|
|
ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
التغافل كمهارة تربوية
التغافل كمهارة تربوية عماد حجازي حَاتِمٌ الأَصَمُّ، وهو الشيخ أبو عبدالرحمن حاتم بن عنوان البلخي، كان يُقال له: "لقمانُ هذه الأمةِ"، فلماذا سُمِّي بالأَصَمِّ؟ جاءتِ امرأةٌ، فسألتْ حاتمًا عن مسألةٍ، فخرجَ منها صوتٌ في تلك الحالة، فَخَجِلَتْ، فقال حاتمٌ: ارفعِي صوتَكِ، فأوهَمَها أنه أصمُّ، فَسُرَّتِ المرأةُ بذلك، وقالت: إنه لم يسمع الصوتَ، فلُقِّب بـ"حاتم الأصم". إن التغافلَ خلقٌ كريمٌ، وهو أدب السادة، فكيف نجعله مهارةً تربويةً، يستخدمُها الوالد لنزع فتيل الأزمات، ومعالجة كثير من المواقف مع الأطفال؟! ما التغافل؟ هو أن تَغض الطرفَ عن الهفواتِ، وألا تحصيَ السيئات، وأن تترفعَ عن الصغائر، ولا تُركز على اصطياد السلبيات. قال الإمام أحمد: "تسعةُ أعشارِ حسنِ الخلقِ في التغافلِ". وقال الحسن البصري: "مَا استَقصى كريمٌ قط". وورد عن معاوية بن أبي سفيان: "العقلُ: ثلثُه فطنةٌ، وثلثَاه تغافلٌ". وقال الإمام الشافعي: "الكَيِّسُ العاقلُ: هو الفطنُ المتغافلُ". وقال ابن المبارك: "المؤمنُ يطلبُ المعاذيرَ، والمنافق يطلب الزلات". كذلك وقد قال الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم، لما أخطأتْ بعضُ أزواجه: ﴿ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ﴾ [التحريم: 3]. الحاجةُ إلى التغافل في التربية: • لا بُدَّ للمربي من التحلي بهذا الخُلقِ، فأولادنا يختبرون الحياة، ويجرِّبون قدراتهم، ويقلِّدون أصحابهم، وينقلون للمنزل ما يتعلمونه خارجه، وهنا تكثر الزلات وإصابة السيئات، ولو وقف الـمُربي موقف المُحصي المتصيِّدِ للزلات والأخطاء، لتعِب وأتعَب! • في أغلب الأحوال لا يتعمد أولادنا فعلَ الخطأ؛ ففي كثير من الأحيان يكون الأمر خارجًا عن سيطرة الطفل؛ كأن يتعثر في سجاد المنزل، أو يصطدم بالمنضدة، أو يُسقط كوبًا؛ وذلك لأنه في بعض مراحل النمو الجسدي، تجد جزءًا ينمو بسرعة بالمقارنة بجزءٍ آخر؛ فلا تنمو أجزاء الجسم بسرعة واحدة؛ فتجد مثلًا أن معدل النمو بين الساقين والجِزع والذراعين مختلفٌ، وهنا يحدث حالة من عدم التآزر الحركي، ويفقد الطفلُ السيطرةَ جزئيًّا على أطرافه، ريثما يتعود على حجمه، وأبعاد جسمه الجديدة، وهنا تتجلى قيمةُ التغافل. • ممارسةُ التغافلِ تُقَلِّلُ من انتقاداتنا لأولادنا؛ فإن كثرةَ تعليقاتِنا على تصرفاتِ أولادنا تُضْعِفُ ثقتَهم بأنفسهم، كما تجعلُهم يتجنبون مجالستَنا والتحدثَ إلينا، ويصابون بالعزوفِ عن ممارسة الجديد؛ مخافة التعليقات السلبية، فيركنون للمنطقة الآمنة! • إن كان التغافلُ لازمًا في التربية بشكل عام، فهو ولا شك ألزم حينما نتعامل مع المراهقين؛ حيث الحساسية المفرطة، والنفس القلقة المتحيرة. فوائدُ التغافلِ: 1- يمنحُك وقتًا للتفكير، ودراسة المشكلة من جميع جوانبها، وسبر أغوارها، على حين يُفقدك انشغالُك بإيقاف السلوك السيئِ تلك الفرصةَ، ويعززُ من استمراره. 2- يمنح الابن فرصةً للتراجع والمراجعة والإصلاح. 3- يشعر به الابن ويقدِّره ويُجلُّه في والديه. 4- يجعل الجو الأسري إيجابيًّا، بعيدًا عن المشاحنات والتربص. 5- يوفر لك فرصة التركيز على الإيجابيات، وتبنِّي لغة التشجيع والترغيب. انتبه! • تجاهل السلوك الخطأ وليس الابن؛ فحينما يتعرض الطفلُ لموقف إحباط، فإنه يكون أحوجَ ما يكون إلى الدعم النفسي والمواساة. • هناك فارقٌ بين التغافلِ والغفلةِ؛ فالتغافلُ هو تجاهلٌ لسلوك ابنك الخطأ فقط حتى ينتهي، ومن ثَمَّ محاورته بلطف؛ لمعالجة الموقف لاحقًا بطريقة غير مباشرة، والتغاضي عنه تمامًا إن كان هذا السلوك خطأً عابرًا فقط، أو هفوة غير مقصودة، أمَّا الغفلةُ، فهي إهمال تصرفات ابنك الخطأ تمامًا، وعدم الاكتراث بها! • ليس كل سلوك خطأ يُمكنك تجاهله، فمواقف التعدِّي على الغير أو انتهاك حقوق الله تستلزم التدخل المباشر "الحكيم"، وقرار التغافل بيدِك، وعليك أن تأخذَه في ثوانٍ وفقًا للموقف وخبرتك مع ابنك. • التغافل ليس غباءً، لكن أحيانًا يُعدُّ التغابي من الحكمة، فكما قال الشاعر: ليسَ الغبيُّ بِسيِّدٍ في قومِه *** لكنَّ سيِّدَ قومِه المتَغَابِي أيها الآباءُ، لكي نكتسبَ التغافلَ كمهارة تربوية، يجب علينا التدربُ مراتٍ ومراتٍ، وستجدون مدى الراحة النفسية التي عمَّت المنزل، وتمتع بها الكبار والصغار؛ ما بين والدٍ كَظَمَ غيظًا، وتحلى بالحلم والصبر، ووَلَدٍ شعر بأمان، فاطمأنت نفسه وسكنت، بعدما شعر بحبِّ والده وحكمته، وأصبح يمارس حقَّه في الخطأ، والتعلم من أخطائه. أيها الآباءُ، تغافلوا عن هَفَواتِ أولادِكم وأزواجِكم؛ لدوام الألفة، وهذا أيضًا من الفطنة ووفور العقل؛ فلقد قال بعض الحكماء: "وجدت أكثر أمور الدنيا لا تجوز إلا بالتغافل". وقال أكثم بن صيفي: "من شدَّد نفَّر، ومن تراخَى تألَّف، والشرف في التغافل". وقال شبيب بن شيبة: "الأريبُ العاقلُ: هو الفطنُ المتغافل". فَلْنَرْقَ، وَلْنَتَغَافَلْ، وَلْنَتَجَاوَزْ؛ فَكَمْ مِنْ أَزْمَةٍ مَاتَتْ فِي مَهْدِهَا بِالتَّغَافُلِ.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |