|
ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#161
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 164) مثنى محمد هبيان ﴿ٱلحَجُّ أَشهُرࣱ مَّعلُومَـٰتࣱۚ فَمَن فَرَضَ فِیهِنَّ ٱلحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِی ٱلحَجِّۗ وَمَا تَفعَلُوا۟ مِن خَیرࣲ یَعلَمهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُوا۟ فَإِنَّ خَیرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ یَـٰأُولِی ٱلأَلبَـٰبِ﴾ [البقرة: 197] السؤال الأول: ما الفرق بين الفسق والكفر والظلم؟ الجواب: 1ـ الفسق: هو الخروج عن الطاعة من: (فسقت الرطبة) إذا خرجت من قشرها، ويمتد هذا الفسق من أيسر الخروج حتى يصل إلى الكفر، وكله يسمى فسقاً، فالذي يخرج عن الطاعة وإنْ كان قليلاً يسمى فاسقاً والكافر يسمى فاسقاً أيضاً. شواهد قرآنية: ﴿إِلَّآ إِبلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمرِ رَبِّهِۦٓۗ﴾ [الكهف:50] الكلام عن إبليس. ﴿وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلفَٰسِقُونَ﴾ [النور:55] الكفر سماه فسوقاً، والنفاق سماه فسوقاً. ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤمِنا كَمَن كَانَ فَاسِقاۚ لَّا يَستَوُۥنَ﴾ [السجدة:18]. ﴿إِنَّ ٱلمُنَٰفِقِينَ هُمُ ٱلفَٰسِقُونَ﴾ [التوبة:67]. والفسق هو الخروج عن الطاعة، والفاسق ليس بالضرورة كافراً؛ لكنْ قد يصل إلى الكفر، وقد لا يصل كما في آية البقرة هذه: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلحَجِّۗ﴾ [البقرة:197] فالفسوق ليس كفراً هنا، وكيف يكون كفراً في الحج؟ وكذا في قوله تعالى: ﴿وَإِن تَفعَلُواْ فَإِنَّهُۥ فُسُوقُۢ بِكُمۡۗ﴾ [البقرة:282] فهذا ليس كفراً. وليس كل فاسق كافراً، لكن كل كافر فاسق قطعاً، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلمُنَٰفِقِينَ هُمُ ٱلفَٰسِقُونَ﴾ [التوبة:67]. 2ـ الظلم: هو مجاوزة الحد عموماً، وقد يصل إلى الكفر: ﴿وَٱلكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ﴾ [البقرة:254] وقد لا يصل. 3ـ أما الكفر: فهو الخروج عن المِلّة، والكفر أصله اللغوي السِّتُر، وتستعار الدلالة اللغوية للدلالة الشرعية. السؤال الثاني: لم عبّر ربنا سبحانه وتعالى بالنفي في قوله: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلحَجِّۗ﴾ [البقرة:197] ولم يعبّر بالنهي فلم يقل: ولا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا؟ الجواب: ذلك لأنّ النفي أبلغ من النهي الصريح، فالنهي قد يعني أنه يمكن أن يحصل هذا الفعل لكنكم منهيوّن عنه، أمّا النفي فيعني أنّ هذا الفعل ينبغي أنْ لا يقع أصلاً، وأنْ لا يكون له وجود أبداً، فضلاً عن أنْ يفعله أحدٌ منكم أيها المسلمون، ومن ثمّ أدخل النفي على الاسم لينفي جنس الفعل وأصله. السؤال الثالث: أمر في الآية بالتقوى بشكل عام ثم أمر أولي الألباب خاصة بالتقوى، فماذا يسمى هذا في اللغة؟ الجواب: قوله تعالى: ﴿وَمَا تَفعَلُواْ مِنۡ خَيرٖ يَعلَمهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَٰٓأُوْلِي ٱلأَلبَٰبِ﴾ [البقرة:197] تأمل أخي المؤمن كيف ذكر الأمر بالتقوى عاماً للناس كلهم، ثم أمر أولي الألباب خاصة بالتقوى، وهذا يسمى الإطناب، وفائدة الإطناب هنا أنْ الأمر بالتقوى ليس خاصاً بأولي الألباب وحدهم ولا يتوجه الكلام إليهم دون غيرهم؛ لأنّ كل إنسان مأمور بالتقوى، لكنْ ذكر هنا الخاص بعد العام للتنبيه على فضل الخاص وهم أولوا الألباب، وأرجحيته على العام وهم عوام الناس؛ لأنّ الناس يتفاضلون بالألباب وبها يتمايزون. السؤال الرابع: ورد في الآية لفظة ﴿فِيهِنَّ﴾ فلماذا لم يستعمل لفظة (فيها) مثلاً؟ الجواب: أشهر الحج ثلاثة، وهي جمع قلة، حيث جمع القلة من الثلاثة إلى العشرة، فإذا زاد العدد عن العشرة كان جمع كثرة. وفي جمع غير العاقل، فالغالب أن يعود عليه الضمير في جمع الكثرة بالإفراد وفي جمع القلة بالجمع، فتقول: (الأشجار سقطتْ) الضمير العائد ـ هي ـ إذا كان عددها كبيراً فوق العشرة، وتقول: (الأشجار سقطنَ) الضمير العائد ـ هنّ ـ إذا كان عدد الأشجار قليلاً دون العشرة. ولفظة (فيهنّ) تتكون من حرف الجر واتصل به ضمير جر (هاء الغائب)، وضمائر الجر المتصلة هي: آ ـ ياء المتكلم، نحو: كتابي. ب ـ كاف المخاطب، نحو: كتابكَ ـ كتابكِ ـ كتابكما ـ كتابكم ـ كتابكن. ج ـ هاء الغائب، نحو: (كتابهُ ـ كتابها) للمفرد المذكر والمؤنث ـ (كتابهما) للمثنى ـ (كتابهم ـ كتابهنّ) للجمع المذكر والمؤنث. ولذلك فإنّ لفظة (فيهن) تستعمل مع الجمع، بينما تستعمل لفظة (فيها) أو لفظة (فيه) مع الإفراد. وفي الآية جاء اللفظ ﴿فِيهِنَّ﴾ فأعاد الضمير على أشهر الحج بالجمع، لأنّهن ثلاثة أشهر (جمع قلة). وبصورة أخرى نستطيع أن نقول: 1ـ ضمير الإناث يستعمل للإناث، ويستعمل لجمع غير العاقل، نقول: الجبال هُنّ شاهقات، وما نقول: هم، وفي قوله تعالى: ﴿ٱلحَجُّ أَشهُرࣱ مَّعلُومَـٰتࣱۚ فَمَن فَرَضَ فِیهِنَّ ٱلحَجَّ﴾ جاء اللفظ (فيهن) للأشهر. 2 ـ جمع المؤنث السالم نحو: (ممسكات، كاشفات) أيضاً يستعمل الجمع منه للمؤنث الحقيقي، ويستعمل لجمع مذكر غير عاقل سواء كان وصفاً أو اسماً، نقول مثلاً: جبال شاهقات، أنهار جاريات، بل حتى أحياناً الاسم غير العاقل الذي ليس له جمع آخر يستعمل المؤنث مثل: اصطبل اصطبلات، حمّام حمّامات، بينما ضمير الواو في جمع المذكر السالم هذا لا يستعمل إلا للذكور العقلاء فقط. لمزيد من التفصيل انظر آية التوبة 36. السؤال الخامس: ما أهم دلالات هذه الآية؟ الجواب: 1ـ الفاء في قوله تعالى: ﴿فَمَن فَرَضَ﴾ فاء الفصيحة لأنها جاءت بمثابة تفصيل لمن استوضح عن المجمل. 2 ـ قوله تعالى: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلحَجِّۗ﴾ فيه ضرب من النهي عجيب، حيث تخصيص النهي عن ذلك في الحج يشعر أنّ هذه الأعمال وإنْ كانت قبيحة خارج الحج، ولكنّ قبحها في الحج أمرٌ فوق الاجتناب. 3ـ قوله تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقوَىٰۖ﴾ فيه تشبيه بليغ، فقد شبّه التقوى بالزاد. 4 ـ الإطناب في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأُوْلِي ٱلأَلبَٰبِ﴾ للتنبيه على فضل الخاص على العام، وإنما يتفاضل الناس بالألباب التي هي العقول. وللعلم لم تأت كلمة (الألباب) في القرآن إلا بالجمع، ولم تأت منفردة ربما لعذوبة الجمع وسماجة المفرد فيها. وختمت آية الحج بهذه الجملة ﴿وَٱتَّقُونِ يَٰٓأُوْلِي ٱلأَلبَٰبِ﴾ تأكيداً على تحقيق التقوى في أعمال الحج. 5 ـ سعة البيوت حسب الغنى ومساحة اﻷرض، وسعة القبور بصلاح العمل ورضا الرب: ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقوَىٰۖ﴾. 6 ـ قال الطبري: كيف قيل: ﴿ٱلحَجُّ أَشهُرٞ مَّعلُومَٰتٞۚ﴾ وهو شهران وبعض الثالث؟ يجيب ابن جرير الطبري فيقول: «إنَّ العرب لا تمتنع خاصةً في الأوقات من استعمال مثل ذلك، فتقول: اليوم يومان منذ لم أره. وإنما تعني بذلك يومًا وبعض آخر، وكما قال جلّ ثناؤه: ﴿فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَومَينِ﴾ [البقرة: 203] وإنما يتعجل في يوم ونصف». 7ـ جاء في تفسير السعدي: التزود فيه الاستغناء عن المخلوقين، والكف عن أموالهم سؤالًا واستشرافًا، أمّا الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه في دنياه وأُخراه، فهو زاد التقوى الذي هو زادٌ إلى دار القرار، ومن ترك هذا الزاد فهو المنقطَع به الذي هو عرضة لكل شر، وممنوع من الوصول إلى دار المتقين. فهذا مدح للتقوى. 8 ـ وجاء في تفسير السعدي أيضاً: وقفت متأملًا لقوله تعالى: ﴿ٱلحَجُّ أَشهُرٞ مَّعلُومَٰتٞۚ﴾ فتساءلت: لماذا تميز وقت الحج بـ(أشهر) دون سائر الأركان؟ فكأنه لعدم وجوبه في العمر إلا مرة واحدة، ولبعد مسافة قاصده غالبًا ﴿يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [الحج: 27]؛ أطال أمده ليقضي المسلم نهمته من العبادة في الحرم، ويتهيأ قبل فترة المناسك وبعدها، إذ يقدم مبكرًا وينصرف متأخرًا إنْ رغب، توسعة ورحمة، وحثًا على المبادرة والتزود؛ لما لذلك من أثر إيجابي في حياته. 9 ـ جاء في تفسير الشعراوي: في آيات الصيام قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة: 185] سمى الله شهر رمضان، ولكنه لم يسم أشهر الحج، وإنما قال: ﴿ٱلحَجُّ أَشهُرٞ مَّعلُومَٰتٞۚ﴾ والسبب أنّ الحج كانت تعرفه العرب، فلا حاجة لتسمية شهوره، أمّا الصيام فهي عبادة جديدة، لم تعرفها العرب من قبل، فسمي لأجل ذلك شهر رمضان. والله أعلم.
__________________
|
#162
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 165) مثنى محمد هبيان ﴿لَيسَ عَلَيكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَبتَغُواْ فَضلا مِّن رَّبِّكُمۡۚ فَإِذَآ أَفَضتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ فَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلمَشعَرِ ٱلحَرَامِۖ وَٱذكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ وَإِن كُنتُم مِّن قَبلِهِۦ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ﴾ [البقرة: 198] السؤال الأول: ما أهم وقفات هذه الآية؟ الجواب: لا مانع أنْ يذهب الإنسان ليحج ويتاجر، وقديماً كانوا يقولون: حاج وداج، لمن يذهب إلى الأراضي المقدسة للتجارة. والتجارة إذا أوقعت نقصاناً في الطاعة لم تكن مباحة، وإنْ لم توقع نقصاناً فهي من المباحات. السؤال الثاني: قوله تعالى: ﴿تَبتَغُواْ فَضلا مِّن رَّبِّكُمۡۚ﴾ [البقرة:198] ولم يقل: رزقاً، مثلاً، فما السبب؟ الجواب: آ ـ قال الحق: ﴿تَبتَغُواْ فَضلا مِّن رَّبِّكُمۡۚ﴾ [البقرة:198] ولم يقل: رزقاً؟ لأنك في الأصل أنت تذهب إلى الحج ومعك زادك ونفقتك، أي: لا تذهب إلى الحج لتأكل من التجارة، فإنْ كسبت شيئاً إضافياً من التجارة فهو فضل، أي: أمر زائد عن الحاجة. ب ـ الرزق والفضل من الله، وإياك أنْ تقول: قوة أسباب وذكاء، بل الرزق كله من الله. السؤال الثالث: ما دلالة قوله تعالى: ﴿فَإِذَآ أَفَضتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ﴾ [البقرة:198] في الآية؟ الجواب: آـ قوله تعالى: ﴿فَإِذَآ أَفَضتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ﴾ [البقرة:198] تدل على أنّ الله قد حكم بأنّ عرفات سوف تمتلىء امتلاء، وكل من يخرج منها كأنه فائض عن العدد المحدد لها، فكأنه سيل متدفق. والإفاضة دفع بكثرة، من أفضت الماء إذا صببته بكثرة، وكل دفعة إفاضة. وهناك إفاضتان: إفاضة من عرفات، وإفاضة من مزدلفة. ب ـ قيل: إنّ آدم هبط في مكان، وحواء هبطت في مكان، وظل كلاهما يبحث عن الآخر باشتياق شديد لأنهما زوجان وتلاقيا في عرفة، ومن هذا التفرق كان الشوق ثم اللقاء. ج ـ قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ﴾ [البقرة:199] أفادت أنه لا بدّ من المبيت في مزدلفة. وقال آخرون: إنّ المقصود به من حيث أفاض إبراهيم عليه السلام. السؤال الرابع: لماذا كرّر طلب الذكر في الآية فقال: ﴿فَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلمَشعَرِ ٱلحَرَامِۖ وَٱذكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ﴾ [البقرة:198]؟ الجواب: كرّر طلب الذكر تنبيهاً على أنه أراد ذكراً مكرراً لا ذكراً واحداً، ولأنه زاد في الثاني قوله: ﴿كَمَا هَدَىٰكُمۡ﴾ [البقرة:198] يعني اذكروه بأحديّته كما ذكركم الله تعالى بهدايته. أو أنه إشارة إلى أنه أراد بالذكر الأول الجمع بين الصلاتين بمزدلفة، وبالثاني الدعاء بعد الفجر فلا تكرار. أو الِإشارة بالأول إلى الذكر باللفظ، وبالثاني إلى الذكر بالقلب. والله أعلم. السؤال الخامس: ما الفرق بين التعبيرين في القرآن الكريم {لَّا جُنَاحَ عَلَیكُمۡ} و {لَیسَ عَلَیكُمۡ جُنَاحٌ}؟ الجواب: جملة (لا جناح عليكم) جملة اسمية تدل على الثبوت والدوام، وجملة (ليس عليكم جناح) جملة فعلية تدل على الحدث والتجدد والانقطاع، و الجملة الاسمية أقوى من الفعلية، لذا تأتي الأولى في سياق العبادات والحقوق والعلاقات الأسرية، وتأتي الثانية في سياق البيع والشراء والتجارة والآداب والأخلاق وفضائل الأعمال. لمزيد من التفصيل انظر الجواب في آية البقرة 158.
__________________
|
#163
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 166) مثنى محمد هبيان ﴿فَإِذَا قَضَيتُم مَّنَٰسِكَكُمۡ فَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكرِكُمۡ ءَابَآءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكراۗ فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖ﴾ [البقرة: 200] السؤال الأول: ما دلالة قوله تعالى في الآية ﴿مِنۡ خَلَٰقٖ﴾ [البقرة:200]؟ الجواب: 1ـ في الآية طُلب من الحاج أنْ يكون دائماً ذاكراً، وذكرُ الله يستتبع ذكر الآخرة وما فيها من نعيم وشقاء. 2 ـ قوله تعالى: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا﴾ ما قال آتنا ماذا؟ إمّا لتهوين شأنه، أو لأنه عظيم عندهم، وهم يريدون كل شيء في الدنيا، حتى ما وصفوا هذا المأتي به بأنه حسن، وهذه سِمة لا يحبها الله عز وجل لعباده فكيف أدّبهم؟ هم لا يفكرون بالآخرة، والله عز وجل لا يريد لعباده الصالحين أن يكونوا كهؤلاء، ويريد منهم أن يذكروه ويتذكروا الآخرة، لأن هذه الحياة مهما طالت هي كحلم رائي كما في الأثر: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا، والإنسان في لحظة موته كأنه استيقظ من منام وكان يرى حلماً كل هذه السنوات. 3ـ قوله تعالى: ﴿وَمَا لَهُۥ فِي ٱلأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖ﴾ [البقرة:200] الخلاق هو النصيب، لكن لم يقل نصيب؛ لأن الخَلَق والخَلَقَات نستعمله للشيء البالي. وبالتالي يكون المعنى: أنه حتى هذا النصيب البالي التافه ليس لهم في الآخرة؛ لأنهم هم لا يفكرون أصلاً في الآخرة وإنما في الدنيا، ولذلك هم لم يصفوا بالحسن ما أرادوا بل قالوا: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا﴾ [البقرة:200] أي: يريدون أي شيء في الدنيا فقط. 4 ـ قوله تعالى: ﴿فَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكرِكُمۡ ءَابَآءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكراۗ﴾ يفيد أنّ للآباء أثر كبير على أبنائهم، فهم القدوة الذين يتلقون منهم القيم، وتربطهم بالأبناء عاطفة قوية، لذا لهم تأثير كبير في توجيه سلوك الأبناء وهذه مسؤولية يجب أن يعيها كل أب حتى يورث أبنائه الصلاح والتقوى. 5 ـ المتأمِّلُ في شعائر الحج يلحظُ تربيةً عجيبةً على كثرة الذكر، فنجد النصَّ عليه في القرآن في مواضع: عند المشعر الحرام، وفي أيام التشريـق، وعند الفراغ من المناسـك، وعند الذبــح، والذكـر على عمـوم نعمـة التوحيـد، والتوفيـق لهـذه المناسـك، فلنفتِّش عن أثر هذه العبادة في مناسكنا. 6 ـ في آيات الحجِّ عالج القرانُ خصائص الجاهلية وكيفية تنقية المجتمع المسلم منها بأسلوب يستثمر المناسبة ويستفيد منها، ومن ذلك التكبُّر على الناس والتميُّز عنهم، والفخر بالآباء والتعصب لهم، تدبر: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة:199]، و ﴿فَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكرِكُمۡ ءَابَآءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكراۗ﴾ [البقرة:200]، فما أحوج الدعاة والأمة جميعًا لمثل هذا الأسلوب، ولذلك النقاء. والله أعلم.
__________________
|
#164
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 167) مثنى محمد هبيان ﴿وَمِنهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ [البقرة: 201] السؤال الأول: قال تعالى: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ﴾ [البقرة:201] ما حسنة الدنيا؟ وما حسنة الآخرة؟ ولِمَ كانت هذه الآية من أحب الدعاء لقلب النبي ﷺ؟ الجواب: لا شك هي من الآيات الجامعة، ونحن نقرؤها قبل السلام في الصلاة دائماً، وثبت أنّ النبي ﷺ كان يقول بهذا الدعاء في الطواف بين الركن اليماني والحَجر الأسود. وحسنة الدنيا هي: الصحة والأمن والكفاية والولد والزوجة الصالحة والنصرة على الأعداء وفهم كتاب الله، وما أشبه ذلك. وأمّا حسنة الآخرة فهي: الفوز بالثواب والخلاص من العقاب والجنة ونيل رحمة الله سبحانه. والآية كلمة جامعة لجميع مطالب الدنيا والآخرة. السؤال الثاني: ما دلالة هذا التقسيم في الدعاء المذكور في الآية؟ الجواب: بيّن الحق سبحانه وتعالى أنّ الذين يدعون الله فريقان: 1ـ من يكون دعاؤهم لطلب الدنيا فقط، وهم الكفار أو المؤمنون، لكنهم يسألون الله لدنياهم فقط. 2ـ والذين يجمعون في الدعاء بين طلب الدنيا وطلب الآخرة. وقد كان في التقسيم نظرياً قسم ثالث وهو من يكون دعاؤه مقصوراً على طلب الآخرة، واختلف العلماء هل هو مشروع أم لا؟ والأكثرون على أنه غير مشروع؛ وذلك أنّ الإنسان خُلق محتاجاً ضعيفاً لا طاقة له بمتاعب الدنيا ولا بمشاق الآخرة، فالأولى أنْ يستعيذ بربه من كل شرور الدنيا والآخرة. وجاء في الحديث عن أنس أنّ النبي ﷺ دخل على رجل يعوده وقد أنهكه المرض، فقال: "ما كنت تدعو الله به قبل هذا؟" قال: كنت أقول: اللهم ما كنت تعاقبني به في الآخرة فعجل به في الدنيا، فقال النبي ﷺ: "سبحان الله إنك لا تطيق ذلك، ألا قلت: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ قال: فدعا له رسول الله ﷺ فشُفِيَ" (رواه أنس بن مالك في صحيح مسلم) 3 ـ قوله تعالى: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا﴾ استعمل الفعل (أتى) ولم يستعمل الفعل (أعطى) والفعلان أتى وأعطى لهما معنى متقارب معجمياً لكن ليس مترادفاً. وفعل أتى أصله (أتي) والفعل أعطى أصله (عطو) ونجد أنّ العين والطاء والواو أقوى من الهمزة والتاء والياء، وهذا معناه أنّ العطاء أو الإعطاء فيه نوع من القوة وليس فيه هذا اللين والرقة مثل الإتيان، لذلك كثيرون من أهل اللغة قالوا: إن الإعطاء فيه تمليك والإيتاء ليس شرطاً أن يكون فيه تمليك. السؤال الثالث: جاءت لفظة ﴿حَسَنَةٗ﴾ نكرة مرتين في الآية فما دلالة ذلك؟ وما دلالة الآية؟ الجواب: 1ـ كلمة ﴿حَسَنَةٗ﴾ جاءت نكرة في الموضعين، وهي في الحقيقة وصف لموصوف محذوف، وهذا الموصوف المحذوف هو على إطلاقه بما يفكر به الانسان، نحو: آتنا في الدنيا عطايا حسنة بتفاصيلها، وفي الآخرة عطايا حسنة أيضاً بتفاصيلها، فحذف الموصوف وأبقى الصفة، وجعلها بصيغة النكرة؛ حتى تشير إلى العموم والكثرة فتعني شيئاً عاماً، والله أعلم. 2ـ والهدف والمعنى والقصد من هذه الآية ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ﴾ [البقرة:201] أي: كونوا كهؤلاء، وهنا ذكر الوصف للموصوف المحذوف، يعني هم يريدون في الدنيا لكن بالوصف الحسن، ولم يقفوا عند هذا وإنما قالوا: ﴿وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ﴾ [البقرة:201] أيضاً بكل ما يتصور من العطايا الموصوفة بأنها حسنة في الآخرة، ثم زاد عليهم في دعائهم وهذا تدريب ودعاء أنْ ادعوا هكذا ﴿وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ [البقرة:201]؛ لأنّ الإنسان لا ينبغي أنْ ينسى أنّ هناك ناراً. وعمر رضي الله عنه يقول لجلسائه: يا فلان عِظنا، قال: يا أمير المؤمنين تزفر النار زفرة يوم القيامة (هذا الزفير النفخ)، فلا يبقى ملك ولا شهيد ولا نبي ولا صالح إلا ويجثو على ركبتيه، ولو كان لك عمل سبعين نبياً ما ظننتَ أنك ناج منها. يعني هذه الزفرة مخيفة من بعد ذلك وحتى عندما ينجي الله الذين اتقوا يحسّون بهذه اللذة لذة النجاة من هذه النار. 3ـ ولمّا كان هؤلاء المؤمنون على منهج الرسل، فعبدوا الله أولاً كما أشار إليه السياق فانكسرت نفوسهم ثم ذكروه على تلك المراتب الثلاث، نارت قلوبهم بتجلي نور جلاله سبحانه فتأهلوا بذلك الدعاء فكان دعاؤهم كاملاً. السؤال الرابع: ما الدروس المستفادة من الآية؟ الجواب: آـ لماذا لم ننس الدنيا هنا؟ لأنّ الدنيا مزرعة للآخرة، والحسنة هنا جاءت بصيغة النكرة مرتين وهي وصف لموصوف محذوف، أي: أنه أطلقها لتكون عامة وشاملة، فكأننا نقول: يا رب أعطنا كل ما يُحسّن الدنيا عندك لنا، أي: أعطنا في الدنيا عطايا حسنة وأعطنا في الآخرة عطايا حسنة أيضاً. ب ـ وقوله تعالى: ﴿وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ [البقرة:201] فيها نعمتان: 1ـ مجرد الزحزحة عن النار فيها نعيم، ويقول: الحمد لله أنْ أنجاني من النار. 2ـ فإذا ما دخل الجنة ورأى نعيمها يحمد الله مرة ثانية. ج ـ قوله تعالى: ﴿وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ هو تأكيد لعدم دخول النار مطلقاً، لأنّ بعض الموحدين العاصين يدخلون النار ثم يدخلون الجنة،فكأنه طلب مؤكد يتوجه به المؤمن إلى الله تعالى أن لا يدخله النار ولو كان عاصياً. السؤال الخامس: ماذا يُسمى هذا الدعاء ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾؟ الجواب: هذا الدعاء يسمى عند أهل العلم بـ(تاج الدعاء)، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يردده دائماً. وذكر بعض العلماء أنّ التيجان سبعة وهي: 1ـ تاج الذكر: (لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير). 2ـ تاج التسبيح: (سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته). 3ـ تاج الدعاء: (رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ). 4ـ تاج الاستغفار: (اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت). 5ـ تاج التحصين: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم). 6ـ تاج تفريج الكروب: قوله تعالى: ﴿لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأنبياء:87]. 7ـ تاج راحة البال: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). والله أعلم. ﴿أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ﴾ [البقرة: 202] السؤال الأول: قوله تعالى: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ﴾ إلى من يرجع الضمير في لفظة (أولئك)؟ الجواب: أنه إشارة إلى الفريق الثاني فقط الذين سألوا الدنيا والآخرة، وقيل: إنه راجع إلى الفريقين كل حسب نصيبه من العمل. السؤال الثاني: ما المراد من قوله تعالى: ﴿لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ﴾؟ الجواب: 1ـ في (من) ثلاثة أقوال، أحدها: أنها للتبعيض، أي: نصيب من جنس ما كسبوا. والثاني: أنها للسببية، أي: من أجل ما كسبوا. والثالث: أنها للبيان. 2ـ الآية تدل على أنّ الجزاء من جنس العمل، ولكن بحسب الوعد لا بحسب الاستحقاق الذاتي. السؤال الثالث: ما الكسب؟ الجواب: 1ـ الكسب يطلق على ما يناله المرء بعمله فيكون مكسبه ومكتسبه. 2- الاكتساب فيه افتعال ولا يكون إلا في الشر، كأنّ الذي يفعل الشر يتكلف فيه. 3ـ وفي الآية ﴿كَسَبُواْۚ﴾ أي: من الأعمال الصالحة وأعمال الخير والعبادة بأنواعها، والآية تتحدث عن أولئك. السؤال الرابع: ما دلالة قوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلحِسَابِ﴾ في الآية؟ الجواب: قوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلحِسَابِ﴾ لأنّ الله يفعل بـ (كن) ولا يحتاج عمله إلى علاج، وبالتالي لا يحتاج إلى زمن، فهو إذن سريع الحساب؛ ولأنه لا يشغله شأن عن شأن؛ وهذا هو الفرق بين قدرة الواحد سبحانه وقدرة الحادث. ولذلك سئل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف يحاسب الله الخلائق جميعاً في لحظة واحدة؟ فقال: كما يرزقهم في ساعة واحدة، فهو الذي يرزقهم وهو الذي يحاسبهم. والله أعلم.
__________________
|
#165
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 168) مثنى محمد هبيان ﴿وَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعدُودَٰتٖۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَومَينِ فَلَآ إِثمَ عَلَيهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَآ إِثمَ عَلَيهِۖ لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ إِلَيهِ تُحشَرُونَ﴾ [البقرة: 203] السؤال الأول: لم خصّ الله تعالى الذكر فى هذه الأيام ﴿وَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعدُودَٰتٖۚ﴾؟ الجواب: لاحظ أنّ الله أمر عباده بالذِكر مع أنهم في الحج والموسم موسم عبادة، وخَصّ بالذكر الأيام المعدودات وهي أيام رمي الجِمار، وذلك لأنّ أهل الجاهلية كانوا يشغلون هذه الأيام بالتغامز ومغازلة النساء، فأراد الله تعالى صرفهم عن هذا الإثم إلى الخير دون ذِكر ما يفعلون. السؤال الثاني: ما أهم الدروس في هذه الآية؟ الجواب: 1ـ قول الحق سبحانه: ﴿فِيٓ أَيَّامٖ مَّعدُودَٰتٖۚ﴾ وهي أيام التشريق الثلاثة، ثم قوله: ﴿فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَومَينِ﴾ يدل على أنّ كلمة (أيام) تطلق على الجمع وهو الأكثر من يومين. 2 ـ (في أيام معدودات) و (في أيام معلومات): الأيام المعدودات هي أيام التشريق، و الأيام المعلومات هي أيام عشر ذي الحجة، وهي أفضل أيام السنة، وكلاهما أمر الله سبحانه بالذكر فيهما لفضلهما. 3ـ لكنّ الحق جعل للقيام بيومين حكم القيام بالثلاثة، فإنْ تعجلت في يومين فلا إثم عليك، ومن قضى ثلاثة أيام فلا إثم عليه، فكيف يكون ذلك؟ والجواب: لأنّ المسألة ليست زمناً ولكنها استحضار نية تعبدية، فقد تجلس ثلاثة أيام وأنت غير مستحضر النية التعبدية؛ لذلك قال الله تعالى في كتابه: ﴿لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ﴾ فإياك أنْ تقارن الأفعال بزمنها، وإنما بإخلاص النية والتقوى فيها. 4ـ جملة: ﴿إِلَيهِ تُحشَرُونَ﴾ جاءت لتناسب زحمة الحج، فإذا كنت قد ذهبت باختيارك إلى هذا الحشر البشري في الحج فاعرف أنّ الذي كلفك بهذا الذهاب الاختياري هو القادر على أنْ يأتي بك وقد سُلب منك الاختيار. 5ـ كان أهل الجاهلية فريقين، منهم من جعل المتعجل آثماً ومنهم من جعل المتأخر آثماً، فأخبر الله بنفي الإثم عنهما جميعاً، أو أنه لا إثم على المتأخر في تركه الأخذ بالرخصة، مع أنّ الله تعالى يحب أنْ تؤتى رخصه كما يحب أنْ تؤتى عزائمه، أو أنّ معناه انتفاء الإثم عنهما موقوف على التقوى لا على مجرد الرخصة أو العزيمة. والله أعلم.
__________________
|
#166
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 169) مثنى محمد هبيان ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُۥ فِي ٱلحَيَوٰةِ ٱلدُّنيَا وَيُشهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلخِصَامِ﴾ [البقرة: 204] السؤال الأول: كيف أضيفت كلمة ﴿أَلَدُّ﴾ إلى كلمة بمعناها وهي ﴿ٱلخِصَامِ﴾؟ الجواب: الألدّ: صفة مشبهة، والّلدد: شدة الجدال، وتركت فلاناً يتلدد أي يلتفت يميناً وشمالاً من حيرته، فهي كلمة متحركة. و(الخصام) مصدر خاصم. وقوله تعالى: ﴿وَيُشهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلخِصَامِ﴾ إضافة كلمة ﴿أَلَدُّ﴾ إلى ﴿ٱلخِصَامِ﴾ مع أنّ معنى (ألدّ) هو شديد الخصومة، وهذا من باب مبالغة القرآن الكريم؛ ليصف لنا ربنا مدى الخصومة التي تسكن قلب المخاصِم، فهو ليس مخاصِماً وحسب ولكنه مخاصِم وخصامه غريب فظيع. ألا ترى كيف تقول لفلان وقد غضب: جُنّ فلان، ولكنه إذا كان كثير الغضب تقول: جُنّ جنونه، والمعنى في الآية: خصامه شديد الخِصام. السؤال الثاني: ما دلالة هذه الآية؟ الجواب: 1 ـ الآية دليل على أنّ الأقوال التي تصدر من شخص ليست دليلاً على صدق أو كذب الشخص حتى يوجد العمل المصدّق لها، ولذلك يجب عدم الاغترار بالمظاهر وتزكية النفوس، حتى يتم سبر أعمالهم. 2 ـ ﴿وَيُشهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلبِهِۦ﴾ هـذا لسان المنافق... أما عمله: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾. والله أعلم
__________________
|
#167
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 170) مثنى محمد هبيان ﴿وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ ٱلحَرثَ وَٱلنَّسلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلفَسَادَ﴾ [البقرة: 205] السؤال الأول: لفظة (الحرث) من كلمات منظومة (الحديقة) في القرآن. فما كلمات تلك المنظومة؟ الجواب: هذه هي كلمات منظومة (الحديقة) في القرآن، علما بأنه لم ترد كلمتا (بستان) و(حقل) في القرآن، لكنهما وردتا في الحديث. 1- الحديقة: هي قطعة أرض مدورة فيها ماء وأشجار، وسُميت بهذا تشبيهاً بحدقة العين وفي حصول الماء فيها. ﴿فَأَنبَتنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهجَةٖ﴾ [النمل:60]. ﴿حَدَآئِقَ وَأَعنَٰبا﴾ [النبأ:32]. ﴿وَحَدَآئِقَ غُلبا﴾ [عبس:30]. 2- البستان: إذا اتسعت الحديقة وأصبحت مستطيلة أو مربعة واسعة الأطراف تُسمى بستاناً، وإذا أُطلقت كلمة البستان فهو بستان نخل فقط، وإلا يجب تحديده فيقال: بستان رمان، أو بستان تفاح. 3-الجنة: إذا زادت كثافة الأشجار بحيث لا يُرى من دخلها تُسمى جنة، ومنها كلمة الجن؛ لأنهم لا يُرون. ﴿كَمَثَلِ جَنَّةِۢ بِرَبوَةٍ﴾ [البقرة:265]. ﴿أَن تَكُونَ لَهُۥ جَنَّةٞ مِّن نَّخِيلٖ وَأَعنَابٖ تَجرِي مِن تَحتِهَا ٱلأَنهَٰرُ﴾ [البقرة:266]. ﴿فَأَنشَأنَا لَكُم بِهِۦ جَنَّٰتٖ مِّن نَّخِيلٖ وَأَعنَٰبٖ لَّكُمۡ فِيهَا فَوَٰكِهُ كَثِيرَةٞ﴾ [المؤمنون:19]. 4- الحرث: هي الأرض الواسعة التي تُعد للبذر والزرع. ﴿وَيُهلِكَ ٱلحَرثَ وَٱلنَّسلَۚ﴾ [البقرة:205]. ﴿كَمَثَلِ رِيحٖ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتۡ حَرثَ قَومٖ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَأَهلَكَتهُۚ﴾ [آل عمران:117]. ﴿وَدَاوُۥدَ وَسُلَيمَٰنَ إِذۡ يَحكُمَانِ فِي ٱلحَرثِ﴾ [الأنبياء:78]. ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرثَ ٱلأٓخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِي حَرثِهِۦۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرثَ ٱلدُّنيَا نُؤتِهِۦ مِنهَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلأٓخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾ [الشورى:20]. 5- الحقل: إذا اجتمع في الحرث بستان وزرع وحيوان صار حقلاً. 6- الروضة: هي منطقة زراعية كثيرة المياه دائمة الخضرة؛ وسُميت بذلك لأنها تبهج النفس. ﴿فَهُمۡ فِي رَوضَةٖ يُحبَرُونَ﴾ [الروم:15]. ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فِي رَوضَاتِ ٱلجَنَّاتِۖ﴾ [الشورى:22]. والله أعلم. السؤال الثاني: ما أهم دلالات الآية؟ الجواب: 1 ـ لا يعبث بالأمن أحدٌ عرف حق ربه، وحق مجتمعه، وحق نفسه، ولا يفعله إلا شخص لما تولى ﴿سَعَىٰ فِي ٱلأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ ٱلحَرثَ وَٱلنَّسلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلفَسَادَ﴾. 2 ـ الفساد له مظاهر شتى، أولها: الخروج على سنن الله الكونية والاجتماعية ومعالجة الشؤون الخاصة والعامة بالهوس والقصور، وقد يبدأ ذلك بأمور تافهة، كترك صنبور الماء مفتوحًا دون سبب، أو مكسورًا دون إصلاح، أو ترك خلل طارئ؛ ليصبح عاهة مستديمة! والله أعلم.
__________________
|
#168
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من كتاب من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 171) مثنى محمد هبيان ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتهُ ٱلعِزَّةُ بِٱلإِثمِۚ فَحَسبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئسَ ٱلمِهَادُ﴾ [البقرة: 206] السؤال الأول: ما دلالة ﴿ٱتَّقِ ٱللَّهَ﴾ في الآية ؟ الجواب: معنى: ﴿ٱتَّقِ ٱللَّهَ﴾ أي: ليكن ظاهرُك موافقاً لباطنك، فلا يكفي أنْ تقولَ قولاً يُعجب الآخرين ، ولا يكفي أنْ تفعل فعلاً يُعجب الغير؛ لأنّ الله يحب أنْ يكون القولُ منسجماً مع الفعل، وأنْ يكون فعلُ الجوارح منسجماً مع نيات القلب. السؤال الثاني: كيف تكون جهنم دار مِهاد ونوم في قوله تعالى: ﴿فَحَسُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئسَ ٱلمِهَادُ﴾ ؟ الجواب: 1ـ وصف الله تبارك وتعالى الأرضَ بأنها مِهادٌ لنا في حياتنا؛ لأنها مهيأة للسعي والنوم. وأمّا في قوله تعالى: ﴿وَلَبِئسَ ٱلمِهَادُ﴾، فهذا أقصى أنواع التهكم بهؤلاء الكافرين، فالإنسان يتخذ المكان الوثير مهاداً ليهنأ بنومه، أمّا الكافرُ فلِسُخْفِ عقله أخذ النار والعذاب مكان نومه، فتأمل!. 2ـ وكلمة (مهاد) أي: ممهد ومريح، ولذلك يسمون فراشَ الطفل المهد. وهل المهاد بهذه الصورة يناسب العذاب؟ نعم؛ لأنّ الذي يجلس في المهاد لا إرادة له في أنْ يخرج منه كالطفل فلا قوة له أنْ يغادر الفراش، فإذا كان المهادُ بهذه الصورة في النار فهو بئس المهاد. السؤال الثالث: ما الفرق بين ختامي الآيتين: آية لقمان 6 و آية البقرة 206، حيث بدأت كلتاهما بالمفرد، لكن انتهت آية لقمان بالجمع ؟ الجواب: أولا: استعراض الآيات: قال تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشتَرِي لَهوَ ٱلحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيرِ عِلمٖ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ﴾ [لقمان:6] . ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُۥ فِي ٱلحَيَوٰةِ ٱلدُّنيَا وَيُشهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلخِصَامِ﴾ [البقرة: 204]. ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتهُ ٱلعِزَّةُ بِٱلإِثمِۚ فَحَسبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئسَ ٱلمِهَادُ﴾ [البقرة:206] . ثانياً: البيان: 1ـ بدأت آية لقمان بالمفرد ﴿مَن يَشتَرِي﴾ [لقمان:6] وانتهت بالجمع ﴿أُوْلَٰٓئِكَ﴾ [لقمان:6] فهل هنالك رابط؟ نعم يوجد رابط؛ فإنه لما قال: ﴿لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ﴾، هذا سيكون تهديداً له ولمن يضلهم، وليس له فقط ،فهو جمعهم في زمرته هو ومن يتبعه (المُضِل والضال)، إذن ليسا واحداً وإنما أصبحت جماعة، فناسب التهديد بصيغة الجمع له ولكل من يضله ﴿أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ﴾ [لقمان:6] . 2ـ في آيتي البقرة ( 204 ـ 206 )، قال: ﴿فَحَسبُهُۥ جَهَنَّمُۖ﴾ [البقرة:206] بصيغة الإفراد؛ لأنه لم يذكر أحداً معه فبدأ بالمفرد وانتهى بالمفرد؛ لأنه لم يتعلق بالآخر . والله أعلم .
__________________
|
#169
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من كتاب من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 172) ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ ٱبتِغَآءَ مَرضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلعِبَادِ﴾ [البقرة: 207]مثنى محمد هبيان السؤال الأول: ما الفرق بين الرضوان والمرضات؟ الجواب: 1ـ الرضوان: مصدر وهو الرضى، بل الرضوانُ هو أعظمُ الرضى وأكبره فخُصّ بالله سبحانه وتعالى. ولم تستعمل في القرآن كلمة الرضوان إلا بمعنى الرضى من الله تعالى فقط. وقد وردت كلمة الرضوان في القرآن الكريم 13مرة. 2ـ أمّا كلمة: مرضات، فتأتي من الله ومن غيره، فهي ليست مختصة بالله تعالى، وإنما تأتي لله تعالى ولغيره. وقد وردت في القرآن الكريم خمس مرات، منها أربع مرات مع لفظ الجلالة في الآيات: [البقرة 207ـ البقرة 265ـ النساء 114ـ الممتحنة 1] ومرة واحدة مع أزواج النبي ﷺ في آية التحريم 1. شواهد قرآنية: ـ ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشرِي نَفۡسَهُ ٱبتِغَآءَ مَرضَاتِ ٱللَّهِۚ﴾ [البقرة:207]. ـ ﴿تَبتَغِي مَرضَاتَ أَزوَٰجِكَۚ﴾ [التحريم:1]. 3ـ والرضوان أعلى من الجنة، وفي الأثر: (إنكم لتحتاجون إلى علمائكم في الجنة كما تحتاجون إليهم في الدنيا، فقالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: يطُلّ الله تعالى على عباده أصحاب الجنة، فيقول: سلوني، فيحارون ماذا يسألونه وكل شيء موجود، فينظر بعضهم إلى بعض فيذهبون إلى علمائهم يقولون ما نسأل ربنا؟ فيقول العلماء: سلوه الرضا). 4ـ الفعل : ( يشري ) أي يبيع . ويدخل تحت هذه الآية كلُ مشقة يتحملها الإنسان في طلب الدين. السؤال الثاني: عادة في القرآن الكريم يجمع بين الصفتين: الرأفة والرحمة، فيقول: ﴿رَءُوفٞ رَّحِيمٞ﴾ فهل أفردت الرأفة عن الرحمة في القرآن؟ الجواب: 1ـ الرأفةُ خاصة: وهي دفع المكروه وإزالة الضرر، وأمّا الرحمة فعامة، كما قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرسَلنَٰكَ إِلَّا رَحمَةٗ لِّلعَٰلَمِينَ﴾ [الأنبياء:107]. 2ـ أفردت الرأفة عن الرحمة في القرآن كله في موطنين لا غير:[ آية البقرة 207، وآية آل عمران 30 ] وقال فيهما: ﴿وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلعِبَادِ﴾ . قال تعالى: ـ ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ ٱبتِغَآءَ مَرضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلعِبَادِ﴾ [البقرة:207] . ـ ﴿يَومَ تَجِدُ كُلُّ نَفسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيرٖ مُّحضَرا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَينَهَا وَبَينَهُۥٓ أَمَدَا بَعِيداۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلعِبَادِ﴾ [آل عمران:30] . 3ـ ما قال تعالى فيهما: ( رؤوف رحيم ) فلماذا؟ لو لاحظنا السياق الذي وردت فيه الآيتان يتضح الأمر. آـ في سورة البقرة قال تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُۥ فِي ٱلحَيَوٰةِ ٱلدُّنيَا وَيُشهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلخِصَامِ ٢٠٤ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ ٱلحَرثَ وَٱلنَّسلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلفَسَادَ ٢٠٥ وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتهُ ٱلعِزَّةُ بِٱلإِثمِۚ فَحَسبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئسَ ٱلمِهَادُ ٢٠٦ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ ٱبتِغَآءَ مَرضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلعِبَادِ﴾ [البقرة: 204-207] فالسياق لا يحتمل رحمة؛ لأنه عندما يقول: ﴿فَحَسبُهُۥ جَهَنَّمُۖ﴾ كيف يناسب الرحمة؟ لا يناسب ذكر الرحمة. ب ـ وكذلك الأمر في سياق آية آل عمران 60، يتكلم فيها عن النفس التي عملت في حياتها سوءاً مع التحذير من ذلك، فلا يناسب ذلك ذكر الرحمة لهؤلاء. والله أعلم.
__________________
|
#170
|
||||
|
||||
رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
مختارات من كتاب من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 173) مثنى محمد هبيان ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدخُلُواْ فِي ٱلسِّلمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ﴾ [البقرة: 208] السؤال الأول: لِمَ قال تعالى: ﴿ٱدخُلُواْ فِي ٱلسِّلمِ﴾ ولم يقل: سالموا بعضكم، مثلاً؟ الجواب: الدخولُ يدل على العمق، ومن دخل المنزلَ صار داخله وفي عمقه ومحاطاً ببنائه، ولذلك من دخل السِّلم صار في أقصى غاية المسالمة وليس مسالماً فقط. السؤال الثاني: ما الفرق بين: السِّلْم ـ والسَّلْم ـ والسَّلَم في الاستعمال القرآني ؟ الجواب: 1 ـ السِّلْم - بكسر السين وتشديدها وسكون اللام هو الإسلام، وكلُّ الناس مأمورون بالدخول فيه كافة، وهو السلام . وقد وردت مرة واحدة في القرآن في قوله تعالى : ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدخُلُواْ فِي ٱلسِّلمِ كَآفَّةٗ﴾ [ البقرة : 208 ] . 2 ـ السَّلْم: بفتح السين وتشديدها وسكون اللام ، يُذكّر ويؤنث، هو الصلح أو هو الميل إلى الاستسلام والمسالمة وترك القتال والحرب، وهذه دعوة موجهة إلى الكفار ليجنحوا إليه. وقد وردت مرتين في القرآن في سياق القتال بين المسلمين والأعداء في قوله تعالى: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلمِ فَٱجنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلعَلِيمُ﴾ [الأنفال: 61] أي إذا استسلم الكفار فلا مانع . ﴿فَلَا تَهِنُواْ وَتَدعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعلَونَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ﴾ [محمد: 35] في الآية نهي عن الوهن والضعف . 3 ـ السَّلَم: بفتح السين وتشديدها وفتح اللام هو السّلف عند أهل العراق وهو أحد البيوع الجائزة ، وهو أيضاً الاستسلام الذليل المهين حيث يُلقي الكفار للمسلمين السَّلَم في الدنيا. وقد وردت خمس مرات في القرآن في قوله تعالى : آ ـ في سياق الحرب بين المسلمين والكفار : ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَومِۢ بَينَكُمۡ وَبَينَهُم مِّيثَٰقٌ أَوۡ جَآءُوكُمۡ حَصِرَتۡ صُدُورُهُمۡ أَن يُقَٰتِلُوكُمۡ أَوۡ يُقَٰتِلُواْ قَومَهُمۡۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمۡ عَلَيكُمۡ فَلَقَٰتَلُوكُمۡۚ فَإِنِ ٱعتَزَلُوكُمۡ فَلَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ وَأَلقَواْ إِلَيكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ عَلَيهِمۡ سَبِيلٗ﴾ [النساء: 90]. ﴿سَتَجِدُونَ ءَاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأمَنُوكُمۡ وَيَأمَنُواْ قَومَهُمۡ كُلَّ مَا رُدُّوٓاْ إِلَى ٱلفِتنَةِ أُركِسُواْ فِيهَاۚ فَإِن لَّمۡ يَعتَزِلُوكُمۡ وَيُلقُوٓاْ إِلَيكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوٓاْ أَيدِيَهُمۡ فَخُذُوهُمۡ وَٱقتُلُوهُمۡ حَيثُ ثَقِفتُمُوهُمۡۚ وَأُوْلَٰٓئِكُمۡ جَعَلنَا لَكُمۡ عَلَيهِمۡ سُلطَٰنا مُّبِينٗ﴾ [النساء: 91]. ب ـ استسلام الكفار الذليل يوم القيامة ، وعند الاحتضار : ﴿ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعمَلُ مِن سُوٓءِۢۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعمَلُونَ﴾ [النحل: 28]. ﴿وَأَلقَواْ إِلَى ٱللَّهِ يَومَئِذٍ ٱلسَّلَمَۖ وَضَلَّ عَنهُم مَّا كَانُواْ يَفتَرُونَ﴾ [النحل: 87]. ج ـ عمن يخضع لغير الله : ﴿ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلا رَّجُلا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَٰكِسُونَ وَرَجُلا سَلَما لِّرَجُلٍ هَلۡ يَستَوِيَانِ مَثَلًاۚ ٱلحَمدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكثَرُهُمۡ لَا يَعلَمُونَ﴾ [الزمر: 29]. السؤال الثالث: ما أهم توجيهات هذه الآية ؟ الجواب: 1 ـ لما دعا اللهُ الذين آمنوا أن يدخلوا في السلم حذّرهم أن يتبعوا خطوات الشيطان ، فإنه ليس هناك إلا اتجاهان اثنان إمّا هدى وإمّا ضلال ، فينبغي أن يدرك المسلمُ موقفه فلا يتردد بين شتى السبل وشتى الاتجاهات . 2 ـ أصعب الحرام أوله، ثم يسهل ، ثم يستساغ ، ثم يؤلف ، ثم يحلو، ثم يطبع على القلب ، ثم يبحث القلب عن حرام آخر ، حتى يعاقب فلا يجد له لذة، ولا هو يستطع تركه. 3 ـ الخطوة مسافة يسيرة ، تبدأ بمعصية صغيرة حتى تألفها النفس وتزيد خطوة أخرى وقوله خطوات) أي أن الشيطان لن يقف عند خطوة واحدة. 4 ـ قوله تعالى : ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدخُلُواْ فِي ٱلسِّلمِ كَآفَّةٗ﴾ لمّا كان الدخول في السلم كافة لا يمكن أن يتصوَّر إلا بمخالفة الشيطان قال: ﴿وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيطَٰنِۚ﴾ . 5 ـ قال أبو حامد الغزالي : الذين ذهبوا إلى كسرى لم يذهبوا إليه باسطوانات المصحف المرتل، ولا بطبعة جديدة من المصحف، إنما ذهبوا بدرجة كبيرة من الوعي والطهر والعدل! وقف ربعي بن عامر يعرض الإسلام خُلقًا وسلوكًا، ويعرضه نظام حياة وأمل جماهير.. إنّ القرآن قد بدأ بسورة العلق، وختم بسورة المائدة وسورة النصر؛ ليقال لنا: هذا هو الخط السماوي الذي يجب أن يعيش الناس به! والله أعلم .
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |