|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال
الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (1) كتبه/ ياسر برهامي فهذا المصطلح الذي ظَهَر في زمننا: "الدين الإبراهيمي"، وما تَفَرَّع عنه، مثل: "الولايات الإبراهيمية المتحدة"، متزامنًا ظهوره مع حملات التطبيع مع اليهود وكيانهم الصهيوني، والتي رتبت لها إدارة الرئيس الأمريكي -الخاسر في الانتخابات الأخيرة- "ترامب" بقيادة زوج ابنته -اليهودي- كوشنر، والذي صار له وجود متكرر في منطقتنا العربية الإسلامية؛ لتغيير بوصلة العداوة الإستراتيجية مع إسرائيل إلى وجهات عديدة داخلية بين دول المنطقة، وصراعات عديدة داخل كل دولة تقتتل فيها الشعوب والدول؛ إضافة إلى الخطر المدعم والمصنوع للشيعة ودولتهم الحديثة إيران، التي تهدف إلى نشر الدِّين الشيعي في دول المنطقة وغيرها. وكان هذا المصطلح -ولا يزال- هادفًا إلى نسيان الهوية الإسلامية للشعوب والدول، بل وفقدان حقيقة ملة إبراهيم -عليه السلام-؛ رغم أن هذه الملة هي التي بُعث بها كل الأنبياء؛ الذين جعلهم الله من بعد إبراهيم -عليه السلام- مِن نسله، وخاتمهم محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -تعالى-: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:123)، بل هو -صلى الله عليه وسلم- الذي أظهرها في العالم، ونشرها على حقيقتها في كل مكان، بعد أن حصرها اليهود في أنفسهم بظنهم أنهم شعب الله المختار، وكذا النصارى. فبيَّن الله -تعالى- عدم صحة انتساب الطائفتين إلى إبراهيم -عليه السلام-، فقال -تعالى-: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران:67-68). وإن مِن أعجب ما يتعجب منه المرء أن يُستعمل هذا الاصطلاح حاليًا -عند مَن أنشأه- في ضد المعنى الأساسي الأكبر الذي قامت عليه ملة إبراهيم، وهو التوحيد، وعبادة الله وحده لا شريك له، والبراءة من كل ما يُعبد من دونه، قال الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ . إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ . وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الزخرف:26-28). وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "هي كلمة لا إله إلا الله، لا يزال في ذريته مَن يقولها". وقال الله -عز وجل-: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَن َّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (الممتحنة:4). والقوم إنما يريدون استعماله في اختراع دين جديد، يزعمون فيه تساوي الأديان على تناقضها واختلافها؛ بزعم اجتماعها في تعظيم شخص إبراهيم -عليه السلام-، وهذا يقتضي الجمع بين المتناقضين: بين عبادة الله، وعبادة غيره، وتصحيح هذين المتناقضين، وكذا يقتضي الجمع بين الإيمان برسالة عيسى ومحمد -صلى الله عليهما وسلم- وبين تكذيبهما، وتصحيح هذين النقيضين. وفي شأن عيسى -صلى الله عليه وسلم- الجمع بين اعتقاد نبوته وبين اعتقاد ألوهيته وبنوته لله، وبين اعتقاد أنه ابن زنا -والعياذ بالله-، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا! سبحانك هذا بهتان عظيم. وقد جعل الله -عز وجل- اتهام مريم بالفاحشة كفرًا، فقال -تعالى- عن بني إسرائيل: (وَبِكُفرِهِم وَقَولِهِم عَلى مَريَمَ بُهتانًا عَظيمًا) (النساء:156)؛ فهذا الدِّين الجديد يقتضي تصحيح كل هذه المتناقضات! والهدف من هذا الدين الإبراهيمي الجديد في حقيقة الأمر: تحقيق تبعية دول المنطقة كلها للكيان الإسرائيلي؛ الأقرب في زعمهم إلى إبراهيم ووراثته، فينبغي أن يدين الجميع لهم بالتبعية، والإقرار لهم بالرياسة، والاعتراف بتقدمهم وتفوقهم العسكري، والاقتصادي، والإعلامي والتكنولوجي دون منازعة، بل ضرورة تسليم القيادة لهم رغم تعصبهم الشديد لقوميتهم القائمة على الدين، ودولتهم الدينية الوحيدة التي تجمع شتات اليهود في العالم على اختلاف قومياتهم وألسنتهم وأوطانهم؛ فهي الدولة الوحيدة في العالم التي جُعل الدين فيها قومية؛ فمَن أقرَّ لهم بهذه القيادة قرَّبوه وأدنوه ورفعوه، ومَن نازعهم في ذلك حاربوه وعادوه، وحاولوا إهلاكه. والعجب أيضًا: أن أناسًا ينتسبون إلى القومية العربية وإلى الوطنية -على اختلاف أوطان المسلمين- ينادون بهذا المصطلح، ويسعون لتطبيق هذا المشروع من الاتحاد؛ الذي معناه فقدان هوية أوطانهم، بل فقدان معالم هذه الأوطان وحدودها أصلًا، ومعالم هذه القومية بالكلية، والذوبان في ملك اليهود، كما يزعم اليهود أنهم المقصودون بقول نوح -عليه السلام- في روايتهم لكتابهم المقدس: "أن يكون أبناء حام ويافث عبيد العبيد لأبناء سام!"، مع أن العرب يشاركونهم في السامية؛ إلا أنها غير معتبرة عندهم، ولا عند أي دول العالم الغربي وثقافاته المختلفة. وقد أحببت أن أوضح في هذه السلسلة من المقالات حقيقة دين إبراهيم -عليه السلام- الذي هو دين الأنبياء جميعًا، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالْأَنْبِيَاء ُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ) (متفق عليه). وحقيقة هذا الدِّين واضحة وضوح الشمس في آيات القرآن، وأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تحتمل لبسًا ولا شَكًّا؛ إلا لجاهلٍ بها، أو منافقٍ لا يؤمن بالقرآن ولا بالرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولا يحتاج الأمر إلى كبير تأمل أو استعداد لجدال في دلالة الآيات، والأحاديث على حقيقة هذا الدين؛ فإنها واضحة الدلالة بحكم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو السراج المنير؛ ولكن تحتاج إلى تدبر ومعرفة تفسيرها السهل الميسر؛ لتستقر في القلوب وتهيئها لأعظم مهمة خُلِق من أجلها الإنسان، قال -تعالى-: (وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدونِ) (الذاريات:56)، وقال الله -تعالى-: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام: 161-163). وبجمع هذه الآيات والأحاديث التي تتحدث عن ملة إبراهيم ودين إبراهيم ودعوة إبراهيم، وصفاته وأخلاقه وأحواله؛ يتضح لكل مسلم -بل لكل عاقل- أنه لا سبيل لاتباع ملة إبراهيم إلا باتباع ملة محمد -صلى الله عليه وسلم- والإيمان به، كما قال الله -تعالى-: (وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف:156-157). ولولا عِظَم هذه المسألة وأهميتها لما دعا بها إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- أثناء بناء الكعبة، قال -تعالى-: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (البقرة:127-129). ولَمَا بشَّرتْ بها التوراةُ -أعني نبوة محمد صلى الله عليه وسلم- كما قال الله -تعالى-: (الَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ يَعرِفونَهُ كَما يَعرِفونَ أَبناءَهُم وَإِنَّ فَريقًا مِنهُم لَيَكتُمونَ الحَقَّ وَهُم يَعلَمونَ) (البقرة:146)، وبشَّر المسيح -عليه السلام- مُصرحًا باسم النبي الأمي أحمد -صلى الله عليه وسلم-، كما قال الله -تعالى-: (وَإِذ قالَ عيسَى ابنُ مَريَمَ يا بَني إِسرائيلَ إِنّي رَسولُ اللَّهِ إِلَيكُم مُصَدِّقًا لِما بَينَ يَدَيَّ مِنَ التَّوراةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسولٍ يَأتي مِن بَعدِي اسمُهُ أَحمَدُ فَلَمّا جاءَهُم بِالبَيِّناتِ قالوا هذا سِحرٌ مُبينٌ) (الصف:6). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) (رواه مسلم). ونسأل الله التيسير إلى التمام، والإعانة منه على ما يُحب ويرضى، وعليه التكلان.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 30-04-2024 الساعة 01:22 AM. |
#2
|
||||
|
||||
رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال
الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (2) كتبه/ ياسر برهامي فإن القرآن العظيم قد بيَّن دين إبراهيم وملة إبراهيم -عليه السلام- بيانًا شافيًا كافيًا، في مواطنَ كثيرةٍ مِن القرآن الكريم، وقد بلغ عدد الآيات التي ذُكر فيها إبراهيم -عليه السلام- ثلاثًا وستين آية، وإن تلاوة الآيات مع معرفة تفسيرها وتدبرها لمن أعظم الأمور أهمية في هذا الوقت الذي يحاول فيه البعض التلبيس على الناس في حقيقة الملة الإبراهيمية. ولنبدأ أولًا في ذكر الآيات، ثم نذكر بعد ذلك تفسيرها وما فيها مِن أنواع العلوم؛ ففي سورة البقرة اثنتا عشرة آية: - قال الله -عز وجل-: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ . وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ . وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تقبلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة:124-127). - وقال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (البقرة:130). - وقال الله -تعالى-: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة:132-133). - وقال الله -تعالى-: (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة:135-136). - وقال الله -تعالى-: (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة:140). - وقال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (البقرة:258). - وقال الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة:260). وفي سورة آل عمران سبع آيات: قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (آل عمران:33). - وقال الله -تعالى-: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (آل عمران:65). - وقال الله -تعالى-: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران:67-68). - وقال الله -تعالى-: (قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (آل عمران:84). - وقال الله -تعالى-: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (آل عمران:95). - وقال الله -تعالى-: (فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (آل عمران:97). وفي سورة النساء ثلاث آيات: - قال الله -تعالى-: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) (النساء:54). - وقال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) (النساء:125). - وقال الله -تعالى-: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) (النساء:163). وفي سورة الأنعام خمس آيات: - وقال الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (الأنعام:74-75). - وقال الله -تعالى-: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (الأنعام:83). - وقال الله -تعالى-: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام:161). - وقال الله -تعالى-: (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (الأنعام:70). وفي سورة التوبة آيتان: - وقال الله -تعالى-: (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (التوبة:70). - (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (التوبة:114). وفي سورة هود ثلاث آيات: - قال الله -تعالى-: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ . إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ . يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) (هود:74-76). - وقال -تعالى-: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) (هود:69). وفي سورة يوسف آيتان: - قال الله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (يوسف:6). - وقال الله -تعالى-: (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) (يوسف:38). وفي سورة إبراهيم آية: - قال الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) (إبراهيم:35). وفي سورة الحجر آية: -قال الله -تعالى-: (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ) (الحجر:51). وفي سورة النحل آيتان: - قال الله -تعالى-: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:120). - وقال الله -تعالى-: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:123). وفي سورة مريم ثلاث آيات: - قال الله -تعالى-: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا) (مريم:41). - وقال الله -تعالى-: (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) (مريم:46). - وقال الله -تعالى-: (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) (مريم:58). وفي سورة الأنبياء أربع آيات: - قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ) (الأنبياء:51). - وقال الله -تعالى-: (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) (الأنبياء:60). - وقال الله -تعالى-: (قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ) (الأنبياء:62). - وقال الله -تعالى-: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (الأنبياء:69). وفي سورة الحج ثلاث آيات: - قال الله -تعالى-: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (الحج:26). - وقال الله -تعالى-: (وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ) (الحج:43). - وقال الله -تعالى-: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج:78). وفي سورة الشعراء آية: - قال الله -تعالى-: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ) (الشعراء:69). وفي سورة العنكبوت آيتان: - قال الله -تعالى-: (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (العنكبوت:16). - وقال الله -تعالى-: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ) (العنبكوت:31). وفي سورة الأحزاب آية: - قال الله -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) (الأحزاب:7). وفي سورة الصافات ثلاث آيات: - قال الله -تعالى-: (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) (الصافات:83). - وقال الله -تعالى-: (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ) (الصافات:104). - وقال الله -تعالى-: (سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) (الصافات:109). وفي سورة "ص" آية: - قال الله -تعالى-: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ) (ص:45). وفي سورة الشورى آية: قال الله -تعالى-: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) (الشورى:13). وفي سورة الزخرف آية: - وقال الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) (الزخرف:26). وفي سورة الذاريات آية: - قال الله -تعالى-: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) (الذاريات:24). وفي سورة النجم آية: - قال الله -تعالى-: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (النجم:37). وفي سورة الحديد آية: - قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد:26). وفي سورة الممتحنة آية: - قال الله -تعالى-: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (الممتحنة:4). وفي سورة الأعلى آية: - قال الله -تعالى-: (صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) (الأعلى:19).
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 30-04-2024 الساعة 01:23 AM. |
#3
|
||||
|
||||
رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال
الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (3) قصة بناء الكعبة (1) الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فإن ارتباط الكعبة بإبراهيم -صلى الله عليه وسلم- ثم بمحمد -صلى الله عليه وسلم- له أهمية عظيمة ببيان الدين الحق الذي هو دين إبراهيم ودين محمد -صلى الله عليهما وسلم-؛ لأن الكعبة هي أول بيت بُني لعبادة الله في الأرض، قال -عز وجل- (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) (آل عمران:96)، بناه إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام-. وهو البيت الذي جعله الله قِبْلةً لآخِر الأمم ولآخِر الزمان خلافًا للأمم السابقة من بني إسرائيل التي كانت قبلتهم لبيت المقدس، الذي بناه أيضًا إبراهيم -عليه السلام- أو إسحاق أو يعقوب -عليهما السلام-؛ إذ بيْن بناء الكعبة وبين بناء المسجد الأقصى أربعون عامًا، كما في حديث أبي ذر -رضي الله عنه- في صحيح مسلم: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ في الأرْضِ أوَّلُ؟ قالَ: (المَسْجِدُ الحَرامُ) قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: (المَسْجِدُ الأقْصى)، قُلتُ: كَمْ بيْنَهُما؟ قالَ: (أرْبَعُونَ سَنَةً). وهذا الأمر له إشارات في الكتب المتقدمة في تحوُّل المدينة المقدسة من القدس إلى المدينة المقدسة الجديدة "مكة المكرمة"، وهذا لِيَدُلَّنا على أن دين إبراهيم والحجَّ إلى بيت الله الحرام سيكون في آخر الزمان حول الكعبة المشرفة، وعند الأمة التي تعظمها "وهي الأمة الإسلامية" التي هي الأمة العظيمة التي بشَّر الله إبراهيم في إسماعيل أن يجعل مِن ذريته أمة عظيمة لا غيرها؛ إذ لا عظمة للعرب أصلًا بعد إسماعيل -عليه السلام- إلا بعد بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي أخرجهم الله به مِن الظلمات إلى النور. فلن يكون دين إبراهيم أبدًا إلا باتِّباع القِبلة التي بناها، وعظَّمها الله ببنائه هو وابنه إسماعيل إيَّاها، وإسماعيل هو أبو الأمة العظيمة أمة الإسلام، قال الله -تعالى-: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ . وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ . وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (البقرة:124-130). قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: "يقول -تعالى- مُنبهًا على شرف إبراهيم خليله -عليه السلام-، وأن الله -تعالى- جعله إمامًا للناس يُقتدَى به في التوحيد؛ حين قام بما كلَّفه الله به من الأوامر والنواهي. ولهذا قال: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ) أي: واذكر يا محمد لهؤلاء المشركين وأهل الكتابين الذين ينتحلون ملة إبراهيم وليسوا عليها، وإنما الذي هو عليها مستقيم فأنت والذين معك من المؤمنين؛ اذكر لهؤلاء ابتلاء الله إبراهيم، أي: اختباره له بما كلَّفه به من الأوامر والنواهي. (فَأَتَمَّهُنَّ) أي: قام بهن كُلِّهن، كما قال -تعالى- (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (النجم: 37)، أي: وَفَّى جميع ما شُرع له، فعمل به -صلوات الله عليه وسلامه-، وقال -تعالى-: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ . ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:120-123)، وقال -تعالى-: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام:161)، وقال -تعالى-: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران:67-68). وقوله -تعالى-: (بِكَلِمَاتٍ) أي: بشرائع وأوامر ونواهٍ، فإن الكلمات تطلق ويُراد بها الكلمات القدرية، كقوله -تعالى- عن مريم -عليه السلام-: (وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) (التحريم:12)، وتطلق ويراد بها الشرعية، كقوله -تعالى-: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا) (الأنعام:115)، أي: كلماته الشرعية -(قلتُ: والصحيح أن قوله: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا): تشمل الكلمات الشرعية والكلمات الكونية أيضًا؛ فإنها كلها عدل وصدق)-، وهي إما خبر صدق، وإما طلب عدل؛ إن كان أمرًا أو نهيًا، ومِن ذلك هذه الآية الكريمة: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) أي: قام بهن. (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) أي: جزاءً على ما فعل، كما قام بالأوامر وترك الزواجر؛ جعله الله للناس قدوة وإمامًا يُقتدَى به، ويُحتذى حذوه. وقد اخْتُلف في تعيين الكلمات التي اختبر الله بها إبراهيم الخليل -عليه السلام-؛ فرُوي عن ابن عباس في ذلك روايات، فقال عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة: قال ابن عباس: ابتلاه الله بالمناسك. وكذا رواه أبو إسحاق السبيعي، عن التميمي، عن ابن عباس. وروى عبد الرزاق أيضًا عن ابن عباس: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ) قال: ابتلاه الله بالطهارة: خمس في الرأس، وخمس في الجسد؛ في الرأس: قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفَرْق الرأس. وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء. قال ابن أبي حاتم: ورُوي عن سعيد بن المسيب، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، وأبي صالح، وأبي الجلد نحو ذلك. قلتُ: وقريب من هذا ما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عَشرٌ منَ الفِطرةِ: قصُّ الشّاربِ، وإعفاءُ اللِّحيةِ والسِّواكُ والاستِنشاقُ وقصُّ الأظفارِ وغَسلُ البَراجمِ ونَتفُ الإبطِ وحَلقُ العانةِ وانتِقاصُ الماءِ، قالَ زَكَريّا: قالَ مُصعبٌ: ونَسيتُ العاشِرَةَ إلّا أن تَكونَ المَضمضَةُ). قال وكيع: انتقاص الماء؛ يعني: الاستنجاء. وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الفطرةُ خمسٌ: الختانُ، والاستحدادُ، وتقليمُ الأظفارِ، ونتفُ الإبطِ، وقصُ الشاربِ) ولفظه لمسلم. وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس: أنه كان يقول في هذه الآية: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) قال: عشر؛ ست في الإنسان، وأربع في المشاعر؛ فأما التي في الإنسان: حلق العانة، ونتف الإبط، والختان -وكان ابن هبيرة يقول: هؤلاء الثلاثة واحدة- وتقليم الأظفار، وقص الشارب، والسواك، وغُسل يوم الجمعة. والأربعة التي في المشاعر: الطواف، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، والإفاضة. وقال داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: ما ابْتُلِي بهذا الدِّين أحد فقام به كله إلا إبراهيم، قال الله -تعالى-: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) قلت له: وما الكلمات التي ابْتَلى الله إبراهيم بهن فأتمهن؟ قال: الإسلام ثلاثون سهمًا، منها: عشر آيات في براءة: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة:112)، إلى آخر الآية، وعشر آيات في أول سورة (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون) (المؤمنون:1)، و(سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) (المعارج:1)، وعشر آيات في الأحزاب: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب:35)، فأتمهن كلهن؛ فكُتبت له براءة، قال الله: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (النجم:37). وهكذا رواه الحاكم، وأبو جعفر ابن جرير، وأبو محمد ابن أبي حاتم بأسانيدهم إلى داود بن أبي هند به" (تفسير ابن كثير). وللحديث بقية -إن شاء الله تعالى-.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 01-05-2024 الساعة 05:10 AM. |
#4
|
||||
|
||||
رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال
الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (4) قصة بناء الكعبة (2) كتبه/ ياسر برهامي الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ قوله -تعالى-: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة:124). قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: "روى محمد بن إسحاق عن ابن عباس، قال: الكلمات التي ابتلى الله بهن إبراهيم فأتمهن: فِراق قومه في الله حين أُمر بمفارقتهم، ومحاجَّته نُمْروذ في الله حين وقَّفه على ما وقَّفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافه، وصبره على قذفه إيَّاه في النار ليحرقوه في الله على هول ذلك من أمرهم، والهجرة -بعد ذلك- من وطنه وبلاده في الله حين أمره بالخروج عنهم، وما أمره به من الضيافة والصبر عليها بنفسه وماله، وما ابتُلِي به من ذبح ابنه حين أمره بذبحه، فلمَّا مضى على ذلك من الله كله وأخلصه للبلاء؛ قال الله له: (أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (البقرة:131)، على ما كان مِن خلاف الناس وفراقهم. وروى ابن أبي حاتم عن الحسن البصري: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) قال: ابتلاه بالكوكب فرضي عنه، وابتلاه بالقمر فرضي عنه، وابتلاه بالشمس فرضي عنه، وابتلاه بالهجرة فرضي عنه، وابتلاه بالختان فرضي عنه، وابتلاه بابنه فرضي عنه. وروى ابن جرير عن قتادة، قال: كان الحسن يقول: إي والله، ابتلاه بأمرٍ فصبر عليه؛ ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر فأحسن في ذلك، وعرف أن ربَّه دائم لا يزول، فوجَّه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما كان من المشركين، ثم ابتلاه بالهجرة فخرج من بلاده وقومه حتى لحق بالشام مهاجرًا إلى الله، ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة فصبر على ذلك، وابتلاه بذبح ابنه والختان، فصبر على ذلك. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عمَّن سمع الحسن يقول في قوله: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) قال: ابتلاه الله بذبح ولده، وبالنار، والكوكب والشمس، والقمر. وروى ابن جرير عن الحسن في الآية قال: ابتلاه بالكوكب، والشمس، والقمر؛ فوجده صابرًا. وقال العَوفي عن ابن عباس: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) فمنهن قال: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا)، ومنهن: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ) (البقرة:127)، ومنهن: الآيات في شأن المَنْسك والمقام الذي جعل لإبراهيم، والرزق الذي رُزق ساكنو البيت، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- بُعث في دينهما (قلتُ: أي: دين إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام-). وروى ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله -تعالى-: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) قال الله لإبراهيم: إني مبتليك بأمر فما هو؟ قال: تجعلني للناس إمامًا؟ قال: نعم. قال: ومن ذريتي؟ قال: لا ينال عهدي الظالمين، قال: تجعل البيت مثابة للناس؟ قال: نعم. قال: وأمنًا. قال: نعم. قال: وتجعلنا مسلمين لك ومِن ذريتنا أمة مسلمة لك؟ قال: نعم. قال: وترزق أهله مِن الثمرات مَن آمن منهم بالله؟ قال: نعم. قال ابن أبي نُجيح: سمعته من عكرمة، فعرضته على مجاهد؛ فلم ينكره. وهكذا رواه ابن جرير من غير وجه، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. وقال سفيان الثوري عن ابن أبي نُجيح، عن مجاهد: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) قال: ابتُلي بالآيات التي بعدها: (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) قال: الكلمات: (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) وقوله: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا)، وقوله: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) وقوله: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة:125). وقوله: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تقبلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة:127)، الآيات، قال: فذلك كله مِن الكلمات التي ابتُلي بهنَّ إبراهيم. قال السدي: الكلمات التي ابتلى بهنَّ إبراهيمَ ربُّه: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ) (التوبة:127-129)". وقال القرطبي -رحمه الله-: وفي الموطأ وغيره، عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيِّب يقول: إبراهيم -عليه السلام- أول مَن اختتن، وأول مَن ضاف الضيف، وأول مَن استحدَّ، وأول مَن قلَّم أظفاره، وأول مَن قصَّ الشارب، وأول مَن شاب، فلمَّا رأى الشيب قال: ما هذا؟ قال: وقار، قال: يا رب، زدني وقارًا. وذكر ابن أبي شيبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه، قال: أول مَن خطب على المنابر إبراهيم، قال غيره: وأول مَن برَّد البريد، وأول مَن ضرب بالسيف، وأول مَن استاك، وأول مَن استنجى بالماء، وأول مَن لبس السراويل (قلتُ: وواضح أن هذه مِن الإسرائيليات والتي قبلها؛ فتحتاج إلى دليل من الكتاب والسنة). ورُوي عن مُعاذ بن جبل قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إِنْ أتَّخذِ المنبرَ فقد اتّخذَهُ أبي إبراهيمُ، وإِنْ أتّخذِ العصا فقدِ اتّخذَها أبي إبراهيمُ". قال ابن كثير: "هذا حديث لا يثبت، والله أعلم". ثم شرع القرطبي يتكلم على ما يتعلق بهذه الأشياء من الأحكام الشرعية. قال أبو جعفر ابن جرير ما حاصله: إنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذُكر، وجائز أن يكون بعض ذلك، ولا يجوز الجزم بشيء منها أنه المراد على التعيين إلا بحديث أو إجماع. قال: ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد، ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له. غَيْرَ أنَّه قد رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في نظير معنى ذلك خبران: أحدهما: عن سهل بن معاذ بن أنس، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ألا أُخبِرُكم لِمَ سَمَّى اللهُ خليلَه: (الَّذِي وَفّى)؟! لأنَّه كان يقولُ كلَّما أصبَحَ: (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) (الروم:17)، حَتَّى يَخْتِمَ الْآيَةَ. والآخر: عن أبي أُمَامة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفّى) (النجم:37)، أَتدرونَ ما وَفّى؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: وَفّى عملَ يومِه؛ أربعَ ركعاتٍ في النَّهارِ". ثم عقَّب ابن كثير قائلًا: ثم شرع ابن جرير يضعف هذين الحديثين، وهو كما قال؛ فإنه لا تجوز روايتهما إلا ببيان ضعفهما، وضعفُهما مِن وجوه عديدة، فإن كُلًا مِن السندين مشتمل على غير واحد من الضعفاء، مع ما في متن الحديث؛ مما يدل على ضعفه. والله أعلم" (انتهى كلام ابن كثير). قلتُ: والذي يظهر لي من هذه النقول الكثيرة التي رواها ابن كثير عن ابن جرير وغيره، أن السلف يفسرون هذه الآية بما فسروه على سبيل المثال؛ لا يقصدون الحصر والتعيين، بل كل ما ابتلاه الله به من الأوامر فهو من هذه الكلمات، والعموم أقرب. ويجوز أن يكون بعضها من المسائل العظيمة: كالدعوة إلى التوحيد، والإلقاء في النار، والصبر على ذلك، والابتلاء بذبح الولد والابتلاء ببناء الكعبة، وكذا الختان؛ فإن هذه الأمور مِن الأمور التي تشق على أكثر الخلق، وقام بها إبراهيم -عليه السلام- على الوجه الأكمل. وهذه التفسيرات لا تتناقض، وإن كان كما سبق أن بيَّنَّا أن بعضها مِن الأخبار الإسرائيلية التي لا دليل عليها: كمسألة اتخاذ المنبر، ولبس السراويل، وليس فيها معنى يُستفاد منه، والله أعلى وأعلم. وأما ما ذكرنا فهو الذي فيه القدوة للخلق جميعًا بإبراهيم أبي الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-. ولنا بقية في هذا المجال -إن شاء الله-.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 01-05-2024 الساعة 05:13 AM. |
#5
|
||||
|
||||
رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال
الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (5) قصة بناء الكعبة (3) كتبه/ ياسر برهامي الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ قال الله -تعالى-: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة:124). قوله -تعالى-: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). قال ابن كثير -رحمه الله-: "لما جعل اللهُ إبراهيم إمامًا، سأل اللهَ أن تكون الأئمةُ من بعده من ذريته؛ فأُجيب إلى ذلك، وأُخْبر أنه سيكون مِن ذريته ظالمون، وأنه لا ينالهم عهد الله، ولا يكونون أئمة فلا يُقتدى بهم، والدليل على أنه أُجيب إلى طلبته: قول الله -تعالى- في سورة العنكبوت: (وَجَعَلْنَا في ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) (العنكبوت:27)، فكل نبي أرسله الله، وكل كتاب أنزله الله بعد إبراهيم، ففي ذريته -صلوات الله وسلامه عليه-. وأما قوله -تعالى-: (قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)؛ فقد اختلفوا في ذلك، فقال خَصِيفٌ، عن مجاهد في قوله: (قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) قال: إنه سيكون في ذريتك ظالمون. وقال ابن أبي نُجيح عن مجاهد: (قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) قال: لا يكون لي إمام ظالم. وفي رواية: لا أجعل إمامًا ظالمًا يُقتدى به. وقال سفيان، عن منصور عن مجاهد في -قوله تعالى-: : (قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) قال: لا يكون إمام ظالم يُقتدى به. روى ابن أبي حاتم عن مجاهد، في قوله: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) قال: أما مَن كان منهم صالحًا؛ فسأجعله إمامًا يُقتدى به، وأما مَن كان ظالمًا؛ فلا ولا نُعْمةَ عين. وقال سعيد بن جبير: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) المراد به: المشرك، لا يكون إمام ظالم، يقول: لا يكون إمام مُشرك. وقال ابن جريج، عن عطاء، قال: (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) فأبى أن يجعل من ذريته إمامًا ظالمًا. قلتُ لعطاء: ما عهدُه؟ قال: أمره. وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس، قال: قال الله لإبراهيم: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) فأبى أن يفعل، ثم قال: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (قلتُ: أبى أن يفعل أن تكون ذريته كلهم أئمة، وإنما جعل الله الإمامة في الصالحين من ذريته). قال محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس: (قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) يخبره أنه كائن في ذريته ظالم لا ينال عهده -ولا ينبغي أن يُوليَه شيئًا مِن أمره وإن كان مِن ذرية خليله- ومُحْسن ستنفذ فيه دعوته، وتبلغ له فيه ما أراد مِن مسألته. وقال العَوفي، عن ابن عباس: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) قال: يعني لا عهد لظالم عليك في ظلمه أن تطيعه فيه. وروى ابن جرير عن ابن عباس، قال: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) قال: ليس للظالمين عهد، وإنْ عاهدتَه اُنْقُضْه. ورُوي عن مجاهد، وعطاء، ومُقاتل بن حيان نحو ذلك. وقال الثوري عن هارون بن عنترة، عن أبيه، قال: ليس لظالم عهد. وعن قتادة، في قوله: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) قال: لا ينال عهدُ الله في الآخرة الظالمين، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فآمن به، وأكل وعاش. وكذا قال إبراهيم النخعي، وعطاء، والحسن، وعكرمة. وقال الربيع بن أنس: عهد الله الذي عهد إلى عباده: دينه، يقول: لا ينال دينُه الظالمين، ألا ترى أنه قال: (وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحَاقَ وَمَنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِيْنٌ) (الصافات:113)، يقول: ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق. وكذا رُوي عن أبي العالية، وعطاء، ومقاتل بن حيان. وقال جويبر عن الضحاك: لا ينال طاعتي عدو لي يعصيني، ولا أنحلها إلا وليًّا لي يطيعني. وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه عن علي بن أبي طالب، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) قال: "لَا طَاعَةَ إِلَّا في المَعْرُوفِ". وقال السدي: "لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" يقول: عهدي نبوتي. فهذه أقوال مفسري السلف في هذه الآية على ما نقله ابن جرير، وابن أبي حاتم -رحمهما الله تعالى-. واختار ابن جرير أن هذه الآية -وإن كانت ظاهرة في الخبر- أنه لا ينال عهدُ اللهِ بالإمامة ظالمًا، ففيها إعلام مِن الله لإبراهيم الخليل -عليه السلام- أنه سيوجد مِن ذريتك مَن هو ظالم لنفسه، كما تقدَّم عن مجاهد وغيره، والله أعلم. وقال ابن خُوَيْزِ مَنْدَاد المالكي: الظالم لا يصلح أن يكون خليفة ولا حاكمًا، ولا مفتيًا، ولا شاهدًا، ولا راويًا" (انتهى من تفسير ابن كثير). وقال القرطبي -رحمه الله- في مسائل هذه الآية: "السابعة عشرة: قوله -تعالى-: (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا)، الإمام: القدوة. ومنه قيل لخَيْط البناء: إمام. وللطريق: إمام؛ لأنه يُؤَمُّ فيه للمسالك، أي يُقْصَد. فالمعنى: جعلناك للناس إمامًا يأتمُّون بك في هذه الخِصَال، ويقتدي بك الصالحون. فجعله اللهُ -تعالى- إمامًا لأهل طاعته؛ فلذلك اجتمعت الأمم على الدعوى فيه -والله أعلم- أنه كان حنيفًا". وقال في المسألة المُوَفِّيَة عشرين: "قوله -تعالى-: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ): اخْتُلف في المراد بالعهد، فروى أبو صالح عن ابن عباس أنه: النبوة، وقاله السدي. وقال مجاهد: الإمامة. وقال قتادة: الإيمان. وقال عطاء: الرحمة. وقال الضحاك: دين الله -تعالى-. وقيل: عهده أمره. ويُطلق العهد على الأمر، قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنَا) (آل عمران:183)، أي: أمرنا -يعني: اليهود-. وقال: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ) (يس:60)، يعني: ألم أُقدِّم إليكم الأمر به، وإذا كان عهد الله هو أوامره فقوله: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أي: لا يجوز أن يكونوا بمَحَلِّ مَن يُقبل منهم أوامر الله ولا يقيمون عليها، على ما يأتي بيانه بعد هذا آنفًا -إن شاء الله تعالى-. وروى معمر عن قتادة في قوله -تعالى-: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) قال: لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمين، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فآمَن به، وأكل وعاش وأبصر. قال الزجَّاج: وهذا قول حسن، أي: لا ينال أماني الظالمين، أي: لا أُؤَمِّنُهم من عذابي. وقال سعيد بن جبير: الظالم هنا: المشرك. وقرأ ابن مسعود وطلحة بن مُصرِّف: لا ينال عهدي الظالمون، برفع الظالمون. الباقون بالنصب. (قلتُ: هذه قراءة شاذة مخالفة لرسم المصحف، لا يجوز التلاوة في الصلاة وغيرها بها)، وأسكن حمزة وحفص وابن محيصن الياء في عهدي، وفتحها الباقون. الحادية والعشرون: استدل جماعة مِن العلماء بهذه الآية على أن الإمام يكون مِن أهل العدل والإحسان والفضل، مع القوة على القيام بذلك، وهو الذي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ألا يُنازِعوا الأمر أهله، على ما تقدَّم مِن القول فيه؛ فأما أهل الفسوق والجور والظلم فليسوا له بأهل؛ لقوله -تعالى-: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). ولهذا خرج ابن الزبير والحسين بن علي -رضي الله عنهم-، وخرج خيار أهل العراق وعلماؤهم على الحجاج، وأخرج أهلُ المدينة بني أمية وقاموا عليهم، فكانت الحَرَّةُ التي أوقعها بهم مُسلمُ بنُ عقبة. والذي عليه الأكثر مِن العلماء: أن الصبر على طاعة الإمام الجائر أولى مِن الخروج عليه؛ لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف، وإراقة الدماء، وانطلاق أيدي السفهاء، وشن الغارات على المسلمين، والفساد في الأرض. والأول مذهب طائفة من المعتزلة، وهو مذهب الخوارج؛ فاعلمه. (قلتُ: أما خروج مَن خرج مِن الأفاضل؛ فكان على ما رأوه مِن أن المصلحة راجحة في الخروج، والخروج على الظالم مبني على مراعاة المصالح والمفاسد، وقد وقع اجتهادهم خطأ منهم. وإن كان عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- هو إمام وقته ومَبْغِيٌّ عليه وليس باغيًا؛ بل مَن بُويع له بعده -مِن مروان ثم عبد الملك، ومَن ولَّاهم عبد الملك كالحجاج- هم البُغاة عليه؛ ولكن قُتِل مظلومًا؛ فلما استقر الأمر لعبد الملك بن مروان صار هو الخليفة، وبايعه عبدالله بن عمر لتغلبه. وقد ذكر العلماء العلة في الصبر على طاعة الإمام الجائر -مع عدم لزوم طاعته إلا في المعروف- أنها: الحرص على الأمن، ومنع إراقة الدماء، وانطلاق أيدي السفهاء والفساد في الأرض؛ وبهذا تتفق أقوال السلف في الحقيقة؛ وإن اختلفت اجتهاداتهم في تطبيق الواقع). الثانية والعشرون: قال ابنُ خُوَيْزِ مَنْدَاد: وكل مَن كان ظالمًا لم يكن نبيًّا، ولا خليفة، ولا حاكمًا، ولا مفتيًا، ولا إمام صلاة، ولا يقبل عنه ما يرويه عن صاحب الشريعة، ولا تقبل شهادته في الأحكام، غير أنه لا يُعزل بفسقه حتى يعزله أهل الحل والعقد. وما تقدَّم من أحكامه مُوافقًا للصواب ماضٍ غير منقوض. وقد نصَّ مالك على هذا في الخوارج والبغاة؛ أن أحكامهم لا تُنقض إذا أصابوا بها وجهًا مِن الاجتهاد، ولم يخرقوا الإجماع، أو يخالفوا النصوص. وإنما قلنا ذلك؛ لإجماع الصحابة، وذلك أن الخوارج قد خرجوا في أيامهم ولم يُنقل أن الأئمة تتبعوا أحكامهم، ولا نقضوا شيئًا منها، ولا أعادوا أخذ الزكاة، ولا إقامة الحدود التي أخذوا وأقاموا؛ فدلَّ على أنهم إذا أصابوا وجه الاجتهاد لم يُتعرَّض لأحكامهم. (قلتُ: وهذا يدلُّ على أن جماهير العلماء يرون الخوارج مِن أهل الملة؛ لأنه لا نزاع في أن الكافر لا ولاية له على مسلم بحال). الثالثة والعشرون: قال ابن خُوَيْزِ مَنْدَاد: وأما أخذ الأرزاق مِن الأئمة الظلمة؛ فلذلك ثلاثة أحوال: - إن كان جميع ما في أيديهم مأخوذًا على مُوجب الشريعة فجائز أخذه، وقد أخذت الصحابة والتابعون مِن يد الحجاج، وغيره. - وإن كان مُختلطًا حلالًا وظلمًا -كما في أيدي الأمراء اليوم- فالورع تركه، ويجوز للمحتاج أخذه، وهو كَلِصٍّ في يده مالٌ مسروقٌ، ومالٌ جيد حلال وقد وكَّله فيه رجل؛ فجاء اللص يتصدق به على إنسان؛ فيجوز أن تُؤخذ منه الصدقة، وإن كان قد يجوز أن يكون اللص يتصدق ببعض ما سرق، إذا لم يكن شيء معروف بنهب، وكذلك لو باع أو اشترى كان العقد صحيحًا لازمًا -وإن كان الورع التنزه عنه-، وذلك أن الأموال لا تحرم بأعيانها، وإنما تحرم لجهاتها. - وإن كان ما في أيديهم ظلمًا صراحًا؛ فلا يجوز أن يُؤخذ مِن أيديهم. ولو كان ما في أيديهم من المال مغصوبًا -غير أنه لا يعرف له صاحب ولا مطالب- فهو كما لو وُجِد في أيدي اللصوص وقُطَّاع الطريق، ويُجعل في بيت المال ويُنتظر طالبه بقدر الاجتهاد، فإذا لم يُعرف صرفه الإمام في مصالح المسلمين" (انتهى مِن تفسير القرطبي). (قلتُ: وكلام ابن خُوَيْزِ مَنْدَاد في غاية الإتقان والأهمية كذلك).
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال
الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (6) قصة بناء الكعبة (4) كتبه/ ياسر برهامي الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ قال الله -تعالى-: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة:124). في الآية فوائد عظيمة، منها: 1- أن سنة الله في خلقه في هذه الحياة: الابتلاء والمحنة؛ ولو كانوا أحبَّ خلقه إليه؛ فإبراهيم -عليه السلام- خليل الرحمن، والرسول -صلى الله عليه وسلم- خليل الرحمن، وهما أشدُّ الناس بلاءً؛ قال الله -تعالى-: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت:2-3)، وقال -سبحانه وتعالى-: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214). وسُئِل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ فقال: (الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فالأَمْثَلُ مِن النَّاسِ؛ يُبْتَلى الرَّجُلُ عَلَى حَسْبِ دِيْنِهِ؛ فَإِنْ كَانَ في دِيْنِهِ صَلَابَةٌ؛ زِيْدَ في بَلَائِهِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني). 2- ومنها: أن الإمامة في الدِّين لا تُنال إلا بالابتلاء، وكذا التمكين؛ قيل للشافعي -رحمه الله-: "أيُّهما أفضل للرجل: أن يُمكَّن أو يُبتلى؟ قال: لا يُمكَّن حتى يُبتلى". ومَن ظن أنه ينال الإمامة في الدِّين أو التمكين في الأرض بغير ابتلاء؛ فهو كبني إسرائيل الذين قالوا موسى -لما أمرهم بدخول الأرض المقدسة، وبيَّن لهم وعد الله لهم بالنصر، وأنها مكتوبة لهم-: (يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِيْنَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ) (المائدة:22). فهم لا يكتفون بأن يفتحوا لهم الأبواب ويدعوهم للدخول ليدخلوا عليهم؛ بل يشترطون أن يخرجوا منها لينالوا ثمرة سهلة، بلا جهد ولا عمل، ورغم الخطة المحكمة التي قالها رجلان مِن الذين يخافون أنعم الله عليهما، قالا: (قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) (المائدة:23-24). فإيَّاكم -أيها الدعاة- أن تكونوا أمثالهم؛ فتظنون أن اختيار الله لكم لنصرة دينه والتمكين له في الأرض يكون دون جهدٍ وابتلاءٍ ومحنةٍ؛ فلم يفعل الله ذلك لمَن هو أحبُّ إليه منكم؛ خليليه في الوجود: إبراهيم ومحمد -صلى الله عليهما وآلهما وسلم-. 3- أن الإمامة لا يَلزم أن تكون معها إقامة دولة؛ فإبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لم يكن رئيسًا أو ملكًا أو غلب ملوك زمانه حتى حلَّ محلهم، وهو إمام الأنبياء، وكل نبي بعده؛ فهو مِن ذريته، مُؤْتم به، يتَّبع ملته، وهو إمام للناس جميعًا يقتدون به في الخير؛ فلا يلزم للإمامة السلطة والحكم، وإن كان ذلك لا يعني سقوط وجوب إقامة الدولة والخلافة في هذه الأمة المحمدية؛ فإنها واجبة بالإجماع بعد النصوص، ولكن لا تقتصر الإمامة على السلطة، بل هؤلاء أئمة الدِّين بعد عهد الخلافة الراشدة عامتهم ليسوا حكامًا ولا خلفاء، ولا ملوكًا؛ فأئمة التابعين: كالفقهاء السبعة، وأصحاب ابن مسعود، وأصحاب معاذ، وأصحاب ابن عمر، وأصحاب ابن عباس؛ جميعهم لم يتولوا ولاية، ولا رياسة، والأئمة الأربعة، وشيوخهم وتلامذتهم؛ عامتهم لم يتولوا ولاية -حاشا عمر بن عبد العزيز- وأئمة الحديث كذلك: كالبخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم مِن أصحاب السنن والمسانيد، لم يتولوا ولاية. فلا تجعلوا -أيها الدعاة- همتكم وهدفكم في إمامة الحكم والسلطة التي هي غالبًا -منذ قرونٍ متطاولةٍ- إذا وُجدت؛ طَردت إمامة العلم والتربية للأمة، والتوجيه لها؛ وذلك لكي يحافِظ الملوك على مُلكهم، ويتنافسوا أيُّهم أعلى شأنًا فيها. فاحرصوا -أيها الدعاة- على أن تكونوا أئمة الهدى ومصابيح الدجى، بتعليم الناس الخير وتربيتهم وإصلاحهم -أفرادًا ومجتمعات- على سبيل الأنبياء، وارجوا أن يعلو الدِّين وأهله، ولا تحلموا أن تكونوا حكامًا وسلاطين، أو ملوكًا وروؤساء. 4- ومنها: أن الإمامة في الدِّين إنما تكون بالصبر واليقين؛ إذ صبر إبراهيم -عليه السلام- على جميع الطاعات -رغم مشقتها وصعوبتها-، وترك جميع المنهيات -ولو كانت من أعظم العوائد والتقاليد، والعلاقات الأسرية والاجتماعية-؛ فصبر على فِراق الأهل والوطن لله -عز وجل-، كما صبر على جميع الابتلاءات في الله: كالإلقاء في النار -وهو مِن أعظمها-، وتأخُّر الولد إلى الكِبَر، ثم ذبح الولد، وكذا أخذ الجبار لأهله، والختان على كِبَر السن بآلةٍ كالَّةٍ صعبةٍ؛ فصبر على ذلك كله وغيره مما ذُكر في الكتاب والسُّنة، وكل هذا مع اليقين التام، كما وصفه الله -عز وجل- فقال: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (الأنعام:75). وقد بيَّن الله -سبحانه- أن الإمامة في الدِّين إنما تُنال مع الصبر واليقين، فقال: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24). واستيعاب الفضائل هو مما مدح الله به إبراهيم -عليه السلام-، فقال -تعالى-: (وَإِبْرَاهِيْمَ الَّذِي وَفَّى) (النجم:37)، والسابقون مِن هذه الأمة هم الجامعون لخصال الخير، وليس فقط المتخصصين في نوعٍ واحدٍ منها، وفي حديث الصديق -رضي الله عنه- لما سأل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أصحابه: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ) (رواه مسلم). وكذا في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ؛ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ؛ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ؛ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ؛ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى أَحَدٍ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ) (متفق عليه). فانظروا إلى هذه الهمة العالية، وعظموا مقاصدكم في السبق إلى أبواب الخير، واجتهدوا -يا أبناء الإسلام، ويا أبناء الدعوة- في التوفيق بين أنواع الخيرات ما استطعتم، والاستيعاب لخصال الإيمان وشعبه، ولا تقتصروا على نوعٍ واحدٍ منها؛ فإن مقصدكم في إحياء الدِّين والتمكين له في الأرض، وإعادة بناء دولته بعد اندراسها؛ لهو أشرف مقصد، فلا يتناسب معه الهمم الدنيئة، أو المقاصد الضعيفة؛ فلابد مِن محاولة الاستيعاب للفضائل أو أكثرها، جعلنا الله وإيَّاكم أئمة للمتقين. 5- ومنها: أن الرغبة في استمرار الإمامة في الدِّين، والخير في الذرية مِن بعده مِن المقاصد العظيمة التي اهتم بها الأنبياء؛ إذ طلب إبراهيم -عليه السلام- أن يكون مِن ذريته أئمة في الدِّين، وقد وصف الله -عز وجل-عباد الرحمن، فقال -سبحانه وتعالى- عن دعائهم: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِيْنَ إِمَامًا) (الفرقان:74). وسُرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بسيادة الحَسَن بن علي -رضي الله عنهما-؛ وإن كان ذلك بالتنازل عن الإمامة بمعنى الحكم والسلطة؛ لينال معنى الإمامة في الصلح بين المسلمين، فقال عن الحسن: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (رواه البخاري)، وكان مِن الجزاء على ذلك عند الله -سبحانه- أن يصير المهدي في آخر الزمان مِن نسل الحسن بن علي -رضي الله عنهما-؛ يواطِئ اسمه اسم النبي -صلى الله عليه وسلم-، واسم أبيه اسم أبيه، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئتْ ظلمًا وجَوْرًا. وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال
الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (7) قصة بناء الكعبة (5) كتبه/ ياسر برهامي فقال الله -تعالى-: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة:124). مِن فوائد هذه الآية: الفائدة الخامسة: أن الإمامة لا ينالها -بأمر الله الشرعي- ظالمٌ: وأجمع ما قيل في ذلك قول ابن خُوَيْز مَنْدَاد المالكي: "الظالم لا يصلح أن يكون خليفة، ولا حاكمًا ولا مفتيًا ولا شاهدًا ولا راويًا". والظلم نوعان: ظلم أكبر؛ وهو الشرك بالله، قال -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ? إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان:13)، ولا نزاع أنه لا ينال الظالم -هذا الظلم الأكبر- أيَّ نوع من الإمامة التي ذكرها ابن خُوَيْز مَنْدَاد؛ فلا يكون خليفة ولا قاضيًا، ولا مفتيًا، ولا شاهدًا ولا راويًا، ويُرد كل ذلك منه. والنوع الثاني من الظلم: الظلم الأصغر -وهو أشمل-؛ ظلم العبد لنفسه بالمعاصي دون الشرك؛ وهو الذي قال فيه الصحابة لما سمعوا قول الله -عز وجل-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:82)، قالوا: "أيُّنا لم يظلم نفسه؟!". وهو -الظلم الأصغر- يشمل الصغائر، وهي تُكفَّر باجتناب الكبائر، مع المحافظة على الفرائض، قال الله -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء:31)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الصَّلَواتُ الخَمْسُ، والْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، وَرَمَضانُ إلى رَمَضانَ، مُكَفِّراتٌ ما بيْنَهُنَّ إِذا اجْتَنَبَ الكَبائِرَ) (رواه مسلم). والكبائر وهي لا تكفر إلا بالتوبة؛ فمَن لم يتب ظلَّ حكم الظالم ملازمًا لمرتكبها؛ وبالتالي: لا يصح أن يكون إمامًا يُقتدَى به في الدِّين شرعًا، وإنما قلنا: شرعًا؛ ليخرج مِن ذلك ما يقع كونًا وقَدَرًا؛ فقد يتولى بعض الولايات في بعض الأزمان وفي بعض الأمكنة ظالمون، ولكن هذا ليس مِن شرع الله -سبحانه-، ولا يجوز فعله، وإن كان تغييره يخضع لقضية المصالح والمفاسد، ولا يمضي أمرُ الظالم إلا ما وافق الشرع. وإن كان إدراكُ الفرق بين المطلوب شرعًا والممكن المتاح الواقع قدرًا ضروريًّا للغاية؛ وذلك أن عدم إدراك الفرق يترتب عليه: إهمال موازين القدرة والعجز، والقوة والضعف، والمصلحة والمفسدة، وعامة الفتن تقع من هذا الباب؛ فيرى بعض الناس أن المطلوب شرعًا تولية العدل هذه الولايات وعدم تولية الظالم، ولا يرون القدرة والقوة على ذلك؛ فيصطدمون بالواقع المؤلم، ويهلك في ذلك الآلاف وأكثر؛ لأنهم لم يراعوا قاعدة المصالح والمفاسد التي مِن أجلها أَمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصبر على أئمة الجور، وقال: (فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ) (متفق عليه)، مع وجود المنكرات، وإن كان قد مَنَع مِن الرضا والمتابعة، فقال: (فَمْنَ أنَكَرَ فَقَدْ بَرِيءَ، ومَنْ كَرِهَ فقدْ سَلِمَ، ولكن مَنْ رضِيَ وتابَعَ) (رواه مسلم). بل في الحقيقة مِن أجل هذه القاعدة شَرَع الله التدرج في أمر جهاد الكفار فمَن دونهم؛ فكان الجهاد منهيًّا عنه، قال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) (النساء:77)، وذلك عندما كان المسلمون مستضعفين بمكة، ثم صار مأذونًا فيه في أول قدومهم المدينة، قال الله -تعالى-: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى? نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج:39)، ثم صار مأمورًا به لمَن قاتلنا دون مَن يقاتِل؛ وهو قتال الدفع، قال -تعالى-: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة:190)، ثم صار مأمورًا به لكل الكفار حسب القدرة والاستطاعة؛ وهو جهاد الطلب، قال -تعالى-: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) (التوبة:36)، مع بقاء إعمال هذا الترتيب حسب الحاجة إليه، وحسب القدرة والمصلحة، وبقاء تشريع أنواع العهود المختلفة حسب مصلحة المسلمين. قال ابن تيمية -رحمه الله-: "فمَن كان في أرض هو فيها مستضعف، عمل فيها بآيات الصبر والصفح والعفو عمَّن آذى الله ورسوله، ومَن كان عنده القدرة التامة، عمل بآيات قتال المشركين كافة" (انتهى بمعناه). ومثل الجهاد: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذ هو نوع منه، فلابد مِن رعاية القدرة والعجز، والمصلحة والمفسدة؛ وإن كان هذا لا يعني زوال المطلوب شرعًا مِن قصد المكلفين وفهمهم للدِّين، وتبليغهم لغيرهم -الدِّين- مِن الأجيال القادمة؛ فلا يتغير المطلوب شرعًا بالعجز عنه؛ بل يَظلُّ معلومًا ومنقولًا للأجيال؛ حتى يأتي الحين الذي يتمكَّن فيه المسلمون منه، ولا يكون أهل الحق كأهل التبديل والتحريف الذين يُشرِّعون ترك ما أمر الله به القادرين عامًّا مطلقًا؛ لعجزهم في زمنٍ مِن الأزمان عنه؛ فيُبدَّل الدِّين، ويُفقَد جيلًا بعد جيلٍ! ومِن هذا الباب العمل بهذه الآية الكريمة: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). فمَن يُشرِّع للناس تولية الظالمين دائمًا، وإهدار ما أمر الله به مِن عدم كونهم أئمة؛ بل يجعلهم كالخلفاء الراشدين في الحقوق، مع تضييعهم الواجبات؛ فيُلزِم باتِّباعهم في ترك الواجبات، وفعل المحرمات، وتشريع المخالفات؛ فالناس في هذا المقام ثلاث فِرَق: الفرقة الأولى: نظرت إلى المطلوب شرعًا؛ دون النظر إلى القدرة والعجز، والمصلحة والمفسدة؛ فزعمت أنها تقاتِل حتى لا تكون فتنة، ويكون قتالُهم هو الفتنة: كالخوارج الذين جَمَعوا مع فساد العمل فساد الاعتقاد، وكالمُخطِئين مِن أهل السُّنة الذين خَرَجوا على الولاة؛ لظلمهم، فحدثت الفتن العظيمة، وإن كان أمرهم عند أهل السُّنة أنهم مجتهدون مخطئون لهم أجرٌ واحدٌ، مغفورٌ لهم خطؤهم، وليسوا كالخوارج كلاب النار المذمومين في الدنيا والآخرة؛ لفساد عقيدتهم، وتكفيرهم المسلمين، واستباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم؛ فمَن جعل طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص والحسين بن علي -رضي الله عنهم-، وسعيد بن جبير ومَن معه -رحمهم الله- وأمثالهم كالخوارج في الذمِّ؛ فقد ابتدع بدعة ضلالة، وسوَّى بين ما فرَّق بينه أهل السنة؛ رغم وجود القتال. والفرقة الثانية: نظرت إلى الواقع دون المشروع؛ فجعلت الظلم عدلًا، والفساد صلاحًا، وبدَّلت الشرع؛ إرضاءً للظالمين، وحَللوا وحَرَّموا على أهوائهم؛ فصاروا أعظم فتنة مِن الفرقة الأولى، وعظم ضررهم في تحريف الكتاب، وتبديل الدِّين على أجيالٍ تلو أجيالٍ. والفرقة الثالثة: جمعت في نظرها بين معرفة الشرع المطلوب -فحكمتْ به حكمًا عامًّا مطلقًا- وبين الواقع المقدَّر والمقدور عليه، والمعجوز عنه؛ فراعت المصالح والمفاسد، ولم تأمر في الواقِع المعين إلا بالممكن المقدور المتاح الذي يترتب عليه تحصيل أكبر قدرٍ مِن المصالح -وإن فات بعضها-، ودفع أكبر قدرٍ مِن المفاسد -وإن احْتُمِل بعضها-؛ مع بقاء الأمر العام المطلق هو الموافِق للشرع؛ فلم يفتنوا الناس، ولم يبدِّلوا الدِّين، ولا حَرَّفوا الكتاب، وهؤلاء هم أهل الحق مِن أهل السُّنة والجماعة. نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا منهم، وأن يلحقنا بهم صالحين.
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال
الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (8) قصة بناء الكعبة (6) كتبه/ ياسر برهامي فبعد أن ذكر الله -تعالى- أنه جعل خليله إبراهيم -عليه السلام- إمامًا للناس -ومَن كان مِن ذريته عادلًا غير ظالم-؛ ذكر -سبحانه وتعالى- قصة بناء الكعبة المُشَرَّفة قِبلة إمام البشرية كافة، وأمته إلى آخر الزمان، وخير الخليقة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وهذا تمهيدًا لنسخ القبلة مِن بيت المقدس إلى استقبال الكعبة؛ فقال -تعالى-: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة:125). قال ابن كثير -رحمه الله-: "قال العوفي عن ابن عباس: قوله -تعالى-: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ) يقول: لا يقضون منه وطرًا؛ يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم، ثم يعودون إليه. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (مَثَابَةً لِّلنَّاسِ) يقول: يثوبون. رواهما ابن جرير. وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله -تعالى-: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ) قال: يثوبون إليه ثم يرجعون. قال: وروي عن أبي العالية، وسعيد بن جبير في رواية وعطاء، ومجاهد، والحسن، وعطية، والربيع بن أنس، والضحاك، نحو ذلك. وروى ابن جرير عن عبدة بن أبي لبابة، في قوله -تعالى-: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ) قال: لا ينصرف عنه منصرف وهو يرى أنه قد قضى منه وطرًا. وعن ابن زيد: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ) قال: يثوبون إليه من البلدان كلها ويأتونه، وما أحسن ما قال الشاعر في هذا المعنى، أورده القرطبي: جعل البيت مثابًا لهم ليس مـنه الدهر يقضون الوطر (وَأَمْنًا) قال الضحاك عن ابن عباس: أي أمنًا للناس. وقال أبو جعفر الرازي عن أبي العالية: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا) يقول: أمنًا مِن العدو، وأن يحمل فيه السلاح، وقد كانوا في الجاهلية يُتخطف الناس من حولهم، وهم آمنون لا يُسْبَون. وروي عن مجاهد، وعطاء، والسدي، وقتادة، والربيع بن أنس، قالوا: مَن دخله كان آمنا. ومضمون ما فسر به هؤلاء الأئمة هذه الآية: أن الله -تعالى- يذكر شرف البيت وما جعله موصوفًا به شرعًا وقدرًا مِن كونه مثابة للناس؛ أي: جعله محلًّا تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه، ولا تقضي منه وطرًا ولو ترددت إليه كل عام؛ استجابة من الله -تعالى- لدعاء خليله إبراهيم -عليه السلام- في قوله: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) إلى أن قال: (رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) (إبراهيم:37-40). ويصفه -تعالى- بأنه جعله أمنًا؛ مَن دخله أَمِن، ولو كان قد فعل ما فعل ثم دخله كان آمنًا. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كان الرجل يَلْقَى قاتل أبيه وأخيه فيه فلا يعرض له، كما وصفها في سورة المائدة بقوله -تعالى-: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ) (المائدة:97)، أي: يرفع عنهم بسبب تعظيمها السوء كما قال ابن عباس: لو لم يحج الناس هذا البيت لأطبق الله السماء على الأرض، وما هذا الشرف إلا لشرف بانيه أولًا، وهو خليل الرحمن -"قلتُ: بل الشرف؛ لأن الله شَرَّفه وحرمه قبل أن يخلق الناس، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ) (متفق عليه)، وقال: (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) (رواه البخاري)"- كما قال -تعالى-: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا) (الحج:26)، وقال -تعالى-: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) (آل عمران: 96-97). وفي هذه الآية الكريمة نبَّه -تعالى- على مقام إبراهيم مع الأمر بالصلاة عنده، فقال: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) (البقرة:125)، وقد اختلف المفسرون في المراد بالمقام: ما هو؟ فروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) قال: مقام إبراهيم: الحرم كله. وروي عن مجاهد وعطاء مثل ذلك. وروى أيضًا عن ابن جريج، قال: سألت عطاء عن (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) فقال: سمعت ابن عباس قال: أما مقام إبراهيم الذي ذكره هاهنا -أي: في هذه السورة-، فمقام إبراهيم هذا الذي في المسجد -يعني الحجر الذي عليه القبة الصغيرة الصفراء-، ثم قال: و(مَقَام إِبْرَاهِيمَ) يُعَدُّ كَثِير، (مَقَام إِبْرَاهِيمَ) الحج كله. ثم فسره لي عطاء فقال: التعريف، وصلاتان بعرفة (الظهر والعصر)، والمشعر، ومنى، ورمي الجمار، والطواف بين الصفا والمروة. فقلت: أفسره ابن عباس؟ قال: لا، ولكن قال: مقام إبراهيم: الحج كله. قلتُ: أسمعت ذلك ؟ لهذا أجمع. قال: نعم، سمعته منه. وروى سفيان الثوري عن سعيد بن جبير: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) قال: الحجر مقام إبراهيم نبي الله، قد جعله الله رحمة، فكان يقوم عليه ويناوله إسماعيل الحجارة. ولو غسل رأسه كما يقولون لاختلف رجلاه. وقال السدي: المقام: الحجر الذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم حتى غسلتْ رأسه. حكاه القرطبي وضعفه، ورجحه غيره، وحكاه الرازي في تفسيره عن الحسن البصري وقتادة والربيع بن أنس -(قلتُ: والراجح الأول؛ أنه الحجر الذي كان يبني عليه إبراهيم الكعبة المشرفة)-. وروى ابن أبي حاتم عن جابر يحدِّث عن حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لما طاف النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له عمر: هذا مقام أبينا؟ قال: نعم، قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فأنزل الله -عز وجل-: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) -(قلتُ: هذا لا يثبت؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثبت في الصحيح أنه صَلَّى الركعتين مباشرة عقب طوافه)-. وروى عثمان بن أبي شيبة عن أبي ميسرة قال: قال عمر: قلت: يا رسول الله، هذا مقام خليل ربنا؟ قال: نعم، قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فنزلت: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) -(قلتُ: والذي يظهر أن هذا كان سابقًا على حجة الوداع)-. وروى ابن مردويه عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب أنه مرَّ بمقام إبراهيم، فقال: يا رسول الله، أليس نقوم بمقام خليل ربنا؟ قال: بلى. قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فلم يلبث إلا يسيرًا حتى نزلت: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى). وروى ابن مردويه عن جابر قال: لما وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة عند مقام إبراهيم، قال له عمر: يا رسول الله، هذا مقام إبراهيم الذي قال الله: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)؟ قال: نعم. قال الوليد: قلت لمالك: هكذا حدثك (وَاتَّخِذُوا) قال: نعم. هكذا وقع في هذه الرواية، وهو غريب. وقد روى النسائي من حديث الوليد بن مسلم نحوه. وقال البخاري: باب قوله: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)، مثابة: يثوبون يرجعون. حدثنا مسدد، حدثنا يحيى عن حميد عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب: وافقت ربي في ثلاث، أو وافقني ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) وقلت: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب؟ فأنزل الله آية الحجاب. وقال: وبلغني معاتبة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض نسائه، فدخلت عليهن، فقلتُ: إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله خيرًا منكن، حتى أتيتُ إحدى نسائه، فقالت: يا عمر، أما في رسول الله ما يعظ نساءَه حتى تعظهن أنت؟! فأنزل الله: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ) الآية (التحريم:5)" (انتهى من تفسير ابن كثير). وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال
الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (9) قصة بناء الكعبة (7) كتبه/ ياسر برهامي الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة:125). قال ابن كثير -رحمه الله-: "ورَوَى الإمام أحمد عن أنسٍ قال: قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: وَافَقْتُ رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ- فِي ثَلَاثٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟ فَنَزَلَتْ: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ نساءكَ يدخلُ عَلَيْهِنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ أَنْ يَحْتَجِبْنَ؟ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. وَاجْتَمَعَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نِسَاؤُهُ فِي الْغَيْرَةِ فَقُلْتُ لَهُنَّ: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ) (التَّحْرِيمِ:?)، فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ. وقد رواه البخاري عن عمرو بن عون، والترمذي عن أحمد بن منيع، وقال الترمذي: حسن صحيح. ورواه الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه بسندٍ آخر، ولفظ آخر، عن عمر قال: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: فِي الْحِجَابِ، وَفِي أُسَارَى بَدْرٍ، وَفِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ. وروى أبو حاتم الرازي عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب: وَافَقَنِي رَبِّي فِي ثَلَاثٍ -أَوْ وَافَقْتُ رَبِّي- قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟ فَنَزَلَتْ: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ حَجَبْتَ النِّسَاءَ؟ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. وَالثَّالِثَةُ: لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُصَلِّي عَلَى هَذَا الْكَافِرِ الْمُنَافِقِ! فَقَالَ: "إِيهًا عنك يا بنَ الْخَطَّابِ"، فَنَزَلَتْ: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُم مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) (التَّوْبَةِ:??). وهذا إسناد صحيح أيضًا، ولا تعارض بين هذا ولا هذا؛ بل الكل صحيح، ومفهوم العدد إذا عارضه منطوق قُدِّم عليه، والله أعلم. وروى ابن جريج عن جابر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمل ثلاثة أشواط، ومشى أربعًا؛ حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين، ثم قرأ: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى). (قلتُ: الصحيح كما في صحيح مسلم مِن حديث جابر الطويل؛ أنه قرأ الآية وهو في طريقه إلى خلف المقام، وليس بعد أن صلَّى الركعتين). وروى ابن جرير عن جابر قال: اسْتَلَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الرُّكْنَ، فَرْمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَرَأَ: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. وهذا قطعة من الحديث الطويل الذي رواه مسلم في صحيحه، من حديث حاتم بن إسماعيل. وروى البخاري بسنده، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت ابن عمر يقول: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ. هذا كله مما يدل على أن المراد بالمقام: إنما هو الحَجَر الذي كان إبراهيم -عليه السلام- يقوم عليه لبناء الكعبة، لما ارتفع الجِدَار أتاه إسماعيل -عليه السلام- ليقوم فوقه ويناوله الحجارة؛ فيضعها بيده لرفع الجدار، وكلما كمَّل ناحية انتقل إلى الناحية الأخرى، يطوف حول الكعبة، وهو واقف عليه، كلما فرغ من جدار نقله إلى الناحية التي تليها، وهكذا حتى تم جدارات الكعبة، كما سيأتي بيانه في قصة إبراهيم وإسماعيل في بناء البيت من رواية ابن عباس عند البخاري. وكانت آثار قدميه ظاهرة فيه، ولم يزل هذا معروفًا؛ تعرفه العرب في جاهليتها؛ ولهذا قال أبو طالب في قصيدته المعروفة اللامية: وَمَوْطِئُ إِبْرَاهِيمَ فِي الصَّخْرِ رَطْبَةٌ عَـلـَى قـَدَمَـيْـهِ حَـافِـيًا غَـيْـرَ نَاعِلِ (قلتُ: ولا يُستغرب ذلك؛ فإنه لم يكن على ذلك الحجر شيء في أول الإسلام؛ بل كان يمكن نقله ولمسه مباشرة قبل أن يُبني عليه الحاجز النحاسي كالقبة الموجود الآن). ورَوَى ابن جرير عن قتادة: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى): إنما أُمروا أن يصلوا عنده، ولم يؤمروا بمسحه. وقد تكلفت هذه الأمة شيئًا ما تكلفته الأمم قبلها، ولقد ذكر لنا مَن رَأَى أثر عَقِبِه وأصابعه فيه، فما زالت هذه الأمة يمسحونه حتى اخلولق وانمحى. قلتُ -أي: ابن كثير-: وقد كان هذا المقام مُلصقًا بجدار الكعبة قديمًا، ومكانه معروف اليوم إلى جانب الباب مما يلي الحِجْر، يُمْنَةَ الداخل من الباب في البقعة المستقلة هناك (قلت: أي يكون الباب بين الحجر الأسود وبين مقام إبراهيم مُلاصقًا للكعبة أمام المكان الذي هو فيه الآن بعيدًا عن الكعبة). قال: وكان الخليل -عليه السلام- لما فرغ من بناء البيت وضعه إلى جدار الكعبة، أو أنه انتهى عنده البناء فتركه هناك؛ ولهذا -والله أعلم- أُمِر بالصلاة هناك عند فراغ الطواف، وناسَب أن يكون عند مقام إبراهيم؛ حيث انتهى بناء الكعبة فيه، وإنما أخَّره عن جدار الكعبة أميرُ المؤمنين عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- أحد الأئمة المهديين والخلفاء الراشدين؛ الذين أُمِرنا باتباعهم، وهو أحد الرجلين اللذين قال فيهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اقْتَدَوْا باللَّذَين مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وهو الذي نزل القرآن بوفاقه في الصلاة عنده؛ ولهذا لم يُنكِر ذلك أحدٌ مِن الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-. روى عبد الرزاق، عن ابن جريج: حدثني عطاء وغيره من أصحابنا: قالوا: أول مَن نقله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. وروى عن مجاهد قال: أول مَن أخَّر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. وروى الحافظ أبو بكر البيهقي بإسناده عن عائشة -رضي الله عنها-: أن المقام كان زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وزمان أبي بكر -رضي الله عنه- مُلتصقًا بالبيت، ثم أخَّره عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. هذا إسناد صحيح مع ما تقدَّم. وروى ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة -وهو إمام المكيين في زمانه-: كان المقام في سُقْعِ البيت على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحوَّله عمر إلى مكانه بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد قوله: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) قال: ذهب السيل به بعد تحويل عمر إيَّاه من موضعه هذا؛ فردَّه عمر إليه. وقال سفيان: لا أدري كم بينه وبين الكعبة قبل تحويله. وقال سفيان: لا أدري أكان لاصقًا بها أم لا؟ فهذه الآثار مُتعاضِدَةٌ على ما ذكرناه، والله أعلم. (قلتُ: والذي قالته عائشة -كما رواه البيهقي بإسنادٍ صحيحٍ- أنه كان ملصقًا بالبيت؛ فهذا هو الصحيح، فليس بينه وبين البيت مسافة). وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه عن مجاهد: قال عمر: يا رسول الله لو صلينا خلف المقام؟ فأنزل الله: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)؛ فكان المقام عند البيت؛ فحوَّله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى موضعه هذا. قال مجاهد: كان عمر يرى الرأي؛ فينزل به القرآن. قال ابن كثير: هذا مرسل عن مجاهد، وهو مخالِف لما تقدم من رواية عبد الرزاق، عن معمر، عن حميد الأعرج، عن مجاهد: أن أول مَن أخَّر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وهذا أصح من طريق ابن مردويه، مع اعتضاد هذا بما تقدَّم. والله أعلم" (انتهى من تفسير ابن كثير).
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال
الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (10) قصة بناء الكعبة (8) كتبه/ ياسر برهامي الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقد طالعتنا الأخبار خلال اليومين الماضيين بتبشير الأمم المتحدة العراق بأنه دخل التاريخ -وكأنه لم يدخله مِن قَبْل!-؛ لأن "بابا الفاتيكان" أقام لأول مرة الصلاة الإبراهيمية الجامعة لليهود والنصارى والمسلمين، بعد أن أعلن رغبته عن ذلك هناك في زيارته للعراق قَبْلها بيوم، وقال: "أريد أن نصلي جميعًا كأبناء إبراهيم". ونحن بصدد كتابة مقالاتنا عن دين إبراهيم -عليه السلام- وتعلُّق هذا الدِّين بالكعبة المشرفة، التي بَنَاها كأول مسجد وُضع في الأرض أَوَّل لعبادة الله، كما نَصَّ عليه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي ذر -رضي الله عنه-، لما سأله: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ) قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى) قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ سَنَةً) (متفق عليه). وهو -عليه الصلاة والسلام- الذي أَذَّن في الناس بالحج إلى بيت الله الحرام، قال الله -تعالى-: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج:27-29). وحجَّ موسى -صلى الله عليه وسلم-، كما مَرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بوادي الأزرق، فقال: (أَيُّ وَادٍ هذا؟) فقالوا: هذا وادِي الأزْرَقِ، قالَ: (كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ، وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّلْبِيَةِ) (رواه مسلم)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (والَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، لَيُهِلَّنَّ ابنُ مَرْيَمَ بفَجِّ الرَّوْحاءِ، حاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُما) (رواه مسلم)؛ هذا يدل على أن الأنبياء جميعًا يَحُجُّون إلى بيت الله الحرام، فكل مَن لم يحج إلى بيت الله الحرام؛ فليس مؤمنًا ولا مسلمًا، قال: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ? وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:97). فمَن أبى الحج، ولم يعترف بالكعبة المشرفة قبلة؛ فهو من الكافرين. ونؤكِّد أن الصلاة الإبراهيمية كانت على التوحيد الخالص؛ لا الشرك بعبادة غير الله، قال الله -تعالى-: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ . اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ . يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة: 30-33). وأن الصلاة الإبراهيمية الَحقَّة كانت على تصديق الرسل والإيمان بهم، والبشارة بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- الذي قال عن نفسه: (أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ) (رواه أحمد، وحسنه الألباني)، قال الله -تعالى- عن إبراهيم: (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ. وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (الشعراء:83-84)، وقال -عليه الصلاة والسلام- هو وابنه إسماعيل -كما ذكر الله -عز وجل- عنهما في سورة البقرة -وهما يبنيان البيت-: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ > رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (البقرة:127-129). وقد استجاب الله دعوتهما -عليهما الصلاة والسلام- ببَعْثَة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وجعل به الأمة العظيمة التي سألها إبراهيمُ ربَّه في ولده إسماعيل، كما في التوراة في الإصحاح السابع عشر من سفر التكوين 12: 13 عن قول الله -عز وجل- لإبراهيم: "وأما إسماعيل فقد سَمِعْتُ لك فيه، هَا أنا أُباركُه وأُثمِّره وأُكَثِّره كثيرًا جدًّا، اثني عشر رئيسًا يَلِد، وأجعله أمةً كبيرةً". وهل وُجدت للعرب أمة عظيمة، أو دولة -أصلًا- يرأسها رؤساء، ويلي أمرها خلفاء؛ إلا بعد بَعْثَة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي أخبر بمثل ما جاء في التوراة؟! فقد روى البخاري ومسلم عن جابر بن سَمُرة -رضي الله عنهما- قال: دخلت مع أبي على النبي -صلى الله عليه وسلم- فسمعته يقول: (إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمِ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً)، قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ خَفِيَ عَلَيَّ، قَالَ: فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا قَالَ؟ قَالَ: (كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ) (رواه مسلم). وفي رواية: (لَا يَزَالُ الإسلامُ عَزيزًا إلى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً) (رواه مسلم). وفي لفظ: (لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا مَنِيعًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً) (رواه مسلم). وفي لفظ للبخاري: (يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا). وتفسير الحديث عند العلماء على أقوال: منها: أنهم المستحقون للخلافة العادلون -كما ذكره النووي ورجَّحه ابن كثير-، وأنهم يكتملون إلى يوم القيامة. وهو أيضًا ترجيح القرطبي. ومنها: أنهم اثنا عشر خليفة في زمنٍ واحدٍ. وهو أضعف الأقوال؛ لأن الأحاديث الصحيحة فيها أن كُلَّهم يجتمع الناس عليه. ومنها: أنهم الذين اجتمع الناس عليهم وكانت الكلمة واحدة، وثَبَتَ لهم المُلك -ولو كانوا على غير العدل-؛ أولهم: الخُلَفَاء الأربعة، ثم معاوية -رضي الله عنه-، ثم يزيد بن معاوية، ثم اختلف الناس بعده حتى اجتمعوا على عبد الملك بن مروان، ثم أبناؤه الأربعة، ومنهم مَن يتوقف عند ذلك، ومنهم مَن يزيد على هؤلاء: الوليد بن يزيد؛ لأن الناس اجتمعوا عليه، ثم قتلوه؛ فتفرَّقت الأمة وحدثت الفتن. وقيل غير ذلك. والمقصود: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر بتفصيل ما ورد في التوراة عن وعد الله لإبراهيم -عليه السلام-. والخلاصة: أن دينَ إبراهيم -عليه السلام- الحقَّ مرتبط ارتباطًا لا ينفك عن الكعبة قِبْلة المسلمين، ومَن صلَّى لغيرها بعد بعثة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وأمر ربِّه له أن يُولِّي وجهه شطر المسجد الحرام، قال -تعالى-: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (البقرة:144-145). وكلُّ مَن آمن بالقرآن يعتقد اعتقادًا جازمًا أن مَن ولَّى وجهه في صلاته إلى غير الكعبة المشرفة؛ لم يكن مسلمًا ولا مؤمنًا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ المُسْلِمُ) (رواه البخاري). ولا تُقبلُ صلاة لغير الكعبة التي بَنَاها إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام-، ولا تكون عبادة لله أصلًا؛ بل هي عبادة لغيره؛ فضلًا عن أن يُسمِّي العابدُ غيرَ اللهِ إلهًا، قال الله -تعالى-: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ . مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 65-68). فلا يغرَّنَّ الباطلُ أحدًا مِن المسلمين؛ فإن المقصود مما يحدث جميعًا في هذا الزَّمَان هو ضياع هُوية المسلمين وولائهم لدينهم خاصة؛ فهم المقصودون لإزالة البُعد الديني في عداوة المسلمين لليهود حول المسجد الأقصى وأرض فلسطين؛ بزعم التعايش والتسامح! ونقول: هل فَقَدَ المسلمون التعايش والتسامح طيلة ألف وأربعمائة سنة وزيادة، حَكَموا فيها معظمَ العالم المسكون في ذلك الوقت؟! وبقية الملل الأخرى عاش أهلُها -ويعيشون- في ظلِّ الإسلام آمنين مطمئنين حين خضعوا لسلطان الإسلام، دون مداهنة من المسلمين، أو تصحيح لعقائد الشرك والكفر، ودون أن يُصلُّوا معًا صلاة واحدة يُسمُّونها: إبراهيمة! ولو كان المسلمون لا يتعايشون مع الكفار دون الموالاة والمداهنة لهم -التي ظهرت في هذا الزمان باسم: الدِّين الإبراهيمي، والصلاة الإبراهيمية، والولايات الإبراهيمية المتحدة، ومعبد الديانات الإبراهيمية-؛ لما وُجدَ كافرٌ واحدٌ في بلاد الإسلام مِن المغرب إلى الصين؛ فقد بقي اليهودُ في الأندلس والمغرب وتونس، وبقي الأقباط في مصر، وبقي المجوس في فارس، وبقي الهندوس والبوذيُّون في الهند. وهذا كله مِن أدلِّ الأدلة على سَمَاحة الإسلام؛ فهم باقون إلى يومنا هذا، وهو يدل على عدم المداهنة؛ لأن المسلمين لم يَعْرِفوا قط في تاريخهم تصحيح مِلَّة مَن يُكذِّب رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- ويُكذِّب القرآن، ويعبد غيرَ الله صراحة؛ فهذه المداهنة، والمولاة، والإقرار بالباطل، وتصحيح ملة غير المسلمين، تنافي أصل شهادة: "أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله". فاللهم إنا نبرأ إليك مِن كلِّ هذا الضلال، ونشهدك أننا برآء مما يعبدون؛ إلا الذي فَطَرَنا -سبحانه وتعالى-، وأننا نشهد أننا لا نرى تابعًا لإبراهيم -عليه السلام-؛ بل ولا لموسى وعيسى؛ إلا مَن صدَّق إبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا -صلى الله عليه وسلم-، ونشهد أن مَن كذَّب واحدًا من هؤلاء؛ وخاصةً محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وكذَّب القرآن الذي جاء به، وأبى أن يتابعَ محمدًا على شريعة الإسلام أنه كافر مشرك غير مقبول عند الله. قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره في تفسير قوله -تعالى-: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة:125): "قال الحسن البصري: "قوله: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ) أمرهما الله أن يُطهِّراه مِن الأذى والنَّجَس، ولا يصيبه من ذلك شيء. وقال ابن جريج: قلتُ لعطاء: ما عهده؟ قال: أمره. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ): أمرناه، كذا قال. والظاهر أن هذا الحرف، إنما عُدِّي بـ(إِلَى)؛ لأنه في معنى تقدمنا وأوحينا. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: (أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ) قال: مِن الأوثان. وقال مجاهد وسعيد بن جبير: (طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ): إن ذلك مِن الأوثان، والرفث، وقول الزور والرجس. قال ابن أبي حاتم: وروي عن عبيد بن عمير، وأبي العالية، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء وقتادة: (أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ) أي: بلا إله إلا الله مِن الشرك" (انتهى من تفسير ابن كثير). وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |