|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#401
|
||||
|
||||
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (401) صــ 333 إلى صــ 347 فقالت : اللهم إن علي نذرا شكرا إن رزقتني [ ص: 333 ] ولدا أن أتصدق به على بيت المقدس ، فيكون من سدنته وخدامه . قال : وقوله : " نذرت لك ما في بطني محررا " إنها للحرة ابنة الحرائر " محررا " للكنيسة يخدمها . 6876 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد بن منصور ، عن الحسن في قوله : " إذ قالت امرأة عمران الآية كلها قال : نذرت ما في بطنها ، ثم سيبتها . القول في تأويل قوله - جل ثناؤه - ( فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم ) قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : " فلما وضعتها " فلما وضعت حنة النذيرة ، ولذلك أنث . ولو كانت " الهاء " عائدة على " ما " التي في قوله : " إني نذرت لك ما في بطني محررا " لكان الكلام : " فلما وضعته قالت رب إني وضعته أنثى " . ومعنى قوله : ( وضعتها ) " ولدتها . يقال منه : " وضعت المرأة تضع وضعا " . [ ص: 334 ] " قالت رب إني وضعتها أنثى أي : ولدت النذيرة أنثى " والله أعلم بما وضعت " . واختلف القرأة في قراءة ذلك . فقرأته عامة القرأة : ( وضعت ) خبرا من الله - عز وجل - عن نفسه : أنه العالم بما وضعت من غير قيلها : " رب إني وضعتها أنثى " . وقرأ ذلك بعض المتقدمين : " والله أعلم بما وضعت على وجه الخبر بذلك عن أم مريم أنها هي القائلة : " والله أعلم بما ولدت مني " . قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب ما نقلته الحجة مستفيضة فيها قراءته بينها ، لا يتدافعون صحتها . وذلك قراءة من قرأ " والله أعلم بما وضعت " ولا يعترض بالشاذ عنها عليها . فتأويل الكلام إذا : والله أعلم من كل خلقه بما وضعت ثم رجع - جل ذكره - إلى الخبر عن قولها ، وأنها قالت - اعتذارا إلى ربها مما كانت نذرت في حملها فحررته لخدمة ربها - : " وليس الذكر كالأنثى " ؛ لأن الذكر أقوى على الخدمة وأقوم بها ، وأن الأنثى لا تصلح في بعض الأحوال لدخول القدس والقيام بخدمة الكنيسة ؛ لما يعتريها من الحيض والنفاس " وإني سميتها مريم " كما : - 6877 - حدثني ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى " أي : لما جعلتها محررا له نذيرة . 6878 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق : [ ص: 335 ] " وليس الذكر كالأنثى " لأن الذكر هو أقوى على ذلك من الأنثى . 6879 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وليس الذكر كالأنثى " كانت المرأة لا يستطاع أن يصنع بها ذلك - يعني - أن تحرر للكنيسة فتجعل فيها تقوم عليها وتكنسها فلا تبرحها مما يصيبها من الحيض والأذى ، فعند ذلك قالت : " ليس الذكر كالأنثى " . 6880 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " قالت رب إني وضعتها أنثى " وإنما كانوا يحررون الغلمان - قال : " وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم " . 6881 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : كانت امرأة عمران حررت لله ما في بطنها ، وكانت على رجاء أن يهب لها غلاما ؛ لأن المرأة لا تستطيع ذلك - يعني - القيام على الكنيسة لا تبرحها ، وتكنسها لما يصيبها من الأذى . 6882 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أن امرأة عمران ظنت أن ما في بطنها غلام ، فوهبته لله . فلما وضعت إذا هي جارية ، فقالت تعتذر إلى الله : " رب إني وضعتها أنثى ، وليس الذكر كالأنثى " تقول : إنما يحرر الغلمان . يقول الله : " والله أعلم بما وضعت " فقالت : " وإني سميتها مريم " . [ ص: 336 ] 6883 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن القاسم بن أبي بزة : أنه أخبره عن عكرمة وأبي بكر ، عن عكرمة : " فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى " " وليس الذكر كالأنثى " يعني : في المحيض ، ولا ينبغي لامرأة أن تكون مع الرجال . أمها تقول ذلك . القول في تأويل قوله - جل ثناؤه - ( وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ( 36 ) ) قال أبو جعفر : تعني بقولها : " وإني أعيذها بك وذريتها " وإني أجعل معاذها ومعاذ ذريتها من الشيطان الرجيم بك . وأصل " المعاذ " الموئل والملجأ والمعقل . فاستجاب الله لها ، فأعاذها الله وذريتها من الشيطان الرجيم ، فلم يجعل له عليها سبيلا . 6884 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما من نفس مولود يولد إلا والشيطان ينال منه تلك الطعنة ، ولها يستهل الصبي ، إلا ما كان من مريم ابنة عمران ، فإنها لما وضعتها قالت : " رب إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " فضرب دونها حجاب ، فطعن فيه . [ ص: 337 ] 6885 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثني محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كل مولود من ولد آدم له طعنة من الشيطان ، وبها يستهل الصبي ، إلا ما كان من مريم ابنة عمران وولدها ، فإن أمها قالت حين وضعتها : " إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " فضرب دونهما حجاب ، فطعن في الحجاب . 6886 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنحوه . 6887 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن عمرو ، عن شعيب بن خالد ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب قال : سمعت أبا هريرة يقول : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما من بني آدم مولود يولد إلا قد مسه الشيطان حين يولد ، فيستهل صارخا بمسه إياه ، غير مريم وابنها . قال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم : " إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " . [ ص: 338 ] 6888 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي ذئب ، عن عجلان مولى المشمعل ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كل مولود يولد من بني آدم يمسه الشيطان بإصبعه ، إلا مريم وابنها . 6889 - حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال : حدثني عمي عبد الله بن وهب قال : أخبرني عمرو بن الحارث : أن أبا يونس سليما مولى أبي هريرة حدثه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه ، إلا مريم وابنها . 6890 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني عمران ، أن [ ص: 339 ] أبا يونس حدثه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله . 6891 - حدثني الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما من مولود يولد إلا يمسه الشيطان ، فيستهل صارخا من مسة الشيطان ، إلا مريم وابنها . ثم يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم : " وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " . 6892 - حدثني المثنى قال : حدثني الحماني قال : حدثنا قيس ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما من مولود يولد إلا وقد عصره الشيطان عصرة أو عصرتين ، إلا عيسى ابن مريم ومريم . ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " . [ ص: 340 ] 6893 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ما ولد مولود إلا وقد استهل ، غير المسيح ابن مريم ، لم يسلط عليه الشيطان ولم ينهزه . [ ص: 341 ] 6894 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا المنذر بن النعمان الأفطس : أنه سمع وهب بن منبه يقول : لما ولد عيسى أتت الشياطين إبليس ، فقالوا : أصبحت الأصنام قد نكست رؤوسها ! فقال : هذا في حادث حدث ! وقال : مكانكم ! فطار حتى جاء خافقي الأرض ، فلم يجد شيئا ، ثم جاء البحار فلم يجد شيئا ، ثم طار أيضا فوجد عيسى قد ولد عند مذود حمار ، وإذا الملائكة قد حفت حوله ، فرجع إليهم فقال : إن نبيا قد ولد البارحة ، ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا أنا بحضرتها ، إلا هذه ! فأيسوا أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة ، ولكن ائتوا بني آدم من قبل الخفة والعجلة . 6895 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " وذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : كل بني آدم طعن الشيطان في جنبه ، إلا عيسى ابن مريم وأمه ، جعل بينهما وبينه حجاب ، فأصابت الطعنة الحجاب ، ولم ينفذ إليهما شيء وذكر لنا أنهما كانا لا يصيبان الذنوب كما يصيبها سائر بني آدم . وذكر لنا أن عيسى كان يمشي على البحر كما يمشي على البر ، مما أعطاه الله تعالى من اليقين والإخلاص . [ ص: 342 ] 6896 - حدثني المثنى قال : حدثني إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " قال : إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : كل آدمي طعن الشيطان في جنبه غير عيسى وأمه ، كانا لا يصيبان الذنوب كما يصيبها بنو آدم . قال : وقال عيسى - صلى الله عليه وسلم - فيما يثني على ربه : وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم ، فلم يكن له علينا سبيل . 6897 - حدثنا الربيع بن سليمان قال : حدثنا شعيب بن الليث قال : حدثنا الليث ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عبد الرحمن بن هرمز أنه قال : قال أبو هريرة : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبه حين تلده أمه ، إلا عيسى ابن مريم ، ذهب يطعن فطعن في الحجاب . 6898 - حدثنا الربيع قال : حدثنا شعيب قال : أخبرنا الليث ، عن [ ص: 343 ] جعفر بن ربيعة ، عن عبد الرحمن بن هرمز أنه قال : قال أبو هريرة : أرأيت هذه الصرخة التي يصرخها الصبي حين تلده أمه ؟ فإنها منها . 6899 - حدثني أحمد بن الفرج قال : حدثنا بقية بن الوليد قال : حدثنا الزبيدي ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد يستهل صارخا . [ ص: 344 ] القول في تأويل قوله ( فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا ) قال أبو جعفر : يعني بذلك : أن الله - جل ثناؤه - تقبل مريم من أمها حنة ، وتحريرها إياها للكنيسة وخدمتها وخدمة ربها " بقبول حسن " . " والقبول " مصدر من : " قبلها ربها " فأخرج المصدر على غير لفظ الفعل . ولو كان على لفظه لكان : " فتقبلها ربها تقبلا حسنا " . وقد تفعل العرب ذلك كثيرا : أن يأتوا بالمصادر على أصول الأفعال ، وإن اختلفت ألفاظها في الأفعال بالزيادة ، وذلك كقولهم : " تكلم فلان كلاما " ولو أخرج المصدر على الفعل لقيل : " تكلم فلان تكلما " . ومنه قوله : " وأنبتها نباتا حسنا " ولم يقل : إنباتا حسنا . وذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال : لم نسمع العرب تضم القاف في " قبول " وكان القياس الضم ؛ لأنه مصدر مثل : " الدخول ، والخروج " . قال : ولم أسمع بحرف آخر في كلام العرب يشبهه . 6900 - حدثت بذلك عن أبي عبيد قال : أخبرني اليزيدي ، عن أبي عمرو . وأما قوله : " وأنبتها نباتا حسنا " فإن معناه : وأنبتها ربها في غذائه ورزقه نباتا حسنا ، حتى تمت فكملت امرأة بالغة تامة ، كما : - [ ص: 345 ] 6901 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال الله - عز وجل - : " فتقبلها ربها بقبول حسن " قال : تقبل من أمها ما أرادت بها للكنيسة ، وأجرها فيها " وأنبتها " قال : نبتت في غذاء الله . القول في تأويل قوله ( وكفلها زكريا ) قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة قوله : " وكفلها " فقرأته عامة قرأة أهل الحجاز والمدينة والبصرة : " وكفلها " مخففة " الفاء " ، بمعنى : ضمها زكريا إليه ، اعتبارا بقول الله - عز وجل - : ( يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ) [ سورة آل عمران : 44 ] . وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين . ( وكفلها زكريا ) ، بمعنى : وكفلها الله زكريا . قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندي قراءة من قرأ : ( وكفلها ) مشددة " الفاء " بمعنى : وكفلها الله زكريا ، بمعنى : وضمها الله إليه ؛ لأن زكريا أيضا ضمها إليه بإيجاب الله له ضمها إليه بالقرعة التي أخرجها الله له ، والآية التي أظهرها لخصومه فيها ، فجعله بها أولى منهم ، إذ قرع فيها من شاحه فيها . [ ص: 346 ] وذلك أنه بلغنا أن زكريا وخصومه في مريم إذا تنازعوا فيها أيهم تكون عنده ، تساهموا بقداحهم ، فرموا بها في نهر الأردن . فقال بعض أهل العلم : ارتز قدح زكريا ، فقام ولم يجر به الماء ، وجرى بقداح الآخرين الماء . فجعل الله ذلك لزكريا علما أنه أحق المتنازعين فيها بها . وقال آخرون : بل اصاعد قدح زكريا في النهر ، وانحدرت قداح الآخرين مع جرية الماء وذهبت ، فكان ذلك له علما من الله في أنه أولى القوم بها . قال أبو جعفر : وأي الأمرين كان من ذلك فلا شك أن ذلك كان قضاء من الله بها لزكريا على خصومه بأنه أولاهم بها ، وإذا كان ذلك كذلك ، فإنما ضمها زكريا إلى نفسه بضم الله إياها إليه بقضائه له بها على خصومه عند تشاحهم فيها ، واختصامهم في أولاهم بها . [ ص: 347 ] وإذ كان ذلك كذلك ; كان بينا أن أولى القراءتين بالصواب ما اخترنا من تشديد " كفلها " . وأما ما اعتل به القارئون ذلك بتخفيف " الفاء " من قول الله : ( أيهم يكفل مريم ) ، وأن ذلك موجب صحة اختيارهم التخفيف في قوله : " وكفلها " فحجة دالة على ضعف احتيال المحتج بها . ذلك أنه غير ممتنع ذو عقل من أن يقول قائل : " كفل فلان فلانا فكفله فلان " . فكذلك القول في ذلك : ألقى القوم أقلامهم : أيهم يكفل مريم ، بتكفيل الله إياه بقضائه الذي يقضي بينهم فيها عند إلقائهم الأقلام . قال أبو جعفر : وكذلك اختلفت القرأة في قراءة " زكريا " . فقرأته عامة قرأة المدينة بالمد . وقرأته عامة قرأة الكوفة بالقصر . وهما لغتان معروفتان ، وقراءتان مستفيضتان في قراءة المسلمين ، وليس في القراءة بإحداهما خلاف لمعنى القراءة الأخرى ، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب . غير أن الصواب عندنا - إذا مد " زكريا " أن ينصب بغير تنوين ؛ لأنه اسم من أسماء العجم لا يجرى ، ولأن قراءتنا في " كفلها " بالتشديد ، وتثقيل " الفاء " . ف " زكرياء " منصوب بالفعل الواقع عليه .
__________________
|
#402
|
||||
|
||||
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (402) صــ 348 إلى صــ 362 [ ص: 348 ] وفي " زكريا " لغة ثالثة لا تجوز القراءة بها ؛ لخلافها مصاحف المسلمين ، وهو " زكري " بحذف المدة و " الياء " الساكنة ، تشبهه العرب بالمنسوب من الأسماء ، فتنونه وتجريه في أنواع الإعراب مجاري " ياء " النسبة . قال أبو جعفر : فتأويل الكلام : وضمها الله إلى زكريا ، من قول الشاعر : فهو لضلال الهوام كافل يراد به : لما ضل من متفرق النعم ومنتشره ضام إلى نفسه وجامع . وقد روي : فهو لضلال الهوافي كافل بمعنى أنه لما ند فهرب من النعم ضام من قولهم : " هفا الظليم " إذا أسرع الطيران . يقال منه للرجل : " ما لك تكفل كل ضالة " ؟ يعني به : تضمها إليك وتأخذها . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 6902 - حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطفاوي قال حدثنا محمد بن ربيعة ، عن النضر بن عربي ، عن عكرمة في قوله : ( إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت ) قال : ألقوا أقلامهم فجرت بها الجرية ، إلا قلم زكريا اصاعد ، فكفلها زكريا . 6903 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " وكفلها زكريا " قال : ضمها إليه . قال : ألقوا أقلامهم - يقول : عصيهم - قال : فألقوها تلقاء جرية الماء ، فاستقبلت عصا زكريا جرية الماء ، فقرعهم . 6904 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال الله - عز وجل - : " فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا " فانطلقت بها أمها في خرقها - يعني أم مريم بمريم - حين ولدتها إلى المحراب وقال بعضهم : انطلقت حين بلغت إلى المحراب وكان الذين يكتبون التوراة إذا جاءوا إليهم بإنسان يجربونه ، اقترعوا عليه أيهم يأخذه فيعلمه . وكان زكريا أفضلهم يومئذ ، وكان بينهم ، وكانت خالة مريم تحته . فلما أتوا بها اقترعوا [ ص: 350 ] عليها ، وقال لهم زكريا : أنا أحقكم بها ، تحتي أختها . فأبوا ، فخرجوا إلى نهر الأردن ، فألقوا أقلامهم التي يكتبون بها : أيهم يقوم قلمه فيكفلها . فجرت الأقلام ، وقام قلم زكريا على قرنته كأنه في طين ، فأخذ الجارية . وذلك قول الله - عز وجل - : " وكفلها زكريا " فجعلها زكريا معه في بيته ، وهو المحراب . 6905 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وكفلها زكريا " يقول : ضمها إليه . 6906 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " وكفلها زكريا " قال : سهمهم بقلمه . 6907 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد نحوه . 6908 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة ، قال : كانت مريم ابنة سيدهم وإمامهم . قال : فتشاح عليها أحبارهم ، فاقترعوا فيها بسهامهم أيهم يكفلها . قال قتادة : وكان زكريا زوج أختها ، فكفلها ، وكانت عنده وحضنها . [ ص: 351 ] 6909 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن القاسم بن أبي بزة : أنه أخبره ، عن عكرمة وأبي بكر ، عن عكرمة قال : ثم خرجت بها يعني : أم مريم بمريم في خرقها تحملها إلى بني الكاهن بن هارون ، أخي موسى بن عمران . قال : وهم يومئذ يلون من بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة ، فقالت لهم : دونكم هذه النذيرة ، فإني حررتها ، وهي ابنتي ، ولا يدخل الكنيسة حائض ، وأنا لا أردها إلى بيتي . فقالوا : هذه ابنة إمامنا - وكان عمران يؤمهم في الصلاة - وصاحب قرباننا . فقال زكريا : ادفعوها إلي ، فإن خالتها عندي . قالوا : لا تطيب أنفسنا ، هي ابنة إمامنا . فذلك حين اقترعوا ، فاقترعوا بأقلامهم عليها - بالأقلام التي يكتبون بها التوراة - فقرعهم زكريا ، فكفلها . 6910 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : جعلها زكريا معه في محرابه ، قال الله - عز وجل - : " وكفلها زكريا " قال حجاج قال : ابن جريج : " الكاهن " في كلامهم : العالم . 6911 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " وكفلها زكريا " بعد أبيها وأمها ، يذكرها باليتم ، ثم قص خبرها وخبر زكريا . 6912 - حدثنا المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن [ ص: 352 ] عطاء ، عن سعيد بن جبير قوله : " وكفلها زكريا " قال : كانت عنده . 6913 - حدثني علي بن سهل قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير قوله : " وكفلها زكريا " قال : جعلها زكريا معه في محرابه . 6914 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا " وتقارعها القوم ، فقرع زكريا ، فكفلها زكريا . وقال آخرون : بل كان زكريا بعد ولادة حنة ابنتها مريم ، كفلها بغير اقتراع ولا استهام عليها ، ولا منازعة أحد إياه فيها . وإنما كفلها ؛ لأن أمها ماتت بعد موت أبيها وهي طفلة ، وعند زكريا خالتها ألاشباع ابنة فاقوذ وقد قيل : إن اسم أم يحيى خالة عيسى : إشبع . 6915 - حدثنا بذلك القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني وهب بن سليمان ، عن شعيب الجبأي : أن اسم أم يحيى أشبع . [ ص: 353 ] فضمها إلى خالتها أم يحيى ، فكانت إليهم ومعهم ، حتى إذا بلغت أدخلوها الكنيسة لنذر أمها التي نذرت فيها . قالوا : والاقتراع فيها بالأقلام ، إنما كان بعد ذلك بمدة طويلة لشدة أصابتهم ، ضعف زكريا عن حمل مئونتها ، فتدافعوا حمل مئونتها ، لا رغبة منهم ، ولا تنافسا عليها وعلى احتمال مئونتها . وسنذكر قصتها على قول من قال ذلك ، إذا بلغنا إليها إن شاء الله تعالى . 6916 - حدثنا بذلك ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني محمد بن إسحاق . فعلى هذا التأويل تصح قراءة من قرأ : " وكفلها زكريا " بتخفيف " الفاء " لو صح التأويل . غير أن القول متظاهر من أهل التأويل بالقول الأول : أن استهام القوم فيها كان قبل كفالة زكريا إياها ، وأن زكريا إنما كفلها بإخراج سهمه منها فالجا على سهام خصومه فيها . فلذلك كانت قراءته بالتشديد عندنا أولى من قراءته بالتخفيف . القول في تأويل قوله ( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : أن زكريا كان كلما دخل عليها المحراب ، بعد إدخاله إياها المحراب ، وجد عندها رزقا من الله لغذائها . فقيل إن ذلك الرزق الذي كان يجده زكريا عندها ، فاكهة الشتاء في الصيف ، وفاكهة الصيف في الشتاء . [ ص: 354 ] ذكر من قال ذلك : 6917 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا الحسن بن عطية ، عن شريك ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " وجد عندها رزقا " قال : وجد عندها عنبا في مكتل في غير حينه . 6918 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد في قوله : " كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا " قال : العنب في غير حينه . 6919 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : " وجد عندها رزقا " قال : فاكهة في غير حينها . 6920 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا أبو إسحاق الكوفي ، عن الضحاك : أنه كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف يعني في قوله : " وجد عندها رزقا " . 6921 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك مثله . 6922 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو قال : أخبرنا هشيم ، عن بعض أشياخه ، عن الضحاك مثله . 6923 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : أخبرنا هشيم قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك مثله . 6924 - حدثنا يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا من سمع الحكم بن عتيبة يحدث ، عن مجاهد قال : كان يجد عندها العنب في غير حينه . 6925 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، [ ص: 355 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " وجد عندها رزقا " قال : عنبا وجده زكريا عند مريم في غير زمانه . 6926 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد نحوه . 6927 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي قال : حدثنا النضر بن عربي ، عن مجاهد في قوله : " وجد عندها رزقا " قال : فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف . 6928 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : " كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا " قال : كنا نحدث أنها كانت تؤتى بفاكهة الشتاء في الصيف ، وفاكهة الصيف في الشتاء . 6929 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " وجد عندها رزقا " قال : وجد عندها ثمرة في غير زمانها . 6930 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قال : جعل زكريا دونها عليها سبعة أبواب ، فكان يدخل عليها فيجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف ، وفاكهة الصيف في الشتاء . 6931 - حدثني موسى [ بن عبد الرحمن ] قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : قال : جعلها زكريا معه في بيت - وهو المحراب - فكان يدخل عليها في الشتاء فيجد عندها فاكهة الصيف ، ويدخل في الصيف فيجد عندها فاكهة الشتاء . [ ص: 356 ] 6932 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " وجد عندها رزقا " قال : كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء . 6933 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس " كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا " قال : وجد عندها ثمار الجنة ، فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف . 6934 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : حدثني بعض أهل العلم : أن زكريا كان يجد عندها ثمرة الشتاء في الصيف ، وثمرة الصيف في الشتاء . 6935 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن قال : كان زكريا إذا دخل عليها - يعني على مريم المحراب - وجد عندها رزقا من السماء ، من الله ، ليس من عند الناس . وقالوا : لو أن زكريا كان يعلم أن ذلك الرزق من عنده ، لم يسألها عنه . وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن زكريا كان إذا دخل إليها المحراب وجد عندها من الرزق فضلا عما كان يأتيها به ، الذي كان يمونها في تلك الأيام . ذكر من قال ذلك : 6936 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني محمد بن إسحاق قال : كفلها بعد هلاك أمها فضمها إلى خالتها أم يحيى ، حتى إذا بلغت أدخلوها الكنيسة لنذر أمها الذي نذرت فيها ، فجعلت تنبت وتزيد . قال : ثم أصابت بني إسرائيل أزمة وهي على ذلك من حالها ، حتى ضعف زكريا عن حملها ، فخرج على بني إسرائيل فقال : يا بني إسرائيل ، أتعلمون والله لقد ضعفت عن [ ص: 357 ] حمل ابنة عمران . فقالوا : ونحن لقد جهدنا وأصابنا من هذه السنة ما أصابكم . فتدافعوها بينهم وهم لا يرون لهم من حملها بدا ، حتى تقارعوا بالأقلام ، فخرج السهم بحملها على رجل من بني إسرائيل نجار يقال له جريج ، قال : فعرفت مريم في وجهه شدة مؤنة ذلك عليه ، فكانت تقول له : يا جريج ، أحسن بالله الظن ؛ فإن الله سيرزقنا . فجعل جريج يرزق بمكانها ، فيأتيها كل يوم من كسبه بما يصلحها ، فإذا أدخله عليها وهي في الكنيسة ، أنماه الله وكثره ، فيدخل عليها زكريا فيرى عندها فضلا من الرزق ، وليس بقدر ما يأتيها به جريج ، فيقول : " يا مريم ، أنى لك هذا " ؟ فتقول : " هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب " . قال أبو جعفر : وأما " المحراب " فهو مقدم كل مجلس ومصلى ، وهو سيد المجالس وأشرفها وأكرمها ، وكذلك هو من المساجد ، ومنه قول عدي بن زيد : كدمى العاج في المحاريب أو كالبيض في الروض زهره مستنير [ ص: 358 ] و " المحاريب " جمع " محراب " وقد يجمع على محارب . القول في تأويل قوله ( قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ( 37 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : " قال " زكريا : " يامريم أنى لك هذا ؟ من أي وجه لك هذا الذي أرى عندك من الرزق ؟ قالت مريم مجيبة له : " هو من عند الله تعني : أن الله هو الذي رزقها ذلك فساقه إليها وأعطاها . وإنما كان زكريا يقول ذلك لها ؛ لأنه كان - فيما ذكر لنا - يغلق عليها سبعة أبواب ، ويخرج . ثم يدخل عليها فيجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف ، وفاكهة الصيف في الشتاء . فكان يعجب مما يرى من ذلك ، ويقول لها تعجبا مما يرى : " أنى لك هذا " ؟ فتقول : من عند الله . 6937 - حدثني بذلك المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع . 6938 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : حدثني بعض أهل العلم ، فذكر نحوه . 6939 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " يامريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله " قال : فإنه وجد عندها الفاكهة الغضة حين لا توجد الفاكهة [ ص: 359 ] عند أحد ، فكان زكريا يقول : " يا مريم أنى لك هذا " ؟ وأما قوله : " إن الله يرزق من يشاء بغير حساب " فخبر من الله أنه يسوق إلى من يشاء من خلقه رزقه ، بغير إحصاء ولا عدد يحاسب عليه عبده . لأنه - جل ثناؤه - لا ينقص سوقه ذلك إليه كذلك خزائنه ، ولا يزيد إعطاؤه إياه ، ومحاسبته عليه في ملكه ، وفيما لديه شيئا ، ولا يعزب عنه علم ما يرزقه ، وإنما يحاسب من يعطي ما يعطيه ، من يخشى النقصان من ملكه ، ودخول النفاد عليه بخروج ما خرج من عنده بغير حساب معروف ، ومن كان جاهلا بما يعطى على غير حساب . القول في تأويل قوله ( هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ( 38 ) ) قال أبو جعفر : وأما قوله : " هنالك دعا زكريا ربه ، فمعناها : عند ذلك ، أي : عند رؤية زكريا ما رأى عند مريم من رزق الله الذي رزقها ، وفضله الذي آتاها من غير تسبب أحد من الآدميين في ذلك لها ومعاينته عندها الثمرة [ ص: 360 ] الرطبة التي لا تكون في حين رؤيته إياها عندها في الأرض طمع بالولد ، مع كبر سنه ، من المرأة العاقر . فرجا أن يرزقه الله منها الولد ، مع الحال التي هما بها ، كما رزق مريم على تخليها من الناس ما رزقها من ثمرة الصيف في الشتاء وثمرة الشتاء في الصيف ، وإن لم يكن مثله مما جرت بوجوده في مثل ذلك الحين العادات في الأرض ، بل المعروف في الناس غير ذلك ، كما أن ولادة العاقر غير الأمر الجارية به العادات في الناس . فرغب إلى الله - جل ثناؤه - في الولد ، وسأله ذرية طيبة . وذلك أن أهل بيت زكريا - فيما ذكر لنا - كانوا قد انقرضوا في ذلك الوقت ، كما : - 6940 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : فلما رأى زكريا من حالها ذلك يعني : فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف قال : إن ربا أعطاها هذا في غير حينه ، لقادر على أن يرزقني ذرية طيبة ! ورغب في الولد ، فقام فصلى ، ثم دعا ربه سرا فقال : ( رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا ) [ سورة مريم : 4 - 6 ] ، وقوله : ( رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ) وقال : ( رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ) [ سورة الأنبياء : 89 ] . 6941 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، [ ص: 361 ] قال : فلما رأى ذلك زكريا - يعني فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف - عند مريم قال : إن الذي يأتي بهذا مريم في غير زمانه ، قادر أن يرزقني ولدا ، قال الله - عز وجل - : " هنالك دعا زكريا ربه " قال : فذلك حين دعا . 6942 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن عكرمة قال : فدخل المحراب وغلق الأبواب ، وناجى ربه فقال : ( رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ) إلى قوله : ( رب رضيا ) ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله ) الآية . 6943 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : حدثني بعض أهل العلم قال : فدعا زكريا عند ذلك بعد ما أسن ولا ولد له ، وقد انقرض أهل بيته فقال : " رب هب لي من لدنك ذرية طيبه إنك سميع الدعاء " ثم شكا إلى ربه فقال : ( رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ) إلى ( واجعله رب رضيا ) ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب ) الآية . وأما قوله : " رب هب لي من لدنك ذرية طيبة " فإنه يعني ب " الذرية " النسل ، وب " الطيبة " المباركة ، كما : - 6944 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة " يقول : مباركة . [ ص: 362 ] وأما قوله : " من لدنك " فإنه يعني : من عندك . وأما " الذرية " فإنها جمع ، وقد تكون في معنى الواحد ، وهي في هذا الموضع الواحد . وذلك أن الله - عز وجل - قال في موضع آخر ، مخبرا عن دعاء زكريا : ( فهب لي من لدنك وليا ) [ سورة مريم : 5 ] ، ولم يقل : أولياء - فدل على أنه سأل واحدا . وإنما أنث " طيبة " لتأنيث الذرية ، كما قال الشاعر : أبوك خليفة ولدته أخرى وأنت خليفة ، ذاك الكمال فقال : " ولدته أخرى " فأنث ، وهو ذكر ، لتأنيث لفظ " الخليفة " كما قال الآخر : فما تزدري من حية جبلية سكات ، إذا ما عض ليس بأدردا فأنث " الجبلية " لتأنيث لفظ " الحية " ثم رجع إلى المعنى فقال : " إذا ما عض " لأنه كان أراد حية ذكرا ، وإنما يجوز هذا فيما لم يقع عليه " فلان " من الأسماء ، ك " الدابة ، والذرية ، والخليفة " .
__________________
|
#403
|
||||
|
||||
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (403) صــ 363 إلى صــ 377 فأما إذا سمي رجل بشيء من ذلك ، [ ص: 363 ] فكان في معنى " فلان " لم يجز تأنيث فعله ولا نعته . وأما قوله : " إنك سميع الدعاء " فإن معناه : إنك سامع الدعاء ، غير أن " سميع " أمدح ، وهو بمعنى : ذو سمع له . وقد زعم بعض نحويي البصرة أن معناه : إنك تسمع ما تدعى به . قال أبو جعفر : فتأويل الآية ، فعند ذلك دعا زكريا ربه فقال : رب هب لي من عندك ولدا مباركا ، إنك ذو سمع دعاء من دعاك . القول في تأويل قوله ( فنادته الملائكة ) قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعض أهل الكوفة والبصرة : " فنادته الملائكة " على التأنيث بالتاء ، يراد بها : جمع " الملائكة " . وكذلك تفعل العرب في جماعة الذكور إذا تقدمت أفعالها ، أنثت أفعالها ، ولا سيما الأسماء التي في ألفاظها التأنيث ، كقولهم : جاءت الطلحات " . وقد قرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة بالياء ، بمعنى فناداه جبريل ، فذكروه للتأويل ، كما قد ذكرنا آنفا أنهم يؤنثون فعل الذكر للفظ ، فكذلك يذكرون [ ص: 364 ] فعل المؤنث أيضا للفظ . واعتبروا ذلك فيما أرى بقراءة يذكر أنها قراءة عبد الله بن مسعود ، وهو ما : - 6945 - حدثني به المثنى قال : حدثنا إسحاق بن الحجاج قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد ، أن قراءة ابن مسعود : ( فناداه جبريل وهو قائم يصلي في المحراب ) . وكذلك تأول قوله : " فنادته الملائكة " جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 6946 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فنادته الملائكة " وهو جبريل أو : قالت الملائكة ، وهو جبريل " أن الله يبشرك بيحيى " . قال أبو جعفر : فإن قال قائل : وكيف جاز أن يقال على هذا التأويل : " فنادته الملائكة " و " الملائكة " جمع لا واحد ؟ قيل : ذلك جائز في كلام العرب ، بأن تخبر عن الواحد بمذهب الجمع ، كما يقال في الكلام : " خرج فلان على بغال البرد " وإنما ركب بغلا واحدا " وركب السفن " وإنما ركب سفينة واحدة . وكما يقال : " ممن سمعت هذا الخبر " ؟ فيقال : " من الناس " وإنما سمعه من رجل واحد . وقد قيل إن منه قوله : ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ) [ سورة آل عمران : 173 ] ، والقائل كان فيما كان ذكر - واحدا وقوله : ( وإذا مس الناس ضر ) [ ص: 365 ] [ سورة الروم : 33 ] ، والناس بمعنى واحد . وذلك جائز عندهم فيما لم يقصد فيه قصد واحد . قال أبو جعفر : وإنما الصواب من القول عندي في قراءة ذلك ، أنهما قراءتان معروفتان أعني " التاء " و " الياء " فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وذلك أنه لا اختلاف في معنى ذلك باختلاف القراءتين ، وهما جميعا فصيحتان عند العرب ، وذلك أن " الملائكة " إن كان مرادا بها جبريل ، كما روي عن عبد الله ، فإن التأنيث في فعلها فصيح في كلام العرب للفظها ، إن تقدمها الفعل . وجائز فيه التذكير لمعناها . وإن كان مرادا بها جمع " الملائكة " فجائز في فعلها التأنيث ، وهو من قبلها ، للفظها . وذلك أن العرب إذا قدمت على الكثير من الجماعة فعلها ، أنثته ، فقالت : " قالت النساء " . وجائز التذكير في فعلها ، بناء على الواحد ، إذا تقدم فعله ، فيقال : " قال الرجال " . وأما الصواب من القول في تأويله ، فأن يقال : إن الله - جل ثناؤه - أخبر أن الملائكة نادته . والظاهر من ذلك ، أنها جماعة من الملائكة دون الواحد ، وجبريل واحد . ولا يجوز أن يحمل تأويل القرآن إلا على الأظهر الأكثر من الكلام المستعمل في ألسن العرب ، دون الأقل ما وجد إلى ذلك سبيل . ولم تضطرنا حاجة إلى صرف ذلك إلى أنه بمعنى واحد ، فيحتاج له إلى طلب المخرج بالخفي من الكلام والمعاني . وبما قلنا في ذلك من التأويل قال جماعة من أهل العلم ، منهم : قتادة ، والربيع [ ص: 366 ] بن أنس ، وعكرمة ، ومجاهد ، وجماعة غيرهم . وقد ذكرنا ما قالوا من ذلك فيما مضى . القول في تأويل قوله ( وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى ) قال أبو جعفر : وتأويل قوله : " وهو قائم : " فنادته الملائكة في حال قيامه مصليا . فقوله : " وهو قائم " خبر عن وقت نداء الملائكة زكريا . وقوله : " يصلي " في موضع نصب على الحال من " القيام " وهو رفع بالياء . وأما " المحراب " فقد بينا معناه ، وأنه مقدم المسجد . واختلفت القرأة في قراءة قوله : " أن الله يبشرك " . فقرأته عامة القرأة : ( أن الله ) بفتح " الألف " من " أن " بوقوع " النداء " عليها ، بمعنى : فنادته الملائكة بذلك . وقرأه بعض قرأة أهل الكوفة : ( إن الله يبشرك ) بكسر " الألف " بمعنى : قالت الملائكة : إن الله يبشرك ، لأن النداء قول . وذكروا أنها في قراءة عبد الله : ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب يا زكريا إن الله يبشرك ) قالوا : وإذا بطل النداء أن يكون عاملا في قوله : " يا زكريا " فباطل أيضا [ ص: 367 ] أن يكون عاملا في " إن " . والصواب من القراءة في ذلك عندنا : " أن الله يبشرك " بفتح " أن " بوقوع النداء عليه ، بمعنى : فنادته الملائكة بذلك . وليست العلة التي اعتل بها القارئون بكسر " إن " من أن عبد الله كان يقرؤها كذلك ، فقرأوها كذلك [ لهم بعلة ] وذلك أن عبد الله إن كان قرأ ذلك كذلك ، فإنما قرأها بزعمهم ، وقد اعترض بنداء زكريا بين " إن " وبين قوله : " فنادته " وإذا اعترض به بينهما ، فإن العرب تعمل حينئذ النداء في " أن " وتبطله عنها . أما الإبطال ، فلأنه بطل عن العمل في المنادى قبله ، فأسلكوا الذي بعده مسلكه في بطول عمله . وأما الإعمال ، فلأن النداء فعل واقع . كسائر الأفعال . وأما قراءتنا ، فليس نداء زكريا ب " يا زكريا " معترضا به بين " أن " وبين قوله : " فنادته " . وإذا لم يكن ذلك بينهما ، فالكلام الفصيح من كلام العرب إذا نصبت بقول : " ناديت " اسم المنادى وأوقعوه عليه ، أن يوقعوه كذلك على " أن " بعده . وإن كان جائزا إبطال عمله ، فقوله : " نادته " قد وقع على مكني " زكريا " فكذلك الصواب أن يكون واقعا على " أن " وعاملا فيها . [ ص: 368 ] مع أن ذلك هو القراءة المستفيضة في قراءة أمصار الإسلام . ولا يعترض بالشاذ على الجماعة التي تجيء مجيء الحجة . وأما قوله : " يبشرك " فإن القرأة اختلفت في قراءته . فقرأته عامة قرأة أهل المدينة والبصرة : ( أن الله يبشرك ) بتشديد " الشين " وضم " الياء " على وجه تبشير الله زكريا بالولد ، من قول الناس : " بشرت فلانا البشراء بكذا وكذا " أي : أتته بشارات البشراء بذلك . وقرأ ذلك جماعة من قرأة الكوفة وغيرهم : ( أن الله يبشرك ) ، بفتح " الياء " وضم " الشين " وتخفيفها ، بمعنى : أن الله يسرك بولد يهبه لك ، من قول الشاعر : بشرت عيالي إذ رأيت صحيفة أتتك من الحجاج يتلى كتابها وقد قيل : إن " بشرت " لغة أهل تهامة من كنانة وغيرهم من قريش ، وأنهم يقولون : " بشرت فلانا بكذا ، فأنا أبشره بشرا " و " هل أنت باشر بكذا " ؟ وينشد لهم البيت في ذلك : وإذا رأيت الباهشين إلى العلى غبرا أكفهم بقاع ممحل فإذا صاروا إلى الأمر ، فالكلام الصحيح من كلامهم بلا ألف فيقال : " ابشر فلانا بكذا " ولا يكادون يقولون : " بشره بكذا ، ولا أبشره " . [ ص: 369 ] فأعنهم ، وابشر بما بشروا به ، وإذا هم نزلوا بضنك فانزل وقد روي عن حميد بن قيس أنه كان يقرأ : ( يبشرك ) ، بضم " الياء " وكسر " الشين " وتخفيفها . وقد : - 6947 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد ، عن معاذ الكوفي قال : من قرأ : ( يبشرهم ) مثقلة ، فإنه من البشارة ، ومن قرأ : ( يبشرهم ) ، مخففة ، بنصب " الياء " فإنه من السرور ، يسرهم . قال أبو جعفر : والقراءة التي هي القراءة عندنا في ذلك ، ضم " الياء " وتشديد " الشين " بمعنى التبشير . لأن ذلك هي اللغة السائرة والكلام المستفيض المعروف في الناس ، مع أن جميع قرأة الأمصار مجمعون في قراءة : ( فبم تبشرون ) [ سورة الحجر : 54 ] ، على التشديد . والصواب في سائر ما في القرآن من نظائره ، أن يكون مثله في التشديد وضم " الياء " . [ ص: 370 ] وأما ما روي عن معاذ الكوفي من الفرق بين معنى التخفيف والتشديد في ذلك ، فلم نجد أهل العلم بكلام العرب يعرفونه من وجه صحيح ، فلا معنى لما حكي من ذلك عنه ، وقد قال جرير بن عطية : يا بشر حق لوجهك التبشير هلا غضبت لنا ؟ وأنت أمير ! فقد علم أنه أراد بقوله " التبشير " الجمال والنضارة والسرور ، فقال " التبشير " ولم يقل " البشر " فقد بين ذلك أن معنى التخفيف والتثقيل في ذلك واحد . 6948 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : " إن الله يبشرك بيحيى " قال : بشرته الملائكة بذلك . وأما قوله : " بيحيى " فإنه اسم ، أصله " يفعل " من قول القائل : " حيي فلان فهو يحيى " وذلك إذا عاش . " فيحيى " " يفعل " من قولهم " حيي " . وقيل : إن الله - جل ثناؤه - سماه بذلك ، لأنه يتأول اسمه : أحياه بالإيمان . ذكر من قال ذلك : 6949 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " أن الله يبشرك بيحيى ، يقول : عبد أحياه الله بالإيمان . 6950 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي [ ص: 371 ] جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة قوله : " إن الله يبشرك بيحيى " ، قال : إنما سمي يحيى ، لأن الله أحياه بالإيمان . القول في تأويل قوله ( مصدقا بكلمة من الله ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : أن الله يبشرك يا زكريا بيحيى ابنا لك ، " مصدقا بكلمة من الله " يعني : بعيسى ابن مريم . ونصب قوله : " مصدقا " على القطع من " يحيى " لأن " مصدقا " نعت له ، وهو نكرة ، و " يحيى " غير نكرة . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 6951 - حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطفاوي قال : حدثنا محمد بن ربيعة قال : حدثنا النضر بن عربي ، عن مجاهد قال : قالت امرأة زكريا لمريم : إني أجد الذي في بطني يتحرك للذي في بطنك ! قال : فوضعت امرأة زكريا يحيى ، ومريم عيسى ، ولذا قال : " مصدقا بكلمة من الله " قال : يحيى مصدق بعيسى . 6952 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن الرقاشي في قول الله : " يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله " قال : مصدقا بعيسى ابن مريم . [ ص: 372 ] 6953 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . 6954 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا سليمان قال : حدثنا أبو هلال قال : حدثنا قتادة في قوله : " مصدقا بكلمة من الله ، قال : مصدقا بعيسى . 6955 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " مصدقا بكلمة من الله ، يقول : مصدقا بعيسى ابن مريم ، وعلى سنته ومنهاجه . 6956 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " مصدقا بكلمة من الله " يعني : عيسى ابن مريم . 6957 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة : " مصدقا بكلمة من الله " يقول : مصدقا بعيسى ابن مريم ، يقول على سننه ومنهاجه . 6958 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " مصدقا بكلمة من الله " قال : كان أول رجل صدق عيسى ، وهو كلمة من الله وروح . 6959 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " مصدقا بكلمة من الله " يصدق بعيسى . 6960 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله " كان يحيى أول من صدق بعيسى وشهد أنه كلمة من الله ، وكان يحيى ابن خالة عيسى ، وكان أكبر من عيسى . [ ص: 373 ] 6961 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة عن ابن عباس قوله : " مصدقا بكلمة من الله " قال : عيسى ابن مريم ، هو الكلمة من الله ، اسمه المسيح . 6962 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : أخبرني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : قوله : " مصدقا بكلمة من الله " قال : كان عيسى ويحيى ابني خالة ، وكانت أم يحيى تقول لمريم : إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك ! فذلك تصديقه بعيسى : سجوده في بطن أمه . وهو أول من صدق بعيسى وكلمة عيسى ، ويحيى أكبر من عيسى . 6963 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله " قال : الكلمة التي صدق بها : عيسى . 6964 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لقيت أم يحيى أم عيسى ، وهذه حامل بيحيى ، وهذه حامل بعيسى ، فقالت امرأة زكريا : يا مريم ، استشعرت أني حبلى ! قالت مريم : استشعرت أني أيضا حبلى ! قالت امرأة زكريا : فإني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك ! فذلك قوله : " مصدقا بكلمة من الله " . 6965 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قول الله : " أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله " قال : مصدقا بعيسى ابن مريم . قال أبو جعفر : وقد زعم بعض أهل العلم بلغات العرب من أهل البصرة ، [ ص: 374 ] أن معنى قوله : " مصدقا بكلمة من الله " بكتاب من الله ، من قول العرب : " أنشدني فلان كلمة كذا " يراد به : قصيدة كذا جهلا منه بتأويل " الكلمة " واجتراء على ترجمة القرآن برأيه . القول في تأويل قوله ( وسيدا ) قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " وسيدا " وشريفا في العلم والعبادة . ونصب السيد عطفا على قوله : " مصدقا " . وتأويل الكلام : أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بهذا ، وسيدا . " والسيد " " الفيعل " من قول القائل : " ساد يسود " كما : - 6966 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وسيدا " إي والله ، لسيد في العبادة والحلم والعلم والورع . 6967 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مسلم قال : حدثنا أبو هلال قال : حدثنا قتادة في قوله : " وسيدا " قال : السيد ، لا أعلمه إلا قال : في العلم والعبادة . [ ص: 375 ] 6968 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة قال : السيد الحليم . 6969 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن شريك ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، " وسيدا " قال : الحليم . 6970 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير : " وسيدا " قال : السيد التقي . 6971 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله - عز وجل - : " وسيدا " قال : السيد الكريم على الله . 6972 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل قال : زعم الرقاشي أن السيد ، الكريم على الله . 6973 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك في قول الله - عز وجل - : " وسيدا " قال : السيد الحليم التقي . 6974 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " وسيدا " قال : يقول : تقيا حليما . 6975 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان في قوله : " وسيدا " قال : حليما تقيا . 6976 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، عن ابن زيد في قوله : " وسيدا " قال : السيد : الشريف . 6977 - حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال : حدثنا بقية بن الوليد ، [ ص: 376 ] عن عبد الملك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب في قول الله - عز وجل - : " وسيدا " قال : السيد الفقيه العالم . 6978 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " وسيدا " قال : يقول : حليما تقيا . 6979 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن عكرمة : " وسيدا " قال : السيد الذي لا يغلبه الغضب . القول في تأويل قوله ( وحصورا ونبيا من الصالحين ( 39 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك : ممتنعا من جماع النساء ، من قول القائل : " حصرت من كذا أحصر " إذا امتنع منه . ومنه قولهم : " حصر فلان في قراءته " إذا امتنع من القراءة فلم يقدر عليها . وكذلك " حصر العدو " حبسهم الناس ومنعهم إياهم التصرف ، ولذلك قيل للذي لا يخرج مع ندمائه شيئا ، " حصور " كما قال الأخطل : وشارب مربح بالكأس نادمني لا بالحصور ولا فيها بسوار ويروى : " بسآر " . ويقال أيضا للذي لا يخرج سره ويكتمه " حصور " [ ص: 377 ] لأنه يمنع سره أن يظهر ، كما قال جرير : ولقد تساقطني الوشاة ، فصادفوا حصرا بسرك يا أميم ضنينا وأصل جميع ذلك واحد ، وهو المنع والحبس . وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 6980 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن خلف قال : حدثنا حماد بن شعيب ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله في قوله : " وسيدا وحصورا " قال : الحصور ، الذي لا يأتي النساء . 6981 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب أنه قال : حدثني ابن العاص : أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب ، إلا ما كان من يحيى بن زكريا . قال : ثم دلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده إلى الأرض ، فأخذ عويدا صغيرا ، ثم قال : وذلك أنه لم يكن له ما للرجال إلا مثل هذا العود ، وبذلك سماه الله " سيدا وحصورا " .
__________________
|
#404
|
||||
|
||||
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (404) صــ 378 إلى صــ 392 [ ص: 378 ] 6982 - حدثني يونس قال : أخبرنا أنس بن عياض ، عن يحيى بن سعيد قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : ليس أحد إلا يلقى الله يوم القيامة ذا ذنب إلا يحيى بن زكريا ، كان حصورا ، معه مثل الهدبة . 6983 - حدثنا أحمد بن الوليد القرشي قال : حدثنا عمر بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : قال ابن العاص - إما عبد الله ، وإما أبوه - : ما أحد يلقى الله إلا وهو ذو ذنب ، إلا يحيى بن زكريا . قال وقال سعيد بن المسيب : " وسيدا وحصورا " قال : الحصور ، الذي لا يغشى النساء ، ولم يكن ما معه إلا مثل هدبة الثوب . 6984 - حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال : حدثنا بقية بن الوليد ، عن عبد الملك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب في قوله : " وحصورا " قال : الحصور الذي لا يشتهي النساء . ثم ضرب بيده إلى الأرض فأخذ نواة فقال : ما كان معه إلا مثل هذه . 6985 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير قال : الحصور ، الذي لا يأتي النساء . 6986 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد مثله . 6987 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد مثله . 6988 - حدثني عبد الرحمن بن الأسود قال : حدثنا محمد بن ربيعة قال : [ ص: 379 ] حدثنا النضر بن عربي ، عن مجاهد : " وحصورا " قال : الذي لا يأتي النساء . 6989 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : الحصور : لا يقرب النساء . 6990 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل قال : زعم الرقاشي : " الحصور " الذي لا يقرب النساء . 6991 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك : " الحصور " الذي لا يولد له ، وليس له ماء . 6992 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " وحصورا " قال : هو الذي لا ماء له . 6993 - حدثنا بشر قال : حدثنا سويد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وحصورا " كنا نحدث أن الحصور الذي لا يقرب النساء . 6994 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا سليمان قال : حدثنا أبو هلال قال : حدثنا قتادة في قوله : " وسيدا وحصورا " قال : الحصور الذي لا يأتي النساء . 6995 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة مثله . 6996 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة مثله . 6997 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : الحصور الذي لا ينزل الماء . 6998 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، عن ابن زيد : " وحصورا " قال : الحصور الذي لا يأتي النساء . [ ص: 380 ] 6999 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وحصورا " قال : الحصور ، الذي لا يريد النساء . 7000 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن : " وحصورا " قال : لا يقرب النساء . وأما قوله : " ونبيا من الصالحين " فإنه يعني : رسولا لربه إلى قومه ، ينبئهم عنه بأمره ونهيه ، وحلاله وحرامه ، ويبلغهم عنه ما أرسله به إليهم . ويعني بقوله : " من الصالحين " من أنبيائه الصالحين . وقد دللنا فيما مضى على معنى " النبوة " وما أصلها ، بشواهد ذلك والأدلة الدالة على الصحيح من القول فيه ، بما أغنى عن إعادته . [ ص: 381 ] القول في تأويل قوله ( قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر ) قال أبو جعفر : يعني أن زكريا قال إذ نادته الملائكة : " أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين " " أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر " ؟ يعني : من بلغ من السن ما بلغت لم يولد له " وامرأتي عاقر " . " والعاقر " من النساء التي لا تلد . يقال منه : " امرأة عاقر ، ورجل عاقر " كما قال عامر بن الطفيل : لبئس الفتى ! إن كنت أعور عاقرا جبانا ، فما عذري لدى كل محضر ! ! وأما " الكبر " فمصدر : " كبر فهو يكبر كبرا " . وقيل : " بلغني الكبر " وقد قال في موضع آخر : ( قد بلغت من الكبر ) [ ص: 382 ] [ سورة مريم : 8 ] ، لأن ما بلغك فقد بلغته . وإنما معناه : قد كبرت ، وهو كقول القائل : " قد بلغني الجهد " بمعنى : أني في جهد . فإن قال قائل : وكيف قال زكريا وهو نبي الله : " رب أني يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر " وقد بشرته الملائكة بما بشرته به عن أمر الله إياها به ؟ أشك في صدقهم ؟ فذلك ما لا يجوز أن يوصف به أهل الإيمان بالله ! فكيف الأنبياء والمرسلون ؟ أم كان ذلك منه استنكارا لقدرة ربه ؟ فذلك أعظم في البلية ! قيل : كان ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - على غير ما ظننت ، بل كان قيله ما قال من ذلك ، كما : - 7001 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : لما سمع النداء - يعني زكريا ، لما سمع نداء الملائكة بالبشارة بيحيى - جاءه الشيطان فقال له : يا زكريا ، إن الصوت الذي سمعت ليس هو من الله ، إنما هو من الشيطان يسخر بك ! ولو كان من الله أوحاه إليك كما يوحي إليك في غيره من الأمر ! فشك مكانه ، وقال : " أني يكون لي غلام " ذكر ؟ يقول : من أين ؟ " وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر " . 7002 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن عكرمة قال : فأتاه الشيطان فأراد أن يكدر عليه نعمة ربه فقال : هل تدري من ناداك ؟ قال : نعم ! نادتني ملائكة ربي ! قال : بل ذلك الشيطان ! [ ص: 383 ] لو كان هذا من ربك لأخفاه إليك كما أخفيت نداءك ! فقال : " رب اجعل لي آية " . فكان قوله ما قال من ذلك ، ومراجعته ربه فيما راجع فيه بقوله : " أنى يكون لي غلام " للوسوسة التي خالطت قلبه من الشيطان حتى خيلت إليه أن النداء الذي سمعه كان نداء من غير الملائكة ، فقال : " رب أني يكون لي غلام " مستثبتا في أمره ، ليتقرر عنده بآية يريها الله في ذلك - أنه بشارة من الله على ألسن ملائكته ، ولذلك قال : " رب اجعل لي آية " . وقد يجوز أن يكون قيله ذلك ، مسألة منه ربه : من أي وجه يكون الولد الذي بشر به ؟ أمن زوجته ؟ فهي عاقر - أم من غيرها من النساء ؟ فيكون ذلك على غير الوجه الذي قاله عكرمة والسدي ومن قال مثل قولهما . القول في تأويل قوله ( قال كذلك الله يفعل ما يشاء ( 40 ) ) قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : " كذلك الله " أي هو ما وصف به نفسه أنه هين عليه أن يخلق ولدا من الكبير الذي قد يئس من الولد ، ومن العاقر التي لا يرجى من مثلها الولادة ، كما خلقك يا زكريا من قبل خلق الولد منك ولم تك شيئا ، لأنه الله الذي لا يتعذر عليه خلق شيء أراده ، ولا يمتنع عليه فعل شيء شاءه ، لأن قدرته القدرة التي لا تشبهها قدرة ، كما : - 7003 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن [ ص: 384 ] السدي قال : " كذلك الله يفعل ما يشاء " وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا . القول في تأويل قوله ( قال رب اجعل لي آية ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - ، خبرا عن زكريا ، قال زكريا : رب إن كان هذا النداء الذي نوديته ، والصوت الذي سمعته ، صوت ملائكتك وبشارة منك لي ، فاجعل لي آية يقول : علامة أن ذلك كذلك ، ليزول عني ما قد وسوس إلي الشيطان فألقاه في قلبي ، من أن ذلك صوت غير الملائكة ، وبشارة من عند غيرك ، كما : - 7004 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : " رب اجعل لي آية " قال : قال - يعني زكريا - : يا رب ، فإن كان هذا الصوت منك ، فاجعل لي آية . وقد دللنا فيما مضى على معنى " الآية " وأنها العلامة ، بما أغنى عن إعادته . وقد اختلف أهل العربية في سبب ترك العرب همزها ، ومن شأنها همز كل " ياء " جاءت بعد " ألف " ساكنة . فقال بعضهم : ترك همزها ، لأنها كانت " أية " فثقل عليهم التشديد ، فأبدلوه " ألفا " لانفتاح ما قبل التشديد كما قالوا : " أيما فلان فأخزاه الله " . وقال آخرون منهم : بل هي " فاعلة " منقوصة . [ ص: 385 ] فسئلوا فقيل لهم : فما بال العرب تصغرها " أيية " ولم يقولوا " أوية " . فقالوا : قيل ذلك ، كما قيل في " فاطمة " " هذه فطيمة " . فقيل لهم : فإنهم إنما يصغرون " فاعلة " على " فعيلة " إذا كان اسما في معنى فلان وفلانة ، فأما في غير ذلك فليس من تصغيرهم " فاعلة " على " فعيلة " . وقال آخرون : إنه " فعلة " صيرت ياؤها الأولى " ألفا " كما فعل ب " حاجة ، وقامة " . فقيل لهم : إنما تفعل العرب ذلك في أولاد الثلاثة . وقال من أنكر ذلك من قيلهم : لو كان كما قالوا : لقيل في " نواة " ناية ، وفي " حياة " حاية . القول في تأويل قوله ( قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ) قال أبو جعفر : فعاقبه الله - فيما ذكر لنا - بمسألته الآية ، بعد مشافهة الملائكة إياه بالبشارة ، فجعل آيته على تحقيق ما سمع من البشارة من الملائكة [ ص: 386 ] بيحيى أنه من عند الله آية من نفسه ، جمع تعالى ذكره بها العلامة التي سألها ربه على ما يبين له حقيقة البشارة أنها من عند الله ، وتمحيصا له من هفوته ، وخطإ قيله ومسألته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 7005 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا " إنما عوقب بذلك ، لأن الملائكة شافهته مشافهة بذلك ، فبشرته بيحيى ، فسأل الآية بعد كلام الملائكة إياه . فأخذ عليه بلسانه ، فجعل لا يقدر على الكلام إلا ما أومأ وأشار ، فقال الله تعالى ذكره ، كما تسمعون : " آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا " . 7006 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " أن الله يبشرك بيحيى مصدقا " قال : شافهته الملائكة ، فقال : " رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا " يقول : إلا إيماء ، وكانت عقوبة عوقب بها ، إذ سأل الآية مع مشافهة الملائكة إياه بما بشرته به . 7007 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك " قال : ذكر لنا ، والله أعلم ، أنه عوقب ، لأن الملائكة شافهته مشافهة ، فبشرته بيحيى ، فسأل الآية بعد ، فأخذ بلسانه . 7008 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : ذكر لنا ، والله أعلم ، أنه عوقب ، لأن الملائكة شافهته فبشرته بيحيى ، قالت : " إن الله يبشرك بيحيى ، فسأل بعد كلام الملائكة إياه الآية ، فأخذ عليه لسانه ، فجعل لا يقدر على الكلام إلا رمزا - يقول : يومئ إيماء . 7009 - حدثني أبو عبيد الوصابي قال : حدثنا محمد بن حمير قال : حدثنا صفوان بن عمرو ، عن جبير بن نفير في قوله : " قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا " قال : ربا لسانه في فيه حتى ملأه ، ثم أطلقه الله بعد ثلاث . قال أبو جعفر : وإنما اختارت القرأة النصب في قوله : " ألا تكلم الناس " لأن معنى الكلام : قال آيتك أن لا تكلم الناس فيما يستقبل ثلاثة أيام فكانت " أن " هي التي تصحب الاستقبال ، دون التي تصحب الأسماء فتنصبها . ولو كان المعنى فيه : آيتك أنك لا تكلم الناس ثلاثة أيام أي : أنك على هذه الحال ثلاثة أيام كان وجه الكلام الرفع . لأن " أن " كانت تكون حينئذ بمعنى [ ص: 388 ] الثقيلة خففت . ولكن لم يكن ذلك جائزا ، لما وصفت من أن ذلك بالمعنى الآخر . وأما " الرمز " فإن الأغلب من معانيه عند العرب : الإيماء بالشفتين ، وقد يستعمل في الإيماء بالحاجبين والعينين أحيانا ، وذلك غير كثير فيهم . وقد يقال للخفي من الكلام الذي هو مثل الهمس بخفض الصوت : " الرمز " ومنه قول جؤية بن عائذ : وكان تكلم الأبطال رمزا وهمهمة لهم مثل الهدير يقال منه : " رمز فلان فهو يرمز ويرمز رمزا ويترمز ترمزا " ويقال : " ضربه ضربة فارتمز منها " أي اضطرب للموت ، قال الشاعر : خررت منها لقفاي أرتمز وقد اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عنى الله - عز وجل - به في إخباره عن زكريا من قوله : " آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا " ، وأي معاني " الرمز " عنى بذلك ؟ فقال بعضهم : عنى بذلك : آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا تحريكا بالشفتين ، من غير أن ترمز بلسانك الكلام . ذكر من قال ذلك : [ ص: 389 ] 7010 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن النضر بن عربي ، عن مجاهد في قوله : " إلا رمزا " ، قال : تحريك الشفتين . 7011 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ثلاثة أيام إلا رمزا " قال : إيماؤه بشفتيه . 7012 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . وقال آخرون : بل عنى الله بذلك : الإيماء والإشارة . ذكر من قال ذلك : 7013 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك : " إلا رمزا " قال : الإشارة . 7014 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " إلا رمزا " قال : الرمز أن يشير بيده أو رأسه ، ولا يتكلم . 7015 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " إلا رمزا " قال : الرمز : أن أخذ بلسانه ، فجعل يكلم الناس بيده . 7016 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " إلا رمزا " قال : والرمز الإشارة . 7017 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا " الآية ، قال : [ ص: 390 ] جعل آيته أن لا يكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ، إلا أنه يذكر الله . والرمز : الإشارة ، يشير إليهم . 7018 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " إلا رمزا " إلا إيماء . 7019 - حدثنا عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله . 7020 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " إلا رمزا " يقول : إشارة . 7021 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عبد الله بن كثير : " إلا رمزا " إلا إشارة . 7022 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا " قال : أمسك بلسانه ، فجعل يومئ بيده إلى قومه : أن سبحوا بكرة وعشيا . القول في تأويل قوله ( واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار ( 41 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك : قال الله - جل ثناؤه - لزكريا : يا زكريا ، " آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا " بغير خرس ولا عاهة ولا مرض ، " واذكر ربك كثيرا " فإنك لا تمنع ذكره ، ولا يحال بينك وبين تسبيحه وغير ذلك من ذكره ، وقد : - [ ص: 391 ] 7023 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب قال : لو كان الله رخص لأحد في ترك الذكر ، لرخص لزكريا حيث قال : " آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا " أيضا . وأما قوله : " وسبح بالعشي " فإنه يعني : عظم ربك بعبادته بالعشي . و " العشي " من حين تزول الشمس إلى أن تغيب ، كما قال الشاعر : فلا الظل من برد الضحى تستطيعه ، و لا الفيء من برد العشي تذوق فالفيء ، إنما تبتدئ أوبته عند زوال الشمس ، ويتناهى بمغيبها . [ ص: 392 ] وأما " الإبكار " فإنه مصدر من قول القائل : " أبكر فلان في حاجة فهو يبكر إبكارا " وذلك إذا خرج فيها من بين مطلع الفجر إلى وقت الضحى ، فذلك " إبكار " . يقال فيه : " أبكر فلان " و " بكر يبكر بكورا " . فمن " الإبكار " قول عمر بن أبي ربيعة : أمن آل نعم أنت غاد فمبكر ومن " البكور " قول جرير : ألا بكرت سلمى فجد بكورها وشق العصا بعد اجتماع أميرها ويقال من ذلك : " بكر النخل يبكر بكورا وأبكر يبكر إبكارا " و " الباكور " من الفواكه : أولها إدراكا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
__________________
|
#405
|
||||
|
||||
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (405) صــ 393 إلى صــ 407 ذكر من قال ذلك : 7024 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وسبح بالعشي والإبكار " قال : [ ص: 393 ] الإبكار أول الفجر ، والعشي ميل الشمس حتى تغيب . 7025 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . القول في تأويل قوله ( وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ( 42 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : " والله سميع عليم إذ قالت امرأة عمران رب نذرت لك ما في بطني محررا " " وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك " . ومعنى قوله : " اصطفاك " ، اختارك واجتباك لطاعته وما خصك به من كرامته . وقوله : " وطهرك " يعني : طهر دينك من الريب والأدناس التي في أديان نساء بني آدم " واصطفاك على نساء العالمين " يعني : اختارك على نساء العالمين في زمانك ، بطاعتك إياه ، ففضلك عليهم ، كما روي عن رسول الله صلى الله [ ص: 394 ] عليه وسلم أنه قال : " خير نسائها مريم بنت عمران ، وخير نسائها خديجة بنت خويلد " يعني بقوله : " خير نسائها " خير نساء أهل الجنة . 7026 - حدثني بذلك الحسين بن علي الصدائي قال : حدثنا محاضر بن المورع قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن جعفر قال : سمعت عليا بالعراق يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : خير نسائها مريم بنت عمران ، وخير نسائها خديجة . 7027 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني المنذر بن عبد الله الحزامي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : خير نساء الجنة مريم بنت عمران ، وخير نساء الجنة خديجة بنت خويلد . [ ص: 395 ] 7028 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين " ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : حسبك بمريم بنت عمران ، وامرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ، من نساء العالمين قال قتادة : ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " خير نساء ركبن الإبل صوالح نساء قريش ، أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده " قال قتادة : وذكر لنا أنه كان يقول : " لو علمت أن مريم ركبت الإبل ، ما فضلت عليها أحدا " . [ ص: 396 ] 7029 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : " يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين " قال : كان أبو هريرة يحدث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش ، أحناه على ولد ، وأرعاه لزوج في ذات يده قال أبو هريرة : ولم تركب مريم بعيرا قط . [ ص: 397 ] 7030 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه قوله : " وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين " قال : كان ثابت البناني يحدث ، عن أنس بن مالك : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد . 7031 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم العسقلاني قال : حدثنا شعبة قال : حدثنا عمرو بن مرة قال : سمعت مرة الهمداني يحدث ، عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كمل من الرجال كثير ، [ ص: 398 ] ولم يكمل من النساء إلا مريم ، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد . 7032 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو الأسود المصري قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن عمارة بن غزية ، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان : أن فاطمة بنت حسين بن علي حدثته : أن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما وأنا عند عائشة ، فناجاني ، فبكيت ، ثم ناجاني فضحكت ، فسألتني عائشة عن ذلك ، فقلت : لقد عجلت ! أخبرك بسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ! ! فتركتني . فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألتها عائشة فقالت : نعم ، ناجاني فقال : جبريل كان يعارض القرآن كل عام مرة ، وإنه قد عارض القرآن مرتين ; وإنه ليس من نبي إلا عمر نصف عمر الذي كان قبله ، وإن عيسى أخي كان عمره عشرين ومئة سنة ، وهذه لي ستون ، وأحسبني ميتا في عامي هذا ، وإنه لم ترزأ امرأة من نساء العالمين بمثل ما رزئت ، ولا تكوني دون امرأة صبرا ! قالت : فبكيت ، ثم قال : أنت سيدة [ ص: 399 ] نساء أهل الجنة إلا مريم البتول . فتوفي عامه ذلك . 7033 - حدثني المثنى قال حدثنا أبو الأسود قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن عمرو بن الحارث ، أن أبا زياد الحميري حدثه ، أنه سمع عمار بن سعد يقول : قال [ ص: 400 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فضلت خديجة على نساء أمتي ، كما فضلت مريم على نساء العالمين . وبمثل الذي قلنا في معنى قوله : " وطهرك " ، أنه : وطهر دينك من الدنس والريب ، قاله مجاهد . 7034 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " إن الله اصطفاك وطهرك " قال : جعلك طيبة إيمانا . 7035 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . 7036 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " واصطفاك على نساء العالمين " قال : ذلك للعالمين يومئذ . وكانت الملائكة - فيما ذكر ابن إسحاق - تقول ذلك لمريم شفاها . 7037 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : [ ص: 401 ] كانت مريم حبيسا في الكنيسة ، ومعها في الكنيسة غلام اسمه يوسف ، وقد كان أمه وأبوه جعلاه نذيرا حبيسا ، فكانا في الكنيسة جميعا ، وكانت مريم ، إذا نفد ماؤها وماء يوسف ، أخذا قلتيهما فانطلقا إلى المفازة التي فيها الماء الذي يستعذبان منه ، فيملآن قلتيهما ، ثم يرجعان إلى الكنيسة ، والملائكة في ذلك مقبلة على مريم : " يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين " فإذا سمع ذلك زكريا قال : إن لابنة عمران لشأنا . القول في تأويل قوله ( يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ( 43 ) ) قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله - خبرا عن قيل ملائكته لمريم : " يا مريم اقنتي لربك " أخلصي الطاعة لربك وحده . وقد دللنا على معنى " القنوت " ، بشواهده فيما مضى قبل . والاختلاف بين أهل التأويل فيه في هذا الموضع ، نحو اختلافهم فيه هنالك . وسنذكر قول بعضهم أيضا في هذا الموضع . فقال بعضهم : معنى " اقنتي " أطيلي الركود . ذكر من قال ذلك : 7038 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، [ ص: 402 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " يا مريم اقنتي لربك " قال : أطيلي الركود ، يعني القنوت . 7039 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . 7040 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج " اقنتي لربك " قال قال مجاهد : أطيلي الركود في الصلاة يعني القنوت . 7041 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد قال : لما قيل لها : " يا مريم اقنتي لربك " قامت حتى ورم كعباها . 7042 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد قال : لما قيل لها : " يا مريم اقنتي لربك " قامت حتى ورمت قدماها . 7043 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن ابن أبي ليلى ، عن مجاهد : " اقنتي لربك " قال : أطيلي الركود . 7044 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " يا مريم اقنتي لربك " قال : القنوت : الركود . يقول : قومي لربك في الصلاة . يقول : اركدي لربك : أي انتصبي له في الصلاة " واسجدي واركعي مع الراكعين " . 7045 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : " يا مريم اقنتي لربك " قال : كانت تصلي حتى ترم قدماها . [ ص: 403 ] 7046 - حدثني ابن البرقي قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا الأوزاعي : " يا مريم اقنتي لربك " قال : كانت تقوم حتى يسيل القيح من قدميها . وقال آخرون : معناه : أخلصي لربك . ذكر من قال ذلك : 7047 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا ابن المبارك ، عن شريك ، عن سالم ، عن سعيد : " يا مريم اقنتي لربك " قال : أخلصي لربك . وقال آخرون : معناه : أطيعي ربك . ذكر من قال ذلك : 7048 - حدثني الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " اقنتي لربك " قال : أطيعي ربك . 7049 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " اقنتي لربك " أطيعي ربك . 7050 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا محمد بن حرب قال حدثنا ابن لهيعة ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كل حرف يذكر فيه القنوت من القرآن ، فهو طاعة لله . 7051 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد بن منصور ، عن الحسن في قوله : " يا مريم اقنتي لربك " قال يقول : اعبدي ربك . [ ص: 404 ] قال أبو جعفر : وقد بينا أيضا معنى " الركوع " " والسجود " بالأدلة الدالة على صحته ، وأنهما بمعنى الخشوع لله ، والخضوع له بالطاعة والعبودة . فتأويل الآية ، إذا : يا مريم أخلصي عبادة ربك لوجهه خالصا ، واخشعي لطاعته وعبادته مع من خشع له من خلقه ، شكرا له على ما أكرمك به من الاصطفاء والتطهير من الأدناس ، والتفضيل على نساء عالم دهرك . القول في تأويل قوله ( ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ) قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله ذلك : الأخبار التي أخبر بها عباده عن امرأة عمران وابنتها مريم ، وزكريا وابنه يحيى ، وسائر ما قص في الآيات من قوله : " إن الله اصطفى آدم ونوحا " ثم جمع جميع ذلك تعالى ذكره بقوله : " ذلك " فقال : هذه الأنباء من " أنباء الغيب " أي : من أخبار الغيب . ويعني ب " الغيب " أنها من خفي أخبار القوم التي لم تطلع أنت ، يا محمد ، عليها ولا قومك ، ولم يعلمها إلا قليل من أحبار أهل الكتابين ورهبانهم . ثم أخبر تعالى ذكره نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - أنه أوحى ذلك إليه ، حجة على نبوته ، وتحقيقا لصدقه ، وقطعا منه به عذر منكري رسالته من كفار أهل الكتابين ، الذين يعلمون أن محمدا لم يصل إلى علم هذه الأنباء مع خفائها ، ولم يدرك معرفتها مع خمولها عند أهلها ، إلا بإعلام الله ذلك إياه . إذ كان معلوما عندهم أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - أمي لا يكتب فيقرأ الكتب ، فيصل إلى علم ذلك من [ ص: 405 ] قبل الكتب ، ولا صاحب أهل الكتب فيأخذ علمه من قبلهم . وأما " الغيب " فمصدر من قول القائل : " غاب فلان عن كذا فهو يغيب عنه غيبا وغيبة " . وأما قوله : " نوحيه إليك " فإن تأويله : ننزله إليك . وأصل " الإيحاء " إلقاء الموحي إلى الموحى إليه . وذلك قد يكون بكتاب وإشارة وإيماء ، وبإلهام ، وبرسالة ، كما قال - جل ثناؤه - : ( وأوحى ربك إلى النحل ) [ سورة النحل : 68 ] ، بمعنى : ألقى ذلك إليها فألهمها ، وكما قال : ( وإذ أوحيت إلى الحواريين ) [ سورة المائدة : 111 ] ، بمعنى : ألقيت إليهم علم ذلك إلهاما ، وكما قال الراجز : أوحى لها القرار فاستقرت بمعنى ألقى إليها ذلك أمرا ، وكما قال - جل ثناؤه - : ( فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ) [ سورة مريم : 11 ] ، بمعنى : فألقى ذلك إليهم إيماء . والأصل [ ص: 406 ] فيه ما وصفت ، من إلقاء ذلك إليهم . وقد يكون إلقاؤه ذلك إليهم إيماء ، ويكون بكتاب . ومن ذلك قوله : ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ) [ سورة الأنعام : 121 ] ، يلقون إليهم ذلك وسوسة ، وقوله : ( وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ) [ سورة الأنعام : 19 ] ، ألقى إلي بمجيء جبريل عليه السلام به إلي من عند الله - عز وجل - . وأما " الوحي " فهو الواقع من الموحي إلى الموحى إليه ، ولذلك سمت العرب الخط والكتاب " وحيا " لأنه واقع فيما كتب ثابت فيه ، كما قال كعب بن زهير : أتى العجم والآفاق منه قصائد بقين بقاء الوحي في الحجر الأصم يعني به : الكتاب الثابت في الحجر . وقد يقال في الكتاب خاصة ، إذا كتبه الكاتب : " وحى " بغير ألف ، ومنه قولرؤبة : كأنه بعد رياح تدهمه ومرثعنات الدجون تثمه [ ص: 407 ] القول في تأويل قوله ( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ) إنجيل أحبار وحى منمنمه قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : " وما كنت لديهم " وما كنت ، يا محمد ، عندهم فتعلم ما نعلمكه من أخبارهم التي لم تشهدها ، ولكنك إنما تعلم ذلك فتدرك معرفته ، بتعريفناكه . ومعنى قوله : " لديهم " عندهم . ومعنى قوله : " إذ يلقون " ، حين يلقون أقلامهم . وأما " أقلامهم " فسهامهم التي استهم بها المستهمون من بني إسرائيل على كفالة مريم ، على ما قد بينا قبل في قوله : " وكفلها زكريا " . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 7052 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا هشام بن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة في قوله : " وما كنت لديهم " يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - .
__________________
|
#406
|
||||
|
||||
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (406) صــ 408 إلى صــ 422 7053 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، [ ص: 408 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " يلقون أقلامهم ، زكريا وأصحابه ، استهموا بأقلامهم على مريم حين دخلت عليهم . 7054 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . 7055 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون " كانت مريم ابنة إمامهم وسيدهم ، فتشاح عليها بنو إسرائيل ، فاقترعوا فيها بسهامهم أيهم يكفلها ، فقرعهم زكريا ، وكان زوج أختها ، " فكفلها زكريا " يقول : ضمها إليه . 7056 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " يلقون أقلامهم " قال : تساهموا على مريم أيهم يكفلها ، فقرعهم زكريا . 7057 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم " وإن مريم لما وضعت في المسجد ، اقترع عليها أهل المصلى وهم يكتبون الوحي ، فاقترعوا بأقلامهم أيهم يكفلها ، فقال الله - عز وجل - لمحمد - صلى الله عليه وسلم - : " وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون " . 7058 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ ، قال : أخبرنا عبيد [ ص: 409 ] قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم " اقترعوا بأقلامهم أيهم يكفل مريم ، فقرعهم زكريا . 7059 - حدثنا محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم " قال : حيث اقترعوا على مريم ، وكان غيبا عن محمد - صلى الله عليه وسلم - حين أخبره الله . وإنما قيل : " أيهم يكفل مريم " لأن إلقاء المستهمين أقلامهم على مريم ، إنما كان لينظروا أيهم أولى بكفالتها وأحق . ففي قوله - عز وجل - : " إذ يلقون أقلامهم " دلالة على محذوف من الكلام ، وهو : " لينظروا أيهم يكفل ، وليتبينوا ذلك ويعلموه " . فإن ظن ظان أن الواجب في " أيهم " النصب ، إذ كان ذلك معناه ، فقد ظن خطأ . وذلك أن " النظر " و " التبين " و " العلم " مع " أي " يقتضي استفهاما واستخبارا ، وحظ " أي " في الاستخبار ، الابتداء وبطول عمل المسألة والاستخبار عنه . وذلك أن معنى قول القائل : " لأنظرن أيهم قام " لأستخبرن الناس : أيهم قام ، وكذلك قولهم : " لأعلمن " . وقد دللنا فيما مضى قبل أن معنى " يكفل " يضم ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . [ ص: 410 ] القول في تأويل قوله ( وما كنت لديهم إذ يختصمون ( 44 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وما كنت ، يا محمد ، عند قوم مريم ، إذ يختصمون فيها أيهم أحق بها وأولى . وذلك من الله - عز وجل - ، وإن كان خطابا لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ، فتوبيخ منه - عز وجل - للمكذبين به من أهل الكتابين . يقول : كيف يشك أهل الكفر بك منهم وأنت تنبئهم هذه الأنباء ولم تشهدها ، ولم تكن معهم يوم فعلوا هذه الأمور ، ولست ممن قرأ الكتب فعلم نبأهم ، ولا جالس أهلها فسمع خبرهم ؟ كما : - 7060 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " وما كنت لديهم إذ يختصمون " أي ما كنت معهم إذ يختصمون فيها . يخبره بخفي ما كتموا منه من العلم عندهم ، لتحقيق نبوته والحجة عليهم لما يأتيهم به مما أخفوا منه . القول في تأويل قوله ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم ) قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " إذ قالت الملائكة " وما كنت لديهم إذ يختصمون ، وما كنت لديهم أيضا إذ قالت الملائكة : يا مريم إن الله يبشرك . [ ص: 411 ] " والتبشير " إخبار المرء بما يسره من خبر . وقوله : " بكلمة منه " يعني برسالة من الله وخبر من عنده ، وهو من قول القائل : " ألقى فلان إلي كلمة سرني بها " بمعنى : أخبرني خبرا فرحت به ، كما قال - جل ثناؤه - : ( وكلمته ألقاها إلى مريم ) [ سورة النساء : 171 ] ، يعني : بشرى الله مريم بعيسى ، ألقاها إليها . فتأويل الكلام : وما كنت ، يا محمد ، عند القوم إذ قالت الملائكة لمريم : يا مريم إن الله يبشرك ببشرى من عنده ، هي ولد لك اسمه المسيح عيسى ابن مريم . وقد قال قوم - وهو قول قتادة - : إن " الكلمة " التي قال الله - عز وجل - : " بكلمة منه " هو قوله : " كن " . 7061 - حدثنا بذلك الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : " بكلمة منه " قال : قوله : " كن " . فسماه الله - عز وجل - " كلمته " لأنه كان عن كلمته ، كما يقال لما قدر الله من شيء : " هذا قدر الله وقضاؤه " يعني به : هذا عن قدر الله وقضائه حدث ، وكما قال - جل ثناؤه - : ( وكان أمر الله مفعولا ) [ سورة النساء : 47 - سورة الأحزاب : 37 ] ، يعني به : ما أمر الله به ، وهو المأمور [ به ] الذي كان عن أمر الله - عز وجل - . [ ص: 412 ] وقال آخرون : بل هي اسم لعيسى سماه الله بها ، كما سمى سائر خلقه بما شاء من الأسماء . وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : " الكلمة " هي عيسى . 7062 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه " قال : عيسى هو الكلمة من الله . قال أبو جعفر : وأقرب الوجوه إلى الصواب عندي ، القول الأول . وهو أن الملائكة بشرت مريم بعيسى عن الله - عز وجل - برسالته وكلمته التي أمرها أن تلقيها إليها : أن الله خالق منها ولدا من غير بعل ولا فحل ، ولذلك قال - عز وجل - : " اسمه المسيح " فذكر ، ولم يقل : " اسمها " فيؤنث ، و " الكلمة " مؤنثة ، لأن " الكلمة " غير مقصود بها قصد الاسم الذي هو بمعنى " فلان " وإنما هي بمعنى البشارة ، فذكرت كنايتها كما تذكر كناية " الذرية " و " الدابة " والألقاب ، على ما قد بيناه قبل فيما مضى . فتأويل ذلك كما قلنا آنفا ، من أن معنى ذلك : إن الله يبشرك ببشرى ثم بين عن البشرى أنها ولد اسمه المسيح . وقد زعم بعض نحويي البصرة أنه إنما ذكر فقال : " اسمه المسيح " وقد قال : " بكلمة منه " و " الكلمة " عنده هي عيسى لأنه في المعنى كذلك ، كما قال - جل ثناؤه - : ( أن تقول نفس يا حسرتا ) ، ثم قال ( بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها ) [ سورة الزمر : 56 - 59 ] ، وكما يقال : " ذو الثدية " ، لأن يده [ ص: 413 ] كانت قصيرة قريبة من ثدييه ، فجعلها كأن اسمها " ثدية " ولولا ذلك لم تدخل " الهاء " في التصغير . وقال بعض نحويي الكوفة نحو قول من ذكرنا من نحويي البصرة : في أن " الهاء " من ذكر " الكلمة " وخالفه في المعنى الذي من أجله ذكر قوله " اسمه " و " الكلمة " متقدمة قبله . فزعم أنه إنما قيل : " اسمه " وقد قدمت " الكلمة " ولم يقل : " اسمها " لأن من شأن العرب أن تفعل ذلك فيما كان من النعوت والألقاب والأسماء التي لم توضع لتعريف المسمى به ، ك " فلان " و " فلان " وذلك ، مثل " الذرية " و " الخليفة " و " الدابة " ولذلك جاز عنده أن يقال : " ذرية طيبة " و " ذرية طيبا " ولم يجز أن يقال : " طلحة أقبلت ومغيرة قامت " . وأنكر بعضهم اعتلال من اعتل في ذلك ب " ذي الثدية " وقالوا : إنما أدخلت " الهاء " في " ذي الثدية " لأنه أريد بذلك القطعة من الثدي ، كما قيل : " كنا في لحمة ونبيذة " يراد به القطعة منه . وهذا القول نحو قولنا الذي قلناه في ذلك . وأما قوله : " اسمه المسيح عيسى ابن مريم " ، فإنه - جل ثناؤه - أنبأ عباده عن نسبة عيسى ، وأنه ابن أمه مريم ، ونفى بذلك عنه ما أضاف إليه الملحدون في الله - جل ثناؤه - من النصارى ، من إضافتهم بنوته إلى الله - عز وجل - ، وما قرفت أمه به المفترية عليها من اليهود ، كما : - [ ص: 414 ] 7063 - حدثني به ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين " أي : هكذا كان أمره ، لا ما يقولون فيه . وأما " المسيح " ، فإنه " فعيل " صرف من " مفعول " إلى " فعيل " وإنما هو " ممسوح " يعني : مسحه الله فطهره من الذنوب ، ولذلك قال إبراهيم : " المسيح " الصديق . . . 7064 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم مثله . 7065 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم مثله . وقال آخرون : مسح بالبركة . 7066 - حدثنا ابن البرقي قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال : قال سعيد : إنما سمي " المسيح " ، لأنه مسح بالبركة . [ ص: 415 ] القول في تأويل قوله ( وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ( 45 ) ) قال أبو جعفر : يعني بقوله " وجيها " ذا وجه ومنزلة عالية عند الله ، وشرف وكرامة . ومنه يقال للرجل الذي يشرف وتعظمه الملوك والناس " وجيه " يقال منه : " ما كان فلان وجيها ، ولقد وجه وجاهة " " وإن له لوجها عند السلطان وجاها ووجاهة " و " الجاه " مقلوب ، قلبت ، واوه من أوله إلى موضع العين منه ، فقيل : " جاه " وإنما هو " وجه " و " فعل " من الجاه : " جاه يجوه " . مسموع من العرب : " أخاف أن يجوهني بأكثر من هذا " بمعنى : أن يستقبلني في وجهي بأعظم منه . وأما نصب " الوجيه " فعلى القطع من " عيسى " ، لأن " عيسى " معرفة ، و " وجيه " نكرة ، وهو من نعته . ولو كان مخفوضا على الرد على " الكلمة " كان جائزا . وبما قلنا من أن تأويل ذلك : وجيها في الدنيا والآخرة عند الله قال : فيما بلغنا ، محمد بن جعفر . 7067 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " وجيها " قال : وجيها في الدنيا والأخرة عند الله . وأما قوله : " ومن المقربين " فإنه يعني أنه ممن يقربه الله يوم القيامة ، فيسكنه في جواره ويدنيه منه ، كما : - [ ص: 416 ] 7068 - حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ومن المقربين " يقول : من المقربين عند الله يوم القيامة . 7069 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " ومن المقربين " يقول : من المقربين عند الله يوم القيامة . 7070 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله . القول في تأويل قوله ( ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين ( 46 ) ) قال أبو جعفر : وأما قوله : " ويكلم الناس في المهد " فإن معناه : إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم ، وجيها عند الله ، ومكلما الناس في المهد . ف " يكلم " وإن كان مرفوعا ، لأنه في صورة " يفعل " بالسلامة من العوامل فيه ، فإنه في موضع نصب ، وهو نظير قول الشاعر : بت أعشيها بعضب باتر يقصد في أسوقها وجائر [ ص: 417 ] وأما " المهد " فإنه يعني به : مضجع الصبي في رضاعه ، كما : - 7071 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : " ويكلم الناس في المهد " قال : مضجع الصبي في رضاعه . وأما قوله : " وكهلا " فإنه : ومحتنكا فوق الغلومة ، ودون الشيخوخة ، يقال منه : " رجل كهل وامرأة كهلة " كما قال الراجز : ولا أعود بعدها كريا أمارس الكهلة والصبيا [ ص: 418 ] وإنما عنى - جل ثناؤه - بقوله : " ويكلم الناس في المهد وكهلا " ويكلم الناس طفلا في المهد دلالة على براءة أمه مما قرفها به المفترون عليها ، وحجة له على نبوته وبالغا كبيرا بعد احتناكه ، بوحي الله الذي يوحيه إليه ، وأمره ونهيه ، وما ينزل عليه من كتابه . وإنما أخبر الله - عز وجل - عباده بذلك من أمر المسيح ، وأنه كذلك كان ، وإن كان الغالب من أمر الناس أنهم يتكلمون كهولا وشيوخا احتجاجا به على القائلين فيه من أهل الكفر بالله من النصارى الباطل ، وأنه كان [ منذ أنشأه ] مولودا طفلا ثم كهلا يتقلب في الأحداث ، ويتغير بمرور الأزمنة عليه والأيام ، من صغر إلى كبر ، ومن حال إلى حال وأنه لو كان ، كما قال الملحدون فيه ، كان ذلك غير جائز عليه . فكذب بذلك ما قاله الوفد من أهل نجران الذين حاجوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه ، واحتج به عليهم [ ص: 419 ] لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وأعلمهم أنه كان كسائر بني آدم ، إلا ما خصه الله به من الكرامة التي أبانه بها منهم ، كما : - 7072 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين " : يخبرهم بحالاته التي يتقلب بها في عمره ، كتقلب بني آدم في أعمارهم صغارا وكبارا ، إلا أن الله خصه بالكلام في مهده آية لنبوته ، وتعريفا للعباد مواقع قدرته . 7073 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين " يقول : يكلمهم صغيرا وكبيرا . 7074 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " ويكلم الناس في المهد وكهلا " قال : يكلمهم صغيرا وكبيرا . 7075 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وكهلا ومن الصالحين " قال : الكهل الحليم . 7076 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : كلمهم صغيرا وكبيرا وكهلا وقال ابن جريج ، وقال مجاهد : الكهل الحليم . 7077 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " ويكلم الناس في المهد وكهلا " قال : كلمهم في المهد صبيا ، وكلمهم كبيرا . [ ص: 420 ] وقال آخرون : معنى قوله : " وكهلا " ، أنه سيكلمهم إذا ظهر . ذكر من قال ذلك : 7078 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعته - يعني ابن زيد - يقول في قوله : " ويكلم الناس في المهد وكهلا " قال : قد كلمهم عيسى في المهد ، وسيكلمهم إذا قتل الدجال ، وهو يومئذ كهل . ونصب " كهلا " عطفا على موضع " ويكلم الناس " . وأما قوله : " ومن الصالحين " فإنه يعني : من عدادهم وأوليائهم ، لأن أهل الصلاح بعضهم من بعض في الدين والفضل . القول في تأويل قوله ( قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ( 47 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - ، قالت مريم إذ قالت لها الملائكة أن الله يبشرك بكلمة منه : " رب أنى يكون لي ولد " من أي وجه يكون لي ولد ؟ أمن قبل زوج أتزوجه وبعل أنكحه ، أم تبتدئ في خلقه من غير بعل ولا فحل ، ومن غير أن يمسني بشر ؟ فقال الله لها " كذلك الله يخلق ما يشاء " يعني : هكذا يخلق الله منك ولدا لك من غير أن يمسك بشر ، فيجعله آية للناس وعبرة ، فإنه يخلق ما يشاء ويصنع ما يريد ، فيعطي الولد [ ص: 421 ] من يشاء من غير فحل ومن فحل ، ويحرم ذلك من يشاء من النساء وإن كانت ذات بعل ، لأنه لا يتعذر عليه خلق شيء أراد خلقه ، إنما هو أن يأمر إذا أراد شيئا ما أراد [ خلقه ] فيقول له : " كن فيكون " ما شاء ، مما يشاء ، وكيف شاء ، كما : - 7079 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء " يصنع ما أراد ، ويخلق ما يشاء ، من بشر أو غير بشر " إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن " مما يشاء وكيف يشاء " فيكون " ما أراد . القول في تأويل قوله ( ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ( 48 ) ) قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأته عامة قرأة الحجاز والمدينة وبعض قرأة الكوفيين : ( ويعلمه ) بالياء ، ردا على قوله : " كذلك الله يخلق ما يشاء " " ويعلمه الكتاب " فألحقوا الخبر في قوله : " ويعلمه " بنظير الخبر في قوله : " يخلق ما يشاء " وقوله : " فإنما يقول له كن فيكون " . [ ص: 422 ] وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين وبعض البصريين : ( ونعلمه ) بالنون ، عطفا به على قوله : " نوحيه إليك " كأنه قال : " ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك " " ويعلمه الكتاب " . وقالوا : ما بعد " نوحيه " في صلته إلى قوله : " كن فيكون " ثم عطف بقوله : " ونعلمه " عليه . قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مختلفتان ، غير مختلفتي المعاني ، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب الصواب في ذلك ، لاتفاق معنى القراءتين ، في أنه خبر عن الله بأنه يعلم عيسى الكتاب ، وما ذكر أنه يعلمه . وهذا ابتداء خبر من الله - عز وجل - لمريم ما هو فاعل بالولد الذي بشرها به من الكرامة ورفعة المنزلة والفضيلة ، فقال : كذلك الله يخلق منك ولدا ، من غير فحل ولا بعل ، فيعلمه الكتاب ، وهو الخط الذي يخطه بيده والحكمة ، وهي السنة التي يوحيها إليه في غير كتاب والتوراة ، وهي التوراة التي أنزلت على موسى ، كانت فيهم من عهد موسى والإنجيل ، إنجيل عيسى ولم يكن قبله ، ولكن الله أخبر مريم قبل خلق عيسى أنه موحيه إليه . وإنما أخبرها بذلك فسماه لها ، لأنها قد كانت علمت فيما نزل من الكتب أن الله باعث نبيا ، يوحى إليه كتابا اسمه الإنجيل ، فأخبرها الله - عز وجل - أن ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي سمعت بصفته الذي وعد أنبياءه من قبل أنه منزل عليه الكتاب الذي يسمى إنجيلا هو الولد الذي وهبه لها وبشرها به . وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .
__________________
|
#407
|
||||
|
||||
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (407) صــ 423 إلى صــ 437 ذكر من قال ذلك : 7080 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : " ويعلمه الكتاب " قال : بيده . [ ص: 423 ] 7081 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ويعلمه الكتاب والحكمة " قال : الحكمة السنة . 7082 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة في قوله : " ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل " قال : " الحكمة " السنة " والتوراة والإنجيل " قال : كان عيسى يقرأ التوراة والإنجيل . 7083 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " ويعلمه الكتاب والحكمة " ، قال : الحكمة السنة . 7084 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير قال : أخبرها - يعني أخبر الله مريم - ما يريد به فقال : " ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة " التي كانت فيهم من عهد موسى " والإنجيل " كتابا آخر أحدثه إليه لم يكن عندهم علمه ، إلا ذكره أنه كائن من الأنبياء قبله . القول في تأويل قوله ( ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم ) قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " ورسولا " ونجعله رسولا إلى بني إسرائيل ، فترك ذكر " ونجعله " لدلالة الكلام عليه ، كما قال الشاعر : ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا [ ص: 424 ] وقوله : " أني قد جئتكم بآية من ربكم " يعني : ونجعله رسولا إلى بني إسرائيل بأنه نبيي وبشيري ونذيري وحجتي على صدقي في ذلك : " أني قد جئتكم بآية من ربكم " يعني : بعلامة من ربكم تحقق قولي ، وتصدق خبري أني رسول من ربكم إليكم ، كما : - 7085 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم " أي : يحقق بها نبوتي ، أني رسول منه إليكم . القول في تأويل قوله ( أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : " ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم " ثم بين عن الآية ما هي ، فقال : " أني أخلق لكم " . فتأويل الكلام : ورسولا إلى بني إسرائيل بأني قد جئتكم بآية من ربكم ، بأن أخلق لكم من الطين كهيئة الطير . [ ص: 425 ] " والطير " جمع " طائر " . واختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأه بعض أهل الحجاز : ( كهيئة الطائر فأنفخ فيه فيكون طائرا ) ، على التوحيد . وقرأه آخرون : ( كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا ) ، على الجماع فيهما . قال أبو جعفر : وأعجب القراءات إلي في ذلك قراءة من قرأ : " كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا ، على الجماع فيهما جميعا ، لأن ذلك كان من صفة عيسى أنه يفعل ذلك بإذن الله ، وأنه موافق لخط المصحف . واتباع خط المصحف مع صحة المعنى واستفاضة القراءة به ، أعجب إلي من خلاف المصحف . وكان خلق عيسى ما كان يخلق من الطير ، كما : - 7086 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثنا ابن إسحاق : أن عيسى صلوات الله عليه جلس يوما مع غلمان من الكتاب ، فأخذ طينا ، ثم قال : أجعل لكم من هذا الطين طائرا ؟ قالوا : وتستطيع ذلك ! قال : نعم ! بإذن ربي . ثم هيأه ، حتى إذا جعله في هيئة الطائر نفخ فيه ، ثم قال : " كن طائرا بإذن الله " فخرج يطير بين كفيه . فخرج الغلمان بذلك من أمره ، فذكروه لمعلمهم ، [ ص: 426 ] فأفشوه في الناس . وترعرع ، فهمت به بنو إسرائيل ، فلما خافت أمه عليه حملته على حمير لها ، ثم خرجت به هاربة . وذكر أنه لما أراد أن يخلق الطير من الطين سألهم : أي الطير أشد خلقا ؟ فقيل له : الخفاش ، كما : - 7087 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قوله : " أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير " قال : أي الطير أشد خلقا ؟ قالوا : الخفاش ، إنما هو لحم . قال ففعل . قال أبو جعفر : فإن قال قائل : وكيف قيل : " فأنفخ فيه " وقد قيل : " أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير " ؟ قيل : لأن معنى الكلام : فأنفخ في الطير . ولو كان ذلك : " فأنفخ فيها " . كان صحيحا جائزا ، كما قال في المائدة ، ( فتنفخ فيها ) [ سورة المائدة : 110 ] : يريد : فتنفخ في الهيئة . وقد ذكر أن ذلك في إحدى القراءتين : " فأنفخها " بغير " في " . وقد تفعل العرب مثل ذلك فتقول : " رب ليلة قد بتها ، وبت فيها " قال الشاعر : [ ص: 427 ] ما شق جيب ولا قامتك نائحة ولا بكتك جياد عند أسلاب بمعنى : ولا قامت عليك ، وكما قال الآخر : إحدى بني عيذ الله استمر بها حلو العصارة حتى ينفخ الصور قال أبو جعفر : يعني بقوله : " وأبرئ " وأشفي . يقال منه : " أبرأ الله المريض " إذا شفاه منه ، " فهو يبرئه إبراء " و " برأ المريض فهو يبرأ برءا " وقد يقال أيضا : " برئ المريض فهو يبرأ " لغتان معروفتان . واختلف أهل التأويل في معنى " الأكمه " . فقال بعضهم : هو الذي لا يبصر بالليل ، ويبصر بالنهار . ذكر من قال ذلك : 7088 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " وأبرئ الأكمه " قال : الأكمه الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل ، فهو يتكمه . 7089 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . وقال آخرون : هو الأعمى الذي ولدته أمه كذلك . ذكر من قال ذلك : 7090 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كنا نحدث أن " الأكمه " الذي ولد وهو أعمى مغموم العينين . 7091 - حدثني المثنى قال حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة ، في قوله : " وأبرئ الأكمه والأبرص " قال : كنا نحدث أن الأكمه الذي يولد وهو أعمى ، مضموم العينين . [ ص: 429 ] 7092 - حدثت عن المنجاب قال : حدثنا بشر ، عن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : الأكمه ، الذي يولد وهو أعمى . وقال آخرون : بل هو الأعمى . ذكر من قال ذلك : 7093 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وأبرئ الأكمه " هو الأعمى . 7094 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : الأعمى . 7095 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " وأبرئ الأكمه " قال : الأكمه الأعمى . 7096 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد بن منصور عن الحسن في قوله : " وأبرئ الأكمه " قال : الأعمى . وقال آخرون : هو الأعمش . ذكر من قال ذلك : 7097 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا حفص بن عمر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة في قوله : " وأبرئ الأكمه " قال : الأعمش . قال أبو جعفر : والمعروف عند العرب من معنى " الكمه " العمى ، يقال منه : " كمهت عينه فهي تكمه كمها ، وأكمهتها أنا " إذا أعميتها ، كما قال سويد بن أبي كاهل : [ ص: 430 ] كمهت عينيه حتى ابيضتا فهو يلحى نفسه لما نزع ومنه قول رؤبة : هرجت فارتد ارتداد الأكمه في غائلات الحائر المتهته وإنما أخبر الله - عز وجل - عن عيسى صلوات الله عليه أنه يقول ذلك لبني إسرائيل ، احتجاجا منه بهذه العبر والآيات عليهم في نبوته ، وذلك أن : الكمه والبرص لا علاج لهما ، فيقدر على إبرائه ذو طب بعلاج ، فكان ذلك من أدلته على صدق قيله : إنه لله رسول ، لأنه من المعجزات ، مع سائر الآيات التي أعطاه الله إياها دلالة على نبوته . فأما ما قال عكرمة من أن " الكمه " العمش ، وما قاله مجاهد : من أنه [ ص: 431 ] سوء البصر بالليل ، فلا معنى لهما . لأن الله لا يحتج على خلقه بحجة تكون لهم السبيل إلى معارضته فيها ، ولو كان مما احتج به عيسى على بني إسرائيل في نبوته ، أنه يبرئ الأعمش ، أو الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل ، لقدروا على معارضته بأن يقولوا : " وما في هذا لك من الحجة ، وفينا خلق ممن يعالج ذلك ، وليسوا لله أنبياء ولا رسلا " ففي ذلك دلالة بينة على صحة ما قلنا ، من أن " الأكمه " هو الأعمى الذي لا يبصر شيئا لا ليلا ولا نهارا . وهو بما قال قتادة : - من أنه المولود كذلك - أشبه ، لأن علاج مثل ذلك لا يدعيه أحد من البشر ، إلا من أعطاه الله مثل الذي أعطى عيسى ، وكذلك علاج الأبرص . القول في تأويل قوله ( وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ) قال أبو جعفر : وكان إحياء عيسى الموتى بدعاء الله ، يدعو لهم ، فيستجيب له ، كما : - 7098 - حدثني محمد بن سهل بن عسكر قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال : حدثني عبد الصمد بن مغفل : أنه سمع وهب بن منبه يقول : لما صار عيسى ابن اثنتي عشرة سنة ، أوحى الله إلى أمه وهي بأرض مصر ، وكانت هربت من قومها حين ولدته إلى أرض مصر : أن اطلعي به إلى الشام . ففعلت الذي أمرت به . فلم تزل بالشام حتى كان ابن ثلاثين سنة ، وكانت نبوته ثلاث سنين ، ثم رفعه الله إليه قال : وزعم وهب أنه ربما اجتمع على عيسى من المرضى [ ص: 432 ] في الجماعة الواحدة خمسون ألفا ، من أطاق منهم أن يبلغه بلغه ، ومن لم يطق منهم ذلك أتاه عيسى يمشي إليه ، وإنما كان يداويهم بالدعاء إلى الله . وأما قوله : " وأنبئكم بما تأكلون " فإنه يعني : وأخبركم بما تأكلون ، مما لم أعاينه وأشاهده معكم في وقت أكلكموه " وما تدخرون " يعني بذلك : وما ترفعونه فتخبأونه ولا تأكلونه . يعلمهم أن من حجته أيضا على نبوته مع المعجزات التي أعلمهم أنه يأتي بها حجة على نبوته وصدقه في خبره أن الله أرسله إليهم : من خلق الطير من الطين ، وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله ، التي لا يطيقها أحد من البشر ، إلا من أعطاه الله ذلك علما له على صدقه ، وآية له على حقيقة قوله ، من أنبيائه ورسله ، ومن أحب من خلقه إنباءه الغيب الذي لا سبيل لأحد من البشر الذين سبيلهم سبيله ، عليه . قال أبو جعفر : فإن قال قائل : وما كان في قوله لهم : " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " من الحجة له على صدقه ، وقد رأينا المتنجمة والمتكهنة تخبر بذلك كثيرا فتصيب ؟ قيل : إن المتنجم والمتكهن معلوم منهما عند من يخبرانه بذلك ، أنهما ينبئان به عن استخراج له ببعض الأسباب المؤدية إلى علمه . ولم يكن ذلك كذلك من عيسى صلوات الله عليه ومن سائر أنبياء الله ورسله ، وإنما كان عيسى يخبر به عن غير استخراج ، ولا طلب لمعرفته باحتيال ، ولكن ابتداء بإعلام الله إياه ، [ ص: 433 ] من غير أصل تقدم ذلك احتذاه ، أو بنى عليه ، أو فزع إليه ، كما يفزع المتنجم إلى حسابه ، والمتكهن إلى رئيه . فذلك هو الفصل بين علم الأنبياء بالغيوب وإخبارهم عنها ، وبين علم سائر المتكذبة على الله ، أو المدعية علم ذلك ، كما : - 7099 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما بلغ عيسى تسع سنين أو عشرا أو نحو ذلك ، أدخلته أمه الكتاب ، فيما يزعمون . فكان عند رجل من المكتبيين يعلمه كما يعلم الغلمان ، فلا يذهب يعلمه شيئا مما يعلمه الغلمان إلا بدره إلى علمه قبل أن يعلمه إياه ، فيقول : ألا تعجبون لابن هذه الأرملة ، ما أذهب أعلمه شيئا إلا وجدته أعلم به مني ! ! 7100 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : لما كبر عيسى أسلمته أمه يتعلم التوراة ، فكان يلعب مع الغلمان غلمان القرية التي كان فيها ، فيحدث الغلمان بما يصنع آباؤهم . 7101 - حدثني يعقوب بن إبراهيم . قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم ، عن سعيد بن جبير في قوله : " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " قال : كان عيسى ابن مريم ، إذ كان في الكتاب ، يخبرهم بما يأكلون في بيوتهم وما يدخرون . 7102 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم قال : سمعت سعيد بن جبير يقول : " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ، قال : إن عيسى ابن مريم كان يقول للغلام في الكتاب : [ ص: 434 ] " يا فلان ، إن أهلك قد خبأوا لك كذا وكذا من الطعام ، فتطعمني منه " ؟ قال أبو جعفر : فهكذا فعل الأنبياء وحججها ، إنما تأتي بما أتت به من الحجج بما قد يوصل إليه ببعض الحيل ، على غير الوجه الذي يأتي به غيرها ، بل من الوجه الذي يعلم الخلق أنه لا يوصل إليه من ذلك الوجه بحيلة إلا من قبل الله . وبنحو ما قلناه في تأويل قوله : " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 7103 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " قال : بما أكلتم البارحة ، وما خبأتم منه عيسى ابن مريم يقوله . 7104 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . 7105 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عطاء بن أبي رباح - يعني قوله : " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " - قال : الطعام والشيء يدخرونه في بيوتهم ، غيبا علمه الله إياه . 7106 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " قال : " ما تأكلون " ما أكلتم البارحة من طعام ، وما خبأتم منه . 7107 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : كان - يعني عيسى ابن مريم - يحدث الغلمان وهو معهم في الكتاب بما يصنع آباؤهم ، وبما يرفعون لهم ، وبما يأكلون . ويقول للغلام : [ ص: 435 ] " انطلق ، فقد رفع لك أهلك كذا وكذا ، وهم يأكلون كذا وكذا " فينطلق الصبي فيبكي على أهله حتى يعطوه ذلك الشيء . فيقولون له : من أخبرك بهذا ؟ فيقول : عيسى ! فذلك قول الله - عز وجل - : " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " فحبسوا صبيانهم عنه ، وقالوا : لا تلعبوا مع هذا الساحر ! فجمعوهم في بيت ، فجاء عيسى يطلبهم ، فقالوا : ليس هم هاهنا ، فقال : ما في هذا البيت ؟ فقالوا : خنازير . قال عيسى : كذلك يكونون ! ففتحوا عنهم ، فإذا هم خنازير . فذلك قوله : ( على لسان داود وعيسى ابن مريم ) [ سورة المائدة : 78 ] . 7108 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " وما تدخرون في بيوتكم " قال : ما تخبأون مخافة الذي يمسك أن يخلفه . وقال آخرون : إنما عنى بقوله : " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " ما تأكلون من المائدة التي تنزل عليكم ، وما تدخرون منها . ذكر من قال ذلك : 7109 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " فكان القوم لما سألوا المائدة فكانت خوانا ينزل عليه أينما كانوا ثمرا من ثمار الجنة ، فأمر القوم أن [ ص: 436 ] لا يخونوا فيه ولا يخبأوا ولا يدخروا لغد ، بلاء ابتلاهم الله به . فكانوا إذا فعلوا من ذلك شيئا أنبأهم به عيسى ابن مريم ، فقال : " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " . 7110 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون " قال : أنبئكم بما تأكلون من المائدة وما تدخرون منها . قال : فكان أخذ عليهم في المائدة حين نزلت : أن يأكلوا ولا يدخروا ، فادخروا وخانوا ، فجعلوا خنازير حين ادخروا وخانوا ، فذلك قوله : ( فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) [ سورة المائدة : 115 ] . قال ابن يحيى قال : عبد الرزاق قال : معمر ، عن قتادة ، عن خلاس بن عمرو ، عن عمار بن ياسر ، ذلك . وأصل " يدخرون " من " الفعل " " يفتعلون " من قول القائل : " ذخرت الشيء " بالذال ، " فأنا أذخره " . ثم قيل : " يدخر " كما قيل : " يدكر " من : " ذكرت الشيء " يراد به " يذتخر " . فلما اجتمعت " الذال " و " التاء " وهما متقاربتا المخرج ، ثقل إظهارهما على اللسان ، فأدغمت إحداهما في الأخرى ، وصيرتا " دالا " مشددة ، صيروها عدلا بين " الذال " و " التاء " . ومن العرب من يغلب " الذال " على " التاء " فيدغم " التاء " في " الذال " فيقول : وما تذخرون " " وهو مذخر لك " " وهو مذكر " . واللغة التي بها القراءة ، الأولى ، وذلك إدغام " الذال " في " التاء " وإبدالهما [ ص: 437 ] " دالا " مشددة . لا يجوز القراءة بغيرها ، لتظاهر النقل من القرأة بها ، وهي اللغة الجودى ، كما قال زهير : إن الكريم الذي يعطيك نائله عفوا ، ويظلم أحيانا فيظلم يروى " بالظاء " يريد : " فيفتعل " من " الظلم " ويروى " بالطاء " أيضا .القول في تأويل قوله ( إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ( 49 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : إن في خلقي من الطين الطير بإذن الله ، وفي إبرائي الأكمه والأبرص ، وإحيائي الموتى ، وإنبائي إياكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ، ابتداء من غير حساب وتنجيم ، ولا كهانة وعرافة لعبرة لكم ومتفكرا ، تتفكرون في ذلك فتعتبرون به أني محق في قولي لكم : " إني رسول من ربكم إليكم " وتعلمون به أني فيما أدعوكم إليه من أمر الله ونهيه صادق " إن كنتم مؤمنين " يعني : إن كنتم مصدقين حجج الله وآياته ، مقرين بتوحيده ، وبنبيه موسى والتوراة التي جاءكم بها .
__________________
|
#408
|
||||
|
||||
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (408) صــ 438 إلى صــ 452 [ ص: 438 ] القول في تأويل قوله ( ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وبأني قد جئتكم بآية من ربكم ، وجئتكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ، ولذلك نصب " مصدقا " على الحال من " جئتكم " . والذي يدل على أنه نصب على قوله : " وجئتكم " دون العطف على قوله : " وجيها " قوله : " لما بين يدي من التوراة " . ولو كان عطفا على قوله " وجيها " لكان الكلام : ومصدقا لما بين يديه من التوراة ، وليحل لكم بعض الذي حرم عليكم . وإنما قيل : " ومصدقا لما بين يدي من التوراة " لأن عيسى صلوات الله عليه ، كان مؤمنا بالتوراة مقرا بها ، وأنها من عند الله . وكذلك الأنبياء كلهم ، يصدقون بكل ما كان قبلهم من كتب الله ورسله ، وإن اختلف بعض شرائع أحكامهم ، لمخالفة الله بينهم في ذلك . مع أن عيسى كان - فيما بلغنا - عاملا بالتوراة لم يخالف شيئا من أحكامها ، إلا ما خفف الله عن أهلها في الإنجيل ، مما كان مشددا عليهم فيها ، كما : - 7111 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الكريم قال : حدثني عبد الصمد بن معقل : أنه سمع وهب بن منبه يقول : إن عيسى كان على شريعة موسى - صلى الله عليه وسلم - ، وكان يسبت ، ويستقبل بيت المقدس ، فقال لبني إسرائيل : إني لم أدعكم إلى خلاف حرف مما في التوراة ، إلا لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ، وأضع عنكم من الآصار . [ ص: 439 ] 7112 - حدثني بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم " كان الذي جاء به عيسى ألين مما جاء به موسى ، وكان قد حرم عليهم فيما جاء به موسى لحوم الإبل والثروب ، وأشياء من الطير والحيتان . 7113 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم " قال : كان الذي جاء به عيسى ألين من الذي جاء به موسى . قال : وكان حرم عليهم فيما جاء به موسى من التوراة ، لحوم الإبل والثروب ، فأحلها لهم على لسان عيسى - وحرمت عليهم الشحوم ، وأحلت لهم فيما جاء به عيسى - وفي أشياء من السمك ، وفي أشياء من الطير مما لا صيصية له ، وفي أشياء حرمها عليهم ، وشددها عليهم ، فجاءهم عيسى بالتخفيف منه في الإنجيل ، فكان الذي جاء به عيسى ألين من الذي جاء به موسى صلوات الله عليه . 7114 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم " قال : لحوم الإبل والشحوم . لما بعث عيسى أحلها لهم ، وبعث إلى اليهود فاختلفوا وتفرقوا . 7115 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن [ ص: 440 ] جعفر بن الزبير : " ومصدقا لما بين يدي من التوراة " أي : لما سبقني منها - " ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم " أي : أخبركم أنه كان حراما عليكم فتركتموه ، ثم أحله لكم تخفيفا عنكم ، فتصيبون يسره ، وتخرجون من تباعته . 7116 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن : " ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم " قال : كان حرم عليهم أشياء ، فجاءهم عيسى ليحل لهم الذي حرم عليهم ، يبتغي بذلك شكرهم . القول في تأويل قوله ( وجئتكم بآية من ربكم ) قال أبو جعفر : يعني بذلك : وجئتكم بحجة وعبرة من ربكم ، تعلمون بها حقيقة ما أقول لكم . كما : - 7117 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وجئتكم بآية من ربكم " قال : ما بين لهم عيسى من الأشياء كلها ، وما أعطاه ربه . 7118 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وجئتكم بآية من ربكم " ما بين لهم عيسى من الأشياء كلها . ويعني بقوله : " من ربكم " من عند ربكم . [ ص: 441 ] القول في تأويل قوله ( فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ( 51 ) ( 50 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك : وجئتكم بآية من ربكم تعلمون بها يقينا صدقي فيما أقول " فاتقوا الله " يا معشر بني إسرائيل ، فيما أمركم به ونهاكم عنه في كتابه الذي أنزله على موسى ، فأوفوا بعهده الذي عاهدتموه فيه " وأطيعون " فيما دعوتكم إليه من تصديقي فيما أرسلني به إليكم ربي وربكم ، فاعبدوه ، فإنه بذلك أرسلني إليكم ، وبإحلال بعض ما كان محرما عليكم في كتابكم ، وذلك هو الطريق القويم ، والهدى المتين الذي لا اعوجاج فيه ، كما : - 7119 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم " تبريا من الذي يقولون فيه - يعني : ما يقول فيه النصارى - واحتجاجا لربه عليهم " فاعبدوه هذا صراط مستقيم " أي : هذا الذي قد حملتكم عليه وجئتكم به . قال أبو جعفر : واختلفت القرأة في قراءة قوله : " إن الله ربي وربكم فاعبدوه " . فقرأته عامة قرأة الأمصار : ( إن الله ربي وربكم فاعبدوه ) بكسر " ألف " " إن " على ابتداء الخبر . وقرأه بعضهم : ( أن الله ربي وربكم ) ، بفتح " ألف " " إن " بتأويل : [ ص: 442 ] وجئتكم بآية من ربكم ، أن الله ربي وربكم ، على رد " أن " على " الآية " والإبدال منها . قال أبو جعفر : والصواب من القراءة عندنا ما عليه قرأة الأمصار ، وذلك كسر ألف " إن " على الابتداء ، لإجماع الحجة من القرأة على صحة ذلك . وما اجتمعت عليه فحجة ، وما انفرد به المنفرد عنها فرأي . ولا يعترض بالرأي على الحجة . وهذه الآية وإن كان ظاهرها خبرا ، ففيه الحجة البالغة من الله لرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - على الوفد الذين حاجوه من أهل نجران ، بإخبار الله - عز وجل - عن أن عيسى كان بريئا مما نسبه إليه من نسبه إلى غير الذي وصف به نفسه ، من أنه لله عبد كسائر عبيده من أهل الأرض ، إلا ما كان الله - جل ثناؤه - خصه به من النبوة والحجج التي آتاه دليلا على صدقه - كما آتى سائر المرسلين غيره من الأعلام والأدلة على صدقهم - وحجة على نبوته . القول في تأويل قوله ( فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ( 52 ) ) قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " فلما أحس عيسى منهم الكفر " فلما وجد عيسى منهم الكفر . [ ص: 443 ] " والإحساس " هو الوجود ، ومنه قول الله - عز وجل - : ( هل تحس منهم من أحد ) [ سورة مريم : 98 ] . فأما " الحس " بغير " ألف " فهو الإفناء والقتل ، ومنه قوله : ( إذ تحسونهم بإذنه ) [ سورة آل عمران : 152 ] . " والحس " أيضا العطف والرقة ، ومنه قول الكميت : هل من بكى الدار راج أن تحس له ، أو يبكي الدار ماء العبرة الخضل ؟ يعني بقوله : " أن تحس له " أن ترق له . فتأويل الكلام : فلما وجد عيسى - من بني إسرائيل الذين أرسله الله إليهم - جحودا لنبوته ، وتكذيبا لقوله ، وصدا عما دعاهم إليه من أمر الله ، قال : " من أنصاري إلى الله " ؟ ، يعني بذلك : قال عيسى : من أعواني على المكذبين بحجة الله ، والمولين عن دينه ، والجاحدين نبوة نبيه ، " إلى الله " - عز وجل - ؟ ويعني بقوله : " إلى الله " مع الله . وإنما حسن أن يقال : " إلى الله " بمعنى : مع الله ، لأن من شأن العرب إذا ضموا الشيء إلى غيره ، ثم أرادوا الخبر عنهما بضم أحدهما مع الآخر إذا ضم إليه ، جعلوا مكان " مع " " إلى " أحيانا ، وأحيانا تخبر عنهما ب " مع " فتقول : " الذود إلى الذود إبل " بمعنى : إذا ضممت الذود إلى الذود صارت إبلا . فأما إذا كان الشيء مع الشيء لم يقولوه ب " إلى " ولم يجعلوا مكان " مع " " إلى " . [ ص: 444 ] غير جائز أن يقال : " قدم فلان وإليه مال " بمعنى : ومعه مال . وبمثل ما قلنا في تأويل قوله : " من أنصاري إلى الله " ، قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 7120 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " من أنصاري إلى الله " يقول : مع الله . 7121 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " من أنصاري إلى الله " يقول : مع الله . وأما سبب استنصار عيسى عليه السلام من استنصر من الحواريين ، فإن بين أهل العلم فيه اختلافا . فقال بعضهم : كان سبب ذلك ما : - 7122 - حدثني به موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : لما بعث الله عيسى ، فأمره بالدعوة ، نفته بنو إسرائيل وأخرجوه ، فخرج هو وأمه يسيحون في الأرض . فنزل في قرية على رجل فضافهم وأحسن إليهم . وكان لتلك المدينة ملك جبار معتد ، فجاء ذلك الرجل يوما وقد وقع عليه هم وحزن ، فدخل منزله ومريم عند امرأته . فقالت مريم لها : ما شأن زوجك ؟ أراه حزينا ! قالت : لا تسألي ! قالت : أخبريني ! لعل الله يفرج كربته ! قالت : فإن لنا ملكا يجعل على كل رجل منا يوما يطعمه هو وجنوده [ ص: 445 ] ويسقيهم من الخمر ، فإن لم يفعل عاقبه ، وإنه قد بلغت نوبته اليوم الذي يريد أن نصنع له فيه ، وليس لذلك عندنا سعة ! قالت : فقولي له لا يهتم ، فإني آمر ابني فيدعو له ، فيكفى ذلك . قالت مريم لعيسى في ذلك ، قال عيسى : يا أمه ، إني إن فعلت كان في ذلك شر . قالت : فلا تبال ، فإنه قد أحسن إلينا وأكرمنا ! قال عيسى : فقولي له : إذا اقترب ذلك ، فاملأ قدورك وخوابيك ماء ، ثم أعلمني . قال : فلما ملأهن أعلمه ، فدعا الله ، فتحول ما في القدور لحما ومرقا وخبزا ، وما في الخوابي خمرا لم ير الناس مثله قط وإياه طعاما . فلما جاء الملك أكل ، فلما شرب الخمر سأل : من أين هذه الخمر ؟ قال له : هي من أرض كذا وكذا . قال الملك : فإن خمري أوتى بها من تلك الأرض ، فليس هي مثل هذه ! قال : هي من أرض أخرى . فلما خلط على الملك اشتد عليه ، قال : فأنا أخبرك ، عندي غلام لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ، وإنه دعا الله ، فجعل الماء خمرا . قال الملك وكان له ابن يريد أن يستخلفه ، فمات قبل ذلك بأيام ، وكان أحب الخلق إليه فقال : إن رجلا دعا الله حتى جعل الماء خمرا ، ليستجابن له حتى يحيي ابني ! فدعا عيسى فكلمه ، فسأله أن يدعو الله فيحيي ابنه ، فقال عيسى : لا تفعل ، فإنه إن عاش كان شرا . فقال الملك : لا أبالي ، أليس أراه ، فلا أبالي ما كان . فقال عيسى عليه السلام : فإن أحييته تتركوني أنا وأمي نذهب أينما شئنا ؟ قال الملك : نعم . فدعا الله فعاش الغلام . فلما رآه أهل [ ص: 446 ] مملكته قد عاش ، تنادوا بالسلاح وقالوا : أكلنا هذا ، حتى إذا دنا موته يريد أن يستخلف ابنه ، فيأكلنا كما أكلنا أبوه ! ! فاقتتلوا ، وذهب عيسى وأمه ، وصحبهما يهودي ، وكان مع اليهودي رغيفان ، ومع عيسى رغيف ، فقال له عيسى : شاركني . فقال اليهودي : نعم . فلما رأى أنه ليس مع عيسى إلا رغيف ندم ، فلما ناما جعل اليهودي يريد أن يأكل الرغيف ، فلما أكل لقمة قال له عيسى : ما تصنع ؟ فيقول : لا شيء ! فيطرحها ، حتى فرغ من الرغيف كله . فلما أصبحا قال له عيسى : هلم طعامك ! فجاء برغيف ، فقال له عيسى : أين الرغيف الآخر ؟ قال : ما كان معي إلا واحد . فسكت عنه عيسى ، فانطلقوا ، فمروا براعي غنم ، فنادى عيسى : يا صاحب الغنم ، أجزرنا شاة من غنمك . قال : نعم ، أرسل صاحبك يأخذها . فأرسل عيسى اليهودي ، فجاء بالشاة فذبحوها وشووها ، ثم قال لليهودي : كل ، ولا تكسرن عظما . فأكلا . فلما شبعوا ، قذف عيسى العظام في الجلد ، ثم ضربها بعصاه وقال : قومي بإذن الله ! فقامت الشاة تثغو ، فقال : يا صاحب الغنم ، خذ شاتك . فقال له الراعي : من أنت ؟ فقال : أنا عيسى ابن مريم . قال : أنت الساحر ! وفر منه . قال : عيسى لليهودي : بالذي أحيى هذه الشاة بعدما أكلناها ، كم كان معك رغيفا ؟ فحلف ما كان معه إلا رغيف واحد ، فمروا بصاحب بقر ، فنادى عيسى فقال : يا صاحب البقر ، أجزرنا من بقرك هذه عجلا . قال : ابعث صاحبك يأخذه . قال : انطلق يا يهودي فجئ به . فانطلق فجاء به . فذبحه وشواه وصاحب البقر ينظر ، فقال له عيسى : كل ولا تكسرن عظما . فلما فرغوا ، قذف العظام في الجلد ثم ضربه بعصاه ، وقال : قم بإذن الله . فقام وله خوار ، قال : خذ [ ص: 447 ] عجلك . قال : ومن أنت ؟ قال : أنا عيسى . قال : أنت السحار ! ثم فر منه . قال اليهودي : يا عيسى أحييته بعد ما أكلناه ! قال عيسى : فبالذي أحيا الشاة بعد ما أكلناها ، والعجل بعد ما أكلناه ، كم كان معك رغيفا ؟ فحلف بالله ما كان معه إلا رغيف واحد . فانطلقا ، حتى نزلا قرية ، فنزل اليهودي أعلاها وعيسى في أسفلها ، وأخذ اليهودي عصا مثل عصا عيسى وقال : أنا الآن أحيي الموتى ! وكان ملك تلك المدينة مريضا شديد المرض ، فانطلق اليهودي ينادي : من يبتغي طبيبا ؟ حتى أتى ملك تلك القرية ، فأخبر بوجعه ، فقال : أدخلوني عليه فأنا أبرئه ، وإن رأيتموه قد مات فأنا أحييه . فقيل له : إن وجع الملك قد أعيى الأطباء قبلك ، ليس من طبيب يداويه ولا يفيء دواؤه شيئا إلا أمر به فصلب . قال : أدخلوني عليه ، فإني سأبرئه . فأدخل عليه فأخذ برجل الملك فضربه بعصاه حتى مات ، فجعل يضربه بعصاه وهو ميت ويقول : قم بإذن الله ! فأخذ ليصلب ، فبلغ عيسى ، فأقبل إليه وقد رفع على الخشبة ، فقال : أرأيتم إن أحييت لكم صاحبكم ، أتتركون لي صاحبي ؟ قالوا : نعم . فأحيى الله الملك لعيسى ، فقام وأنزل اليهودي فقال : يا عيسى أنت أعظم الناس علي منة ، والله لا أفارقك أبدا . قال عيسى فيما حدثنا به محمد بن الحسين بن موسى قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي لليهودي : أنشدك بالذي أحيى الشاة والعجل بعد ما أكلناهما ، وأحيى هذا بعد ما مات ، وأنزلك من الجذع بعد ما رفعت عليه لتصلب ، كم كان معك رغيفا ؟ قال : فحلف بهذا كله ما كان معه إلا رغيف واحد ، قال : لا بأس ! فانطلقا ، حتى مرا على كنز قد حفرته السباع والدواب ، فقال اليهودي : يا عيسى ، لمن هذا المال ؟ قال عيسى : دعه ، فإن له أهلا يهلكون عليه . فجعلت نفس اليهودي تطلع [ ص: 448 ] إلى المال ، ويكره أن يعصى عيسى ، فانطلق مع عيسى . ومر بالمال أربعة نفر ، فلما رأوه اجتمعوا عليه ، فقال : اثنان لصاحبيهما : انطلقا فابتاعا لنا طعاما وشرابا ودوابا نحمل عليها هذا المال . فانطلق الرجلان فابتاعا دوابا وطعاما وشرابا ، وقال أحدهما لصاحبه : هل لك أن نجعل لصاحبينا في طعامهما سما ، فإذا أكلا ماتا ، فكان المال بيني وبينك ، فقال الآخر : نعم ! ففعلا . وقال الآخران : إذا ما أتيانا بالطعام ، فليقم كل واحد إلى صاحبه فيقتله ، فيكون الطعام والدواب بيني وبينك . فلما جاءا بطعامهما قاما فقتلاهما ، ثم قعدا على الطعام فأكلا منه ، فماتا . وأعلم ذلك عيسى ، فقال لليهودي : أخرجه حتى نقتسمه ، فأخرجه ، فقسمه عيسى بين ثلاثة ، فقال اليهودي : يا عيسى ، اتق الله ولا تظلمني ، فإنما هو أنا وأنت ! ! وما هذه الثلاثة ؟ قال له عيسى : هذا لي ، وهذا لك ، وهذا الثلث لصاحب الرغيف . قال اليهودي : فإن أخبرتك بصاحب الرغيف ، تعطيني هذا المال ؟ فقال عيسى : نعم . قال : أنا هو . قال : عيسى : خذ حظي وحظك وحظ صاحب الرغيف ، فهو حظك من الدنيا والآخرة . فلما حمله مشى به شيئا ، فخسف به . وانطلق عيسى ابن مريم ، فمر بالحواريين وهم يصطادون السمك ، فقال : ما تصنعون ؟ فقالوا : نصطاد السمك . فقال : أفلا تمشون حتى نصطاد الناس ؟ قالوا : ومن أنت ؟ قال : أنا عيسى ابن مريم ، فآمنوا به وانطلقوا معه . فذلك قول الله - عز وجل - : " من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون " . [ ص: 449 ] 7122 م - حدثنا محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد بن منصور ، عن الحسن في قوله : " فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله ، الآية قال : استنصر فنصره الحواريون ، وظهر عليهم . وقال آخرون : كان سبب استنصار عيسى من استنصر ، لأن من استنصر الحواريين عليه كانوا أرادوا قتله . ذكر من قال ذلك : 7123 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : " فلما أحس عيسى منهم الكفر " قال : كفروا وأرادوا قتله ، فذلك حين استنصر قومه " قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله " . " والأنصار " جمع " نصير " كما " الأشراف " جمع " شريف " " والأشهاد " جمع " شهيد " . وأما " الحواريون " فإن أهل التأويل اختلفوا في السبب الذي من أجله سموا " حواريون " . فقال بعضهم : سموا بذلك لبياض ثيابهم . ذكر من قال ذلك : 7124 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال : مما روى أبي قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن ميسرة ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير قال : إنما سموا " الحواريين " ببياض ثيابهم . [ ص: 450 ] وقال آخرون : سموا بذلك : لأنهم كانوا قصارين يبيضون الثياب . ذكر من قال ذلك : 7125 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن أبي أرطأة قال : " الحواريون " الغسالون الذين يحورون الثياب ، يغسلونها . وقال آخرون : هم خاصة الأنبياء وصفوتهم . ذكر من قال ذلك : 7126 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن روح بن القاسم ، أن قتادة ذكر رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : كان من الحواريين . فقيل له : من الحواريون ؟ قال : الذين تصلح لهم الخلافة . 7127 - حدثت عن المنجاب قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا بشر ، عن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك في قوله : " إذ قال الحواريون " قال : أصفياء الأنبياء . قال أبو جعفر : وأشبه الأقوال التي ذكرنا في معنى " الحواريين " قول من قال : " سموا بذلك لبياض ثيابهم ، ولأنهم كانوا غسالين " . وذلك أن " الحور " عند العرب شدة البياض ، ولذلك سمي " الحوارى " من الطعام " حوارى " لشدة بياضه ، ومنه قيل للرجل الشديد البياض مقلة العينين " أحور " وللمرأة " حوراء " . وقد يجوز أن يكون حواريو عيسى كانوا سموا بالذي ذكرنا ، من تبييضهم الثياب ، وأنهم كانوا قصارين ، فعرفوا بصحبة عيسى ، واختياره إياهم لنفسه أصحابا وأنصارا ، فجرى ذلك الاسم لهم ، واستعمل ، [ ص: 451 ] حتى صار كل خاصة للرجل من أصحابه وأنصاره : " حواريه " ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - . 7128 - " إن لكل نبي حواريا ، وحواري الزبير " . يعني خاصته . وقد تسمي العرب النساء اللواتي مساكنهن القرى والأمصار " حواريات " وإنما سمين بذلك لغلبة البياض عليهن ، ومن ذلك قول أبي جلدة اليشكري : فقل للحواريات يبكين غيرنا ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح ويعني بقوله : " قال الحواريون " قال هؤلاء الذين صفتهم ما ذكرنا ، من تبييضهم الثياب : " آمنا بالله " صدقنا بالله ، واشهد أنت يا عيسى بأننا مسلمون . قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله - عز وجل - أن الإسلام دينه الذي ابتعث به [ ص: 452 ] عيسى والأنبياء قبله ، لا النصرانية ولا اليهودية وتبرئة من الله لعيسى ممن انتحل النصرانية ودان بها ، كما برأ إبراهيم من سائر الأديان غير الإسلام ، وذلك احتجاج من الله تعالى ذكره لنبيه - صلى الله عليه وسلم - على وفدنجران ، كما : - 7129 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " فلما أحس عيسى منهم الكفر " والعدوان " قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله " وهذا قولهم الذي أصابوا به الفضل من ربهم " واشهد بأنا مسلمون " لا كما يقول هؤلاء الذين يحاجونك فيه - يعني وفد نصارى نجران . القول في تأويل قوله ( ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ( 53 ) ) قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله - عز وجل - عن الحواريين أنهم قالوا : " ربنا آمنا " أي : صدقنا " بما أنزلت " يعني : بما أنزلت على نبيك عيسى من كتابك " واتبعنا الرسول " يعني بذلك : صرنا أتباع عيسى على دينك الذي ابتعثته به ، وأعوانه على الحق الذي أرسلته به إلى عبادك وقوله : " فاكتبنا مع الشاهدين " يقول : فأثبت أسماءنا مع أسماء الذين شهدوا بالحق ، وأقروا لك بالتوحيد ، وصدقوا رسلك ، واتبعوا أمرك ونهيك ، فاجعلنا في عدادهم ومعهم فيما تكرمهم به من كرامتك ، وأحلنا محلهم ، ولا تجعلنا ممن كفر بك ، وصد عن سبيلك ، وخالف أمرك ونهيك .
__________________
|
#409
|
||||
|
||||
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (409) صــ 453 إلى صــ 467 [ ص: 453 ] يعرف خلقه - جل ثناؤه - بذلك سبيل الذين رضي أقوالهم وأفعالهم ، ليحتذوا طريقهم ، ويتبعوا منهاجهم ، فيصلوا إلى مثل الذي وصلوا إليه من درجات كرامته ويكذب بذلك الذين انتحلوا من الملل غير الحنيفية المسلمة ، في دعواهم على أنبياء الله أنهم كانوا على غيرها ويحتج به على الوفد الذين حاجوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجران : بأن قيل من رضي الله عنه من أتباع عيسى كان خلاف قيلهم ، ومنهاجهم غير منهاجهم ، كما : - 7130 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين " أي : هكذا كان قولهم وإيمانهم . القول في تأويل قوله ( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ( 54 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : ومكر الذين كفروا من بني إسرائيل ، وهم الذين ذكر الله أن عيسى أحس منهم الكفر . وكان مكرهم الذي وصفهم الله به ، مواطأة بعضهم بعضا على الفتك بعيسى وقتله ، وذلك أن عيسى صلوات الله عليه ، بعد إخراج قومه إياه وأمه من بين أظهرهم ، عاد إليهم ، فيما : - 7131 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ثم إن عيسى سار بهم يعني : بالحواريين الذين كانوا [ ص: 454 ] يصطادون السمك ، فآمنوا به واتبعوه إذ دعاهم حتى أتى بني إسرائيل ليلا فصاح فيهم ، فذلك قوله : ( فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ) الآية [ سورة الصف : 14 ] . وأما مكر الله بهم : فإنه - فيما ذكر السدي - إلقاؤه شبه عيسى على بعض أتباعه حتى قتله الماكرون بعيسى ، وهم يحسبونه عيسى ، وقد رفع الله - عز وجل - عيسى قبل ذلك ، كما : - 7132 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ثم إن بني إسرائيل حصروا عيسى وتسعة عشر رجلا من الحواريين في بيت ، فقال عيسى لأصحابه : من يأخذ صورتي فيقتل وله الجنة ؟ فأخذها رجل منهم ، وصعد بعيسى إلى السماء ، فذلك قوله : " ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين " . فلما خرج الحواريون أبصروهم تسعة عشر ، فأخبروهم أن عيسى قد صعد به إلى السماء ، فجعلوا يعدون القوم فيجدونهم ينقصون رجلا من العدة ، ويرون صورة عيسى فيهم ، فشكوا فيه . وعلى ذلك قتلوا الرجل وهم يرون أنه عيسى وصلبوه ، فذلك قول الله - عز وجل - : ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ) [ سورة النساء : 157 ] . وقد يحتمل أن يكون معنى " مكر الله بهم " ، استدراجه إياهم ليبلغ الكتاب أجله ، كما قد بينا ذلك في قول الله : ( الله يستهزئ بهم ) [ سورة البقرة : 15 ] . [ ص: 455 ] القول في تأويل قوله ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : ومكر الله بالقوم الذين حاولوا قتل عيسى مع كفرهم بالله ، وتكذيبهم عيسى فيما أتاهم به من عند ربهم إذ قال الله - جل ثناؤه - : " إني متوفيك " ف " إذ " صلة من قوله : " ومكر الله " يعني : ومكر الله بهم حين قال الله لعيسى " إني متوفيك ورافعك إلي ، فتوفاه ورفعه إليه . ثم اختلف أهل التأويل في معنى " الوفاة " التي ذكرها الله - عز وجل - في هذه الآية . فقال بعضهم : " هي وفاة نوم " وكان معنى الكلام على مذهبهم : إني منيمك ورافعك في نومك . ذكر من قال ذلك : 7133 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " إني متوفيك " قال : يعني وفاة المنام ، رفعه الله في منامه قال الحسن : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لليهود : " إن عيسى لم يمت ، وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة . وقال آخرون : معنى ذلك : إني قابضك من الأرض ، فرافعك إلي ، قالوا : ومعنى " الوفاة " القبض ، لما يقال : " توفيت من فلان مالي عليه " بمعنى : قبضته واستوفيته . قالوا : فمعنى قوله : " إني متوفيك ورافعك " أي : قابضك من [ ص: 456 ] الأرض حيا إلى جواري ، وآخذك إلى ما عندي بغير موت ، ورافعك من بين المشركين وأهل الكفر بك . ذكر من قال ذلك : 7134 - حدثنا علي بن سهل قال : حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب ، عن مطر الوراق في قول الله : " إني متوفيك " قال : متوفيك من الدنيا ، وليس بوفاة موت . 7135 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن في قوله : " إني متوفيك " قال : متوفيك من الأرض . 7136 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا " قال : فرفعه إياه إليه ، توفيه إياه ، وتطهيره من الذين كفروا . 7137 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح : أن كعب الأحبار قال : ما كان الله - عز وجل - ليميت عيسى ابن مريم ، إنما بعثه الله داعيا ومبشرا يدعو إليه وحده ، فلما رأى عيسى قلة من اتبعه وكثرة من كذبه ، شكا ذلك إلى الله - عز وجل - ، فأوحى الله إليه : " إني متوفيك ورافعك إلي " وليس من رفعته عندي ميتا ، وإني سأبعثك على الأعور الدجال فتقتله ، ثم تعيش بعد ذلك أربعا وعشرين سنة ، ثم أميتك ميتة الحي . قال كعب الأحبار : وذلك يصدق حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث [ ص: 457 ] قال : كيف تهلك أمة أنا في أولها ، وعيسى في آخرها . 7138 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " يا عيسى إني متوفيك " أي قابضك . 7139 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " إني متوفيك ورافعك إلي " قال : " متوفيك " : قابضك قال : " ومتوفيك " و " رافعك " واحد قال : ولم يمت بعد ، حتى يقتل الدجال ، وسيموت . وقرأ قول الله - عز وجل - : " ويكلم الناس في المهد وكهلا " قال : رفعه الله إليه قبل أن يكون كهلا قال : وينزل كهلا . 7140 - حدثنا محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قول الله - عز وجل - : " يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي " الآية كلها ، قال : رفعه الله إليه ، فهو عنده في السماء . وقال آخرون : معنى ذلك : إني متوفيك وفاة موت . ذكر من قال ذلك : 7141 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " إني متوفيك " يقول : إني مميتك . 7142 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عمن لا يتهم ، عن وهب بن منبه اليماني أنه قال : توفى الله عيسى ابن مريم ثلاث ساعات من النهار حتى رفعه إليه . [ ص: 458 ] 7143 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : والنصارى يزعمون أنه توفاه سبع ساعات من النهار ، ثم أحياه الله . وقال آخرون : معنى ذلك : إذ قال الله يا عيسى إني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ، ومتوفيك بعد إنزالي إياك إلى الدنيا . وقال : هذا من المقدم الذي معناه التأخير ، والمؤخر الذي معناه التقديم . قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا ، قول من قال : " معنى ذلك : إني قابضك من الأرض ورافعك إلي " لتواتر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال ، ثم يمكث في الأرض مدة ذكرها ، اختلفت الرواية في مبلغها ، ثم يموت فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه . 7144 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن حنظلة بن علي الأسلمي ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ليهبطن الله عيسى ابن مريم حكما عدلا وإماما مقسطا ، يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يجد من يأخذه ، وليسلكن الروحاء حاجا أو معتمرا ، أو ليثنين بهما جميعا . [ ص: 459 ] 7145 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن الحسن بن دينار ، عن قتادة ، عن عبد الرحمن بن آدم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الأنبياء إخوة لعلات ، أمهاتهم شتى ، ودينهم واحد . وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم ، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي ، وأنه خليفتي على أمتي . وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه : فإنه رجل مربوع الخلق ، إلى الحمرة والبياض ، سبط الشعر ، كأن شعره يقطر ، وإن لم يصبه بلل ، بين ممصرتين ، يدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويفيض المال ، ويقاتل الناس على الإسلام حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها ، ويهلك الله في زمانه مسيح الضلالة الكذاب الدجال وتقع في الأرض الأمنة حتى ترتع الأسود مع الإبل ، والنمر مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، وتلعب الغلمان بالحيات ، لا يضر بعضهم بعضا ، فيثبت في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ، ويصلي المسلمون عليه ويدفنونه . [ ص: 460 ] قال أبو جعفر : ومعلوم أنه لو كان قد أماته الله - عز وجل - ، لم يكن بالذي يميته ميتة أخرى ، فيجمع عليه ميتتين ، لأن الله - عز وجل - إنما أخبر عباده أنه يخلقهم ثم يميتهم ثم يحييهم ، كما قال - جل ثناؤه - : ( الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء ) [ سورة الروم : 40 ] . [ ص: 461 ] فتأويل الآية إذا : قال الله لعيسى : يا عيسى ، إني قابضك من الأرض ، ورافعك إلي ، ومطهرك من الذين كفروا فجحدوا نبوتك . وهذا الخبر ، وإن كان مخرجه مخرج خبر ، فإن فيه من الله - عز وجل - احتجاجا على الذين حاجوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عيسى من وفد نجران بأن عيسى لم يقتل ولم يصلب كما زعموا ، وأنهم واليهود الذين أقروا بذلك وادعوا على عيسى - كذبة في دعواهم وزعمهم ، كما : - 7146 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : ثم أخبرهم - يعني الوفد من نجران - ورد عليهم فيما أقروا لليهود بصلبه ، كيف رفعه وطهره منهم ، فقال : " إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي " . وأما " مطهرك من الذين كفروا " فإنه يعني : منظفك ، فمخلصك ممن كفر بك ، وجحد ما جئتهم به من الحق من اليهود وسائر الملل غيرها ، كما : - 7147 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " ومطهرك من الذين كفروا ، قال : إذ هموا منك بما هموا . 7148 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، [ ص: 462 ] عن الحسن في قوله : " ومطهرك من الذين كفروا " قال : طهره من اليهود والنصارى والمجوس ومن كفار قومه . القول في تأويل قوله - عز وجل - ( وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وجاعل الذين اتبعوك على منهاجك وملتك من الإسلام وفطرته ، فوق الذين جحدوا نبوتك وخالفوا سبيلهم [ من ] جميع أهل الملل ، فكذبوا بما جئت به وصدوا عن الإقرار به ، فمصيرهم فوقهم ظاهرين عليهم ، كما : - 7149 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : " وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة " هم أهل الإسلام الذين اتبعوه على فطرته وملته وسنته ، فلا يزالون ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة . 7150 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة " ثم ذكر نحوه . 7151 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 463 ] ابن جريج : " وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة " ثم ذكر نحوه . 7152 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة " قال : ناصر من اتبعك على الإسلام ، على الذين كفروا إلى يوم القيامة . 7153 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة " أما " الذين اتبعوك " فيقال : هم المؤمنون ، ويقال : بل هم الروم . 7154 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن : " وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة " قال : جعل الذين اتبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة . قال : المسلمون من فوقهم ، وجعلهم أعلى ممن ترك الإسلام إلى يوم القيامة . وقال آخرون : معنى ذلك : وجاعل الذين اتبعوك من النصارى فوق اليهود . ذكر من قال ذلك : 7155 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله : " ومطهرك من الذين كفروا " قال : الذين كفروا من بني إسرائيل " وجاعل الذين اتبعوك " قال : الذين آمنوا به من بني إسرائيل وغيرهم " فوق الذين كفروا " النصارى فوق اليهود إلى يوم القيامة . قال : فليس بلد فيه أحد من النصارى ، إلا وهم فوق يهود ، في شرق ولا غرب ، هم في البلدان كلها مستذلون . [ ص: 464 ] القول في تأويل قوله ( ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ( 55 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : " ثم إلي " ثم إلى الله ، أيها المختلفون في عيسى " مرجعكم " يعني مصيركم يوم القيامة " فأحكم بينكم " يقول : فأقضي حينئذ بين جميعكم في أمر عيسى بالحق " فيما كنتم فيه تختلفون " من أمره . وهذا من الكلام الذي صرف من الخبر عن الغائب إلى المخاطبة ، وذلك أن قوله : " ثم إلي مرجعكم " إنما قصد به الخبر عن متبعي عيسى والكافرين به . وتأويل الكلام : وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ، ثم إلي مرجع الفريقين : الذين اتبعوك ، والذين كفروا بك ، فأحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون . ولكن رد الكلام إلى الخطاب لسبوق القول ، على سبيل ما ذكرنا من الكلام الذي يخرج على وجه الحكاية ، كما قال : ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة ) [ سورة يونس : 22 ] . [ ص: 465 ] القول في تأويل قوله ( فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين ( 57 ) ( 56 ) ) قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " فأما الذين كفروا " فأما الذين جحدوا نبوتك يا عيسى ، وخالفوا ملتك ، وكذبوا بما جئتهم به من الحق ، وقالوا فيك الباطل ، وأضافوك إلى غير الذي ينبغي أن يضيفوك إليه ، من اليهود والنصارى وسائر أصناف الأديان ، فإني أعذبهم عذابا شديدا ، أما في الدنيا فبالقتل والسباء والذلة والمسكنة ، وأما في الآخرة فبنار جهنم خالدين فيها أبدا " وما لهم من ناصرين " يقول : وما لهم من عذاب الله مانع ، ولا عن أليم عقابه لهم دافع بقوة ولا شفاعة ، لأنه العزيز ذو الانتقام . وأما قوله : " وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات " فإنه يعني تعالى ذكره : وأما الذين آمنوا بك يا عيسى - يقول : صدقوك - فأقروا بنبوتك وبما جئتهم به من الحق من عندي ، ودانوا بالإسلام الذي بعثتك به ، وعملوا بما فرضت من فرائضي على لسانك ، وشرعت من شرائعي ، وسننت من سنني . كما : 7156 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " وعملوا الصالحات " يقول : أدوا فرائضي . " فيوفيهم أجورهم " يقول : فيعطيهم جزاء أعمالهم الصالحة كاملا لا يبخسون منه شيئا ولا ينقصونه . [ ص: 466 ] وأما قوله : " والله لا يحب الظالمين " فإنه يعني : والله لا يحب من ظلم غيره حقا له ، أو وضع شيئا في غير موضعه . فنفى - جل ثناؤه - عن نفسه بذلك أن يظلم عباده ، فيجازي المسيء ممن كفر جزاء المحسنين ممن آمن به ، أو يجازي المحسن ممن آمن به واتبع أمره وانتهى عما نهاه عنه فأطاعه ، جزاء المسيئين ممن كفر به وكذب رسله وخالف أمره ونهيه . فقال : إني لا أحب الظالمين ، فكيف أظلم خلقي ؟ وهذا القول من الله تعالى ذكره ، وإن كان خرج مخرج الخبر ، فإنه وعيد منه للكافرين به وبرسله ، ووعد منه للمؤمنين به وبرسله ، لأنه أعلم الفريقين جميعا أنه لا يبخس هذا المؤمن حقه ، ولا يظلم كرامته فيضعها فيمن كفر به وخالف أمره ونهيه ، فيكون لها بوضعها في غير أهلها ظالما . القول في تأويل قوله ( ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم ( 58 ) ) قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " ذلك " هذه الأنباء التي أنبأ بها نبيه عن عيسى وأمه مريم ، وأمها حنة وزكريا وابنه يحيى ، وما قص من أمر الحواريين واليهود من بنى إسرائيل " نتلوها عليك " يا محمد ، يقول : نقرؤها عليك يا محمد على لسان جبريل - صلى الله عليه وسلم - ، بوحيناها إليك " من [ ص: 467 ] الآيات " يقول : من العبر والحجج على من حاجك من وفد نصارى نجران ، ويهود بني إسرائيل الذين كذبوك وكذبوا ما جئتهم به من الحق من عندي " والذكر " يعني : والقرآن " الحكيم " يعني : ذي الحكمة الفاصلة بين الحق والباطل ، وبينك وبين ناسبي المسيح إلى غير نسبه ، كما : - 7157 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم " القاطع الفاصل الحق ، الذي لم يخلطه الباطل من الخبر عن عيسى وعما اختلفوا فيه من أمره ، فلا تقبلن خبرا غيره . 7158 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك : " ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم " قال : القرآن . 7159 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " والذكر " يقول : القرآن " الحكيم " الذي قد كمل في حكمته . القول في تأويل قوله ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ( 59 ) )
__________________
|
#410
|
||||
|
||||
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (410) صــ 468 إلى صــ 482 قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - : إن شبه عيسى في خلقي إياه من غير فحل فأخبر به ، يا محمد ، الوفد من نصارى نجران عندي ، كشبه آدم الذي [ ص: 468 ] خلقته من تراب ثم قلت له : " كن " فكان من غير فحل ولا ذكر ولا أنثى . يقول : فليس خلقي عيسى من أمه من غير فحل ، بأعجب من خلقي آدم من غير ذكر ولا أنثى ، وأمري إذا أمرته أن يكون فكان لحما . يقول : فكذلك خلقى عيسى : أمرته أن يكون فكان . وذكر أهل التأويل أن الله - عز وجل - أنزل هذه الآية احتجاجا لنبيه - صلى الله عليه وسلم - على الوفد من نصارى نجران الذين حاجوه في عيسى . ذكر من قال ذلك : 7160 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن عامر قال : كان أهل نجران أعظم قوم من النصارى في عيسى قولا فكانوا يجادلون النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزل الله - عز وجل - هذه الآية في سورة آل عمران : " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " إلى قوله " فنجعل لعنة الله على الكاذبين " . 7161 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " وذلك أن رهطا من أهل نجران قدموا على محمد - صلى الله عليه وسلم - وكان فيهم السيد والعاقب فقالوا لمحمد : ما شأنك تذكر صاحبنا ؟ فقال : من هو ؟ قالوا : عيسى ، تزعم أنه عبد الله ! فقال محمد : [ ص: 469 ] أجل ، إنه عبد الله . قالوا له : فهل رأيت مثل عيسى ، أو أنبئت به ؟ ثم خرجوا من عنده ، فجاءه جبريل - صلى الله عليه وسلم - بأمر ربنا السميع العليم فقال : قل لهم إذا أتوك : " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم " إلى آخر الآية . 7162 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " ذكر لنا أن سيدي أهل نجران وأسقفيهم : السيد والعاقب ، لقيا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فسألاه عن عيسى فقالا كل آدمي له أب ، فما شأن عيسى لا أب له ؟ فأنزل الله - عز وجل - فيه هذه الآية : " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " . 7163 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب " لما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسمع به أهل نجران ، أتاه منهم أربعة نفر من خيارهم . منهم : العاقب ، والسيد ، وماسرجس ، ومار يحز . فسألوه ما يقول [ ص: 470 ] في عيسى ، فقال : هو عبد الله وروحه وكلمته . قالوا هم : لا ! ولكنه هو الله ، نزل من ملكه فدخل في جوف مريم ، ثم خرج منها فأرانا قدرته وأمره ! فهل رأيت قط إنسانا خلق من غير أب ؟ فأنزل الله - عز وجل - : " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " . 7164 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريح ، عن عكرمة قوله : " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " قال : نزلت في العاقب والسيد من أهل نجران ، وهما نصرانيان . قال ابن جريج : بلغنا أن نصارى أهل نجران قدم وفدهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيهم السيد والعاقب ، وهما يومئذ سيدا أهل نجران ، فقالوا : يا محمد ، فيما تشتم صاحبنا ؟ قال : من صاحبكما ! قالا عيسى ابن مريم ، تزعم أنه عبد ! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أجل ، إنه عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه . فغضبوا وقالوا : إن كنت صادقا فأرنا عبدا يحيي الموتى ، ويبرئ الأكمه ، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه ، الآية ، لكنه الله . فسكت حتى أتاه جبريل فقال : يا محمد : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ) [ سورة المائدة : 17 ، 72 ] الآية ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا جبريل ، إنهم سألوني أن أخبرهم بمثل عيسى . قال جبريل : مثل عيسى كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له : كن فيكون . فلما أصبحوا عادوا ، فقرأ عليهم الآيات . 7165 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " إن مثل عيسى عند الله " فاسمع ، " كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين " فإن قالوا : [ ص: 471 ] خلق عيسى من غير ذكر ، فقد خلقت آدم من تراب بتلك القدرة من غير أنثى ولا ذكر ، فكان كما كان عيسى لحما ودما وشعرا وبشرا ، فليس خلق عيسى من غير ذكر بأعجب من هذا . 7166 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله - عز وجل - : " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب " قال : أتى نجرانيان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالا له : هل علمت أن أحدا ولد من غير ذكر ، فيكون عيسى كذلك ؟ قال : فأنزل الله - عز وجل - : " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " أكان لآدم أب أو أم ! ! كما خلقت هذا في بطن هذه ؟ قال أبو جعفر : فإن قال قائل : فكيف قال : " كمثل آدم خلقه " " وآدم " معرفة ، والمعارف لا توصل ؟ قيل : إن قوله : " خلقه من تراب " غير صلة لآدم ، وإنما هو بيان عن أمره على وجه التفسير عن المثل الذي ضربه ، وكيف كان . وأما قوله : " ثم قال له كن فيكون " فإنما قال : " فيكون " وقد ابتدأ الخبر عن خلق آدم ، وذلك خبر عن أمر قد تقضى ، وقد أخرج الخبر عنه مخرج الخبر عما قد مضى فقال - جل ثناؤه - : " خلقه من تراب ثم قال له كن " لأنه بمعنى الإعلام من الله نبيه أن تكوينه الأشياء بقوله : " كن " ثم قال : " فيكون " [ ص: 472 ] خبرا مبتدأ ، وقد تناهى الخبر عن أمر آدم عند قوله : " كن " . فتأويل الكلام إذا : " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن " واعلم ، يا محمد ، أن ما قال له ربك " كن " فهو كائن . فلما كان في قوله : " كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن " دلالة على أن الكلام يراد به إعلام نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وسائر خلقه أنه كائن ما كونه ابتداء من غير أصل ولا أول ولا عنصر ، استغنى بدلالة الكلام على المعنى ، وقيل : " فيكون " فعطف بالمستقبل على الماضي على ذلك المعنى . وقد قال بعض أهل العربية : " فيكون " رفع على الابتداء ، ومعناه : كن فكان ، فكأنه قال : فإذا هو كائن . القول في تأويل قوله ( الحق من ربك فلا تكن من الممترين ( 60 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : الذي أنبأتك به من خبر عيسى ، وأن مثله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له ربه " كن " هو الحق من ربك ، يقول : هو الخبر الذي هو من عند ربك " فلا تكن من الممترين " يعني : فلا تكن من الشاكين في أن ذلك كذلك ، كما : - 7167 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " الحق من ربك فلا تكن من الممترين " يعني : فلا تكن في شك من عيسى أنه - كمثل آدم - ، عبد الله ورسوله ، وكلمة الله وروحه . [ ص: 473 ] 7168 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " الحق من ربك فلا تكن من الممترين " يقول : فلا تكن في شك مما قصصنا عليك أن عيسى عبد الله ورسوله ، وكلمة منه وروح ، وأن مثله عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون . 7169 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " الحق من ربك " ما جاءك من الخبر عن عيسى " فلا تكن من الممترين " أي : قد جاءك الحق من ربك فلا تمتر فيه . 7170 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " فلا تكن من الممترين " قال : والممترون الشاكون . " والمرية " " والشك " " والريب " واحد سواء ، كهيئة ما تقول : " أعطني " " وناولني " " وهلم " فهذا مختلف في الكلام وهو واحد . القول في تأويل قوله ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ( 61 ) ) قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " فمن حاجك فيه " فمن جادلك ، يا محمد ، في المسيح عيسى ابن مريم . والهاء في قوله : " فيه " عائدة على ذكر عيسى . وجائز أن تكون عائدة [ ص: 474 ] على " الحق " الذي قال تعالى ذكره : " الحق من ربك " . ويعني بقوله : " من بعد ما جاءك من العلم " من بعد ما جاءك من العلم الذي قد بينته لك في عيسى أنه عبد الله " فقل تعالوا " هلموا فلندع " أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل " يقول : ثم نلتعن . يقال في الكلام : " ما له ؟ بهله الله " أي : لعنه الله " وما له ؟ عليه بهلة الله " يريد اللعن ، وقال لبيد ، وذكر قوما هلكوا فقال : نظر الدهر إليهم فابتهل يعني : دعا عليهم بالهلاك . " فنجعل لعنة الله على الكاذبين " منا ومنكم في أنه عيسى ، كما : - [ ص: 475 ] 7171 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم " أي : في عيسى : أنه عبد الله ورسوله ، من كلمة الله وروحه " فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم " إلى قوله : " على الكاذبين " . 7172 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم " أي : من بعد ما قصصت عليك من خبره ، وكيف كان أمره " فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم " الآية . 7173 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم " يقول : من حاجك في عيسى من بعد ما جاءك فيه من العلم . 7174 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : " ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " قال : منا ومنكم . 7175 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : وحدثني ابن لهيعة ، عن سليمان بن زياد الحضرمي ، عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي : أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ليت بيني وبين أهل نجران حجابا فلا أراهم ولا يروني ! من شدة ما كانوا يمارون النبي - صلى الله عليه وسلم - . [ ص: 476 ] القول في تأويل قوله ( إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين ( 63 ) ( 62 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : إن هذا الذي أنبأتك به ، يا محمد ، من أمر عيسى فقصصته عليك من أنبائه ، وأنه عبدي ورسولي وكلمتي ألقيتها إلى مريم وروح مني ، لهو القصص والنبأ الحق ، فاعلم ذلك . واعلم أنه ليس للخلق معبود يستوجب عليهم العبادة بملكه إياهم إلا معبودك الذي تعبده ، وهو الله العزيز الحكيم . ويعني بقوله : " العزيز " العزيز في انتقامه ممن عصاه وخالف أمره ، وادعى معه إلها غيره ، أو عبد ربا سواه " الحكيم " في تدبيره ، لا يدخل ما دبره وهن ، ولا يلحقه خلل . " فإن تولوا " يعني : فإن أدبر هؤلاء الذين حاجوك في عيسى ، عما جاءك من الحق من عند ربك في عيسى وغيره من سائر ما آتاك الله من الهدى والبيان ، [ ص: 477 ] فأعرضوا عنه ولم يقبلوه " فإن الله عليم بالمفسدين " يقول : فإن الله ذو علم بالذين يعصون ربهم ، ويعملون في أرضه وبلاده بما نهاهم عنه ، وذلك هو إفسادهم . يقول تعالى ذكره : فهو عالم بهم وبأعمالهم ، يحصيها عليهم ويحفظها ، حتى يجازيهم عليها جزاءهم . وبنحو ما قلنا قي ذلك قال أهل التأويل : ذكر من قال ذلك : 7176 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " إن هذا لهو القصص الحق " أي : إن هذا الذي جئت به من الخبر عن عيسى ، " لهو القصص الحق " من أمره . 7177 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " إن هذا لهو القصص " إن هذا الذي قلنا في عيسى " لهو القصص الحق " . 7178 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " إن هذا لهو القصص الحق " قال : إن هذا القصص الحق في عيسى ، ما ينبغي لعيسى أن يتعدى هذا ولا يجاوزه : أن يتعدى أن يكون كلمة الله ألقاها إلى مريم ، وروحا منه ، وعبد الله ورسوله . 7179 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " إن هذا لهو القصص الحق " إن هذا الذي قلنا في [ ص: 478 ] عيسى ، هو الحق " وما من إله إلا الله " الآية . فلما فصل - جل ثناؤه - بين نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وبين الوفد من نصارى نجران ، بالقضاء الفاصل والحكم العادل ، أمره إن هم تولوا عما دعاهم إليه من الإقرار بوحدانية الله ، وأنه لا ولد له ولا صاحبة ، وأن عيسى عبده ورسوله ، وأبوا إلا الجدل والخصومة أن يدعوهم إلى الملاعنة . ففعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فلما فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، انخزلوا فامتنعوا من الملاعنة ، ودعوا إلى المصالحة ، كالذي : - 7180 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن عامر قال : فأمر - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - - بملاعنتهم - يعني : بملاعنة أهل نجران - بقوله : " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم " الآية . فتواعدوا أن يلاعنوه وواعدوه الغد . فانطلقوا إلى السيد والعاقب ، وكانا أعقلهم ، فتابعاهم . فانطلقوا إلى رجل منهم عاقل ، فذكروا له ما فارقوا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما صنعتم ! ! وندمهم ، وقال لهم : إن كان نبيا ثم دعا عليكم لا يغضبه الله فيكم أبدا ، ولئن كان ملكا فظهر عليكم لا يستبقيكم أبدا . قالوا : فكيف لنا وقد واعدنا ! فقال لهم : إذا غدوتم إليه فعرض عليكم الذي فارقتموه عليه ، فقولوا : " نعوذ بالله " ! فإن دعاكم أيضا فقولوا له : " نعوذ بالله " ! ولعله أن يعفيكم من ذلك . فلما غدوا غدا النبي - صلى الله عليه وسلم - محتضنا حسنا آخذا بيد الحسين ، وفاطمة تمشي خلفه . فدعاهم إلى الذي فارقوه عليه بالأمس ، [ ص: 479 ] فقالوا : " نعوذ بالله " ! ثم دعاهم فقالوا : " نعوذ بالله " ! مرارا قال : فإن أبيتم فأسلموا ولكم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين كما قال الله - عز وجل - ، فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون كما قال الله - عز وجل - . قالوا : ما نملك إلا أنفسنا ! قال : فإن أبيتم فإني أنبذ إليكم على سواء كما قال الله - عز وجل - . قالوا : ما لنا طاقة بحرب العرب ، ولكن نؤدي الجزية . قال : فجعل عليهم في كل سنة ألفي حلة ، ألفا في رجب ، وألفا في صفر . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران ، حتى الطير على الشجر أو : العصافير على الشجر لو تموا على الملاعنة . حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير قال : فقلت للمغيرة : إن الناس يروون في حديث أهل نجران أن عليا كان معهم ! فقال : أما الشعبي فلم يذكره ، فلا أدري لسوء رأي بني أمية في علي ، أو لم يكن في الحديث ! 7181 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " إن هذا لهو القصص الحق " إلى قوله : " فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " فدعاهم إلى النصف ، وقطع عنهم الحجة . فلما أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخبر من الله عنه ، والفصل من القضاء بينه وبينهم ، وأمره بما أمره به من ملاعنتهم ، إن ردوا عليه دعاهم إلى ذلك ، فقالوا : يا أبا القاسم ، دعنا ننظر في أمرنا ، ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه . فانصرفوا عنه ، ثم خلوا بالعاقب ، وكان ذا رأيهم ، فقالوا : يا عبد المسيح ، ما ترى ؟ قال : [ ص: 480 ] والله يا معشر النصارى ، لقد عرفتم أن محمدا لنبي مرسل ، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ، ولقد علمتم ما لاعن قوم نبيا قط فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم ، فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم ، والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم ، فوادعوا الرجل ، ثم انصرفوا إلى بلادكم حتى يريكم زمن رأيه . فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا أبا القاسم ، قد رأينا أن لا نلاعنك ، وأن نتركك على دينك ، ونرجع على ديننا ، ولكن ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا ، يحكم بيننا في أشياء قد اختلفنا فيها من أموالنا ، فإنكم عندنا رضى . 7182 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا عيسى بن فرقد ، عن أبي الجارود ، عن زيد بن علي في قوله : " تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم " الآية ، قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلي وفاطمة والحسن والحسين . [ ص: 481 ] 7183 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم " الآية ، فأخذ - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - - بيد الحسن والحسين وفاطمة ، وقال لعلي : اتبعنا . فخرج معهم ، فلم يخرج يومئذ النصارى ، وقالوا : إنا نخاف أن يكون هذا هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وليس دعوة النبي كغيرها ! ! فتخلفوا عنه يومئذ ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لو خرجوا لاحترقوا ! فصالحوه على صلح : على أن له عليهم ثمانين ألفا ، فما عجزت الدراهم ففي العروض : الحلة بأربعين وعلى أن له عليهم ثلاثا وثلاثين درعا ، وثلاثا وثلاثين بعيرا ، وأربعة وثلاثين فرسا غازية كل سنة ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضامن لها حتى نؤديها إليهم . 7184 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - دعا وفدا من وفد نجران من النصارى ، وهم الذين حاجوه ، في عيسى ، فنكصوا عن ذلك وخافوا وذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : والذي نفس محمد بيده ، إن كان العذاب لقد تدلى على أهل نجران ، ولو فعلوا لاستؤصلوا عن جديد الأرض . 7185 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم " قال : بلغنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - خرج ليداعي أهل نجران ، فلما رأوه خرج ، هابوا وفرقوا ، فرجعوا قال معمر ، قال قتادة : لما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل نجران ، أخذ بيد حسن وحسين وقال لفاطمة : اتبعينا . فلما رأى ذلك أعداء الله ، رجعوا . [ ص: 482 ] 7186 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لو خرج الذين يباهلون النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا . 7187 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا زكريا ، عن عدي قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مثله . 7188 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده ، لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم أحد إلا أهلك الله الكاذبين . 7189 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثنا ابن زيد قال : قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو لاعنت القوم ، بمن كنت تأتي حين قلت " أبناءنا وأبناءكم " ؟ قال : حسن وحسين . 7190 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا المنذر بن ثعلبة قال : حدثنا علباء بن أحمر اليشكري قال : لما نزلت هذه الآية : " فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم " الآية ، أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين ، ودعا اليهود ليلاعنهم ، فقال شاب من اليهود ، ويحكم ! أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير ؟ ! لا تلاعنوا ! فانتهوا .
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |