تأخر الزواج، ووظيفة الجامعة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12410 - عددالزوار : 208958 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 167 - عددالزوار : 59562 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 60 - عددالزوار : 757 )           »          الأعمال اليسيرة.. والأجور الكثيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          خواطر متفرقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          السلفية منهج الإسلام وليست دعوة تحزب وتفرق وإفساد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 33 )           »          القذف أنواعه وشروطه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 61 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 15874 )           »          الضلع أعود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى مشكلات وحلول

ملتقى مشكلات وحلول قسم يختص بمعالجة المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-10-2021, 10:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي تأخر الزواج، ووظيفة الجامعة

تأخر الزواج، ووظيفة الجامعة
أ. عائشة الحكمي


السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أولاً أشكركم شكرًا جزيلاً على هذا الموقع الرائع، جعلَه الله في مَوازين حسناتكم، سوف أُلَخِّص مشكلتي قدرَ استطاعتي، شاكرةً لكم صبركم:
أنا فتاةٌ تخرَّجتُ في الجامعة، كنت أحبُّ الحياة، لديَّ الكثير من الطُّموحات والأحلام، لكن فجأةً تغيَّرت، خصوصًا في الفترة الأخيرة، أصبحتُ عصبيَّة وحزينة، أبكي بسرعةٍ لأيِّ سبب، أحسُّ أنَّ أحلامي أصبحت سرابًا، لكن - بإذن الله - الأمل موجود، وسوف يَتحقَّق بقدرة ربِّي ورحمته، بعد تخرجي حدثَتْ تغيُّرات كثيرة لِصَديقاتي؛ فأغلَبُهنَّ تزوَّجْن، أمَّا أنا فإلى الآن لَم يتقدَّم لي الرجل المناسب، وهذا الشيء أثَّر في نفسيتي كثيرًا، في البداية كنتُ لا أكترث، وأقول: سوف يتقدَّم لي الرجل الصالح قريبًا، لكن رؤيتي لضيق وحُزن أبي عليَّ زاد من تعبي، وصرتُ لا أحبُّ الجلوس معه عندما يكون الحديث عن الزواج، أبي رجلٌ طيِّب وحنون، وأنا أعرف أنَّ ذلك من حُبِّه لي، لكن كلِمَته دائمًا: "أريد أن أطمئنَّ عليكما أنتِ وأختك الصغيرة قبل موتي" تبكيني، وأحسُّ أنِّي السبب في حزن أبي، وكَسْر قلب أمِّي عندما ترى بنات أقاربها يَتزوَّجْن الواحدة تِلْو الأخرى.
الشيء الآخر: أنا كنت طالبة متفوِّقة في الجامعة، وكانت لديَّ أحلامٌ بإكمال دراستي، لكنْ قدَّمتُ على وظيفة مُعيدة ولَم يتمَّ قبولي، فالطَّالبة التي تم قَبولُها أعلى منِّي بجزءٍ فقط، الآن أنا أعمل كمعيدةٍ في جامعة أخرى، لكن بعقدٍ لفترة، ارتحت كثيرًا لَمَّا عملتُ وأنتجت، وأعدّها تجربة رائعة جدًّا في حياتي، الآن أنا أنتظر هذه الجامعة التي أعمل فيها أن تُعلِن عن وظائف، حتَّى أتقدَّم لها، لكن أخافُ من عدم إعلانِ الوظائف في هذه الفترة؛ لأنَّ وظيفة المُعيدة يشترط لها أنْ لا تكون أكثرَ مِن سنَتين على تاريخ التخرُّج، لا أُخفيكم أنَّني لا أريد أن أتوظَّف في التعليم العامِّ، وأَحْزن عندما تخبرني أمِّي أنَّ هناك وظائف، وتتمنَّى لي القبول وهي لا تَعْلم أنَّ ابنتها تموت في اليوم مائة مرَّة، أريد التعليم العالي؛ لِمَا له من مميزات، وأوَّلُها إتاحة إكمال الدِّراسة، أحسُّ أنَّني بدأتُ أنهار من التفكير، والشيطان يَدْخل عليَّ من هذا الباب: "زميلاتك تزوَّجْن، وبعضُهن توظَّفن، وأنتِ مثلما أنت، لَم تتغيَّر حياتُكِ أبدًا".

أحاول دائمًا أن أقرأ عن رحمة الله بِعِباده، وحُسْن الظَّن بالله؛ لأرتاح، لكن في الحياة اليوميَّة لا بدَّ أن أرى أشياء كثيرة تُرجعني لحزني، أنا حزينة، أتمنَّى أن أقرأ كلامًا يريح قلبي، وجزاكم الله خيرًا.


الجواب
بِسْمِ اللهِ الهادي للحق
وهو المُستعان

أيَّتُها العزيزة:
قبل الخَوْض في مُشكلتكِ، لا بُدَّ من توضيح نُقطةٍ الْتبَسَ عليكِ فَهمُها، تتَعلَّق بمفهوم الاسْتِشارَة، فالاسْتشارة - أيَّتُها العزيزة - لا تَعني طلَبَ الرَّاحة، وإنَّما يُراد بها طلَبُ المَشُورَةِ والرَّأي والنَّصيحة، وإنْ آلَمَتْنا أو خالفَتْ أهواءَنا، ولو أنَّ كلَّ شَخْصٍ كتبَ إلينا بِهدَف أن نرُدَّ عليه بكلمةٍ تُريحُ قلبَه، لكان حَريًّا أنْ نُغلِق قِسْمَ الاسْتِشارات؛ ونستبدِل به قِسمًا جديدًا؛ لطلَب الرَّاحة القَلْبيَّة، ونُسميه مثلاً: قِسْم "الفَضْفضة"، لا يَفْضُضِ اللهُ فاكِ!
ما ينبغي لكِ أنْ تعْلَميه - هُديتِ وسُدِّدتِ - أنَّ المُستشارَ مُؤْتَمَنٌ، والمُستشار الذي يُشير على المُستشير بما يُوافقُ هواه، أو ليَكْسب رِضاه ورضا العَوام، يَسْلُبه اللهُ صِحَّة رأيه! يقول البحرُ ابنُ عبَّاس - رضي الله عنه وَأرْضَاه -: "إنَّ الرَّجلَ لا يزالُ في صِحَّة رأيه ما نصَحَ مُستشيرَه، فإذا غشَّ مُستشيرَهُ سلَبَه اللهُ صِحَّة رأيه"، ومِن الغشِّ في الاسْتِشارات: مُوافَقة هَوى المُستشير بما لا ينفَعُه.
أقولُ لكِ ذلك؛ لأنَّ استشارتَكِ قد أوحَتْ إلَيَّ بكلامٍ لن يُرضيَكِ عنِّي، وأنتِ تُريدين مَن يُريحُ قلبَكِ لا مَن يَصْدُقكِ الرَّأي، فإنْ لَم تَجِدي في كلامي ما يُرضيكِ أو يريحكِ، فباستطاعتكِ طلَب المَشُورَة من أيِّ مُستشارٍ تختارينه بنفسكِ، فهذا حقُّكِ، وأمَّا واجبي، فمُراقبة اللهِ - تعَالى - فيما أكتب - وإنْ أسخطتُ أكثرَ النَّاس عليَّ - وعسى إنْ لَم تنتفعي بشيءٍ مِمَّا أقول لكِ أن يَنفعَ اللهُ به آخَرين غيركِ.
وبَعْدُ، فإنَّ مُشكلتَكِ الحقيقيَّة لا تكمُن أبدًا في رَغْبة والِديْكِ في رؤيتِكِ عَروسًا تُزَفُّ إلى بيتِ زَوْجها - وإن كانت هذه الأُمْنِيَّة العزيزة من أَمَانِيّ الآباء والأُمَّهات - وإنَّما السَّبب كَامِن في هذه المُقارناتِ التي تَعْقدينها بينكِ وبين صديقاتِكِ؛ ففي الحَياةِ الاجتماعيَّة تنظُرينَ إلى صديقاتِكِ، فترَيْن أنَّ فيهنَّ مَن تزوَّجتْ وأنجبَتْ، ثم تنظرينَ في أحوالكِ فترين أنَّكِ لَم تتزوَّجي بعد؛ وفي الحَياة العمليَّة تنظُرين إلى صديقتِكِ التي تُباريكِ في المُسْتوى، فترينَ أنَّها قد فازَتْ بوظيفة المُعيدة في الجَامِعة، بينما وُظِّفْتِ أنتِ بعقدٍ مؤقَّت في جامعةٍ أُخرى، وما دامتْ هذه هي طريقتكِ في التَّفكير، فحتمًا سيبقى حبْلُ المُقارناتِ بينكِ وبين صديقاتكِ ممدودًا حتى بعدَ زواجِكِ - بمشيئةِ الله تعالى - وإذا تمَّ ترسيمكِ في الجَامِعة، فستَبْقى عيناكِ مُعلَّقتيْن على مَراتِب صديقاتكِ الأكاديميَّة، ولئن كان هذا هو حالكِ، فلو حِيزَتْ لكِ الدُّنيا بحَذافِيرها لَمَا كفتْكِ!
إنَّ طُموحًا يُبتنى فوقَ المُقارناتِ التي لا أَصْل لها بين الشَّخص ومن حوله، لا يُسمَّى طُموحًا، بل تقليدًا أعمى ومَحْض غَيْرة، فإذا جُمِع إلى ذلك شُعور المَرْء بالأَنَفَة - حيثُ أراكِ تأنفين من التَّعليم العامِّ؛ لكونه في تصوُّركِ أقلَّ مُستوى من الإعادةِ في الجَامِعة، فإنَّ الثَّمرة الطَّبيعيَّة لكلِّ ذلك هو هذه المَشاعِر السِّلبيَّة التي تحملينها في دواخلكِ المُتوتِّرة.
قلتُ لكِ: سأُزعجكِ برأيي، وكذا بَعْض الآراء، وكثِير من الحَقائِق غالبًا ما تكون مُزْعِجة ومُؤلِمة!

أيَّتُها العزيزة:
إنِ التمَسْتِ الرَّاحة في شيءٍ، فليس شيءٌ أَرْوَح لقلبِكِ المَحْزونِ من القَناعةِ بالقَسْم، والرِّضا بالقدَر خيرهِ وشرِّه، يقول ابنُ حبَّان في "رَوْضة العُقلاء": "مِن أَكْثر مَواهِب اللهِ لعبادِه وأَعْظمها خَطرًا: القَناعَة، وليس شيءٌ أَرْوَح للبدَن من الرِّضا بالقضَاء، والثِّقة بالقَسْم، ولو لَم يكُن في القنَاعَة خَصْلة تُحمَد إلا الرَّاحة، وعدَم الدُّخُول في مَواضِع السُّوءِ لِطلب الفَضْل، لكان الوَاجِب على العَاقِل ألاَّ يُفارِق القناعةَ على حالةٍ من الأَحْوَال".

وَالَّذِي أُلْهِمَ الرِّضَا لاَ تَرَاهُ
أَبَدَ الدَّهْرِ حَاسِدًا أَوْ عَذُولاَ

أَنَا رَاضٍ بِكُلِّ مَا كَتَبَ اللَّ
هُ وَمُزْجٍ إِلَيْهِ حَمْدًا جَزِيلاَ

أَنَا رَاضٍ بِكُلِّ صِنْفٍ مِنَ النَّا
سِ لَئِيمًا أَلْفَيْتُهُ أَوْ نَبِيلاَ

فَالرِّضَا نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ لَمْ يَسْ
عَدْ بِهَا فِي العِبَادِ إِلاَّ القَلِيلاَ



فلا تُفارقي القنَاعَة والرِّضا بالقدَر، ولا تَنظُري إلى مَن هو أَعْلى منْكِ، أو أَجْمل، أو أعزُّ أو أَكْرَمُ أو أَفْضَل؛ فإنِّما هي أرزاقُ اللهِ يهَبُها - سُبحانه - لمن يشاءُ من عِباده، وقد وهبَكِ المَوْلى نِعْمتَي التَّفوُّق والعمَل الأكاديميّ، مثلما وهبَ بعضَ صديقاتِكِ نِعْمتي الزَّواج والإنجاب، ولو شاءَ اللهُ لوهبَكِ ما شاءَ ووهبهُنَّ ما يَشاء: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [الزخرف: 32]، وفي الآخِرة سيَكون التَّفضيلُ بين النَّاس في الدَّرجاتِ والمَنازِل أَكْبرَ وأَعْظمَ: ﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 21].
بِهذا التَّفاوت الدُّنيويِّ في الأرزاقِ، يَستقيم أمرُ الكَوْن، والمُؤمِن العَاقِل مَن ينظُر إلى مَن هو دُونه؛ ليسْتَروِحَ من عنَاء الحُزن على القَسْم، مثلما أرشدَ إلى ذلك القُدوة؛ نبِيُّ الأُمَّة مُحمَّدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((انظروا إلى مَن هو أسفَلُ منكم، ولا تَنظروا إلى مَن هو فَوقكم؛ فهو أجدَرُ أنْ لا تَزْدروا نِعمة الله))؛ رواه مسلم.
فتعلَّمي شُكْر النِّعْمة من قبل أنْ تُسلَب منكِ بِكُفرها، وزَكِّيها بالقنَاعة والرِّضا؛ ليزيدَكِ المُنعِم - سُبحانه - من عظيم فضله، وطهِّري قلبَكِ من حُبِّ الدُّنيا؛ فما هذه الدُّنيا بشَيْء عند مليكٍ مُقتدِر؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن كانت الآخرة هَمَّه، جعَل الله غِناه في قلبه، وجَمع له شَمْلَه، وأتَتْه الدُّنيا وهي راغمةٌ، ومَن كانت الدُّنيا هَمَّه، جعل الله فقْرَه بين عينيه، وفرَّق عليه شمله، ولَمْ يأته من الدُّنيا إلاَّ ما قُدِّر له))؛ رواه الترمذيُّ، وصحَّحه الألباني.
أمَّا مَسْألة الزَّواج التي تُقلْقِل حشَاكِ، وتُقلِق جُمهورَ النَّاس؛ فهي بحاجةٍ إلى تَقْويم ما اعوجَّ في الأَذْهان مِن تصوُّرٍ خَاطِئ، وتصحيح ما غلِط به أكثرُ المُصلِحين من نُصْح لا يُصلِح، حيث أسهَم بعضُ المُستشارين والمُربِّين والكُتَّاب في إثارة المَخاوف والقلَق في تلك النُّفوس الزُّجاجيَّة من قضيَّة تأخُّر الزَّواج، ورسَمُوا في تصوراتهنَّ أنَّهنَّ إذا لم يتزوَّجْنَ في سنِّ العِشْرين، فقد فاتَهنَّ دُخولُ جنَّات النَّعيم! فغدَا الكَلام حولَ حاجاتِ الفتيات إلى الزَّواج سببًا من أسبابِ الاكتئاب والعِلَل النَّفسيَّة المُتفشِّية في المُجتمعات، فإلى كلِّ مَن يُهيِّج رغباتِكِ ورغباتِ بنات المُسلمين بِمَوضوع الزَّواج - وهي رغباتٌ فطريَّة لا تحتاجُ من أحدٍ إلى تَذْكيرٍ أو تَنْبيه - أنْ يتَّقي اللهَ في نفسِه وفي بناتِ المُسلِمين، وأنْ يتذكَّر أنَّ الزَّواج مِن أرزاق الله وحدَه لا شريكَ له، ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 31].
﴿ أَفَلا تَتَّقُونَ ﴾؟!
إنَّ تأخُّرَ الزَّواج ليس مُصيبة كما يتصوَّر البعض، وليس غريبًا أو عجيبًا، بل هو أمرٌ طبيعيّ عند مَن يُؤمِن بقُرب قِيام السَّاعة، فإنَّ مِن أَشْراطها كَثْرةَ النِّساء، وقِلَّة الرِّجال؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لأُحدِّثنَّكم حديثًا لا يحدِّثكم أحدٌ بعدي، سَمِعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مِن أشراط السَّاعة أن يَقِلَّ العلم، ويَظْهر الجهل، ويظهر الزِّنا، وتَكْثر النِّساء ويَقِلَّ الرِّجال، حتَّى يكون لِخَمسين امرأةً القيِّمُ الواحد))؛ رواه البخاري.
﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ﴾ [محمد: 18]، وها هُم رِجالُنا يقلُّون، مع اندلاع هذه الثَّورات بشكلٍ يصدِّق ما أخبرَ به الصَّادقُ الأمين - صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه - ما يزيد مِن عدَد الأَرامِل والأَيامَى من بَنات المُسلمين، فكيف إذا جمَعْنا إلى قلَّة الرِّجال كَثْرة الجَهْل؟!
وسواءٌ تزوَّجتِ - أيَّتُها العزيزة - أم لَم تتزوَّجي؛ فالحالُ الذي أنتِ عليه اليوم - أيًّا ما يكُن - هو نِعْمةٌ من نِعَم المولى - عزَّ وجلَّ - ومن واجبكِ شُكره عليها، ﴿ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾[لقمان: 12]، فاشْكُري الله - تبارك وتعالى - بِما أنعمَ عليكِ، واصْبِري على أقدارِه التي تُؤلِمُكِ، وأكْثِري من الاسْتِغفار؛ فهو خير دواءٍ لعلاجِ هذا الدَّاء الاجْتماعيِّ الذي قُدِّر على بناتنا وأخواتنا، وقد ذكَّرنا اللهُ - سُبحانه وتعالى - بأهميَّة الاسْتِغْفار في زَمن الأَشْراط، حيث يقولُ - تعَالى - بعد الآية الثَّامنة عشرة التي تتكلَّم عن قُرب السَّاعة وظُهور أشراطها من سُورة مُحمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [محمد: 19].
قال ابنُ القيِّم - رحمه الله - في البابِ السَّابع والعشرين من كتابه "شِفاء العَليل": "هذا الدَّواء هو التَّوحيد والاسْتِغفار"، وعسى بالاسْتِغفار أن يَصرفَ الله عنكِ سببًا من أسبابِ منع الزَّواج إنْ كُنتِ تسمِّين ذلكَ منْعًا!
"فلِلَّهِ كم مِن خَيْرٍ انْعَقد سببُه، ثُمَّ صُرِفَ عن العَبْد بأسبابٍ أحدَثَها، منعَتْ حُصولَه وهو يُشاهِد السَّببَ حتَّى كأنَّه أخذَ باليَد، وكم مِن شرٍّ انْعقدَ سببُه، ثُمَّ صُرِفَ عن العَبْد بأسبابٍ أحدَثها، منعَتْ حُصولَه، ومَن لا فِقْه لهُ في هذه المَسْألة فلا انْتِفاع له بنَفْسِه ولا بعِلْمِه، واللهُ المُستعان وعليه التُّكلان"؛ "إعلام المُوقِّعين عن ربِّ العالمين"؛ لابن القيِّم.
أمَّا إذا كانتْ حاجتُكِ إلى الزَّواج لزيادة شَهْوةٍ مع تعذُّرِ المَقْدرة على إِشباعها، فعلاجُ ذلك بالصَّوْم وحده؛ لقول النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ومَن لَم يستطع، فعليه بالصَّوم؛ فإنَّه له وِجاءٌ))، قال ابنُ القيِّم في "رَوْضة المُحبِّين": "وقلَّ مَن أدمنَ الصَّومَ إلا وماتتْ شَهْوتُه، أو ضعُفتْ جِدًّا".
وعن مَوضُوع الإعادة في الجَامعة: فدَعِي الأمرَ للَّذي قدَّر الأمر؛ فما يختاره اللهُ لكِ هو الخير، واعلمي - أُلْهِمتِ الصَّواب - أنَّ جلوسكِ في بيت أهلكِ لا يَعِيبكِ كخرِّيجة مُتفوِّقة، بل يَصُونكِ، وأنَّ عملكِ خارج البيت ليس واجبًا عليكِ، وليس مَدْعاةً للفخر! وأنَّ رزقكِ - وإنْ تأخَّر - آتيكِ آتيكِ، فأجمِلي في الطَّلب.

الرِّزْقُ مَقْسُومٌ فَأَجْمِلْ فِي الطَّلَبْ
يَأْتِي بِأَسْبَابٍ وَمِنْ غَيْرِ سَبَبْ

فَاسْتَرْزِقِ اللهَ فَفِي اللهِ غِنًى

اللهُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَبٍ حَدَبْ



بلَّغكِ اللهُ جميعَ أمانيكِ، ورزقكِ زوجًا صالحًا يحبُّكِ ويُرضيكِ، ووظيفةً صَالِحة تُغنيكِ وتُرضيكِ، آمين.
والله - سُبحانه وتعالى - أعلم بالصَّواب، وله الحمدُ على كلِّ حال.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 64.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.58 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.91%)]