شخصية المرأة المسلمة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 410 - عددالزوار : 151943 )           »          أبت كبدي لا أكذبنْكَ قتالَهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          ملخص كتاب: لماذا لم أتشيع - الأول: المقدمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 575 )           »          سلسلة ‘أمراض على طريق الدعوة‘ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 2994 )           »          قالت هو من عند الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          {وإذا حُييتم... } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          حسرات المجرمين والظالمين يوم القيامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          العقوبات التربوية المفيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 83 )           »          شرح دعاء الغضب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          شرح الدعاء للمتزوج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأخت المسلمة
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-05-2021, 03:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,420
الدولة : Egypt
افتراضي شخصية المرأة المسلمة

شخصية المرأة المسلمة (1)

علاقة المرأة المسلمة بربها









الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛


فلقد أذهلني ما رأيتُ مِن تخلف المرأة المعاصرة المنتسبة للإسلام عن المستوى السامي الوضيء الذي أراد الله لها أن تكون فيه، وليس بينها وبين بلوغ ذلك المستوى العالي إلا أن تعكف على معرفة شخصيتها الأصلية التي صاغتها نصوص القرآن الكريم والسُّنة المطهرة، وجعلت منها امرأة راقية متميزة بمشاعرها وأفكارها وسلوكها ومعاملاتها، وجعلت ذلك فيها دينًا يجب أن تعض عليه بالنواجذ.

وإن بلوغ المرأة ذلك المستوى الرفيع لأمر بالغ الأهمية في حياة الإنسانية عامة؛ لما للمرأة من أثر كبير في تربية الأجيال، وصناعة الأبطال، وغرس الفضائل، وتثبيت القيم، وتغير الحياة بالحب والمودة، والرحمة والجمال، وملء البيوت بالأمن والراحة والسكن، والرضا والاستقرار.

المرأة المسلمة هي المرأة الوحيدة المهيأة لإشاعة ذلك كله في دنيا المرأة المعاصرة المتعبة المكدودة، المرهقة مِن لغوب الفلسفة المادية ونمط الحياة الجاهلية التي عمَّت المجتمعات الشاردة عن هدى الله -تبارك وتعالى-؛ وذلك بمعرفتها نفسها، وإقبالها على مكوناتها الذاتية ومناهلها الفكرية النقية، وصياغة شخصيتها الصياغة الأصلية التي ارتضاها لها الله ورسوله، وميزها بها على نساء العالمين.

ومَن تدبر نصوص الكتاب والسنة؛ رأى أن رحمة الله بالمرأة المسلمة كانت كبيرة؛ إذ انتشلها الإسلام من الهوان والضعف والذل، والوأد، والتبعية المطلقة للرجل، ورفعها إلى علياء الأنوثة العزيزة المكرمة المصونة، وجعلها مستقلة بمالها -إن كانت ذات مال- مساوية للرجل في الكرامة الإنسانية والتكاليف الشرعية، لها حقوق وعليها واجبات كما للرجل حقوق وعليه واجبات، وهي والرجل سيان أمام الله -عز وجل- في ثوابه وعقابه.

ولم يقتصر فضل الإسلام على المرأة بنقلها هذه النقلة الهائلة من التخلف والذل والضياع إلى علياء التقدم والعزة والأمن والكفاية، بل عني عناية بالغة -أيضًا- بتكوين شخصيتها تكوينًا شاملًا في كل جانبٍ مِن جوانب شخصيتها الفردية والأسرية والاجتماعية، بحيث غدت إنسانًا راقيًا جديرًا بالاستخلاف في الأرض؛ فكيف كوَّن الإسلام شخصيتها؟ وكيف بلغ في هذا التكوين المبلغ الرفيع الذي لم تبلغه المرأة في تاريخها إلا في هذا الدين؟

أولاً: المرأة المسلمة مع ربها:

ـ مؤمنة يقظة:

فإن من أبرز ما يميز المرأة المسلمة: إيمانها العميق بالله، وعقيدتها النقية الصافية التي لا تشوبها شائبة من جهل أو خرافة أو وهْم، فعندها يقين جازم بأن ما يجرى في هذا الكون مِن حوادث وما يترتب عليه إنما هو بقضاء الله وقدره، وأن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

وما على الإنسان في هذه الحياة إلا أن يسعى في طريق الخير ويأخذ بأسباب العمل الصالح في دينه ودنياه، متوكلًا على الله حق التوكل، مسلِّمًا أمره لله، موقنًا أنه مفتقر -دومًا- لعونه وتأييده وتسديده ورضاه.

وهذا الإيمان العميق يزيد شخصية المرأة المسلمة قوة ووعيًا ونضجًا، فإذا هي ترى الحياة على حقيقتها دار ابتلاء واختبار ستعرض نتائجها في يوم آتٍ لا ريب فيه.

قال -تعالى-: (قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكَثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الجاثية:26)، وقال -تعالى-: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون:115)، ولن يعزب عن رب العزة والجلال في هذا اليوم مثقال حبة من خردل.

وقال -تعالى-: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الأنبياء:47).

فإذا تأملت المرأة المسلمة معاني هذه الآيات؛ أقبلت على ربها إقبال الطائعات المنيبات الشاكرات، وأعدت لآخرتها في هذا اليوم ما تستطيع من الأعمال الصالحات.

عابدة ربها:

لابد أن تُقْبِل المرأة المسلمة الصادقة على عبادة ربها بهمة عالية؛ لأنها تعلم أنها مكلفة بالأعمال الشرعية التي فرضها الله على كل مسلم ومسلمة، ومن هنا فهي تؤدي فرائض الإسلام وأركانه أداءً حسنًا، لا ترخص فيه ولا تساهل ولا تفريط.

تشعر بمسؤوليتها عن أفراد أسرتها:

لا تقل مسؤولية المرأة المسلمة عن أفراد أسرتها أمام الله -عز وجل- عن مسؤولية الرجل، بل قد تكون مسؤولية المرأة -في بعض الجوانب- أكبر من الرجل؛ لما تعلم من خفايا حياة أولادها الذين يعيشون معها وقتًا أطول، وقد يطلعونها على ما لا يطلعون عليه الأب.

فالمرأة المسلمة الواعية تشعر بهذه المسؤولية كلما سمعت قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهْوَ مَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهْوَ مَسْئولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) (متفق عليه).

همها مرضاة الله -تعالى-:

فهي تتطلع -دومًا- في أعمالها إلى مرضاة الله -عز وجل-، وتزنها بهذا الميزان الدقيق، فما رضي الله عنه فعلته، وما لم يرضَ الله عنه؛ أعرضت عنه وكرهته، وإذا وقع التعارض بين ما يرضي الله -عز وجل- وما يرضي الناس؛ فإنها تختار مرضاة الله بلا تردد ولو أسخط الناس، مستهدية في ذلك بهدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- القائل: (مَنِ الْتَمَسَ رِضَا الله بِسَخَطِ النَّاسِ؛ كَفَاهُ الله مَئونَةَ النَّاسِ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ الله؛ وَكَلَهُ الله إِلَى النَّاسِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

تعمل على نصرة دين الله -عز وجل-:

فمِن أجل الأعمال التعبدية التي تقوم بها المرأة المسلمة: نصرة دين الله في واقع الحياة، والعمل على تطبيق منهجه في حياة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة، فهي تشعر في أعماقها أن عبادتها تبقى ناقصة إذا هي قصَّرت في هذا الجانب الحيوي مِن حياتها وحياة المسلمين جميعًا؛ إذ به يتحقق الهدف الكبير الذي خلق الله الجن والإنس من أجله، وهو: إعلاء كلمة الله في الأرض والذي به وحده تتحقق عبادة البشر لله، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56).

ولاؤها لله وحده:

فالمرأة المسلمة لا يكون ولاؤها إلا لله لا لأحدٍ غيره، ولو كان زوجها أو أباها أو أخاها وهُم أقرب الناس إليها، ونجد قمة هذا الولاء في صنيع أم المؤمنين أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان -رضي الله عنهما- عندما زارها أبوها وهمَّ بالجلوس فما راعه إلا إن رآها وثبت على الفراش فتخطفته وطوته عنه، فقال: "يا بنية ما أدري أرغبتي بي عن هذا الفراش أم رغبتي به عني؟" قالت: "بل هو فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنت رجل مشرك، فلم أحب إن تجلس عليه".

تقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

وهذا من تكريم الإسلام للمرأة عندما كلفها بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد بوأها مكانة اجتماعية وإنسانية عالية؛ إذ جعلها لأول مرة في التاريخ آمرة، وما كانت تعرف في غير دين الإسلام إلا أنها مأمورة، وقال -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُون َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71).


وللحديث بقية -إن شاء الله-.
منقول
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 31-10-2024 الساعة 11:49 AM.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-11-2024, 05:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,420
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شخصية المرأة المسلمة

شخصية المرأة المسلمة (2) علاقة المرأة المسلمة بنفسها



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد تكلمنا في المرة السابقة عن "فضل الإسلام على المرأة"، وكيف أنه اعتنى بتكوين شخصيتها تكوينًا كاملًا شاملًا في كل جانب مِن جوانب شخصيتها الفردية والأسرية والاجتماعية؛ بحيث غدت إنسانًا راقيًا جديًر بالاستخلاف في الأرض.
وشرعنا في سلسلة: "تكوين المرأة المسلمة"، وبدأنا في هذه السلسلة بـ"علاقة المرأة المسلمة مع ربها"، واليوم نتكلم عن "علاقة المرأة المسلمة مع نفسها".
لقد حضَّ الإسلام المسلمين أن يكونوا شامة في الناس، متميزين في زيهم وهيئاتهم وتصرفاتهم؛ ليكونوا قدوة حسنة تجعلهم جديرين بحمل رسالتهم العظمى للناس.
ففي حديث الصحابي الجليل "ابن الحنظلية" أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه -وكانوا في سفر قادمين على إخوانهم-: (إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ، فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلاَ التَّفَحُّشَ) (رواه أبو داود بسندٍ حسن).
وإذا كان الإسلام قد حضَّ المسلمين عامة على أن يكونوا شامة في الناس، فقد حض المرأة المسلمة بخاصة على أن تكون شامة بارزة ظاهرة، متميزة في شكلها ومظهرها وهيئتها؛ لأن ذلك ينعكس على حياتها وحياة زوجها وبيتها وأولادها.
ومن هنا لا تهمل المرأة نفسها، ولا تغفل عن مظهرها الحسن النظيف في غمرة شواغل البيت وأعباء الأمومة، بل تحرص على أن تكون حسنة المظهر من غير سرف ولا مبالغة، وعنايتها بمظهرها الحسن تنبئ عن فهمها لشخصيتها، وتدل على ذوقها ودقة نظرتها لمهمتها في الحياة، وسلامة تصورها لشخصية المرأة المسلمة السوية التي لا ينفصل مظهرها عن مخبرها.
فالمرأة المسلمة الذكية هي التي توازن بين مظهرها ومخبرها، وتدرك أنها مكونة من جسم وعقل وروح، فتعطي لكل حقه، مستهدية في هذا التوازن بهدي الإسلام الحنيف.
فكيف تحقق المرأة المسلمة هذا التوازن بين جسمها وعقلها وروحها؟
1- جسمها:
- معتدلة في طعامها وشرابها:
تحرص المرأة على أن تكون صحيحة البدن، قوية البنية نشيطة، غير مترهلة ولا ثقيلة الوزن؛ ولذا لا تُقبِل على الطعام بشره ونهم وإسراف، بل تصيب منه ما تقيم به صلبها ويحفظ عليها صحتها وقوتها، ولياقة جسمها، مستهدية بقول الله -تعالى-: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف:31)، وبقول رسول الله -صلى عليه وسلم-: (مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ؛ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
ولا ريب أن المرأة المسلمة بعيدة عن العادات الدخيلة على مجتمع الإسلام والمسلمين، كالسهر الطويل في اللهو والعبث، فهي تنام مبكرة وتستيقظ مبكرة؛ لتزاول نشاطها اليومي في حيوية، فلا يطفئ نشاطها سهر طويل، ولا تضعف قواها أعمال البيت؛ لأنها أخذت نفسها بنظام يمدها -دومًا- بالقوة والنشاط.
- نظيفة الجسم والثياب:
والمرأة المسلمة المهتدية بهدي دينها، نظيفة جدًّا في جسمها وثيابها، مستجيبة في ذلك لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي حثَّ على الاستحمام والتطيب، وخاصة يوم الجمعة: (اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا، وَأَصِيبُوا مِنَ الطِّيبِ) (رواه البخاري).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ) (رواه البخاري).
وتتعهد المرأة المسلمة فمها، فلا يشم منه أحد رائحة تؤذيه، وذلك بتنظيف أسنانها بحيث تغدو أنفاسها زكية معطرة، وقد كانت السيدة عائشة -رضي الله عنها- شديدة العناية بأسنانها كما جاءت بذلك الروايات الصحيحة في البخاري ومسلم، ففي "صحيح البخاري" عن مجاهد عن عروة -رضي الله عنه- قال: (وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحُجْرَةِ... ).
- لا تنزلق إلى التبرج والإفراط في الزينة:
فهذه العناية بالمظهر لا تنزلق بالمرأة المسلمة الصادقة إلى التبرج وإبداء زينتها إلى غير زوجها ومحارمها، ولا تميل بها إلى المبالغة والإفراط بحيث تخرجها عن حد التوازن الذي أقام الإسلام عليه تشريعاته جميعًا، فالمرأة الداعية الصادقة لا يغيب عن بالها أن الإسلام الذي حض على الزينة الحلال ورغب فيها، هو هو الذي حذر مِن الإفراط والمبالغة فيها، بحيث تستعبد المرأة في هذه الحياة وتغدو شغلها الشاغل وهمها الدائم، وذلك في الحديث الشريف القائل: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ؛ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ؛ لَمْ يَرْضَ) (رواه البخاري).
2- عقلها:
- تتعهد عقلها بالعلم:
لا يغيب عن المرأة المسلمة الصادقة أن تتعهد عقلها بالعناية كما تعهدت جسمها؛ ذلك أن العناية بالعقل لا تقل أهمية عن العناية بالجسم، وقديمًا قال الشاعر زهير بن أبي سلمى:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبقَ إلا صـورة اللـحـم والـدم
والمرء بأصغريه: قلبه ولسانه -كما يقال-، أي: بعقله وتفكيره ومنطقه، ومِن هنا تبرز أهمية تثقيف العقل وتزويده بالمعارف النافعة وتنميته بالاطلاع على العلوم المتنوعة.
والمرأة المسلمة مكلفة كالرجل وعليها طلب العلم الذي ينفعها في دينها ودنياها، وهي إذ تقرأ قوله -تعالى-: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طـه:114)، وتسمع قول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)؛ فتدرك أن هدي القرآن والسنة يشمل الرجل والمرأة على حد سواء، وأنها تساوي الرجل في علوم فرض العين وعلوم فرض الكفاية منذ وجد العلم في المجتمع الإسلامي.
ولقد أدركت المرأة المسلمة قيمة العلم منذ الأيام الأولى للإسلام، فقالت نساء الأنصار للرسول -صلى الله عليه وسلم-: "غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ" (رواه البخاري).
فالمرأة المسلمة كانت مقبلة على طلب العلم لا تستحيي مِن السؤال عن أحكام دينها؛ لأنها تسأل عن الحق، والله لا يستحيي من الحق، وقد وردت نصوص كثيرة توضح سؤال المرأة عن غسل الحيض والجنابة والاحتلام وغير ذلك.
- ما ينبغي للمرأة المسلمة تعلمه وإتقانه:
إن أول ما ينبغي للمرأة المسلمة أن تتقنه كتاب الله -تعالى-: تلاوة وتجويدًا وتفسيرًا، ثم تعلم علوم الحديث والسيرة، وأخبار الصحابيات والتابعيات مِن أعلام النساء، وتطلع على ما يلزمها مِن أبحاث "الفقه"؛ لإقامة عباداتها ومعاملاتها، ومعرفة أحكام دينها على أساس قويم.
- بعيدة عن الخرافات:
فالمرأة المسلمة المقبلة على العلم بعيدة كل البُعد عن الخرافات والأساطير التي تكون عادة في أذهان الأميَّات الجاهلات مِن النساء، بل إن المرأة المسلمة الداعية إلى هدي دينها، تعلم أن الركون إلى أهل البدع والخرافات، والكهانة والسحر مِن الكبائر التي تحبط الأعمال، فقد روى مسلم عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ؛ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)، وروى أبو داود في "سننه" مِن حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ؛ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
3- روحها:
فلا يفوت المرأة المسلمة الواعية هدي دينها أن تصقل روحها بالعبادة والذكر وتلاوة القرآن في أوقاتٍ محددةٍ دائمة، فكما عنيت بجسمها وعقلها تعنى -أيضًا- بروحها، وتدرك أن الإنسان مكون من جسم وعقل وروح، وأن كلًّا مِن هذه المكونات الثلاثة له حق على المرء، وبراعة الإنسان تبدو في إحكام التوازن بين الجسم والعقل والروح بحيث لا يطغى جانب على جانبٍ.
- تلزم العبادة وتزكية النفس:
فالمرأة المسلمة التقية تستعين -دومًا- على تقوية روحها وتزكية نفسها بدوام العبادة والذكر والمحاسبة واستحضار خشية الله ومراقبته في أعمالها كلها، فما أرضاه فعلته، وما أسخطه أقلعت عنه، وبذلك تبقى مستقيمة على الجادة لا تجور ولا تنحرف ولا تظلم، ولا تبتعد عن سواء السبيل.
فالمرأة المسلمة التقية قد تخطئ وقد تقصر وقد تزل بها القدم، ولكنها سرعان ما تنخلع مِن زلتها وتستغفر الله من خطئها وتتوب من ذنبها، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) (الأعراف:201).
- تختار الرفيقة الصالحة وتلزم مجالس الإيمان:
فللرفيقة الصالحة أثر كبير في استقامة أمر الفتاة المسلمة، وتحليها بالعادات الحسنة والشمائل الرفيعة، فالرفيقة القرينة في الغالب صورة مماثلة لها في أخلاقها وسجاياها.
عـن الـمرء لا تـسـأل وسـل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
وتحرص المرأة المسلمة على حضور المجالس التي تدور فيها الأحاديث عن الإسلام والالتزام بأوامر الله واجتناب نواهيه، والإقبال على طاعته، فبمثل هذه المجالس ترقى النفس، وتزكو الروح وتخشع الجوارح، ويسمو الإنسان وتخالط قلبه بشاشة الإيمان.
- تكثر مِن ترديد الأذكار والأدعية المأثورة:
فمما يعين المرأة المسلمة على تقوية روحها وربط قلبها بالله -عز وجل- حفظها بعض الأدعية المأثورة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في كل عمل مِن الأعمال التي ثبت أن للرسول -صلى الله عليه وسلم- فيها دعاء.
فالمرأة المسلمة الحريصة على جلاء روحها تقبل على تعلم طائفة مِن هذه الصيغ المأثورة تأسيًا بالرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحبه الأبرار، وتواظب على تردادها في أوقاتها ومناسباتها ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا، وبذلك يبقى قلبها موصولًا بالله -عز وجل-، وتزكو روحها وترهف أحاسيسها ويزداد إيمانها.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.
منقول
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 02-11-2024 الساعة 05:10 AM.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 02-11-2024, 05:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,420
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شخصية المرأة المسلمة

شخصية المرأة المسلمة (3) علاقة المرأة المسلمة بوالديها

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
بارة بهما:
فإن مِن أبرز ما تتميز به المرأة المسلمة الراشدة برها بوالديها والإحسان إليهما؛ ذلك أن الإسلام حضَّ على بر الوالدين في كثيرٍ مِن النصوص القاطعة مِن كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكل مسلمة تطالِع هذه النصوص لا يسعها إلا الالتزام بهديها، والمسارعة إلى برِّ والديها مهما تكن الظروف، ومهما تكن العلاقة بين الفتاة ووالديها.
عارفة قدرهما وما يجب عليها نحوهما:
تدرك المرأة المسلمة مِن خلال تلاوتها لكتاب الله -عز وجل- المرتبة العالية التي رفع الله إليها الوالدين، وإنها لمرتبة ما عرفها البشر إلا في هذا الدين؛ إذ جعلها تلي مرتبة الإيمان بالله والعبودية له، فقد تتابعت آيات الله الكريم واضعة مرضاة الوالدين بعد مرضاة الله -عز وجل-، وجاعلة الإحسان إليهما رأس الفضائل بعد الإيمان بالله، قال -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)(النساء:36).
ومِن هنا؛ كانت الفتاة المسلمة الواعية هدي دينها أبر بوالديها مِن أي فتاة أخرى؛ إذ لا يتوقف برها لوالديها عند انتقالها إلى عش الزوجية حيث يكون لها عالمها الخاص المستقل الشاغل اللاهي، بل يستمر برها بوالديها ما تنفس بها العمر وامتدت بها الأيام؛ عملًا بهدي القرآن الكريم وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبخاصة عندما يصلان إلى مرحلة العجز والضعف والهرم، ويحتاجان إلى الخلق الراقي والبسمة الحانية والكلمة الودود.
قال -تعالى-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء:23-24).
فالمرأة المسلمة التقية الداعية التي استنارت بصيرتها بنور القرآن الكريم تتلقى -دومًا- مثل هذا الإيقاع الرباني الجميل بالانقياد والتسليم، وكلما تليت الآيات الموصية بالوالدين تزداد برًّا بهما وإحسانًا إليهما وإقبالًا على خدمتهما وتفانيًا في التماس رضاهما.
لقد جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو المربي العظيم؛ بر الوالدين بين أعظم عملين في الإسلام: الصلاة على وقتها والجهاد في سبيل الله، والصلاة عماد الدين، والجهاد ذروة سنام الإسلام، فأي مقام كريم هذا؟!
فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ:(الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا)قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ) قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟!قَالَ: (ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)(متفق عليه).
ولا ننسى موقف النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يعبئ كتائب الجيش للجهاد أن يذكر بقلبه الإنساني الرفيق ضعف الوالدين، وحاجتهما لابنهما، فيصرف أحد الصحابة المتطوعين للجهاد عن التطوع، ويلفته برفق إلى العناية بوالديه -مع حاجته إلى كل ساعد يضرب بالسيف آنذاك-، حيث جاءه رَجُلٌ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: (أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟!) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ) (متفق عليه).
ولما أنكرت أم "سعد بن أبي وقاص" عليه إسلامه، وقالت له: "إما أن ترجع عن إسلامك وإما أن أضرب حتى أموت فيعيرك العرب؛ إذ سيقولون: "قاتل أمه"، فأجابها سعد: "تعلمين -والله- لو كان لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما رجعت عن إسلامي!"، وصبرت أمه يومًا فيومين، وفي اليوم الثالث أجهدها الجوع فطعمت، وأنزل الله قرآنًا يتلى فيه عتاب لسعد على شدته مع أمه في جوابه لها، قال -تعالى-: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)(لقمان:15).
وفي قصة "جريج العابد" عبرة بالغة في أهمية بر الوالدين، والمسارعة في طاعتهما، إذ نادته أمه وهو يصلي فقال: (يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتِهِ فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتِهِ فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أُمِّي وَصَلاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتِهِ، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ) (متفق عليه).
وقد استجاب الله دعاء أمه عليه، فادعت عليه امرأة بغي الزنا بها، وكاد أن يقام عليه الحد؛ لولا أن تداركته رحمة الله فأنطق الغلام ببراءته.
ومِن هنا؛ رأى الفقهاء أن المرء إذا كان في صلاة النفل وناداه أحد والديه فعليه أن يقطع صلاته ويجيبه.
ولقد وقر في قلوب المسلمين والمسلمات وجوب بر الوالدين، فسارع الأبناء والآباء إلى برهما في حياتهما، وبعد مماتها، والأخبار والأحاديث في ذلك كثيرة، منها: أن امرأة جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ أَفَأَحُجَّ عَنْهَا؟" قَالَ: (نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟!) قَالَتْ: "نَعَمْ"، فَقَالَ: (اقْضُوا اللَّهَ الَّذِي لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ) (رواه البخاري).
وجاءت أخرى فقالتْ: "إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ" فَقَالَ: (وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ) قَالَتْ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟!" قَالَ: (صُومِي عَنْهَا) قَالَتْ: "إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟!" قَالَ: (حُجِّي عَنْهَا) (رواه مسلم).
تبر والديها ولو كانا غير مسلمين:
وتوضح هذا توجيهات النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، إذ يوصي ببر الوالدين والإحسان إليهما ولو كانا على غير دين الإسلام، وذلك فيما حدثتنا به أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- قالت: "قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهْىَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهْىَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟!" قَالَ: (نَعَمْ صِلِى أُمَّكِ) (متفق عليه).
فالمرأة المسلمة الواعية لهذه التوجيهات القرآنية العالية، واللفتات النبوية السامية لا يسعها إلا أن تكون مِن أبرّ الخلق بوالديها في كل حال، وفي كل آن، وهذا ما كان عليه الصحابة ومَن تبعهم بإحسان، فقد سأل رجل سعيد بن المسيب قائلًا: "لقد فهمت آية بر الوالدين كلها، إلا قوله -تعالى-: (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا)؛ فكيف يكون القول الكريم؟"، فأجابه سعيد: "يعني: خاطبهما كما يخاطب العبد سيده".
وكان ابن سيرين -رحمه الله- يكلِّم والدته بصوت ضعيف كأنه صوت مريض؛ إجلالاً لها واحترامًا.
شديدة الخوف مِن عقوقهما:
وبقدر مسارعة بر المرأة المسلمة بوالديها تخشى مِن الوقوع في جريمة عقوقهما؛ ذلك أنها تدرك فداحة هذه الجريمة التي تعد مِن الكبائر، وتعرف الصورة السوداء المعتمة التي رسمتها النصوص الصحيحة لكل عاقة لوالديها باقتران العقوق بالشرك بالله كما اقترن البر بهما هناك بالإيمان بالله، فعن أبي بكرة نفيع بن الحارث، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟!) قُلْنَا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) (متفق عليه).
تبر أمها ثم أباها:
جاء هذا في الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءه رجل فسأله: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِى قَالَ: (أُمُّكَ)، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ (أُمُّكَ)، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (أُمُّكَ)، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّأَبُوكَ) (متفق عليه).
ففي هذا الحديث تأكيد مِن الرسول الكريم على أن بر الأم مقدم على بر الأب، ولقد استثار القرآن الكريم مشاعر البر والعرفان في نفوس الأبناء، فوصى بالوالدين، وخص الأم بالفضل؛ بسبب الحمل والرضاعة، وما تكابد مِن مشاق ومتاعب في هاتين المرحلتين مِن مراحل الحياة في صورةٍ لطيفةٍ حانيةٍ توصي بالبذل النبيل والحنو المطلق، قال -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان:14).
وهذا ابن عمر -رضي الله عنهما- يشهد رجلاً يمانيًّا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، حَمَلَ أُمَّهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، يَقُولُ:
إِنِّـي لَهَـا بَعِـيـرُهَــا الْـمـُذَلَّلُ إِنْ أُذْعِرَتْ رِكَابُهَا؛ لَمْ أُذْعَرِ
ثُمَّ قَالَ: "يَا ابْنَ عُمَرَ أَتُرَانِي جَزَيْتُهَا؟!" قَالَ: "لاَ، وَلاَ بِزَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ".
وَ"كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ؛ سَأَلَهُمْ: "أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟!" حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ: "أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟" قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: "مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟"، قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: "فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟"، قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: "لَكَ وَالِدَةٌ؟" قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ؛ لأَبَرَّهُ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ؛ فَافْعَلْ)، فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: "أَيْنَ تُرِيدُ؟"، قَالَ: "الْكُوفَةَ" قَالَ: "أَلا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا؟!"، قَالَ: "أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ"، قَالَ: "فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَوَافَقَ عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ قَالَ: "تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ، قَلِيلَ الْمَتَاعِ"، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ؛ لأَبَرَّهُ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ؛ فَافْعَلْ)، فَأَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ: "اسْتَغْفِرْ لِي" قَالَ: "أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي"، قَالَ: "اسْتَغْفِرْ لِي"، قَالَ: "أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي"، قَالَ: "لَقِيتَ عُمَرَ؟!" قَالَ: "نَعَمْ"، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ، قَالَ أُسَيْرٌ -أحد الرواة-: "وَكَسَوْتُهُ بُرْدَةً، فَكَانَ كُلَّمَا رَآهُ إِنْسَانٌ؛ قَالَ: "مِنْ أَيْنَ لأُوَيْسٍ هَذِهِ الْبُرْدَةُ؟!" (رواه مسلم).
فأي مقام بلغه "أويس" ببره والدته حتى إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أوصى صحابته أن يلتمسوا دعاءه.
تحسن أسلوب برهما:

فالمرأة المسلمة تختار أقل الطرق وأرقى الأساليب في مخاطبتهما ومعاملتهما، وتخفض لهما جناح الذل مِن الرحمة، ولا يصدر عنها كلمة تضجر أو تأفف أو ضيق منهما، مستهدية دومًا بقوله -تعالى-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)(الإسراء:23-24).


وقد يكون الوالدان أو أحدهما في انحرافٍ عن جادة الحق والصواب، فواجب الفتاة المسلمة البارة في مثل هذه الحالة أن تسلك معهما مسلك الرفق والتؤدة، والتلطف والإقناع، ولا تخرج عن دائرة الأدب، وسلاحها في سبيل الوصول إلى هدفها الصبر والكلمة الطيبة، والبسمة الودود والحجة القوية، والأسلوب المهذب الحكيم.
منقول
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 89.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 87.18 كيلو بايت... تم توفير 2.60 كيلو بايت...بمعدل (2.90%)]