كلمات في التأصيل العلمي للعلامة الأستاذ عبدالكريم المدرس رحمه الله تعالى

[ابوالوليد المسلم]

كلمات في التأصيل العلمي للعلامة الأستاذ عبدالكريم المدرس رحمه الله تعالى
د. عبدالسميع الأنيس


هذه ثماني كلمات مهمَّة في التأصيل العلمي والعملي، سمعتُها من شيخنا العلَّامة الفقيه الأصولي النَّحْوي المتكلِّم المفسِّر الأستاذ الشيخ عبدالكريم المدرس (بيارة) رئيس رابطة علماء بغداد رحمه الله تعالى (1323 - 1426)، وهي:
سمعتُه يقول:
1 - "الإنسان يكون عالمًا بثلاثة:
• حفظ النصوص والمتون.
• والتدريس المتواصل.
• والمطالعة".

2 - وقال لي: إذا سُئلتَ عن مسألة شرعيَّة، فابحث عنها وكأنَّه لا يوجد عالم في البلد غيرك.
فإن لم تجدها أو تردَّدتَ، فاسأل.

3 -وقال: "القوَّة الواهمة تغلب على المرأة وعلى الرجل الخفيف".
سمعتُ منه هذه الكلمات في بغداد سنة (1405) من الهجرة، وكنتُ أقرأ على الشيخ كتابه: "صفوة اللآلي من مستصفى الغزالي"، من نسخة بخطِّ الشيخ رحمه الله تعالى.

وسمعتُه يقول:
4 -"دين الإسلام فيه شيئان:
• الجهاد بكلِّ قوة.
• والاستسلام بكلِّ قوة"؛ أي: لشرع الله سبحانه.

5 -وسمعتُه يقول:
• "لا تُبنى العادة على خِلاف الطاعة".

6 - وقال: "تحرير محلِّ النزاع يرفع الخلاف".
قال هذه الكلمات في غرفته العامرة في المدرسة القادرية الكائنة في مسجد الشيخ عبدالقادر الجيلاني في بغداد، في شهر شعبان من سنة 1407 من الهجرة.

وكنتُ أقرأ على شيخنا المذكور كتابَ شرح مختصر المنتهى في علم أصول الفقه للعضد، وهو من أهمِّ كتب أصول الفقه، وأدقِّها.
وكان هذا الكتاب يُقرأ في المراحل الأخيرة من الدراسة في نِظام المعاهد الدينية في العراق.

ولشيخنا العلَّامة عبدالكريم الدبان رحمه الله تعليقات على هذا الكتاب المهم، وعندي منه نسخة خطيَّة، وكان شيخنا مغرمًا به، وكنتُ ابتدأت بقراءته عليه مع أخي المرحوم الشيخ عبدالجليل الحديثي رحمه الله تعالى.

وهو آخر ما قرأنا على الشيخ، ولم نكمِله؛ فقد أَكَرمنا الشيخُ بمنحنا الإجازة العلمية، وقال: أكمِلوه بأنفسكم، فأنا واثِق أنَّكم تقدرون على ذلك.
ولهذا؛ فقد أردتُ إكمالَه على شيخنا العلَّامة عبدالكريم المدرس رحمه الله تعالى.

7- ‏"اﻹحسان نسيان اﻹحسان".

8- الشيخ ومناهج التعليم المعاصرة:
العلامة اﻷستاذ الشيخ عبد الكريم المدرس رحمه الله تعالى آخر من عرفنا من العلماء الربانيين ممن جمع بين المنقول والمعقول مع التفرغ التام للتدريس حسبة في مسجد الشيخ عبد القادر الجيلاني في بغداد.
كان رحمه الله مشغوفاً بالتدريس عاشقا له، حتى لقب نفسه: بالمدرس..

وكان عندما يأتيه الطالب يقول له:
اختر العلم الذي تريد
والكتاب الذي تريد
والوقت الذي تريد
وكان يدرس كل طالب درسه..
ومن حضر معه كان مستمعاً.

وأذكر أني انقطعت عن الدراسة عنده فترة بسبب انشغالي بمتابعة دراستي العليا في جامعة بغداد.
وكان للشيخ موقف معروف من هذه الدراسات، وهو الرفض الشديد.
فلم أعلمه بدراستي.

وظن الشيخ أن قلة النفقة هي التي تمنعني، فقال لي:
كم يكلفك المجيء إلى الدرس من نفقات فأنا أدفعه لك..
ولما علم السبب الحقيقي غضب غضبا شديدا، وقال: وأنت كذلك تريد الدنيا!.
وعندما كلمته عن نيتي، وأن القصد هو عدم ترك الجامعات.
وتعريف الطلبة بمناهج علمائنا سكت على مضض.
كان رحمه الله تعالى يرى أن هذه الجامعات ضياع للعلم وأهله.
وكنت أرى آنذاك أن رأيه شديد..

وأن العصر قد تغير، ولكن بعد مقامي أكثر من عشرين عاما في التدريس الجامعي تأكدت أن الشيخ كان مصيباً، وأن العلم الشرعي أصبح في خطر.. وأصيب في مقتل.

وأن المناهج لا تؤهل الطلبة ليكونوا علماء متمكنين فضلاً عن علماء مجتهدين!
لأن الجامعات ارتبطت بما يسمى سوق العمل.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وعلى أهل العلم والفكر أن يفكروا بالبديل الصالح ﻹنقاذ ما يمكن إنقاذه..

وقد بلغني عن اﻷستاذ الدكتور حمد عبيد الكبيسي رحمه الله تعالى وهو من هو في خبرته في النظام التعليمي الحديث أنه قال:
لو كان اﻷمر بيدي ﻷعطيت عشرة طلاب للأستاذ الدكتور هاشم جميل واثنين من أمثاله لتدريسهم. عوضاً عن هذه اﻷعداد الكبيرة..!
كان الشيخ عالماً ربانياً على خبرة تامة بالعلوم.
وكان ربانياً في سلوكه، وعبادته وأذكاره وأوراده.

وكان آية من اﻵيات في حبه لطلابه، وشفقته عليهم، وتفرغه للناس، والإجابة على أسئلتهم، وحل مشاكلهم، ونصحهم..
رحم الله الشيخ، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه عن العلم وأهله خير الجزاء.