قصد الإصلاح لليتامى أُعين على ذلك بإذن الله، وسلم من التبعة فيما لو دخل عليه شيء من مال اليتيم من غير قصد، وفيما لو حصل عليه نقص ما لم يفرط؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ﴾ وبضد ذلك من قصد الإفساد. 23- إثبات المشيئة لله- عز وجل- وهي الإرادة الكونية؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ﴾. 24- امتنان الله- عز وجل- برفع المشقة والحرج فيما شرعه لعباده، ومن ذلك رفع المشقة عن أولياء اليتامى، حيث رغبهم بالإصلاح لليتامى، وأباح لهم مخالطتهم، في طعامهم وأموالهم؛ رفعًا للمشقة والحرج عنهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ﴾. 25- إثبات صفة العزة التامة لله- عز وجل- بأقسامها الثلاثة: عزة القوة، وعزة القهر والغلبة، وعزة الامتناع؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ﴾. 26- إثبات صفة الحكم التام لله - عز وجل - بأقسامه الثلاثة: الحكم الكوني، والحكم الشرعي، والحكم الجزائي، والحكمة البالغة بقسميها: الحكمة الغائية، والحكمة الصورية؛ لقوله تعالى: ﴿ حَكِيمٌ﴾. [1] أخرجه مسلم في الأشربة (1984)، من حديث وائل الحضرمي رضي الله عنه.
__________________
|
#379
|
||||
|
||||
![]() «عون الرحمن في تفسير القرآن» الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم تفسير قول الله تعالى:﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ... ﴾ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 221]. قوله: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ﴾ الواو: استئنافية. و«لا» ناهية، والخطاب للمؤمنين، والنكاح لغة: الضم والجمع، وفي الشرع: عقد الزوجية الصحيح، ويطلق على الوطء، والمراد به هنا العقد، أي: لا تتزوجوا أيها المؤمنون المشركات. والمشركات: جمع مشركة، والمشركة والمشرك: من يدعو غير الله، ويتخذه شريكًا لله، ويسوي غير الله بالله فيما هو من خصائص الله، قال تعالى عن المشركين: ﴿ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 97، 98]. ﴿ حَتَّى يُؤْمِنَّ ﴾ «حتى» للغاية، أي: إلى غاية أن يؤمن، فإذا آمنَّ جاز لكم نكاحهن، أي: حتى يُصدقن بما جاء من عند الله تعالى وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وينقدن لذلك ظاهرًا وباطنًا، ويخلصن العبادة لله. والآية عامة في جميع المشركات من عبدة الأوثان وأهل الكتاب وغيرهم. خص من عمومها نساء أهل الكتاب، فأباحهن الله- عز وجل- في سورة المائدة في قوله تعالى: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ﴾ [المائدة: 5]. وقيل: إن الآية ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ ﴾ خاصة بالوثنيات. ﴿ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾ الواو: استئنافية، واللام للابتداء، وهذه الجملة تعليل للنهي عن نكاح المشركات. والأَمة تطلق على المرأة، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»[1]، وقال صلى الله عليه وسلم: «ما أصاب أحدًا قط همّ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، ابن أمتك»[2]، وقال صلى الله عليه وسلم: «كلكم عبيد الله، وكل نسائكم إماء الله»[3]. وتطلق الأمة على المملوكة، كما في حديث جبريل عليه السلام: «وأن تلد الأمة ربَّتها»[4]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ورجل كانت عنده أمة، فأدبها فأحسن تأديبها...»[5]. ﴿ مُؤْمِنَةٌ ﴾؛ أي: مؤمنة بالله- عز وجل- مصدقة برسوله صلى الله عليه وسلم، منقادة لشرعه، حسب ما يظهر منها، وأمر الباطن إلى الله- عز وجل- كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ﴾ [النساء: 25]. وقال صلى الله عليه وسلم للأَمَة: «أين الله»؟ قالت: في السماء. قال: «مَن أنا»؟ قالت: أنت رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم لسيدها: «أعتقها فإنها مؤمنة»[6]. ومعنى الآية: ولامرأة مؤمنة، حرة كانت أو مملوكة ﴿ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ﴾. وقوله: ﴿ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ﴾؛ أي: خير وأفضل من امرأة مشركة خيرية مطلقة؛ لأن المشركة لا خير فيها. واسم التفضيل قد يرد بين شيئين لا فضل في أحدهما البتة، كما في قوله تعالى: ﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴾ [الفرقان: 24]، وقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الروم: 27]. وقد يكون اسم التفضيل هنا استعمل على بابه، ويراد بالخير في المشركة ما قد يظهر للناس من جمال أو حسب أو مال، ولهذا قال بعده: ﴿ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾ الواو حالية، أي: ولو أعجبتكم هذه المشركة، وسرتكم، بجمالها، أو حسبها، أو ما لها، ونحو ذلك، فكل هذا لا قيمة له، ولا يساوي شيئًا مع الإشراك بالله، وفِقدان الدين. فالمؤمنة طيبة والمشركة خبيثة، وقد قال الله تعالى: ﴿ قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 100]. والمؤمنة رعت حق الله عز وجل فعبدته وحده، فهي أحرى برعاية حق زوجها وحفظ نفسها وولده وماله. والمشركة لم ترع حق الله، بل أشركت معه غيره، وهي أحرى بعدم رعاية حق زوجها بنفسها وولده وماله. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين، تربت يداك»[7]. وقال صلى الله عليه وسلم: «الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة»[8]. وفي الأثر: «إياكم وخضراء الدمن». ﴿ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ﴾ الخطاب للمؤمنين، وبخاصة أولياء الأمور منهم، وفيه دليل على اشتراط الولي في النكاح، أي: ولا تُزَوجوا الرجال المشركين النساء المؤمنات حتى يؤمنوا؛ لحرمة المؤمنة على المشرك، كما قال تعالى: ﴿ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ [الممتحنة: 10]. لأن للزوج ولاية على الزوجة، كما قال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 34]. والإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فلا يجوز أن يكون لمشرك ولاية على مؤمنة، قال تعالى: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141]. ﴿ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ ﴾ أي: ولعبد مؤمن حرًا كان أو مملوكًا خير وأفضل من مشرك خيرية مطلقة من جميع الوجوه. والكلام فيه- كما تقدم في قوله: ﴿ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ﴾. ﴿ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾ الواو: حالية، أي: ولو أعجبكم وسركم المشرك، بمظهره، أو ماله، أو منصبه، ونحو ذلك، كما قال تعالى في المنافقين: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾ [المنافقون: 4]. ﴿ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ﴾ هذه الجملة كالتعليل لما قبلها، أي: أولئك المشركون الذين نُـهيتم عن مناكحتهم يدعون الناس إلى النار، بأقوالهم وأفعالهم وأخلاقهم، وأموالهم، وأحوالهم، وما هم عليه من الشرك. فمخالطتهم ومعاشرتهم سبب للتشبه بهم، وموالاتهم واتباعهم، وتقليدهم، مما يوجب دخول النار معهم، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [المائدة: 51]، وأشار إليهم بإشارة البعيد «أولئك» تحقيرًا لهم. ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ﴾؛ أي: والله يدعو بما أرسل به الرسل من الوحي والشرع، والأمر والنهي إلى الجنة، دار السلام، كما قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس: 25]. ويدعو إلى مغفرة الذنوب، كما قال تعالى: ﴿ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [إبراهيم: 10]. وذلك بالدعوة إلى العلم النافع والعمل الصالح، والحث على التوبة والاستغفار، كما قال تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]. وقوله: ﴿ بِإِذْنِهِ ﴾ أي: بإذنه- عز وجل- الكوني والشرعي، فمن أجاب دعوة الله- عز وجل- أدخله الله الجنة، وغفر له، فاجتمع في حقه الإذن الكوني، والإذن الشرعي، وشتّان بين الدعوتين: الدعوة إلى النار، والدعوة إلى الجنة والمغفرة. شتان بين الحالتين فإن ترد ![]() جمعًا فما الضدان يجتمعان[9] ![]() ![]() ![]() ﴿ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ أي: ويبين عز وجل ويفصل آياته الشرعية والكونية ﴿ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾، كما قال تعالى مخاطبًا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم: ﴿ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]، وقال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 187]. ومعنى ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ أي: لأجل أن يتذكروا، ويتعظوا بما فيها من الوعد والوعيد ونحو ذلك، ويمتثلوا ما فيها من الأمر والنهي، فيثابوا بالجنة والمغفرة- بإذن الله عز وجل. [1] أخرجه البخاري في الأذان (900)، ومسلم في الصلاة (442)، وأبو داود في الصلاة (566)، والنسائي في المساجد (706)، والترمذي في الجمعة (570)، وابن ماجه في المقدمة (16)، وأحمد (2/72- 73). [2] أخرجه أحمد (1/391، 452)، من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه. [3] أخرجه مسلم في الألفاظ من الأدب وغيرها (2249)- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [4] أخرجه مسلم في الإيمان (8)، وأبو داود في السنة (4695)، والنسائي في الإيمان وشرائعه (4990)، والترمذي في الإيمان (2610)، وابن ماجه في المقدمة (63)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. [5] أخرجه البخاري في العلم (97)، ومسلم في الإيمان (154)، والنسائي في النكاح (3344)، والترمذي في النكاح (116)، وابن ماجه في النكاح (1956)، من حديث أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه رضي الله عنه. [6] أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (537)، وأبو داود في الصلاة (930)، والنسائي في السهو (1218)، من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه. [7] أخرجه البخاري في النكاح (5090)، ومسلم في الرضاع (1466)، وأبو داود في النكاح (2047)، والنسائي في النكاح (3230)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرج مسلم نحوه من حديث جابر رضي الله عنه. [8] أخرجه مسلم في الرضاع (1467)، والنسائي في النكاح (3232)، وابن ماجه في النكاح (1855)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. [9] البيت لابن القيم؛ انظر «النونية» ص (11).
__________________
|
#380
|
||||
|
||||
![]() «عون الرحمن في تفسير القرآن» الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم فوائــد وأحكــام من قوله تعالى:﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ... ﴾ فوائــد وأحكــام من قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 221]. 1- تحريم نكاح المؤمنين للمشركات؛ لقوله: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ﴾، وهذا عام ويخص منه نساء أهل الكتاب، فيجوز للمؤمنين نكاحهن؛ لقوله تعالى في سورة المائدة: ﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ [المائدة: 5]. لكن إن كان في زواج المؤمن من الكتابية خطر عليه في دينه، أو على أولاده فلا يجوز له الزواج بها درءًا للمفسدة. 1- إذا آمنت المشركات جاز نكاحهن؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا؛ لقوله تعالى: ﴿ حَتَّى يُؤْمِنَّ ﴾. 2- أن المؤمنة حرة كانت أو أمة خير من المشركة، خيرية مطلقة من جميع الوجوه، حتى ولو كان في المشركة ما يعجب الناكح لها من مال أو جمال أو حسب ونسب ونحو ذلك فلا قيمة له؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾. 3- تحريم تزويج المشركين بالمؤمنات؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ﴾، فلا يجوز أن يكون لمشرك ولاية على مؤمنة؛ لأن الإسلام يعلو، ولا يعلى عليه. 4- اعتبار الولي في النكاح؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ﴾، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي»[1]. 5- إذا آمن المشركون جاز تزويجهم؛ لأن الإسلام يَـجُبُّ ما كان قبله؛ لقوله تعالى: ﴿ حَتَّى يُؤْمِنُوا ﴾. 6- أن المؤمن حرًّا كان أو مملوكًا خير من المشرك، وإن كان حرًّا قرشيًّا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾. 7- عدم الاغترار بمظاهر المشركين والمشركات، فلا خير يرتجى فيهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾، وقوله: ﴿ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾. 8- أن الميزان المعتبر في تفاضل الناس هو الدين والإيمان، فالمشرك لا يساوي شيئًا بالنسبة للمؤمن، والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]. 9- التحذير من المشركين، ومخالطتهم، ومعاشرتهم، لأنهم دعاة إلى النار، بأقوالهم وأفعالهم وأخلاقهم، وأحوالهم، وأموالهم؛ لقوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ﴾. 10- رحمة الله عز وجل بالعباد، ودعوته لهم إلى جنته ومغفرته، والترغيب في ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ﴾. 11- أن الاستجابة لدعاء الله عز وجل بالإيمان والعمل الصالح، ودخول الجنة والمغفرة بإذن الله عز وجل الكوني والشرعي؛ لقوله تعالى: ﴿ بِإِذْنِهِ ﴾. 12- إقامة الله عز وجل الحجة على الناس، ببيان آياته وتفصيلها لهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ ﴾. 13- أن الحكمة من إرسال الرسل، وإنزال الكتب، وبيان الآيات وتفصيلها للناس، أن يتذكروا ويتعظوا، ويعملوا بما فيها؛ لقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾. 14- إثبات الحكمة في أفعال الله عز وجل لقوله: ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾. [1] أخرجه أبو داود في النكاح (2085)، والترمذي في النكاح (1101، 1102)، وابن ماجه في النكاح (1881)، وأحمد (4/398، 413)، من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |