غزة رمز للعزة - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 404 - عددالزوار : 151898 )           »          أبت كبدي لا أكذبنْكَ قتالَهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          ملخص كتاب: لماذا لم أتشيع - الأول: المقدمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 558 )           »          سلسلة ‘أمراض على طريق الدعوة‘ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 2984 )           »          قالت هو من عند الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          {وإذا حُييتم... } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          حسرات المجرمين والظالمين يوم القيامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          العقوبات التربوية المفيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          شرح دعاء الغضب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          شرح الدعاء للمتزوج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > فلسطين والأقصى الجريح
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

فلسطين والأقصى الجريح ملتقى يختص بالقضية الفلسطينية واقصانا الجريح ( تابع آخر الأخبار في غزة )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 08-11-2024, 05:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,414
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غزة رمز للعزة

غزة رمز للعزة (21) إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية (3-3)


كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمما تعرضت له أيضًا دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل: بيان ما تعرضت له البنية التحتية في قطاع غزة بأكمله من تدمير غير مسبوق من خلال العدوان الغاشم، واستخدام القوة المفرطة الذي قامت به قوات الاحتلال الإسرائيلية ضد المدنيين وضد أهداف مدنية في قطاع غزة في أعقاب عملية طوفان الأقصى.
حيث جاء في الدعوى: أنه في 16 نوفمبر 2023 حذَّر 15 من المقررين الخاصين للأمم المتحدة و21 عضوًا من مجموعات العمل التابعة للأمم المتحدة من إبادة جماعية قيد التنفيذ في غزة، مشيرين إلى أن مستوى الدمار الذي حدث (حتى ذلك الوقت) من الوحدات السكنية، وكذلك المستشفيات، والمدارس والجامعات، والشركات، ودور العبادة، والمقابر، والمخابز، وأنابيب المياه وشبكات الصرف الصحي، وشبكات الكهرباء، والمؤسسات الثقافية والترفيهية، إلى جانب مواصلة الهجمات المتواصلة على المنظومة الطبية الفلسطيني ونظام الرعاية الصحية، حيث لم تتبقَّ أي مستشفى تعمل بكامل طاقتها بما يهدد باستحالة استمرار الحياة في غزة.
لقد استخدمت إسرائيل في قصفها ضد غزة أسلحة ذات تأثيرية غير تمييزية، مما أدى إلى حصيلة قتلى هائلة وتدمير للبنية التحتية الحيوية في قطاع غزة، لم تدمر إسرائيل المنازل والبيوت والأبنية السكنية فقط بل دمرت شوارع وأحياء بأكملها؛ فضاحية (شجاعية) في مدينة غزة، التي كانت موطنًا لحوالي 110 ألف فلسطيني تبدو الآن كأرض قاحلة واسعة ممتدة بقدر ما تستطيع العين أن ترى، تم تدمير متاجرها ومدارسها وسوقها النابض بالحياة ومنازل العائلات وعيادات الأطباء وشوارعها التاريخية، ومسجد ابن عثمان وكل شيء كان يحافظ على الحياة الفلسطينية هناك.
بالإضافة إلى العديد من مناطق أخرى في غزة قد شهدت مستوى مماثل من الدمار، بما في ذلك بيت حانون وبيت لاهيا ومدينة غزة القديمة والرمال ومخيم (نصيرات) للاجئين في الجنوب، فلم يعد هناك مكان فارغ للأشخاص يتخذوه مأوى حتى في الشوارع والمناطق المفتوحة الأخرى.
إن عدم اتخاذ التدابير الاحترازية لحماية المدنيين في الهجمات العسكرية الإسرائيلية، وعدم التوفيق والتوازن بين اختيار الأساليب والوسائل التي يستخدمها جيش الاحتلال وبين الالتزام بالحرص الواجب على حماية المدنيين والأعيان المدنية، أو على الأقل التقليل من الخسائر العرضية في أرواح المدنيين والأضرار التي تلحق بالأعيان المدنية في مناطق مكتظة بالسكان تشير إلى أن التدمير واسع النطاق هناك ربما تم اعتماده كتكتيك للحرب ضد الفلسطينيين في غزة، وأن قوات الاحتلال تتعمد اتباع سياسة عسكرية تم الاتفاق عليها رغم كونها تنتهك قوانين الحرب.
إن جيش الاحتلال نفذ -وينفذ- عمليات تدمير لِمَ ولا تقتضيها الضرورة العسكرية؛ لقد ألحقت إسرائيل الدمار والضرر خلال أول ثلاثة أشهر من العدوان بما يزيد عن 355 ألف منزل فلسطيني، وحولت -ولا تزال- قطاع غزة إلى أنقاض ومناطق منكوبة، تقتل وتدمر وتخلق ظروف تهدف إلى تصفية شعبها جسديا كمجموعة.
في جميع أنحاء قطاع غزة استهدفت إسرائيل البنية التحتية، وأسس الحياة الفلسطينية مخلفة وراءها عمدًا ظروف حياة محسوبة لإحداث الدمار الجسدي للشعب الفلسطيني، تم تدمير المستشفيات وأنظمة المياه والأراضي الزراعية والمخابز والمطاحن، لقد استهدفت إسرائيل أيضًا النظام المدني الأساسي في غزة، استهدفت قصر العدالة، المبنى الرئيسي للمحاكم الفلسطينية في غزة، الذي يضم المحكمة العليا الفلسطينية والمحكمة الدستورية ومحكمة الاستئناف ومحكمة البداية والمحكمة الإدارية ومحكمة الصلح؛ بالإضافة إلى أرشيف سجلات المحاكم وملفات تاريخية أخرى.
كما ألحقت أضرارًا كبيرة بمجمع المجلس التشريعي الفلسطيني، ومبنى الأرشيف المركزي في مدينة غزة، الذي يحتوي على آلاف الوثائق التاريخية والسجلات الوطنية التي تعود لأكثر من 100 عام، والتي تشكل أرشيفًا أساسيًّا للتاريخ الفلسطيني؛ بالإضافة إلى السجلات الحديثة للتطور الحضري لمدينة غزة، كذلك دمرت إسرائيل الذاكرة الرسمية والسجلات للفلسطينيين في غزة من خلال تدمير الأرشيفات والمعالم في غزة، لمحو الحياة الشخصية والذكريات الخاصة بالتاريخ والمستقبل الفلسطيني من خلال التدمير المتعمد المحسوب للسجلات العائلية والصور الفوتوغرافية، بالإضافة إلى إبادة عائلات فلسطينية متعددة الأجيال بأكملها، إلى جانب قتل وتشويه وترويع جيل كامل من الأطفال؛ جاء في فيديو نشرته (الأونروا) قول أحد الفلسطينيين: (هذه كلها ذكرياتنا، حياتنا بـأكملها... الآن ذهب كل شيء، كل شيء تحول إلى رماد).
لقد تركت إسرائيل المكتبة العامة الرئيسية في مدينة غزة في حالة خراب، كما ألحقت الضرر والدمار لعدد لا يحصى من المكتبات ودور النشر، ومئات المرافق التعليمية؛ كما استهدفت جميع جامعات غزة الأربع، بما في ذلك الجامعة الإسلامية في غزة، وهي أقدم مؤسسة للتعليم العالي في قطاع غزة، والتي خرجت أجيالا من الأطباء والمهندسين، لقد دمرت الحرم الجامعي لتعليم الأجيال القادمة من الفلسطينيين في غزة، كما قتلت إسرائيل الكثير من الأكاديميين الفلسطينيين البارزين، منهم: البروفيسور (سفيان طه) رئيس الجامعة الإسلامية، وهو فيزيائي معروف حائز على جوائز وكرسي اليونسكو لعلم الفلك والفيزياء الفلكية، وعلوم الفضاء في فلسطين، الذي قتل مع أفراد عائلته في ضربة جوية، والدكتور (أحمد حمدي أبو عبسة)، عميد قسم هندسة البرمجيات في جامعة فلسطين، الذي قتل بالرصاص على يد جنود إسرائيليين، وهو يبتعد بعد أن تم إطلاق سراحه بعد ثلاثة أيام من اختفاءه القسري، ومنهم: البروفيسور (محمد عيد شبير) أستاذ علم المناعة والفيروسات، ورئيس سابق للجامعة الإسلامية في غزة، والبروفيسور(رفعت العرير)، وهو أستاذ الأدب المقارن والكتابة الإبداعية في الجامعة الإسلامية في غزة، قتل كلاهما من قبل إسرائيل مع أفراد من عائلاتهما، وقد كان البروفيسور العرير أحد الشعراء المعدودين، وهو من المؤسسين المشاركين للمشروع الشبابي الفلسطيني (نحن لسنا أرقاما).
لقد دمرت إسرائيل العديد من مراكز التعلم والثقافة الفلسطينية، بما في ذلك مسجد (الزفردمري)، ومركز المخطوطات والوثائق القديمة، المركز الثقافي الأرثوذكسي، متحف القرارة الثقافي، مركز غزة للثقافة والفنون، المركز الثقافي الاجتماعي العربي، جمعية الحكاوي للثقافة والفنون، ومتحف رفح، ومتحف غزة الجديد للتراث الفلسطيني، الذي كان يضم مئات القطع الثقافية والأثرية.
لقد دمرت إسرائيل كذلك ما يتعلق بالتاريخ القديم لغزة: حيث تم تدمير وإتلاف ثمانية مواقع؛ منها: الميناء القديم لغزة، المعروف باسم ميناء: (أنثيدون أو البلاخية)، وموقع أثري لمقبرة رومانية عمرها 2000 عام، وهو أثر مدرج في كل من قائمة التراث الإسلامي، والقائمة التمهيدية للتراث العالمي التابعة لليونسكو. وكذلك دمرت المدينة القديمة في غزة، بما في ذلك بيوتها التاريخية التي يبلغ عمرها نحو 150عامًا، والمساجد والكنائس والأسواق والمدارس بأنواعها. كما قامت أيضًا بتدمير التاريخ الأحدث لغزة، بما في ذلك مركز (رشاد الشوا) الثقافي، وموقع لاجتماع تاريخي بين الرئيس الأمريكي (بيل كلينتون) والرئيس الفلسطيني (ياسر عرفات) قبل 25 عامًا، ومركز ثقافي مهم للفلسطينيين في غزة بمسرحه ومكتبته وساحة فاعلياته، ودمرت كذلك إمكانيات غزة الأكاديمية والثقافية المستقبلية.
إلى جانب ما سبق تم تدمير وإضرار 352 مدرسة فلسطينية، وتم قتل 4037 طالبًا و209 معلمًا وموظفين تعليميين كانوا فيها، وتم إصابة 7259 طالبًا و619 معلمًا آخرين؛ كما دمرت إسرائيل وألحقت الضرر بحوالي 318 موقعًا دينيًّا مسلمًا ومسيحيًّا (نصرانيًّا)، كانت تتخذ للعبادة عبر أجيال، من بينها: المسجد العمري الكبير، وهو علامة بارزة في تاريخ غزة وهندستها المعمارية وتراثها الثقافي، وكان مكان للعبادة لأكثر من ألف عام، كما ألحق القصف الإسرائيلي أضرارًا بكنيسة القديس (برفيريوس)، والتي تأسست في عام 425 الميلادي، ويعتقد أنها ثالث أقدم كنيسة في العالم، إلى جانب كنيستين أخريين تعرضا لإطلاق النار المباشر عليهما، وتم استهداف مسيحيين (نصارى) قتلوا في ساحات الكنائس التي لجأوا إليها بإطلاق النار عليهم مباشرة.
هذا إلى جانب تدمير النصب التذكارية الفعلية لتاريخ وتراث الفلسطينيين في غزة؛ فضلًا عن تدمير الشعب الفلسطيني نفسه الذي يشكل هذا التراث، من خلال قتل الشخصيات العامة والمثقفين والمعلمين والصحفيين والإعلاميين، والأطباء، والصناع، والكتاب، ومديري وعمداء الجامعات، ورؤساء المستشفيات، والعلماء البارزين، واللغويين والكتاب والشعراء والفنانين، ومنها قتل أسطورة الفلسطينيين الشيف (مسعود محمد القطاطي)، والذي قتل في ضرب منزله في غارة جوية إسرائيلية في 3 نوفمبر 2023، والذي كان شعار متجره (دع الفقراء يأكلون)، وعرف واشتهر بتوزيعه الحلوى الفلسطينية الشعبية (الكنافة) على المعدمين، وهو ما أكسبه لقب (أبو الفقراء).
كما قتلت (الشيماء سعيد) الطالبة التي حصلت على أعلى الدرجات في الامتحان النهائي للمدرسة الثانوية في فلسطين بأكملها، والتي قتلت مع أفراد عائلتها في هجوم على مخيم النصيرات للاجئين.
لقد شرعت قوات الاحتلال في رفع العلم الإسرائيلي فوق أنقاض المنازل والبلدات والمدن الفلسطينية المدمرة في غزة مدفوعة بنداءات متصاعدة من داخل الحكومة الإسرائيلية وخارجها تنادي بتسوية غزة المدمرة بالأرض تمهيدا لإعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية عليها من جديد.
مطالب جنوب إفريقيا من محكمة العدل الدولية:
استنادًا إلى ما ذكرته ووثقته جنوب إفريقيا في دعواها المقدمة للمحكمة الدولية؛ فإن جنوب إفريقيا تعتقد أن إسرائيل من خلال أجهزتها المعنية وأشخاصها والكيانات الأخرى التي تعمل بتوجيهاتها أو تحت سيطرتها في قطاع غزة قد انتهكت التزاماتها بموجب مواد اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وتأتي أوجه انتهاكاتها لمواد الاتفاقية من خلال أعمال التهديد بالإبادة الجماعية أو الأخذ بها أو تبنيها أو التغاضي عنها من قبل الحكومة الإسرائيلية وجيشها ضد الشعب الفلسطيني في غزة، شاملة ما يلي:
- محاولة ارتكاب الإبادة الجماعة، بما يخالف المادة الثالثة (د).
- ارتكاب الإبادة الجماعية، بما يخالف المادة الثالثة (أ).
- التآمر لارتكاب الإبادة الجماعية، بما يخالف المادة الثالثة (ب).
- الشراكة في ارتكاب الإبادة الجماعية، بما يخالف المادة الثالثة (هاء).
- الفشل في منع الإبادة الجماعية، بما يخالف المادة الأولى.
- الفشل في معاقبة ارتكاب الإبادة الجماعية، والتآمر لارتكاب الإبادة الجماعية، والتحريض المباشر. - والعلني على الإبادة الجماعية، ومحاولة الإبادة الجماعية، والشراكة في الإبادة الجماعية، بما يخالف المواد الأولى والثالثة والرابعة والسادسة.
- الفشل في سن التشريعات اللازمة لإعطاء تأثير لأحكام اتفاقية الإبادة الجماعية، ووضع عقوبات فعالة للأشخاص المذنبين بالإبادة الجماعية والتآمر لارتكاب الإبادة الجماعية والتحريض على الإبادة الجماعية ومحاولة الإبادة الجماعية والشراكة في الإبادة الجماعية، بما يخالف المادة الخامسة.
- الفشل في السماح وعرقلة التحقيق بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل الهيئات الدولية المختصة أو بعثات تقصي الحقائق بشأن الأعمال الإبادية المرتكبة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة كالتزام ضروري ومكمل وفقا للمواد الأولى والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة.
وتطلب من المحكمة أن تحكم وتعلن وفقًا لذلك أن:
- أن إسرائيل خرقت -وتستمر في خرق- العمل بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية.
- أنه يجب على إسرائيل أن توقف أي أعمال وتدابير تخالف تلك الالتزامات.
- ضمان معاقبة إسرائيل للأشخاص الذين يرتكبون الإبادة.
- الالتزام بجمع وحفظ الأدلة على أعمال الإبادة الجماعية وعدم إعاقتها مباشرة أو غير مباشرة.
- الالتزام بالتعويض لصالح الضحايا من الفلسطينيين.
- تقديم ضمانات وتعهدات بعدم تكرار انتهاكات اتفاقية الإبادة الجماعية.
ووفقًا للمادة 41 من نظام المحكمة والمواد 73 و74 و75 من قواعد المحكمة تطلب جنوب إفريقيا من المحكمة تحديد إجراء -أو إجراءات- عاجلة مؤقتة، ممكنة وكاملة وكافية لحماية حقوق الفلسطينيين في غزة، الذين مازالوا معرضين لخطر جسيم ومباشر باستمرار أعمال الإبادة الجماعية المتزايدة ضدهم. فللفلسطينيين كمجموعة حقهم في الوجود وحقهم في الحماية الكاملة من أعمال الإبادة الجماعية ومخاطرها، ومن التآمر ضدهم لارتكاب الإبادة الجماعية، ومن التحريض العلني المباشر وغير المباشر على ارتكاب الإبادة الجماعية ضدهم، ومن محاولة الإبادة الجماعية لهم، ومن الشراكة ضدهم في أعمال الإبادة الجماعية.
وعملًا بالمادة 74 (4) من لائحة المحكمة تطلب جنوب إفريقيا من رئيس المحكمة أن يحمي الشعب الفلسطيني في غزة من خلال الوقف الفوري للهجمات العسكرية التي تشكل أو تؤدي إلى انتهاكات لاتفاقية منع الإبادة الجماعية ريثما تعقد جلسة الاستماع العاجلة للدعوى المقامة ضدها أمام محكمة العدل الدولية، لتمكين أي أمر قد تصدره المحكمة بشأن طلب اتخاذ التدابير المؤقتة من أن يكون له آثاره المناسبة.
ومن أجل تحقيق هذه الغاية ينبغي على المحكمة أمر إسرائيل بالكف عن القتل والتسبب في أذى جسدي وعقلي خطير للفلسطينيين في غزة، والكف عن فرض ظروف معيشية متعمدة تهدف إلى تصفيتهم جسديًّا، ومنع ومعاقبة الإسرائيليين القائمين بالتحريض المباشر والفعلي على الإبادة الجماعية وإلغاء السياسات وكل الممارسات ذات الصلة، بما في ذلك ما يتعلق بتقييد المساعدات لقطاع غزة وإصدار توجيهات الإخلاء.
وتعد من سلطة المحكمة الدولية العليا تحديد إجراءات مؤقتة عندما يمكن أن يلحق ضررًا لا يمكن إصلاحه بالحقوق التي هي موضوع الإجراءات القضائية، أو عندما يمكن أن يترتب على التجاهل المزعوم لمثل هذه الحقوق عواقب لا يمكن إصلاحها، بمعنى وجود فعلي لخطر حقيقي -أو وشيك- يلحق ضررًا لا يمكن إصلاحه قبل أن تصدر المحكمة مستقبلًا حكمها النهائي في القضية.
ولذلك جاء في دعوى جنوب إفريقيا أن هناك خطرًا واضحًا بالضرر الذي لا يمكن إصلاحه تجاه حقوق الفلسطينيين، ولحقوق جنوب إفريقيا الخاصة بموجب الالتزام بالعمل على تنفيذ اتفاقية منع الإبادة الجماعية، والإلحاح الشديد للوضع واضح ذاتيًّا: الفلسطينيون عانوا ويعانون من ضرر لا يمكن إصلاحه من الأعمال الإبادية التي ترتكبها إسرائيل بمخالفة المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، ومن انتهاكات إسرائيل الأخرى للاتفاقية، بما في ذلك فشلها في منع أو معاقبة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية، وأنه إذا ظلت هذه الانتهاكات لاتفاقية الإبادة الجماعية دون رادع، فليس هناك فقط مجرد خطر بل هناك يقين من المزيد من الخسائر البشرية والممتلكات التي لا يمكن إصلاحها والإصابات الخطيرة وأزمة إنسانية متعمقة أكثر، كما ستتأثر بشكل خطير فرصة جمع وحفظ الأدلة لمرحلة الجوهر في الإجراءات إن لم تفقد تماما.
وقد جاء أيضًا في الدعوى مطالبة جنوب إفريقيا: بأنه يجب على إسرائيل تقديم تقرير إلى المحكمة عن جميع التدابير المتخذة لتنفيذ هذا الأمر خلال أسبوع واحد اعتبارًا من تاريخ هذا الأمر، وبعد ذلك بفترات منتظمة، حتى يتم إصدار القرار النهائي في القضية من قبل المحكمة. (للاستزادة في هذا الموضوع: راجع النص العربي الكامل لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل العليا).
ما بين جهود جنوب إفريقيا وتعنت الولايات المتحدة:
لا يعد غريبًا على دولة مثل جنوب إفريقيا أن تقف في جانب شعب فلسطين تنصره بقوة؛ لأنها دولة عانت لعقود طويلة من الاضطهاد والعنصرية الذي مورس ضد سكانها الأصليين، من جانب الاستعمار الهولندي ثم من جانب الاستعمار البريطاني، ذاقت خلالها ألوانًا من العذاب والتحقير والتمييز العرقي حتى تمكنت بعد معاناة شديدة من استرداد حقوقها السليبة؛ ولهذا تقدمت جنوب إفريقيا بدعواها ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي في هولندا في 29 ديسمبر 2023.
وقد لجأت جنوب إفريقيا إلى محكمة العدل الدولية وليس إلى محكمة الجنايات الدولية رغم أن المحكمة الجنائية لها قدرة على تنفيذ أحكامها بينما أحكام محكمة العدل الدولية غير ملزمة التنفيذ؛ لأن محكمة الجنايات الدولية رفضت برئاسة مدعيها العام استلام دعوى جنوب إفريقيا، رافضة إدانة إسرائيل أو الإقرار بما ترتكبه من جرائم حرب، فكان اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، والتي سيعد قرار إدانتها لإسرائيل المتوقع صدوره منها دليل إثبات دولي بأن ما ترتكبه إسرائيل هي جرائم إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة يجرمها القانون الدولي.
وقد أعلنت تركيا عبر وزير خارجيتها يوم 3 يناير 2204 عن تأييدها ومساندتها لدعوى جنوب إفريقيا، وانضمت للدعوى أيضا ماليزيا وكولومبيا وبوليفيا.
وقد قابل قادة إسرائيل التصرف الجريء من جنوب إفريقيا بنوع من الترقب والقلق من إمكانية صدور قرار يدين إسرائيل دوليًّا، وقامت إسرائيل باستنكار الأمر واستهجانه قبل النظر فيه كعادتها، بل واتهمت جنوب إفريقيا بمساندة منظمة إرهابية، أي منظمة حماس وبمعاداة السامية، وكالعادة سارعت الولايات المتحدة بتبني الدفاع عن ربيبتها إسرائيل، فزعمت أن الدعوى لا أساس لها من الصحة ولا تستند إلى حقائق!
وبدأ التهديد والوعيد الأمريكي الإسرائيلي لقضاة المحكمة مسبقًا؛ لمنع صدور أي قرارات إدانة منهم. في الوقت الذي أعلنت فيه ألمانيا والنمسا انضمامهما للفريق القانوني الإسرائيلي أمام المحكمة.
جاء نظر الدعوى في يومين متتاليين (11 و12 يناير 2024) حيث استعرض الفريق القانوني لجنوب إفريقيا في اليوم الأول الوقائع الثابتة التي تؤكد قيام جيش الاحتلال بتعمد القتل العشوائي للمدنيين في قطاع غزة، وأن كمية القنابل والمتفجرات التي استخدمها جيش الاحتلال في العدوان كما وصفها المراقبون هي أكبر كمية من المتفجرات استخدمت في العصر الحديث، مع استخدام متفجرات مفرطة في القوة التدميرية في مناطق مكتظة بالسكان واستخدام القنابل الفسفورية المحرمة دوليًّا، وأن معظم الضحايا من الأطفال والنساء، كما تم منع دخول الغذاء والماء والوقود والمساعدات الطبية لمواطني غزة، وتم هدم منازلهم وتعرضوا للمبيت في العراء في البرد القارس.
بينما طالب الفريق القانوني لإسرائيل برفض الدعوى لعدم اختصاص المحكمة بالنظر في الدعوى مدعيا عدم وجود عناصر الإبادة الجماعية، وأن ما قامت به إسرائيل في غزة كان دفاعًا عن النفس، هو بالطبع ما تكذبه الوقائع التي سبقت طوفان الأقصى في 7 أكتوبر من حصار وتعسف وقتل واعتقالات ومعاناة قاسية بحق الفلسطينيين في غزة.
وقد أصدرت المحكمة حكمًا مؤقتًا اعتبره البعض توافقيًّا يحرص على ألا يعطي الحق كله لطرف من الطرفين دون الآخر، إذ لم يتضمن قرارًا واضحًا وحازمًا بوقف إطلاق النار الفوري، وهو الطلب الأول لدعوى جنوب إفريقيا، لكن المحكمة طالبت إسرائيل باتخاذ كافة التدابير لمنع الإبادة الجماعية ضد المواطنين في غزة، مع تقديم تقرير إلى المحكمة في غضون شهر واحد تشير فيه إلى إجراءاتها في ذلك. وكالمعتاد رفضت إسرائيل قرار المحكمة بمجرد صدوره، وأعلن قادتها أنهم مستمرون في حربهم على غزة، وكذلك رفضتها الولايات المتحدة وزعمت أنه لا توجد شبهة جرائم إبادة تقوم بها إسرائيل في غزة.
محكمة العدل ينقصها العدل:
بعيدًا عن إشادة البعض بقرار المحكمة المؤقت، والذي يفيد بإمكانية أن تكون إسرائيل قد قامت بأعمال جرائم إبادة جماعية، وأنه مكسب للقضية الفلسطينية وقوف إسرائيل في قفص الاتهام أمام محكمة العدل الدولية ولأول مرة في تاريخها، لتواجه بتهمة الإبادة الجماعية التي طالما استند إليها اليهود ضد ألمانيا النازية، رغم أنه قد صدر ضد إسرائيل من قبل عشرات من قرارات الإدانة التي لم تنفذ، ولكن من العجيب أن تتحدث المحكمة عن شبهة قيام إسرائيل بجرائم إبادة ثم لا تطلب الوقف الفوري للحرب مما يفقدها مصداقيتها، ثم كيف تمنح المحكمة إسرائيل المعتدية الحق في مراقبة نفسها، والحق في أن تضع هي لنفسها إجراءاتها لمنع الإبادة الجماعية، وأن تتقدم خلال شهر بتقريرها بشأن التدابير التي اتخذتها في هذا الشأن، فهذا يعد قرارًا هزيلًا يعطي الجاني حق وضع إجراءات المراقبة لنفسه، وكتابة تقرير عنها خلال شهر، أي تترك له فيها الفرصة لاستكمال جرائمه ليظل الباب أمامه مفتوحًا لمواصلة عدوانه الغاشم لحين صدور الحكم النهائي والذي قد يستغرق شهورًا أو سنوات، ومع ذلك رفضت إسرائيل للقرار.
وبعد عدة أشهر جاء قرار المحكمة النهائي التوافقي لإرضاء كل الأطراف حيث وصت المحكمة الجنائية الدولية بإصدار قرار باعتقال ومحاكمة كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزير دفاعه بتهمة الإبادة الجماعية، إلى جانب إصدار قرار اعتقال ومحاكمة مماثل لثلاثة من قادة حماس أي: أنها تساوي بين الجلاد والضحية!


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 28-11-2024, 05:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,414
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غزة رمز للعزة

غزة رمز للعزة (22) قادة إسرائيل يقولون: دمِّروا غزة.. أبيدوا أهلها!



كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فلم تتوقف تصريحات قادة إسرائيل ومسؤوليها وشخصياتها العامة في أعقاب عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 عن التحريض السافر المباشر وغير المباشر على الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وتناقلتها وكالات أنباء عديدة سواء محلية في إسرائيل أو عالمية في شتى أنحاء العالم، وكلها تظهر وتؤكد على النوايا الصريحة من وراء العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة من أول يوم فيه.
وقد أوردت دعوى دولة جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بعضًا من تلك التصريحات العنصرية منذ أكتوبر 2023 وحتى أواخر ديسمبر 2023، أي: في نحو ثلاثة أشهر فقط، وسجلتها في دعواها في المحكمة، وهي تصريحات استمر صدورها من قادة إسرائيل ومسؤوليها عبر شهور طويلة خلال العدوان على غزة وأهلها، تدعو من خلالها وبوقاحة إلى تدمير قطاع غزة تدميرًا كاملًا، وإبادة جميع سكانه؛ رجاله ونسائه، وشيوخه وأطفاله بلا تمييز، (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) (آل عمران: 118)، وهي تشير بجلاء لا لبس فيه إلى وجود النية المبيتة لدى إسرائيل من أول يوم في عدوانها الغاشم على شعب غزة، وبهذه الوحشية والضراوة، وضرورة الأخذ في الاعتبار أن هذا الأمر جد خطير.
وننقل هنا ما أوردته دعوى جنوب إفريقيا في ذلك الأمر، وقدمته إلى تلك الهيئة الدولية لإثبات تهمة التحريض السافر الصريح على الإبادة الجماعية لأكثر من مليونين فلسطيني يقيمون في قطاع غزة، فمن ذلك:
- في 13 أكتوبر 2023 أكَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو (نحن نضرب أعداءنا بقوة غير مسبوقة).
- وفي 15 أكتوبر 2023 بعد أن قتلت بالفعل الضربات الجوية الإسرائيلية أكثر من 2670 فلسطينيًّا مدنيًا أعزل في غزة -منهم 724 طفلًا-؛ صرَّح نتنياهو بأن الجنود الإسرائيليين (يفهمون نطاق المهمة)، و(هم مستعدون لهزيمة الوحوش المتعطشة للدماء التي قامت ضد إسرائيل).
- في 16 أكتوبر وفي خطاب رسمي ألقاه أمام الكنيست الإسرائيلي محرضًا ومهيجًا، وعلى طريقته في الكذب وتصديق كذبه ومطالبة غيره أيضًا بتصديقه، وصف نتنياهو العدوان الوحشي الإسرائيلي على سكان غزة المدنيين بأنه (صراع بين أبناء النور وأبناء الظلام، بين الإنسانية وقانون الغاب!).
وقد كرَّر نتنياهو خطابه التحريضي المغالط للحقيقة هذا في عدة مناسبات، ففي رسالة له إلى الجنود والضباط الإسرائيليين على منصة (أكس) في 3 نوفمبر 2023 أكد فيها أن: (هذه هي الحرب بين أبناء النور وأبناء الظلام. لن نتوقف عن مهمتنا حتى يتغلب النور على الظلام. الخير سيهزم الشر الشديد الذي يهددنا والعالم بأسره!)، كما عاد إلى هذا في رسالته في (عيد الميلاد) قائلًا: (نحن نواجه وحوشًا... وحوشًا قتلت الأطفال أمام والديهم... هذه معركة ليست فقط إسرائيل ضد هؤلاء البرابرة، بل معركة الحضارة ضد الهمجية!).
- وفي 28 أكتوبر 2023 ومع الاستعداد للغزو البري للقوات الإسرائيلية لغزة، استحضر نتنياهو قصة التدمير التام للعماليق من قِبَل بني إسرائيل كما في كتبهم المقدسة، وذلك للتحريض على سكان غزة فقال: (يجب عليك تذكر ما فعله عماليق بك -كما تقول كتبنا المقدسة- ونحن نتذكر!)، وأشار مرة أخرى في رسالة أرسلها في 3 نوفمبر 2023 إلى الجنود والضباط الإسرائيليين إلى قصة العماليق، وفيها ذكر النص الكتابي ذو الصلة كما يلي: (الآن اذهب. هاجم عماليق. وأحرم (أي: اقتل) كل ما يخصه. لا تشفق على أحد، بل اقتل على حدٍّ سواء الرجال والنساء. الأطفال والرضع. الثيران والأغنام. الجمال والحمير!).
- أما رئيس إسرائيل (إسحاق هرتسوج) فأوضح في 12 أكتوبر 2023: أن إسرائيل لا تميز بين المسلحين والمدنيين في غزة، حيث صرَّح في مؤتمر صحفي لوسائل الإعلام الأجنبية فيما يتعلق بالفلسطينيين في غزة والذين يزيد عدد الأطفال بينهم عن مليون طفل: (إنها أمة بأكملها هناك مسئولة. ليس صحيحًا هذا الخطاب عن المدنيين غير المدركين وغير المشاركين؛ ليس صحيحًا على الإطلاق.. وسنقاتل حتى نكسر عمودهم الفقري!).
وفي 15 أكتوبر 2023 أخبر الرئيس الإسرائيلي وسائل الإعلام الأجنبية، على طريقة نتنياهو في الكذب والتحريض، بأنه: (سنقتلع الشر حتى يكون هناك خير للمنطقة بأكملها والعالم).
والرئيس الإسرائيلي هو واحد من العديد من الشخصيات الإسرائيلية الذين كتبوا بخط اليد (رسائل) على القنابل التي ستلقى على المدنيين في غزة.
- أما وزير الدفاع الإسرائيلي (يوآف جالانت) فقد قال في التاسع من أكتوبر 2023: (إن إسرائيل تفرض حصارًا كاملا على غزة؛ لا كهرباء، لا طعام، لا ماء، لا وقود؛ كل شيء مغلق! نحن نقاتل حيوانات بشرية، نحن نتصرف وفقًا لذلك!).
كما أنه أبلغ القوات على حدود غزة بأنه (أطلق جميع القيود) معلنًا بعبارات قاطعة: (غزة لن تعود كما كانت قبل، سنقضي على كل شيء، سنصل إلى جميع الأمان). كما أعلن إن إسرائيل تتحرك نحو (رد كامل النطاق) وأنه (أزال كل قيود عن القوات الإسرائيلية).
- أما وزير الأمن القومي الإسرائيلي (إيتمار بن غفير) فأوضح في 10 نوفمبر 2023 في خطاب تليفزيوني له موقف الحكومة قائلًا: (لتكن الأمور واضحة، عندما نقول: إن حماس يجب أن تدمر؛ فهذا يعني أيضًا الذين يحتفلون، والذين يدعمون، والذين يوزعون الحلوى؛ جميعهم إرهابيون، ويجب أن يدمروا أيضًا).
- أما وزير الطاقة والبنية التحتية الإسرائيلي (إسرائيل كاتس) فقد صرح على (تويتر) في 13 أكتوبر 2023 أن: (جميع السكان المدنيين في عزة مأمورون بمغادرة المكان فورًا، سننتصر، لن يتلقوا قطرة ماء أو بطارية واحدة حتى يغادروا العالم).
وفي تغريدة له في 12 أكتوبر 2023: (مساعدات إنسانية إلى غزة؟ لن يشغل أي مفتاح كهربائي، ولن يفتح أي صنبور ماء، ولن يدخل أي شاحنة وقود، حتى يعاد الأسرى الإسرائيليون إلى ديارهم. الإنسانية مقابل الإنسانية. ولا أحد يعظنا بالأخلاق).
- أما وزير المالية الإسرائيلي (بتسلئيل سموتريتش) فقد صرح في 8 أكتوبر 2023 في اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي إنه (يجب علينا توجيه ضربة لم يشهد لها مثيل منذ 50 عامًا وإسقاط غزة).
- أما وزير التراث الإسرائيلي (أميحاي إيلياهو) فقد نشر على (فيسبوك) في أول نوفمبر 2023: (شمال قطاع غزة أجمل من أي وقت مضى، كل شيء مدمر ومسطح، متعة بصرية حقيقية. يجب علينا التحدث عن اليوم التالي، في ذهني: سنوزع قطع الأراضي على كل من قاتل من أجل غزة على مر السنين، على الذين تم إخلاؤهم من غوش قطيف (مستوطنة إسرائيلية). وفي وقت لاحق جادل هذا الوزير ضد تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين قائلًا: (لن نقدم مساعدات إنسانية للنازيين)، (لا وجود لمدنيين غير متورطين في غزة). وهو أيضًا الذي طرح فكرة إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة!
- أما وزير الزراعة الإسرائيلي (أفي ديختر) فقد ذكر في مقابلة تليفزيونية له نكبة 1948 التي تم فيها إجبار أكثر من 80 % من السكان الفلسطينيين على الفرار من منازلهم لإقامة دولة إسرائيل الجديدة قائلًا: (نحن الآن نطرح نكبة غزة بالفعل).
- أما نائب رئيس الكنيست وعضو لجنة الشئون الخارجية والأمن (نسيم فاتوري) فقال في تغريدة له في 7 أكتوبر 2023: (الآن لدينا جميعًا هدف مشترك: محو قطاع غزة من على وجه الأرض. أولئك الذين لا يستطيعون سيتم استبدالهم).
- وفي 9 أكتوبر 2023 حذر اللواء (غسان عليان) منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في المناطق في فيديو له نشرته القناة الرسمية قائلًا: (حماس أصبحت مثل داعش، ومواطنو غزة يحتفلون بدلًا من أن يشعروا بالرعب. الحيوانات البشرية تعامل وفقًا لذلك. فرضت إسرائيل حصارًا كاملًا على غزة؛ لا كهرباء، لا ماء، فقط الضرر. أردتم جهنم، ستحصلون عليها!).
- وفي 7 أكتوبر 2023 كتب (جيورا إيلاند) اللواء الاحتياطي في الجيش الإسرائيلي، والرئيس السابق لمجلس الأمن القومي ومستشار وزير الدفاع في مجلة على النت يصف عزم قيام إسرائيل بقطع الماء والكهرباء عن غزة فقال: (هذا ما بدأت إسرائيل بفعله، نحن نقطع إمدادات الطاقة والماء والديزل عن القطاع... ولكن هذا ليس كافيًا لجعل الحصار فعالًا، يجب منع الآخرين من تقديم المساعدة لغزة... يجب إخبار الناس أن لديهم خيارين: البقاء والجوع، أو المغادرة. إذا فضلت مصر ودول أخرى أن يموت هؤلاء الناس في غزة؛ فهذا اختيارهم).
وفي نفس اليوم أكد في إحدى الصحف الوطنية أن (عندما تكون في حرب مع دولة أخرى لا تطعمهم، لا تزودهم بالكهرباء أو الغاز أو الماء، أو أي شيء آخر.. يمكن مهاجمة دولة بطريقة أوسع بكثير لجلب الدولة إلى حافة عدم القدرة على العمل. هذه هي النتيجة الضرورية للأحداث في غزة).
وأكد على فائدة خلق أزمة إنسانية في غزة بقوله إنه: (ليس من مصلحة إسرائيل إعادة تأهيل قطاع غزة، وهذه نقطة مهمة يجب توضيحها للأمريكيين). وأنه (إذا أردنا يومًا ما رؤية الرهائن على قيد الحياة، الطريقة الوحيدة هي خلق أزمة إنسانية شديدة في غزة).
وأشار إلى أن الماء يجب أن يكون هدفا، ملاحظًا أن ماء غزة (يأتي من آبار بها مياه مالحة غير صالحة للشرب. لديهم محطات معالجة مياه يجب على إسرائيل ضرب هذه المحطات. عندما يقول العالم كله إننا قد جننا وهذه كارثة إنسانية، سنقول: إنها ليست نهاية، إنها وسيلة).
وفي مقابلة إذاعية بعدها في 12 أكتوبر أعاد التأكيد على أن الجيش يجب: (أن يخلق ضغطًا هائلًا على غزة بحيث تصبح المنطقة مكانًا لا يمكن العيش فيه، لا يمكن العيش حتى يتم تدمير حماس، مما يعني أن إسرائيل لا توقف فقط توريد الطاقة والديزل والماء والطعام كما فعلنا في العشرين سنة الماضية، ولكن يجب علينا منع أي مساعدة ممكنة من الآخرين، وخلق في غزة وضعًا رهيبًا وغير محتمل، يمكن أن يستمر لأسابيع وأشهر).
وقد أكد أيضًا من خلال منصة الإعلام مرارًا الدعوة لجعل غزة غير صالحة للعيش معلنًا (أن دولة إسرائيل ليس لديها خيار سوى جعل غزة مكانًا مؤقتًا أو دائمًا غير صالح للعيش فيه).
وفي مقابلة له بعدها في 6 نوفمبر قال مقترحًا: (إذا كان هناك نية لعمل عسكري في مستشفى الشفاء، والذي أعتقد أنه لا مفر منه، أتمنى أن يكون قد تلقى رئيس الـ (سي آي إيه) تفسيرًا: لماذا هذا ضروري؟ ولماذا يجب على الولايات المتحدة في نهاية المطاف دعم حتى عملية كهذه، حتى لو كانت هناك آلاف الجثث من المدنيين في الشوارع بعد ذلك؟).
واقترح أيضًا أن إسرائيل بحاجة إلى خلق أزمة إنسانية في غزة تجبر عشرات الآلاف أو حتى مئات الآلاف على طلب اللجوء إلى مصر أو الخليج... (غزة ستصبح مكانًا لا يمكن لأي إنسان العيش فيه)، مكررًا في ذلك كلمات رئيس إسرائيل (هرتسوج) الذي كررها مرارًا أنه لا ينبغي التمييز بين مقاتلي حماس والمدنيين الفلسطينيين، قائلًا: (من هن النساء الفقيرات في غزة؟ هم جميع الأمهات والأخوات أو الزوجات لقتلة حماس. من ناحية هن جزء من البنية التحتية التي تدعم المنظمة. ومن ناحية أخرى: إذا واجهن كارثة إنسانية فيمكن افتراض أن بعض مقاتلي حماس والقادة الأصغر سيبدأون بفهم أن الحرب عبثية... يحذرنا المجتمع الدولي من كارثة إنسانية في غزة ومن الأوبئة الشديدة، يجب ألا نتهرب من هذا مهما كان صعًبا. بعد كل شيء، الأوبئة الشديدة في جنوب القطاع ستقرب النصر... إن انهيارها المدني بالضبط هو الذي سيقرب نهاية الحرب. عندما يقول كبار الشخصيات الإسرائيلية في الإعلام (إما نحن أو هم) يجب أن نوضح سؤال: مَن هم؟ (هم)، (هم) ليسوا فقط مقاتلي حماس المسلحين، ولكن أيضًا جميع المسئولين المدنيين، بما في ذلك مديرو المستشفيات والمدارس. وأيضًا كل سكان غزة الذين دعموا حماس بحماس وهللوا لفظائعها في 7 أكتوبر).
- جندي احتياط إسرائيلي يبلغ من العمر 95 عامًا، وهو من قدامي المحاربين الإسرائيليين الذين حضروا مذبحة دير ياسين وحضروا نكبة عام 1948، تم استدعاؤه لرفع معنويات القوات الإسرائيلية قبل الغزو البري لقطاع غزة، حيث قال في خطاب تحفيزي له في 11 أكتوبر 2023 تم بثه على وسائل التوصل الاجتماعي، وهو يحرض الجنود الإسرائيليين على الإبادة الجماعية، يقول وهو يقود مركبة عسكرية إسرائيلية مرتديًا زي الجيش الإسرائيلي: (كونوا منتصرين وأنهوهم. ولا تتركوا أحدا خلفكم. امحوا ذكراهم. امحوهم. عائلاتهم أمهاتهم وأطفالهم. لا يمكن لهؤلاء الحيوانات أن يعيشوا بعد الآن... كل يهودي لديه سلاح يجب أن يخرج ويقتلهم. إذا كان لديك جار عربي لا تنتظر. اذهب إلى منزله وأطلق النار عليه... نريد أن نغزو. ليس كما كان من قبل. نريد الدخول وتدمير ما هو أمامنا، وتدمير البيوت، ثم تدمير الذي يليه بكل قواتنا، دمار كامل، ادخل دمر، كما ترون، سنشهد أشياء لم نحلم بها، ليسقطوا القنابل عليهم ويمحوهم).
- وفي 28 أكتوبر 2023 قال المقدم (جيلاد كينان) رئيس مجموعة عمليات الطيران في الجيش الإسرائيلي يصف سلاح الجو الإسرائيلي بـأنه (يعمل معًا مع جميع الهيئات في جيش الدفاع الإسرائيلي عندما يكون الهدف واضحا: لتدمير كل شيء تم لمسه بيد حماس).
- في 21 ديسمبر 2023 قال (يائير بن داود) وهو قائد في الكتيبة 2908 في الجيش الإسرائيلي في فيديو نشر له على الإنترنت: إن الجيش الإسرائيلي (دخل بيت حانون وفعل هناك كما فعل شمعون وليفي في نابلس)، وأن (كل غزة يجب أن تشبه بيت حانون). وهو يشير بذلك إلى المدينة الواقعة شمال غزة التي دمرها الإسرائيليون بالكامل كما في النص الكتابي عندهم: (في اليوم الثالث عندما كانوا في ألم. أخذ شمعون وليفي اثنان من أبناء يعقوب إخوة دينا، كل واحد مع سيفه جاءوا إلى المدينة دون مضايقات، وقتلوا كل الذكور).
- في 4 نوفمبر 2023 قال (يوغيف بارشيشيت)، وهو عقيد في الجيش الإسرائيلي، وهو نائب رئيس منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في المناطق في فيديو تم تصويره في (بيت لاهيا)، واحدة من قطاع غزة، التي عانت فيما يبدو من مستويات شديدة من الدمار، وتم بثه على التليفزيون الإسرائيلي: (من يعود إلى هنا إذا عاد بعد ذلك سيجد أرضًا محروقة؛ لا بيوت، لا زراعة، لا شيء. ليس لديهم مستقبل).
وعلق (إيريز إيشيل) -وهو عقيد آخر احتياط- قائلًا: (الانتقام قيمة عظيمة، هناك انتقام عما فعلوه بنا... هذا سيكون أرضًا بورًا، لن يتمكنوا من العيش هنا).
- وقد تم تصوير جنود إسرائيليين بالزي الرسمي في 5 ديسمبر 2023 وهم يرقصون ويهتفون ويغنون (لتحترق قريتهم لتمحى غزة)، وبعدها بيومين في 7 ديسمبر تم أيضًا تصوير جنود إسرائيليين داخل غزة يرقصون ويهتفون: (نحن نعرف شعارنا: لا يوجد مدنيون غير متورطين)، (لنمحو نسل عماليق).
وكان عدد الذين قتلوا من المدنيين الفلسطينيين العزل في 7 ديسمبر يوم تصوير هؤلاء الجنود يرقصون ويهتفون قد بلغ وقتها 17177 فلسطينيًّا في غزة، يقدر أن 70 % منهم من النساء والأطفال.
مدنيون إسرائيليون على الخط:
لم يخلُ المجتمع المدني الإسرائيلي كذلك من رسائل وخطابات إبادية بثت بشكل روتيني دون رقابة أو محاسبة على وسائل الإعلام الإسرائيلية، كلها تدعو إلى (محو غزة) وتحويلها إلى (مسلخ)، مع تكرر الادعاء أنه (لا يوجد أبرياء)، وأن هناك 2.5 مليون إرهابي!
ودعا مسئول محلي إلى جعل غزة (مقفرة ومدمرة)، مثل: متحف (أوشفيتز)، يعني المعتقل النازي الشهير في الحرب العالمية الثانية، بينما دعا نواب سابقون وأعضاء في الكنيست غير الوزراء مرارًا وتكرارًا إلى أن يتم محو غزة وتسويتها بالأرض وسحقها على جميع سكانها!
وعبَّر برلمانيون علنًا عن استيائهم ممَّن يشعر بالأسف تجاه سكان غزة غير المتورطين، مؤكدين أنه لا يوجد غير متورطين، وأنه لا يوجد أبرياء في غزة، وأن أطفال غزة جلبوا هذا على أنفسهم، وأنه يجب أن يكون هناك حكم واحد للجميع هناك: الموت! ودعا برلمانيون إلى القصف بلا رحمة من الجو، وإلى نكبة ستطغى على نكبة 1948.
كما شارك أعضاء بارزون في المجتمع الإسرائيلي من نواب سابقين ومذيعين إخباريين في أحاديث كلها تحريض صريح مباشر علني على الإبادة الجماعية لسكان غزة، وكلها مرَّت بغير تحقيق أو معاقبة من قِبَل السلطات الإسرائيلية؛ فقد دعا نائب برلماني سابق إلى قتل جميع الفلسطينيين في غزة قائلًا: (أقول لكم: في غزة دون استثناء جميعهم إرهابيون، أبناء كلاب، يجب القضاء عليهم جميعًا، يجب قتلهم، سنسوي غزة بالأرض، نحولهم إلى غبار، والجيش سينظف المنطقة، ثم سنبدأ ببناء مناطق جديدة لنا، من أجل أمننا) (راجع في ذلك: النص العربي المترجم الكامل لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، ص 41-47 .(

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 28-11-2024, 05:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,414
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غزة رمز للعزة

غزة رمز للعزة (23) إنما العزة لله ولرسوله وللمؤمنين



كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالعزة: حالة مانعة للإنسان أن يُغلَب، من قولهم: أرض عزاز، أي: صلبة. والعزيز: الذي يَقْهَر ولا يُقهَر.
والعزة التي لله -تعالى- ولرسوله وللمؤمنين هي العزة الدائمة الباقية، هي العزة الحقيقية؛ قال الله -تعالى-: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) (فاطر: 10)، أي: مَن كان يريد أن يعز يحتاج أن يكتسب من الله -تعالى- العزة، فإنها له.
وقال الله -تعالى-: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران: 26).
ويقال عزَّ عليَّ كذا: أي: صعب علي. وعزَّه كذا: غلبه. قال -تعالى-: (وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) (ص: 23)، أي: غلبني. وقيل: صار أعز مني في المخاطبة والمخاصمة. وقال الله -تعالى-: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ) (فصلت: 41)، أي: يصعب مناله ووجود مثله.
أما العزة التي هي للكافرين؛ فهي بمعنى التعزز. قال الله -تعالى-: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) (مريم: 81)، أي: ليتمنعوا به من العذاب.
وقد تستعار العزة للحمية والأنفة المذمومة، كما في قوله -تعالى-: (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) (البقرة: 206).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "(وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) أي: إذا وعظ هذا الفاجر في مقاله وفعاله، وقيل له: اتقِ الله، وانزع عن قولك وفعلك وارجع إلى الحق؛ امتنع وأبى، وأخذته الحمية والغضب بالإثم؛ أي: بسبب ما اشتمل عليه من الآثام. (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) أي: هي كافيته عقوبة في ذلك" (تفسير ابن كثير).
وقال الله -تعالى-: (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ . بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) (ص: 1، 2).
قال ابن كثير: "وقوله -تبارك وتعالى-: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) أي: إن في هذا القرآن لذكرى لمن يتذكر وعبرة لمن يعتبر، وإنما لم ينتفع به الكافرون؛ لأنهم (فِي عِزَّةٍ) أي: استكبار عنه وحمية. (وَشِقَاقٍ) أي: مخالفة له ومعاندة ومفارقة" (تفسير ابن كثير).
العزة جميعها لله وحده ولا تطلب إلا من جهته:
قال الله -عز وجل-: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الصافات: 180).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "ينزِّه -تبارك وتعالى- نفسه الكريمة ويقدسها ويبرئها عما يقول الظالمون المكذبون المعتدون، -تعالى- وتنزَّه وتقدَّس عن قولهم علوًّا كبيرًا؛ ولهذا قال -تبارك وتعالى-: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ) أي: ذي العزة التي لا ترام. (عَمَّا يَصِفُونَ) أي: عن قول هؤلاء المعتدين المفترين" (تفسير ابن كثير).
وقال الله -تعالى-: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا .الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) (النساء: 138، 139).
قال ابن كثير في قوله -تعالى-: "(أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ): ثم أخبر الله -تعالى- بأن العزة كلها له وحده لا شريك له، ولمن جعلها له، كما قال -تعالى- في الآية الأخرى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا)، وقال -تعالى-: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ). والمقصود من هذا: التهييج على طلب العزة من جناب الله والإقبال على عبوديته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين؛ الذين حصل لهم النصرة في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد" (تفسير ابن كثير).
قال عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله-: "والحال أن العزة لله جميعًا؛ فإن نواصي العباد بيده، ومشيئته نافذة فيهم. وقد تكفل بنصر دينه وعباده المؤمنين، ولو تخلل ذلك بعض الامتحان لعباده المؤمنين، وإدالة العدو عليهم إدالة غير مستمرة، فإن العاقبة والاستقرار للمؤمنين. وفي هذه الآية الترهيب العظيم من موالاة الكافرين وترك موالاة المؤمنين وأن ذلك من صفات المنافقين، وأن الإيمان يقتضي محبة المؤمنين وموالاتهم، وبغض الكافرين وعداوتهم" (انظر: تيسير الكريم الرحمن).
وقال الله -تعالى-: (وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (يونس: 65).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "يقول -تعالى- لرسوله: (وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) واستعن بالله عليهم وتوكل عليه فإن العزة لله جميعًا، أي: جميعها له ولرسوله وللمؤمنين. (هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي: السميع لأقوال عباده، العليم بأحوالهم" (تفسير ابن كثير).
قال الله -تعالى-: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (فاطر: 10).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: مَن كان يحب أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة، فيلزم طاعة الله -تعالى-، فإنه يحصل له مقصوده؛ لأن الله -تعالى- مالك الدنيا والآخرة، وله العزة جميعًا، كما قال -تعالى-: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)، وقال -عز وجل-: (وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)، وقال جل جلاله: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ). قال مجاهد: من كان يريد العزة بعبادة الأوثان، فإن العزة لله جميعًا. وقال قتادة: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا)؛ أي: فليتعزز بطاعة الله -عز وجل-" (تفسير ابن كثير).
قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "أي: يا من يريد العزة اطلبها ممن هي في يده، فإن العزة بيد الله، ولا تنال إلا بطاعته. وقد ذكرها بقوله: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ)، من قراءة وتسبيح وتحميد وتهليل، وكل كلام حسن طيب، فيرفع إلى الله ويعرض عليه، ويثني الله على صاحبه في الملأ الأعلى. (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)، من أعمال القلوب وأعمال الجوارح، يرفعه الله -تعالى- إليه أيضًا كالكلم الطيب. وأما السيئات فإنها بالعكس؛ يريد صاحبها الرفعة بها، ويمكر ويكيد، ويعود ذلك عليه، ولا يزداد إلا هوانًا ونزولًا، ولهذا قال: (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) يهانون فيه غاية الإهانة. (وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) أي: يهلك ويضمحل، ولا يفيدهم شيئًا، لأنه مكر بالباطل لأجل الباطل" (تفسير السعدي).
وقال الله -تعالى-: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ . لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (المنافقون: 7، 8).
وقد نزلت هاتان الآيتان أثناء رجوع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من غزوة تبوك، حيث قال عبد الله بن أبي رأس المنافقين بالمدينة هذه المقالة الشنيعة؛ فردَّ الله -تعالى- عليه قوله، وبيَّن أن العزة الحقيقية الدائمة كلها إنما هي لله -تعالى-، ومنه يستمد المؤمنون الملتزمون بشرعه وأحكامه عزتهم.
من كمال العزة تجنب الوهن والاستكانة:
من كمال عزة المؤمن أنه لا يقبل الوهن والضعف والاستكانة، بل يستعين بالله -تعالى- دائمًا ولا يعجز، ويتوكل على الله -تعالى- ولا ييأس، ويصبر على الصعب ولا يجزع، ولا يقصر في طلب ما يجب عليه، وهو يعلم أن الله -تعالى- بفضله وكرمه يجبر عجزه إن وجد، ولكن لا يجبر له تقصيره إن وقع فيه، فلله الأمر من قبل ومن بعد، وهو المستعان وعليه التكلان؛ قال الله -تعالى-: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران: 139).
وقال الله -تعالى-: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء: 104).
قال ابن كثير: "وقوله -تعالى-: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ)، أي: لا تضعفوا في طلب عدوكم، بل جدوا فيهم وقاتلوهم، واقعدوا لهم كل مرصد. (إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ)، أي: كما يصيبكم الجراح والقتل، كذلك يحصل لهم، كما قال -تعالى-: (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ). ثم قال -تعالى-: (وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ)، أي: أنتم وإياهم سواء فيما يصيبكم وإياهم من الجراح والآلام، ولكن أنتم ترجون من الله المثوبة والنصر والتأييد كما وعدكم إياه في كتابه وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهو وعد حق وخبر صدق، وهم لا يرجون شيئًا من ذلك، فأنتم أولى بالجهاد منهم، وأشد رغبة فيه، وفي إقامة كلمة الله وإعلائها. (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) أي: هو أعلم وأحكم فيما يقره ويقضيه وينفذه ويمضيه من أحكامه الكونية والشرعية، وهو المحمود على كل حال" (تفسير ابن كثير).
وقال الله -تعالى-: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (محمد: 35). قال ابن كثير: (فَلَا تَهِنُوا) أي: لا تضعفوا عن الأعداء (وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ)؛ أي: المهادنة والمسالمة ووضع القتال بينكم وبين الكفار في حال قوتكم وكثرة عددكم وعدتكم؛ ولهذا قال: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ)، أي: في حال علوكم على عدوكم؛ فأما إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة بالنسبة إلى جميع المسلمين ورأى الإمام في المهادنة والمعاهدة مصلحة؛ فله أن يفعل ذلك، كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين صدَّه كفار قريش عن مكة، ودعوه إلى الصلح ووضع الحرب بينهم وبينه عشر سنين فأجابهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك.
وقوله جلت عظمته (وَاللَّهُ مَعَكُمْ) فيه بشرى عظيمة بالنصر والظفر على الأعداء، (وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) أي: ولن يحبطها ويبطلها ويسلبكم إياها، بل يوفيكم ثوابها، ولا ينقصكم منها شيئًا، والله أعلم" (تفسير ابن كثير).
ووصف الله -تعالى- حال الأمم المؤمنة السابقة مع أنبيائهم في هذا الشأن فقال الله -تعالى-: (وَكَمْ مِن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رَبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ . وَمَا كَانَ قَوْلُهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ . فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران: 146-148).
والمراد كم من نبي قاتل وقُتِل بين يديه جموع كثيرة من أتباعه من العلماء والصالحين، فما وهن من بقي منهم، وما ضعفوا عن عدوهم، وما ذلوا له، وما استكانوا، حتى إن قُتِل نبيهم أو قُتِل منهم الكثير، بل صبروا وثبتوا رغم ما أصابهم في الجهاد في سبيل الله -تعالى-، وتحملوا دفاعًا عن دينهم. بل كانوا على تمام العبودية لله -تعالى- باللجوء إليه والعمل في مرضاته، يخافون التقصير في جنب الله -تعالى-، وتتعلق قلوبهم به في النصرة والتثبيت: (وَمَا كَانَ قَوْلُهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، فجمع الله -تعالى- بين خيري الدنيا والآخرة؛ قال الله -تعالى-: (فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ).
موقف في السيرة النبوية تتجلى فيه معاني العزة:
رغم الهزيمة القاسية التي تعرَّض لها المسلمون يوم أُحُد على يد كفار قريش، فقد احتفظ المسلمون بكامل عزتهم، ولم يصبهم الضعف والوهن وهم في أصعب الظروف وأسوأها.
وقد نقل ابن القيم في (زاد المعاد) هذا الموقف الفريد للطائفة المؤمنة عقب انتهاء المعركة فقال: "ولما انقضت الحرب، أشرف أبو سفيان على الجبل فنادى: أفيكم محمد؟ فلم يجيبوه. فقال: أفيكم ابن أبي قحافة؟ فلم يجيبوه. فقال: أفيكم عمر بن الخطاب؟ فلم يجيبوه، ولم يسأل إلا عن هؤلاء الثلاثة لعلمه وعلم قومه أن قيام الإسلام بهم. فقال: أما هؤلاء فقد كفيتموهم، فلم يملك عمر نفسه أن قال: يا عدو الله إن الذي ذكرتهم أحياء، وقد أبقى الله لك ما يسؤك. فقال: إن في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني، ثم قال: اعلُ هبل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ألا تجيبوه؟ فقالوا: فما نقول؟ قال: قولوا الله أعلى وأجل. ثم قال: لنا العزى ولا عزى لكم. قال: ألا تجيبوه؟ قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم.
فأمر -أي: النبي -صلى الله عليه وسلم- بجوابه عند افتخاره بآلهتهم وبشركه، تعظيمًا للتوحيد، وإعلامًا بعزة من يعبده المسلمون، وقوة جانبه، وأنه لا يغلب، ونحن حزبه وجنده. ولم يأمرهم بإجابته حين قال: أفيكم محمد؟ أفيكم ابن أبي قحافة؟ أفيكم عمر بن الخطاب؟ بل روي أنه نهاهم عن إجابته، وقال: لا تجيبوه؛ لأن كلمهم (جرحهم) لم يكن برد بعد في طلب القوم ونار غيظهم متوقدة. فلما قال لأصحابه: أما هؤلاء فقد كفيتموهم، حمي عمر بن الخطاب واشتد غضبه وقال: كذبت يا عدو الله، فكان في هذا الإعلام من الإذلال والشجاعة وعدم الجبن والتعرف إلى العدو في تلك الحال ما يؤذنهم بقوة القوم وبسالتهم، وأنهم لم يهنوا ولم يضعفوا، وأنه وقومه جديرون ألا يخافهم المسلمون، وقد أبقى الله لهم ما يسؤهم.
وأيضًا فإن في تركهم، وكان في الإعلام ببقاء هؤلاء الثلاثة -بعد وهلة وظن قومه أنهم قد أصيبوا- من المصلحة وغيظ العدو وحزبه، والفت في عضده ما ليس في جوابه حين سأل عنهم واحدًا واحدًا، فكان سؤاله عنهم ونعيهم لقومه آخر سهام العدو وكيده، فصبر له النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى استوى في كيده، ثم انتدب له عمر فرد سهام كيده عليه، وكان ترك الجواب أولًا عليه أحسن، وذكره ثانيًا أحسن.
وأيضًا فإن في ترك إجابته حين سأل عنهم إهانة له وتصغيرًا لشأنه، فلما منته نفسه موتهم، وظن أنهم قد قتلوا، وحصل له من الكبر بذلك والأشر ما حصل، كان جوابه إهانة له وتحقيرًا، ولم يكن مخالفًا لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تجيبوه، فإنه إنما نهى عن إجابته حين سأل: أفيكم محمد؟ أفيكم فلان؟ أفيكم فلان؟ ولم ينه عن إجابته حين قال: أما هؤلاء فقد قتلوا، وبكل حال فلا أحسن من ترك إجابته أولًا، ولا أحسن من إجابته ثانيًا. ثم قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر والحرب سجال، فأجابه عمر فقال: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار) (انظر: زاد المعاد).
وروى الإمام أحمد: لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اسْتَوُوا ‌حَتَّى ‌أُثْنِيَ ‌عَلَى ‌رَبِّي) ‌فَصَارُوا ‌خَلْفَهُ ‌صُفُوفًا، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ، وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالأَمْنَ يَوْمَ الْحَرْبِ، اللَّهُمَّ عَائِذًا بِكَ مِنْ سُوءِ مَا أَعْطَيْتَنَا، وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ مِنَّا، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ، غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَيُكَذِّبُونَ رُسَلَكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، إِلَهَ الْحَقِّ) (رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني). (انظر: الرحيق المختوم).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 28-11-2024, 05:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,414
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غزة رمز للعزة

غزة رمز للعزة (24)

الحراك الطلابي العالمي لمناصرة شعب غزة.. مظاهره وآثاره




كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد شهدت العشرات من الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية الكثير من المظاهرات الطلابية العارمة؛ احتجاجًا وتضامنًا مع شعب غزة في مواجهة جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي تعرض -ويتعرض- لها شعب قطاع غزة من شهور طويلة، في واحدة من المشاهد العجيبة؛ التي ما كانت لتحدث لولا صمود وصلابة المقاومة الفلسطينية وجَلَد وثبات، وصبر وتحمل شعب غزة الأبي!
وهو ما دفع الكثيرين في أمريكا ودول أوروبا الغربية إلى إعادة النظر من جديد في وجهة نظرهم نحو القضية الفلسطينية ككل، ومعاناة شعب غزة خاصة، ثم مخالفة ما عليه سياسات حكوماتهم من التأييد المطلق والدعم المفرط لجيش الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه الوحشي على شعب غزة، والذي أسفر عن عشرات الآلاف من الشهداء وعشرات آلاف أكثر من المصابين والمفقودين، مع تدمير البنية التحتية العمرانية والصحية والتعليمية والاقتصادية للقطاع، إلى جانب استخدام سلاح القتل البطيء من خلال الحصار الكامل لمنع الطعام والماء والوقود والكهرباء والدواء والمساعدات الطبية والإنسانية، في واحدة من أسوأ الجرائم الإنسانية في تاريخ البشرية الحديث، وهي الجرائم التي حركت وهزت مشاعر الشباب والطلاب في أمريكا وأوروبا الغربية الذين نشأوا وتربوا على مناصرة إسرائيل والتعاطف معها منذ نشأتها عبر عقود طويلة، في ظل هيمنة الصهيونية العالمية على الإعلام الغربي المرئي والمقروء والمسموع ، وما يروج له من مفاهيم خاطئة ومعلومات كاذبة عما يحدث داخل فلسطين المحتلة، وكذلك في ظل السياسات الاستعمارية والعنصرية لحكام وزعماء وساسة الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية، والتي تعد إسرائيل بفضلهم وبجهودهم النموذج الأبرز -وربما الوحيد- في العالم حاليا للاستعمار العسكري المباشر البغيض وللتفرقة العنصرية المجحفة؛ إذ إن كل من يدرس جيدا التاريخ الحديث للمنطقة العربية يدرك أن إسرائيل هي من صناعة الغرب، صنعها على عينه الاستعمار القديم (بريطانيا)، وتولى كبر دعمها وحمايتها واستمرارها من بعده الاستعمار الجديد (الولايات المتحدة)، لتكون إسرائيل دائما أداة لعدم الاستقرار في المنطقة العربية تستنزف طاقاتها وقدراتها، وتحول بينها و بين تقدمها وازدهاها وتحقيق وحدتها التي فيها قوتها وعزها.
البداية في الولايات المتحدة:
رغم أن الاحتجاجات على الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة ظهرت بعد العدوان الإسرائيلي على غزة في مناطق متعددة معتاد فيها القيام بالاحتجاجات في الولايات المتحدة سواء أمام البيت الأبيض أو الكونجرس الأمريكي أو مقر الأمم المتحدة في نيويورك، لكن على غير المتوقع اشتعلت المظاهرات الطلابية العارمة في الجامعات الأمريكية، والتي بدت أشبه بثورة طلابية لم تشهدها أمريكا من قبل في تاريخها الحديث؛ إذ إن حجم هذه المظاهرات الكبير لم يكن يتخيله أحد، وهي تعارض وتناهض سياسة الحكومة الأمريكية، في سابقة لم تشهد الجامعات الأمريكية مثلها من قبل ربما منذ الحرب في فيتنام، فكانت أشبه بالزلزال، فالطلبة الذين يدرسون مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي لجأوا إلى التعبير عن استنكارهم لما يحدث داخل غزة؛ فهناك إبادة جماعية، وهناك ازدواجية في المعايير.
لقد دفعت الانتهاكات الشنيعة وغير المسبوقة التي يتعرض لها شعب فلسطين الكثير من الأمريكيين إلى البحث وبشكل شخصي عن الحقيقة، والتعرف على المعلومات الصحيحة عما يحدث في الأراضي الفلسطينية، وعدم الاعتماد الكلي فقط على الإعلام الأمريكي الذي لا يقول الحقيقة كاملة.
ورغم أن الدستور الأمريكي يكفل للمواطنين حرية التعبير عن الرأي ويكفل حرية التظاهر السلمي بدون وجود أي مظاهر للعنف أو التحريض عليه فقد تعرضت تلك المظاهرات الطلابية داخل الجامعات الأمريكية للقمع وتعرض المشاركين فيها للاعتقال.
كانت الشرارة الأولى في جامعة كولومبيا، والتي توصف بأنها جامعة تضم طلاب أبناء النخب في الولايات المتحدة، والتي منها انتقلت المظاهرات إلى الجامعات الأمريكية الأخرى.
وقد قام رئيس مجلس النواب الأمريكي (مايك جونسون) بزيارة جامعة كولومبيا حيث هدد رئيسة الجامعة (نعمت شفيق) -وهي من أصول مصرية- بأنه إن لم يتم احتواء المظاهرات سريعًا فسيتم الدفع بقوات من الحرس الوطني إلى الجامعة، ويذكر أن قوات الحرس الوطني تلك قد تسببت من قبل في قتل طلاب عام 1970 خلال مظاهرات الاحتجاج على الحرب في فيتنام، وبدورها قامت رئيسة الجامعة باستدعاء الشرطة إلى داخل الجامعة لفض المظاهرات والسيطرة على الأوضاع.
جاء القمع للمظاهرات تارة بزعم وجود أشخاص أو نشطاء من خارج الجامعة يحرضون الطلبة على العنف، وتارة بأن هذه التظاهرات تجعل الطلبة اليهود هدفًا لها، خاصة وقد ندد (نتن ياهو) بتلك المظاهرات ودعا الحكومة الأمريكية إلى وقفها بزعم أنها معادية للسامية. وقد استخدمت قوات الأمن العنف والغاز المسيل للدموع لفض المتظاهرين؛ الأمر الذي زاد من حدة الاحتجاجات وانتقالها إلى جامعات أخرى. وقد تم اعتقال أكثر من مائة من الطلاب المعتصمين في جامعة كولومبيا من بينهم ابنة لإحدى النائبات الأمريكيات.
وفي جامعة جنوب كاليفورنيا ترتب على التظاهرات فيها الإعلان عن إلغاء حفل التخرج الذي كان مقررًا عقده في 10 مايو 2024، وذلك عقب اعتقال أكثر من 90 متظاهرا داخل الجامعة، حيث أقام الطلاب المتظاهرون ما أسموه (مخيم فلسطين الحرة) في إحدى المناطق المركزية بالجامعة. وقد صرَّحت المتحدثة باسم المتظاهرين أن المخيم الذي نظمته حركة الطلاب يمثل التضامن مع فلسطين، وأنه استجابة لدعوة للتصعيد خاصة فيما يتعلق باعتقال وقمع الطلاب المؤيدين لفلسطين، لقد مثلت الاعتصامات داخل ساحات الجامعات بالخيام متماثلا لما يعيشه أكثر من مليوني فلسطيني نازح ومشرد في قطاع غزة، فكانت دافعا لمزيد من الحراك في الجامعات الأخرى داخل أمريكا وخارجها.
وفي جامعة (إيمرسون) في (بوسطن) تم إلقاء القبض على 108 من الطلاب، بينما في جامعة (تكساس) تم اعتقال 55 شخصا. وقد هددت بعض إدارات تلك الجامعات بفصل الطلاب المحتجين.
وفي جامعة (ميتشجان) تم نصب معسكر ضم حوالي 20 خيمة بالساحة الرئيسية في الجامعة، مما دفع الجامعة إلى تعزيز إجراءاتها الأمنية داخل الجامعة. كما امتدت الاحتجاجات الطلابية إلى جامعات أخرى زادت عن 40 جامعة منها: جامعة (هارفارد) و(بيلوتافتس) و(نورث وسترن)، وهي جامعات معظمها لا يلتحق بها إلا الطلاب النوابغ والمتفوقون وكذلك أبناء المليارديرات والتي تؤهل وتضمن للخريجين منها المراكز والوظائف المرموقة في الدولة. وقد انضم إلى الطلاب أيضًا بعض الأساتذة وأعضاء هيئات التدريس بتلك الجامعات حيث ساندت الجمعية الأمريكية لأساتذة الجامعات المتظاهرين من الطلاب رافضة سياسة القمع ضدهم.
وقد بلغ من قوة دوي تلك التظاهرات والاحتجاجات ما جعل (نتن ياهو) رئيس وزراء إسرائيل يقوم بالتعليق عليها والهجوم عليها ووصف طلابها بمعاداة السامية داعيا الحكومة الأمريكية بالتصدي لتلك الاحتجاجات ومنعها، بينما دعا (بن غفير) عضو الحكومة الإسرائيلية المتطرف إلى تشكيل مجموعات مسلحة للتصدي لهؤلاء الطلاب المتظاهرين وقمعهم.
مطالب للطلبة المتظاهرين:
وقد كان من مطالب الطلاب المتظاهرين قطع استثمارات الجامعات مع إسرائيل ومع الشركات التي تساعدها في حملتها العسكرية؛ إذ إن جامعة كولومبيا -على سبيل المثال- لديها استثمارات مباشرة في شركات؛ مثل: أمازون وجوجل اللتين أبرمتا عقدًا للحوسبة السحابية بقيمة 1.2 مليار دولار مع الحكومة الإسرائيلية.
كما طالب الطلاب بسحب استثمارات الجامعة مع شركة (مايكروسوفت) التي تستخدم وزارة الدفاع الإسرائيلية خدماتها، وكذلك شركة (لوكهيد مارتن) التي تزود إسرائيل بالسلاح؛ كما طالبت مجموعة من الطلاب في معهد (ماساتشوستش) للتكنولوجيا أطلقت على نفسها (علماء ضد الإبادة الجماعية) بتوقف المعهد عن قبول التمويل البحثي من الجيش الإسرائيلي، بينما رفض متظاهرون في جامعة (ميتشجان) نقل مخيمهم الذي أقاموه بالجامعة حتى تتوقف الجامعة عن إرسال الأموال إلى مديري الاستثمار الذين يستفيدون من الشركات أو المقاولين الإسرائيليين.
ووفقًا لما جاء في منشور على وسائل الاتصال الاجتماعي من جامعة كاليفورنيا أن المتظاهرين حثوا أيضًا إدارة الجامعة على قطع العلاقات الأكاديمية مع الجامعات والبرامج الإسرائيلية (راجع في ذلك: مقال: مأساة غزة تشعل المظاهرات في جامعات أمريكية، جريدة الأسبوع - عدد 29 إبريل 2024 - 20 شوال 1445، ص 6).
وقد عقدت لجنة التعليم في الكونجرس الأمريكي جلسة مساءلة لرؤساء ثلاث جامعات أمريكية، وهي (بنسلفانيا) و(هارفارد) ومعهد (ماساتشوستس)، بدعوى عدم القدرة على السيطرة على خطاب الكراهية لليهود، وبدعوى إعطاء مساحة لمعاداة السامية في جامعاتهم، وطالبت بعض رؤساء الجامعات بالاستقالة، وقد استقالت بالفعل رئيسة جامعة بنسلفانيا بعد أربعة أيام من تلك الجلسة، وأعقبتها أيضا استقالة رئيسة جامعة هارفارد.
ويرى مراقبون في الشأن الأمريكي أن تلك الأحداث داخل الجامعات الأمريكية سيكون لها أبعاد مختلفة وتأثير على الانتخابات الأمريكية المقبلة في ظل الدعم الأمريكي غير المشروط لإدارة الرئيس الأمريكي (جو بايدن) خلال شهور العدوان على قطاع غزة؛ خاصة وأن أجندة الحزب الديمقراطي الذي يتزعمه (بايدن) تميل في سياستها الخارجية إلى تأييد حل قيام دولتين إسرائيلية وفلسطينية.
المظاهرات الطلابية في أوروبا:
امتدت المظاهرات الطلابية إلى أغلب دول أوروبا الغربية حيث شهدت الجامعات خاصة في دول أوروبا الغربية المؤيدة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والداعمة لها بقوة ماديًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا في إنجلترا وفرنسا وألمانيا وهولندا والنمسا، إلى جانب تظاهرات طلابية في دول أخرى غير أوروبية. وقد شهدت هذه المظاهرات الأوروبية إصرارًا واستمرارية في مواجهة سياسات حكوماتهم الداعمة لإسرائيل؛ نظرًا لما ترتكبه قوات الاحتلال الإسرائيلية من أعمال إبادة جماعية ضد شعب غزة وقتل للأطفال والنساء والشيوخ والشباب الأعزل الذي لا يحمل السلاح بدم بارد.
ومع تصاعد الاحتجاجات والاعتصامات للحركة الطلابية كان القمع حاضرًا:
- ففي فرنسا قمعت الشرطة في 30 إبريل 2024 احتجاجات طلبة جامعة (تولوز)، وكان الطلاب المحتجون فيها يطالبون بإنهاء شراكة جامعتهم مع جامعتين إسرائيليتين متواطئتين مع الإبادة الجامعية في غزة، كذلك امتدت الاحتجاجات إلى جامعة (رامس) التي استولى فيها الطلاب على مكتبة الجامعة كشكل من أشكال الاحتجاج. وفي معهد (باريس) للعلوم السياسية صعد الطلاب إجراءاتهم في يوم الخميس 2 مايو 2024 حيث بدأ 7 طلاب منهم إضرابًا عن الطعام، مما دفع الشرطة في اليوم التالي -الجمعة 3 مايو- إلى العمل بالقوة على فض الاعتصام وإجلاء الطلاب المحتجين.
- وفي هولندا فضت الشرطة بالقوة اعتصامًا للطلاب في جامعة (أمستردام).
- وتكررت أحداث مشابهة في جامعة (برلين) في ألمانيا.
وقد نجحت تلك الاحتجاجات الطلابية في تحقيق بعض الإنجازات؛ منها:
- قيام بعض الجامعات الغربية بقطع علاقاتها مع شركات إسرائيلية.
- موافقة بعض الجامعات الأخرى على دراسة استثماراتها وعلاقتها مع دولة الاحتلال، ومنها: كلية (ترينيتي) في إيرلندا، وجامعتي (مينيسوتا) و(براون) في الولايات المتحدة الأمريكية، وجامعة (جولد سميث) في بريطانيا، وجامعة (برشلونة) في إسبانيا.
- وفي إسبانيا أصدر مجلس الجامعات الإسبانية الذي يضم 76 جامعة في 10 مايو 2024 بيانًا يدعم التحرك الطلابي متعهدا بمراجعة العلاقات الأكاديمية مع الجامعات الإسرائيلية، مع الإعلان عن العزم على قطع العلاقات مع أي جامعة لا تلتزم بالسلام والقانون الدولي (راجع في ذلك: مقال: الحرب على غزة والحراك الطلابي: القوة والتأثير، للباحث التونسي يحيى قاعود والباحثة دعد محمود – مجلة الديمقراطية - مؤسسة الأهرام – عدد يوليو 2024، 224-227).
وبالتأكيد فإن مثل هذه النتائج لا تعني إمكانية التغيير المطلوب للدول الغربية في دعمها لإسرائيل في يوم وليلة، لكن -على الأقل- ستكون أشبه بأمواج عائقة أحدثتها أصوات الطلبة وهدير هتافاتهم المطالبة للحرية والعدل المفقود في حق الفلسطينيين، وهي أصوات ليست هينة أو ضعيفة؛ لأنها صادرة من أعرق الجامعات الأمريكية والأوروبية الغربية والتي جعلت لأمريكا ودول أوروبا الغربية تفوقها وسبقها العلمي.
تأثير الحراك الطلابي العالمي:
- تكمن قوة تأثير هذا الحراك الطلابي العالمي في كونه حراكًا في مجتمع أكاديمي، تكتسب فيه المؤسسات التعليمية وزنًا مهمًّا فهي تضم ملايين من الطلاب والباحثين والأساتذة والموظفين حول العالم، وهي ملايين تمتاز بسمات العلم والمعرفة ولها تأثيراتها على كل الطبقات الاجتماعية الأخرى.
- إمكانية تخطي الاحتجاجات أسوار الجامعات خاصة في ظل القمع المتصاعد التي تتعرض لها الحركات الطلابية، بدأ من مشاركة أهالي الطلبة لمساندة أبنائهم الطلبة وكذلك أساتذة الجامعات، والعديد من الشخصيات العامة المؤثرة.
- كون الحراك الطلابي العالمي يأتي من إيمان متأصل بحقوق الشعب الفلسطيني، خاصة بين المتخصصين من هؤلاء الطلاب والدارسين للقانون الدولي وحقوق الإنسان، أو من دارسي العلوم السياسية وعلم الاجتماع، وهو إيمان إن تأكد لا يسهل هدمه بالدعاية السياسية الموجهة أو الوعود المزيفة.
- اكتساب أنصار للقضية الفلسطينية يتضامنون معها لا على أنها قضية إنسانية فحسب بل لكونها أيضا قضية سياسية.
- كون هذا الحراك يحدث في الدول الغربية الداعمة بقوة لجيش الاحتلال في جرائم الإبادة الجماعية من خلال المشاركة والدعم المادي والعسكري والحماية بالفيتو المتكرر في الأمم المتحدة يشير إلى خطأ هذا الدعم وخطأ القائمين عليه من باب (وشهد شاهد من أهلها).
- احتمالية تصاعد الاحتجاجات الطلابية في كل -أو معظم- دول العالم شرقًا وغربًا، وتشكيل رأي عالمي متضامن مع حقوق الشعب الفلسطيني يتسبب في عزلة كبيرة لدولة الاحتلال، وربما يهدد بقطع العلاقات معها، والاعتراف المتزايد بالدولة الفلسطينية المرتقبة في المحافل الدولية.
- إمكانية التأثير الفعلي للحراك في السياسات الغربية؛ خاصة مع اقتراب الانتخابات العامة في عدة دول خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
إن التحرك الطلابي الحالي في دول العالم الغربي واستمراره وتصاعده يتطلب إلى جانب تنظيم هذا التحرك قيام الطلبة العرب والفلسطينيين بمد هذه الحركة الطلابية في دول العالم الغربي بالفيديوهات الحية والبيانات والمعلومات الدقيقة الموثقة حول جرائم قوات الاحتلال وأعمال الإبادة الجماعية والمحافظة على التواصل والتفاعل معها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها لتعزيز مواقف التحرك الطلابي العالمي، وللزيادة من حجم تضامنه مع القضية الفلسطينية.
جندي أمريكي يحرق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية:
بعيدًا عن الاحتجاجات الطلابية وتوابعها في الولايات المتحدة فقد شهدت أمريكا صورة أخرى صارخة من الاحتجاج على جرائم الحرب والإبادة الجماعية الإسرائيلية في حق الفلسطينيين في غزة، وتداولتها وسائل الإعلام العالمية، قام بها جندي أمريكي بعد مرور نحو أربعة أشهر من العدوان على قطاع غزة، حيث نقلت وسائل الإعلام الأمريكية خبر إحراق الجندي الأمريكي (آرون بوشنيل) نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في (واشنطن)، وهو بكامل ملابسه العسكرية احتجاجًا على الجرائم التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة.
وبوشنيل هو جندي في القوات الجوية الأمريكية منذ 2020، حيث يعمل فني أنظمة عملاء في إدارة التكنولوجيا، ويسعى للحصول على بكالوريوس العلوم في هندسة البرمجيات في جامعة (نيو هامبشاير)، وهو يقيم في سان أنطونيو بولاية تكساس. وقد سكب الجندي مادة قابلة للاشتعال من قارورة على نفسه وأشعل النار فيها، وتم نقله إلى مستشفى محلي في حالة حرجة حيث توفي متأثرًا بحروقه.
وقد قام الجندي الشاب ببث مقطع فيديو له على الهواء مباشرة عبر الإنترنت عبر منصة (تويتش) الاجتماعية قبل الحادث قال فيه: (لن أكون متواطئًا بعد الآن في الإبادة الجماعية). وقال: (لن أشارك بعد الآن في الإبادة الجماعية).
وأضاف وهو في طريقه إلى مبنى السفارة الإسرائيلية: (سأنظم احتجاجًا عنيفًا للغاية الآن، ولكن احتجاجي ليس كبيرًا بالمقارنة مع ما يعيشه الفلسطينيون على أيدي محتليهم)، ثم أضرم النار في نفسه وهو يصرخ: (الحرية لفلسطين)، يكررها مرارًا حتى توقفت أنفاسه.
وقد أثار مشهد الحرق مشاعر الفزع لدى المواطنين الأمريكان، وصاحبها مشاعر من الغضب تجاه مسئول تأمين السفارة الإسرائيلية الذي اكتفى بإشهار مسدسه في وجه بونشنيل دون أي مسارعة منه لإطفاء النار، كما تملك الكثيرون الغضب من الإعلام الأمريكي الذي تعامل مع الحدث وكأنه حدث محدود الأهمية. وقد أعاد هذا الحدث الدرامي الدموي وقتها من جديد الأزمة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون إلى صدارة نشرات الأخبار الأمريكية والدولية مرة أخرى بعد أن خبت شعلتها قليلًا فلم تعد في صدارة الأخبار (راجع مقال: آرون بوشنيل يهز ضمير العالم، لمحمد البنا - جريدة النهار المصرية - عدد 28 فبراير 2024، ص 3، ومقال: رسائل الجندي بوشنيل) لأحمد أبو المعاطي - جريدة الأهرام - عدد 1 مارس 2024، ص 12).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 28-11-2024, 05:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,414
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غزة رمز للعزة

غزة رمز للعزة (25)

في انتظار مقاطعة أكثر فاعلية



كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ففي مقابلة العدوان الإسرائيلي الوحشي السافر على سكان قطاع غزة وما صاحبه من جرائم حرب شنيعة، وأعمال إبادة جماعية واسعة ومتواصلة تم فيها قتل أعداد كبيرة من النساء والأطفال والشيوخ بدم بارد! جاءت المقاطعات الشعبية في العالم العربي والعالم الإسلامي لمنتجات شركات عالمية تتعامل مع الكيان المحتل وتمده بالدعم المادي كي يواصل اعتداءاته الوحشية على إخواننا الفلسطينيين في غزة، وهذا الدعم من هذه الشركات الأمريكية والأوروبية معروف من قبل ليس بجديد عليها؛ إلا أن مواصلته والتأكيد عليه في هذه المرحلة من العدوان الإسرائيلي يعد تأييدًا ظاهرًا ورضاءً كاملًا، ومشاركة صريحة من هذه الشركات في ارتكاب تلك المجازر والجرائم التي لا تتوقف ليل نهار في حق الفلسطينيين، ويستوجب قطعًا الوقوف ضدها وقفة جادة؛ لحملها على التراجع عن هذا الدعم وتلك المساندة السافرة للكيان المحتل.
وهذه المقاطعة لتلك الشركات العالمية -وإن كانت أضعف الإيمان- سلاح لا يستهان به إذا استخدمته الشعوب الاستخدام الأمثل، وحافظت على متابعته واستمراره في ظل عالم صارت تحكمه أولًا وأخيرًا المصالح الاقتصادية، ويحرِّكه الحرص الدائم على تحقيق أكبر قدرٍ من الأرباح، ونيل أعلى المكاسب بشتى الوسائل.
وتعد مصر واحدة من الأسواق الكبيرة التي يتم فيها تسويق الكثير من المنتجات والسلع الغربية، للكثافة السكانية أولًا، ولإدمان كل ما هو مستورد والانبهار به ثانيًا، وهو سلوك من مخلفات فترة الاحتلال الأجنبي الذي رحلت جيوشه وبقيت هيمنته على كثير من النفوس، ولو على حساب المنتجات المصرية ولو كانت تلك المنتجات المصرية لا تقل عن الأجنبية جودة، بل ولو كانت تقل عنها سعرًا، وبالتالي ضخامة الأموال التي تنفق على تلك المنتجات والسلع.
ولعل من حسنات تلك المقاطعة الشعبية لمنتجات وبضائع تلك الشركات العالمية الداعمة لإسرائيل وسلاسل المحلات التابعة لها أن كثيرًا من الشباب صار يقود تلك المقاطعة ويتحمس لها ويدعو إليها فعلًا وقولًا، وهو أمر يجعلنا نتفاءل ونحسن الظن بشبابنا ووعيهم، والأجمل أن نرى أطفال المدارس الصغار من أكثر الناس حماسًا ومشاركة في تلك المقاطعة على صغر أعمارهم، فمنهم من كان يحب أنواع من المأكولات أو الحلوى أو المشروبات فقاطعها، وحث غيره على مقاطعتها، وهو يشعر أنه إنما يفعل شيئًا كبيرًا، وهو بالفعل شيء كبير؛ لأنه يشكل وينمي فيهم وجدانهم وإحساسهم بآلام المظلومين من إخوانهم في غزة، ويا له من شعور.
حرب إعلامية على الشركات العالمية الداعمة لإسرائيل:
مع تمادي العدوان الإسرائيلي وتمادي شركات عالمية بعضها شركات عملاقة في دعمها المادي للكيان الصهيوني عجَّت وسائل الاتصال الاجتماعي في العالم العربي والإسلامي بدعوات لمعاقبة تلك الشركات اقتصاديًّا، وتوالي إصدار قوائم عديدة بالأسماء والعلامات التجارية لتلك الشركات العالمية التي لها أنشطة وفروع وسلاسل محلات في العالم العربي والعالم الإسلامي وينبغي مقاطعتها.
وقد وصلت رسالة المقاطعة تلك للعديد من تلك الشركات العالمية بأن المستهلكين في العالم العربي والإسلامي -وبدون أي قرارات رسمية من حكومات أو دول- غير راضين عن سياسة تلك الشركات وأنهم لن يشاركوا معهم في قتل إخوانهم بشراء ودعم منتجات وسلع تذهب بعض أرباحها لقتلهم.
وقد تأثرت بعض هذه الشركات العالمية إلى حدٍّ ما بتلك المقاطعة من خلال انخفاض قيمة أسهمها السوقية، أو انخفاض مبيعاتها، أو اضطرارها إلى إغلاق بعض فروعها؛ فمن ذلك: إعلان المدير المالي لشركة مأكولات سريعة - كانت قد أعلنت أنها ستقدم وجبات مجانية للجنود الإسرائيليين في قطاع غزة - أن الشركة خسرت نحو 7 مليارات دولار من قيمتها؛ بسبب تأثير المقاطعة الشعبية في المنطقة العربية والعالم الإسلامي لمبيعات الشركة منذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في دلالة واضحة على مدى قدرة تلك المقاطعة الشعبية على التأثير، ولم يختلف الوضع كثيرًا في شركة مشروبات ساخنة حيث اشتكى العاملون بها من بدء اتخاذ الشركة لإجراءات من بينها خفض عدد العاملين في فروعها مع استمرار المقاطعة، والتي تسببت في خسائر تاريخية للشركة قدرت بنحو 98 و10 مليار دولار، حيث بدت محلاتها في جميع المولات خالية من الزبائن ، بالرغم من تقديم عروض وتخفيضات على مدار الأيام الماضية؛ هذا بعد أن كانت هذه الشركة الأعلى مبيعًا.
وأكد المتابعون أنه في حالة استمرار المقاطعة ستلجأ الشركة إلى غلق 30 % -على الأقل- من محلاتها وتسريح أعداد من العاملين بها في ظل تصاعد الخسائر في مصر وخارجها.
الإقبال على المنتجات المحلية البديلة:
ترتب على تلك المقاطعة وتزايدها، تزايد البحث عن البديل لها من المنتج المحلي الجيد لتوفيره ودعمه بكل قوة والترويج له، من خلال حملات للترويج للمنتج المحلي، وقد تم بالفعل تدشين صفحات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي لتعريف الجمهور بكثير من المنتجات المحلية والتي قد تكون منسية، وهي من إنتاج شركات الصناعات الغذائية والمشروبات والمحلات الوطنية، والتي تقدِّم بدائل مشابهة للمنتجات والسلع الأجنبية، وذلك تحت شعار: (اشترِ المصري)، وهو أمر له -بالطبع- مردوده الإيجابي على الاقتصاد القومي، وكان -وما زال وسيظل- مطلوبًا من الأمة لتقوية اقتصادها ودعمه، وهو اتجاه يجدد التساؤل المنطقي: لماذا لم نفعل ذلك منذ سنوات طويلة؟ ولماذا لا تكون الأرباح الناشئة من التهافت على المنتجات الأجنبية والترويج لها لتسويقها في بلادنا هي من حقِّ أبنائنا العاملين فيها بإنتاجهم مثل تلك السلع وتقديم مثل هذه الخدمات؟
والجواب بيدنا لا بيد غيرنا؛ خاصة وأننا نعاني من اعتمادنا في أكلنا وشرابنا على البضائع والسلع والمنتجات، والمأكولات والمشروبات الأجنبية، ونستورد الكميات الكبيرة منها من الخارج؛ سواء من السلع الأساسية الضرورية أو من المنتجات الكمالية بما يؤثر بشكل بالغ على اقتصادنا القومي.
وفي المقابل -ووفقًا للتقارير الرسمية-: فهناك آلاف من المصانع في بلادنا متوقفة عن العمل، وآلاف أخرى متعثرة، وهي أرقام مفزعة بكل المقاييس، تجعلنا نتندم على الأيام التي كانت فيها الصناعات المصرية المحلية لها شأنها ودورها الفعال في الاقتصاد المصري، من صناعة الملابس الجاهزة في شركات الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، ومنافذها في كل مكان، والتي كانت تلبي احتياجات كل الأسر المصرية، وكذلك المصنوعات الجلدية من الأحذية والحقائب بأنواعها المختلفة والأثاث، والأدوات المنزلية، والتي تراجعنا فيها في العقود الأخيرة تراجعًا كبيرًا، فتوقف الكثير منها عن الإنتاج، وما بقي يعمل منها فإنتاجه ضعيف لا يكفي احتياجاتنا، وتحتاج جميعها إلى تطوير كبير، وقد هجرها صناعها المهرة أو تقدمت بهم الأعمار، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
منتجات محلية استفادت من المقاطعة:
- منها: مبيعات (سبيروسباتس)، وهي إحدى الشركات الوطنية الرائدة وتعمل في السوق المصرية من عقود، ولها منتجات منتشرة في كلِّ المحافظات، وصارت بديلًا للمشروبات الغازية الأجنبية، حيث ارتفعت مبيعاتها بنحو 350% حسب أغلب التقديرات. بدأت الشركة في أول الأمر باسم: (سابسا) في السويس، ثم انتقلت إلى القاهرة بعد هزيمة 1967. وفي عام 1998 قامت الشركة بشراء شركة (سباتوس) من الخواجة اليوناني (سبيروسباتس)، وبدأت في إنتاج نفس المنتج باسم: الخواجة. وفي عام 2014 تم بيع المصنع وتوقف عن العمل بسبب وفاة الأب المؤسس للشركة وسفر بعض أبناء العائلة للخارج.
وفي عام 2019 تم لم شمل العائلة من جديد وعادوا للعمل في مصر من جديد. كان يعمل بمصنع سبيروسباتس نحو 150 عاملًا، ويملك المصنع 20 سيارة تقوم بتوزيع المنتج في كل أنحاء الجمهورية؛ بالإضافة إلى استخدام السكك الحديدية في نقل المنتج إلى المناطق البعيدة؛ مثل: كوم أمبو في أقصى الصعيد، ومؤخرًا أعلن المصنع عن تكثيف حركة الإنتاج والتشغيل على مدار الساعة؛ لتلبية احتياجات السوق المحلية، وتوزيع وزيادة خطوط الإنتاج، وتنتج الشركة حوالي 150 باكت في اليوم، وهذا هو الحد الأقصى لطاقة المصنع الإنتاجية.
- ومنها: مبيعات شركة مصر كافيه، والتي لاقت اهتمامًا واسعًا من رواد دعوات دعم المنتج المحلي على السوشيال ميديا حيث ارتفعت مبيعاتها نحو 30%. وللشركة 18 منتجًا محليًّا وتقوم بتصدير الكثير منها للخارج، حيث إن لديها فائضًا في الطاقة الإنتاجية يكفي الطلب المحلي ولا تحتاج معه إلى زيادة خطوط إنتاجها.
وقد تأسست الشركة في عام 1984، ويقع مصنعها الرئيسي في مدينة العاشر من رمضان، وبالشركة نحو 800 عامل، وتعد أول شركة محلية متخصصة في إنتاج القهوة المحمصة والقهوة الفورية في مصر والشرق الأوسط.
- ومنها: شركة (قها) للأغذية المحفوظة التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية بوزارة التموين والتجارة الداخلية، والتي عادت للسوق من جديد من خلال منافذها الثابتة وفتحت أكشاك جديدة بناء على طلبات الجمهور وتساؤلاته عن منافذ البيع، وقد زادت الشركة من منتجاتها من خلال مصانعها الثلاثة بمدينة (قها) بالقليوبية، ومركز بدر بالبحيرة ومصنعها الثالث في الإسكندرية. والشركة تعد أول شركة في مصر في مجال التعليب، حيث أنشئت عام 1940 بمصنعها في القليوبية.
- ومنها: شركة (أفانتي)، التي حققت زيادة في مبيعاتها بنحو 25%، وللشركة نحو 100 منتج، وتصدر نحو 20 % من إنتاجها، وتصل طاقتها الإنتاجية إلى ألف طن شهريًّا، وتسعى الشركة إلى إضافة خطوط جديدة في منتجات جديدة مثل: الجبن؛ حيث تتوقع الاستحواذ على 20 % من منتج معين من الجبن. وكانت الشركة قد بدأت عام 1945 كمشروع صغير.
- ومنها: شركة الشمعدان، التي ارتفع مبيعاتها من البسكويت خلال أكتوبر 2023 بنحو 20%، وللشركة أكثر من 50 نوعًا من المنتجات، وهناك زيادة في الطلب على 10 منتجات منها على الأقل؛ لذا قامت الشركة بالتوسع في مراكز البيع.
- ومنها: شركة (فريدال) للمنظفات والعطور المصرية التي زادت مبيعاتها بنحو 40 %، وتسعى لزيادة 3 خطوط إنتاج لتلبية الزيادة في الطلبات حيث زاد إنتاجها الشهري في أكتوبر 2023 من 4 ملايين عبوة إلى 6 مليون عبوة. (راجع مقال: مصائب المقاطعة عند قوم فوائد: شركات الأغذية والمشروبات المحلية تعيش أسعد أيام حياتها، جريدة الفجر - عدد 9 نوفمبر 2023، ص 8).
ولا شك أن هذا الإقبال على المنتجات المحلية يتطلب من القائمين عليها مراعاة الجودة العالية والسعر المناسب الذي يراعي المشتري ويحقق الربح المعقول لاستعادة تلك المنتجات المحلية لمكانتها المرموقة واكتساب ثقة المشترين بها.
وجه آخر للمقاطعة الاقتصادية:
في الوقت الذي أحدثت فيه المقاطعة الشعبية أثرها على الشركات العالمية الداعمة للكيان الصهيوني ظهرت مشكلة تتعلق بنظام (الفرانشايز) في مصر. و(الفرانشايز) شركات مساهمة مصرية، يمتلكها مستثمرون مصريون يحصلون من الشركات الأجنبية الأم على حق استخدام اسم الشركة الأم أو علامتها التجارية في فروع تفتح في مصر ويمتلكها هؤلاء المستثمرون مقابل مبلغ محدد يسدده المستثمر لا يرتبط بربح الفرع أو خسارته. وهي شركات مصرية تقوم بتوظيف عمالة مصرية ولها استثمارات بالمليارات، وتقوم بسداد ضرائب وتأمينات لخزانة الدولة المصرية، وهي لا تقوم بالطبع بدعم الكيان الصهيوني بأي دعم، وإنما قد تدعمه الشركة الأم في الخارج أو وكيلها الموجود في إسرائيل؛ أي: أن تلك الفروع المصرية تنحصر مسئوليتها فقط داخل حدود مصر، ولا علاقة لها مطلقًا بما يقوم به الآخرون في البلاد الأخرى.
وقد طالت خسائر المقاطعة تلك الشركات المصرية التي تعمل بنظام (الفرانشايز) مما جعل بعضها يستغني عن عدد من العاملين فيها، خاصة ممن يعملون بنظام اليومية، كما تأثر عمال التوصيل لديهم (المعروفين بالطيارين) الذين صارت أعدادهم في تناقص مستمر بسبب تراجع الطلبات التي كان يطلبها المشترون، والتي تسببت أيضًا في خسائر أثرت على نسب الأرباح والحوافز التي يتقاضاها العاملون. وهذا يستدعي -كما يرى البعض- ضرورة التفريق بين فروع الشركات العالمية التي يمكن مقاطعة أجزاء منها تمتلكها الشركة الأم وفروع ينبغي عدم مقاطعتها إذ لا تمتلكها الشركة الأم، أي: ينبغي على المشارك في المقاطعة الرجوع إلى أصل الشركة العاملة في مصر للتعرف عليها هل هي تعمل بنظام الفرانشايز؟ أي: تستغل فقط الاسم العالمي للشركة الأم، أو تحمل العلامة التجارية للشركة في مقابل مبلغ محدد تسدده للشركة الأجنبية الأم، وبالتالي لا تتأثر الشركة الأجنبية الأم بمقاطعة تلك الفروع المصرية وتقتصر خسائر المقاطعة في هذه الحالة على المستثمرين المصريين فقط؟ أم أنها فروع من الشركة الأجنبية الأم تابعة لها مباشرة وبالتالي تتأثر الشركة الأم بالمقاطعة بخسارة مباشرة؟ وهذا الأمر يتطلب من الجهات المعنية بالاقتصاد القومي؛ مثل: اتحاد الصناعات والغرف التجارية، أو جهاز حماية المستهلك القيام بدراسة الأمر جيدًا، وبالتالي وضع قوائم موثقة للمقاطعة يسترشد بها المقاطعون في تحديد المنتجات وسلاسل المحلات والشركات الجديرة بالمقاطعة دون غيرها؛ ليقع تأثير المقاطعة على الشركات العالمية الأم لا على المستثمرين والعمالة المصرية التي تعمل بنظام الفرانشايز؛ إلا إذ رأت تلك الجهات تقديم جانب المصلحة العامة أو العليا للمقاطعة على جانب المصالح الشخصية الأقل للمستثمرين، وهو أمر وارد ترجيحه ولو نظريًّا!
مدى جدوى المقاطعة حتى الآن:
- يرى البعض أن المقاطعة الشعبية آتت أكلها حيث أعربت عن نفسها بتحقيق مقدار من الضرر على شركات أجنبية داعمة للكيان الصهيونية أثَّر على البعض منها، فمنها من تراجع عن دعمه وأظهر الحياد، ومنها فروع أعلنت تقديم العون المادي للفلسطينيين، ومنها من اكتفى بخفض أسعار منتجاته أو كمية الإنتاج، ومنها من أغلقت بعض فروعها أو خفضت عمالها.
ويرى هؤلاء أنه من غير المرجح أن تكون لحملة المقاطعة تلك التأثير الإستراتيجي الكبير أو التغيير الفوري في السياسات الغربية، إلا أن هذه المقاطعة تعد هي الوسيلة المتاحة للشعوب العربية والإسلامية لمناصرة الفلسطينيين، ونشر الوعي بالقضية الفلسطينية.
- أما البعض فيتحمس أكثر لجانب المقاطعة، ويرى أن سلاح المقاطعة يمكن أن يحدث أثرًا أكبر بكثير مما أحدثه ويحدثه إذا أجيد استخدامه، فيكون أكثر انضباطًا ووضوحًا وتوجهًا، لا كما هو عليه الآن من العشوائية، فجهوده متروكة لوسائل التواصل الاجتماعي باجتهادات فردية أو جماعية غير منظمة، فلا معيار واضح لما ينبغي مقاطعته؛ لذا يجب تدخل كيانات من المجتمع المدني أو مؤسسات وجهات اقتصادية معنية تقوم بقيادة ومتابعة تلك المقاطعة ومراجعة تأثيرها، وجوانب القوة والضعف فيها، والمراجعة من آنٍ لآخر أسماء الشركات والمنتجات التي ينبغي مقاطعتها، بل والدخول -إن أمكن- في تفاوض مع هذه الشركات للوصول معها إلى حلول مرضية، وفي المقابل تشجيع ودعم المنتجات المصنعة محليا لزيادة الاستثمارات الوطنية، على أن يتم ذلك على أوسع نطاق وأكبر مشاركة ممكنة، ومن خلال متابعة جادة ومستمرة، تطور من أدائها، وتكون قابلة للتحرك والاستجابة لها في أي وقت وفي أي مكان لتحقيق الهدف المنشود.
إن دعوات المقاطعة الشعبية في الدول العربية والإسلامية قادرة أن تكلف العدو الصهيوني والدول الغربية الداعمة والمؤيدة له خسائر تصل إلى مئات المليارات من الدولارات؛ إذا أحسن تطبيقها من خلال مشاركة نحو 2 مليار مسلم في شتى بقاع المعمورة، تضطر معه هذه الشركات العالمية اضطرارًا إلى تصحيح مواقفها والتراجع عن غيها؛ إذ لا تستطيع تحمل تلك الخسارة الضخمة إن تحققت.
إن حجم صادرات الولايات المتحدة للدول العربية والعالم الإسلامي تبلغ نحو 150 مليار دولار، وجزء كبير منها يرتبط بالمنتجات الاستهلاكية، والمنتجات الزراعية والأغذية، ويمكن بصورة أو أخرى توجيه المقاطعة لاستبدال الواردات من الولايات المتحدة بواردات من دول أخرى لا تدعم الكيان الصهيوني بهذه الصورة الفجة كالصين وروسيا.
هذا إلى جانب ما في تلك المقاطعة من جوانب أخرى إيجابية كبيرة؛ منها: دعم المنتجات المحلية، وتوطين الصناعة الوطنية، وزيادة الدخل القومي والصادرات وتقليل الواردات، وتخفيف الضغط على العملات الأجنبية خاصة الدولار.
- وبالنسبة لسلاسل الفرانشايز: فلتحويل المقاطعة إلى مقاطعة إيجابية فلا بد من التحاور مع أصحاب تلك السلاسل وإقناعهم بالاستغناء عن الشركات الأم وعلاماتها التجارية، خاصة وأنهم يملكون كل المقومات اللازمة لفتح فروع لمحلات وطنية لإنتاج نفس المنتج الأجنبي من خلال الفنيين الوطنيين وامتلاك كيفية التصنيع والمعدات اللازمة لتقديم بديل مقبول للمنتج الأجنبي بنفس الجودة، خاصة في ظل تشجيع المواطنين لهم في ظل المقاطعة الشعبية للمنتجات الأجنبية وتقديم المنتجات المحلية عليها.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 153.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 150.14 كيلو بايت... تم توفير 3.51 كيلو بايت...بمعدل (2.28%)]