شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله - الصفحة 61 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         عبدُ الرَّحمن بن مهديِّ (إمامُ الضَّبط والإتقان) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          شموع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 4183 )           »          الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 47 - عددالزوار : 19014 )           »          "ولئن انتهى رمضان" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          من مدرسة رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الليلة السابعة والعشرون: الاستغفار وفضله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الدرس الرابع عشر: الخشوع في الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الليلة السادسة والعشرون: الاستغفار وفضله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          مسائل مهمة في منهجية البحث الفقهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          من صيام التطوع (صوم تسع من ذي الحجة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #601  
قديم 07-06-2022, 07:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث: (لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو الفلاس المحدث، الناقد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا خالد بن الحارث].
هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن المسيب].
تابعي جليل، ومحدث، فقيه، وثقة، أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقتادة مدلس وقد روى بالعنعنة، لكن من الطرق المعروفة التي يذكرها المحدثون أن شعبة إذا روى عن مدلس فإن تدليسه مأمون؛ لأنه لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا من أمن فيه تدليسهم، فـشعبة إذا جاء يروي عن مدلس، والمدلس روى بالعنعنة فإنه محمول على الاتصال والسماع؛ لأن من طريقة شعبة أنه لا يروي عن مدلس إلا ما كان مأموناً فيه من تدليسه.
[عن عائشة].
رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى في سورة النور، وقد حفظت الكثير من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا سيما فيما يتعلق بأمور البيت، وما يجري بين الرجل وأهل بيته، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


شرح حديث: (لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى صاعقة حدثنا أبو سلمة الخزاعي حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن الهاد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) فهو مثل الحديث الذي قبله عن عائشة رضي الله تعالى عنها دال على ما دل عليه.


تراجم رجال إسناد حديث: (لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)


قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى صاعقة].هو محمد بن عبد الرحيم البغدادي أبو يحيى المعروف بـلقبه صاعقة، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
[حدثنا أبو سلمة الخزاعي].
هو منصور بن سلمة، كنيته توافق اسم أبيه منصور بن سلمة الخزاعي، وهو ثقة، ثبت، حافظ، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود في المراسيل والنسائي.
[حدثنا الليث بن سعد].
وقد مر ذكره.
[عن يزيد بن الهاد].
هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، وهو ثقة، مكثر، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، تابعي جليل من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة].
وقد مر ذكرهما.


كراهية المشي بين القبور في النعال السبتية

شرح حديث: (... يا صاحب السبتيتين ألقهما)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [كراهية المشي بين القبور في النعال السبتية. أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا وكيع عن الأسود بن شيبان وكان ثقة، عن خالد بن سمير عن بشير بن نهيك أن بشير بن الخصاصية رضي الله تعالى عنه قال: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر على قبور المسلمين فقال: لقد سبق هؤلاء شراً كثيراً، ثم مر على قبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيراً كثيراً، فحانت منه التفاتة، فرأى رجلاً يمشي بين القبور في نعليه فقال: يا صاحب السبتيتين! ألقهما)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: كراهية المشي بين القبور في النعال السبتية، والنعال السبتية: مصنوعة من جلود البقر، يقال لها: سبتية، وإنما ترجم بالنعال السبتية لأنها وردت في الحديث نفسه عندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يمشي بين القبور وعليه نعال سبتية، فقال: (يا صاحب السبتيتين! ألقهما)، معناه أنه نهاه أن يمشي بين القبور بهذه النعال، والذي يظهر أن المشي لا يختص بالنعال السبتية، وإنما السبتية وغيرها؛ لأن المقصود بذلك هو: احترام أصحاب القبور، وعدم تعريضهم للإهانة، بأن يمشى بين قبورهم بالنعال، وهذا إذا لم يكن هناك أمر يقتضي المشي في النعال، بأن تكون الأرض حارة رمضاء، أو يكون فيها شوك أو ما إلى ذلك فعند ذلك تلبس النعال، وتتخذ النعال في المقابر، أما في غير ذلك، فإذا كان الإنسان يمشي بين القبور فلا يفعل، أما إذا كان هناك ممرات أو أماكن ليس فيها قبور في المقبرة يمشي فيها الناس، فهذه لا بأس أن يمشي الإنسان فيها بالنعال.
قوله: [(كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر على قبور المسلمين فقال: لقد سبق هؤلاء شراً كثيراً)].
يعني: أنهم فاتوا، ومضوا، وجاء بعدهم شر كثير، فهم سبقوه ومضوا عنه، وخلفهم ذلك الشر الكثير، وجاء بعدهم.
قوله: [(ثم مر على قبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيراً كثيراً)].
يعني: سبقوا، ومضوا، وجاء بعدهم خير كثير، عكس المسلمين.
وقوله: [(فحانت منه التفاتة فرأى رجلا يمشي بين القبور في نعليه فقال: يا صاحب السبتيتين! ألقهما)].

تراجم رجال إسناد حديث: (... يا صاحب السبتيتين ألقهما)

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي وقد مر ذكره قريباً.
[حدثنا وكيع].
هو وكيع بن الجراح وقد مر ذكره قريباً.
[عن الأسود بن شيبان].
ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن خالد بن سمير].
صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن بشير بن نهيك].
هو بشير بن نهيك البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن بشير بن الخصاصية].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.


التسهيل في غير السبتية

شرح حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه أنه ليسمع قرع نعالهم)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [التسهيل في غير السبتية. أخبرنا أحمد بن أبي عبيد الله الوراق حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، أنه ليسمع قرع نعالهم)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: التسهيل في غير السبتية، يعني: تسهيل الأمر في غيرها، وذلك بأنه يمكن أن يمشى في المقابر بغير النعال السبتية، لكن كما ذكرت الذي يظهر والأولى أنه لا يمشى فيها بالنعال مطلقاً لا السبتية، ولا غيرها، إلا إذا كان هناك ممرات أو مواضع خالية ليس فيها قبور فيمشي الناس بنعالهم فيها، ولا مانع من ذلك، وقد أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، (أن الميت إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، أنه ليسمع قرع نعالهم)، وهذا هو محل الشاهد يسمع قرع النعال، معناه: أنهم يمشون بالنعال.
فإذاً: يحمل ما جاء من النهي على النعال السبتية، أما غير السبتية يسهل فيها، هكذا يقول النسائي؛ لكن الأظهر هو التعميم في الحكم، وأنه لا فرق بين السبتية وغير السبتية؛ لأنها كلها تشترك، ولأن فيه تعريض للإهانة لأصحاب القبور في المشي عليهم بالنعال.
أما الحديث الذي أورده النسائي وهو حديث أنس: [(إن الميت إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، أنه ليسمع قرع نعالهم)] فهذا لا يدل على أن ذلك يكون في غير السبتية، بل يكون في السبتية وغيرها، لكن ليس في المشي بين القبور، وإنما يكون في الأماكن الخالية في المقبرة التي ليس فيها قبور، أو يكون في ممرات مثلاً أي: طرق تكون بين القبور لا يمشي الإنسان فيها، وإنما يمشي في طرق ليس فيها قبور، فيكون ما جاء في قوله: (ليسمع قرع نعالهم) أي: أنهم لا يمشون بين المقابر إذا انصرفوا، ولكنهم يمشون في أماكن في المقبرة لا قبور فيها، ومن المعلوم: أن المقابر يبدأ بها من يكون في أبعدها، ثم تمشي القبور شيئاً فشيئاً حتى تمتلئ المقبرة عند الباب، ويكون الدفن في أماكن بعيدة عن الباب، ثم الناس ينصرفون في مكان خال لم تصل إليها القبور فيحمل على ذلك، والله تعالى أعلم، ولهذا فإن الأخذ بالحديث، وشمول ما جاء فيه من النعال السبتية وغيرها بأن الحكم لا يتعلق بالسبتية، وإنما يتعلق بالقبور واحترامها وعدم تعريضها للإهانة، وهذا تشترك فيه النعال السبتية وغير السبتية.
ثم الحديث يدل على سماع الميت قرع النعال، لكن هذا لا يستدل به على أن الميت يسمع كل شيء، وأنه يسمع ما يجري حوله؛ لأن هذه أمور غيبية لا يتكلم فيها إلا بدليل، والدليل جاء بسماعه قرع النعال، فلا يدل على سماعه الأمور الأخرى فيوقف عند النص، ويثبت ما دل عليه النص، ولا يثبت شيئاً لم يدل عليه النص.


تراجم رجال إسناد حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه أنه ليسمع قرع نعالهم)


قوله: [أخبرنا أحمد بن أبي عبيد الله الوراق].ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.
[حدثنا يزيد بن زريع].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد].
هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
وقد مر ذكره.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والذين مر ذكرهم آنفاً.


المسألة في القبر

شرح حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره ... فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [المسألة في القبر. أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك وإبراهيم بن يعقوب بن إسحاق قالا: حدثنا يونس بن محمد عن شيبان عن قتادة أخبرنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم، قال: فيأتيه ملكان، فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعاً)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: المسألة في القبر، يعني: السؤال في القبر عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله عز وجل لهذه الأمة، والسؤال في القبر يكون عن الرب، وعن الدين، وعن النبي صلى الله عليه وسلم التي هي الأصول الثلاثة، وهي: معرفة العبد ربه، ودينه، ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، والنسائي أورد حديث أنس بن مالك الذي فيه: (أنه إذا تولى عنه أصحابه يسمع قرع نعالهم فيأتيه ملكان فيجلسانه)، وهذا من الغيب الذي يجب الإيمان به والتصديق به، وإن لم يكن مدركاً بالعقل؛ لأنه معلوم أن القبر عندما وضع فيه اللحد، واللحد على قدر الإنسان الممتد، فلا يقال: كيف يوضع في القبر، والقبر قد دفن وما فيه إلا اللحد، فكيف يجلس، وجلوسه يحتاج إلى مسافة، هذا من أمور الغيب التي يجب الإيمان بها، والتصديق بما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن لم ندرك كنه ذلك وحقيقته، كما أن الإنسان يعذب في قبره أو ينعم، والناس يفتحون القبر ولا يرون نعيماً، ولا عذاباً، والنعيم موجود والعذاب موجود؛ لأن هذه أمور غيبية لا تقاس على أمور الدنيا وأمور المشاهدة، بل كل ما جاء به النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمور الغيب يجب التصديق به وإن لم يدركها العقل، والإسلام، أو الأحاديث، أو النصوص لا تأتي بما تحيل به العقول، ولكنها تأتي بما تحار به العقول، والشيء الذي تدركه العقول، وهو غيب يجب الإيمان به والتصديق به، وأنه حق ثابت، وأن كل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو واقع طبقاً لما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(فيأتيه ملكان، فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟)].
أي: محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه المسألة في القبر، هذا هو المقصود من الترجمة.
قوله: [(فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعاً)].
يعني: يرى المقعد من النار الذي سلمه الله منه، ويرى النار وما فيها، ويرى المقعد الذي جعله الله له، والذي أعطاه الله إياه، وتفضل عليه به، فيرى المقعدين جميعاً، وجاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أنه (يفتح له باب من الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، ولا يزال كذلك حتى تقوم الساعة).

تراجم رجال إسناد حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره ... فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ ...)

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي وقد مر ذكره.
[وإبراهيم بن يعقوب بن إسحاق].
هو إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
[حدثنا يونس بن محمد].
هو يونس بن محمد البغدادي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شيبان].
هو ابن عبد الرحمن التميمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة أخبرنا أنس].
وقد مر ذكرهما.


مسألة الكافر


شرح حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره... فيأتيه ملكان ...) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مسألة الكافر.أخبرنا أحمد بن أبي عبيد الله حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً خيراً منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعاً، وأما الكافر أو المنافق، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول كما يقول الناس، فيقال له: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: مسألة الكافر، أي: سؤاله في قبره، وأورد فيها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه أن الكافر أو المنافق يسأل، (فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته)، يعني: أنه تابع غيره من الكفار الذين كذبوه، ولم يصدقوه، (فيقال: لا دريت ولا تليت)، يعني: لم تحصل له المعرفة، والدراية، ولم يتابع من يستحق أن يتابع على الحق ممن آمن بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فهو لم يدر، ولم يتبع من يدري، ومن هو على حق، (فيقال له: لا دريت ولا تليت).
قوله: [(فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار)]، ليس أمامه إلا النار، وليس له إلا النار، (فيضرب ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين)، وهذا يدلنا: على أن ما يجري في القبور من الصياح يسمعه غير الثقلين كالبهائم، والحيوانات، فإنها تسمع هذا الذي يجري في القبور، أما الثقلان وهما: الجن والإنس اللذان هما مكلفان فإن الله تعالى أخفى عنهم ذلك، والله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، يجعل هذا الصوت يخرج من مكان معين فيسمعه بعض المخلوقات وهي الدواب، ولا يسمعه الجن والإنس الذين هم مكلفون، والحكمة في ذلك والله تعالى أعلم هي: أنه يتميز من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب، هذه هي الحكمة في كونه أخفي ذلك على الناس، وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان يسمع ما يجري في القبور، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع).

تراجم رجال إسناد حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره... فيأتيه ملكان ...) من طريق أخرى


قوله: [أخبرنا أحمد بن أبي عبيد الله حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن أنس].والإسناد كلهم مر ذكرهم، أحمد بن أبي عبيد الله، ويزيد بن زريع، وسعيد بن أبي عروبة، وقتادة، وأنس.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #602  
قديم 17-06-2022, 11:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجنائز

(356)


- (باب من قتله بطنه) إلى (باب ضمة القبر وضغطته)

من رحمة الله بهذه الأمة أنه لم يحصر أجر الشهادة بمن قتل في سبيل الله، بل ألحق به المطعون والمبطون والغريق وغيرهم، إلا أنهم لا يشاركونه في أحكام الدنيا، بل يغسلون، ويكفنون، ويصلى عليهم.
من قتله بطنه

شرح حديث: (... ألم يقل رسول الله: من يقتله بطنه فلن يعذب في قبره؟ ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قتله بطنه. أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد عن شعبة أخبرني جامع بن شداد سمعت عبد الله بن يسار قال: (كنت جالساً وسليمان بن صرد وخالد بن عرفطة، فذكروا أن رجلاً توفي مات ببطنه، فإذا هما يشتهيان أن يكونا شهداء جنازته، فقال أحدهما للآخر: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقتله بطنه فلن يعذب في قبره؟ فقال الآخر: بلى)].
يقول النسائي: باب من قتله بطنه، المراد من هذه الترجمة هو أن من جملة الشهداء الذين جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفهم بأنهم شهداء المبطون، أي: الذي مات بوجع البطن، والذي جاء التعبير عنه في هذا الحديث وفي هذه الترجمة بأنه قتله بطنه، أي: مات بسبب البطن، وقد فسر المبطون بأنه الذي مات بسبب وجع البطن؛ إما إسهال، وإما استسقاء، فهذا وصف بأنه شهيد، وقد جاء في بعض الأحاديث التنصيص بلفظ المطعون والمبطون، المطعون أي: الذي أصابه الطاعون، وقد جاء أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر جماعة من الشهداء، وهم ليسوا شهداء معركة، ولكنهم وصفوا بأنهم شهداء، أي: أن أجرهم أجر الشهداء، وذكر الشهادة إنما هو في الفضل وعلو المنزلة، وليس بمعنى أنه تجري عليهم أحكام الشهداء، فإن الشهداء في المعركة لهم أحكام تخصهم، ولا يلحق بهم أمثال هؤلاء الذين جاء في بعض الأحاديث وصفهم بأنهم شهداء، فإن شهداء المعركة لا يغسلون، ويدفنون في ثيابهم، وبدمائهم، وأما من مات بغير المعركة، ووصف بأنه شهيد فإنه يغسل، ويصلى عليه.
وقد ذكر النووي رحمه الله في كتاب رياض الصالحين جملة من الأحاديث التي فيها ذكر جماعة من الشهداء، فقال: (باب ذكر جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة، ويغسلون، ويصلى عليهم)، يعني: أن وصفهم بأنهم شهداء إنما هو في ثواب الآخرة، وأما بالنسبة للأحكام الدنيوية التي تحصل للشهيد فإنها لا تكون لهم، فلا يدفنون في ثيابهم، ويصلى عليهم، فهؤلاء يدفنون في أكفان، ويكفنون في أكفان غير ثيابهم الذي ماتوا فيها، ويصلى عليهم بخلاف شهداء المعركة فإنهم يدفنون في ثيابهم، وبدمائهم، ولا يغسلون فيزال عنهم أثر الدم؛ لأنه قد جاء في بعض الأحاديث أنه يأتي يوم القيامة اللون لون الدم، والريح ريح المسك، فيكون دمه وبقاء دمه على جسده وفي ثيابه شهادة على قتله في سبيل الله، وأنه قاتل في سبيل الله حتى خرجت نفسه.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري، الذين ورد فيهم أحاديث ثابتة في وصفهم بأنهم شهداء، وأشار إليهم، وقال: جملة الذين ورد فيهم أحاديث جيدة تدل على أنهم شهداء، هم كذا، وسماهم، وأشار إلى الأحاديث التي وردت فيهم، والذي معنا في هذه الترجمة هو الذي قتله بطنه، هو واحد من هؤلاء الشهداء الذين هم شهداء في ثواب الآخرة، ولكنهم يغسلون، ويصلى عليهم، ولا تجري عليهم أحكام الشهداء في المعركة من حيث أنهم يدفنون في ثيابهم، ولا يغسلون.
ثم أورد النسائي حديث سليمان بن صرد أو خالد بن عرفطة الذي قال فيه واحد منهما للآخر: ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: [(من قتله بطنه لم يعذب في قبره)] فقال الآخر: بلى، أي: أن الحديث ثابت عن كل واحدٍ من هذين الصحابيين؛ لأن واحداً منهم قال: ألم يقل، وهو للتقرير، وذاك أجابه بقوله: بلى، يعني: فكان الحديث عن الصحابيين، فكل واحد من أحدهما قال للآخر هذه المقالة، والثاني صدقه على ما قال، وأيده على ما قال، وأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(إن من قتله بطنه لم يعذب في قبره)]، فالحديث يدل على أن من قتله بطنه، أو مات بسبب وجع البطن أنه من جملة الشهداء الذين جاء ذكرهم في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بوصفهم بأنهم شهداء.
ثم أيضاً ما جاء في الحديث من ذكر أنهما عند محاورتهما وكلامهما، كلام أحدهما على الآخر، أنهما يشتهيان أن يحضرا جنازته، أي: ذلك الشخص الذي مات بوجع البطن، وأن يشهدا جنازته، وهذا يدل على حرص الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على شهود الجنائز، لا سيما من ورد فيه فضل، وورد فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على فضله.
وفيه التذاكر بالعلم، والاستدلال بما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا شأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.


تراجم رجال إسناد حديث: (... ألم يقل رسول الله: من يقتله بطنه فلن يعذب في قبره؟ ...)


قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا خالد].
هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
وهو: ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذه من أعلى صيغ التعديل وأرفعها أن يوصف الشخص بأنه أمير المؤمنين في الحديث، يدل على تمكنه، وعلى علو منزلته، وعلى تقدمه في هذا الفن، وهذا الوصف حصل لجماعة من المحدثين، وهم قليلون، أي الذين وصفوا بهذا الوصف.
[أخبرني جامع بن شداد].
هو جامع بن شداد الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت عبد الله بن يسار].
هو الكوفي، ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[سليمان بن صرد].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[وخالد بن عرفطة].
هو قضاعي صحابي، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.


الشهيد


شرح حديث: (... ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الشهيد. أخبرنا إبراهيم بن الحسن حدثنا حجاج عن ليث بن سعد عن معاوية بن صالح أن صفوان بن عمرو حدثه عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً قال: يا رسول الله! ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة)].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي الشهيد، وأن الشهيد لا تحصل له فتنة القبر، وأنه كفاه ما حصل له عند خروجه من هذه الحياة، وعند مغادرته هذه الحياة، بخروج نفسه في سبيل الله، وكونه قتل شهيداً في سبيل الله، وأن صبره، وإرخاصه نفسه في هذا السبيل في قتال الأعداء، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وهدايتهم إلى الصراط المستقيم كفى بذلك فتنة، فـالنسائي ذكر الشهيد، وذكر تحته هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد، قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) يعني: أن ما حصل له من قتله في سبيل الله، وكون السيوف تبرق وتلمع على رأسه، وهو صابر محتسب يريد الشهادة أو النصر، ويريد إعلاء كلمة الله، ويريد إدخال الناس في دين الله، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، فهو بين أمرين: إما أن يقتل ويكون شهيداً، وإما أن يسلم، ويبقى في هذه مدة؛ المدة التي شاء الله عز وجل، ويحصل بفعله نصرة هذا الدين، والدعوة إلى الخير، والهداية إلى الصراط المستقيم، قال عليه الصلاة والسلام: [(كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة)] أي: أن الفتنة التي تحصل في القبر، وهي سؤال الناس في قبورهم، وامتحانهم، واختبارهم أن ذلك يحصل للمقبورين، ولكن الشهيد كفاه دليلاً على إيمانه، وعلى صدق يقينه، وصبره واحتسابه، ورخص خروج نفسه عليه في سبيل الله بحيث جاد بها وقدمها في سبيل الله عز وجل، فخرجت في قتال الأعداء.
وهذا يدلنا على فضل الشهداء، وعلى عظم شأنهم، وعلى قوة إيمانهم، وعلى صبرهم، ويقينهم، وإرخاصهم لأنفسهم في سبيل الله، وكونهم باعوها على الله عز وجل.


تراجم رجال إسناد حديث: (... ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ ...)


قوله: [أخبرنا إبراهيم بن الحسن].هو إبراهيم بن الحسن المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[حدثنا حجاج].
هو حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ليث بن سعد].
هو ليث بن سعد المصري الثقة، الفقيه، الإمام المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن معاوية بن صالح].
هو ابن حدير الحمصي، وهو صدوق، له أوهام، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[أن صفوان بن عمرو حدثه].
هو صفوان بن عمرو الحمصي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن راشد بن سعد].
ثقة، كثير الإرسال روى له البخاري في الأدب، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن رجل من أصحاب النبي].
هذا النوع يقال له: المبهم، يعني: مثل رجل وامرأة، هذا يقال له: مبهم، أي: لم يسم، وأما إذا سمي، ولكنه احتمل عدة أشخاص فإنه يقال له: المهمل، وهو لا يؤثر في حق أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن المجهول منهم في حكم المعلوم، ما دام نص على أنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكفيه ذلك شرفاً، وفضلاً، ونبلاً أن ينسب إلى صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال الخطيب: إن العلماء اتفقوا على أنه يحتاج إلى معرفة الرجال وأنه لا بد من معرفة أعيانهم وأشخاصهم إلا الصحابي، فإنه لا يحتاج إلى ذلك، فإن المجهول منهم في حكم المعلوم؛ لأنهم كلهم عدول من تعديل الله عز وجل لهم وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم لهم، ولهذا لا يحتاج الصحابي إلى أن يُذكر شيء فوق كونه صحابي، اللهم إلا أن يَذكر شيئاً يتعلق بكونه شهد بدراً، أو شهد بيعة الرضوان أو ما إلى ذلك من الأشياء التي يحصل فيها تفاضل الصحابة، أما من حيث الاعتماد على ما يأتي عنه، والتعويل على ما يجيء من طريقه فإنه يعول على كل ما يأتي عن طريقهم رضي الله عنهم وأرضاهم، سواء عرفت أسماؤهم وأشخاصهم، أو لم تعرف؛ بأن اكتفي بأن يقال: رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما غير الصحابة فلا بد من معرفتهم، ولا بد من البحث في معرفة أسمائهم وأحوالهم، وما إلى ذلك مما يتعلق بهم، أما الصحابة فلا يحتاجون إلى ذلك؛ لأن إضافتهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام وصحبتهم لرسول الله عليه الصلاة والسلام كافية عن أن يحتاج معها إلى تعديل المعدلين، وتوثيق الموثقين رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #603  
قديم 17-06-2022, 11:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح حديث: (الطاعون والمبطون والغريق والنفساء شهادة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن التيمي عن أبي عثمان عن عامر بن مالك عن صفوان بن أمية رضي الله تعالى عنه قال: (الطاعون والمبطون والغريق والنفساء شهادة، قال: وحدثنا أبو عثمان مراراً، ورفعه مرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم)].أورد النسائي حديث صفوان بن أمية رضي الله تعالى عنه، الذي فيه أن الطاعون، والمبطون، والنفساء، والغريق شهادة، أي: أن هذه شهادة، ويوصف صاحبها بأنه من أهل الشهادة أو ممن استشهد، والمقصود من ذلك ثواب الآخرة كما أشرت، وهنا عبر بالمبطون للذي تقدم له ترجمة: من قتله بطنه، فإن المراد بالمبطون هو الذي أصابه البطن ومات بسبب ذلك، فجاء في بعض الأحاديث التعبير عنه بأنه قتله بطنه، وجاء في بعض الأحاديث وصفه بأنه مبطون، كما أنه جاء بالنسبة للذي أصابه الطاعون بأنه مطعون، والمقصود بذلك أصابه الطاعون، وليس مطعوناً.
فالحديث اشتمل على ذكر أربعة من الشهداء، على الذي أصابه الطاعون، والمبطون الذي أصابه مرض البطن وكذلك الغريق الذي مات بالغرق، وكذلك النفساء التي ماتت في نفاسها، فهؤلاء أربعة من الشهداء جاء ذكرهم في هذا الحديث، وهم شهداء في ثواب الآخرة كما ذكرت ذلك عن النووي في رياض الصالحين، حيث قال: باب ذكر جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة، ويغسلون، ويصلى عليهم، ثم أورد جملة من الأحاديث التي فيها ذكر جماعة من الشهداء على هذا الوصف وعلى هذا النحو.
وقد جاء في الحديث أولاً ذكره عن أبي عثمان النهدي وجاء في بعضه أنه رفعه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام مرة، وهذا هو محل الشاهد، فهو أحياناً يكتفي بأن يذكر أن هؤلاء شهداء، ولا ينص برفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحياناً يضيف ذلك -أي: الصحابي- إلى رسول الله صلى الله عليه، فيرفعه ويكون ذلك من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولو لم يأت الرفع في مرة من المرات فإنه يعتبر من قبيل المرفوع حكماً؛ لأن الصحابي إذا أتى بأمرٍ لا مجال للرأي فيه، ولا مجال للاجتهاد فيه، وإنما هو يتعلق بأمور غيبية، ويتعلق بجزاء وثواب خاص، وما إلى ذلك فإن هذا إذا جاء عن صحابي ليس معروفاً بالأخذ عن الإسرائيليات فإنه يعتبر له حكم الرفع؛ لأن المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صنفان أو نوعان: أحدهما مرفوع تصريحاً، وهو الذي يقول فيه الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كذا، أو يقول التابعي يحكي عن الصحابي أنه رفعه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، أي: أسنده إليه، وأضافه إليه، وإذا جاء مثل ذلك، ولم يرفع تصريحاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يتعلق بأمور لا مجال للرأي فيها، ولا مجال للاجتهاد فيها فإنه يقال له: له حكم الرفع؛ لأنه ليس من الأمور التي للرأي فيها مجال.
إذاً: ما يأتي عن الصحابة ينقسم إلى قسمين: شيء للرأي فيه مجال، وهذا يضاف إليهم، ويعتبر من كلامهم، وشيء لا مجال للرأي فيه، والشخص لا يكون معروفاً بالأخذ عن الإسرائيليات، فعند ذلك يكون مرفوعاً إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنه حكماً وليس تصريحاً أو صراحةً.


تراجم رجال إسناد حديث: (الطاعون والمبطون والغريق والنفساء شهادة)


قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو اليشكري السرخسي، وهو ثقة، مأمون سني، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي، ووصف بأنه سني قيل: لأنه أظهر السنة في بلده، ونشرها فقيل له: سني.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان، المحدث، الناقد، وهو ثقة، ثبت، البصري، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن التيمي].
هو سليمان بن طرخان التيمي نسب إلى بني التيم؛ لأنه نزل فيهم، وليس منهم، فهذه نسبة إلى غير ما يسبق إلى الذهن؛ لأن الذي يسبق إلى الذهن إذا قيل: التيمي أنه منهم، لكنه ليس منهم بالفعل، ولكنه نزل فيهم فنسب إليهم، وهو ثقة، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عثمان].
هو عبد الرحمن بن مل مثلث الميم (مِل أو مُل أو مَل) أي: يجوز فيها الفتح والضم والكسر، النهدي، وهو ثقة، ثبت، مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والمخضرمون هم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتشرفوا بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يلقوه، بل علموا به، وتلقوا شريعته، وآمنوا به، وصدقوه، ولكنهم ما ظفروا بلقيه بحيث يوصفون بأنهم صحابة، ولكنهم أدركوا وقته، وزمنه.
[عن عامر بن مالك].
قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب: مقبول، وأخرج حديثه النسائي وحده.
[عن صفوان بن أمية].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.


ضمة القبر وضغطته

شرح حديث: (هذا الذي تحرك له العرش... لقد ضم ضمة ثم فرج عنه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ضمة القبر وضغطته. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عمرو بن محمد العنقزي حدثنا ابن إدريس عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (هذا الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة، لقد ضم ضمة ثم فرج عنه)].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي ضمة القبر وضغطته، ضمته، يعني: تلاقي أطرافه، أو جوانبه، هذا هو المقصود بالضمة وبالضغطة، ومن المعلوم أن من هو من أهل السعادة فإنها لا تضره ذلك، ولكن ذلك حاصل لكل أحد، ولهذا قال بعض العلماء: إن وجه ذلك أنهم خرجوا منها، وأنهم عادوا إليها فتلتقي جوانبها على كل واحدٍ منهم بعد ما يعود إليها، لكن من كان من أهل السعادة، فإنه لا يضره ذلك، أي: هذه الضغطة أو هذه الضمة التي حصلت من الأرض لذلك الجسم.
وقد أورد النسائي في ذلك الحديث المتعلق بـسعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه، سيد الأوس الذي استشهد في غزوة الخندق رضي الله تعالى عنه، وكان أصابه جرح، والنبي صلى الله عليه وسلم وضع له خيمة في المسجد، وكان يزوره فيها، ثم إن جرحه انفتح، ومات بسبب ذلك، فمات شهيداً رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وإن لم يكن مات في الحال؛ لأن ذلك بسبب الجهاد في سبيل الله، وقد اندمل جرحه أو كاد أن يندمل جرحه، ولكنه عاد، وانفجر، ومات بسبب ذلك فكان شهيداً رضي الله عنه وأرضاه، أما سعد بن عبادة فهو سيد الخزرج، كل منهما سعد، وهذا الذي في الحديث سعد بن معاذ سيد الأوس، أما سعد بن عبادة فقد عاش بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وقوله: [(هذا الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة، لقد ضم ضمة، ثم فرج عنه)].
يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر هذه المناقب، وهذه الصفات التي ذكرت له، وهي ثلاث في هذا الحديث: اهتز له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة، ضم في قبره ضمة، ثم فرج عنه، وهذا يدل على حصول ضغطة القبر وضمته، ولكنها لا تضر من كان من أهل السعادة ومن أهل التوفيق من الله عز وجل، وسعد رضي الله عنه من هؤلاء الذين حصل لهم ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث: (هذا الذي تحرك له العرش... لقد ضم ضمة ثم فرج عنه)

قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو المشهور بـابن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
[حدثنا عمرو بن محمد العنقزي].
هو عمرو بن محمد العنقزي الكوفي، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
[حدثنا ابن إدريس].
هو عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #604  
قديم 17-06-2022, 11:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجنائز

(357)

- باب عذاب القبر

لقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على إثبات عذاب القبر، وأنه حق لا شك فيه، وثبتت مشروعية التعوذ منه ومن شر فتنته.
عذاب القبر

شرح حديث: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ... نزلت في عذاب القبر)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب عذاب القبر.أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن أبيه عن خيثمة عن البراء رضي الله عنه قال: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ )[إبراهيم:27] قال: نزلت في عذاب القبر.
يقول النسائي رحمه الله: عذاب القبر، أي: إثباته، وأنه حق، وأن عذاب القبر واقع، وأن ذلك ثابت في كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكذلك النعيم في القبر ثابت، فالنعيم ثابت لمن يستحقه، والعذاب ثابت لمن يستحقه، وقد جاء في القرآن الكريم بعض الآيات الدالة على إثبات عذاب القبر، ومن أوضح ما جاء فيه في القرآن قول الله عز وجل لآل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )[غافر:46] فإن هذه الآية الكريمة تدل على أن آل فرعون يعذبون في النار قبل يوم البعث والنشور، فلهذا قال: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً )[غافر:46] ثم قال: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )[غافر:46]، فينتقلون من عذاب شديد إلى عذاب أشد، فهذه الآية الكريمة دالة على إثبات عذاب القبر، وهذه الآية الكريمة التي معنا أيضاً فيها من تفسير البراء بن عازب رضي الله عنه، ما يدل على أنها نزلت في عذاب القبر، وهي قول الله عز وجل: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ )[إبراهيم:27] فإنه جاء عن البراء بن عازب كما في الحديث الذي معنا أنها نزلت في عذاب القبر، ففي ذلك بيان إثبات عذاب القبر، وبيان أن السنة تفسر القرآن وتبينه، وتدل عليه، وبيان أن قول الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا إنما هو من بيان سبب النزول، وأن ذلك مما يعول عليه، ويعتمد عليه في فهم النصوص، وفي فهم الآيات القرآنية، والمراد من ذكر عذاب القبر أي: ما يترتب على الفتنة، وعلى الاختبار، فإنه يترتب عليه العذاب ويترتب عليه النعيم؛ لأنه قبل العذاب والنعيم يكون هناك اختبار وامتحان، وهي الفتنة، وعلى ضوء النتيجة في الامتحان والاختبار، يكون النعيم أو العذاب، فهنا قال: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )[إبراهيم:27] أي: عندما يمتحنون ويختبرون، وإذا ثبت من ثبت فالنتيجة أنه ينعم في قبره، وإذا لم يثبت وخذل من خذل، ولم يوفق في الجواب على السؤال الذي يسأله عنه منكر ونكير، فإنه عند ذلك يعذب.
إذاً: فالعذاب أثر ونتيجة للاختبار، ومن آثار الاختبار والامتحان الذي دلت عليه الآية وهو: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ )[إبراهيم:27] يعني: عند السؤال يثبتهم في الدنيا، وفي الآخرة، يثبتهم في الدنيا بالتمسك بالحق والإبقاء على الحق، والشهادة لله بالوحدانية، ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة، والتمسك بالدين الذي جاء به النبي الكريم عليه الصلاة والسلام؛ لأن القبر السؤال عنه في ثلاثة أمور: سؤال عن الرب، وعن الدين، وعن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه هي الأصول الثلاثة التي انبنى عليها هذا الدين، وهي: الإيمان بالرب، والإيمان بالرسول، والتمسك بالدين الذي جاء به النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، ولهذا جاء في الحديث ذكر هذه الثلاثة، جاء في صحيح مسلم من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، قال: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً) وكذلك جاء عند الآذان عند ذكر شهادة أن محمداً رسول الله يقول الإنسان عندما يسمع الأذان: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، هذه أصول ثلاثة، وعلى هذه الأصول الثلاثة بنى الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، رسالته العظيمة المختصرة المفيدة التي هي: الأصول الثلاثة وأدلتها، وهذه الأصول الثلاثة معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، هذه الرسالة القيمة لا يستغني عنها مسلم، يعني: سواء كان عامياً أو متعلماً، رسالة عظيمة نفيسة فيها بيان هذه الأمور التي يتعين معرفتها، وهي معرفة الإنسان ربه، ودينه، ونبيه بالأدلة من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي رسالة قيمة مشتملة على الأمور أو الأصول التي يسأل عنها في القبر، وهي التي جاءت في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً).
وعلى هذا فعذاب القبر حق ثابت تواترت به الأحاديث، وجاء في بعض الآيات ما يدل عليه، فهو حق يجب الإيمان به والتصديق، وهو يحصل في الحياة البرزخية التي هي بعد الموت وقبل البعث؛ لأن الحياة أو أنواع الحياة ثلاثة: الحياة الدنيوية، والحياة البرزخية، والحياة الأخروية بعد البعث، وكل حياة تختلف عن الأخرى، والحياة البرزخية هي الحياة في القبر، فينعم الإنسان إذا كان من الموفقين، ويعذب إذا كان بخلاف ذلك، والعياذ بالله، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، في إثبات عذاب القبر، وأنه حق، وأنه يجب الإيمان به، والتصديق به لثبوته في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وحديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، الذي أورده النسائي فيه بيان سبب نزول هذه الآية، وفيه: بيان أن السنة تبين القرآن وتفسره، وتدل عليه؛ لأنه جاء عن البراء بن عازب أنها نزلت في عذاب القبر، أي: في السؤال في عذاب القبر وما يترتب على السؤال من نعيم وعذاب نتيجة لهذا السؤال، كل ذلك حق ثابت عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ... نزلت في عذاب القبر)

قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور].هو ابن بهرام المروزي وهو ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[حدثنا عبد الرحمن].
هو ابن مهدي البصري المحدث المشهور، الإمام الناقد، المتكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو ابن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة ثبت حجة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو مشهور بالفقه، ومشهور بالحديث، جمع بين الحديث والفقه، فهو من أئمة الحديث، ومن أئمة الفقه، وكثيراً ما يأتي ذكره في كتب الفقه في بيان أقواله وآرائه، فهو محدث فقيه، وقد ذكر الحازمي في كتابه: شروط الأئمة الخمسة أنهم عندما يريدون أن يميزوا شخصاً عن شخص في الحفظ، والإتقان يحصرون أغلاطه، أي: يعدون أغلاطه، فمن كانت أغلاطه أكثر أو أقل، فإنهم يفاوتون بين الأشخاص في التقدم والتثبت بعد أغلاطهم التي غلطوا فيها وهي قليلة، فمن وجدوه غلط أقل، قدموه في الحفظ والإتقان على من غلط أكثر؛ ولهذا ذكروا عن سفيان الثوري، وعن شعبة، وكل منهما أمير في الحديث قارنوا بين الشخصين وقدموا سفيان على شعبة، مع أن كل منهم في القمة، لكن لكون هذا له أغلاط وهذا له أغلاط، وهذا أقل من هذا، فقدموا هذا على هذا.
[عن أبيه].
هو سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خيثمة].
هو ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن البراء].
هو البراء بن عازب وهو صحابي ابن صحابي رضي الله تعالى عنهما، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (يثبت الله الذين آمنوا... قال: نزلت في عذاب القبر) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ )[إبراهيم:27] قال: نزلت في عذاب القبر، يقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، وديني دين محمد صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ )[إبراهيم:27])].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، عن البراء بن عازب وهو مثل الذي قبله، في بيان أن قول الله عز وجل: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ )[إبراهيم:27] أنها نزلت في عذاب القبر، وأن هذا التثبيت إنما هو عند السؤال عن الرب، والدين، والنبي، وأنه يجيب إذا كان موفقاً بحيث يثبته الله، ويسدده الله، فيكون جوابه صواباً، فيكون عند ذلك من المنعمين، وإذا كان بخلاف ذلك والعياذ بالله، فإنه يكون من المعذبين أو يحصل له العذاب في قبره، فالحديث دال على إثبات عذاب القبر، وفيه: بيان أن سبب نزول هذه الآية أنها نزلت في عذاب القبر، فهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه زيادة إيضاح وبيان للسؤال، والتثبيت عند السؤال، وأنه يكون عن السؤال عن الرب، وعن الدين، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم.


تراجم رجال إسناد حديث: (يثبت الله الذين آمنوا... قال: نزلت في عذاب القبر) من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار شيوخ البخاري، ومثله في ذلك محمد بن المثنى الملقب الزمن، وكذلك يعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهؤلاء من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهم من صغار شيوخ البخاري، وماتوا جميعاً في سنة واحدة قبل وفاة البخاري بأربع سنوات.
إذاً: البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، وهؤلاء الثلاثة من شيوخه ماتوا سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
ومحمد، هنا غير منسوب، ويسمى مثل ذلك المهمل، إذا ذكر الشخص ولم ينسب، فاسمه في المصطلح المهمل، بخلاف ما إذا لم يذكر الاسم ولكن أبهم بأن قيل: رجل، أو امرأة، فذاك يقال له: المبهم، فالمبهم ما فيه ذكر الاسم، والمهمل فيه ذكر الاسم، لكن ما فيه نسب، ما نسب حتى يتميز ويعرف، محمد ومحمد كثير، اسمه محمد الشخص الذي يروي عنه محمد بن بشار، هو غير منسوب فيقال له: المهمل، ومعرفة ذلك بمعرفة الشيوخ والتلاميذ، ومن المعلوم أن شعبة إذا جاء عنه شخص اسمه محمد مهملاً، فالمراد به محمد بن جعفر غندر، وكذلك محمد بن بشار ومحمد بن المثنى إذا جاء لهم شيخ لم ينسب اسمه محمد، فالمراد به محمد بن جعفر الملقب غندر، فمحمد هذا هو غندر، محمد بن جعفر البصري، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو ابن حجاج الواسطي ثم البصري، لأنه كان من أهل واسط ثم كان من أهل البصرة، ولهذا عندما يكون الإنسان سكن بلدين يذكرونهما، ولكن يذكرون الأولى والأخيرة، ويأتون بكلمة ثم التي تدل على الترتيب وعلى أن هذا كان هذا ثم هذا، فهو واسطي ثم بصري، فهو عندما ينسب الإنسان إلى بلاد متعددة، ويكون سكنها ونزل فيها، يذكرونها ويأتون بثم تبين أن كل من النسبتين صحيحة وأنه ليس فيه غلط، وأن واحدة كانت متقدمة، والثانية متأخرة، فما قبل ثم هو الأول، وما بعد ثم هو المسكن الأخير، فهو الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من الذين وصفوا بأنهم من أمراء المؤمنين في الحديث.
[عن علقمة بن مرثد].
أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد بن عبيدة].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن البراء].
هو البراء بن عازب، وقد مر ذكره في الحديث الذي قبل هذا.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #605  
قديم 17-06-2022, 11:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح حديث: (... لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن حميد عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوتاً من قبر فقال: متى مات هذا؟ قالوا: مات في الجاهلية، فسر بذلك وقال: لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي فمر بقبر فسمع صوتاً، يعني: صوت المعذب في قبره، (فقال: متى كان هذا؟) قالوا: في الجاهلية، يعني: هذا القبر كان في الجاهلية، (فسر بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام)، يعني: أنه ما كان من المؤمنين، لم يكن مؤمناً يعذب في قبره، وإنما كان كافراً مات في الجاهلية، ويعذب في قبره، وهو كافر، وعذاب القبر يكون للكفار ويكون لمن شاء الله عز وجل من أهل المعاصي، والحديث هذا يدل على عذاب الكفار، وحديث عذاب آل فرعون، والآية التي تدل على عذاب آل فرعون هي للكفار، والحديث الذي فيه ذكر الذين يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستبرئ من بوله، فهؤلاء يعذبون بالمعاصي، مسلمون يعذبون بسبب المعاصي، فعذاب القبر يكون سببه الكفر ويكون سببه المعاصي، فهو للكفار، ولمن شاء الله تعالى من المؤمنين المذنبين الذين لم يشأ الله عز وجل أن يغفر لهم، بل شاء أن يعذبهم على ما حصل منهم، ولكن كما عرفنا دائماً وأبداً، وكما نذكره أن مذهب أهل السنة والجماعة أن من مات على التوحيد، فإنه إذا شاء الله عذابه، فإنه لا بد أن ينتهي عذابه، ولا بد أن يخرج من النار إذا دخلها، ويدخل الجنة بعد ذلك، فمآله إلى الجنة ولا بد، ولا يبقى في النار أبد الآباد إلا الكفار الذين هم أهل النار والذين لا سبيل لهم للخروج من النار أبداً، أما المؤمنون الذين عندهم معاص، فإن هؤلاء إذا شاء الله عذابهم، فإنهم يعذبون الفترة التي شاء الله عز وجل أن يعذبوها، ثم إنهم يخلصون من العذاب، ويخرجون من النار، ويدخلون الجنة.
فالرسول عليه الصلاة والسلام، لما ذكر له أن هذا في الجاهلية سر، يعني: سر إذ لم يكن مؤمناً يعذب، وإنما كان كافراً يعذب على كفره، ففيه: إثبات عذاب القبر، وأنه حق، وأنه يكون للكفار، وجاء في بعض الأحاديث أنه يكون للمسلمين العصاة، كما في حديث صاحبي القبرين المعذبين في عدم الاستبراء من البول، وفي المشي بالنميمة.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: (فسمع صوتاً) والناس ما سمعوا، لكن الله تعالى أسمعه، ولم يسمع الناس، والله على كل شيء قدير، يعني: أشخاص مع بعض واحد يسمع هذا الذي هو أمر مغيب وجماعة لا يسمعون، والله تعالى من حكمته أن أخفى على الناس عذاب القبر، ولو ظهر للناس عذاب القبر ما يتميز المؤمن وغير المؤمن؛ لأن الناس كلهم يصيبهم الهلع، ولا يتميز من يؤمن بالغيب، ومن لا يؤمن بالغيب، لكن الله تعالى أخفى عذاب القبر وأخبر به، فالمؤمن مصدق يؤمن به، ولو لم يسمع ولو لم يشاهد، فعذاب القبر حق، لو فتح القبر، وما رأى عذاباً يعلم بأن العذاب موجود ولو ما رآه، وكذلك العذاب يجري في القبر، ويحصل الصراخ والصياح، ومع ذلك الله تعالى لم يسمع الناس، وقد جاء في بعض الأحاديث أن الإنسان في قبره يصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا البهائم، يسمعها كل شيء إلا الثقلين الجن والإنس؛ لأنهم مكلفون فشاء الله عز وجل أن يخفي عنهم هذا الذي يجري في القبور، والرسول صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على ذلك، وأسمعه إياه، وقال عليه الصلاة والسلام: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر) يعني: يسمعهم الأصوات التي تحصل بسبب العذاب، وفي بعض الأحاديث: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)؛ لأن الله تعالى أسمعه، ولم يسمعهم لحكمة وهي أنه يتميز من يؤمن بالغيب، ومن لا يؤمن بالغيب؛ لأن إخبار الناس بأخبار لم يشاهدوها ولم يعاينوها يتميز به من يؤمن، ومن لا يؤمن، لكن لو ظهر للناس العذاب، وهذه الأمور المخبأة، والأمور المخفاة عليهم لم تحصل الحكمة، وما حصل تمييز من يؤمن بالغيب، ومن لا يؤمن بالغيب، ومن المعلوم أنه إذا حصل تألم وتأثر بحضرة أحد من الناس، فإنه لا يرتاح، ولا يهدأ له بال، لو كان هناك مريض يتألم ويحصل تململ وصياح فالذين حوله لا يستريحون، ولا يقر لهم قرار، ولا يهدأ لهم بال، بسبب ما يسمعونه من شدة المرض الذي يحصل للإنسان، فلذلك الله تعالى أخفى عذاب القبر، وهذه أمور دنيوية إذا شاهدوها يحصل لهم ما يحصل من التألم والتأثر، فكيف لو سمعوا ما يجري في القبور من العذاب، والصراخ، والصياح الذي يكون بسبب العذاب، العذاب الذي يكون في القبر (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر) المراد بذلك أنهم يصيبهم الهلع والذعر، بل قد يموتون، ويحصل لهم الهزال الذي لا يستطيعون أن يدفن بعضهم بعضاً، وعذاب القبر كما هو معلوم يكون لمن يستحقه، دفن أو لم يدفن، قبر أو لم يقبر، لكن ذكر عذاب القبر لأن غالب الناس يقبرون، لكن من الناس من لا يقبر، منهم من تأكله السباع، ومنهم من يحترق في النار، ويطير في الهواء، ومنهم من يغرق، وتأكله الحيتان، فمن يستحق العذاب يأتي إليه العذاب ولو لم يقبر، والله تعالى على كل شيء قدير، فليست القضية خاصة بمن يدفن، والإنسان الذي لا يدفن لا يصل إليه عذاب القبر، لا، بل عذاب القبر يصل إلى من يستحقه، قبر أو لم يقبر، لكن المقصود من قوله: (لولا ألا تدافنوا) معناه أنه يصيبهم الهلع والذعر، ويحصل الهلاك والشدة التي لا تجعل الناس يستطيعون أن يدفن بعضهم بعضاً، (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر) وجاء في بعض الأحاديث (أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)، والله تعالى على كل شيء قدير، أسمع نبيه، ولم يسمع من كان مع نبيه عليه الصلاة والسلام، والبهائم كانت تسمع، وجاء في الأحاديث أنها تسمع، وأنها يحصل منها اضطراب عندما تسمع ما يجري في القبور، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه، أنهم كانوا في الشام إذا أصاب الخيل احتباس البطون، يمرون بها من عند قبور الكفار الذين ماتوا فيحصل لها ما يحصل بما تسمع، فتنطلق بطونها بعد أن كانت محتبسة البطون، فإنه يحصل لها انطلاق، واستطلاق لبطونها بسبب ذلك؛ لأن الله تعالى يسمعها ما يجري في القبور، وقد جاء في الحديث أنه يصيح صيحة تسمعها كل شيء إلا الثقلين، ولو سمعها الإنسان لصعق.

تراجم رجال إسناد حديث: (... لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر)


قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].هو سويد بن نصر المروزي لقبه الشاه، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وهو راوية عبد الله بن المبارك المروزي، وإذا جاء سويد بن نصر يروي عن عبد الله غير منسوب فهو عبد الله بن المبارك، وهذا المهمل أيضاً مثلما مر في محمد بن جعفر الذي يروي عن شعبة غير منسوب، وهذا عبد الله غير منسوب فهو مهمل، وإذا جاء سويد بن نصر يروي عن عبد الله، فـعبد الله هو ابن المبارك المروزي، فكلما جاء سويد بن نصر يروي عن عبد الله ولم يذكر اسم عبد الله فالمراد به عبد الله بن المبارك المروزي؛ لأنه راويته، يعني: هو الذي يأخذ الحديث عنه، ويتلقى عنه؛ ولهذا يهمله ولا يحتاج إلى أن ينسبه لأنه مشهور، ومعروف بالرواية عنه، عبد الله بن المبارك المروزي ثقة ثبت، وصفه الحافظ ابن حجر في التقريب بصفات عديدة فقال: جواد، مجاهد، عابد، جمعت فهي خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن حميد].
هو حميد بن أبي حميد الطويل البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، خدمه عشر سنوات منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله عز وجل وهو يخدمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ومن أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وهذا الحديث يرويه سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك وهما مروزيان، وحميد بن أبي حميد الطويل عن أنس وهما بصريان، وإسناد هذا الحديث رباعي، ومن الأسانيد الرباعية التي هي أعلى ما يكون عند النسائي؛ لأن أعلى ما يكون عند النسائي الرباعيات، يكون بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعة أشخاص، وأطول ما يكون عنده التساعي، يعني: تسعة رجال تسعة أشخاص، وقد مر بنا الإسناد التساعي في حديث فضل: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )[الإخلاص:1]، وفي إسناده تسعة رجال، قال النسائي: وهذا أطول إسناد.

وأصحاب الكتب الستة ثلاثة منهم عندهم ثلاثيات، وثلاثة أعلى ما عندهم الرباعيات، فـالبخاري عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً في صحيحه فبين البخاري وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيها ثلاثة أشخاص الصحابي والتابعي وتابع التابعي، والترمذي عنده حديث واحد، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية بإسناد واحد، وهو إسناد ضعيف، أما مسلم، وأبو داود، والنسائي فهؤلاء ليس عندهم ثلاثيات، وأعلى ما عندهم الرباعيات، والحديث الذي معنا هو حديث سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك عن حميد بن أبي حميد الطويل عن أنس بن مالك هذا من هذه الأسانيد العالية عند النسائي.

شرح حديث: (خرج رسول الله بعدما غربت الشمس فسمع صوتاً فقال: يهود تعذب في قبورها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن شعبة أخبرني عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن البراء بن عازب عن أبي أيوب قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما غربت الشمس فسمع صوتاً، فقال: يهود تعذب في قبورها)].ثم أورد النسائي حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بعد ما غربت الشمس فسمع صوتاً، فقال: يهود تعذب في قبورها)، يعني: اليهود الذين ماتوا من قبل، وسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت العذاب الذي يحصل لهم، سمع أصواتهم وهم يعذبون، وأصحابه الذين معه ما كانوا يسمعون، وهذا من كمال قدرة الله عز وجل يسمع من شاء، ويخفي ذلك عمن يشاء، وكلهم في مكان واحد يسمع الرسول صلى الله عليه وسلم وهم لم يسمعوا، أسمع الله نبيه ولم يسمعهم، وذلك لحكمة كما أشرت إلى ذلك من قبل، فقال عليه الصلاة والسلام: (يهود تعذب في قبورها) يعني: هذا الصوت صوت المعذبين في القبور من اليهود الذين كانوا في هذه القبور، فالحديث دال على إثبات عذاب القبر، وأنه حق، وأنه يعذب الكفار في قبورهم لأن اليهود في الحديث هم الذين يعذبون فهو عذاب كفار.


تراجم رجال إسناد حديث: (خرج رسول الله بعدما غربت الشمس فسمع صوتاً فقال: يهود تعذب في قبورها)


قوله: [حدثنا عبيد الله بن سعيد].هو عبيد الله بن سعيد اليشكري السرخسي، وهو ثقة مأمون سني، حديثه أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
[حدثنا يحيى].
هو ابن سعيد القطان وهو ثقة ثبت، محدث ناقد، من أئمة الجرح والتعديل، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
هو ابن الحجاج وقد تقدم ذكره قريباً.
[أخبرني عون بن أبي جحيفة].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو وهب بن عبد الله السوائي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنه.
[عن البراء بن عازب].
وقد مر ذكره.
والبراء بن عازب يروي عن أبي أيوب الأنصاري، وأبو أيوب الأنصاري هو خالد بن زيد الأنصاري من كبار الصحابة، وهو صحابي مشهور رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو الذي نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره لما قدم المدينة أول ما قدمها، فـأبو أيوب صحابي مشهور، والحديث فيه ثلاثة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض: وهب بن عبد الله السوائي أبو جحيفة يروي عن البراء بن عازب والبراء بن عازب يروي عن أبي أيوب الأنصاري، فالإسناد فيه ثلاثة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض.
فالصحابة الثلاثة كلهم أخرج حديثهم أصحاب الكتب الستة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #606  
قديم 17-06-2022, 11:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجنائز

(358)

- باب التعوذ من عذاب القبر - باب وضع الجريدة على القبر

جعل الله حياة الإنسان على مراحل، فبعد الدنيا مرحلة القبر، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن له فتنة من أعظم الفتن، وأن الناس فيه ما بين منعم ومعذب، ومر على قبرين يعذبان فوضع عليهما جريدة من النخل ليخفف عنهما العذاب، وأمرنا بالاستعاذة من فتنة القبر وعذابه.
التعوذ من عذاب القبر

شرح حديث: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [التعوذ من عذاب القبر.أخبرنا يحيى بن درست حدثنا أبو إسماعيل حدثنا يحيى بن أبي كثير أن أبا سلمة حدثه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من عذاب النار، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال)].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: التعوذ من عذاب القبر، والأحاديث التي وردت في هذه الترجمة كلها دالة على إثبات عذاب القبر؛ لأن التعوذ منه دليل على ثبوته، وأنه حاصل، وأن الإنسان يسأل الله عز وجل أن ينجيه منه وأن يعيذه منه، فالترجمة الأولى في إثبات عذاب القبر، وهذه في إثبات التعوذ، وهي أيضاً دالة على ما دلت عليه الترجمة السابقة من حيث إثبات عذاب القبر، وعلى التعوذ منه، وأن الإنسان يسأل الله عز وجل أن يعيذه منه، فكل الأحاديث التي فيها التعوذ فهي دالة على إثبات عذاب القبر، والتي ليس فيها التعوذ دالة على إثبات عذاب القبر، لكن الترجمة هنا المقصود بها التعوذ من عذاب القبر، وأن الإنسان يسأل الله عز وجل أن يعيذه منه.
وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من عذاب النار، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) هذه أربع كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ منها.
قوله: [(اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من عذاب النار، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال)] أربعة أشياء كان عليه الصلاة والسلام، يستعيذ بالله منها، والمقصود منها الفقرة الأولى: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر) فالحديث دال عليها، وهو دال أيضاً على التعوذ بالله من فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن فتنة عذاب النار، ففيه: الاشتمال على أمور خاصة، وعلى أمور عامة.
(فتنة المحيا والممات) يعني: ما يجري في الحياة من الفتن، وكذلك ما يجري في القبر من الفتن، ففيه إثبات عذاب القبر والفتنة فيه، وأن الإنسان يستعيذ بالله من هذه الأمور الأربعة: عذاب القبر، وعذاب النار، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال الذي تواترت به الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذي يأتي في آخر الزمان، ويبتلي الله عز وجل به من يبتلي، ويمتحن به من يمتحن، فيتبعه من يتبعه ويبتعد عنه من يبتعد، وفتنته هي من أعظم الفتن التي حذر منها رسول الله عليه الصلاة والسلام، بأنه يأتي بأمور عظيمة وعجيبة، فيثبت الله عز وجل من شاء من عباده فلا ينخدع بما معه مما يفتن، ويخذل من يخذل فيتبعه ويصدقه فيما يقول، والعياذ بالله، وهو من علامات الساعة؛ لأنه إذا خرج ينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء، ويقتله بباب لُد من أرض فلسطين، ويري الناس دمه بحربته، فيكون مسيح الهداية يقتل مسيح الضلالة، المسيح عيسى بن مريم يقتل المسيح الدجال في آخر الزمان، وكل منهما من علامات قيام الساعة الكبرى التي إذا جاءت وإذا وجدت، فإن الساعة قريبة.

تراجم رجال إسناد حديث: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ...)

قوله: [أخبرنا يحيى بن درست].هو البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا أبو إسماعيل].
هو القناد، واسمه إبراهيم بن عبد الملك البصري، وهو صدوق، في حفظه شيء، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[حدثنا يحيى بن أبي كثير].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو صاحب الكلمة المأثورة التي شأنها عظيم في طلب العلم، والحث عليه، وهي قوله: (لا يستطاع العلم براحة الجسم)، فمن أراد أن يحصل العلم فلن يحصله بالراحة والإخلاد إليها، وإنما يحصله بالتعب، والنصب، والمشقة، وقد أورد الإمام مسلم في صحيحه هذا الأثر عنه بإسناده إليه؛ فمن أراد شيئاً فليبذل أشياء في سبيل تحصيله، أما أن يريد ولا يبذل، فهذه هي الأماني الكاذبة، التي هي أمان لا تتجاوز ذهن صاحبها ولا يحصل صاحبها شيئاً من ورائها، وإنما يحصل الإنسان العلم بالتعب، والنصب، والمشقة.
[أن أبا سلمة حدثه].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع؛ لأن فقهاء المدينة السبعة ستة منهم متفق على عدهم في الفقهاء، والسابع فيه ثلاثة أقوال، فالمتفق على عدهم هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف هذا الذي معنا، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فإذاً: أبو سلمة هذا هو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع، وهؤلاء الفقهاء السبعة هم في المدينة في عصر التابعين، اشتهروا بهذا اللقب، وهذا يأتي في كتب الفقه في بعض المسائل: قال بها الفقهاء السبعة، يكتفون بهذا اللقب قال بها، أو قال بهذا القول الفقهاء السبعة، يعنون بذلك هؤلاء الفقهاء السبعة.
[عن أبي هريرة].
رضي الله عنه، هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه على الإطلاق حديثاً، والصحابة المعروفون بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم أبو هريرة، وهو أكثرهم أبو هريرة رضي الله عنه، وكذلك أنس رضي الله عنه وهو منهم، فهم سبعة أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وجابر، وأبو سعيد، وعائشة، ستة رجال وامرأة واحدة، هؤلاء هم المعروفون بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


شرح حديث أبي هريرة: (سمعت رسول الله بعد ذلك يستعيذ من عذاب القبر)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو عن ابن وهب أخبرنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يستعيذ من عذاب القبر].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً، وفيه: (أنه سمع رسول الله بعد ذلك يستعيذ بالله من عذاب القبر)، يعني: بعد الحالة التي قد حصلت، ولا أذكرها الآن، ولعلها بعد ما أخبرهم بالتعوذ من هذه الأشياء، وأنه كان بعد ذلك يستعيذ بالله من عذاب القبر، يعني: بعد أن أوحي إليه بأن الناس يعذبون في قبورهم، قال: (سمعته بعد ذلك يستعيذ بالله من عذاب القبر)، ففيه: الاستعاذة من عذاب القبر، وهو ضمن الترجمة التعوذ من عذاب القبر.


تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (سمعت رسول الله بعد ذلك يستعيذ من عذاب القبر)


قوله: [أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو].هو عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والنسائي.
[عن ابن وهب].
وقد مر ذكره.
[أخبرنا يونس بن يزيد].
هو يونس بن يزيد الأيلي، وقد مر ذكره.
[عن ابن شهاب ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، وهو ثقة، فقيه، من صغار التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن حميد بن عبد الرحمن].
هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.


شرح حديث: (قام رسول الله فذكر الفتنة التي يفتن بها المرء في قبره ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سليمان بن داود عن ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أنه سمع أسماء بنت أبي بكر تقول: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الفتنة التي يفتن بها المرء في قبره، فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجة حالت بيني وبين أن أفهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سكنت ضجتهم قلت لرجل قريب مني: أي بارك الله لك! ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر قوله؟ قال: قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور قريباً من فتنة الدجال)].أورد النسائي حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وأرضاها، أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه بأن المرء يفتن في قبره فضجوا، فحصل منهم أصوات من الخوف والذعر لما أخبرهم به رسول الله عليه الصلاة والسلام، فخفي على أسماء رضي الله عنها شيء من آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألت رجلاً قريباً منها عن الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر ما قال، فقال: (إنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم قريباً من فتنة الدجال)، فالمقصود بهذا التشبيه: هو شدة الهول والعظم والعموم، يعني: معناه كما أن فتنة الدجال هي عظيمة وعامة، فكذلك الفتنة في القبور تشبهها في شدتها، وعظمها، وخطورتها، ففيه: إثبات عذاب القبر وإثبات الفتنة في القبر، وهو ما ترجم له النسائي، بقوله: التعوذ بالله من عذاب القبر.
وهذا اللفظ ليس فيه ذكر التعوذ بالله من عذاب القبر، لكن فيه إثبات الفتنة وبيان عظم شأنها وأن شأنها عظيم، وأنها خطيرة، وأنها في عمومها، وشمولها، وخطرها، وعظمها قريب من فتنة الدجال، والنبي عليه الصلاة والسلام، كان يجمع في التعوذ بين فتنة الدجال وبين عذاب القبر، كما مر في الحديث الأول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، التعوذ بالله من عذاب القبر، والتعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال، من أربع منها هاتان الفتنتان، فتنة القبر، وفتنة المسيح الدجال.

تراجم رجال إسناد حديث: (قام رسول الله فذكر الفتنة التي يفتن بها المرء في قبره ...)


قوله: [أخبرنا سليمان بن داود].هو أبو الربيع المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن ابن وهب].
وقد مر ذكره.
[أخبرني يونس].
هو يونس بن يزيد الأيلي، وقد مر ذكره.
[عن ابن شهاب].
وقد مر ذكره.
[أخرني عروة].
هو عروة بن الزبير بن العوام وهو أحد الفقهاء السبعة في عصر التابعين الذين مر ذكرهم، وهو من الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، عروة بن الزبير بن العوام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[أنه سمع أسماء بنت أبي بكر].
يعني: عروة بن الزبير يروي عن أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها وأرضاها؛ لأن أمه أسماء وخالته عائشة، فهي من رواية الأبناء عن الآباء، ابن الزبير يروي عن أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.


شرح حديث: (أن رسول الله كان يعلمهم هذا الدعاء ... وأعوذ بك من عذاب القبر ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن أبي الزبير عن طاوس عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن: (قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات)].يقول النسائي رحمه الله في هذه الترجمة: التعوذ بالله من عذاب القبر، ومر جملة من الأحاديث التي تحت هذه الترجمة، وبقي بعض الأحاديث الداخلة تحتها، والمشتملة على التعوذ بالله من عذاب القبر، وكما أسلفت أن الأحاديث دالة على إثبات عذاب القبر، وعلى التعوذ بالله منه؛ لأن الأحاديث الدالة على التعوذ منه دالة على إثباته، فهي مشتملة على هذا وعلى هذا، وسبق للنسائي أن وضع ترجمة في إثبات عذاب القبر، وعقبها بهذه الترجمة التي هي التعوذ بالله من عذاب القبر، وهي أيضاً دالة على ما دلت عليه الترجمة السابقة، وفيها بالإضافة إلى إثبات عذاب القبر إثبات التعوذ منه، ومشروعيته، وأن السنة قد جاءت بالتعوذ منه عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وقد أورد النسائي هنا حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، (أنه كان يعلمهم هذا الدعاء المشتمل على التعوذ بالله من عذاب القبر ومن أمور أخرى معه، كما يعلمهم السورة من القرآن)، ومعناه أنه يعتني به عناية تامة، وأنه يعلمهم إياه كما يعلمهم السورة من القرآن؛ حتى يأتوا به، وحتى يستعيذوا بالله عز وجل من هذه الأمور التي يتعوذ بالله منها، فهو دليل على الاعتناء والاهتمام، وعلى عظم شأن هذا الدعاء، وأن شأنه عظيم، وأن الإنسان عليه أن يحرص عليه، بل يأتي به في آخر صلاته في التشهد الأخير، وقد جاء في بعض الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتعوذ في ذلك في صلاته كما سيأتي في بعض الأحاديث، فهو دال على الاهتمام بهذا الدعاء المشتمل على أربعة أمور، التعوذ بالله من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، وقد مر بعض الأحاديث المشتملة على هذه الأربع الجمل التي اشتمل عليها هذا الدعاء من رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ففيه: إثبات عذاب القبر، وإثبات التعوذ منه، والاهتمام بهذا الدعاء وبيان عظم شأنه، وأن النبي عليه الصلاة والسلام، كان يهتم به حتى أنه يعلمهم إياه كما يعلمهم السورة من القرآن، وكذلك التعوذ بالله من عذاب النار، وإثبات النار، وإثبات عذابها، وإثبات التعوذ من عذابها، وأنها موجودة، ومن يستحق العذاب يصل إليه عذابه قبل أن يبعث في قبره، كما سبق أن مر في قصة آل فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46].
وفتنة المحيا والممات: تشمل الفتن التي تجري في الحياة وفي الممات، وفتنة المسيح الدجال هي من فتنة الحياة وتكون في آخر الزمان في الوقت الذي ينزل فيه عيسى بن مريم من السماء، ويقتل الدجال الذي يكون في الأرض قبل أن ينزل عيسى، فعيسى مسيح الهداية يقتل الدجال مسيح الضلالة، كما ثبتت بذلك السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.


تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يعلمهم هذا الدعاء ... وأعوذ بك من عذاب القبر ...)


قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك].
هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن طاوس].
هو طاوس بن كيسان اليماني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عباس].
هو ابن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنه، وعن أبيه، وعن الصحابة أجمعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، بل هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذين هم أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وأنس، وجابر، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.


شرح حديث عائشة: (دخل علي رسول الله وعندي امرأة من اليهود ... فسمعت رسول الله بعد يستعيذ من عذاب القبر)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سليمان بن داود عن ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني عروة أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي امرأة من اليهود وهي تقول: إنكم تفتنون في القبور، فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنما تفتن يهود، وقالت عائشة: فلبثنا ليالي ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور، قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يستعيذ من عذاب القبر)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليها وعندها امرأة من اليهود، فقالت: إنكم تفتنون في القبور، فأخبرت عائشة رضي الله عنها، بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتاع لذلك؛ لأنه لم يوح عليه شيء في ذلك، وهو إنما يتكلم بالوحي وينطق به وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وقال: (إنما تعذب يهود، ثم إنه لبث ليالي أو أياماً، وبعد ذلك قال: أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور) فدل هذا على أن الرسول عليه الصلاة والسلام أوحي إليه بإثبات الفتنة في القبر، وبحصول السؤال فيه، وكان عليه الصلاة والسلام قبل ذلك لم ينزل عليه شيء يدل على ذلك، ولكنه أخبر بأن اليهود تفتن في قبورها، وأنها تعذب في قبورها، وقد سبق أن ورد في بعض الأحاديث أنه مر بقبور وسمع صوتاً، وقال: (يهود تعذب في قبورها)، فدل ذلك على أن النبي عليه الصلاة والسلام قد أطلعه الله عز وجل على أن اليهود يعذبون في قبورهم، ثم أوحي إليه بعد ذلك أن الناس يمتحنون ويفتنون في قبورهم، وقد جاء ذلك مبيناً في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث جاءت الأحاديث بكون الإنسان يسأل عن ربه، ودينه، ونبيه، وأن الله تعالى يثبت من يثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين.
ففيه: إثبات عذاب القبر، وإثبات الامتحان والاختبار وأن الامتحان، والاختبار، والعذاب إنما يكون لهذه الأمة كما يكون لغيرها، فالامتحان يكون لهذه الأمة ولغيرها، والعذاب يكون لمن يستحقه من هذه الأمة ومن غيرها من الأمم.
تراجم رجال إسناد حديث: (دخل علي رسول الله وعندي امرأة من اليهود ... فسمعت رسول الله بعد يستعيذ من عذاب القبر)

قوله: [أخبرنا سليمان بن داود]هو سليمان بن داود المصري أبو الربيع، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[عن ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس].
هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، وهو ثقة، فقيه، من صغار التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثني عروة].
هو عروة بن الزبير بن العوام التابعي المشهور أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[أن عائشة].
هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصديقة بنت الصديق التي حفظ الله بها الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي من أوعية السنة ومن المراجع التي يرجع إليها فيها، لا سيما فيما يتعلق بالأمور البيتية، وفي الأمور التي تكون بين الرجل وأهله، فإن الله تعالى حفظ بها الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلموهي المرأة الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام، وقد سبق أن مر أن الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، من الصحابة أنهم سبعة ستة رجال، وامرأة واحدة، وهذه المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #607  
قديم 17-06-2022, 11:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح حديث: (أن النبي كان يستعيذ من عذاب القبر ...) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن يحيى عن عمرة عن عائشة رضي الله تعالى عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يستعيذ من عذاب القبر، ومن فتنة الدجال وقال: إنكم تفتنون في قبوركم)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، (أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يستعيذ من عذاب القبر، ومن فتنة الدجال وقال: إنكم تفتنون في قبوركم)، وهذا بعدما أوحى الله عز وجل إليه بأنهم يفتنون في القبور، وكما عرفنا في الحديث الماضي، أنه قبل ذلك لم يكن يوحى إليه أنهم يفتنون في قبورهم، ولكنه أوحي إليه بعد ذلك، وهذا الحديث دال على ما دلت عليه الأحاديث الثابتة الدالة على حصول الفتنة في هذه الأمة في قبورها، وأن منهم من ينعم، ومنهم من يعذب.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يستعيذ من عذاب القبر ...) من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره.
[حدثنا سفيان].
هو ابن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، أخرج له أ صحاب الكتب الستة.
[عن يحيى].
هو ابن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرة].
هي بنت عبد الرحمن الأنصارية، وهي ثقة، مكثرة من الرواية عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
وقد مر ذكرها.


شرح حديث: (إنهم ليعذبون في قبورهم عذاباً تسمعه البهائم) من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد عن أبي معاوية عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عن عائشة رضي الله تنها قالت: (دخلت يهودية عليها فاستوهبتها شيئاً فوهبت لها عائشة فقالت: أجارك الله من عذاب القبر، قالت عائشة: فوقع في نفسي من ذلك حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: إنهم ليعذبون في قبورهم عذاباً تسمعه البهائم)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهو أنه كان عندها امرأة من اليهود استوهبتها شيئاً يعني: طلبت منها حاجة فأعطتها إياها، فدعت لها وقالت: أجارك الله من عذاب القبر، قالت: فوقع في نفسي شيء، فأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إنهم ليعذبون في قبورهم عذاباً تسمعه البهائم) وهذا يفهم منه أن المقصود بذلك اليهود، وأنهم يعذبون عذاباً تسمعه البهائم، وقد جاءت الأحاديث بأنه أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أن الناس يفتنون في قبورهم، وأن هذا ليس خاصاً باليهود، وإنما يكون فيهم وفي غيرهم، وفي الحديث أن الله عز وجل يسمع البهائم ما يجري في القبور من العذاب؛ وذلك لأنها غير مكلفة، وأما الذين هم مكلفون -وهم الجن والإنس- فقد أخفى الله عليهم ذلك حتى يتميز من يؤمن بالغيب ممن لا يؤمن به، وقد أطلع الله نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام على ذلك فأسمعه من عذاب القبر ما أسمعه، ولم يسمع الناس ذلك، وإنما أسمع البهائم التي هي غير مكلفة، ولم يسمع المكلفين؛ حتى يتميز من يؤمن بالغيب ممن لا يؤمن به.

تراجم رجال إسناد حديث: (إنهم ليعذبون في قبورهم عذاباً تسمعه البهائم) من طريق ثالثة


قوله: [أخبرنا هناد].هو هناد بن السري أبو السري الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي معاوية].
هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، كثير التدليس والإرسال الخفي، يدلس، ويرسل إرسالاً خفياً، والإرسال الخفي هو: أن يروي عمن عاصره ولم يلقه، فهذا فيه احتمال اللقيا، فيقال له: إرسال خفي، بخلاف الإنسان إذا روى عمن لم يدرك عصره فهذا إرسال واضح، كونه يروي عن شخص لم يدرك عصره فهذا إرسال واضح جلي، أما إذا روى عن شخص عاصره ولم يلقه فإن هذا يعتبر إرسالاً خفياً، فـأبو معاوية الضرير معروف بالتدليس، وبالإرسال الخفي.
والفرق بين التدليس والإرسال الخفي: أن الإرسال الخفي: هو أن يروي عمن عاصره ولم يلقه، أما إن عاصره ولقيه وأخذ عنه وروى عنه ما لم يسمعه منه فإن هذا هو المدلس، يعني: معروف بأنه شيخ من شيوخه، وأنه أخذ وسمع منه، ولكنه يروي عنه بالعنعنة وهو مدلس، أما إذا روى عنه وهو معاصر له لكنه لم يلقه، ولم يسمع منه، فهذا يقال له: الإرسال الخفي، فإن روى عمن لم يدرك عصره وبينه وبينه مدة فهذا هو المرسل الجلي الواضح الذي ليس فيه خفاء، ومحمد بن خازم الضرير، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، مدلس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقب اشتهر به، فيأتي ذكره باللقب أحياناً كما يأتي ذكره بالاسم فيقال: سليمان بن مهران، ويقال: سليمان فقط، وأحياناً يأتي الأعمش كما هنا، ومن أنواع علوم الحديث معرفة ألقاب المحدثين، وهو أن من له اسم معروف به، وله لقب معروف به، فيحتاج إلى معرفة الألقاب حتى لا يظن الشخص الواحد شخصين، لا سيما إذا ذكر مرة بالاسم، وباللقب أخرى، فإن من لا يعرف يظن أن هذا شخص وهذا شخص، لكن إذا عرف الإنسان أن سليمان بن مهران لقبه الأعمش، فإن جاء الأعمش في إسناد، أو جاء سليمان في إسناد لا يتلبس على من يعرف أن هذا شخص واحد، ومن لا يعرف يظن أن الأعمش شخص، وأن سليمان بن مهران شخص آخر.
[عن شقيق].
هو ابن سلمة الكوفي، وهو ثقة، مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وله كنية اشتهر بها وهي أبو وائل، أحياناً يأتي باسمه فيقال: شقيق، وأحياناً بكنيته فيقال: أبو وائل، ويقال فيه ما قيل في سليمان بن مهران الكاهلي، من معرفة الكنى التي اشتهر بها بعض المحدثين، وذلك حتى لا يظن الشخص الواحد شخصين، لا سيما إذا ذكر باسمه مره، وذكر بكنيته مرة أخرى، ومن لا يعرف يظن أن شقيق بن سلمة شخص، وأن أبا وائل شخص آخر، وهنا جاء شقيق باسمه، وسيأتي بعد ذلك حديث فيه ذكره بالكنية، فمن يعرف أن أبا وائل كنية لـشقيق بن سلمة لا يلتبس عليه الأمر، إن جاء هذا عرفه وإن جاء هذا عرف أنه هو هذا.
[عن مسروق].
هو مسروق بن الأجدع، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
قد مر ذكرها.

شرح حديث: (دخلت علي عجوزتان من عجز يهود المدينة ... فما رأيته صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر) من طريق رابعة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن قدامة حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخلت علي عجوزتان من عجز يهود المدينة فقالتا: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فكذبتهما، ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن عجوزتين من عجز يهود المدينة قالتا: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم، قال: صدقتا، إنهم يعذبون عذاباً تسمعه البهائم كلها، فما رأيته صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر)].أورد النسائي حديث عائشة، وهو أنه كان عندها عجوزتان من عجائز يهود المدينة، وأنهما قالتا: إن الناس يفتنون في قبورهم، فكذبتهما ولم تنعم أن تصدقهما، يعني: أنهما أهل لأن يكذبا؛ لأن اليهود معروفون بالكذب والتحريف والتبديل، يعني: ما طابت نفسها لكلامهما، لأنهم معروفون بالتحريف والتبديل والكذب، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بذلك فقال: (صدقتا)، وهذا دليل على أن الحق يقبل ممن جاء به، ومن المعلوم أنهم أهل كتاب، وهذا الذي صدقه صلى الله عليه وسلم يدل على ثبوته، ومن المعلوم أن ما كان عند أهل الكتاب فإنهم لا يصدقون ولا يكذبون، بل إن جاء في السنة ما يدل على التصديق صدق مثلما هنا؛ لأنهم عندهم الناس يعذبون في قبورهم، وجاءت السنة بإثبات ذلك، فصار هذا الكلام صدقاً، وأما إذا جاء في السنة ما يكذب ذلك فإنه يكذب، وإذا لم يأت في السنة لا تصديق ولا تكذيب فإنهم لا يصدقون ولا يكذبون، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تصدقوهم ولا تكذبوهم (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ) يعني: إذا حدث أهل الكتاب بشيء عما في كتبهم، فلا يصدقون ولا يكذبون، لكن إن جاءت السنة أو جاء في هذه الشريعة ما يدل على كذب شيء معين جاء عنهم فيقطع بكذبه؛ لأن السنة جاءت بتكذيبه، وإن جاء شيء يدل على الصدق صدق كما في هذا الحديث الذي أخبرتها عن شيء، وأخبر الرسول بأن ذلك حق وأن ذلك صدق، وأما إذا لم يوجد ما يدل على التصديق ولا على التكذيب، فإنه يسكت عنه، ولكن يقال: (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ )[العنكبوت:46]؛ لأنهم لو صدقوا في كل ما يقولون لأمكن أن يصدقوا بباطل، ولو كذبوا في كل ما يقولون لأمكن أن يكذب ما هو حق، وإذا لم يصدقوا ولم يكذبوا، وقال الإنسان: (آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ )[العنكبوت:46] فهذا كلام حق، فإن كان منزل فنحن مؤمنون به، وإن كان غير منزل فنحن لا نؤمن ولا نصدق بشيء لم يكن منزلاً، (لا تصدقوهم ولا تكذبوهم، (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ )[العنكبوت:46])، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: (صدقتا، إنهم يعذبون عذاباً تسمعه البهائم كلها، فما رأيته بعد ذلك صلى صلاة إلا تعوذ فيها من عذاب القبر) وهذا يدلنا على مشروعية التعوذ بالله من عذاب القبر في الصلاة، بل التعوذ بالله من الأربع التي جاءت في الأحاديث السابقة وهي: عذاب القبر، وعذاب جهنم، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال.


تراجم رجال إسناد حديث: (دخلت علي عجوزتان من عجز يهود المدينة ... فما رأيته صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر) من طريق رابعة


قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].هو محمد بن قدامة المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا جرير].
هو جرير بن عبد الحميد الكوفي، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور بن المعتمر].
هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي وائل].
هو شقيق بن سلمة الذي مر ذكره في الإسناد السابق، واسمه شقيق، وهنا جاء بكنيته أبو وائل، فيأتي ذكره أحياناً بالكنية، وهو مشهور بها، ويأتي ذكره أحياناً بالاسم، ومعرفة الكنية التي يشتهر بها شخص مع معرفة اسمه يندفع به احتمال أن يظن الشخص الواحد شخصين، وهو ثقة، مخضرم، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن مسروق عن عائشة].
وقد مر ذكرهما.


وضع الجريدة على القبر

شرح حديث: (... ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [وضع الجريدة على القبر.أخبرنا محمد بن قدامة حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطان مكة أو المدينة سمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى، كان أحدهما لا يستبرئ من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة، ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة، فقيل له: يا رسول الله! لم فعلت هذا؟ قال: لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا، أو إلى أن ييبسا)].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: وضع الجريدة على القبر، أي: لتخفيف العذاب على المقبور، وقد ثبت في السنة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنها من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فليس لأحد أن يضع على القبور شيء من الجريد، ولا شيء من الزهور، ولا شيء من النباتات، أو الأشياء الخضرة، وإنما هذا يعتبر من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الله تعالى أطلعه على العذاب، وعلى سببه، على أنهما معذبان، وأن عذابهما سببه كذا وكذا، فوضع الجريدتين؛ لأجل أن يخفف عنهما ما لم ييبسا، أما غيره من الناس فلا يعلم ما يجري في القبور، ولا يعلم عن المنعم ولا عن المعذب، ولا يعلم سبب العذاب، حتى مع كونه لا يعلم العذاب فهو لا يعلم سببه، والرسول صلى الله عليه وسلم علم العذاب، وعلم سبب العذاب، فوضع الجريدتين للتخفيف على صاحبي القبرين، فاعتبر هذا من خصائصه، ولهذا لم يكن معروفا في الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أن يفعلوا ذلك مع آبائهم، وأمهاتهم، وإخوانهم، وأخواتهم، وأقربائهم، وما كانوا يفعلون ذلك، فعدم فعلهم له دل على أنهم اعتبروا هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
وحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما الذي أورده النسائي هنا، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى) وفي بعض الروايات: (بلى إنه كبير) وقد فسر بعدة تفسيرات -النفي والإثبات-: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير) يعني: في أنفسهما، وأنه ليس بذي بال، وكأنهما لم يعرفا أنه عظيم، فهو في نظرهما وفي ذهنهما أن الأمر هين، ولكنه كبير، بل هو عظيم، فهذا وجه مما قيل في وجه التفريق بين النفي والإثبات في قوله: (وما يعذبان في كبير، بلى، إنه كبير) هو كبير وعظيم عند الله، وهو من كبائر الذنوب؛ لأن التعذيب بالنار دليل على أنه كبيرة، فالنميمة وعدم الاستبراء من البول هذان من الكبائر التي يستحق صاحبها العذاب.
ثم أيضاً: الحديث فيه دليل على ثبوت العذاب لغير الكفار؛ لأن هذا ثبت في حق عصاة، وفي حق أناس مؤمنين عندهم معاصي، وسبب ذلك التعذيب هو النميمة، وعدم الاستبراء من البول، أما من يكون كافراً فعنده الكفر الذي ليس وراءه ذنب، وليس هناك ذنب أعظم منه، والعذاب إنما يكون عليه، ولما كان العذاب إنما هو من أجل النميمة، ومن أجل عدم الاستبراء من البول، فعرف أن العذاب يكون لمن شاء الله عز وجل من العصاة كما يكون للكفار، والأحاديث التي وردت بأن اليهود تعذب في قبورها يعني: عذاب الكفار، والآيات القرآنية التي دلت على أن آل فرعون يعذبون في النار، يعني: عذاب كفار في قبورهم (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )[غافر:46]، فهو دال على حصول العذاب لأهل المعاصي، يعني: من شاء الله عز وجل أن يعذب، ووضع الجريدتين -كما قلت- هو من خصائصه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.


تراجم رجال إسناد حديث: (... ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة ...)

قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].وقد مر ذكره.
[حدثنا جرير عن منصور].
وقد مر ذكرهما.
[عن مجاهد].
هو ابن جبر المكي، وهو ثقة، ثبت، معروف بالتفسير، وهو الذي يروي التفسير عن ابن عباس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
رضي الله عنهما وقد مر ذكره.


شرح حديث: (... ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين ثم غرز في كل قبر واحدة ...) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد بن السري في حديثه عن أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما، فكان لا يستبرئ من بوله، وأما الآخر، فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، ثم غرز في كل قبر واحدة، فقالوا: يا رسول الله! لم صنعت هذا؟ فقال: لعلهما أن يخفف عنهما ما لم ييبسا)].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، والإسناد كلهم مر ذكرهم في هذا الدرس، هناد بن السري، وأبو معاوية، والأعمش، ومجاهد، وطاوس، وابن عباس، كلهم مر ذكرهم.

شرح حديث: (ألا إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار، فمن أهل النار حتى يبعثه الله عز وجل يوم القيامة)].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وهو لا يدل على الترجمة التي جاءت: وضع الجريد على القبر، ولكنه يدل على نعيم القبر وعذابه، وليس فيه ذكر الجريد، أو وضعه على القبر كما دل عليه حديث ابن عباس من الطريقين السابقتين، لكنه دال على إثبات عذاب القبر، وأن الإنسان يعرض عليه مقعده وهو في قبره، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، حتى يبعثه الله عز وجل، وهذا العرض فيه تنعيم وتعذيب، كما جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه، أنه إن كان من الموفقين فتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، وإن كان من المعذبين فتح له باب إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها حتى يبعثه الله، وكما جاء في القرآن عن آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً )[غافر:46] يعني: يعذبون بعذاب النار وهم في قبورهم (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )[غافر:46] ينتقلون من عذاب النار بعذاب شديد، إلى عذاب أشد، في النار والعياذ بالله، فهو دال على إثبات عذاب القبر، وأن الإنسان يعرض عليه مقعده من الجنة إن كان من أهل الجنة، ومقعده في النار إن كان من أهل النار.

تراجم رجال إسناد حديث: (ألا إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ...)


قوله: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث].قد مر ذكره.
[حدثنا الليث]
هو الليث بن سعد المصري، هو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما].
وهو الصحابي الجليل ابن الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من صغار الصحابة المشهورين بهذا اللقب، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن فيه قتيبة عن الليث عن نافع عن ابن عمر، يعني: بين النسائي فيه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص.

شرح حديث: (يعرض على أحدكم إذا مات مقعده من الغداة والعشي ...) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا المعتمر سمعت عبيد الله يحدث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يعرض على أحدكم إذا مات مقعده من الغداة والعشي، فإن كان من أهل النار فمن أهل النار قيل: هذا مقعدك حتى يبعثك الله عز وجل يوم القيامة)].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله عنهما، من طريق أخرى، وهو أنه (يعرض على أحدكم مقعده بالغداة والعشي، فإن كان من أهل النار فمن أهل النار قيل: هذا مقعدك حتى يبعثك الله عز وجل يوم القيامة)].
يعرض على الإنسان مقعده من الجنة أو النار في الغداة والعشي، فإن كان من أهل الجنة، فإنه يعرض عليه مقعده من الجنة، ويأتيه من نعيمها، وإن كان من أهل النار يعرض عليه مقعده من النار، ويأتيه من سمومها وحرها، وذكر الغداة والعشي مثل ما جاء في آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )[غافر:46] حتى يبعثه الله فينتقل إلى النعيم الأعظم، وإلى العذاب الأشد.

تراجم رجال إسناد حديث: (يعرض على أحدكم إذا مات مقعده من الغداة والعشي ...) من طريق ثانية


قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، إمام، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[أخبرنا المعتمر].
هو ابن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[سمعت عبيد الله].
هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المصغر، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع عن ابن عمر].
وقد مر ذكرهما.


حديث: (إذا مات أحدكم عرض على مقعده بالغداة والعشي ...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا اسمع واللفظ له، عن ابن القاسم، حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات أحدكم عرض على مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة، فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله عز وجل يوم القيامة)].أورد النسائي حديث ابن عمر وهو مثل الرواية السابقة التي قبل هذه الرواية.
قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].
هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[والحارث بن مسكين المصري].
ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له].
أي: في شيخه الثاني وهو الحارث بن مسكين، وأخذ ذلك عنه بالعرض، يعني: كونه يقرأ عليه وهو يسمع.
[عن ابن القاسم].
هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #608  
قديم 17-06-2022, 11:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجنائز

(359)


- باب أرواح المؤمنين وغيرهم

جاء في الأحاديث كثير من دلائل النبوة لرسول الله كالإخبار عن أحوال أرواح الموتى والخطاب معهم، والإخبار عن أجساد الموتى غير الأنبياء أنها تفنى إذا دفنوا في قبورهم إلا عجب الذنب.
أرواح المؤمنين وغيرهم

شرح حديث: (إنما نسمة المؤمن طائر في شجر الجنة ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: أرواح المؤمنين وغيرهم.أخبرنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب أنه أخبره أن أباه كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما نسمة المؤمن طائر في شجر الجنة حتى يبعثه الله عز وجل إلى جسده يوم القيامة)].
يقول النسائي رحمه الله: باب أرواح المؤمنين وغيرهم. أي: إذا نزعت الأرواح من الأجساد بالموت، فإن أرواح المؤمنين تكون في الجنة، وقد جاء في حديث كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، الذي أورده النسائي في بيان أن أرواح المؤمنين أنها على صورة (طير في الجنة)، وفي بعض الروايات (تعلق في شجر الجنة)، أي: تأكل وترعى في شجرها، فهي على صورة طير، وجاء في بعض الأحاديث في حق أرواح الشهداء أنها في أجواف طير خضر، وأما أرواح المؤمنين فهي على صورة طير تعلق في الجنة حتى يبعثه الله عز وجل إلى جسده.
قوله: [(حتى يبعثه الله عز وجل إلى جسده يوم القيامة)].
يعني: حتى يرده إلى جسده الرد الكامل، وإلا فإن الأرواح لها اتصال بالأجساد، وتعاد إلى الأجساد، فتكون في الجنة ولها تعلق بالأجساد، ولا يعني: أن الأجساد لا علاقة لها بالأرواح، وأمور الغيب يجب الإيمان والتصديق بها، وإن كان لا يدرك الإنسان كنهها، فأمور الآخرة وأمور البرزخ وأمور الغيب ليست مثل ما هو مشاهد في الدنيا، فالأرواح تكون في الجنة ومع ذلك لها اتصال في الأجساد، كما أنه جاء في بعض الأحاديث أن الإنسان يكون في قبره، ويفتح له باب إلى الجنة إن كان من المؤمنين، وباب إلى النار إن كان من الكافرين، ويصل إليه عذاب النار ونعيم الجنة، يصل نعيم الجنة إلى من يستحقه، وعذاب النار إلى من يستحقه في القبر، ومن المعلوم أن الجنة في السماء، وسقفها عرش الرحمن، ومع ذلك فإن الله يفتح له في قبره باباً إلى الجنة، ويفتح لمن دخل في النار باباً إلى النار.
أورد النسائي حديث كعب بن مالك رضي الله عنه، أنه كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما نسمة المؤمن طائر في الجنة حتى يبعثه الله إلى جسده يوم القيامة) أي: أن الأرواح تكون في الجنة على صورة طير، وأنها تعلق في الأشجار أي: تأكل منها وتنتفع بها أي: أشجار الجنة، هذه أرواح المؤمنين، ولكن لها ارتباط واتصال بالأجساد على الكيفية التي شاء الله عز وجل والتي يعلم الله سبحانه وتعالى، أما الشهداء فقد جاء في أنها في أجواف طير خضر، وقد قال بعض أهل العلم: إن الله تعالى خص الشهداء بأن جعل أرواحهم في أجواف كطير خضر؛ لأنها لما كانت أرواحهم في أجسادهم، وقد أرخصوها في سبيل الله، وقدموا أنفسهم في الجهاد في سبيل حتى استشهدوا، فالله تعالى جعل لتلك الأرواح أجواف طير، فكما كانت في أجساد في الدنيا نقلها الله من جسدٍ في الدنيا إلى أجواف طيرٍ في الجنة، فهي في جسم في الدنيا، فتكون في أجواف طير في الآخرة؛ وأما أرواح المؤمنين فإنها تكون على صورة طير، كما جاء في هذا الحديث، وهذا في عموم المؤمنين، أما خصوص المجاهدين في سبيل الله فقد جاء فيها أنها في أجواف طير كما سمعتم.

تراجم رجال إسناد حديث: (إنما نسمة المؤمن طائر في شجر الجنة ...)

قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك].
هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة والتي حصل لها انتشار وأتباع عنوا بها وخدموها فتميزت على غيرها بهذا السبب، وإلا فإن هناك من العلماء في زمنهم وبعد زمنهم، وقبل زمنهم من كانوا أصحاب اجتهاد، ولكن ما حصل لهم مثل ما حصل لهؤلاء الأئمة الأربعة؛ كان في أزمانهم وقريباً من أزمانهم مثل: الليث بن سعد المصري فقيه مصر ومحدثها، ومثل: أبي عمرو عبد الرحمن الأوزاعي فقيه الشام ومحدثها، وكذلك سفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه وغيرهم من الأئمة الأجلاء المشهود لهم بالفقه، والذين جمعوا بين الفقه والحديث، ولهم اجتهادات ولهم أقوال كثيرة منثورة في كتب الفقه والحديث، وفي كتب التفسير، فعندما يأتي مثلاً مسائل قال فلان كذا، وقال فلان كذا، وقال فلان كذا، لكن أصحاب المذاهب الأربعة اشتهروا؛ لأنه حصل لهم أتباع، وحصل لهم تلاميذ وأناس عنوا بمذاهبهم، فاشتهروا بذلك، وإلا فإن هناك من هو مثلهم في الفقه، وفي التمكن في العلم مثل الذين أشرت إليهم في أقطارٍ مختلفة.
بل قد عرفنا أن المدينة فيها فقهاء سبعة مشهورون بهذا اللقب: (الفقهاء السبعة)، ومعروفون في الفقه، ومعروفون في الحديث، وفي كل زمن في الأزمان المتقدمة، يعني: فيه أناس علماء أجلة جمعوا بين الفقه والحديث، ولهم اجتهادات، ولهم أقوال مشهورة ومنثورة في الكتب، لكن ما حصل لهم مثل ما حصل لهؤلاء من وجود أتباع عنوا بأقوالهم ومذاهبهم، كما حصل لهؤلاء الأئمة الأربعة.
والإمام مالك حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة جميعاً.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وهو ثقة فقيه، معروف بالفقه والحديث، وإمام مشهور، وهو من صغار التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن].
هو ابن كعب بن مالك، وهو تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب.
[أن أباه].
هو كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا والذين نزل فيهم القرآن بقول الله عز وجل: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِي نَ )[التوبة:117] ثم قال: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا )[التوبة:118] فهو أحد هؤلاء الثلاثة الذين نزل فيهم القرآن، وأنزل الله توبته عليهم في آيات تتلى في كتاب الله عز وجل، هو أحد هؤلاء الثلاثة كعب بن مالك رضي الله عنه.
ثم إن هذا الحديث بهذا الإسناد رواه الإمام أحمد في مسنده عن الإمام الشافعي، والإمام الشافعي رواه عن الإمام مالك، ففي إسناد هذا الحديث عند الإمام أحمد ثلاثة من أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة يروي بعضهم عن بعض، وكل منهم يكنى بأبي عبد الله، مالك كنيته أبو عبد الله، والشافعي كنيته أبو عبد الله، وأحمد كنيته أبو عبد الله، فهم يكنون بكنية واحدة هي: أبو عبد الله.
ولما ذكر ابن كثير هذا الحديث في سورة آل عمران عند قوله: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )[آل عمران:169] ذكر هذا الحديث، وعزاه إلى المسند، وقال: هذا إسناد عزيز يعني: نادر وقوي، ففيه ندرة من حيث أن الأحاديث التي تصب في هذه السلسلة ليست كثيرة، وأيضاً فيه قوة من جهة أن فيه هؤلاء الأئمة الأجلاء، قال: هذا إسناد عزيز اجتمع فيه ثلاثة من أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة.
وكعب بن مالك أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.


شرح حديث: (... ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) في أهل قليب بدر


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سليمان وهو ابن المغيرة حدثنا ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كنا مع عمر رضي الله تعالى عنه، بين مكة والمدينة أخذ يحدثنا عن أهل بدر، فقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرينا مصارعهم بالأمس قال: هذا مصرع فلان إن شاء الله غداً، قال عمر رضي الله تعالى عنه: والذي بعثه بالحق ما أخطئوا تيك، فجعلوا في بئر فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فنادى: يا فلان بن فلان، يا فلان بن فلان، هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني وجدت ما وعدني الله حقاً؟ فقال عمر: تكلم أجساداً لا أرواح فيها، فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم)].أورد النسائي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في قصة الكفار الذين قتلوا في بدر، وألقوا في القليب، قال عمر رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام، كان يخبرهم بمصارعهم بالأمس، يعني: اليوم الذي قبل يوم المعركة، يقول: فلان يقتل هنا، وفلان يقتل هنا، وفلان يكون هذا مكانه، فيريهم أماكنهم قبل أن يأتي اليوم الذي يكون فيه القتال، وقبل أن يكون اليوم الذي قتلوا فيه، أطلعه الله عز وجل، وأخبر أصحابه بالأماكن التي يصرع فيها كل واحد من هؤلاء الصناديد من صناديد الكفار، فلان هذا مكانه، وهذا مكانه، وهذا مكانه وهكذا يريهم عليه الصلاة والسلام، أماكنهم قبل اليوم الذي حصل فيه قتلهم.
قال: فما تجاوزوا تيك. أي: تلك الأماكن التي أشار إليها رسول الله عليه الصلاة والسلام، كل وجد في المكان الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من كمال قدرة الله سبحانه وتعالى، ومن إطلاع الله عز وجل على ما شاء من غيبه، فإنه أخبر أن فلان يقتل وأنه يقتل في المكان الفلاني الذي بينه لهم رسول الله عليه الصلاة والسلام وقد وجد، وتحقق ذلك بالفعل طبقاً لما أشار إليه رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن كل واحد ما تجاوز المكان الذي أشار إليه النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فهو من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، ومن الأمور الخارقة للعادة، حيث أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، بقتل أناس قبل أن توجد المعركة، وأخبر بمكان كل واحد منهم، ثم وقع طبقاً لما أخبر به صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهو من دلائل نبوته، وأنه رسول الله حقاً، وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ثم إنهم ألقوا في قليب، جروا ورموا في قليب في بدر، فجاءهم النبي عليه الصلاة والسلام وناداهم بأسمائهم: يا فلان، يا فلان، يا فلان، إني وجدت ما وعدني ربي حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، يخاطبهم بأسمائهم ويناديهم، قال عمر رضي الله عنه: كيف تخاطب أجساداً لا أرواح فيها؛ لأنه يعلم بأنه عندما يحصل الموت تخرج الروح من الجسد، فتبقى الجسد بدون روح، لكن كما عرفنا الأرواح تعاد إلى الأجساد، وحديث البراء بن عازب الطويل المشهور: إذا وضع الإنسان في قبره تعاد إليه روحه، ويأتيه ملكان ويجلسانه، ويسأل ويجيب، إن كان من الموفقين أتى بالجواب الطيب الذي يثبته الله عليه، وإن كان من المخذولين كان بخلاف ذلك، والعياذ بالله.
وقوله: [(تخاطب أجساداً لا أرواح فيها)]، يعني: أنهم قد ماتوا، لكن الروح لها اتصال بالجسد، وحديث البراء بن عازب دل أن الروح ترجع إلى الجسد، لكن لا يعني أنها تكون موجودة في الأجساد دائماً، بل تذهب ويكون لها اتصال بالأجساد، والله على كل شيء قدير.
النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) يعني: أنهم يسمعون، وأنتم لستم أسمع منهم وإن كنتم بجواري، والله تعالى أسمعهم ذلك، لكن هذا لا يعني: أن كل ميت يسمع إذا خوطب؛ لأن هذا دليل خاص، والنبي عليه الصلاة والسلام، خاطبهم؛ لأن في ذلك تكبيتاً وتقريعاً لهم، لأنهم توغلوا في الإيذاء للرسول عليه الصلاة والسلام، واشتدوا في إيذائه عليه الصلاة والسلام، وحصل منهم ما حصل، فخاطبهم هذه المخاطبة، فلا يدل على أن الميت يخاطب، وأنه يسمع من يخاطبه مطلقاً، وإنما هذا حصل مع هؤلاء في هذه القصة، وفي هذه الحادثة فقط، والله تعالى على كل شيء قدير.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #609  
قديم 17-06-2022, 12:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث: (... ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) في أهل قليب بدر

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس المحدث الناقد، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو محدث ناقد كتلميذه؛ لأن كلاً من عمرو بن علي الفلاس ويحيى بن القطان نقاد، وكلامهم في الرجال كثير، إلا أن عمرو بن علي كثيراً ما يأتي بلفظ الفلاس عندما يقول: ضعفه الفلاس، وثقه الفلاس، قال فيه الفلاس كذا المراد به عمرو بن علي هذا، ويحيى بن القطان يقال: القطان، ضعفه القطان أو وثقه القطان، أو ينسب فيقال: يحيى بن سعيد القطان، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سليمان وهو ابن المغيرة].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكلمة: (هو ابن المغيرة) هذه الذي قالها هو من دون يحيى بن سعيد القطان، إما عمرو بن علي أو النسائي أو من دون النسائي، وهذه طريقة العلماء عندما يكون هناك شخص ذكره تلميذه باختصار باسمه فقط دون أن ينسبه، فإن من أراد نسبته لا ينسبه كما ينسبه تلميذه فيقول: فلان بن فلان بن فلان، وإنما يأتي بلفظ يدل على أنه ليس من التلميذ وهي قوله: (هو ابن فلان)، لأن يحيى بن سعيد القطان ما زاد في روايته عن ذكر شيخه إلا على لفظ سليمان شيء، قال: حدثنا سليمان، ما زاد عليها شيء، الذي بعده قال: (هو ابن المغيرة)، لكن لم يستجز لنفسه أن يقول: سليمان بن المغيرة؛ لأنه لو قال: سليمان بن المغيرة علم أنها من التلميذ هو الذي ينسب بدون (هو) وبدون (يعني)، أما غيره إذا أراد أن يوضح وأن يأتي بزيادة توضيح فيأتي بلفظ يدل عليه وهو إما (هو) وإما (يعني)، يعني: ابن فلان، أو هو ابن فلان.
فإذاً: كلمة: (هو ابن المغيرة) الذي قالها هو من دون يحيى بن سعيد القطان ولا يقولها يحيى بن سعيد القطان؛ لأن يحيى بن سعيد القطان إذا أراد أن يقول فإنه يقول: فلان بن فلان بن فلان بدون (هو)، لكن الذي دونه هو الذي يحتاج إلى (هو) أو إلى (يعني).
[حدثنا ثابت].
هو ثابت بن أسلم البناني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، خدمه عشر سنوات منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله، وتحمل الحديث الكثير عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا فهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وجابر، وأبو سعيد، وعائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
[كنا مع عمر].
هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الخليفة الثاني من الخلفاء الراشدين، الهادين المهديين، الذي ورد في فضائله الأحاديث الجمة الكثيرة، الدالة على فضائله ومناقبه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد تولى الخلافة بعد أبي بكر رضي الله عنه، ومكث فيها عشر سنوات كثرت فيها الفتوحات، وانتشرت دعوة الإسلام، وفتحت البلاد في تلك السنوات، فكان تحقق فيه ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام في الرؤيا التي رآها، وهي: أنه رأى نفسه على بئر ينتح منها من الماء، فنتح منها ما شاء الله أن ينتح ثم أخذها ابن أبي قحافة، فنتح منها ذنوباً أو ذنوبين، ثم أخذها ابن الخطاب فاستحالت غرباً، فلم أرى عبقرياً يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن، يعني: حتى رووا من الماء، وهذا فيه: إشارة إلى انتشار الإسلام في زمانه، وإلى كثرة الفتوحات في زمانه، وإلى طول مدة خلافته، وحصول الفتوحات العظيمة التي حصلت فيها رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أحد العشرة الذين سردهم النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث واحد وبشرهم بالجنة أولهم الخلفاء الراشدين الأربعة، النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة) سردهم في حديث واحد، وثانيهم بل أفضلهم وأفضل الصحابة عموماً بعد الصديق الفاروق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


شرح حديث: (... ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ...) في أهل قليب بدر من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن حميد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: (سمع المسلمون من الليل ببئر بدر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم ينادي: يا أبا جهل بن هشام، ويا شيبة بن ربيعة، ويا عتبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً؟ قالوا: يا رسول الله! صلى الله عليه وسلم، أو تنادي قوماً قد جيفوا؟ فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا)].أورد النسائي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وهنا ناداهم بأسمائهم: (يا أبا جهل بن هشام، يا شيبة بن ربيعة، عتبة بن ربيعة، يا أمية بن خلف، يا فلان يا فلان بأسمائهم: هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني وجدت ما وعدني ربي حقا؟ فقيل: يا رسول الله! هل تخاطب قوماً قد جيفوا؟) يعني: ماتوا وتغيرت أجسادهم وصارت جيفاً، هذا هو معنى قوله: (جيفوا)، قال عليه الصلاة والسلام: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، إلا أنهم لا يستطيعون أن يجيبوا)، يعني: لا يستطيعون أن يردوا ولكنهم يسمعون؛ لأن المقصود هو تكبيتهم وتقريعهم وقد حصل ذلك، فإنهم سمعوا وأسمعهم الله عز وجل، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا.


تراجم رجال إسناد حديث: (... ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ...) في أهل قليب بدر من طريق ثانية


قوله: [أخبرنا سويد بن نصر]هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[أنبأنا عبد الله].
هو ابن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن حميد].
هو حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وذكر في ترجمته أنه مات وهو ساجد في الصلاة.
[عن أنس].
وقد مر ذكره.
وهذا الحديث رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن فيه سويد بن نصر، وابن المبارك، وحميد، وأنس أربعة، فبين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعة أشخاص، فاثنان مروزيان، واثنان بصريان، اثنان مروزيان هما: سويد، وعبد الله بن المبارك، واثنان بصريان وهما: حميد بن أبي حميد الطويل، وأنس بن مالك.

شرح حديث: (إن رسول الله وقف على قليب بدر فقال: ... إنهم ليسمعون الآن ما أقول لهم ...) من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن آدم حدثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر فقال: هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ قال: إنهم ليسمعون الآن ما أقول لهم، فذكر ذلك لـعائشة رضي الله تعالى عنها، فقالت: وهل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم الآن يعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق، ثم قرأت قوله: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80] حتى قرأت الآية)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها، أنها لما بلغها عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ما جاء في أهل بدر أي: الكفار الذين قتلوا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) قالت: ابن عمر غلط وأخطأ، إنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يعلمون ما أقول لهم، ثم تلت الآية: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80]، وهي استدلت بعموم الآية، ولكن كما هو معلوم هذا مما خص من عمومها، وأن الله تعالى أسمع هؤلاء الكفار هذا التكبيت وهذا التقريع الذي خاطبهم به رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فالحديث ثابت عن ابن عمر وعن غيره، وفيه ثبوت السماع، وما حصل من عائشة هو من الاستدلال بالآية، ولكن يوفق بين ما استدلت به عائشة وبين ما جاء في هذه الأحاديث من أن هذا مما خص، وأن الله تعالى أسمع هؤلاء لما فيه من التوبيخ والتقريع والتكبيت لهم؛ لأنهم قد آذوا الرسول عليه الصلاة والسلام وبالغوا في إيذائه، وخاطبهم بهذا الخطاب الذي فيه التقريع والتبكيت.

تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله وقف على قليب بدر فقال: ... إنهم ليسمعون الآن ما أقول لهم ...) من طريق ثالثة


قوله: [أخبرنا محمد بن آدم].هو محمد بن آدم الجهني، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[حدثنا عبدة بن سليمان].
هو عبدة بن سليمان الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام].
هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو عروة بن الزبير بن العوام تابعي مشهور، أحد الفقهاء السبعة المشهورين في عصر التابعين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهورين بهذا اللقب، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


شرح حديث: (كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك ومغيرة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم -وفي حديث مغيرة : كل ابن آدم- يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (كل بني آدم يبلى إلا عجب الذنب منه خلق ومنه يركب) يعني: منه خلقه الأول، ثم منه يركب الخلق، يعني: بعد ذلك مرة أخرى، فيكون هو الذي بدأ به في الأول، ويكون كذلك في الإعادة بحيث يكون غيره من الجسد تابعاً له وهو عجب الذنب، وفي رواية مغيرة: (كل ابن آدم)، يعني: أن الفرق بين مالك وبين المغيرة بهذين اللفظين، مالك قال: (بني آدم) والمغيرة قال: (كل ابن آدم يبلى)، أي: خلقه.
وهذا يدل على أن الأجساد تبلى وأنها يأكلها التراب، والله تعالى يقول في القرآن: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ [ق:4] يعني: فنحن نعيدك، نعلم الذي أخذت الأرض منهم فنعيد، ونستخلص من الأرض ما اختلط بها حتى ترجع كل ذرة إلى مكانها، وإعادة الخلق إنما هو رجوع الأجزاء التي كانت فيه من قبل بحيث كل جزء يركب في مكانه حتى يعود الجسد الذي كان في الدنيا، وليس معنى أنه منه خلق ومنه يركب أن عجب الذنب هو الموجود، ثم يأتي ذرات أو يأتي أجزاء تركب عليه وهي لا وجود لها في الدنيا، لا، بل الذي يأتي وكل ذرة تأتي إلى مكانها من الجسد الذي كان في الدنيا؛ لأنه هو الذي أحسن وأساء فيناله النعيم والعذاب، ولو كان يحصل شيء لا وجود له في الدنيا يكون العذاب على شيء لا وجود له في الدنيا، ولكن النعيم والعذاب يكون على شيء موجود في الدنيا، الجسد الذي كان في الدنيا هو الذي يعاد، ليس تركيباً جديداً وتكويناً جديداً فلا علاقة له بالجسد الأول، بل هو نفس الجسد الأول، ولهذا جاء في القرآن: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ [يس:65] تكلم الأيدي التي كانت في الدنيا وليست أيد جديدة، فالأيدي التي كانت في الدنيا هي التي تتكلم وتشهد، تقول اليد: أنا بطشت، وتقول الرجل: أنا مشيت، ويقول الفرج: أنا زنيت.. وهكذا، يعني: نفس الأجزاء التي في الدنيا هي التي تعاد حتى تلقى الجزاء إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، ولو كان الذي يعاد جسد آخر لكان ينعم جسد لم يعمل خيراً، ويعذب جسد لم يعمل شراً، بل نفس الأجساد الأولى هي التي تعاد.
إذاً: فعجب الذنب الذي منه الخلق ومنه يتركب، معناه أنه تأتي الأشياء وتتابع حتى يعود الجسد كما كان، ثم يبعثه الله فتفتح القبور ويخرج أصحابها منها، وأول قبر ينشق عن صاحبه قبر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: (أنا سيد الناس يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع) ويستثنى من عموم هذا الحديث أجساد الأنبياء فإنها لا تبلى، ولا يأكلها التراب، بل هي باقية، في قبورهم كما وضعت لا يحصل لها تغير، ولا يحصل لها تأثر، ولا تأكل الأرض منها شيئاً، بل تبقى كما وضعوا، وحتى يحصل البعث، فتخرج تلك الأجساد من القبور، وليست حالها أنها تجتمع وهي متفرقة كما يحصل لغيرهم، أما غير الأنبياء فلم يأتِ شيء يدل على بقاء الأجساد دون أن تتغير، ودون أن تتأثر، الذي ورد فيه حديث الأنبياء: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) أما غيرهم فإنه لم يرد فيه شيء، لكن وجد في المشاهدة والمعاينة من مضى عليه وقت طويل، ثم نبش ووجد أنه لم يتغير جسده، وهذا حصل لـعبد الله بن حرام والد جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، وهو ممن استشهد يوم أحد، فإنه دفن في مكان المعركة، ثم إن الوادي انحصر فقرب من القبر، فخشي ابنه جابر أن يصل إليه السيل وأن يحمله، فنبشه بعد ستة أشهر من دفنه فوجده كما وضع لم يتغير منه شيء، كان على حالته التي وضع عليها رضي الله عنه وأرضاه، لكن هذا لا يدل على بقاء الأجساد إلى يوم البعث والنشور؛ لأن هذا لم يرد فيه دليل، فالذي ورد فيه دليل يؤمن به ويصدق به، والذي ما ورد فيه دليل لا يقطع له بالبقاء، وأن الأرض لا تأكل جسده، بل يحتمل أن يبقى، ويحتمل أن تأكل الأرض جسده، والله تعالى أعلم، لكن هذا مما شوهد وعوين بعد ستة أشهر أنه لم يتغير.


تراجم رجال إسناد حديث: (كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب ...)


قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره.
[عن مالك والمغيرة].
مالك قد مر ذكره، والمغيرة هو المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزناد].
هو عبد الله بن ذكوان لقبه أبو الزناد، وفيه لقب على صورة الكنية أو على صفة الكنية، ليست كنيته أبو الزناد ولكنه لقب بها، وكنيته غيرها، فأبو فلان وليس أبو فلان، وإنما هذا لقب له، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج].
هذا لقب لـعبد الرحمن بن هرمز المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة وهو مشهور بلقبه يأتي ذكره باللقب ويأتي ذكره باسمه عبد الرحمن بن هرمز، وقد ذكرت أن من أنواع علوم الحديث أن تعرف الألقاب حتى لا يظن أن الشخص الواحد شخصين إذا ذكر باسمه مره، وإذا ذكر بلقبه مره، من لا يعرف يظن أن هذا شخص وهذا شخص، وفي الحقيقة إنما هو شخص واحد وليس شخصين، لكن من لا يعرف يظن أن هذا شخص وهذا شخص، ومن عرف لا يلتبس عليه الأمر، عبد الرحمن بن هرمز لقبه الأعرج وأبو الزناد أيضاً هو لقب لـعبد الله بن ذكوان، أبو الزناد لقب والأعرج لقب، إلا أن الأول لقب على صيغة الكنية وعلى صفة الكنية.
[عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي الصحابي الجليل المكثر من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً مع أنه إنما أسلم عام خيبر، يعني: في السنة السابعة، وملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنوات مكنته من أن يتلقى الحديث الكثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا غرابة ولا عجب من كونه يتأخر إسلامه ثم يكون مكثراً من الحديث؛ لأنه حصل له أمور مكنته من ذلك، من هذه الأمور أنه لازم النبي عليه الصلاة والسلام، يأكل من طعامه ويشرب من شرابه، ويجلس معه في مجلسه، ويسمع حديثه، فكثر حديثه بسبب هذه الملازمة، وأما غيره فكانوا يذهبون ويأتون، يأتون إلى مجلسه ويذهبون عنه، وأما هو فملازم للرسول صلى الله عليه وسلم، فقير ليس عنده ما يأكل إلا ما يحصله تبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فحصل له بذلك أن سمع الحديث كثيراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك أن النبي عليه السلام دعا له بالحفظ، فكان يحفظ الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك أنه عمّر ومكث مدة طويلة وعاش، وكان مقامه في المدينة والناس يأتون إليها ويصدرون عنها، ومن المعلوم أن الذين يقدمون المدينة إذا سمعوا بصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فإنهم يأتون إليه، ويأخذون منه ويعطونه، وليس بغريب ولا بعجيب أن يكون الذي لازمه بعد خيبر أكثر مما لازمه في مكة، فبعض الصحابة تقدم إسلامهم ولم يرو عنهم من الحديث مثل ما روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #610  
قديم 17-06-2022, 12:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,577
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجنائز

(360)

- تابع باب أرواح المؤمنين وغيرهم - باب البعث

أن إحياء الموتى أهون وأسهل من إيجاد الخلق أول مرة من العدم، وفي ذلك دلالة على قدرة الله العظيمة، ومن ذلك قصة الرجل الذي أوصى أولاده إذا مات أن يحرقوه ويذروه في الريح.

تابع أرواح المؤمنين وغيرهم

شرح حديث: (قال الله عز وجل: كذبني ابن آدم ... وليس آخر الخلق بأعز علي من أوله ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا شعيب بن الليث حدثنا الليث عن ابن عجلان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: كذبني ابن آدم، ولم يكن ينبغي له أن يكذبني، وشتمني ابن آدم، ولم يكن ينبغي له أن يشتمني، أما تكذيبه إياي فقوله: إني لا أعيده كما بدأته وليس آخر الخلق بأعز علي من أوله، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الله الأحد الصمد لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفوا أحد)].الترجمة التي عقدها النسائي والتي مرت قبل: أرواح المؤمنين وغيرهم. وقد أورد النسائي في ذلك عدة أحاديث سبق أن مر بعضها، وقد أورد فيها هذا الحديث وبعض الأحاديث التي بعده، وليس فيه تنصيص على ما يتعلق بالروح نفسها من حيث أين تذهب، وأين تكون بعد مغادرة الجسد، أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(كذبني ابن آدم، ولم يكن له أن يكذبني، وشتمني ابن آدم وما كان ينبغي له أن يشتمني، أما تكذيبه إياي فقوله: إنني لا أعيد الخلق كما بدأته، وأما شتمه إياي فقوله: إني اتخذت ولداً، وأنا الله الواحد الأحد، الذي لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفواً أحد)]. ليس فيه كما أشرت نص يتعلق بالروح، ومن المعلوم أن العمل إنما يكون من الروح والجسد في هذه الحياة الدنيا، والعذاب والنعيم يكون في الآخرة على الروح والجسد؛ لأن العمل لم يحصل من الجسد بدون الروح، ولم يحصل من الروح بدون الجسد، والجزاء إنما هو للذي عمل، والذي عمل هو الروح والجسد، والعقاب على الذي عمل، والذي عمل هو الروح والجسد، فهو بمجموع الأمرين.. فالثواب لمجموع الأمرين الروح والجسد، والعقاب لمجموع الشيئين الروح والجسد.
وهذا حديث قدسي، والأحاديث القدسية هي: التي تضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم مسنداً إياه إلى ربه، وهذا هو الذي يشتمل على ضمائر المتكلم ترجع إلى الله سبحانه وتعالى، والتي لا يمكن أن يتكلم بها غيره؛ لأن الضمائر ترجع إليه، ولا ترجع إلى غيره، فقول الله عز وجل: (كذبني وشتمني) هذا ضمير متكلم يرجع إلى الله سبحانه وتعالى، فالمتكلم بذلك هو الله سبحانه وتعالى، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما يحكي كلام الله سبحانه وتعالى، وغالباً ما تكون الأحاديث القدسية أنها تأتي مصدرة بقوله: (قال الله عز وجل)، أو (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال كذا)، ثم ترجع الضمائر إلى الله عز وجل كما في الأحاديث مثل: (الصوم لي، وأنا أجزي به) (يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني) (يا عبادي، كلكم عار) (يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم) فالذي يقول: يا عبادي، هو الله سبحانه وتعالى، وهذه هي الأحاديث القدسية التي تضاف إلى الله سبحانه وتعالى.
وقد جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوحي الغير متلو؛ لأن الوحي وحيان وحي متلو هو القرآن، ووحي غير متلو وغير متعبد بتلاوته وهي السنة، ويدخل تحتها الأحاديث القدسية؛ لأنها ليست متعبداً بها، وهي من كلام الله سبحانه وتعالى، لكن هل لفظها أو لفظ الأحاديث القدسية من الله؟ فلو أن الأحاديث القدسية ما دخلتها الرواية بالمعنى، لكان المتكلم بها هو الله سبحانه وتعالى، لكن لما كانت الأحاديث القدسية كغيرها من الأحاديث تدخلها الرواية بالمعنى، وتأتي بألفاظ مختلفة وهي من تصرف الرواة ومن عمل الرواة؛ لأن الراوي إذا أتقن المعنى ولم يتقن اللفظ، فله أن يرويه وأن لا يكتمه، وإذا عقل اللفظ والمعنى جميعاً فيأتي بهما جميعاً وهذا هو الأحسن.
إذاً: فالأحاديث القدسية هي التي تأتي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسنداً إياها إلى ربه سبحانه وتعالى، وهي مشتملة على ضمائر للتكلم ترجع إلى الله سبحانه وتعالى.
قوله: [(كذبني ابن آدم وما كان له أن يكذبني)] ثم بين ذلك بأنه قال أي: ابن آدم أن الله تعالى لا يعيده، والله تعالى أخبر بأنه يعيد الخلق مرة أخرى، وأنه قادر على ذلك، قد جاء في القرآن آيات كثيرة تحكي عن الكفار زعمهم إنكار البعث، وأن الله عز وجل لا يعيد الإنسان بعد أن أفناه، وبعد أن أكلته الأرض، ولهذا جاء في القرآن في سورة يس في آخرها: ( أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ )[يس:77] ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ )[يس:78] يعني: أنها إذا اختلطت بالأرض، وانتشرت، وتفرقت فلا تعاد، والله عز وجل قال: ( وَنَسِيَ خَلْقَهُ )[يس:78] وفي هذا الجواب يكفي، لكن جاء بعدها ( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ )[يس:79] يعني: فجاء الجواب مرتين، مرة في قوله: (ونسي خلقه) ومرة بعد ذلك في أن الله تعالى هو الذي أنشأها لأول مرة، وهو الذي يعيدها سبحانه وتعالى، فهذا هو التكذيب الذي حصل من ابن آدم، أن الله تعالى أخبر بأنه يعيد وهو يقول: إن الجسد لا يعاد، وكيف يعاد إذا كان عظاماً؟ وكان رفاتاً؟ وكان تراباً؟ ولهذا الله عز وجل يقول: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ )[ق:4] يعني: فنحن نعيد، ونستخرج من التراب هذه الأجزاء التي اختلطت بالتراب.

والبعث وإعادة الخلق إنما تكون للخلق الأول، وليس خلقاً جديداً، فعندما يبعث الناس لا يخلقون خلقاً جديداً، وإنما يبعث الجسد الذي كان في الدنيا، والذي أكلته الأرض واختلط بالأرض، فهذا هو الذي يعاد، ولهذا قال: ( قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ )[ق:4] يعني: فنحن نعلمه، ونستخرجه من الأرض، ونجمع الأجزاء بعضها على بعض، حتى يعود الجسد الذي كان في الدنيا ليلقى الجزاء، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، إن كان محسناً حصل الثواب، وإن كان مسيئاً حصل العقاب.

والجزاء إنما هو على الجسد والروح، الجسد الذي كان في الدنيا هو الذي يعاد، ويثاب، ويعاقب، والروح كذلك معه؛ لأن النعيم للروح والجسد، والعذاب للروح والجسد، وليس خلقاً جديداً؛ لأنه لو كان خلقاً جديداً، لكان العذاب يقع على جسد غير الذي أساء، لكن العذاب يقع على الجسد الذي أساء، وليس على جسد جديد لا وجود له في الدنيا، وقد جاء ذلك مبيناً في القرآن: ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ )[يس:65] فمعناه: أن الأيدي تقول: بطشت في الدنيا، والأرجل تقول: مشيت، الجوارح تشهد بما حصل منها، وتلك التي تشهد هي التي كانت في الدنيا ليست أجساداً جديدة لا وجود لها في الدنيا، ولم يحصل لها وجود في الدنيا، وإنما التي وجدت في الدنيا هي التي أعيدت، وهي التي تنعم وتعذب، تجازى بالإحسان إحساناً، وتعاقب على الإساءة بالعقوبة التي يستحقها المسيء، فهذا هو التكذيب، يعني في كونه يستبعد أن تكون الأجزاء المتفرقة تجتمع.

والله عز وجل بين في القرآن كيفية البعث، وكيفية الإعادة بالنصوص، أي أن: الله تعالى أحيا بعض المخلوقات في الدنيا التي منها يتبين كيفية البعث يوم القيامة، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام، لما أمره الله عز وجل بأن يأخذ أربعة من الطيور، ثم يقطعهن ويمزق لحمهن، ويخلطه بعضه إلى بعض، ثم يأخذ من كل هذه اللحم المخلوط من الطيور الأربعة قطعة، ويضع كل قطعة في جهة، ثم يدعهن، فتنطلق تلك الأجزاء التي اختلطت الأربعة، وكل طير تجتمع أجزاؤه حتى يعود الطير على هيئته التي كان عليه، وقد اجتمع لحم الطيور الأربعة وخلط بعضه ببعض، حتى صار قطعة واحدة، ولكن الله عز وجل يجعل كل جزء من هذه الأجزاء تذهب وتثبت في مكانها الذي نزعت منه، حتى يعود الجسد كما كان قبل أن تذبح تلك الطيور، فهذه كيفية البعث.
وجاء في السنة أيضاً ما يوضح هذا، كما سيأتي في الحديثين الآتيين ففيهما بيان ذلك.
وأما قوله: [(شتمني)] فما زعمه وادعاه بأن الله تعالى اتخذ الصاحبة والولد، والله عز وجل هو الواحد، الأحد، الفرد، الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، وهذا هو الذي اشتملت عليه سورة الإخلاص، وهذا مقتضى سورة الإخلاص: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ )[الإخلاص:1-4]، وهو سبحانه وتعالى الصمد الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجها، فكل من سواه مفتقر إليه لا يستغني عن الله لحظة.

وكذلك من يكون له والد، ومن يكون له ولد يكون محتاجا ويكون غير مستغن؛ لأن الولد غير مستغن عنه الوالد؛ لأنه هو الذي نشأه ورباه، والوالد أيضاً يحتاج للولد يساعده، ولا سيما إذا كبر، وكذلك ليس هناك من يكافئه ويساويه ويماثله، فالله تعالى مستغن، وهو منزه عن الأصول، والفروع، والأشباه، والنظراء، فليس معه أصول، وهذا هو معنى قوله: (لم يولد)، أس: لم يكن له أصل، يعني: لم ينشأ عن ولادة، ولم يكن له فرع، فلم يتفرع منه ولد، فهو مستغن عن الأصول والفروع، النظراء والأشباه والنظائر، وهذا هو معنى قوله: ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ )[الإخلاص:1-4] فهو مستغن عن الأصول والفروع، والنظراء، والأشباه، والنظائر، وهذا فيه كمال غناه سبحانه وتعالى، وكمال عظمته وجلاله أنه الواحد، الأحد، الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، فهذا شتمه لربه، وهذا سبه لربه كونه قال هذه المقالة، وأضاف ذلك إلى الله عز وجل.


تراجم رجال إسناد حديث: (قال الله عز وجل: كذبني ابن آدم ... وليس آخر الخلق بأعز على من أوله ...)


قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].هو الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي صاحب الشافعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا شعيب بن الليث].
هو شعيب بن الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
[عن أبيه].
هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، إمام، مشهور، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عجلان].
هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي الزناد].
هو عبد الله بن ذكوان المدني لقبه أبو الزناد على صيغة الكنية، وكنيته أبو عبد الرحمن، كنيته أبو عبد الرحمن ولقبه أبو الزناد على صيغة الكنية اللقب، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج].
هو عبد الرحمن بن هرمز المدني مشهور بلقبه الأعرج، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.


شرح حديث: (أسرف عبد على نفسه حتى حضرته الوفاة قال لأهله: إذا أنا مت فأحرقوني ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا كثير بن عبيد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أسرف عبد على نفسه حتى حضرته الوفاة قال لأهله: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم اذروني في الريح في البحر، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من خلقه، قال: ففعل أهله ذلك، قال الله عز وجل: لكل شيء أخذ منه شيئاً أد ما أخذت فإذا هو قائم، قال الله عز وجل: ما حملك على ما صنعت؟ قال: خشيتك، فغفر الله له)].ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، في قصة الرجل الذي أسرف على نفسه، يعني: أنه وقع في ذنوب وخشي أن الله تعالى يعاقبه على ذنوبه، فانقدح في ذهنه أنه إذا عمل عملاً، فإنه ينجو من عذاب الله، وأوصى بنيه إذا مات أن يحرقوه ويسحقوه، ثم يذروه في البحر في الهواء حتى تتساقط أجزاء ذلك الرماد الذي جاء نتيجة لإحراقه وسحقه في البحر، وقال: [(لئن قدر الله عليّ ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحد من العالمين)]، فوقع في ذهنه أنه إذا صار على هذه الطريقة أنه يتلاشى جسده ويضمحل وأنه يسلم من عذاب الله عز وجل.
وهذا الرجل من المسلمين وليس من الكفار؛ لأن الكفار لا يغفر لهم، وهذا قد غفر له، ولكنه صاحب معاص أسرف على نفسه، وظن لجهله أنه إذا فعل بجسده ذلك أنه ينتهي، وأنه لا يناله العذاب، وأن الله تعالى لا يعذبه، فالله عز وجل أمر كل شيء أخذ منه شيئاً أن يؤديه، يعني: أن يلفظه وأن يخرجه، فخرجت تلك الأجزاء التي انتشرت في البحر، ورجعت حتى عاد الجسم كما هو، فإذا هو قائم على هيئته قبل أن يحرق، وقبل أن يفرق وتذر أجزاؤه في الهواء، فالله تعالى أعاد تلك الذرات حتى عاد الجسد كما كان، قال: [(ما حملك على ذلك، قال: خشيتك)]، أي: يخشى من عقاب الله عز وجل، فغفر الله له، وهذا يدل على أنه من المؤمنين، وليس من الكفار؛ لأن الكفار لا سبيل إلى المغفرة لهم، ولا سبيل إلى نجاتهم وسلامتهم، بل ليس أمامهم إلا النار، ولا يغفر الله تعالى لهم: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )[النساء:48]، فكل ذنب دون الشرك فهو تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عن صاحبه وإن شاء عذبه، ولكنه إذا عذبه لا بد له أن يخرجه من النار ويدخله الجنة، أما الكافر، فإنه لا سبيل له إلى المغفرة، ولا سبيل له إلى الجنة؛ لأن الله تعالى شاء أن لا يغفر للكفار، سبقت مشيئة الله عز وجل وقضاؤه وقدره، أن الكافر لا يغفر له، أما غيره فهو تحت المشيئة إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه، وإذا عذب ينجو الإنسان في آخر الأمر ويسلم، ويدخل الجنة، والكافر هو الذي يدخل النار ويستمر فيها أبد الآباد، ولا يخرج منها بأي حال من الأحوال.

فالحديث واضح الدلالة على أنه مسلم، ولكنه حصل عنده ذهول، وحصل عنده شيء أذهله من الخوف حتى قال هذه المقالة، ويشبه هذا الكلام الذي قاله في حال الذعر، وشدة الخوف، فتكلم بهذا الكلام وظن هذا الظن أن الله تعالى لا يعذبه إذا كان بهذه الطريقة.. وهذا يشبه في جانب شدة الفرح قصة الرجل الذي قال: (اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)، حصل له شيء جعله يذهل، ويتكلم بكلام غير صحيح فعكس القضية، يعني: الأصل أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، فقال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)، وهذا أخطأ من شدة الذعر، وهذا الذي في الحديث أخطأ وتكلم بهذا الكلام من شدة الذعر، ومن شدة الخوف، وهذا أخطأ من شدة الفرح، فهذا فيه خطأ في جانب الفرح، وهذا منه خطأ في جانب الخوف والخشية، فغفر الله له.
وفي هذا: دليل على كيفية البعث، وكيفية إعادة خلق الإنسان بعد الموت، وأنه تعاد أجزاؤه ولو كانت تفرقت في البر والبحر، الله عز وجل يأمر كل من وقع عليه جزء من هذه الجزئيات بأن يؤديه، يعني: بأن يلفظه وأن يتركه، وأن يخرج منه، فتخرج تلك الأجزاء حتى تعود كل ذرة إلى مكانها، ويعود الجسد كما كان.
والحديث كما هو معلوم ليس فيه شيء يتعلق بذكر الروح؛ لأن الروح إذا مات الإنسان نزعت الروح، ولها اتصال بالجسد، والجسد هو الذي أحرق، ومزق، وذر في الهواء حتى صار متفرقاً في البحر، فخرجت تلك الأجزاء من البحر حتى عاد الجسد كما كان، والله عز وجل يقول: (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ )[ق:3] (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ )[ق:4]، فنحن نعيد تلك الأجزاء من الأرض حتى تركب كل ذرة في مكانها، وحتى يعود الجسد على هيئته التي كان عليها.

يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 279.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 274.07 كيلو بايت... تم توفير 5.80 كيلو بايت...بمعدل (2.07%)]