|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
من هم أهل السنة والجماعة؟
من هم أهل السنة والجماعة؟ * أبو مريم محمد الجريتلي إنَّ الحمدَ لله نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسِنا، ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهدِه الله، فلا مُضلَّ له، ومَن يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحْدَه لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله. أمَّا بعد: فإنَّ أَصْدَقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدْي هدْيُ محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، وشرَّ الأمور محدثَاتُها، وكل مُحْدَثة بدعةٌ، وكل بدعةٍ ضلالةٌ، وكل ضلالة في النار. لقد سار سلفُنا الصَّالح من الصحابة والتابعين، ومَن سَلَكَ سبيلَهم، وخَطا خُطاهم على نَهج نبيِّهم صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد أمَرَنا اللهُ عزَّ وجلَّ أنْ نتَّبع سبيلَ المؤمنين، وحَذَّر مِن اتِّباع السُّبل، فقال: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153]. فلا زالت رايةُ أهل السُّنَّة والجماعة خَفَّاقة يَتناوَلها قرنٌ بعد قرنٍ، يَنفون عنها تحريفَ الغالين، وانتحالَ المُبْطلين، وتأويل الجاهلين، حتى كَثُرَ الغثاء، فغابت عن كثير من الناس معالِمُ أهل السُّنَّة، مع كثرة المحرِّفين والمنتحلين والجاهلين، فكان لزامًا أنْ نَعْرِفَ مَن هم أهلُ السُّنَّة والجماعة؟ وقبل الجواب لا بُدَّ أنْ نعلم أنَّ الإيمانَ ليس بالتمنِّي ولا بالتحلِّي، وكذلك دعوَى الانتساب لأهل السُّنَّة والجماعة ليست بالتمنِّي ولا بالتحلِّي؛ (فَكُلٌّ يَدَّعِي وَصْلًا بِلَيْلَى)، والحق لا يُعْرَف بالرِّجال، وإنَّما الرجال هم الذين يُعْرَفون بالحق، فاعْرِف الحقَّ تَعرف أهلَه. مصطلح أهل السُّنَّة والجماعة: 1- باعتبار مُفردَيه (السُّنَّة - الجماعة): تعريف السُّنَّة: السُّنَّة لغةً: مشتقَّة مِن سَنَّ يَسِنُّ، ويسُنُّ سَنًّا، فهو مسنون. 1- وسَنَّ الأمر: بيَّنه؛ قال تعالى: ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ﴾ [الأحزاب: 38]. قال ابن منظور: (أيْ: سَنَّ اللهُ ذلك بمعنى بيَّنه)[1]. فسُنَّة اللهِ: أحكامه، وأمْره، ونهيُه، وسَنَّها اللهُ للناس: بيَّنَها. 2- والسُّنَّة: السِّيرة والطريقة. حَسَنةً كانت أم قبيحةً، ومنه قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن سَنَّ سُنَّةً حسنةً، فله أجرُها وأجرُ مَن عَمِل بِهَا، ومَن سَنَّ سُنَّة سيِّئة...))؛ الحديث. قال ابن منظور: (وقد تكرَّر في الحديث ذكْرُ السُّنَّة، وما تَصَرَّف منها، والأصلُ فيها الطريقة والسِّيرة)[2]. ومن ذلك: سُنَّة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم؛ أي: سِيرَته العملية التي هي ترجمة صادقة لكتاب الله العزيز، وهي الحكمة في قوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ [الأحزاب: 34]. يقول ابن فارس: (وسُنَّة رسول الله عليه السَّلام: سِيرته)[3]. 3- العادة الثابتة: كما قال تعالى: ﴿ سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا ﴾ [الإسراء: 77]، فالسُّنَّة هنا تعني: العادة الثابتة التي حَكَم الله بها وقضاها[4]. ومن ذلك: السُّنن الربَّانية التي يُجريها الله على عباده، وهي سُنن لا تتخلَّف ولا تتبدَّل، مثل: سُنَّة الابتلاء والتمحيص للمؤمنين، وسُنَّة الاستبدال للناكثين على أعقابهم، وسُنَّة الاستدراج للكافرين... وهكذا. السُّنَّة اصطلاحًا: تَختلف دلالاتُ اللفظ الاصطلاحية باعتبار استخدامِ أصحاب كلِّ فنٍّ له: 1- السُّنَّة في اللغة كما بينَّا: البيان، والسيرة، والطريقة، والعادة الثابتة. 2- والسُّنَّة في الفقه: المستحَبُّ والمندوب، والنافلة مقابل الفريضة، فقول الفقهاء: السِّواك سُنَّة بالإجماع؛ أي: مستحَبٌّ. 3- والسُّنَّة في أصول الفقه: دليلٌ من الأدلة الإجماليَّة. يقول الأصوليون: الأدلَّة الإجمالية المتَّفق عليها: الكتاب، والسُّنَّة، والإجماع. 4- والسُّنَّة في عِلم الحديث هي: ما أُضيف إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن قول أو فعل أو تقرير، أو صفة خُلُقِيَّة أو خَلْقِيَّة، وقيل: الحديث أعمُّ مِن السُّنَّة، يقول الشاطبي: (يُطلق لفظ السُّنَّة على ما جاء منقولًا عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على الخصوص، مما لم يُنَصَّ عليه في الكتاب العزيز). 5- السُّنَّة في كُتُب السُّنن والمبتدَعات: تأتي في مُقابل البدعة؛ قال ابن مسعود: (القصد في السُّنَّة خيرٌ مِن الاجتهاد في البدعة)[5]. 6- والسُّنَّة في كُتُب العقائد: تأتي بمعنى العقيدة، مثل: كتاب السُّنَّة للإمام أحمد، والسُّنَّة للبربهاري، والسُّنَّة للبغوي، والسُّنَّة للخلَّال. قال ابن رجب: (وكثير من العلماء المتأخِّرين يَخصُّ السُّنَّة بما يتعلَّق بالاعتقاد؛ لأنَّها أصل الدِّين، والمخالف فيها على خطَر عظيم)[6]. 7- وتأتي السُّنَّة بمعنًى أعمَّ مِن ذلك كلِّه، ويُراد بها الشريعة أو الدِّين؛ قال الحسَن البصري وسفيان في تفسير قوله تعالى: ﴿ ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الجاثية: 18]، قالا: (على السُّنَّة)[7]. يقول ابن تيميَّة رحمه الله: (السُّنَّة هي الشَّريعة، وهي ما شَرَعَه الله ورسوله من الدِّين)[8]. تعريف الجماعة: • تعريف الجماعة: لغةً أُخذَت مِن عِدَّة معانٍ: من الاجتماع: وهو ضِدُّ التفرق، وضد الفُرقة. يقال: تَجَمَّع القومُ، إذا اجتمعوا مِن هنا وهنا، وجمع المتفرِّق: ضمَّ بعضَه إلى بعض، وجمَع إليه القلوب: ألَّفها. ومن الجمْع: وهو اسم لجماعة الناس، والجمْع مصدر قولك: جمعت الشيء. فالجماعة في اللغة إذا أريدَ بها جماعة الناس، فهم القوم المجتمعون على أمْرٍ ما. ومن الإجماع: وهو الاتِّفاق والإحكام، يقال: أَجْمَعَ الأمرَ؛ أي: أَحْكَمَه، ويقال: أجمعَ أهلُ العِلم؛ أي: اتَّفقوا. والجماعة: العدد الكثير من الناس، وطائفة من الناس يَجمعها غرضٌ واحد. ومُمكن جمعها في عبارة جامعة، وهي: (اجتماع القلوب، أو القلوب والأبدان على شيء يَعتَقد أصحابُه أنه حَقٌّ، فإن كان موافقًا لأمْر الشارع، فهي الجماعة عند الإطلاق الشرعيِّ). تعريف الجماعة اصطلاحًا: تُطلق على عدَّة معانٍ ذكرَها أهل العِلم: 1- تُطلق الجماعةُ على: الصَّحابة رضوان الله عليهم؛ قال الشاطبيُّ في معرض ذكْره لأقوال الناس في مفهوم الجماعة: "الجماعة هي الصَّحابة على الخصوص، فإنَّهم الذين أقاموا عمادَ الدِّين، وأَرْسَوا أوتادَه، وهم الذين لا يَجتمعون على ضلالةٍ أصلًا"، فالنُّصوص الواردة في السُّنَّة عن الجماعة تنصرف إليهم أولًا؛ لِسبْقهم في الزمن والفضل. 2- وتُطلق الجماعة على: أهل العِلم، وأئمَّة الهدى المقتدَى بهم في الدِّين، ومَن سَلَكَ سبيلهم: لَمَّا سُئِلَ ابنُ المبارك عن الجماعة، قال: أبو بكر وعمر، فقيل له: قد مات أبو بكر وعمر، قال: ففلان وفلان، قال: (أبو حمزة السكري جماعة)، وأبو حمزة هو محمد بن ميمون المروزي. قال البخاري: (باب: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143]، وما أَمَرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بلزوم الجماعة، وهم أهل العِلم). قال ابن حجر: " فعُرِفَ أنَّ المرادَ بالوصف المذكور أهل العِلم الشرعي"[9]. قال الطبري: (وقال قوم: المرادُ بهم أهل العِلم؛ لأنَّ الله جَعَلهم حُجَّة على الخَلْق، والناس تبعٌ لهم في أمْر الدِّين)[10]. 3- وتُطلق الجماعة على: الاجتماع على الحقِّ وعدم التفرُّق: كما ورد في الحديث: ((والجماعة رحمة، والفُرقة عذاب))[11]. ومثله قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((عليكم بالجماعة وإيَّاكم والفُرقة، فإنَّ الشيطان مع الواحد، وهو مِن الاثنين أبعَدُ، ومَن أراد بحبحة الجَنَّة، فعليه بالجماعة))[12]. وقال ابن مسعود: (إنَّ الذي تكرهون في الجماعة خَيْرٌ مِن الذي تُحبُّون في الفُرقة)[13]. 4- وتُطلق الجماعة على: مجموع المسلمين وسوادهم الأعظم، الذين على السُّنَّة إذا اجتمعوا على إمامٍ، أو أَمْرٍ من أمور الدِّين، أو أمر من المصالح الدُّنيوية المباحة. كما ورد في حديثِ حذيفة المشهور، وفيه: "... فما تأمُرني إنْ أدركني ذلك، قال: ((تَلزَم جماعةَ المسلمين وإمامَهم))"، قال الطبري: (والصَّواب أنَّ المراد مِن الخبَر لزومُ الجماعة، الذين في طاعة مَن اجتمعوا على تأميره، فمَن نَكَثَ بَيْعتَه خرج عن الجماعة)[14]. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((مَن رأى مِن أميره ما يَكْرَهُ، فليصبرْ عليه، فإنَّه مَن فارق الجماعةَ شِبْرًا فمات إلَّا مات ميتة جاهلية))[15]. 5- وتُطلق الجماعة على: أهلِ الحلِّ والعَقد، وهم العُلماء والأمراء والقَادة والوُلاة والقُضاة والأعيان، أو بعضِهم إذا اجتمعوا على أمْر من مَصالح المسلمين، كتولية إمامٍ وبيْعَته أو عَزْلِه؛ قال ابن بَطَّال: (والمراد بالجماعة: أهلُ الحلِّ والعقد مِن كل عصر)[16]. 6- وتُطلق الجماعة على: الفريق مِن الناس اجتمعوا على شيء ما، وهي دُون الجماعة الكُبرى مثل جماعة المسجد؛ ففي الحديث: ((مَن صلَّى العشاء في جماعة...))، وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((صلاة الجماعة أفضلُ مِن صلاة الفذِّ...))؛ قال البخاري: (باب: اثنان فما فوقهما جماعة)، وذلك يعني في الصلاة. وفي الحديث: ((كلوا جميعًا، ولا تفرَّقوا؛ فإنَّ البرَكةَ مع الجماعة)). وَمَن حاول استقراءَ دلالاتِ اللفظِ في مَوارده المختلفة لا يَجده يَخرج عن هذه المعاني، ولكن قد يَجتمع أكثرُ مِن معنى في دلالة النصِّ الواحد. 7- تعريفُ أهل السُّنَّة باعتباره عَلَمًا مركبًا: أهلُ السُّنَّة والجماعة: هم أصحابُ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم والتابعون لهم بإحسان، وكلُّ مَن التزَمَ بمنهجهم[17]، واقتدَى بهم واتَّبع سبيلَهم مِن المؤمنين المتمسِّكين بآثارهم إلى يوم القيامة. وهم أهل الحديث، وأهل الأثر والسَّلف الصالح، والفِرقة الناجية، والطائفة المنصورة، الذين أخبر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عنهم: ((إنَّ بَنِي إسرائيل افتَرَقوا على إحدى وسبعين فِرقة، وتَفتَرق أمَّتي على ثلاث وسبعين فِرقة، كُلُّها في النار إلا واحدة))، فقيل له: ما الواحدة؟ قال: ((ما أنا عليه اليومَ وأصحابي))[18]. وقد سُمُّوا: "أهل السُّنَّة"؛ لأنَّهم الآخذون بسُنَّة رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم العالمون بها، العاملون بمقتضاها. كما يقول الشافعي: (القول في السُّنَّة التي أنا عليها ورأيتُ عليها الذين رأيتُهم، مثل سفيان، ومالك، وغيرهما: الإقرارُ بشهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، وأنَّ الله على عرشه في سمائه، يقرب مِن خلقه كيف شاء، وينزل إلى السماء الدُّنيا كيف شاء...)[19]. وسُمُّوا بالجماعة لأنَّهم اجتمعوا على الحق، وأَخَذوا به، واقْتَفَوا أَثَرَ جماعة المسلمين المستمسكين بالسُّنَّة من الصَّحابة والتابعين وأتباعهم، واجتمعوا على مَن وَلَّاه اللهُ أمرَهم، ولم يشقُّوا عصا الطاعة، كما أمَرَهم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم. ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم في إحدى روايات الحديث السابق: ((هم الجماعة)). فهم مَن اجتمعَ مِن أهلِ الإسلام "لم يتفرَّق عن السبيل إلى مِلَّة أخرى"، على السُّنَّة والاتِّباع "لم يتفرَّق في السبيل لبِدَع وأهواء" بقلوبهم، أو بقلوبهم وأبدانهم ما أمكنهم ذلك. تنبيه: يَستخدم ابنُ تيمية مُصطلح أهل السُّنَّة والجماعة بالمعنى الخاصِّ؛ أي: أهل الاتِّباع لا الابتداع ممن سَلِمَ مِن الشُّبهات في الاعتقاد عند قوله: خلاف أهل السُّنَّة مع الأشاعرة كذا... وهو المشهور بين أهل العِلم. كما يَستخدم مُصطلح أهل السُّنَّة والجماعة بالمعنى العامِّ؛ أي: أهل الملَّة والدِّين عند قوله: الخلاف بين أهل السُّنَّة والرافضة كذا... فأهلُ السُّنَّة هنا مُصطلح عامٌّ لكل مَن كان على التوحيد، ويَظهر ذلك بوضوح في كلامه في مِنْهَاج السُّنَّة لِمَن تدبَّره. سلفية المصطلح: يُعَدُّ مُصطلح أهلِ السُّنَّة والجماعة مِن المصطلحات السَّلفية، وليس من المصطلحاتِ الحادثة المبتدَعة، التي يَنتسب إليها بعضُ أصحاب الأهواء، أو يُطلقها أهلُ الباطل على أهل الحقِّ تنفيرًا من دعوتهم. يقول ابنُ عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ [آل عمران: 106]، (فأمَّا الذين ابيضَّت وجوهُهم، فأهلُ السُّنَّة والجماعة، وأمَّا الذين اسودَّت وجوههم، فأهل البِدَع والضلالة)[20]. قال سعيد بن جبير في قوله تعالى: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82]: (لزوم السُّنَّة والجماعة)[21]. قال سفيان الثوري: (إذا بلغك عن رجل بالمشرق صاحب سُنَّة، وآخر بالمغرب، فابعث إليهما بالسلام وادْعُ لهما، ما أقلَّ أهلَ السُّنَّة والجماعة!)[22]. قال ابن تيمية: (ومذهب أهل السُّنَّة مذهب قديم معروف قبل أن يَخلُق اللهُ تعالى أبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد، فإنَّه مذهب الصحابة الذين تلقَّوْه عن نبيِّهم صلَّى الله عليه وسلَّم)[23]. فأهلُ السُّنَّة والجماعة غيرُ مَحصورين في مكان أو زمان، ولكنَّهم يكْثرون في مكان، ويَقِلُّون في آخر، وقد يكْثرون في زمان، ويقلُّون في زمان، ولكنَّهم لا ينقطعون حتى يأتي أمر الله. مصطلحات مرادفة لأهل السُّنَّة والجماعة: أهل الحديث: يقول اللالكائي: (كلُّ مَن اعتقد مذهبًا، فإلى صاحب مقالته التي أحدثها يَنتَسب، وإلى رأيه يَستَند، إلَّا أصحاب الحديث، فإنَّ صاحبَ مقالتِهم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فهم إليه يَنتَسبون، وإلى علمه يَستَندون، وبه يَستدلُّون، وإليه يفزعون، وبرأيه يقتدون، وبذلك يفتخرون، وعلى أعداء سُنَّته بقُربِهم منه يَصولون، فمن يُوازيهم في شرف الذِّكر، ويُباهيهم في ساحة الفخر وعُلُوِّ الاسم؟! إذ اسمهم مأخوذٌ من معاني الكتاب والسُّنَّة، يشتمل عليهما؛ لتحقُّقهم بهما، أو لاختصاصهم بأخذهما، فهم مُتردِّدون في انتسابِهم إلى الحديث بَيْنَ ما ذكرَ اللهُ سبحانه وتعالى في كتابه؛ فقال تعالى ذكره: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ﴾ [الزمر: 23]، فهو القرآن، فهم حَمَلَةُ القرآن وأهلُه وقُرَّاؤه وحفَظَتُه. وبَيْنَ أنْ يَنتَموا إلى حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فهُم نَقَلَتُه وحَمَلَتُه، فلا شَكَّ أنَّهم يستحِقُّون هذا الاسم؛ لوجود المعنَيَيْنِ فيهم. والحمد لله الذي كمَّل لهذه الطائفة سهام الإسلام، وشَرَّفَهم بجوامع هذه الأقسام، ومَيَّزهم مِن جميع الأنام؛ حيثُ أعزَّهم الله بدِينه، ورفعَهم بكتابه، وأعلى ذكْرَهم بسُنَّته، وهداهم إلى طريقته وطريقة رسوله. فهي الطائفةُ المنصورة، والفِرقة الناجية، والعُصبة الهادية، والجماعة العادلة المتمسِّكة بالسُّنَّة، التي لا تريدُ برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بديلًا، ولا عن قولِه تبديلًا، ولا عن سُنَّته تحويلًا، ولا يُثنيهم عنها تَقلُّب الأعصار والزَّمان، ولا يَلويهم عن سِمَتِها تغيُّر الحَدَثَيْنِ، ولا يَصْرفهم عن سِمَتِها ابتداعُ مَن كاد الإسلامَ ليصدَّ عن سبيل الله، ويبغيها عوجًا، ويصرف عن طرقها جدلًا ولجاجًا، ظنًّا منه كاذبًا وتخمينًا باطلًا أنَّه يُطفئ نورَ الله، والله مُتِمُّ نورِه ولو كره الكافرون)؛ اهـ. قال الجيلاني: (أهلُ السُّنَّة لا اسمَ لهم إلا اسم واحد، وهو: أصحاب الحديث). قال البخاري في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تزالُ طائفة مِن أمَّتي))؛ (يعني: أصحاب الحديث). ومصطلح أهلِ الحديث مُرادف لمصطلح أهل السُّنَّة؛ لذلك كتب العلماءُ بعضَ كتب العقيدة بهذا الاسم مثل: • "اعتقاد أئمَّة الحديث"، لأبي بكر الإسماعيلي؛ أي: مُعتقد أهل السُّنَّة؛ يقول في أوله: (اعلموا رحمنا الله وإياكم: أنَّ مذهب أهل الحديث أهل السُّنَّة والجماعة الإقرارُ بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وقبول ما نطق به كتابُ الله تعالى وصَحَّت به الرِّوَاية عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم). وقال في آخره: (هذا أصل الدِّين، والمذهب اعتقادُ أئمَّةِ أهل الحديث الذين لم تَشِنْهُم بِدْعة، ولم تلبسهم فتنة، ولم يَخِفُّوا إلى مكروه في دِين، فتمسَّكوا مُعتصمين بحبلِ الله جميعًا، ولا تَفَرَّقوا عنه، واعلموا أنَّ اللهَ تعالى أوجبَ مَحبَّته ومَغفرته لمتَّبعي رسولِه صلَّى الله عليه وسلَّم في كتابه، وجعَلَهم الفرقة الناجية والجماعة المتَّبِعة، فقال عزَّ وجلَّ لِمَن ادَّعى أنه يُحبُّ الله عزَّ وجلَّ: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31]). • وكما سَمَّى أبو عثمان إسماعيل الصابوني رسالَتَه: "عقيدة السلف أصحاب الحديث". • وكتاب "شعار أصحاب الحديث"، لمحمد بن أحمد بن إسحاق الحاكم، قال فيه: (باب ذكْر الدليل على أنَّ الإيمان يزيد وينقص). فليس المصطلحُ مقصورًا على الذين يَعتنون بالحديث دراية، بل كلِّ مَن استقام على السُّنَّة مِن أصحاب الحديث أو الفقه أو التفسير أو الجهاد أو غيرهم. يقول ابن تيمية رحمه الله: (ونَحن لا نعني بأهلِ الحديث المقتصرين على سماعه أو كتابته أو رِوايته، بل نعني بهم: كلَّ مَن كان أحقَّ بِحِفظه ومَعرفته وفهْمه ظاهرًا وباطنًا، وكذلك أهل القرآن، وأدنى خصلة مِن هؤلاء: مَحبَّة القرآن والحديث والبَحث عنهما وعن مَعانيهما، والعمل بما علِموه مِن موجبها)[24]. مصطلح السلف: السَّلَفُ لغةً: يقول ابن فارس: (سلف: السين واللام والفاء أصلٌ يدُلُّ على تقدُّم وسَبْق، مِن ذلك السلف الذين مَضَوا، والقوم السلاف: المتقدمون). وذكرتْ في القرآن والسُّنَّة بهذا المعنى؛ ففي القرآن: ﴿ فَلَهُ مَا سَلَفَ ﴾ [البقرة: 275]؛ أي: سبق وتقدَّم، وقال سبحانه: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾ [الحاقة: 24]؛ أي: قدَّمْتم في الدنيا. وفي السُّنَّة: قوله صلَّى الله عليه وسلَّم لِحكيم بن حزام: ((أسلمت على ما سَلَفَ مِن خير))[25]. السَّلَفُ اصطلاحًا: هم الصَّحابة والتابعون لهم بإحسان وتابِعُوهم ممن تَمَسَّك بالسُّنَّة، ولم يُعرفْ ببدعة، فهو مصطلح يُرادِف أهلَ السُّنَّة، ولا يَكفي في مُصطلح السلف البُعد الزَّمَنِي المشار إليه في معنى السلف لغةً، ولكن الاعتبار الأول هو مُوافقة سُنَّة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فلما كان الصَّحابة هم أعظمُ قرن تَمَسُّكًا بالسُّنَّة علمًا وعملًا، ثم التابعون، ثم تابعوهم؛ كما في الحديث: ((خيركم قرني، ثم الذين يلُونهم، ثم الذين يلُونهم...))، كان للمعنى اللغوي اعتبار من هذا الوجه، فالصحابة خيرُ سلف لنا. الفِرقة الناجية: وهو مُصطلح مرادف لأهل السُّنَّة مبيِّن لمآلها ومقصودها. • فمقصود أهل السُّنَّة والجماعة: النَّجاة مِن عذاب الله ومُسبِّباته. • ومآل أهل السُّنَّة والجماعة: هو النجاة يومَ القيامة من عذاب الله ووعيده. يقول الجيلاني رحمه الله: (وأما الفرقة الناجية، فهي أهل السُّنَّة والجماعة)[26]. ويقول ابن تيمية في أول رسالة العقيدة الواسطية: (أمَّا بعد، فهذا اعتقاد الفِرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السُّنَّة والجماعة). الطائفة المنصورة: مصطلح الطائفة المنصورة هو مصطلح أخصُّ مِن أهل السُّنَّة أو مُرادف له. فلو كانت النصرة بالسيف والسِّنان، كانت الطائفة المنصورة أخصَّ، وفي الحديث: ((لا تزال طائفة مِن أُمَّتِي ظاهرين على الحق، لا يضرُّهم مَن خَذَلَهم حتى يأتي أمْرُ الله وهم كذلك))، وفي رواية: ((يُقاتلون على الحق))، وإنْ كان المقصودُ أنَّ الله يَنصر مَن يَنصرُه، وأنَّ الله وعَد رُسُله والذين آمنوا بالنصر في الحياة الدنيا ويومَ يَقُومُ الأشهاد، ومعلوم أنَّ كثيرًا من الرسل قُتل أو مات وهو مُستضعَف، وأهل السُّنَّة تَمُرُّ بهم السُّنون وهم في استضعافٍ تامٍّ، لكن اللهَ ناصرُهم، فهم طائفة منصورة، وهذا المعنى مُرادف لأهل السُّنَّة والجماعة. الخارجون عن أهل السُّنَّة والجماعة: لا يَخرج أحدٌ عن أهل السُّنَّة والجماعة، بالمعنى الخاص "إلى فعل غير مُكفِّر"، أو بالمعنى العام "إلى فعل مُكفِّر" نقمةً عليهم، كما لا يَخرج من هذا الدِّين أحدٌ سخطةً عليه؛ كما في حديث هرقل[27]، وإنَّما يَخرج لأحد سببين: "شبهة، شهوة". 1- يخرج من مفهوم الجماعة لشبهة: مثل المبتدِعة وأصحاب الأهواء والمُحْدَثات في الدِّين، كالقَدَرِيَّة، والجهمية، والمعتزلة، والرافضة، والصوفية، والخوارج، وهم كل مَن خرج عن إمامِ المسلمين الشَّرعي خروجًا يُؤدِّي إلى الشذوذ والشِّقاق والفُرقة وإثارة الفتنة، ويلحق بهم أصحابُ المذاهب الهدَّامة مثل العَلْمَانية والليبرالية والقومية والحَدَاثة. 2- يخرج من مفهوم الجماعة لشهوة: أهلُ الفسق والفجور المنظَّم، مثل: جماعة الليونز، والروتاري، وجماعات الشذوذ، وهم الذين لا يَهتدون إلى السُّنَّة، ولا يكفُّون عن الغواية. وليس لأحدٍ إخراج أحد مِن الناس عن أهل السُّنَّة، إلَّا ببرهان كنور الشمس، كما لا يَجوز له إخراج أحدٍ من الإسلام من باب أَوْلَى إلا بدليلٍ وبرهان. فكم مِن مُتشدِّد في مسألة التحذير من التكفير - بحق وبغير حق - يُطلق العِنَان للسانِه في مسألة إخراج كلِّ مَن خالَفَه مِن أهل السُّنَّة والجماعة، أو مِن السلفيَّة، ورمْيه بالبدعة، بلا دليل ولا بُرهان، وقصْر المصطلح عليه وعلى أتباعه! فلْيعلَم أنَّها شهادة ستُكتب عليه، ويُسأل عنها يوم القيامة، نسأل الله أنْ يَجعلنا مِن أهل السُّنَّة والجماعة اعتقادًا وقولًا وسلوكًا؛ إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه. * راجع مفصلًا في: "مفهوم أهل السُّنَّة والجماعة عند أهل السُّنَّة والجماعة"، للدكتور ناصر العقل، مقدمة كتاب "طريق الهداية: مبادئ ومقدِّمات عِلم التوحيد عند أهل السُّنَّة والجماعة"، للدكتور محمد يسري، و"أهل السُّنَّة والجماعة معالم الانطلاقة الكبرى"، للشيخ محمد عبد الهادي المصري، و"مقدِّمة المدخل لدراسة العقيدة الإسلامية على مذهب أهل السُّنَّة والجماعة"، للدكتور إبراهيم محمد البريكان، و"مقدِّمة مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية"، للشيخ عثمان جمعة ضميرية، و"مقدِّمة منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد"، للدكتور عثمان بن علي بن حسن، و"وجوب لزوم الجماعة وترك التفرُّق"، جمال بادي. ============================================== [1] "لسان العرب"، (13/ 225)، مادة: سنن. [2] "لسان العرب"، (13/ 225)، مادة: سنن. [3] "مقاييس اللغة"، مادة: سنَّ. [4] انظر: تفسير ابن كثير، (3/ 54). [5] رواه اللالكائي في "أصول الاعتقاد"، (1/ 55)، وصحَّحه الألباني. [6] "جامع العلوم والحكم"، (2/ 120). [7] انظر: "أصول الاعتقاد"، لللالكائي، (1/ 69). [8] "مجموع الفتاوى"، لابن تيمية، (4/ 436). [9] انظر: "فتح الباري"، (13/ 316). [10] انظر: "فتح الباري"، (13/ 37). [11] رواه أحمد في المسند، وقال الألباني: إسناده حسن ورجاله ثقات. [12] رواه أحمد في المسند، وقال الحاكم: (صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي). [13] "الاعتصام"، للشاطبي، (2/ 261). [14] "فتح الباري"، (13/ 37). [15] متَّفق عليه. [16] "فتح الباري"، (13/ 316). [17] وقد ذكرتها تفصيلًا في مَقالة بعنوان: "منهج أهل السُّنَّة والجماعة في الاستدلال على مسائل العقيدة"، (موقع الألوكة). [18] حديث حسن أخرجه الترمذي وغيره. [19] "العلو للعلي الغفار"، للذهبي، ص120. [20] "شرح أصول الاعتقاد"، للالكائي، (1/ 54). [21] "تفسير ابن كثير"، (3/ 162). [22] "شرح أصول الاعتقاد"، للالكائي، (1/ 64). [23] "منهاج السنة"، (2/ 601). [24] "مجموع الفتاوى"، (4/ 91). [25] متَّفق عليه. [26] "الغنية"، ص85. [27] في حديث هرقل: (فهل يَرجع أحد منهم عن دينه سخطة له؟)، السُّخْط والسَّخَط: الكراهية للشَّيء وعدم الرِّضا به. وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |