تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         إشاعة الثقافة القرآنية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الغفلة المحمودة والغفلة المذمومة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          محبة لقاء الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الوقفُ على القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الدين والشباب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          العزة والتواضع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          سكينة الإيمان (وجعلت قرة عيني في الصلاة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          المٌعلــــم أمــــل الأمــــة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          قيمة الوقت في نظر الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          يوم بكت اوروبا ||معركه موهاج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #11  
قديم 12-12-2024, 09:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,587
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (511)
صــ 241 إلى صــ 260





10521 - حدثني عبد الله بن أبي زياد وأحمد بن منصور الرمادي قالا : حدثنا زيد بن حباب قال : حدثنا عبد الملك بن الحسن الحارثي قال : حدثنا [ ص: 241 ] محمد بن زيد بن قنفذ ، عن عائشة ، عن أبي بكر قال : لما نزلت : " من يعمل سوءا يجز به " ، قال أبو بكر : يا رسول الله ، كل ما نعمل نؤاخذ به؟ فقال : يا أبا بكر ، أليس يصيبك كذا وكذا؟ فهو كفارته .

10522 - حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن زياد الجصاص ، عن علي بن زيد ، عن مجاهد قال : حدثني عبد الله بن عمر : أنه سمع أبا بكر يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من يعمل سوءا يجز به في الدنيا .

10523 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن إسماعيل ، عن أبي بكر بن أبي زهير ، عن أبي بكر الصديق أنه قال : يا نبي الله ، كيف الصلاح بعد [ ص: 242 ] هذه الآية؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أية آية؟ قال يقول الله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به " ، فما عملناه جزينا به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : غفر الله لك يا أبا بكر ! ألست تمرض؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء؟ قال : فهو ما تجزون به!

10524 - حدثنا يونس قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد قال : أظنه عن أبي بكر الثقفي ، عن أبي بكر قال : لما نزلت هذه الآية : " من يعمل سوءا يجز به " ، قال أبو بكر : كيف الصلاح؟ ثم ذكر نحوه ، إلا أنه زاد فيه : ألست تنكب؟

10525 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي بكر بن أبي زهير : أن أبا بكر قال للنبي صلى الله عليه وسلم : كيف الصلاح؟ فذكر مثله .

10526 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال : حدثنا أبو مالك الجنبي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي قال : قال أبو بكر : يا رسول الله ، فذكر نحوه إلا أنه قال : فكل سوء عملناه جزينا به؟ وقال أيضا : ألست تمرض؟ ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ أليس تصيبك اللأواء؟ قال : بلى ، قال : هو ما تجزون به!

10527 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن ابن أبي خالد ، عن [ ص: 243 ] أبي بكر بن أبي زهير الثقفي قال : لما نزلت هذه الآية : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به " ، قال : قال أبو بكر : يا رسول الله ، وإنا لنجزى بكل شيء نعمله؟ قال : يا أبا بكر ، ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء؟ فهذا مما تجزون به .

10528 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا ابن أبي خالد قال : حدثني أبو بكر بن أبي زهير الثقفي ، عن أبي بكر ، فذكر مثله .

10529 - حدثنا أبو السائب وسفيان بن وكيع قالا : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم قال : قال أبو بكر : يا رسول الله ، ما أشد هذه الآية : " من يعمل سوءا يجز به "؟ قال : يا أبا بكر ، إن المصيبة في الدنيا جزاء . [ ص: 244 ]

10530 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا أبو عامر الخزاز ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة قالت ، قلت : إني لأعلم أي آية في كتاب الله أشد . فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : أي آية؟ فقلت : " من يعمل سوءا يجز به "! قال : "إن المؤمن ليجازى بأسوأ عمله في الدنيا" ، ثم ذكر أشياء منهن المرض والنصب ، فكان آخره أنه ذكر النكبة ، فقال : "كل ذي يجزى به بعمله ، يا عائشة ، إنه ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا يعذب" . فقلت : أليس يقول الله : ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) ، [ سورة الانشقاق : 8 ] ؟ فقال : ذاك عند العرض ، إنه من نوقش الحساب عذب ، وقال بيده على إصبعه ، كأنه ينكته . [ ص: 245 ]

10531 - حدثني القاسم بن بشر بن معروف قال : حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أمية قالت : سألت عائشة عن هذه الآية : ( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) ، [ سورة البقرة : 284 ] ، و " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به " . قالت : ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها [ ص: 246 ] فقال : يا عائشة ، ذاك مثابة الله للعبد بما يصيبه من الحمى والكبر ، والبضاعة يضعها في كمه فيفقدها ، فيفزع لها فيجدها في كمه ، حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير .

10532 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا أبو عامر الخزاز قال : حدثنا ابن أبي مليكة ، عن عائشة قالت : قلت يا رسول الله ، إني لأعلم أشد آية في القرآن! فقال : ما هي يا عائشة؟ قلت : هي هذه الآية يا رسول الله : من يعمل سوءا يجز به فقال : هو ما يصيب العبد المؤمن ، حتى النكبة ينكبها .

10533 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن الربيع بن صبيح ، عن عطاء قال : لما نزلت : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به " [ ص: 247 ] قال أبو بكر : يا رسول الله ، ما أشد هذه الآية؟ قال : يا أبا بكر ، إنك تمرض ، وإنك تحزن ، وإنك يصيبك أذى ، فذاك بذاك .

10534 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني عطاء بن أبي رباح قال : لما نزلت قال أبو بكر : جاءت قاصمة الظهر! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما هي المصيبات في الدنيا .
القول في تأويل قوله ( ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ( 123 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ولا يجد الذي يعمل سوءا من معاصي الله وخلاف ما أمره به من دون الله يعني من بعد الله ، وسواه وليا يلي أمره ، ويحمي عنه ما ينزل به من عقوبة الله ولا نصيرا يعني ولا ناصرا ينصره مما يحل به من عقوبة الله وأليم نكاله .
[ ص: 248 ] القول في تأويل قوله ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ( 124 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه الذين قال لهم : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب " ، يقول الله لهم : إنما يدخل الجنة وينعم فيها في الآخرة ، من يعمل من الصالحات من ذكوركم وإناثكم ، وذكور عبادي وإناثهم ، وهو مؤمن بي وبرسولي محمد ، مصدق بوحدانيتي وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عندي لا أنتم أيها المشركون بي ، المكذبون رسولي ، فلا تطمعوا أن تحلوا - وأنتم كفار - محل المؤمنين بي ، وتدخلوا مداخلهم في القيامة ، وأنتم مكذبون برسولي ، كما : -

10535 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن " ، قال : أبى أن يقبل الإيمان إلا بالعمل الصالح ، وأبى أن يقبل الإسلام إلا بالإحسان .

وأما قوله : " ولا يظلمون نقيرا " ، فإنه يعني : ولا يظلم الله هؤلاء الذين يعملون الصالحات من ثواب عملهم ، مقدار النقرة التي تكون في ظهر النواة في القلة ، فكيف بما هو أعظم من ذلك وأكثر؟ وإنما يخبر بذلك جل ثناؤه عباده أنه لا يبخسهم من جزاء أعمالهم قليلا ولا كثيرا ، ولكن يوفيهم ذلك كما وعدهم . [ ص: 249 ]

وبالذي قلنا في معنى "النقير" قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

10536 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد : " ولا يظلمون نقيرا " ، قال : النقير ، الذي يكون في ظهر النواة .

10537 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو عامر قال : حدثنا قرة ، عن عطية قال : النقير ، الذي في وسط النواة .

فإن قال لنا قائل : ما وجه دخول : "من" في قوله : " ومن يعمل من الصالحات " ، ولم يقل : "ومن يعمل الصالحات"؟

قيل : لدخولها وجهان :

أحدهما : أن يكون الله قد علم أن عباده المؤمنين لن يطيقوا أن يعملوا جميع الأعمال الصالحات ، فأوجب وعده لمن عمل ما أطاق منها ، ولم يحرمه من فضله بسبب ما عجزت عن عمله منها قوته .

والآخر منهما : أن يكون تعالى ذكره أوجب وعده لمن اجتنب الكبائر وأدى الفرائض ، وإن قصر في بعض الواجب له عليه ، تفضلا منه على عباده المؤمنين ، إذ كان الفضل به أولى ، والصفح عن أهل الإيمان به أحرى .

وقد تقول قوم من أهل العربية ، أنها أدخلت في هذا الموضع بمعنى الحذف ، [ ص: 250 ] ويتأوله : ومن يعمل الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن .

وذلك عندي غير جائز ، لأن دخولها لمعنى ، فغير جائز أن يكون معناها الحذف .
القول في تأويل قوله ( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا )

قال أبو جعفر : وهذا قضاء من الله جل ثناؤه للإسلام وأهله بالفضل على سائر الملل غيره وأهلها ، يقول الله : " ومن أحسن دينا " أيها الناس ، وأصوب طريقا ، وأهدى سبيلا" ممن أسلم وجهه لله ، يقول : ممن استسلم وجهه لله فانقاد له بالطاعة ، مصدقا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من عند ربه وهو محسن يعني : وهو عامل بما أمره به ربه ، محرم حرامه ومحلل حلاله " واتبع ملة إبراهيم حنيفا " ، يعني بذلك : واتبع الدين الذي كان عليه إبراهيم خليل الرحمن ، وأمر به بنيه من بعده وأوصاهم به حنيفا يعني : مستقيما على منهاجه وسبيله .

وقد بينا اختلاف المختلفين فيما مضى قبل في معنى "الحنيف" والدليل على الصحيح من القول في ذلك بما أغنى عن إعادته . [ ص: 251 ]

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل :

وممن قال ذلك أيضا الضحاك .

10538 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك قال : فضل الله الإسلام على كل دين فقال : " ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن " إلى قوله : " واتخذ الله إبراهيم خليلا " ، وليس يقبل فيه عمل غير الإسلام ، وهي الحنيفية .
القول في تأويل قوله ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ( 125 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : واتخذ الله إبراهيم وليا .

فإن قال قائل : وما معنى "الخلة" التي أعطيها إبراهيم؟

قيل : ذلك من إبراهيم عليه السلام : العداوة في الله والبغض فيه ، والولاية في الله والحب فيه ، على ما يعرف من معاني "الخلة" . وأما من الله لإبراهيم ، فنصرته على من حاوله بسوء ، كالذي فعل به إذ أراده نمرود بما أراده به من الإحراق بالنار فأنقذه منها ، أو على حجته عليه إذ حاجه ، وكما فعل بملك مصر إذ أراده عن أهله ، وتمكينه مما أحب ، وتصييره إماما لمن بعده من عباده ، وقدوة لمن خلفه في طاعته وعبادته . فذلك معنى مخالته إياه .

وقد قيل : سماه الله "خليلا" ، من أجل أنه أصاب أهل ناحيته جدب ، فارتحل إلى خليل له من أهل الموصل وقال بعضهم : من أهل مصر في امتيار طعام لأهله من قبله ، فلم يصب عنده حاجته . فلما قرب من أهله مر بمفازة ذات رمل ، فقال : لو ملأت غرائري من هذا الرمل ، لئلا أغم أهلي برجوعي إليهم [ ص: 252 ] بغير ميرة ، وليظنوا أني قد أتيتهم بما يحبون! ففعل ذلك ، فتحول ما في غرائره من الرمل دقيقا ، فلما صار إلى منزله نام . وقام أهله ، ففتحوا الغرائر ، فوجدوا دقيقا ، فعجنوا منه وخبزوا . فاستيقظ فسألهم عن الدقيق الذي منه خبزوا ، فقالوا : من الدقيق الذي جئت به من عند خليلك! فعلم ، فقال : نعم! هو من خليلي الله! قالوا : فسماه الله بذلك "خليلا" .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطا ( 126 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : " واتخذ الله إبراهيم خليلا " ، لطاعته ربه ، وإخلاصه العبادة له ، والمسارعة إلى رضاه ومحبته ، لا من حاجة به إليه وإلى خلته . وكيف يحتاج إليه وإلى خلته ، وله ما في السموات وما في الأرض من قليل وكثير ملكا ، والمالك الذي إليه حاجة ملكه ، دون حاجته إليه؟ يقول : فكذلك حاجة إبراهيم إليه ، لا حاجته إليه فيتخذه من أجل حاجته إليه خليلا ، ولكنه اتخذه خليلا لمسارعته إلى رضاه ومحبته . يقول : فكذلك فسارعوا إلى رضاي ومحبتي لأتخذكم لي أولياء " وكان الله بكل شيء محيطا " ، ولم يزل الله محصيا لكل ما هو فاعله عباده من خير وشر ، عالما بذلك ، لا يخفى عليه شيء منه ، ولا يعزب عنه منه مثقال ذرة .
[ ص: 253 ] القول في تأويل قوله ( ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " ويستفتونك في النساء " ، ويسألك ، يا محمد ، أصحابك أن تفتيهم في أمر النساء ، والواجب لهن وعليهن ، فاكتفى بذكر "النساء" من ذكر شأنهن ، لدلالة ما ظهر من الكلام على المراد منه .

" قل الله يفتيكم فيهن " ، قل لهم : يا محمد ، الله يفتيكم فيهن ، يعني : في النساء " وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن " .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " وما يتلى عليكم في الكتاب " .

فقال بعضهم : يعني بقوله : " وما يتلى عليكم ، قل الله يفتيكم فيهن ، وفيما يتلى عليكم . قالوا : والذي يتلى عليهم ، هو آيات الفرائض التي في أول هذه السورة .

ذكر من قال ذلك :

10539 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام بن سلم ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب " ، قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون المولود حتى يكبر ، ولا يورثون المرأة . فلما كان الإسلام ، قال : " ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب " في أول [ ص: 254 ] السورة في الفرائض اللاتي لا تؤتونهن ما كتب الله لهن .

10540 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : " وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن " ، قالت : هذا في اليتيمة تكون عند الرجل ، لعلها أن تكون شريكته في ماله ، وهو أولى بها من غيره ، فيرغب عنها أن ينكحها ويعضلها لمالها ، ولا ينكحها غيره كراهية أن يشركه أحد في مالها .

10541 - حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا : حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير قال : كانوا لا يورثون في الجاهلية النساء والفتى حتى يحتلم ، فأنزل الله : " ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء " ، في أول "سورة النساء" من الفرائض .

10542 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جرير ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن شعبة قال : كانوا في الجاهلية لا يورثون اليتيمة ، ولا ينكحونها ويعضلونها ، فأنزل الله : " ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن " إلى آخر الآية .

10543 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : أخبرني الحجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الله بن كثير : أنه سمع سعيد بن جبير يقول في قوله : " ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن " [ ص: 255 ] الآية ، قال : كان لا يرث إلا الرجل الذي قد بلغ ، لا يرث الرجل الصغير ولا المرأة . فلما نزلت آية المواريث في "سورة النساء" ، شق ذلك على الناس وقالوا : يرث الصغير الذي لا يعمل في المال ولا يقوم فيه ، والمرأة التي هي كذلك ، فيرثان كما يرث الرجل الذي يعمل في المال! فرجوا أن يأتي في ذلك حدث من السماء ، فانتظروا فلما رأوا أنه لا يأتي حدث قالوا : لئن تم هذا ، إنه لواجب ما منه بد! ثم قالوا : سلوا . فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : " ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب " في أول السورة " في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن " . قال سعيد بن جبير : وكان الولي إذا كانت المرأة ذات جمال ومال رغب فيها ونكحها واستأثر بها ، وإذا لم تكن ذات جمال ومال أنكحها ولم ينكحها .

10544 - حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : " ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن " ، قال : كانوا إذا كانت الجارية يتيمة دميمة لم يعطوها ميراثها ، وحبسوها عن التزويج حتى تموت ، فيرثوها . فأنزل الله هذا .

10545 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : " ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن " ، قال : كان الرجل منهم تكون له اليتيمة بها الدمامة والأمر الذي يرغب عنها فيه ، ولها مال . قال : فلا يتزوجها ولا يزوجها ، حتى تموت فيرثها . قال : فنهاهم الله عن ذلك .

10546 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، [ ص: 256 ] عن السدي ، عن أبي مالك : " وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن " ، قال : كانت المرأة إذا كانت عند ولي يرغب عنها ، حبسها إن لم يتزوجها ، ولم يدع أحدا يتزوجها .

10547 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن " ، قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان شيئا ، كانوا يقولون : لا يغزون ولا يغنمون خيرا! ففرض الله لهن الميراث حقا واجبا ليتنافس أو : لينفس الرجل في مال يتيمته إن لم تكن حسنة .

10548 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه .

10549 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثنا أبي قال : حدثنا عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب " ، يعني الفرائض التي افترض في أمر النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن قال : كانت اليتيمة تكون في حجر الرجل فيرغب أن ينكحها أو يجامعها ، ولا يعطيها مالها ، رجاء أن تموت فيرثها . وإن مات لها حميم لم تعط من الميراث شيئا . وكان ذلك في الجاهلية ، فبين الله لهم ذلك . [ ص: 257 ]

10550 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن " حتى بلغ " وترغبون أن تنكحوهن " ، فكان الرجل تكون في حجره اليتيمة بها دمامة ، ولها مال ، فكان يرغب عنها أن يتزوجها ، ويحبسها لمالها ، فأنزل الله فيه ما تسمعون .

10551 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن " ، قال : كانت اليتيمة تكون في حجر الرجل فيها دمامة ، فيرغب عنها أن ينكحها ، ولا ينكحها رغبة في مالها .

10552 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن " ، إلى قوله : بالقسط قال : كان جابر بن عبد الله الأنصاري ثم السلمي له ابنة عم عمياء ، وكانت دميمة ، وكانت قد ورثت عن أبيها مالا فكان جابر يرغب عن نكاحها ، ولا ينكحها رهبة أن يذهب الزوج بمالها ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وكان ناس في حجورهم جوار أيضا مثل ذلك ، فجعل جابر يسأل النبي صلى الله عليه وسلم : أترث الجارية إذا كانت قبيحة عمياء؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : نعم!! فأنزل الله فيهن هذا .

وقال آخرون : معنى ذلك : ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وفيما يتلى عليكم في الكتاب ، في آخر "سورة النساء" ، وذلك قوله : ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ) إلى آخر السورة [ سورة النساء : 176 ] . [ ص: 258 ]

ذكر من قال ذلك :

10553 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا سلام بن سليم ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون الولدان حتى يحتلموا ، فأنزل الله : " ويستفتونك في النساء " ، إلى قوله" فإن الله كان به عليما " . قال : ونزلت هذه الآية : ( إن امرؤ هلك ليس له ولد ) ، [ سورة النساء : 176 ] ، الآية كلها .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وفيما يتلى عليكم في الكتاب يعني : في أول هذه السورة ، وذلك قوله : ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) [ سورة النساء : 3 ]

ذكر من قال ذلك :

10554 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير : أنه سأل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله : ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) ، قالت : يا ابن أختي ، هي اليتيمة تكون في حجر الرجل وليها ، تشاركه في ماله ، فيعجبه مالها وجمالها ، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره . فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق . وأمروا [ ص: 259 ] أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن . قال عروة : قالت عائشة : ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فيهن ، فأنزل الله : " ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن " . قالت : والذي ذكر الله أنه يتلى في الكتاب : الآية الأولى التي قال فيها : ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) .

10555 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني يونس ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة مثله .

قال أبو جعفر : فعلى هذه الأقوال الثلاثة التي ذكرناها "ما" التي في قوله : وما يتلى عليكم في موضع خفض بمعنى العطف على "الهاء والنون" التي في قوله : يفتيكم فيهن فكأنهم وجهوا تأويل الآية : قل الله يفتيكم ، أيها الناس ، في النساء ، وفيما يتلى عليكم في الكتاب .

وقال آخرون : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوم من أصحابه ، سألوه عن أشياء من أمر النساء ، وتركوا المسألة عن أشياء أخر كانوا يفعلونها ، فأفتاهم الله فيما سألوا عنه ، وفيما تركوا المسألة عنه .

ذكر من قال ذلك :

10556 - حدثنا محمد بن المثنى وسفيان بن وكيع - قال سفيان : حدثنا عبد الأعلى - وقال ابن المثنى ، حدثني عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن [ ص: 260 ] محمد بن أبي موسى في هذه الآية : " ويستفتونك في النساء " ، قال : استفتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم في النساء ، وسكتوا عن شيء كانوا يفعلونه ، فأنزل الله : " ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب " ، ويفتيكم فيما لم تسألوا عنه . قال : كانوا لا يتزوجون اليتيمة إذا كان بها دمامة ، ولا يدفعون إليها مالها فتنفق ، فنزلت : " قل الله يفتيكم في النساء وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن " ، قال : " والمستضعفين من الولدان " ، قال : كانوا يورثون الأكابر ولا يورثون الأصاغر . ثم أفتاهم فيما سكتوا عنه فقال : " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير " ولفظ الحديث لابن المثنى .

قال أبو جعفر : فعلى هذا القول : "الذي يتلى علينا في الكتاب" ، الذي قال الله جل ثناؤه : " قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم " : " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا " ، الآية . والذي سأل القوم فأجيبوا عنه في يتامى النساء : اللاتي كانوا لا يؤتونهن ما كتب الله لهن من الميراث عمن ورثته عنه .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال التي ذكرنا عمن ذكرناها عنه بالصواب ، وأشبهها بظاهر التنزيل ، قول من قال : معنى قوله : " وما يتلى عليكم في الكتاب " وما يتلى عليكم من آيات الفرائض في أول هذه السورة وآخرها .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 1,376.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,374.86 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (0.12%)]