الشاكر – الشكور جل جلاله، وتقدست أسماؤه - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          خمسة عشر سببا لإبطاء النصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          صــلاة الـوتر.. حكمهـا وفضـلهـا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          رمضـــــان .. النفحـــــات والبركــات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          العليـــم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 96 )           »          فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 279 - عددالزوار : 15616 )           »          حكم المبيت بمنى ليلة التاسع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          عرض كتاب (دور أهل الذمة في إقصاء الشريعة الإسلامية) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 67 )           »          كتاب مداخل إعجاز القرآن للأستاذ محمود محمد شاكر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 21 - عددالزوار : 941 )           »          التوحيــــد أولاً.. شبهـــــات وردود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-02-2024, 03:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,647
الدولة : Egypt
افتراضي الشاكر – الشكور جل جلاله، وتقدست أسماؤه

الشاكر – الشكور جل جلاله، وتقدست أسماؤه
الشيخ وحيد عبدالسلام بالي

الدِّلالاتُ اللُّغَويَّةُ لاسمِ (الشَّاكِر):
الشَّاكِرُ اسمُ فاعلٍ للموصوفِ بالشكرِ، فِعْلُه شَكَر يشكُر شُكْرًا، والشُّكْرُ هو الثناءُ الجميلُ على الفعلِ الجليلِ، ومجازاةُ الإحسانِ بالإحسانِ.

روى أحمد، وصحَّحه الألبانيُّ من حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه؛ أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ رضي الله عنه دخلَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، رأيتُ فلانًا يشكُرُ، يذكرُ أَنَّك أَعْطَيْتَهُ دِينَارَيْن، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لكِنَّ فلانًا قَدْ أَعْطَيْتُهُ مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ إِلَى المِائَةِ فما شَكَرَ، وَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَسْأَلُنِي المَسْأَلَةَ فَأُعْطِيهَا إِيَّاهُ فَيَخْرُجُ بِهَا مُتَأَبِّطُهَا وَمَا هي لهَمْ إِلَّا نَارٌ»، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ الله فَلِمَ تُعْطِيهِمْ؟ قَالَ: «إِنَّهُم يَأَبَوْن إِلَّا أَنْ يَسْأَلُونِي وَيَأْبَى اللهُ لِيَ البُخْلَ»[1].

والشَّكورُ أبلغُ مِن الشاكِر وهو المبالِغُ في الشُّكْرِ بالقلبِ واللسَانِ والجوارحِ.

قال عبدُ الرؤوفِ المُنَاوِي: «الشَّكورُ الباذِلُ وُسْعَهُ في أَداءِ الشُّكرِ بقلبهِ ولسَانِهِ وجوارحِهِ اعتقادًا واعترافًا، وقيل: الشَّاكِرُ مَنْ يشكُرُ على الرَّخَاءِ والشَّكورُ على البلاءِ، والشاكِرُ منْ يشكُرُ على العطاءِ، والشَّكورُ مَنْ يشكُر على المنعِ»[2].

واللهُ سُبْحَانَهُ شَاكِرٌ يجازي العبادَ على أعمالِهم، ويَزيدُ مِن فضلهِ أجورَهُمْ، فيقابلُ شُكْرَهُم بزيادةِ النِّعم في الدُّنيا وواسعِ الأجرِ في الآخِرة.

قال تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [البقرة: 152].

وقال: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم: 7].

وروى البخاريُّ مِن حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الجَنَّةَ إلَّا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ لَوْ أَسَاءَ؛ لِيَزْدَادَ شُكْرًا، وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ إِلَّا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ لَوْ أَحْسَنَ؛ لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةً»[3].

واللهُ سُبْحَانَهُ شاكِرٌ يَرضَى بأعمالِ العبادِ وإِنْ قلَّتْ؛ تكريمًا لهم ودعوةً للمزيدِ، معَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قد بَيَّن لهم ما لهم مِن وعدٍ أو وعيدٍ، لكنَّه شاكِرٌ يتفضَّلُ بمضاعفةِ الأجرِ، ويَقبل التوبةَ، ويَمحو ما يشاء مِن الوِزْرِ، والله غنيٌّ عنَّا وعن شُكرِنا، لا يفتقِرُ إلى طاعتنا أو شيءٍ من أعمالِنا، لكنه يَمدَحُ مَنْ أطاعَهُ، ويُثني عليه ويُثيبُه، قال تعالى: ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا [النساء: 147].

قال البيضاويُّ في تفسيرِ الآيةِ: «ما يفعلُ اللهُ بعذابِكم إِنْ شكرتُم وآمنتُمْ، أيتشفَّى به غيظًا، أو يدفعُ به ضررًا، أو يَستَجلبُ به نفعًا وهو الغني المتعالي عن النفعِ والضُّرِّ وإنما يُعاقبُ المُصِرَّ بكُفرِه... وكان الله شاكرًا مُثيبًا يقبل اليسيرَ ويُعطي الجزيلَ، عليمًا بحقِّ شكرِكم وإيمانِكم»[4].

الدِّلالاتُ اللُّغَويَّةُ لاسمِ (الشَّكُورِ):
الشَّكُورُ في اللغةِ فَعولٌ مِن صِيَغِ المبالغةِ، فِعلُه شَكَر يشكُر شُكرًا وشُكورًا وشُكْرانًا، فالشَّكورُ فَعولٌ من الشُّكْرِ.

وأصلُ الشُّكْرِ الزيادةُ والنَّماءُ والظهورُ، وحقيقةُ الشُّكْرِ الثناءُ على المحسِنِ بذكرِ إحسانِه[5].

وشُكْرُ العبدِ على الحقيقةِ إنما هو إقرارُ القلبِ بإنعامِ الربِّ، ونُطقُ اللسانِ عن اعتقادِ الجَنانِ، وعملُ الجوارحِ والأركانِ.

قال تعالى: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: 13].

وفي صحيحِ البخاريِّ من حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللهُ عَبْدًا شَكُورًا، أَمَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ...» الحديث[6].

والشَّكورُ سُبْحَانَهُ هو الذي يَزكُو عندَهُ القَلِيلُ من أعمالِ العِبادِ، ويُضاعِفُ لهم الجزاءَ، فيُثيبُ الشَّاكِرَ على شُكرِه، ويَرفعُ درجَتَهُ، ويَضعُ مِنْ ذنبِهِ، فشكرُ العبدِ للهِ تعالى ثناؤهُ عليه بذكرِ إحسَانِه إليه، وشكرُ الحقِّ للعبدِ ثناؤُهُ عليه بذكرِ طاعتِهِ له.

ويَذكُر ابنُ القيِّمِ أنَّ الشكورَ سُبْحَانَهُ هو أولى بصفةِ الشُّكْرِ من كلِّ شَكورٍ، بل هو الشَّكُورُ على الحقيقةِ...

فإنَّه يُعطي العبدَ ويوفِّقُهُ لِمَا يشكرُه عليه، ويشكرُ القليلَ مِن العملِ والعطاءِ فلا يَسْتَقِلُّه أَنْ يَشكرَهُ، ويَشكرُ الحسنَةَ بعشرِ أمثالِها إلى أضعافٍ مضاعفةٍ، ويَشكرُ عبْدَهُ بأنْ يُثنيَ عليه بين ملائكتِه وفي مَلَئِهِ الأعلى، ويُلقي له الشُّكرَ بين عبادِهِ، ويشكرُهُ بفعلِه فإذا ترك له شيئًا أعطاه أفضلَ منه، وإذا بذلَ له شيئًا ردَّهُ عليه أضعافًا مُضاعفَةً، وهو الذي وفَّقَهُ للتَّرْكِ والبَذْلِ، وشُكْره على هذا وذاك.

ولما بَذَلَ الشُّهداءُ أبدانَهُمْ له حتَّى مزَّقَهَا أعداؤُهُ شَكَرَ لهم ذلك بأن أعاضَهم منها طيرًا خُضرًا أقرَّ أرواحَهُمْ فيها، تَرِدُ أنهارَ الجَنَّةِ وتأكلُ مِن ثمارِها إلى يومِ البعثِ، فيردُّها عليهم أكملَ ما تكونُ وأجملَه وأبهاهُ.

ومِنْ شُكْرِه سُبْحَانَهُ أَنَّه يُجازِي عدوَّه بما يَفعلُه مِن الخيرِ والمعروفِ في الدُّنيا ويُخفِّفُ به عنه يومَ القيامةِ، فلا يُضيعُ عليه ما يَعملُه مِن الإحسانِ وهو مِن أبغضِ خَلْقِه إليه، ومِنْ شُكرِه أنه غفرَ للمرأةِ البغيِّ بسَقْيِها كلبًا كان قد جَهَدَه العطشُ حتى أكلَ الثَّرى[7].

قال ابنُ القيِّمِ: «الشَّكُورُ يُوصل الشَّاكِرَ إلى مَشْكُورِه، بل يُعيدُ الشاكِرَ مشكورًا وهو غايةُ الرَّبِّ مِن عبدِه، وأهلُهُ هم القليلُ مِن عبادِهِ، قال الله تعالى: ﴿ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة: 172].

وسمَّى نفسَه شاكرًا وشَكُورًا، وسمَّى الشَّاكرين بهذين الاسمينِ فأعطاهُمْ مِنْ وَصْفِه وسمَّاهُم باسمِه، وحسبُك بهذا مَحبَّةً للشَّاكرين وفضلًا.

وإعادتَه للشاكرِ مشكورًا كقولِه: ﴿ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا [الإنسان: 22].

ورَضِيَ الربُّ عن عبدِه به كقولِه: ﴿ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر: 7].

وقِلَّةُ أهلِه في العالمينَ تدلُّ على أنَّهم هم خواصُّهُ كقوله: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: 13]»[8].

الفَرْقُ بين الشُّكْرِ والحمدِ[9]:
الشكرُ مثلُ الحمدِ إلا أَنَّ الحمدَ أعَمُّ منه، فإِنَّك تحمدُ الإِنسانَ على صفاتِهِ الجميلةِ وعلى معروفهِ، ولا تشكرُه إلا على معروفِهِ دون صِفاتِه[10].

قال ثعلبٌ: «الشُّكرُ لا يكونُ إلا عن يدٍ، والحمدُ يكونُ عن يدٍ، وعن غيرِ يدٍ، فهذا الفرقُ بينهما»[11].

وقال القرطبيُّ: «وتكلَّمَ النَّاسُ في الحمدِ والشُّكرِ هل هما بمعنًى واحدٍ أو بمعنيين؟
فذهب الطبريُّ والمبَرِّدُ إلى أنهما بمعنى واحدٍ سَواءٌ، وهذا غيرُ مَرْضيٍّ.

والصحيحُ: أَنَّ الحمدَ ثناءٌ على الممدوحِ بصفاتِهِ مِن غيرِ سبقِ إحسانٍ، والشكرَ ثناءٌ على المشكورِ بما أَوْلى مِن الإِحسانِ، وهذا قولُ علماءِ اللُّغةِ؛ الزَّجاجِ، والقَتْبيِّ، وغيرِهما» اهـ[12].

وقال ابنُ القيِّمِ: «والفرْقُ بينهما: أَنَّ الشكرَ أعَمُّ مِن جهةِ أنواعِهِ وأسبابِهِ، وأخصُّ مِن جهةِ متعلِّقاتِهِ، والحَمْدَ أعمُّ مِن جهةِ المتعلقاتِ، وأخصُّ مِن جهةِ الأسبابِ.

ومعنى هذا: أَنَّ الشُّكْرَ يكونُ بالقلبِ خُضوعًا واستكانةً، وباللسانِ ثناءً واعترافًا، وبالجوارحِ طاعةً وانقيادًا، ومتعلَّقُه: النِّعمُ دونَ الأوصافِ الذاتيَّةِ، فلا يُقال: شَكَرْنَا الَله على حياتِهِ وسَمْعِهِ وبَصرِهِ وعِلْمِهِ، وهو المحمودُ عليها كما هو محمودٌ على إحسانِهِ وعدلِهِ، والشكرُ يكونُ على الإِحسانِ والنِّعمِ.

فكلُّ ما يتعلقُ به الشُّكرُ يتعلَّقُ به الحمدُ مِنْ غيرِ عكسٍ، وكلُّ ما يقعُ به الحمدُ يقعُ به الشُّكْرُ مِنْ غيرِ عكسٍ، فإِنَّ الشكرَ يقعُ بالجوارحِ والحمدَ يقعُ بالقلبِ واللسانِ» اهـ[13].

وُرودُ الاسمينِ في القرآنِ الكريمِ:
وَرَدَ (الشَّكُورُ) في القرآنِ أربَع مراتٍ وهي:
قولُهُ تعالى: ﴿ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر: 30].

وقولُهُ: ﴿ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر: 34].

وقولُهُ: ﴿ وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ [الشورى: 23].

وقولُهُ: ﴿ إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ [التغابن: 17].

وأما (الشَّاكِرُ) فقد وَرَدَ مرَّتين:
في قولِهِ تعالى: ﴿ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ [البقرة: 158].

وقولِهِ: ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا [النساء: 147].

معنى الاسمينِ في حَقِّ اللهِ تعالى:
قال قتادةُ: «﴿ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر: 30]؛ إِنَّهُ غفورٌ لذنوبِهم، شكورٌ لحسناتِهم»[14].

وقال: «إِنَّ اللهَ غفورٌ للذُّنوبِ، شَكُورٌ للحسناتِ يضاعِفُها»[15].

قال الخطابيُّ: «(الشَّكورُ): هو الذي يَشكُر اليسيرَ مِن الطاعةِ فَيُثيبُ عليه الكثيرَ مِن الثوابِ.

ويُعطي الجَزيلَ مِن النِّعمةِ، فيَرضَى باليسيرِ مِن الشُّكْرِ، كقولِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر: 34].

ومعنى الشُّكْرِ المضافِ إليه: الرضا بيسيرِ الطاعةِ مِن العبدِ والقَبولُ له، وإعظامُ الثوابِ عليه، واللهُ أعلمُ.

وقد يُحتَملُ أَنْ يكونَ معنى الثناءِ على اللهِ عز وجل بالشَّكورِ ترغيبَ الخلْقِ في الطاعةِ، قَلَّتْ أو كثُرتْ، لئلَّا يَستَقلُّوا القليلَ مِن العملِ فلا يتركوا اليسيرَ مِن جملتِهِ إذا أعوزَهُمُ الكثيرُ منه» اهـ[16].

قال الزَّجاجيُّ: «فإِنْ قال قائلٌ: فإذا كان الشُّكْرُ منه عز وجل إنما هو مجازاةُ العاملينَ ومقابلةُ الأفعالِ بالثوابِ والجَزاءِ، فقولوا: إِنَّه يشكُرُ أيضًا أفعالَ الكُفَّارِ لأنه يجازيهِم عليها.

قِيلَ له: ذلك غيرُ جائزٍ، لأنا قد قُلنا: إِنَّ الشكرَ في اللُّغةِ إنما هو: مقابلةُ المُنعِمِ على فعلِه بالثناءِ والاعترافُ بفعلِهِ.

ولمَّا كان المسيءُ مِن العبادِ لا يُقالُ له مُنعِمٌ، ولم يَستحقَّ بذلك شُكرًا، بل استحقَّ الذمَّ والسَّبَّ، لم يَجُزْ أَنْ يكونَ الكفَّارُ محسنينَ في أفعالِهم فيُستَحَقَّ الجزاءُ عليها والمقابلة بالجميلِ، بل كانوا مُسيئين، والمسيءُ مستحقٌّ للعُقوبَةِ والسَّبِّ، فلم يَجُزْ أَنْ يُسَمَّى الفعلُ المقابلُ لفِعالهم شُكرًا» اهـ[17].

وقال البيهقيُّ: «هو الذي يَشكُرُ اليَسيرَ مِن الطاعةِ، ويُعطي عليه الكثيرَ مِن المَثُوبةِ.

وشُكْرُه: قد يكُونُ بمعنى ثنائِهِ على عبدِه، فيرجعُ معناه إلى صِفَةِ الكلامِ، التي هي صفةٌ قائمةٌ بذاتِهِ» اهـ[18].

فالربُّ سبحانه وتعالى إذا أثنى على عبدِه فقد شَكَرَهُ.

وفي المَقْصِد: «الرَّبُّ تعالى إذا أثنى على أعمالِ عبادِه فقَدْ أثنى على فعلِ نفسِه؛ لأَنَّ أعمالَهُم مِنْ خَلقِهِ، فإِنْ كان الذي أُعطِيَ فأثنى (شكورًا)، فالذي أعطى، وأثنى على المُعْطِي فهو أحقُّ بأَنْ يكونَ شكورًا.

فثناءُ اللهِ تعالى على عبادِهِ كقولهِ: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ [الأحزاب: 35]، وكقوله: ﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص: 30]، [ص: 44]، وما يجري مَجْرَاهُ، وكلُّ ذلك عطيةٌ منه» اهـ[19].

وقال ابنُ القيِّمِ في النونيّة:
وهو الشكورُ فلَنْ يُضيِّعَ سعيَهم
لكن يضاعِفُه بلا حُسبانِ
ما للعبادِ عليه حقٌّ واجبٌ
هو أوجبَ الأجرَ العظيمَ الشانِ
كلا ولا عملٌ لديه ضائعٌ
إن كان بالإخلاصِ والإحسانِ
إن عُذِّبوا فبِعَدْلِه أو نُعِّموا
فَبفَضْلهِ والحمدُ للمنَّانِ[20]


قال السعديُّ: «(الشَّاكِرُ، الشَّكُورُ): الذي يشكرُ القليلَ مِن العملِ، ويغفرُ الكثيرَ مِن الزَّللِ، ويضاعِفُ للمخلصين أعمالَهم بغيرِ حسابٍ، ويشكرُ الشاكرينَ، ويذكرُ مَنْ ذكَرَهُ، ومَنْ تقرَّبَ إليه بشيءٍ مِن الأعمالِ الصالحةِ تقرَّبَ اللهُ منه أكثرَ»[21].

ثمراتُ الإِيمانِ بهذين الاسمينِ:
1- إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ هو الشكورُ والشاكِرُ على الإطلاقِ، الذي يَقبلُ القليلَ مِن العملِ ويُعطي الكثيرَ مِن الثوابِ مقابلَ هذا العملِ القليلِ.

ولذلك نُهينا أن نَستَصغِرَ شيئًا مِن أعمالِ البِرِّ، ولو كان شيئًا يسيرًا، فقد قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذَرٍّ رضي الله عنه: «لَا تَحْقِرَنَّ من المعروفِ شيئًا، ولو أَنْ تَلقَى أخاك بوجهٍ طَلْقٍ»[22].

وحثَّ على عملِ الصالحاتِ، صغيرِها وكبيرِها فإِنَّ اللهَ لا يُضيعُ شيئًا، فقال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا النَّارَ ولو بِشِقِّ تمرةٍ، فإنْ لم يجدْ فبكلمةٍ طيِّبةٍ»[23].

وحثَّ الناسَ على الصدقةِ - عند قُدومِ قومٍ مِن مُضَرَ أصابتْهم الفاقةُ والفقرُ - فقال: «تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دينارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ» حتى قال: «وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ»[24].

وبيَّن تعالى أنه يُضاعِفُ الأعمالَ الصالحةَ أضعافًا كثيرةً بقدْر ما يشاءُ، وذلك فضلُه يؤتيه مَنْ يشاءُ، قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 261].

وقال سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 40].

وقال: ﴿ وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ [الشورى: 23].

وقال: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد: 11]، وغيرُها من الآياتِ الكثيرةِ.

وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تمرةٍ مِن كسْبٍ طيِّبٍ - ولا يَقْبل اللهُ إلا الطَّيِّبَ - فإنَّ الله يَتَقبَّلُهَا بيمينه، ثم يُربِّيها لصاحِبِها كما يُربِّي أحدُكم فَلُوَّهُ، حتى تكُونَ مِثلَ الجَبلِ»[25]؛ أي: يُربِّيها له كما يُربِّي أحدُكُم مُهرَهُ.

وعن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ، قال: جاء رَجُلٌ بناقةٍ مخطومةٍ فقال: هذه في سبيلِ اللهِ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لكَ بها يومَ القيامة سَبْعُمائةِ ناقةٍ كلُّها مخطومةٌ»[26].

ومِن عظيمِ شُكْرِه سُبْحَانَهُ لعبادِه، وفضْلِه وكرَمِه عليهم، أَنَّهُ يُضاعِفُ لهم الحسناتِ فقط، أما السيِّئاتُ فإنها تُكتبُ كما هي ولا تتضاعفُ.

قال تعالى: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [الأنعام: 160].

وقال: ﴿ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ [غافر: 40].

2- وممَّا يجبُ معرفتُه أَنَّ ما يُقدِّمُهُ المسلمُ في تقرُّبِهِ إلى اللهِ سُبْحَانَهُ، مِن صلاةٍ وصيامٍ وحَجٍّ وصدقةٍ وجهادٍ، وغيرِها مِن أعمالِ البِرِّ المحدودةِ بالأعمارِ القصيرةِ - والتي يتخلَّلها التقصيرُ والسَّهوُ والنِّسيانُ - لا يُمكنُ بحالٍ أَنْ تكونَ ثمنًا للجَنَّةِ السَّرْمَدِيَّةِ، بما فيها مِن مباهجَ وزخارفَ ولذَّاتٍ، أو أَنْ تُنقذَهُ مِن جحيمِ النَّارِ ولهيبِها؛ فعَنْ عائشةَ زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا؛ فَإِنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ أَحَدًا عَمَلُهُ»، قالوا: ولا أنتَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: «وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ...»[27].

وفي رواية: «لا يُدْخِلُ أحدًا منكم عملُهُ الجَنَّةَ، ولا يُجيرُهُ مِن النَّارِ، ولا أنا إلا برحمةٍ مِن اللهِ»[28].

فدُخولُ العبدِ الجَنَّةَ، وفوزُه بها، ونجاتُه مِن النَّارِ إنما هو بفضْلِ اللهِ ورحمتِه.

3- إِنَّ الله سُبْحَانَهُ شُكْرُه واجبٌ على كلِّ مُكَلَّفٍ، كما قال الله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [البقرة: 152].

قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة: 172].

وقال: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [النحل: 114].

وقال: ﴿ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ [سبأ: 15].

قال القرطبيُّ: «إِنَّ للشُّكْرِ ثلاثةَ أركانٍ:
1- الإقرارُ بالنّعْمةِ للمُنعِمِ.
2- والاستعانةُ بها على طاعتِهِ.
3- وشُكْرُ مَنْ أجرى النِّعْمةَ على يدِه تسخيرًا منه إليه.

وهذا الرُّكنُ الثالثُ، لم أرَهُ لأحدٍ ممَّنْ تكلَّمَ على الشُّكرِ - فيما أعلمُ، واللهُ أعلمُ - فله الحمدُ على ما أَلْهَمَ وفهَّم وعلَّم» اهـ[29].

وزاد عليها المحقِّقُ ابنُ القيِّمِ فقال: «والشُّكْرُ مبنيٌّ على خمسِ قواعدَ:
خضوعُ الشاكرِ للمشكورِ.
وحبُّه له.
واعترافُه بنعمتِهِ.
وثناؤه عليه بها.
وأَنْ لا يَستَعملها فيما يكره.

فهذه الخَمْسُ هي أساسُ الشُّكْرِ، وبناؤه عليها، فمتى عُدِمَ منها واحدةٌ اختلَّ مِن قواعدِ الشُّكْرِ قاعدةٌ.

وكلُّ مَنْ تَكَلَّمَ في الشُّكْرِ وحَدِّه، فكلامُه إليها يرجعُ، وعليها يدُورُ»[30].

قُلتُ: أمَّا الإقرارُ بها ومَعْرفتُها وذكْرُها على الدَّوامِ والتَّحدُّثُ بها، فقد أَمَرَ اللهُ تعالى به عبادَهُ في غيرِ ما آيةٍ:
فقال سُبْحَانَهُ: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ [البقرة: 231].

وقال: ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة: 47]، [البقرة: 122].

وقال: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران: 103].

وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [فاطر: 3].

وقال: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى: 11].

وفي المدارج: «قال صاحبُ المنازلِ: الشُّكْرُ اسمٌ لمعرفةِ النِّعمةِ؛ لأنها السبيلُ إلى معرفةِ المُنْعِمِ، ولهذا سَمَّى اللهُ تعالى الإِسلامَ والإِيمانَ في القرآنِ: شُكرًا».

قال ابنُ القيِّمِ: «فمعرفةُ النِّعمةِ ركْنٌ مِن أركانِ الشُّكْرِ، لا أَنَّها جملةُ الشُّكر، كما تقدَّم، لكن لمَّا كان مَعرفتُها رُكْنَ الشُّكرِ الأعظمَ، الذي يستحيلُ وجودُ الشُّكرِ بدونِه، فجُعِلَ أحدُهما اسمًا للآخر»[31].

وقد جاء في الحديثِ ما يُبيِّنُ عظَمةَ تذكُّرِ النِّعمةِ والاعترافِ بها؛ وهو قولُه صلى الله عليه وسلم: «سَيِّدُ الاستغفارِ أَنْ يقولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ»، قال: «وَمَنْ قَالَها مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَها مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ»[32].

قال الطيِّبِي: «اعتَرَفَ أولًا بأنَّه أَنعَمَ عليه، ولم يُقيِّدْهُ لأَنَّهُ يشملُ أنواعَ الإِنعامِ، ثم اعتَرَفَ بالتقصيرِ وأَنَّهُ لم يقُمْ بأداءِ شُكرِها، ثُمَّ بالغَ فعدَّه ذنبًا في التَّقصيرِ وهضْمِ النَّفسِ» اهـ[33].

ويكرر صلى الله عليه وسلم الاعترافَ بالنعمةِ في أدبارِ الصَّلواتِ في قولهِ: «... لَهُ النِّعْمَةُ وَالفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَنُ...»[34].

وقد حثّ صلى الله عليه وسلم على التحدُّثِ بنعمِ اللهِ تعالى فقال: «مَنْ أَبْلَى بَلَاءً فَذَكَرَهُ فَقَدْ شَكَرَه، وَإِنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ»[35].

قال ابنُ القيِّمِ: «الثناءُ على المنعِمِ المتعلِّقُ بالنِّعمةِ نوعان: عامٌّ وخاصٌّ، فالعامُّ: وصفُهُ بالجُودِ والكرَمِ، والبِرِّ والإِحسانِ وسَعَةِ العَطاءِ ونحوِ ذلك.

والخاصُّ: التحدُّثُ بنعمتِهِ والإخبارُ بوُصولِها إليه مِن جهتِهِ، كما قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى: 11].

وفي هذا التحديثِ المأمورِ به قولان:
أحدُهما: أَنَّه ذِكْر النِّعمةِ والإِخبارُ بها، وقولَهُ: أنعمَ اللهُ عليَّ بكذا وكذا.

والتحدُّثُ بنعمةِ اللهِ شُكْرٌ، كما في حديث جابرٍ مرفوعًا: «مَن صُنِعَ إليه معروفٌ فلْيَجْزِ به، فإنْ لم يجِدْ ما يجزِي به فَليُثْنِ، فَإِنَّهُ إِذَا أَثْنَى فَقَدْ شَكَرَهُ، وإنْ كَتَمه فَقَدْ كَفَرَهُ، وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطَ كَانَ كَلَابِسِ ثَوْبَي زُورٍ»[36].

فذكرَ أقسامَ الخلْقِ الثلاثةَ:
أ- شاكرُ النِّعمةِ المُثني بها.
ب- والجاحدُ لها والكاتِمُ لها.
ج- والمُظهِرُ أَنَّه مِن أهلِها، وليس مِنْ أهلِها، فهو مُتَحَلٍّ بما لم يُعْطَهُ.

وفي أثرٍ آخرَ مرفوعٍ: «مَنْ لَم يَشكرِ القليلَ لم يَشكرِ الكثيرَ، ومَن لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لم يَشكرِ اللهَ، والتَّحدثُ بنعمةِ اللهِ شُكرٌ، وتَركه كُفرٌ، والجماعةُ رَحمةٌ والفُرقةُ عَذَابٌ»[37].

والقولُ الثاني: أَنَّ التحدُّثَ بالنعمةِ المأمورَ به في هذه الآية هو الدَّعوةُ إلى الله، وتبليغُ رسالتِهِ، وتعليمُ الأُمَّةِ.

قال مجاهد: «هي النُّبوَّةُ».

قال الزَّجاجُ: «أي بلِّغ ما أُرسِلْتَ به وحدِّث بالنبوَّةِ التي آتاك اللهُ» اهـ[38].

فإظهارُ النعمةِ والتحدُّثُ بها مِن صفاتِ المؤمنينَ الشاكرينَ، وأما أَنْ يَكتُمَ المرءُ النعمةَ، ويُظهِرَ أَنَّه فاقدٌ لها إما بلسانِ الحالِ أو المقالِ، فهو كفرٌ لها، وهو مِن صفاتِ الكافرينَ الجاحدينَ.

وإنما سُمِّيَ الكافرُ كافرًا، لأنه يُغطِّي نعمةَ اللهِ التي أسبَغَها عليه ويَجْحَدُها ولا يُقِرُّ بها[39].

وقد وصَفَهُم اللهُ بذلك في كتابِهِ فقال: ﴿ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ [النحل: 83].

وقال: ﴿ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [النحل: 71].
وقال: ﴿ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ [النحل: 72].

بل رُبَّما نَسَبُوا نِعَمَ اللهِ تعالى التي أعطاهُم[40] إلى أنفسِهم وعِلْمِهم وخبرَتِهم، قال تعالى: ﴿ فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ [الزمر: 49 - 51].

ومعنى ﴿ عَلَى عِلْمٍ؛ أيْ: بِوجوهِ المكاسِبِ والتِّجاراتِ، ﴿ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ؛ أي: هذه النِّعَمُ التي أُوتيتَها فتنةٌ تُخْتَبَرُ بها ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ؛ لا يعلمون أَنَّ إعطاءهم المالَ اختبارٌ، ﴿ قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ؛ يعني الكُفَّارَ قبْلَهم: كقارونَ وغيرِه حَيْثُ قال: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي [القصص: 78]، ﴿ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ؛ أي: لم تُغْنِ عنهم أموالُهم ولا أولادُهم مِن عذابِ اللهِ شيئًا.

ثُمَّ قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الزمر: 52].

أي: ألم يعلموا أَنَّ مصدرَ نعمتِهم التي هم فيها هو اللهُ سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل: 53].

وأَنَّهُ تعالى يبسُطُها على مَنْ يشاءُ ويحبِسُها عمَّنْ يشاءُ، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الزمر: 52]؛ أي: لا ينتفعُ بهذا ويتدبَّرُه إلا أهلُ الإِيمانِ والعِلمِ.

ب- وأما الاستعانَةُ بها - أي: النِّعمِ - على طاعةِ اللهِ، فهو ما يَقْتَضِيه الشَّرْعُ والعقلُ، فإِنَّ مَنْ أحسنَ إليك بشيءٍ لا يجوزُ أَنْ تُقابِلَهُ بالإساءةِ إليه، ومَنْ فعلَ ذلك فهو في نظرِ النَّاسِ وَقحٌ نَذْلٌ ناكرٌ للجميلِ، وجَاحِدٌ له، فكيف إذا استعانَ بإحسَانِه على الإساءةِ إليه، فهو أشدُّ وقاحةً وجحودًا للجميلِ.

والنِّعَمُ التي في الدُّنيا إنما خُلِقَتْ أصلًا ليستعينَ بها أهلُ الإِيمانِ على طاعةِ الرَّحمنِ، وأما أَهْلُ الكُفْرِ والفجُورِ فإنها مُحرَّمةٌ عليهم لأَنَّهم يَستعينون بها على معصيةِ اللهِ، قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [الأعراف: 32].


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24-02-2024, 03:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,647
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشاكر – الشكور جل جلاله، وتقدست أسماؤه



فقولُه تعالى: ﴿ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ، وقوله: ﴿ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ يعني: أنها خُلِقَت لهم، لا لغيرِهِمْ، لأَنَّهُمْ يستعينونَ بها على طاعتِهِ.

ويقول القرطبيُّ: «واعلَمْ أَنَّ على كلِّ جارحةٍ شُكْرًا يخصُّها، وعلى اللسانِ مِن ذلك مِثْلَ ما على سائرِ الجوارحِ، وقد أَخْبَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الأعضاءَ تقولُ للسَانِ: «اتَّقِ اللهَ فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعَوَجَجْنَا»[41].

وشُكْرُ كلِّ جارحةٍ إنما هو باستعمَالِها بتقوى اللهِ العظيمِ في امتثالِ ما يخصُّها مِن الطاعاتِ، واجتنابِ ما يخصُّها مِن العِصيانِ، فشكرُ البَدنِ: أَنْ لا تَستَعمِلَ جوارِحَه في غيرِ طاعتِهِ.

وشكرُ القلبِ: أَنْ لا تَشغلَهُ بغيرِ ذكرِهِ ومعرفتِهِ.
وشكرُ اللسَانِ: أَنْ لا تستعمِلَهُ في غيرِ ثنائِهِ ومدْحِهِ.
وشكرُ المالِ: أَنْ لا تُنفِقَه في غيرِ رضاه ومَحَبَّتِه.

ووَراءُ ذلك تطوُّعاتُ الشَّاكرِ والشكورِ، قام رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الليلِ حتى تَورَّمَتْ قدَمَاهُ؛ فقيل له: تَفْعلُ هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدَّم مِن ذَنْبِكَ وما تأخَّرَ، قال: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا»[42]؛ أي: طالبًا للمزيدِ؛ لقولِه تعالى: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم: 7]» اهـ[43].
وقد أَحسَنَ القائلُ:
أَنَالَكَ رِزْقَهُ لتقومَ فيهِ
بطاعتِه وتشكرَ بعضَ حقِّهْ
فَلَمْ تَشْكُرْ لِنِعْمَتِه وَلَكِنْ
قَوِيتَ عَلَى مَعَاصِيهِ بِرِزْقِهْ


جـ- أما شُكْرُ مَنْ أَجْرَى اللهُ سُبْحَانَهُ النعمةَ على يَدِه، فقَدْ أَمَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ به في قولِهِ تعالى: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان: 14]، فأَمَرَ بشُكْرِه ثم بشُكْرِ الوالدين إذْ كانا سببَ وجودِهِ في الدُّنيا، وسَهِرَا وتَعِبَا في تربيتِه وتغذيتِه، فمَنْ عقَّهما أو أساءَ إليهما فما شَكَرَهُما على صَنِيعِهِما، بل جحَدَ أفضالَهُما عليه، ومَنْ لَمْ يشكُرْهُما فإِنَّه لم يَشْكُرِ اللهَ الذي أجرى تلك النِّعَمَ على أيديهما، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ»[44].

قال الخطابيُّ: «هذا الكلامُ يُتأولُ على وجهين:
أحدُهما: أَنَّ مَنْ كان طبعُه وعادتُه كُفرانَ نعمةِ النَّاسِ، وترْكَ الشُّكْرِ لمعروفِهم، كان مِنْ عادتِه كفرانُ نعمَةِ اللهِ، وترْكُ الشكرِ له سُبْحَانَهُ.

والوجهُ الآخرُ: أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لا يَقْبلُ شكرَ العبدِ على إحسانِه إليه، إذا كان العبدُ لا يشكُرُ إِحسَانَ النَّاسِ، ويَكْفُرُ معروفَهم، لاتِّصالِ أحدِ الأمْرَين بالآخرِ» اهـ[45].

4- وقد أَكْثَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ مِن تَعدادِ نعمِهِ على عبادِه، فلم يَتْرُكْ لجاحدٍ مجالًا أَنْ يُنكِرَ نِعَمَ اللهِ عليه.

بل لو أرادَ أَنْ يُحْصِيَ الإنسانُ ما في جسدِهِ مِن نِعمِ اللهِ وأفضالِه لَعَجَزَ، فكيف لو أراد أَنْ يُحصِيَ نِعَمَ اللهِ سُبْحَانَهُ على الناسِ في حياتِهم على هذه الأرضِ؟!

قال تعالى: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الذاريات: 20، 21].

وفي مختصر منهاج القاصدين:
«مِنْ جُملةِ نِعَمِ اللهِ عليكَ أَنْ خَلَقَ لك آلةَ الإِحسَاسِ، وآلةَ الحركَةِ في طلَبِ الغِذاءِ، فانظر إلى ترتيبِ حِكْمَةِ اللهِ تعالى في الحواسِّ الخمسِ التي هي آلةٌ للإدراكِ.

فأوَّلُها: حاسَّةُ اللمسِ، وهو أولُ حِسٍّ يُخلقُ للحيوان، وأنقَصُ درجات الحِسِّ أَنْ يُحسَّ بما يُلاصِقُه، فإنَّ الإِحسَاسَ بما يَبعدُ منه أتَمُّ لا محالةَ.

فافتقرتَ إلى حِسٍّ تُدرك به ما بَعُدَ عنك، فخلَق لك الشَّمَّ تُدرِكُ به الرائحةَ مِن بُعدٍ.

ولكِنْ لا تدري مِن أيِّ ناحيةٍ جاءَتِ الرائِحَةُ، فتحتاجُ أَنْ تطوفَ كثيرًا حتى تَعثُرَ على الذي شَممْتَ رائحتَهُ، وربما لم تَعْثُرْ، فخلقَ لك البصَرَ لتدرِكَ به ما بَعُدَ عنك، وتدرِكَ جهتَهُ فتقصِدُها بعينها.

إلا أَنَّه لو لم يَخْلُقْ لك إلا هذا لكنتَ ناقِصًا، إِذْ لا تُدرِكُ بذلك ما وراءَ الجدارِ والحِجابِ، فرُبَّما قَصَدَكَ عدوٌّ بينك وبينَهُ حِجَابٌ، وقَرُبَ منك قَبْلَ أن يكشِفَ الحجابَ، فتعجَزُ عن الهَربِ، فخلقَ لك السَّمعَ حتى تُدرِكَ به الأصواتَ مِن وراءِ الحُجراتِ عند جَرَيَانِ الحَركاتِ.

ولا يكْفي ذلك، لو لم يكُنْ لك حِسُّ الذَّوْقِ، إِذْ به تَعْلمُ ما يوافِقُك وما يضرُّك، بخلافِ الشَّجرة، فإنه يُصَبُّ في أصلِها كلُّ مائعٍ، ولا ذَوْقَ لها فتجذبَهُ، وربما يكونُ ذلك سببَ جفافِها.

ثم أَكْرَمَك اللهُ تعالى بصفةٍ أخرى، هي أشْرَفُ مِن الكلِّ، وهو العقلُ، فبه تُدرِكُ الأطعمَةَ ومنفعَتَها، وما يضرُّ في المآلِ، وبه تُدرِك طبخَ الأطعمةِ وتأليفَها وإِعدادَ أسبابِها، فتنتفعُ به في الأكل الذي هو سببُ صِحَّتِكَ، وهو أدنى فوائدِ العقلِ، والحكمةُ الكبرى فيه معرفةُ اللهِ تعالى.

وما ذكرْنا مِن الحَواسِّ الخمسِ الظاهرةِ، فهي بعضُ الإِدراكاتِ.

ولا تَظُنَّ أننا استوفينا شيئًا مِن ذلك؛ فإنَّ البصرَ واحدٌ مِن الحواسِّ، والعينَ آلةٌ له، وقد رُكِّبتِ العينُ مِن عَشْرِ طبقاتٍ مختلفةٍ: بعضُها رطوباتٌ، وبعضُها أغشيةٌ مختلفةٌ، لكلِّ واحدةٍ مِن الطبقاتِ العشْرِ صفةٌ، وصورةٌ، وشكلٌ، وهيئةٌ، وتدبيرٌ، وتركيبٌ، لو اختلَّت طبقةٌ واحدةٌ منها أو صِفَةٌ واحدةٌ، لاختلَّ البَصرُ، وعَجَزَ عنه الأطباءُ كلُّهم.

فهذا في حسٍّ واحدٍ، وقِسْ حاسَّةَ السَّمعِ وسائرَ الحواسِّ، ولا يمكنُ أن يُستوفَى ذلك في مجلَّداتٍ، فكيف ظنُّكَ بجميعِ البدنِ؟»[46].

وذكَّر اللهُ النَّاسَ بنعمةٍ مِن نِعَمهِ العظيمةِ على الأرضِ وهي: نعمةُ الليلِ والنَّهارِ فقال: ﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ [غافر: 61].

وقال سُبْحَانَهُ مُذكِّرًا لعبادِهِ أَنَّه سخَّر لهم البحارَ والأنهارَ: ﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل: 14].

وقال سُبْحَانَهُ مُذكِّرًا لأصحابِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم بنعمتِه العظيمةِ عليهم: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الأنفال: 26].

ولو أردْنَا أَنْ نُعدِّدَ نِعَمَ اللهِ لطالَ المَقامُ بنا ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم: 34][47].

5- وعن بيانِ حقيقةِ النِّعمِ وأقسامِها يقولُ في مختصر منهاج القاصدين:
«اعلَمْ أَنَّ كلَّ مطلوبٍ يُسمَّى نِعْمةً، ولكِنَّ النِّعْمةَ في الحقيقةِ هي السعادةُ الأُخرويَّةُ، وتسميةُ ما عداها نعْمةً تَجوُّزٌ.

والأمورُ كلُّها بالإضافةِ إلينا تَنْقسِمُ أربعةَ أقسامٍ:
أحدُها: ما هو نافعٌ في الدُّنيا والآخرةِ جميعًا، كالعِلْمِ، وحُسْنِ الخلقِ، وهو النعمَةُ الحقيقيةُ.

الثاني: ما هو ضارٌّ فيهما جميعًا، وهو البلاءُ حقيقةً.

القسمُ الثالثُ: ما ينفَعُ في الحالِ، ويضرُّ في المآلِ، كالتلذُّذِ، واتباعِ الشَّهواتِ، فهو بلاءٌ عند ذوي الأبصارِ، والجاهلُ يَظُنُّه نِعْمةً.

ومثالُه: الجائعُ إذا وَجَدَ عسلًا فيه سُمٌّ، فإِنَّهُ يَعُدُّه نعمةً إِنْ كانَ جاهلًا، فإذا علِم ذلك عَدَّهُ بلاءً.

القسمُ الرابعُ: الضارُّ في الحالِ، النافعُ في المآلِ، وهو نِعمَةٌ عند ذوي الألبابِ، بلاءٌ عند الجُهَّالِ.

ومثالُه: الدَّواءُ الشنيع مذاقُه في الحالِ، الشَّافي في المآلِ مِن الأسقَامِ، فالصبيُّ الجاهِلُ إذا كُلِّفَ شُربَه ظنَّه بلاءً، والعاقِلُ يعدُّهُ نِعْمةً.

وكذلك إذا احتاجَ الصبيُّ إلى الحِجامةِ، فإِنَّ الأبَ يدعوه إليها، ويأمُره بها؛ لِما يلحظُ في عاقبتِها مِن الشفاءِ، والأمُّ تمنعُه مِن ذلك لِفَرطِ حُبِّها وشفَقَتِها؛ لكونِها جاهلةً بالمصلَحَةِ في ذلك، فالصبيُّ يُقلِّدُ أُمَّهُ بجهلِه، ويأنسُ إليها دُونَ أبيه، ويُقدِّرُ أباه عدوًّا، ولو عَقَل لعلِمَ أَنَّ الأمَّ هي العدوُّ الباطنُ في صورةِ صديقٍ؛ لأَنَّ منعها إياه مِن الحجامَةِ يَسُوقُه إلى أمراضٍ ألمُها أشدُّ مِن ألمِ الحِجامَةِ...

فالصَّديقُ الجاهِلُ شرٌّ مِن العدوِّ العاقلِ، وكلُّ إنسانٍ صديقُ نفسِهِ، ولكِنَّ النفسَ صديقٌ جاهِلٌ، فلذلك تَعملُ به ما لا يَعملُ العدوُّ.

6- الفرقُ بين إنعامِ الخالقِ وإنعامِ الخَلْقِ:
أ- إِنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يُعطي الخَلْقَ ويَتَفَضَّلُ عليهم مع استغنائِهِ عنهم، والمخلوقُ لا يُعطي غالبًا إلا لِمَقْصِدٍ أو غَرَضٍ.

ب- إِنَّك رُبَّما احتجْتَ إلى شيءٍ مِن المخلوقِ ولا يُعطيكَهُ، لكونه مُحتاجًا إليه، واللهُ سُبْحَانَهُ غنيٌّ عن كلِّ شيءٍ، قال سُبْحَانَهُ: ﴿ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ [الأنعام: 14].

جـ- إِنَّك رُبَّما احتجْتَ إلى شيءٍ من المخلوقِ إلا أَنَّه لا يُمكِنُكَ الوصولُ إليه فتبقَى محرومًا عن عطيتِهِ.
واللهُ سُبْحَانَهُ تَصِلُ إليه بدُعائكِ ومُناجاتِكَ في كلِّ وقتٍ وحينٍ ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186].

د- إِنَّك إذا قصَّرتَ في خدمةِ المخلوقِ قَطَعَ عنك إِنْعامَه، والكافرُ يُقصِّرُ بأعظمِ حقوقِ الله ويَظلُّ إنعامُهُ سُبْحَانَهُ عليه كما قال صلى الله عليه وسلم: «ما أَحَدٌ أَصبرُ على أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللهِ، يَدَّعونَ له الولدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ ويرزقُهم»[48].

7- وقد بيَّن تعالى أَنَّ أكثرَ النَّاسِ عن شُكْرِ هذه النِّعمِ والأفضالِ غافلون أو متغافلون، وهم في نِعَمِ اللهِ غارقون.

قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ [غافر: 61].

وقال: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: 13]، وهذه الآيات تقابِلُ قولَهُ تعالى: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ [الروم: 42].

لأنَّ أعظمَ الشُّكْرِ لله سُبْحَانَهُ هو توحيدُه وعبادَتُه وَحْدَهُ لا شَريكَ له، لأنه هو الذي خَلَقَ وأوجَدَ مِن العَدمِ ورَزَقَ الإنسانَ الأرزاقَ الكثيرةَ، ولم يشارِكْهُ في ذلك أَحَدٌ، فلا يَستَحقُّ أحدٌ العبادةَ مَعَهُ، ولكنَّ أكثرَ الناسِ كما قال تعالى أعرَضوا عن هذه الحَقيقةِ، وجعَلوا له أندادًا، ونَسَبوا لها الضرَّ والنَّفعَ، والتصرُّفَ في الأرزاقِ، ودفعَ الأمراضِ، وقضاءَ الحاجاتِ، وتفريجَ الكُرُباتِ.

فمِنَ الشِّركِ الذي يَقعُ مِن العبادِ نِسْبتُهم ما يحصلُ لهم مِنَ الأرزاقِ إلى المخلوقينَ...

قال البخاريُّ في صحيحه: بابُ قولِ اللهِ تعالى: ﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الواقعة: 82]، قال ابنُ عباسٍ: شُكْرَكم[49].

ثم روى حديثَ زيدِ بنِ خالدٍ الجُهني؛ أنه قال: صلّى لنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صلاةَ الصُّبحِ بالحديبيةِ على إثرِ سماءٍ كانت مِنَ الليلِ، فلما انصرَفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أقبلَ على النَّاسِ فقال: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قالوا: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: «قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالكَوَاكِبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالكَوَاكِبِ» اهـ[50].

وفي روايةٍ لمسلمٍ: «مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ بَرَكَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنَ النَّاسِ بِهَا كَافِرِينَ، يُنْزِلُ اللهُ الغَيْثَ فَيَقُولُونَ: الكَوْكَبُ كَذَا وَكَذَا»[51].

قال ابنُ قتيبةَ: «كانوا في الجاهليةِ يظنّونَ أَنَّ نزولَ الغَيْثِ بواسطةِ النَّوءِ[52]، إمَّا بصُنعِهِ على زعمِهم وإما بعلامَتِهِ، فأبطلَ الشرعُ قولَهم وجعلَهُ كُفرًا، فإِنِ اعتقدَ قائلُ ذلك أن للنوء صُنعًا في ذلك فكفرُه كفرُ تشريكٍ، وإِنِ اعتقدَ أنَّ ذلك مِنْ قبيلِ التَّجْرِبَةِ فليس بشِرْكٍ لكن يجوزُ إطلاقُ الكفرِ عليه وإرادةُ كفرِ النِّعمةِ، لأنه لم يَقَع في شيءٍ مِن طُرُقِ الحديثِ بين الكُفرِ والشّركِ واسِطَةٌ، فيُحْمَلُ الكفرُ فيه على المعنيَين لِتَناوُلِ الأمْرين واللهُ أعلمُ» اهـ[53].

ومِنْ هذا قولُ النَّاسِ: لولا الطبيبُ لماتَ ابني، لولا البَطُّ أو الكلبُ لسَرَقَ اللصوصُ الدَّارَ، وما شابه ذلك مِن نِسبةِ الفَضْلِ والنِّعمةِ لغيرِ اللهِ تعالى.

7- ويجبُ أَنْ يعلمَ أَنَّ اللهَ تعالى لا يَزدادُ مُلكُه شيئًا بشكْرِ الناسِ له ونِسبتِهِمُ الفَضْلَ إليه، كما أَنَّه لا يَتضرَّرُ بكُفرِهم لأَنَّه الغنيُّ الحميدُ، ولكنَّه تبارك وتعالى يُحِبُّ أَنْ يُحمدَ ويُشْكَرَ ويَرْضَى عن العبدِ بذلك، ويَكْرَهُ أَنْ يُكْفَرَ بِه وبنعمتِه ويَسْخَطُ على العبدِ بذلك، قال تعالى: ﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر: 7].

بل المستفيدُ والمنتفِعُ بالشُّكْرِ هو الإِنسانُ نفسُهُ، كما أَنَّه هو المُتضرِّرُ بالكُفْرِ، قال تعالى عن سليمانَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ﴿ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل: 40].

وقال عَنْ لُقمانَ العبدِ الصَّالحِ: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [لقمان: 12].

8- والكُفرُ بنِعَمِ اللهِ تعالى مُؤذِنٌ بزوالِها عمَّن كَفَر بها؛ قال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ [النحل: 112، 113].

وهذه القريَةُ هي مكَّةُ؛ فإِنَّها كانتْ آمنةً مطمئِنةً مُستقِرَّةً، والناسُ حولها يُتَخَطَّفون، يُغيرُ بعضُهم على بعضٍ، ويَقتلُ ويَنهبُ بعضُهم بعضًا، أما مكَّةُ مَنْ دخلَها كان آمنًا لا يخافُ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [القصص: 57].

وقال: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ [العنكبوت: 67].

وكان مِنْ تَمامِ النِّعمَةِ عليهم إرسالُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم إليهم، فكفروا به كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ [إبراهيم: 28، 29].

ولهذا بدَّلَ اللهُ حالَهم فقال: ﴿ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ [النحل: 112]؛ أي: ألبَسَها وأذاقَها الجُوعَ بعدَ أَنْ كان يُجبى إليهم ثَمراتُ كلِّ شيءٍ، ويأتيها رِزْقُها رغدًا مِنْ كلِّ مكانٍ، وذلك لعصيانِهم رسولَهُمْ صلى الله عليه وسلم، فدعا عليهم صلى الله عليه وسلم بالقَحْطِ.

فعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ قال: إِنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا رأى مِنَ الناس إِدْبارًا قال: «اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ»، فأخذتْهم سَنةٌ حصَّتْ كلَّ شَيْءٍ، حتى أَكَلوا الجلودَ والميتةَ والجيفَ، وينظر أحدُهم إلى السَّماءِ فيرى الدُّخانَ مِن الجوعِ؛ فأتاه أبو سفيانَ فقال: يا محمدُ، إنك تأمُرُ بطاعةِ اللهِ وبِصِلةِ الرَّحمِ، وإِنَّ قومَك قد هلكوا، فادعُ اللهَ لهم.

قال اللهُ تعالى: ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان: 10] إلى قولِهِ: ﴿ إِنَّكُمْ عَائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [الدخان: 15، 16]، فالبَطْشَةُ الكبرى يومُ بدرٍ، وقد مَضَتِ الدُّخانُ والبطشةُ واللّزامُ وآيةُ الرومِ[54].

وأَمَّا الخوفُ فهو مِنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه حين هاجروا إلى المدينةِ فكانوا يَخافونَ مِنْ سَطوتِهِ وسراياه وجيوشِهِ، وذَهَبَ أمنُهم السَّابِقُ، وبَقَوْا كذلك إلى أَنْ فتحَ اللهُ تعالى على نبيِّه صلى الله عليه وسلم مكةَ.

وكلُّ ذلك بسببِ كُفرِهم بنعمةِ اللهِ وبَطَرِهم وأَشَرِهِمْ ومعاداتِهم لرسولِه صلى الله عليه وسلم ورفضِهم لشريعتِه ودينِه وإصرارِهم على كُفرِهم ومعاصِيهم، وللكافرين أمثالُها.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24-02-2024, 03:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,647
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشاكر – الشكور جل جلاله، وتقدست أسماؤه



وقد قصَّ الله سُبْحَانَهُ علينا قصَّةَ (سبأ)، وأنهم كانوا في نِعَمٍ كثيرةٍ، وأموالٍ ممدودةٍ، وفواكِهَ منتشرةٍ، وأسفارٍ بلا أَخْطارٍ، ثم إنهم غيَّروا ما بأنفسِهم فغيَّر اللهُ سُبْحَانَهُ أحوالَهُم، فأرسلَ اللهُ عليهم سَيلًا عارمًا، جَرَفَ أشجارَهُمْ وحدائِقَهُمْ وأموالَهم، وبُدِّلوا بعد ذلك بأشجارٍ مُرَّةٍ أو ذاتِ شَوْكٍ، وأشجارٍ لا ثمارَ لها، وكان خيرُ الأشجار التي أُعطوها شجرَ السِّدْرِ وثمرُهُ يسيرٌ ﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سبأ: 17].

﴿ وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [سبأ: 19][55].

وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يستعيذُ مِنْ زوالِ النِّعمَةِ في دعائِه، كما جاء في حديثِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: كان مِنْ دعاءِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نقمتِك، وجميعِ سَخَطِكَ»[56].

9- قال الحليميُّ: «(الشَّاكِرُ): ومعناه المادِحُ لمَنْ يُطيعه والمُثني عليه، والمُثيبُ له بطاعتِه فضلًا عن نِعمَتِهِ» اهـ[57].

فاللهُ سبحانه وتعالى يَمدحُ مَنْ أطاعَهُ وسارَ على شريعتِه، والكتابُ الكريمُ مملوءٌ بمدْحِ الأنبياءِ والشهداءِ والصالحين فمدَحَ نبيَّه صلى الله عليه وسلم بقولِهِ: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128]، وقال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4].

ومدَحَهُ وأصحابَهُ رضوانُ الله عليهم أجمعين في قوله: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح: 29].

ومدحَ نوحًا بأَنَّه كان عبدًا شكورًا، وإبراهيمَ الخليلَ بأَنَّه أواهٌ مُنيبٌ وأَنَّه الذي وَفَّى، وموسى الكليمَ بأَنَّه كان مخلَصًا، وإسماعيلَ بأَنَّه كان صادقَ الوعْدِ صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين، وغيرُ هذا مما أثنى به على عبادِهِ في كتابِه كثيرٌ.

10- ولابنِ القيِّمِ رحمه الله كلامٌ جامِعٌ فيما سَبقَ من المسائلِ، نذكُره إتمامًا للفائدةِ.

قال رحمه الله: «وأمَّا شُكْرُ الرَّبِّ تعالى، فله شأنٌ آخرُ كشأنِ صَبْرِهِ، فهو أَوْلى بصفةِ الشُّكْرِ مِنْ كلِّ شكُورٍ، بل هو الشَّكُورُ على الحقيقةِ، فإِنَّه يُعْطي العبْدَ ويُوَفِّقُه لِما يَشكُرُه عليه، ويَشكرُ للقليلِ مِن العملِ والعطاءِ، فلا يَستَقلُّه أَنْ يَشكُرَهُ، ويَشكُرُ الحسَنةَ بعَشرِ أمثالِها إلى أضعافٍ مُضاعفةٍ.

ويَشكُرُ عبدَهُ بقولِه بأَنْ يُثنيَ عليه بينَ ملائكتِهِ وفي مَلَئِه الأعلى، ويُلقِي له الشُّكرَ بين عبادِهِ.

ويَشْكُره بفعلِهِ، فإذا تَركَ له شيئًا أعطاهُ أفضلَ منه، وإذا بذلَ له شيئًا ردَّه عليه أضعافًا مُضاعفةً، وهو الذي وفَّقَهُ للتَّركِ والبَذْلِ، وشَكَرَهُ على هذا وذاك.

ولمَّا عَقَر نبيُّه سليمانُ الخيلَ غضَبًا له[58]، إِذْ شَغَلَتْهُ عن ذِكْرِه فأرادَ ألَّا تشغلَهُ مرَّةً أُخرى، أعاضَهُ منها مَتْنَ الرِّيحِ[59].

ولما تَرَكَ الصَّحابةُ ديارَهُم، وخرَجوا منها في مَرضاتِه، أعاضَهُمْ عنها أَنْ ملَّكهُم الدُّنيا وفتحَها عليهم.

ولما احتملَ يوسفُ الصدِّيقُ ضيقَ السِّجْنِ، شَكَرَ له ذلك بأَنْ مكَّنَ له في الأرضِ يتبوّأُ منها حيثُ يَشاءُ.

ولما بذلَ الشُّهداءُ أبدانَهم له حتى خرَّقَها أعداؤه، شَكَرَ لهم ذلك بأَنْ أعاضَهُم منها طيرًا خُضْرًا أقرَّ أرواحَهُمْ فيها، تَرِدُ أنهارَ الجَنَّةِ، وتأكلُ مِنْ ثِمارِها إلى يومِ البَعْثِ، فيردُّها عليهم أكملَ ما تكونُ وأجملهُ وأبهاهُ.

ولما بَذَلَ رسلُهُ أعراضَهم فيه لأعدائِهم، فنالوا منهم وسَبُّوهُمْ، أعاضَهُم مِنْ ذلك بأَنْ صلَّى عليهم هو وملائكتُه، وجعلَ لهم أطيبَ الثناءِ في سماواتِه وبَيْنَ خلقِهِ، فأخلَصهُم بخالصةٍ ذكرى الدارِ.

ومِنْ شُكرِه سُبْحَانَهُ: أنه يُجازي عدوَّهُ بما يفعلُه مِن الخيرِ والمعروفِ في الدُّنيا، ويخفِّفُ به عنه يومَ القيامةِ، فلا يُضيعُ عليه ما يَعملُهُ مِن الإِحسانِ، وهو مِنْ أبغضِ خلقِهِ إليه.

ومِنْ شُكرِهِ: أَنَّه غَفَرَ للمرأةِ البغيِّ بسَقْيها كلبًا كان قد جَهَدَهُ العطشُ حتى أكلَ الثرى، وغفرَ لآخَرَ بِتَنْحِيَتِهِ غصنَ شوكٍ عن طريقِ المسلمين.

فهو سُبْحَانَهُ يَشكرُ العَبْدَ على إحسانِه لنفسِه، والمخلوقُ إِنَّما يشكرُ مَنْ أَحسَنَ إليه.

وأبلغُ مِنْ ذلك أَنَّه سُبْحَانَهُ هو الذي أَعْطَى العبدَ ما يُحسِنُ به إلى نفسِهِ، وشَكَرَه على قليلِه بالأضعافِ المضاعفةِ التي لا نِسْبَةَ لإحسانِ العبدِ إليها، فهو المُحْسِنُ بإعطائِهِ الإحسانَ وإعطاءِ الشكرِ، فمَنْ أحقُّ باسمِ الشكورِ منه سُبْحَانَهُ؟

وتأمَّلْ قولَهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا [النساء: 147].

كيف تجدُ في ضِمْنِ هذا الخطابِ أنَّ شكرَهُ تعالى يأبى تعذيبَ عبادِهِ بغيرِ جُرمٍ، كما يأبى إِضاعَةَ سَعْيِهم باطلًا، فالشَّكورُ لا يُضيعُ أَجْرَ مُحسِنٍ، ولا يُعذِّبُ غيرَ مُسيءٍ.

وفي هذا ردٌّ لقولِ مَنْ زعمَ أَنَّه سُبْحَانَهُ يكلِّفُه ما لا يُطيقُه، ثُمَّ يُعذِّبُه على ما لا يَدْخُلُ تحتَ قُدرتِهِ، تعالى اللهُ عن هذا الظنِّ الكاذبِ والحسبانِ الباطلِ عُلوًّا كبيرًا.

فشكْرُه سُبْحَانَهُ اقتضى أَنْ لا يُعذِّبَ المؤمنَ الشَّكورَ، ولا يُضيعُ عَملَهُ، وذلك مِنْ لوازِمِ هذه الصِّفَةِ، فهو مُنزَّهٌ عن خلافِ ذلك، كما يُنزَّهُ عن سائرِ العُيوبِ والنقائصِ التي تُنافي كمالَهُ وغِناهُ وحمدَهُ.

ومِنْ شُكرِه سُبْحَانَهُ: أَنَّه يُخرِجُ العبدَ مِن النَّارِ بأدنى مِثقالِ ذَرَّةٍ مِن خيرٍ، ولا يُضيعُ عليه هذا القدْرَ.

ومِنْ شُكْرِه سُبْحَانَهُ: أَنَّ العبدَ مِنْ عِبادِه يقُومُ له مقامًا يُرضيه بين النَّاسِ فيشكرُه له، ويُنَوِّهُ بذكْرِه، يُخبر به ملائكَتَهُ وعبادَهُ المؤمنينَ، كما شكرَ لمؤمنِ آلِ فرعَونَ ذلك المقامَ، وأثنى بِه عليه، ونوَّه بذكرِه بَيْنَ عبادِهِ.

وكذلك شُكرُه لصاحبِ يَس مقامَه ودَعْوتَه إليه.

فلا يَهْلِكُ عليه بين شُكرِه ومغفرتِه إلا هالِكٌ، فإِنَّه سُبْحَانَهُ غفورٌ شَكورٌ، يغفِرُ الكثيرَ مِن الزَّللِ، ويَشكرُ القليلَ مِن العَملِ.

ولمّا كان سُبْحَانَهُ هو الشكورَ على الحقيقةِ، كان أحبَّ خلقِهِ إليه مَنِ اتَّصفَ بصفةِ الشُّكرِ، كما أَنَّ أبغضَ خلقِهِ إليه مَنْ عطَّلها واتَّصفَ بضِدِّها.

وهذا شَأْنُ أسمائِهِ الحُسنى، أَحبُّ خَلْقِهِ إليه مَنِ اتَّصفَ بموجبِها، وأبغضُهم إليه مَنِ اتَّصفَ بأضْدَادِها، ولهذا يبغضُ: الكفورَ، والظالمَ، والجاهلَ، والقاسِي القلبِ، والبخيلَ، والجَبانَ، والمَهينَ، واللئِيمَ.

وهو سُبْحَانَهُ جميلٌ يُحِبُّ الجمالَ، عليمٌ يُحِبُّ العلماءَ، رحيمٌ يُحِبُّ الرَّاحمينَ، مُحسِنٌ يُحِبُّ المُحسنينَ، شكورٌ يُحِبُّ الشَّاكرينَ، صبورٌ يُحِبُّ الصابرينَ، جَوادٌ يُحِبُّ أهلَ الجُودِ، سَتَّارٌ يُحِبُّ أهلَ السَّتْرِ، قادِرٌ يلومُ على العَجْزِ، والمؤمنُ القويُّ أحبُّ إليه مِن المؤمنِ الضَّعيفِ، عَفوٌّ يُحِبُّ العفوَ، وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ.

وكلُّ ما يُحِبُّه فهو مِنْ آثارِ أسمائِهِ وصفاتِه ومُوجِبها، وكلُّ ما يَبغضُه فهو ما يضادُّها ويُنافيها» اهـ[60].

رحمك اللهُ يا ابنَ القيِّم، ما أجودَهُ مِن كلامٍ وما أجمَعَهُ، اللهُمَّ وَفِّقْنا للعملِ بما تُحِبُّ وتَرْضَى، واكتُبنا في عبادِك الطائعين الشَّاكرين، آمين.


[1] أحمد في المسند، وانظر: صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم (844)، وانظر شرح أسماء الله الحسنى للرازي (ص: 291)، وتفسير الأسماء للزجاج (ص: 47).

[2] التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 437).

[3] البخاري في كتاب الرقاق (11/ 426) (6569)، وانظر المقصد الأسنى (ص: 95).

[4] تفسير الطبري (5/ 340).

[5] لسان العرب (4/ 424).

[6] البخاري في أحاديث الأنبياء، باب قول الله عز وجل: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا (3/ 1215) (3162).

[7] عدة الصابرين (ص: 240).

[8] مدارج السالكين (2/ 242)، والمقصد الأسنى (95).

[9] النهج الأسمى (1/ 290 - 320).

[10] تفسير الأسماء (ص: 47).

[11] اللسان (4/ 2305).

[12] الكتاب الأسنى (ورقة 341).
والقتبي: هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، وانظر كلامه في الفرْق بين الحمد والشكر في كتابه: أدب الكاتب (ص: 37) طبعة ليدن.

[13] مدارج السالكين (2/ 246).

[14] أخرجه ابن جرير (22/ 87، 92) بإسناد حسَن.

[15] أخرجه ابن جرير (25/ 18) بالإسناد السابق.

[16] شأن الدعاء (ص 65، 66).

[17] اشتقاق الأسماء (ص: 87).

[18] الاعتقاد (ص: 59).

[19] المقصد الأسنى (ص: 65)، وانظر: شرح الأسماء للرازي (ص: 255).

[20] النونية بشرح أحمد بن إبراهيم (2/ 230).

[21] تيسير الكريم (5/ 304).

[22] رواه مسلم (4/ 2626).

[23] رواه البخاري (3/ 281، 283) (6/ 611) وغيرها، ومسلم (2/ 703) عن عدي بن حاتم رضي الله عنه.

[24] رواه مسلم (2/ 1017) عن جرير بن عبد الله البجلي.

[25] رواه البخاري (3/ 278)، (13/ 415)، ومسلم (2/ 702)، واللفظ للبخاري.

[26] رواه مسلم (3/ 1505)، و (الخطام): هو الحبْل الذي تُقاد به الناقة.

[27] رواه البخاري (11/ 294)، ومسلم (4/ 2171) عن عائشة رضي الله عنها.

[28] رواه مسلم (4/ 2171) عن جابر رضي الله عنه.

[29] الكتاب الأسنى (ورقة 343).

[30] مدارج السالكين (2/ 244).

[31] مدارج السالكين (2/ 247).

[32] رواه البخاري (11/ 97، 98، 130) عن شدَّاد بن أوس رضي الله عنه، وفي قوله: «ما استطعتُ»: إعلامٌ لأمَّته أنَّ أحدًا لا يَقْدر على الإتيان بجميع ما يجبُ عليه لله، ولا الوفاءِ بكمال الطاعات، والشكْرِ على النِّعَم، فرفق اللهُ بعباده فلم يكلِّفهم مِن ذلك إلا وُسعَهم، الفتح (11/ 100).

[33] الفتح (11/ 100)، وقال الحافظ: «ويحتمل أن يكون قوله: «أبوء لك بذنبي» اعترافًا بوقوع الذنب مطلقًا ليصحَّ الاستغفارُ منه، لا أنه عدَّ ما قصر فيه مِن أداءِ شُكْر النِّعم ذنبًا».

[34] رواه أحمد (4/ 5)، ومسلم (1/ 415، 416) من حديث ابن الزبير، وأوله: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد...».

[35] أخرجه أبو داود (5/ 4814)، وأبو نعيم في أخبار أصفهان (1/ 259) عن جرير، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم به، ورجاله رجال الشيخين، إلا أن أبا سفيان لم يسمعْ مِن جابر إلا أربعةَ أحاديثَ، قاله ابنُ المديني، كما في التهذيب، ورواه أبو نعيم في الحلية (6/ 147) عن صدقة بن عبد الله، عن الأوزاعي، عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن أبلى خيرًا فلم يجد إلا الثناءَ فقد شكرَهُ، ومَنْ كتمه فقد كفره، ومَن تحلَّى بباطل فهو كلابس ثوبَيْ زُورٍ»، ثم قال: «كذا رواه صدقة، عن الأوزاعي، عن أبي الزبير؛ واسمه محمد بن مسلم بن تدرس، وتفرَّد به، والحديث مشهور بأيوب بن سويد، عن الأوزاعي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر». اهـ.
قلتُ: صدقة ضعَّفه أحمد والبخاري وأبو زرعة والنسائي، كما في التهذيب (4/ 416).
والرواية التي ذكر أنها مشهورة، أخرجها ابن عدي في الكامل (1/ 356) قال: «أخبرنا محمد بن الحسين بن حفص الأشناني، حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء، ثنا أيوب بن سويد، ذكره»، وسنده حسَن.
ومحمد بن الحسين - وقع في المطبوعة: ابن الحسن - ثقة له ترجمة في تاريخ بغداد (2/ 234، 235) والسير (4/ 529)، وله شاهد أخرجه البزار (1943 - زوائد) عن صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن أتاه معروف فذكره فقد شكرَهُ، ومَنْ تحلَّى بما لم يَنَلْ، فهو كلابسِ ثوبَيْ زُورٍ».
قال الهيثمي في المجمع (4/ 149): «رواه البزار وفيه صالح بن أبي الأخضر وهو ضعيف، وقد رواه مِن هذا الوجه الخرائطي في فضيلة الشكر (83) مع اختلاف في اللفظ».

[36] حسَن: رواه البخاري في الأدب المفرَد (215) عن يحيى بن أيوب، عن عمارة بن غزية، عن شرحبيل مولى الأنصار، عن جابر مرفوعًا به، ورواه مسدد كما في المطالب العالية (2/ 404)، وعنه أبو داود (5/ 4813)، ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده؛ كما في إتحاف السادة المهرة للبوصيري (2/ ق 142 ب) عن بشر، ثنا عمارة بن غزية، حدثني رجل من قومي، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أُعطيَ عطاءً فوجد فَليَجْزِ به، فإنْ لم يجدْ فليُثنِ به، فمَن أثنى به فقد شكره، ومَنْ كتمه فقد كفرَهُ، ومَن تحلَّى بما لم يُعطَ كان كلابسِ ثوبَيْ زُورٍ»، وحرَّك بشْر السبابة والوسطى، وليس عند أبي داود: «ومَنْ تحلَّى...» إلى آخره.
قال البوصيري: «رواه مسدد والحارث بسند ضعيف لجهالة بعض رواته، ورواه الترمذي وحسَّنه، دون قوله: «وحرَّك بشْر...» إلى آخره» اهـ.
قال أبو داود: «رواه يحيى بن أيوب، عن عمارة بن غزية، عن شرحبيل، عن جابر»، قال: «وهو شرحبيل – يعني: رجلًا من قومي - كأنهم كرهوه لم يُسموه» اهـ.
قلتُ: قد جاء مُصرَّحًا به في رواية البخاري السابقة، وهو شرحبيل بن سعد الخطمي المدني مولى الأنصار، ضعَّفه النسائي والدارقطني وذكره ابن حبان في الثقات، وخرَّج له في صحيحه، وكذا شيخه ابن خزيمة، وقد اختلَط في آخره، انظر: التهذيب (4/ 321)، وقال الحافظ: «صدوق اختلَط بآخره».
وقد رواه الترمذي (4/ 2034) عن إسماعيل بن عياش، عن عمارة بن غزية، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعًا به، وقال: «حسَن غريب، وفي الباب عن أسماء بنت أبي بكر وعائشة، ومعنى قوله: «ومن كتم فقد كفر» يقول: قد كفر تلك النعمة» اهـ.
قلتُ: في إسناده إسماعيل بن عياش وفي روايته عن الحجازيِّين ضعف، وهذه منها؛ فإنَّ عمارة بن غزية أنصاري مدني، وقد خالف يحيى بن أيوب: وهو الغافقي أبو العباس المصري صدوق ربما أخطأ، وبشْر بن المفضَّل وهو ثقة عابد.
والحديث يتحسَّن بما قبْله، والله أعلم.
والجملة الأخيرة: «ومن تحلَّى بما لم يُعْط»، يشهد لها ما في البخاري (9/ 317)، ومسلم (3/ 1681) عن أسماء: جاءت امرأةٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنَّ لي ضرَّةً، فهل عليَّ جناحٌ أن أتشبَّع مِن مال زوجي بما لم يُعْطني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المُتشبِّع بما لم يُعطَ كلابس ثوبَيْ زُور»، وأخرجه مسلم (3/ 1681) عن عائشة بمثله، وقد أشار إليهما الترمذي بقوله آنفًا: وفي الباب عن أسماء وعائشة.

[37] أخرجه أحمد (4/ 278، 375)، وابن أبي الدنيا في الشكر (64)، والخرائطي في فضيلة الشكر (82) ولم يذكر «والجماعة رحمة...» كلُّهم عن أبي وكيع الرؤاسي، عن أبي عبد الرحمن الشامي، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير مرفوعًا به، وسنده حسَن.
تنبيه: قال محقِّق فضيلة الشكر للخرائطي: «في الأصلين: أبو وكيع، وهو سهو والتصحيح مِن كتاب الشكر لابن أبي الدنيا، وهو أبو سفيان وكيع بن الجراح»...
كذا قال، ولا أدري على أي شيء استند لقوله هذا، إذ هو في كل المصادر السابقة: حدثنا أبو وكيع، وهو الجراح بن مليح: الرؤاسي، صدوق يِهِمُ.
وكذا إثباته زيادة «... والجماعة رحمة، والفُرقة عذاب» وليست عند الخرائطي كما في مخطوطة الظاهرية (ورقة 14 أ).

[38] مدارج السالكين (2/ 248) باختصار يسير.

[39] انظر: الصحاح (2/ 807)، واللسان (5/ 3897، 3898).

[40] قال العلَّامة نظام الِّدين الحسن بن محمد القمِّيُّ النيسابوري في تفسير (غرائب القرآن ورغائب الفرقان) المطبوع بهامش تفسير ابن جرير (1/ 101):
«هل لله تعالى على الكافرِ نعمةٌ أم لا؟ أَنكَر ذلك بعضُ أصحابنا لوجوهٍ: منها قوله: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة: 7]، فإنه لو كان له على الكفارِ نعمةٌ لزم طلبُ صراطِ الكفَّارِ، لأَنَّ المُبدلَ منه هو الصراطُ المستقيم في حكم المنحى، والجواب: أن قوله: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 7] يَدفع ذلك.
ومنها قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا [آل عمران: 178].
والجواب: أنه لا يَلزم مِنْ أَنْ لا يكونَ الإملاءُ خيرًا أو نعمةً لهم؛ لأن أصلَ الحياةِ وسائر أسباب الانتفاعِ نعمةٌ، فإن الإملاءَ تأخيرُ النقمة بعد ثبوت استحقاقها، فما قبْل هذه الحالة لا يكُون كذلك، على أن نفس الإملاء تمتيعٌ حاليٌّ: ﴿ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [البقرة: 126]، وليس هذا كَمَن جعَل السُّمَّ في الحَلْواء على ما ظنَّ، وإنما هو كَمَن ناوَل شخصًا حلواءَ لذيذةً غيرَ مسمومةٍ، ولكن ذلك الشخص لفساد مزاجِه، أو لاستعماله الحلواءَ لا كما ينبغي أَفْسَدَ مزاجَ الحلواءِ أيضًا وصيَّره كالسمِّ القاتلِ بالنسبة إليه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَ المالُ الصالحُ للرجلِ الصالحِ».
وكيف لا تعُمُّ نِعَمُ اللهِ تعالى وقد قال على العموم: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً [البقرة: 21، 22]، وقال: ﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ [البقرة: 28]، كل ذلك في مَعْرِضِ الامتِنانِ وشرْحِ النِّعَمِ، وقال: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: 13]، ﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف: 17] والشكرُ لا يكُونُ إلا بعد النِّعمةِ» اهـ.

[41] أخرجه أحمد (3/ 95، 96)، والترمذي (4/ 2407)، وابن أبي الدنيا في الصمت (12)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 309)، والبغوي في شرح السُّنَّة (14/ 316) عن حماد بن زيد، عن أبي الصهباء، عن سعيد بن جبير، عن أبي سعيد الخدري؛ رفعه قال: «إذا أَصْبَحَ ابنُ آدم فإنَّ الأعضاءَ كلَّها تُكفِّر اللسانَ فتقول: اتَّقِ اللهَ فينا فإنما نحن بكَ، فإنِ استَقَمْتَ استَقَمْنا، وإنِ اعوجَجْتَ اعوجَجْنا». قال الترمذي: «هذا حديث لا نعرفه إلا مِن حديث حماد بن زيد، وقد رواه غير واحد عن حماد بن زيد ولم يرفعوه» اهـ.
قلتُ: قد رواه ثقاتٌ عن حماد ورفعوه؛ مثل: مسدد وعارم وعفان وغيرهم.
لكِنْ فيه أبو الصهباء الكوفي لم يوثقه إلا ابنُ حبان، وقال الحافِظُ: «مقبولٌ»؛ أي: حيث يُتابع، وإلا فَلَيِّنُ الحديث.
فالحديث ضعيف بهذه الطُّرُق، وعزاه السيوطيُّ في الجامع إلى ابن خزيمة والبيهقي في الشعب.

[42] رواه البخاري (3/ 1130) (8/ 4836) (11/ 6471)، ومسلم (4/ 2819) عن المغيرة بن شعبة، ورواه مسلم (4/ 2820) عن عائشة رضي الله عنها.

[43] الكتاب الأسنى (ورقة 242، 243).

[44] أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (2491)، وأحمد (2/ 258، 295، 303، 304، 388، 461، 492)، والبخاري في الأدب (218)، وأبو داود (5/ 4811)، والترمذي (4/ 1954)، والخرائطي في فضيلة الشكر (80)، وابن حبان في صحيحه (2070 - موارد): عن الربيع بن مسلم، عن محمد بن زياد: وهو القرشي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعًا به، قال الترمذي: «حديث حسَن صحيح».
قلتُ: هو على شرط مسلم، ورواه الخرائطي (80): حدَّثنا أبو قلابة عبد الملِك بن محمد الرقاشي، حدثنا علي بن القاسم، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا به، وسندُه حسَن، علي بن القاسم الظاهر أنه عبد الأعلى بن القاسم الهمداني تحرَّف اسمُه، وهو صدوق كما في التهذيب (6/ 97)، وأخرجه أيضًا (78) عن ابن أبي ليلى، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، وسندُه ضعيف لضعْف عطيَّة.

[45] معالم السنن (4/ 113).

[46] مختصر منهاج القاصدين (ص: 302، 303)، وانظر الكلام على باقي الأعضاء وحكمها (ص: 303 - 305).

[47] مَنْ أرادَ أَنْ يَتوسَّعَ في هذا المجالِ فليقرأ سورة الأنعام وإبراهيم والنحل والرحمن وغيرها، ويتبيَّن ويتدبَّر ما ذكر فيها مِن نعم عظيمة جليلة ﴿ كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ [الأعراف: 58].

[48] رواه البخاري (10/ 6099) (13/ 7378)، ومسلم (4/ 2804) عن أبي موسى الأشعري.

[49] قال الحافظ: «يحتمل أن يكون مراده: أنَّ ابن عباس قرأها كذلك، ويَشهد له ما رواه سعيد بن منصور، عن هشيم، عن ابن بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ أنه كان يقرأ: (وتجعلون شكركم أنكم تكذبون)، وهذا إسناد صحيح» اهـ، الفتح (2/ 522).

[50] رواه البخاري في مواضع منها (2/ 1038)، ومسلم (1/ 71، 72).

[51] مسلم (1/ 84).

[52] النوء: هو النجم الذي ينسب إليه المطر.

[53] الفتح (2/ 524) نقلًا عن كتابه الأنواء.

[54] رواه البخاري في عدة مواضع منها (2/ 1007، 1020).

[55] ولن تجد لسُنَّة الله تبديلًا، فانظر فيما حولك مِن الدَّوَل ترى ذلك واضحًا جليًّا.

[56] رواه مسلم (4/ 2097)، وفَجأة بفتح الفاء وإسكان الجيم مقصورة على وزن ضَرْبة، والفُجَاءة بضم الفاء وفتح الجيم والمد، لغتان، وهي: البغْتة.

[57] المنهاج (1/ 205).
قال القرطبي في الكتاب الأسنى (ورقة 343): «فَعَلَى قولِ الحليمي يرجع مدلول هذا الاسم إلى ثنائه على المطيعين؛ فيكون مِن صفات الذات لأنه يرجع إلى الكلام واختاره ابن العربي» اهـ.

[58] وذلك في قوله تعالى: ﴿ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ [ص: 31 - 33].

[59] لأنه بقصْد الرِّيح التي سخِّرت له، قال تعالى: ﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ [ص: 36].

[60] عدة الصابرين (ص 335 - 337).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 128.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 125.91 كيلو بايت... تم توفير 2.44 كيلو بايت...بمعدل (1.90%)]