دور النقد بين المربي والناشئ: سيدا للمال لا عبدا - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 450 )           »          كـف عن الشكـوى وابـدأ العمـل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          هذا الطريق الوعر!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          النقوش الإسلامية على طريق الحج الشامي بشمال غرب المملكة العربية السعودي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          من شبهات اليهود وأباطيلهم-«الحق الأبدي لليهود في فلسطين والقدس» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          حقوق الأبناء على الأباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 47 - عددالزوار : 2596 )           »          قـامـوس البدع العقـديــة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 32 )           »          وقفـــــات مــــع ســــــورة يـوســـــــف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          نسيان القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس ملتقى يختص بالتنمية البشرية والمهارات العقلية وإدارة الأعمال وتطوير الذات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 22-09-2021, 10:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,591
الدولة : Egypt
افتراضي دور النقد بين المربي والناشئ: سيدا للمال لا عبدا

دور النقد بين المربي والناشئ: سيدا للمال لا عبدا
د. غنية عبدالرحمن النحلاوي


مقدمة: زبالة الدنيا[1] والانكباب على الوجه:

أبحاث علماء الأمة خاصة في مجال التربية، كانت تقول للناس: هذا الحق وهذا الباطل، وتلك حقائق عامة ومنارات مرشدة، فاعملوا وأوجدوا سفنَ وأطواق النجاة.




اليوم غالبًا عليك أن تقدم حتى الأخيرة! ومع ذلك منهم من لا يفلحون في ركوبها لأسباب منها الانكباب! ولقد حذرنا سبحانه إذ قال: ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الملك: 22]، راقبنا ونحن نسير مكبين، ثم ضع زبالة الدنيا هدفًا، وراقبنا ونحن نسير مشمرين، واقعٌ معيش .. وحصاد خاسر .. وكأني بنا نلهث وراء "الهباء المنثور"، منذ الخطأ في تحديد الأهداف وصولًا للقصور والتقصير في تصحيح كليها، الوسائل والأهداف! وأخطر المراقبين لنا هم أبناؤنا، وقديمًا كان "أهلنا" يقولون عن النقود: "زبالة الدنيا"، وجهة نظر قد تكون قاسية أو يراها البعض مبالغة .. لكنها مثل الأشعة السينية التي تظهر الجمجمة بدون الوجه والشعر الذي يُجملها, من جهة أخرى فهم كانوا كذلك يقولون: الدراهم مراهم .. ولكن انظر مِن خبراتهم وبذكاء فطري هم لم يقولوا: ترياقًا ولا بلسمًا شافيًا، ولا إكسيرَ الحياة! بل مراهم قد تُشفي الجروح السطحية، وقد تكون واقية، أو مرممة ومرطبة، ليس إلَّا!



مبادئ عامَّة في دور النقد اليوم:

يُهيمن الرأي بأن من لا يتخذ المال هدفًا رئيسًا وربما مقدسًا، هو "درويش" ساذج، ومتأخر عن حضارةٍ درَّة تاجها أن المال عصب الحياة، وهو مما يُصعِّب مهمة المربين في الرقي بالإنسان ومقاومة إرخاصه، ويبدأ تصحيح دور النقد مبكرًا في البيت بالقدوة والتوجيه، من خلال الأمثلة والخبرات اليومية، ثم في المدرسة والمجتمع المسلم الصالح، وكذلك في المسجد الذي يندب لإعادة الدور التربوي له[2]، ولأن تربية الطفل تبدأ قبل أن يولد، فهذه مبادئ عامة للمربين لكل من الآباء والأبناء، وإن خصصت الناشئة بالذكر، وأمثلة مساعدة (يعدِّلها كلٌّ بحسبه):

أولًا: أن نُذكِّر أنفسنا أن الملك بيد الله تعالى القائل: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26]، وهو سبحانه الذي رزقنا المال بعزته لنَملكه، وليس لنجعله يَملكنا، وكلَّفنا أن نتصرف به بمرضاته.



ومن أمانة التكليف:

أ- أن نبسط هذا المفهوم للطفل والناشئ بالأساليب التربوية المعروفة؛ كالحوار والقصة، وعلى رأسها القدوة, ونَبني عليه تصحيح خطأ شائع هو تقويم الناس وحبهم وكرههم، بناءً على قلة المال أو كثرته، فمن التربية الخاطئة ألا نهتم ببعضنا إلا بالدانق والدينار والظهير الاجتماعي.. والمؤسف أنا لو سعينا إلى غير ذلك، فإن أرضيتنا قد تغلبنا، فحتى العمل "لوجه الله تعالى" خلطه أكثرنا بالنظرة المادية الضيقة والمصلحة، وعلينا تجنيب أطفالنا تَكرار الخطأ؛ قال تعالى: ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: 38]، تنبهنا أن الرزق من الله "رزقناهم"، فإنفاقه بأمر الله وما يرضيه.



ب- ويلي ذلك تعليمهم أن المال يُكتسب بالعمل الحلال بأمر وتيسير خالقنا ﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50].

1- لينفقه مالكه في ضرورات حياته، ويقرضه لقضاء حاجات الآخرين.

2- وهو كذلك "زينة الحياة الدنيا"

3- وأنه ينطبق عليه: الأخذ والعطاء، والربح والخسارة والكسب والوهب، وأنها أمور تناسب قدرتنا على التكليف وحمل الأمانة؛ قال تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، ولكن دون أن ننسى أن تلك النفس ﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾ [البقرة: 286]، فكل ذلك لك أو عليك، ومن هنا نصحب الطفل بلطف إلى الترغيب بالكسب الحلال والإنفاق الحلال، وإلى مفهوم أن المال مسؤولية، ولو أفرحه فلا يغلبه الفرح بجمْعه، ونرشده من آيات القرآن لحاجتنا للإيمان القوي للتعامل مع الثروة والرخاء، وأن بسط الرزق امتحان لإيماننا، لا يقل تحديًا عن الامتحان بالضيق والضراء! ولكلٍّ جعل الله ما يناسبه!



وعمومًا فمن منافع الكسب الحلال للمؤمن قلَّ أو كثُر أنه يقي من المعاصي؛ "فيستحيي العبدُ من الله أن يستعين بنعمته على معاصيه"؛ كما قال علماؤنا، وهو ما قد يقع فيه غير المؤمن!

قال يحيى بن معاذ: "مصيبتان للمرء في ماله عند موته، قيل: ما هما؟ قال:"يؤخذ منه كله، ويُسأل عنه كله".



ثانيًا: التحبيب بالعطاء بجميع أشكاله وربطه بالثواب الأجمل والأثْمَن والأَدْوَم في الآخرة، فمتاع الدنيا يزول ويخرب أو يغدو مُملًّا، والطفل يلمس ذلك بنفسه، وسيَعي بسلامة فطرته أن ما عند الله خير وأبقى، ونربط له ذلك بإدخال السرور في نفوس الآخرين - خاصة الأهل - فكما يفرح ويُسر هو بالهدية، فهم يفرحون، ولقد حفظتُ وأنا صغيرة حديثًا من كلمتين وشهِدت تطبيقه، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تَهادوا تحابوا))، والخبر المدهش للناشئ أن ربح الثواب يأتيه من حيث لا يتوقع؛ فعن أبي مسعود البدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن المسلم إذا أنفَق على أهله نَفقةً وهو يَحتسِبها, كانت له صدقَة"، وأن العطاء بركة للمال؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((ما نقصت صدقةٌ من مال))[3]؛ كما نرشده لإدامة العطاء ولو بالقليل من قوله صلى الله عليه وسلم: ((أحبُّ الأعمالِ إلى الله أدومها وإن قل))؛ متفق عليه.



وتلك المفاهيم يجب أن تسبق ما يشيع بين الأهل أو في المدارس من أخذ الأطفال لدُور الأيتام أو أماكن اللجوء وجعلهم يتصدقون، وهي مبادرات جيدة، ولكنها تتحول إلى هباءٍ مستقبلًا إذا لم تتلازم مع التواضع للرزاق سبحانه، وتستند إلى أساس أخلاقي وتعبُّدي في الأخذ والعطاء في نطاق الأرحام أولًا، فيتعلم أن في هذا المال حقًّا مقطوعًا به لذوي القربى، بأمر الله تعالى وليس تفضلًا من أحدٍ على أحدٍ؛ قال تعالى: ﴿ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الروم: 38]، إيتاء بأمره، لا حجة معه لمتجاهل: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} باللفظ والنص، لنعلمهم ذلك يقينًا واقتداءً بدفع ذلك الحق لأصحابه "ذوي القربى" مع المسكين وابن السبيل، طوعًا من قبل أن يُقتضى كرهًا بمرض أو خراب، أو فدية أو إفلاس، وأن "ذلك خير" لنا حين نبتغي به وجه الله، وأن من يفعله "هم المفلحون"!



وهنا يلزم تنبيه الناشئ لتوجيه النية والاحتساب، واستشعار أن الله معه في كسبه وإنفاقه، وهو العليم الخبير القائل: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ﴾ [البقرة: 270]؛ كما نربيه على أن خير العطاء ثوابًا هو الإنفاق من طيِّب كسبنا؛ قال تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ [البقرة: 267]، فهي من أسمى القربات.



ثالثًا: تعليم الناشئين أنه ليس كل شيء يباع ويشترى، وألا ينخدع بجعل المال الهدف الأعظم والأول، ففي أحسن حالاته هو مجرد جزء من خمسة في الحياة، وهو أحد الضرورات الخمس وحسب، وهي: الدين والنفس والعرض والمال والعقل، بل إنه أهونها وأقلُّها شأنًا، فيستخدم لمصلحة الأجزاء الأربعة الباقية، ومن يقع في النقيض فيبيع دينه أو عقله أو عرضه لقاء المال، فسيحاسب وسيخسر كل شيء؛ لأنها لا تتجزأ ولا تُشترى، ولو ملك فيما بعدُ ملايين وذهبَ الدنيا[4]! قال تعالى فيمن يبع دينه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ ﴾ [البقرة: 174]، ويا له من ثمن قليل أمام هول العذاب! وفي المقابل فإن إنفاقه للحفاظ على النفس والعرض والدين تجارة رابحة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾ [فاطر: 29]، وتنبَّه أخي المربي إذ تتلوها: رباه، فلم يقل: "لم تبور"، بل قال: ﴿ لَنْ تَبُورَ ﴾: تلك آية تقول لك: استثمر هنا بما يرضي الله، وكن واثقًا بالربح الوفير!



ومثلما نتعهد طفلنا بالطعوم لتمنيعه ضد أمراض الجسم، علينا تقوية مقاومته للإغراء والخداع (التدلية بغرور)[5]، فيتعامل مع المال في النور، وليس خلسة في الظلمات، ولا يحوِّل نفسه إلى سلعة فيَفقد حريته مقابل النقود! وذلك بأن نزوِّده بالمناعة المستندة للمبادئ التي شرعها الله ولليقين بأن الإنسان هو الذي يكسب المال، ولكن المال لا ينتج إنسانًا، وأن الترويح باللهو واللعب الحلال يؤخذ بقدرٍ، فلا يطغى على حظ الروح، ويورث قسوة القلب، وإن الانشغال كليًّا بالتجارة ضُمَّ إلى اللهو؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ﴾ [الجمعة: 11].



رابعًا: تقوية العفَّة والتعفف، ونبذ الحرص والطمع؛ عـن عبدالله بن مـسعود أن النبـي صلى الله عليه وسلم كـان يدعو، فيقـول: ((اللهُـم إنـي أسْـألُكَ الهُـدى والتُّقـى، والعَـفافَ والغِنـى))؛ صحيح مسلم، "ومعنى: العَفـاف والغِنـى يَتَضَـمنُ العـفافَ عـن الخَـلقِ، وعَـدم تَعْليـق القَـلبِ بهـم، والغِـنى بالله وبرزقه، والقنـاعة بـما فيه، وحُصول مـا يَطمـئن به الـقلبُ وكفـاية"[6].



وتشتد أهمية ذلك اليوم مع صعوبته، والطفل يرى ويشتهي كل يوم الجديد والمنوع من السلع والثياب والمآكل والألعاب؛ في الأسواق والإعلانات وعند أترابه، ويطلبها، ومِن الضرورةِ إقناعه أن بوسعه الاستغناء عن معظم ذلك؛ لتدريبه على التعفف مع سَعة ذات اليد، فكيف بضيقها؟! والمؤسف أن الأم قد تزيد الأمر سوءًا، وأحيانًا يفعل الأب؛ رغبةً في تعويض ولدهما عما كانا حُرِما منه، حتى لو استدانا! والمؤسف أكثر أن الأمر قد يتفاقم في الفتوة والشباب! ورضي الله عن عمر إذ قال: "أكلما اشتهيتَ اشتريتَ"؟!



وهنا وقفة قصيرة مع أهمية الصديق، فباختلاف الإحصاءات 60-70% من أفكار الأطفال والناشئين وعاداتهم، تأتي من الأصدقاء، وما تبقى يتوزع على الأهل والجيران والأقارب والمربين، وكل ما يحيط بالطفل، فلإنجاح تربيتك الاقتصادية، اجعل ولدك قويًّا مؤثرًا بأصدقائه، أو تعهد صديقه الأثير كما تتعهده، أو اختر له صديقًا صالحًا مُصلحًا!



ويجب التنبه لانتشار تلك العيوب (الحرص والطمع) وأشباهها؛ كالأنانية والحسد، والتنافس الأعمى، ووقاية الناشئين منها، بتهذيب طباعهم، والتربية المبكرة على رفضها واستهجانها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((واللهِ لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على مَن كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتُهلككم كما أهلكتهم)).



وقد تبيَّن غلبة التهاون في إصلاحها في مرحلة الطفولة عند مَن شبُّوا يَستحلون المحرمات، ويدَّعون الإسلام، فهي عيوب يجب أن تعالج مبكرًا، بشرط النظر إلى أنفسنا أولًا - مربين وقدوةً - تحت المراقبة من مجاهرهم الفطرية البريئة، ومن أسوأها وأخطرها عيب الرغبة بالكسب دون عمل، أو بأقل جهد، وهو عيبٌ قد يتحول من رغبة طفولية إلى مقارفة محرمات مستقبلًا؛ كالربا، والقمار (الميسر)، والاختلاس، والرشا والاحتكار، وأكل مال اليتيم، أو المكروهات التي تبلغ الحرمة كالتسول إلحافًا, فالسائل تكثُّرًا "يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مُزعة لحم"؛ حديث صحيح، ويشيع اليوم التسول للكماليات، والتسوُّل المقنع بصور مخالفة للتسوُّل التقليدي، وقدم الحبيب علاجًا عمليًّا وقائيًّا لتلك الظاهرة مهما ساءت الأحوال، (حين علَّم السائل كيف يشد قدومًا ويحتطب)، كذلك قال صلى الله عليه وسلم: ((لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره، فيَبيعها، فيكف الله بها وجهه - خيرٌ له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه))؛ البخاري.



وتربويًّا ينبغي ترسيخ هذا القانون مبكرًا: "اعمل لتكسب"، ليرقى مستقبلًا إلى مبدأ أن العمل أولًا وليس الكسب هو الذي يُجزى به المؤمن عند ربه، فالمؤمنون ﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 127]، والظالمون يتولى بعضهم بعضًا ﴿ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام: 129]، فليحرص على العمل بإخلاص، وسيأتيه رزقه بإذن الله، لا يُظلم ذرةً، (علمًا أن الكسب هو للمادي والمعنوي، وللحسن والسيئ[7].



ومن تلك العيوب والمكروهات التي يتهاون فيها الناس: السرف والترف، والبخل والشح، فكلها مذمومة؛ لأنها متطرفة عن قصد السبيل في الكسب والإنفاق، وتعالج بالتوسط والتوازن بما يرضي الله, ودور القدوة فيها عظيم.



أمثلة عملية للقياس عليها (إضافة لما أوردنا) للمربي وللناشئ:

1- أمثلة عامة في الكسب: قال تعالى في الرعد: ﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [الرعد: 33] كسبًا ماديًّا أو معنويًّا للقلب والروح، وتدبر وردِّد لنفسك: "كل نفس؟"، بلى كل نفس وأنت منهم! وأنا منهم! ليس في مكان أو زمان .. بل باتساع الجغرافية، وامتداد التاريخ، سبحان الله! هذه الكلمة وحدها ترعد لها الأبدان وترتجف القلوب؛ لندرك عظمته تعالى وقربه، وهو يراقب كسبنا بتفاصيله! ثم إن الكسب المحرم بلاؤه يعمُّ، ولا يقتصر على الكاسب، وهذه آية كريمة كأنها تقول لأحدنا: راجع مكتسباتك؛ قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]: راجع مكتسباتك وتحرَّ، ليراجع كُلٌّ منا مكتسباته - واحدًا من الناس - أهلَ البر والبحر! وأصلح فسادها ولا تحارب المصلحين؛ من أجلك، من أجل أطفالك، من أجل بلدك، ومن أجلِ البَر والبحر والكون! وإلا فكل كاسب سيذوق وبال الفساد الذي ظهر واستشرى! غفرانك ربنا..



2- مثال تفاعلي عن أهمية النفقة:

نخبر الناشئين أنه لأهمية العطاء فُرضت الزكاة، وكانت قرينة الصلاة في آيات كثيرة، وكان منعها ردَّة عن الإسلام، ثم نكتب الآية 177من البقرة - وهي غنية بالشواهد لبحثنا ومررنا ببعضها - بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]، نتلوها، ونسأل الناشئين: هذه الآية من الجوامع، فماذا تلاحظون بشأن أهمية النفقة؟! فيجيبون (ربما مع المساعدة)، وهذه أمثلة للإجابات (يقاس عليها)، يليها توجيهات المربي بما يشاء:

(آتى المال / آتى الزكاة): الصفة الوحيدة التي تكررت على وجهين وفصلت لشدة الأهمية هي العطاء!
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 104.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 102.92 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (1.68%)]