النسخ في القرآن عند ابن العربي - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 855060 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389906 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-01-2022, 07:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي النسخ في القرآن عند ابن العربي

النسخ في القرآن عند ابن العربي
سيد ولد عيسى




اللهم صل على محمد وآله وسلم.
يعتبر القول بالنسخ في القرآن الكريم دون يقين، ولا بينة من أخطر المخاطر، وأقوى المزالق، وقد وضع العلماء لذلك ضوابط وموجهات محددة لا يجيزون القول بالنسخ في القرآن ما لم تتوفر، وقد عني الأصوليون بتلك الضوابط واهتموا بها، ويمكن أن نشير بشكل مقتضب جدا إلى بعضها وهي:
1- وجود نص شرعي أصلي مشرع لحكم عملي في غير العقائد والأخبار.

2- وجود نص شرعي رافع لحكم النص الأول مساو له في القوة أو في حكم المساوي.

3- التصريح بالنسخ من طرف المشرع، أو الحكم به من المجتهد (بشرط علم السابق واللاحق، وعدم إمكان الجمع بأي وجه، وعدم إمكان الترجيح بأي وجه).

وبالعودة إلى بعض أساطين هذا الفن نجد الاختلال الكبير في تطبيق هذا المنهاج لديهم رغم وضوحه في كتبهم الأصولية، ولنأخذ على ذلك مثالا من الإمام ابن العربي في تفسيره "أحكام القرآن"[1] باعتباره عالما ومفسرا وأصوليا وفقيها، قد حرر المصطلح، واستفاد من السابقين[2].

وقبل الدخول في تطبيق ابن العربي للقول بالنسخ يجدر بنا أن نتساءل عن رأيه في شروط النسخ، حتى لا نحاكمه إلى منهج غير منهجه، أو إلى طريق غيره طريقه، فما هي شروط النسخ عند الإمام ابن العربي رحمه الله؟
1- الأول: أن يكون شرعيا غير عقلي فإن الموت لا ينسخ التكليف[3].
ويضيف في بعضه كتبه لهذا الشرط توضيحا أكثر فيقول: "‌ونسخ القرآن لا يجوز إلا بقرآن مثله، أو بخبر متواتر، وأما ‌بنظر ‌فلا ‌يجوز"[4]؛ فيوسع معنى العقلي الذي لا ينسخ هنا أكثر.

2- الثاني: أن يكون منفصلا غير متصل؛ ونحن نعلم أنه لما قال: ﴿ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [البقرة: 187]، لم يكن ناسخا فلا خلاف فيه إذا كانت الغاية معلومة، كما قدمنا، فإن كانت مجهولة كقوله تعالى: ﴿ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 15]، فاختلف الناس فيه هل هو نسخ أولا، والصحيح أنه نسخ؛ لأن معاني النسخ فيه موجودة، وقد بيناه في الأصول[5].

3- الثالث: أن يكون المقضى بالمنسوخ غير المقتضى بالناسخ[6].
وهذا احتراز منه من القول على الله بالبداء[7]؛ لذلك نراه حين يرد على اليهود نفيهم النسخ لما فيه من البداء يقول: "وأما تعلقهم بالنظر فمسلكه لائح لنا ولا حجة لهم فيما ذكروه من ‌البداء لأن النسخ الله تعالى ليس بما بدا له وإنما هو مما علمه وأحكمه فاقتضت المصلحة أن يقع التكليف به في وقت ولا يقع في آخر فإلزامه المكلف ظاهرا ولم يطلع على ما في الباطن ثم اطلع فعلم أن الحكمة في إخفائه أولا والمصلحة في تبديله آخرا ولذلك رد الله تعالى عليهم وبين جهلهم فقال: ﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 101، 102] "[8].

4- الرابع: أن يكون الجمع بين الدليلين غير ممكن[9].
وفي هذا يقول: "النسخ إنما يكون في القولين المتعارضين من كل وجه، اللذين لا يمكن الجمع بينهما بحال، وأما إذا كان الحكم ممدودا إلى غاية، ثم وقع بيان الغاية بعد ذلك فليس بنسخ؛ لأنه كلام ‌منتظم ‌متصل لم يرفع ما بعده ما قبله، ولا اعتراض عليه"[10]. وقال الطبري: "وقد دللنا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره على أن الناسخ لا يكون إلا ما نفى حكم المنسوخ ‌من ‌كل ‌وجه. فأما ما كان بخلاف ذلك، فغير كائنٍ ناسخا"[11] وقد اختار ابن العربي هذا المعنى فقال: يقول أيضا: "أما من قال: إن الآية منسوخة فما فهم النسخ؛ إذ بينا أنه لا يكون إلا بين الآيتين المتعارضتين من كل وجه"[12].

5- الخامس: أن يكون الناسخ في العلم والعمل مثل المنسوخ[13].
والشرط الخامس ينتهج فيه قريبا من نهج الإمام الشافعي حين رفض نسخ القرآن بالسنة؛ إلا أن ابن العربي قبل النسخ بالسنة المتواترة دون الآحاد[14]؛ لذلك يقول: "ونسخ القرآن لا يجوز إلا بقرآن مثله، أو بخبر متواتر،"[15]، وقال في المحصول: "النسخ لا يثبت إلا من البلاغ"[16]. وقال فيه في نسخ خبر الواحد للقرآن: "خبر الواحد مظنون ولا يساوي الظن اليقين فضلا أن يعارضه"[17].

6- السادس: معرفة المتقدم من المتأخر[18].
وهو أمر لا بد منه عنده قبل القول بالنسخ، قال في أحكام القرآن: "شروط النسخ أربعة[19] منها: معرفة التاريخ بتحصيل المتقدم والمتأخر. وهذا ‌مجهول ‌من ‌هاتين ‌الآيتين، فامتنع أن يدعى أن واحدة منهما ناسخة للأخرى، وبقي الأمر على حاله"[20]، وقال في موضع آخر منه: "إنما ‌يكون ‌النسخ ‌عند تعذر الجمع والجمع ممكن، وبه يتم البيان، وتستمر في سبلها الأحكام"[21]

قد ورد النسخ في أحكام القرآن لابن العربي في عدد كبير من المواضيع وبصيغ مختلفة يمكن أن نأخذ منها بعض النماذج:
هذه إذن شروط النسخ عند ابن العربي، فهل التزم بمراعاتها عند التطبيق في كتابه: "أحكام القرآن" أم خرج عنها؟
ذلك ما سيجيب عنه هذا البحث إن شاء الله[22].
النسخ[23]:بصيغة المصدر وقد ورد بهذا اللفظ مرات كثيرة يهمنا منها:
1- "... الْخَامِسُ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ كَانَتْ مَشْرُوعَةً ثُمَّ نُسِخَتْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ[24]، فَلَمَّا ضَعَّفَهَا النَّسْخُ قَوِيَتْ بِتَقْدِيمِ الذِّكْرِ؛ وَذِكْرُهُمَا مَعًا كَانَ يَقْتَضِي أَنْ تَتَعَلَّقَ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِ الْمَالِ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ. لَكِنَّ الْوَصِيَّةَ خُصِّصَتْ بِبَعْضِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ جَازَتْ فِي جَمِيعِ الْمَالِ لَاسْتَغْرَقَتْهُ"... (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/445).

فيه تقرير نسخ الوصية المشار إليها بقوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ [البقرة: 180] نسخا جزئيا!!، وهذا إلى التخصيص أقرب منه إلى النسخ.

2- "المسألة الأولى: اجتمعت الأمة[25] على أن هذه الآية[26] ليست منسوخة، ‌لأن ‌النسخ ‌إنما ‌يكون في القولين المتعارضين من كل وجه، اللذين لا يمكن الجمع بينهما بحال، وأما إذا كان الحكم ممدودا إلى غاية، ثم وقع بيان الغاية بعد ذلك فليس بنسخ؛ لأنه كلام منتظم متصل لم يرفع ما بعده ما قبله، ولا اعتراض عليه"[27]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/457).

3- "الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ: لَا يَأْخُذُ الزَّوْجُ مِنْ الْمُخْتَلِعَةِ شَيْئًا لِقَوْلِهِ: ﴿ فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا [النساء: 20] إلَى قَوْلِهِ: ﴿ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء: 21]. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة: 229]، فَنَسَخَ ذَلِكَ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: بَلْ هِيَ مُحْكَمَةٌ. وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ بَكْرٍ إنْ أَرَادَتْ هِيَ الْعَطَاءَ، فَقَدْ «جَوَّزَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِثَابِتٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ زَوْجَتِهِ مَا سَاقَ إلَيْهَا وَصَدَّقَ» إنَّمَا يَكُونُ النَّسْخُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ، وَبِهِ يَتِمُّ الْبَيَانُ، وَتَسْتَمِرُّ فِي سُبُلِهَا الْأَحْكَامُ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/474).

4- "... لَا تَسْتَحِلُّ الزِّنَا أَوْ بِمُشْرِكَةٍ تَسْتَحِلُّهُ، وَالزَّانِيَةُ لَا يَزْنِي بِهَا إلَّا زَانٍ لَا يَسْتَحِلُّ الزِّنَا أَوْ مُشْرِكٌ يَسْتَحِلُّهُ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ فَمَا فَهِمَ النَّسْخَ؛ إذْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ الْآيَتَيْنِ الْمُتَعَارِضَتَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ بَلْ الْآيَةُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا[28] عَاضِدَةٌ لِهَذِهِ الْآيَةِ وَمُوَافَقَةٌ لَهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ نِكَاحَ الزُّنَاةِ وَالزَّوَانِي، وَأَمَرَ بِنِكَاحِ الصَّالِحَاتِ وَالصَّالِحِينَ. (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/516).

5- فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي بَقَاءِ حُكْمِهَا أَوْ نَسْخِهِ: فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ الْمُوَادَعَةِ وَتَرْكِ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ؛ ثُمَّ نُسِخَ؛ قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ-[29]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 4/227).

6- "وَقَدْ رُوِيَ، عَنْ سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ: نَسْخٌ لِكُلِّ مَا تَقَدَّمَ يَعْنِي مِنْ الْأَمْرِ بِالْكِتَابِ وَالْإِشْهَادِ وَالرَّهْنِ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/346).

لا يصح نسخ مثل هذا لأن الحكم لم يثبت الوجوب أصلا، وإنما غاية ما في الأمر أن بين الشرط ﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ [البقرة: 283] أن الأمر ليس للوجوب في كل حال. فكيف يدعى في مثل هذا نسخ؟ وكيف يستقيم قول الإمام ابن العربي رحمه الله: "وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّ هَذَا نَاسِخٌ لِلْأَمْرِ بِالْإِشْهَادِ، وَتَابَعَهُمْ جَمَاعَةٌ؛ وَلَا مُنَازَعَةَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ، بَلْ هُوَ جَائِزٌ[30]، وَحَبَّذَا الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَذْهَبِ، وَلَا نُبَالِي مِن الِاخْتِلَافِ فِي الدَّلِيلِ" (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/345). فكيف تصح الموافقة على القول بنسخ آية مع إمكان الجمع بينها وبين غيرها، موافقة لمن لا تلزم موافقته شرعا؟

7- "الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: فِي تَحْقِيقِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَقْوَالِ[31]: أَمَّا مَنْ قَالَ إنَّهُ الزِّنَا وَالنُّشُوزُ فَقَدْ بَيَّنَّا أَحْكَامَ جَوَازِ الْخُلْعِ وَأَخْذِ مَالِ الْمَرْأَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ عَطَاءٍ[32] فَمُحْتَمَلٌ صَحِيحٌ تَتَنَاوَلُهُ الْآيَةُ، لَكِنْ لَا يُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا إنَّهُ نَسْخٌ، وَإِنْ كَانَ فِي التَّحْقِيقِ نَسْخًا[33]؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- نَسَخَ الْبَاطِلَ، وَلَكِنْ اللَّفْظَ مُجْمَلٌ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ، وَشَرْطٌ يَرْتَبِطُ بِهِ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مُبَيَّنٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: كَانَ فِي الزِّنَا ثَلَاثَةُ أَنْحَاءٍ فَتَحَكُّمٌ مَحْضٌ، وَنَقْلٌ لَمْ يَصِحَّ، وَتَقْدِيرٌ يَفْتَقِرُ إلَى نَقْلٍ ثَابِتٍ، وَلَمْ يَكُنْ، فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِهِ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/467).

وأما ما قاله في قول من قال: كان في الزنا ثلاثة أنحاء، فقول وجيه في كل من ادعى دعوى في تسلسل تاريخ التشريع لأي حكم لم يقم عليها بينة سوى فهم له لا دليل عليه من تاريخ، ولا شهادة من حضروا نزول الوحي، ولا منطق غير قابل للرد.

8- "الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ ﴿ وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال: 75]: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ الْآيَةُ نَسْخٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُوَالَاةِ بِالْهِجْرَةِ دُونَ الْقَرَابَةِ الَّتِي لَيْسَ مَعَهَا هِجْرَةٌ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/442).
يمكن الجمع، وهو مقدم على الترجيح، أحرى على النسخ.

9- "الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: فِي فَائِدَةِ الْآيَةِ وَلِأَجْلِ مَا سِيقَتْ لَهُ: وَفِي ذَلِكَ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ: الْأُولَى: نَسْخُ الْحُكْمِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ قَدْ أَلْزَمَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ [الأحزاب: 52] فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَدْ أَحَلَّ لَهُ أَزْوَاجَهُ اللَّوَاتِي عِنْدَهُ، وَغَيْرَهُنَّ مِمَّنْ سَمَّاهُ مَعَهُنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 3/593).

ألا يمكن أن يكون النبي قد حُرِمَ من النساء فلم يبق له منهن: إلا زوجاته وما ملكت يمينه، أو من وهبت نفسها له ممن سمى الله في قوله: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ... ﴾ [الأحزاب: 50]، الظاهر لي أن ذلك أسلم من القول بالنسخ، وهو اختيار ابن جرير الطبري، وهو المنسجم مع السياق، قال ابن جرير: "وأولى الأقوال عندي بالصحة قول من قال: معنى ذلك: لا يحل لك النساء من بعد بعد اللواتي أحللتهن لك بقولي: ﴿ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ﴾... إلى قوله: ﴿ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ﴾ [الأحزاب: 50]. وإنما قلت ذلك أولى بتأويل الآية؛ لأن قوله: ﴿ لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ ﴾ عقيب قوله: ﴿ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ﴾ وغير جائز أن يقول: قد أحللت لك هؤلاء ولا يحللن لك إلا بنسخ أحدهما صاحبه، وعلى أن يكون وقت فرض إحدى الآيتين، فعل الأخرى منهما. فإذ كان ذلك كذلك ولا دلالة ولا برهان على نسخ حكم إحدى الآيتين حكمَ الأخرى، ولا تقدم تنزيل إحداهما قبل صاحبتها، وكان غير مستحيل مخرجهما على الصحة، لم يجز أن يقال: إحداهما ناسخة الأخرى. وإذا كان ذلك كذلك، ولم يكن لقول من قال: معنى ذلك: لا يحل من بعد المسلمات يهودية ولا نصرانية ولا كافرة، معنى مفهوم، إذ كان قوله ﴿ مِنْ بَعْدُ ﴾ إنما معناه: من بعد المسميات المتقدم ذكرهن في الآية قبل هذه الآية، ولم يكن في الآية المتقدم فيها ذكر المسميات بالتحليل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر إباحة المسلمات كلهن، بل كان فيها ذكر أزواجه وملك يمينه الذي يفيء الله عليه، وبنات عمه وبنات عماته، وبنات خاله وبنات خالاته اللاتي هاجرن معه، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي، فتكون الكوافر مخصوصات بالتحريم، صح ما قلنا في ذلك، دون قول من خالف قولنا فيه"[34].

ويشهد لهذا أيضا ما روي في سبب نزول هذه آية: ﴿ لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ ﴾، فقد ورد فيها أنها كانت مكافأة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين اخترن الله ورسوله والدار الآخرة[35]، وهو أقرب للمعنى، وأبعد عن ادعاء نسخ آية متقدمة في الترتيب لأخرى متأخرة عنها، ولا تاريخ معروف لنزولهما، ولا دليل على ذلك يجب التسليم له.

10- "الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي تَفْسِيرِهَا: وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهَا رَفْضُ النِّسَاءِ، وَقَدْ نُسِخَ[36] ذَلِكَ فِي دِينِنَا، كَمَا تَقَدَّمَ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 4/182).

11- "الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي تَحْرِيرِ الْأَقْوَالِ: أَمَّا نَسْخُ بَعْضِ هَذِهِ لِبَعْضٍ فَيَفْتَقِرُ إلَى مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ فِيهَا[37]. وَأَمَّا الظَّاهِرُ فَنَسْخُ الِاسْتِنْفَارِ الْعَامِّ؛ لِأَنَّهُ الطَّارِئُ[38]؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَغْزُو فِي فِئَامٍ مِنْ النَّاسِ، وَلَمْ يَسْتَوْفِ قَطُّ جَمِيعَ النَّاسِ، إلَّا فِي غَزْوَةِ الْعُسْرَةِ"[39]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/602).

تقدم أن ابن العربي لا يرى النص المتصل ناسخا بعضه بعضا، وهو هنا جعل المانع من نسخ بعض الآية لبعض هو الجهل بالتاريخ!.


"نَسَخَ + نُسِخَ: (بالبناء للمعلوم والمجهول):
وقد ورد بهذه الصيغ الثلاث في التفسير مما يتعلق بموضوعنا –من غير ما ذكر قبل- ما يلي:
12- "وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ[40] فَنَظَرَ إلَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بِهَذَا الْوَجْهِ فَرْضًا سِوَى الزَّكَاةِ، وَجَاءَتْ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ فَنَسَخَتْ كُلَّ صَدَقَةٍ جَاءَتْ فِي الْقُرْآنِ، كَمَا نَسَخَ صَوْمُ رَمَضَانَ كُلَّ صَوْمٍ، وَنَسَخَتْ الصَّلَاةُ كُلَّ صَلَاةٍ"[41]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/19).

13- "اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ لِآدَمَ لَمْ يَكُنْ سُجُودَ عِبَادَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا سَلَامُ الْأَعَاجِمِ بِالتَّكَفِّي وَالِانْحِنَاءِ وَالتَّعْظِيمِ، وَإِمَّا وَضْعُهُ قِبْلَةً كَالسُّجُودِ لِلْكَعْبَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَهُوَ الْأَقْوَى؛ لِقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿ فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [الحجر: 29]. وَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَعْنَى التَّعْظِيمِ؛ وَإِنَّمَا صَدَرَ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ لِلْعِبَادَةِ، وَاِتِّخَاذِهِ قِبْلَةً، وَقَدْ نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى جَمِيعَ ذَلِكَ[42] فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/27).

14- "وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ؛ وَاخْتَلَفُوا فِي نَسْخِهَا؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: نُسِخَ جَمِيعُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: نُسِخَ بَعْضُهَا، وَهِيَ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ؛ وَالصَّحِيحُ نَسْخُهَا[43]، وَأَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ إلَّا فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ بَيَانُهُ أَوْ الْخُرُوجُ بِأَدَاءٍ عَنْهُ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ اللَّفْظُ بِظَاهِرِهِ، وَذِكْرُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ الْحَقِّ الَّذِي يَقْتَضِي الْحَثَّ، وَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالنَّدْبَ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/102).

15- "... وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ كَانَ صَحِيحًا مُقِيمًا لَزِمَهُ الصَّوْمُ، وَمَنْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا فَلَا صَوْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ صَحِيحًا مُقِيمًا وَلَزِمَهُ الصَّوْمُ، وَأَرَادَ تَرْكَهُ، فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 185] مُطْلَقًا"[44]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/113).

16- "وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمُبَاشَرَةُ الْجَمْعُ[45]، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِيمٌ يَكُنِّي، وَهَذَا يَعْضُدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: ﴿ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة: 183] أَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ كَذَلِكَ يَصُومُونَ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ"[46]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/128).
فيه توهم حالٍ نُسِخَ، فكيف ينسخ ما يشك في ثبوته؟!

17- "...أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة: 240] وَكَانَتْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ حَوْلًا، كَمَا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ؛ قَالَهُ الْأَكْثَرُ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/279).
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 23-01-2022, 07:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: النسخ في القرآن عند ابن العربي


تحتاج دعوى كون ذلك كان حكما مستقرا ثم نسخ بالأربعة أشهر وعشر إلى إثبات تاريخي، فمنهم من حملها على غير ذلك، وقد بين السيوطي الاضطراب فيها في قوله: "قوله تعالى: ﴿ والذين يتوفون منكم إلى قوله: ﴿ متاعا إلى الحول منسوخة بآية ﴿ أربعة أشهر وعشرا والوصية منسوخة بالميراث والسكنى ثابتة عند قوم منسوخة عند آخرين بحديث "ولا سكنى"[47].

18- "وَرُوِيَ فِي مُخْتَصَرِ الطَّبَرِيِّ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَأْذَنُوهُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ، إذْ آذَوْهُ بِمَكَّةَ غِيلَةً، فَنَزَلَتْ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج: 38] فَلَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ أَطْلَقَ قِتَالَهُمْ، وَهَذَا إنْ كَانَ صَحِيحًا فَقَدْ نَسَخَهُ[48] الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: إنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَتَلَهُ مَعَ أَصْحَابِهِ غِيلَةً[49]»". (ابن العربي، أحكام القرآن، 3/302).

19- "... وَهَذَا الْخَبَرُ مِنْ زَيْدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَرَتَّبُ بِحَسَبِ الْمَصَالِحِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ [المجادلة: 12] [ثُمَّ نَسَخَهُ[50] مَعَ كَوْنِهِ خَيْرًا وَأَطْهَرَ]. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ عَظِيمٌ فِي الْتِزَامِ الْمَصَالِحِ[51]؛ لَكِنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ عَنْ زَيْدٍ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْعُلَمَاءُ"[52]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 4/203).

20- "الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ [النساء: 15] أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِمْسَاكِهِنَّ فِي الْبُيُوتِ وَحَبْسِهِنَّ فِيهَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ تَكْثُرَ الْجُنَاةُ، فَلَمَّا كَثُرَ الْجُنَاةُ وَخُشِيَ فَوْتُهُمْ اُتُّخِذَ لَهُمْ سِجْنٌ[53]. وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا السِّجْنِ، هَلْ هُوَ حَدٌّ أَوْ تَوَعُّدٌ بِالْحَدِّ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَوَعُّدٌ بِالْحَدِّ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَدٌّ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ: زَادَ ابْنُ زَيْدٍ أَنَّهُمْ مُنِعُوا مِنْ النِّكَاحِ حَتَّى يَمُوتُوا يَعْنِي عُقُوبَةً لَهُمْ حَيْثُ طَلَبُوا النِّكَاحَ مِنْ غَيْرِ وَجْهِهِ. ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْحَدِّ[54]. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي [النور: 2] فَمَنْ كَانَ مُحْصَنًا رُجِمَ، وَمَنْ كَانَ بِكْرًا جُلِدَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ حَدٌّ جَعَلَهُ اللَّهُ عُقُوبَةً مَمْدُودَةً إلَى غَايَةِ مُؤْذَنَةٍ بِأُخْرَى هِيَ النِّهَايَةُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ حَدٌّ، لِأَنَّهُ إيذَاءٌ، وَإِيلَامٌ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ أَشَدُّ مِنْ الْجِلْدِ، وَكُلُّ إيذَاءٍ وَإِيلَامٍ حَدٌّ، لِأَنَّهُ مَنْعٌ وَزَجْرٌ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ مَمْدُودٌ إلَى غَايَةٍ إبْطَالًا لِقَوْلِ مَنْ رَأَى مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّهُ نُسِخَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/461).

ولعل ما اختاره في الأخير رأيه المستقر، وهو الأولى بالتقديم، والأقرب للصحة، والله أعلم.

21- "الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: الْأَبْنَاءُ ثَلَاثَةٌ: ابْنُ نَسَبٍ، وَابْنُ رَضَاعٍ، وَابْنُ تَبَنٍّ. فَأَمَّا ابْنُ النَّسَبِ فَمَعْلُومٌ، وَمَعْلُومٌ حُكْمُهُ. وَأَمَّا ابْنُ الرَّضَاعِ فَيَجْرِي مَجْرَى الِابْنِ فِي جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحْكَامِ مُعْظَمُهَا التَّحْرِيمُ؛ لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ». وَأَمَّا ابْنُ التَّبَنِّي فَكَانَ ذَلِكَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ؛ إذْ تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَلِكَ[55] بِقَوْلِهِ: ﴿ ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب: 5]". (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/487).

22- "الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: ﴿ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ [المائدة: 2] يَعْنِي قَاصِدِينَ لَهُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَمَمْت كَذَا، أَيْ قَصَدْته، وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ قَصَدَهُ بِاسْمِ الْعِبَادَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا، كَالْكَافِرِ، وَهَذَا قَدْ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة: 5] فِي قَوْلِ الْمُفَسِّرِينَ، وَهُوَ تَخْصِيصٌ غَيْرُ نَسْخٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكُفَّارِ قَدْ بَقِيَتْ الْحُرْمَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/20).

والمسألة تحتاج زيادة بيان فقد قال السيوطي في آية السيف: "...إذا علمت ذلك فقد خرج من الآيات التي أوردها المكثرون الجم الغفير مع آيات الصفح والعفو إن قلنا إن آية السيف لم تنسخها وبقي مما يصلح لذلك عدد يسير وقد أفردته بأدلته في تأليف لطيف"[56]، ومعنى كلامه أن آية السيف كان قد اشتهر الاعتراض على نسخها للجم الغفير من آيات القرآن، ومستحسن هنا اختيار ابن العربي لكون الآية هنا مخصصة لا ناسخة، على أن تحرير التاريخ بين سورتي التوبة والمائدة، وتدقيق أوجه التعارض في أحكامهما من الصعوبة بمكان للمحيطين بالأحاديث الواردة في هذا السياق، وليست فيهما آية ادعي نسخها للأخرى إلا وقال بعض العلماء إنها ليست كما ادعي، أو ردها بالقواعد، وليس المقام مقام إقامة البينة على مثل هذه الدعوى[57].

23- "الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: فِي هَذِهِ الْآيَةِ غَرِيبَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ لَيْسَ لَهَا أُخْتٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَذَلِكَ أَنَّهَا آيَةٌ يَنْسَخُ آخِرُهَا أَوَّلَهَا؛ نَسَخَ قَوْلُهُ: ﴿ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة: 105] قَوْلَهُ: ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ [المائدة: 105]. وَقَدْ حَقَّقْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ، فَالْحَظُوهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعْلَمُوهُ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/225).

ليس هذا من النسخ في شيء، وقد بين ذلك في الناسخ والمنسوخ بقوله: "ومعاني الآية منتظمة، وآخرها يعضد أولها وهكذا فسرها الصديق رضي الله عنه"[58].

24- "الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ كَتَبَ عَلَيْهِمْ تَحْرِيمَ هَذَا فِي التَّوْرَاةِ، وَقَدْ نَسَخَ[59] اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ بِشَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبَاحَ لَهُمْ مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ[60]؛ عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى طَرِيقِ التَّشْدِيدِ فِي التَّكْلِيفِ لِعَظِيمِ الْحُرْمِ، وَزَوَالِ الْحَرَجِ بِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-[وَأُمَّتِهِ]، وَأَلْزَمَ جَمِيعَ الْخَلِيقَةِ دِينَ الْإِسْلَامِ بِحِلِّهِ وَحُرْمِهِ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ؛ فَإِذَا ذَبَحُوا أَنْعَامَهُمْ فَأَكَلُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ، وَتَرَكُوا مَا حَرَّمَ، فَهَلْ يَحِلُّ لَنَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: هِيَ مُحَرَّمَةٌ [عَلَيْهِمْ]". (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/296).

25- "الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَا مَعْنَى أَخْذِهِ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ؟ قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: كَانَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى ثُمَّ نُسِخَ"[61]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/325).

26- "الثَّالِثُ: أَنَّهُ أَمْرٌ بِالِاحْتِمَالِ وَتَرْكِ الْغِلْظَةِ، ثُمَّ نُسِخَ[62] ذَلِكَ بِآيَةِ الْقِتَالِ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/359).

27- "قَالَ قَوْمٌ: كَانَ هَذَا يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ نُسِخَ[63]، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ قَائِلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَنَيِّفًا، وَالْكُفَّارُ كَانُوا تِسْعَمِائَةٍ وَنَيِّفًا؛ فَكَانَ لِلْوَاحِدِ ثَلَاثَةٌ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/428).

28- "قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ هَذَا ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَإِنْ كَانَتْ إلَى جَنْبِهَا"[64]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/429).

29- "ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِفَتْحِ مَكَّةَ[65] وَالْمِيرَاثِ بِالْقَرَابَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَارِثُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ السَّلَامِ؛ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ الْهِجْرَةِ بِالسَّنَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونُوا أُسَرَاءَ مُسْتَضْعَفِينَ؛ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ مَعَهُمْ قَائِمَةٌ، وَالنُّصْرَةَ لَهُمْ وَاجِبَةٌ بِالْبَدَنِ بِأَلَّا يَبْقَى مِنَّا عَيْنٌ تَطْرِفُ حَتَّى نَخْرُجَ إلَى اسْتِنْقَاذِهِمْ إنْ كَانَ عَدَدُنَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، أَوْ نَبْذُلَ جَمِيعَ أَمْوَالِنَا فِي اسْتِخْرَاجِهِمْ، حَتَّى لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ دِرْهَمٌ كَذَلِكَ"[66]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/440).

30- "... يَعْنِي: بَيْتَ الْمَقْدِسِ أُمِرُوا أَنْ يَسْتَقْبِلُوهَا حَيْثُمَا كَانُوا، وَقَدْ كَانَتْ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ قِبْلَةً، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ"[67]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 3/13).

31- "وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إنَّ هَذَا كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسِخَ، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ الْوُجُوبَ لَمْ يَثْبُتْ وَالنَّاسِخَ لَمْ يَرِدْ؟". (ابن العربي، أحكام القرآن، 3/21).

فيه تسرع بعضهم للقول بالنسخ بلا برهان.

وأما قوله إن الوجوب لم يثبت فقد وردت أحاديث كثيرة -في الصحيحين[68] وغيرهما- تأمر بإكرام الضيف، والأصل في الأمر المطلق الوجوب ما لم يرد صارف كما يرى الجمهور، والأولى حمله على الوجوب المقيد بحال الضرورة فتكون ضيافة من لم يجد مطعما ولا مكانا يسكنه واجبة، وضيافة الواجد مندوبة[69] والله أعلم.

32- "قَالَ الْعُلَمَاءُ: كَانَ هَذَا سُجُودَ تَحِيَّةٍ لَا سُجُودَ عِبَادَةٍ، وَهَكَذَا كَانَ سَلَامُهُمْ بِالتَّكْبِيرِ وَهُوَ الِانْحِنَاءُ، وَقَدْ نَسَخَ اللَّهُ فِي شَرْعِنَا ذَلِكَ[70]، وَجَعَلَ الْكَلَامَ بَدَلًا عَنْ الِانْحِنَاءِ[71] وَالْقِيَامِ"[72]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 3/77).

33- "قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ أَمَرَ أَنْ يَصْفَحَ عَنْهُمْ صَفْحًا جَمِيلًا، وَيُعْرِضَ عَنْهُمْ إعْرَاضًا حَسَنًا، ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ بِالْأَمْرِ بِالْقِتَالِ[73]، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي". (ابن العربي، أحكام القرآن، 3/111).

34- "حَكَمَ فِي الظِّهَارِ بِالْفِرَاقِ، وَهُوَ الْحُكْمُ بِالتَّحْرِيمِ بِالطَّلَاقِ، حَتَّى نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْكَفَّارَةِ[74]. وَهَذَا نَسْخٌ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، فِي حَقِّ شَخْصٍ وَاحِدٍ، فِي زَمَانَيْنِ؛ وَذَلِكَ جَائِزٌ عَقْلًا، وَاقِعٌ شَرْعًا. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ النَّسْخِ"[75]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 4/190).

35- "... فِيهَا مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى لَا خِلَافَ أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَاصَّةً، وَهَذِهِ الْآيَةُ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهَا هَذِهِ الْقُرَى الَّتِي قُوتِلَتْ، فَأَفَاءَ اللَّهُ بِمَالِهَا؛ فَهِيَ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ؛ قَالَهُ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ"[76]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 4/213).

36- "... فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي بَقَاءِ حُكْمِهَا أَوْ نَسْخِهِ: فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ الْمُوَادَعَةِ وَتَرْكِ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ؛ ثُمَّ نُسِخَ؛ قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 4/227).

لا يستقيم هذا لعدة أمور:
أولا: أن الآية مدنية باتفاق.

الثاني: أن النهي عن القتال قبل فرض الجهاد كان نهيا عن الجميع، وخاصة من قاتل وظلم واعتدى.

الثالث: أن هذا الفهم لا يستقيم مع باقي الآية، إذ عليه لا معنى لـ: "إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين".

الرابع: أنه لو كان النهي عن القتال ناسخا لـ: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم"، لاختل معنى الآيات كله.

الخامس: أن الآية في سبكها ولفظها قاضية بفساد القول بنسخها، فهي تتحدث في كل جوانبها عن "مقاتلين" ومخرجين، ولم يقاتل الكفارُ المسلمين قبل فرض القتال عليهم.

37- "قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ مُشْرِكَةٌ أَنْ يُطَلِّقَهَا. وَقَدْ كَانَ الْكُفَّارُ يَتَزَوَّجُونَ الْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُسْلِمُونَ يَتَزَوَّجُونَ الْمُشْرِكَاتِ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا. وَكَانَ ذَلِكَ نَسْخَ الْإِقْرَارِ عَلَى الْأَفْعَالِ بِالْأَقْوَالِ"[77]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 4/231).

38- "وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا خِطَابًا لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَحْدَهُ، فَيَبْقَى الْأَمْرُ بِهِ عَلَيْهِ مُفْرَدًا، وَالْوُجُوبُ يَلْزَمُ لَهُ خَاصَّةً. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَمِيعُ، ثُمَّ نُسِخَ عَنَّا، وَبَقِيَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ [الإسراء: 79] كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 4/355).

لا مانع من أن يكون مراد الله بقوله: "وسبحه ليلا طويلا" التسبيح بمعناه المعهود من ذكر قول: سبحان الله، أو من أي ذكر يفيد التسبيح والتعظيم، لسانيا كان أو بدنيا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر التسبيح والذكر والدعاء والصلاة وكل ذلك من تسبيح الله، فلا يكون في الآية نسخ ولا رفع حكم، وحتى لو حمل على القيام -مع ما فيه من الخلاف- فلا داعي للقول بنسخه.

والغالب في هذه الأوامر غير المحددة –في القرآن ولا في السنة- بمقدار معين الندب لا الوجوب.

39- "وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ[78]؛ وَاخْتَلَفُوا فِي النَّاسِخِ؛ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: نَسَخَهَا قَوْله تَعَالَى: ﴿ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً [التوبة: 36] وَقَالَ غَيْرُهُ: نَسَخَتْهَا: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ [التوبة: 29] وَقَالَ غَيْرُهُ: نَسَخَهَا «غَزْوُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ثَقِيفًا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَإِغْزَاؤُهُ أَبَا عَامِرٍ إلَى أَوْطَاسَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ»؛ وَهَذِهِ أَخْبَارٌ ضَعِيفَةٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: نَسَخَتْهَا بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ[79] عَلَى الْقِتَالِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ بِمَكَّةَ، وَأَنَّهُمْ عَازِمُونَ عَلَى حَرْبِهِ، فَبَايَعَ عَلَى دَفْعِهِمْ لَا عَلَى الِابْتِدَاءِ[80]. وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ: نَسَخَهَا قَوْله تَعَالَى: ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ[81] [التوبة: 5]" (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/206).

40- "... الثَّانِي: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ [البقرة: 240] تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ؛ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ. وَالْأَصَحُّ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّل كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي الْقِسَمِ الثَّانِي مِنْ " النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ " عَلَى وَجْهِ نُكْتَتِهِ عَلَى مَا رَوَى الْأَئِمَّةُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ لِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَوْله تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ [البقرة: 240] نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الْأُخْرَى فَلِمَ تَكْتُبْهَا؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي؛ لَا أُغَيِّرَ مِنْهُ شَيْئًا عَنْ مَكَانِهِ، وَقَدْ قَالَ الْأَئِمَّةُ إنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- «قَالَ لِلْفُرَيْعَةِ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ حِينَ قُتِلَ زَوْجُهَا: اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» فَتَقَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا كَانَتْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا وَبَيْنَ أَنْ تَبْقَى بِآيَةِ الْإِخْرَاجِ، ثُمَّ نَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْآيَةِ الَّتِي فِيهَا التَّرَبُّصُ، ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِأَمْرِهِ لِلْفُرَيْعَةِ بِالْمُكْثِ فِي بَيْتِهَا؛ فَكَانَ ذَلِكَ بَيَانًا لِلسُّكْنَى لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا قُرْآنًا وَسُنَّةً[82]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/279).

41- وَذَهَبَ عُمَرُ إلَى أَنَّهَا[83] مَنْسُوخَةٌ؛ نَسَخَتْهَا: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة: 103]؛ قَالَ عِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ: وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ. (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/488).

أطال ابن العربي في هذا الموضع، وذكر أن فقهاء الأمصار "اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ"،(ابن العربي، أحكام القرآن، 2/489) ولا يخفى اتفاقهم على أن العاقلة تؤدي الدية، وعلى ما تقدم لديه من أن "...النُّصْرَةَ لَهُمْ وَاجِبَةٌ بِالْبَدَنِ بِأَلَّا يَبْقَى مِنَّا عَيْنٌ تَطْرِفُ حَتَّى نَخْرُجَ إلَى اسْتِنْقَاذِهِمْ إنْ كَانَ عَدَدُنَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، أَوْ نَبْذُلَ جَمِيعَ أَمْوَالِنَا فِي اسْتِخْرَاجِهِمْ، حَتَّى لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ دِرْهَمٌ كَذَلِكَ" (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/440). فهذا كاف في أن في المال حقا سوى الزكاة، وقد مرت الإشارة إلى بعضه، على أن التعارض المتوهم لا وجود له في الحقيقية.

42- رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: نَسَخَتْهَا:[84]﴿ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا [التوبة: 41]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/602).

تقدم أن ابن العربي يقول بعكس هذا، وهو نسخ آية انفروا خفافا وثقالا بأخريات عينها مررنا عليها قبل.

43- الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ رَوَى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102]: يَقُولُ مُطِيعِينَ قَالَ: فَلَمْ يَدْرِ أَحَدٌ مَا حَقُّ تُقَاتِهِ مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَلَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَلَى أَنْ يَبْلُغُوا حَقَّ تُقَاتِهِ مَا بَلَغُوا. قَالَ: فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَعْلَمَ خَلْقُهُ قُدْرَتَهُ. ثُمَّ نَسَخَهَا[85] وَهَوَّنَ عَلَى خَلْقِهِ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16]، فَلَمْ يَدَعْ لَهُمْ مَقَالًا. فَلَوْ قُلْت لِرَجُلٍ: اتَّقِ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ رَأَى أَنَّك كَلَّفْتَهُ شَطَطًا مِنْ أَمْرِهِ. فَإِذَا قُلْت: اتَّقِ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْت رَأَى أَنَّك لَمْ تُكَلِّفْهُ شَطَطًا، وَهِيَ قَوْلُهُ: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم: 34]. نَسَخَتْهَا[86] الْآيَةُ الَّتِي فِي النَّحْلِ: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ[87] [النحل: 18]. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ». (ابن العربي، أحكام القرآن، 4/267).

ولم يعلق ابن العربي على النسخ هنا، وإنما قال إنه حقق المسألة في "وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَأُصُولِ الْفِقْه[88](ابن العربي، أحكام القرآن، 4/267)، ثم أعقب بقوله: "إنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْمُفَسِّرِينَ رَوَوْا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران: 102] لَمَّا نَزَلَتْ قَامَ قَوْمٌ حَتَّى تَوَرَّمَتْ أَقْدَامُهُمْ، وَتَقَرَّحَتْ جِبَاهُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16] فَنُسِخَ ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَفِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ قِسْمُ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ"، (ابن العربي، أحكام القرآن، 4/268).

44- الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ: ﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ [المزمل: 20]؛ أَيْ رَجَعَ عَلَيْكُمْ بِالْفَرَاغِ الَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ مِنْ تَكْلِيفِهَا لَكُمْ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ آخِرَ السُّورَةِ هِيَ الَّتِي نَسَخَتْهَا، كَمَا رَوَتْ عَائِشَةُ فِي الصَّحِيحِ، كَمَا نَقَلَهُ الْمُفَسِّرُونَ عَنْهَا. (ابن العربي، أحكام القرآن، 4/334).


ناسخ: باسم الفاعل:
وقد ورد منه في التفسير مما يتعلق بموضوعنا –من غير ما ذكر قبل- ما يلي:
1- "وَأَمَّا ذَبَائِحُ الْكِتَابِيِّينَ فَقَدْ سُئِلَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَمَّا يُذْبَحُ لِكَنِيسَةٍ اسْمُهَا سَرْجِسُ، فَأَمَرَ بِأَكْلِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَعَطَاءٌ: تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ، وَإِنْ ذُكِرَ غَيْرُ اللَّهِ عَلَيْهَا، وَهَذَا نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى[89]: ﴿ وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام: 121]". (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/43-44).

2- "... الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ، هَلْ هُوَ شَرْعُنَا خَاصَّةً أَمْ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا؟ فَقِيلَ: كَانَ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا اسْتِرْقَاقَ السَّارِقِ. وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ إلَى زَمَنِ مُوسَى؛ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْقَطْعُ فِي شَرْعِنَا نَاسِخٌ لِلرِّقِّ[90]. وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ تَوْكِيدًا لَهُ، وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فِي سُورَةِ يُوسُفَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحَدَّ كَانَ مُطْلَقًا فِي الْأُمَمِ كُلِّهَا قَبْلَنَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- كَيْفِيَّتَهُ، إذْ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْت يَدَهَا»". (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/120).


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 23-01-2022, 07:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: النسخ في القرآن عند ابن العربي

3- "الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ قَوْمٌ: هَذَا نَاسِخٌ لِلتَّخْيِيرِ، وَهَذِهِ دَعْوَى عَرِيضَةٌ؛ فَإِنَّ شُرُوطَ النُّسَخِ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا: مَعْرِفَةُ التَّارِيخِ بِتَحْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ. وَهَذَا مَجْهُولٌ مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، فَامْتَنَعَ أَنْ يُدَّعَى أَنَّ وَاحِدَةً مِنْهُمَا نَاسِخَةٌ لِلْأُخْرَى، وَبَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى حَالِهِ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/137).

ليته طبق هذه القاعدة في كل ما جُهل تاريخه، أو بين مستنده في القول بالنسخ في ما يلتبس تاريخه.

4- "الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَدْ ذَكَرْنَا فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ أَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ نَاسِخٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الشَّرَائِعِ"[91]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 3/68).

5- "... فَلَمَّا هَاجَرَ نَزَلَتْ: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الحج: 39]، وَهَذَا نَاسِخٌ لِكُلِّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ إعْرَاضٍ وَتَرْكٍ وَصَفْحٍ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي قِسْمِ النَّسْخِ الثَّانِي مِنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ"[92]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 3/300).

منسوخ+ينسخ: (بصيغة اسم المفعول والمضارع المبني للمعلوم والمجهول):
وقد ورد منها في التفسير من ما يتعلق بموضوعنا –من غير ما ذكر قبل- ما يلي:
1- "...وَقَالَ الْمُخَالِفُونَ: إنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ، وَلَكِنَّهُ نُفِّذَ الذَّبْحُ، وَكَانَ كُلَّمَا قَطَعَ جُزْءًا الْتَأَمَ، فَاجْتَمَعَ الذَّبْحُ وَالْإِعَادَةُ لِمَوْضِعِهَا حَسْبَمَا كَانَتْ"[93]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/225).

2- "اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلِ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالسُّنَّةِ، وَحَرَّمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَحَرَّمَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ؛ خَرَّجَهُ الْأَئِمَّةُ كُلُّهُمْ. الثَّانِي: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ لَا حَرَامَ فِيهَا إلَّا فِيمَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ[94]. الثَّالِثِ: قَالَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: هِيَ مُحْكَمَةٌ، وَيَضُمُّ إلَيْهَا بِالسُّنَّةِ مَا فِيهَا مِنْ مُحَرَّمٍ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالسُّنَّةِ[95] فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي نَسْخِ السُّنَّةِ بِهَا". (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/291).

3- "الثَّانِي: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ[96] بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة: 5] وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ [البقرة: 193]". (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/151).

4- "الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ[97] بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة: 5]". (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/217).

5- "الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: ﴿ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ [المائدة: 2] عَلَى الْعُدْوَانِ عَلَى آخَرِينَ، نَزَلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي «الْحَكَمِ رَجُلٍ مِنْ رَبِيعَةَ، قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: بِمَ تَأْمُرُنَا؟ فَسَمِعَ مِنْهُ. وَقَالَ: أَرْجِعُ إلَى قَوْمِي فَأُخْبِرُهُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: لَقَدْ جَاءَ بِوَجْهِ كَافِرٍ وَرَجَعَ بِقَفَا غَادِرٍ. وَرَجَعَ فَأَغَارَ عَلَى سَرْحٍ مِنْ سُرُوحِ الْمَدِينَةِ، فَانْطَلَقَ بِهِ، وَقَدِمَ بِتِجَارَةٍ أَيَّامَ الْحَجِّ يُرِيدُ مَكَّةَ، فَأَرَادَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَخْرُجُوا إلَيْهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ» أَيْ لَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ بِقَطْعِ سُبُلِ الْحَجِّ، وَكُونُوا مِمَّنْ يُعِينُ فِي التَّقْوَى، لَا فِي التَّعَدِّي، وَهَذَا مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ مَنْسُوخٌ، وَظَاهِرُ عُمُومِهَا بَاقٍ فِي كُلِّ حَالٍ، وَمَعَ كُلِّ أَحَدٍ، فَلَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يَحْمِلَهُ بُغْضُ آخَرَ عَلَى الِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ ظَالِمًا، فَالْعِقَابُ مَعْلُومٌ عَلَى قَدْرِ الظُّلْمِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِ إنْ ظَلَمَ غَيْرَهُ؛ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ أَحَدٍ عَنْ أَحَدٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام: 164]. وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/21).

إذن فالآية محكمة عامة من كل وجه، وحتى لو قصرت على السبب المدعى للنزول لم يمنعها ذلك من أن تكون محكمة لأن النهي عن القتال في الحرم ثابت محكم ما لم نُبْتَدأ بالقتال فيه من طرف الكفار.

6- "الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي بَقَاءِ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ أَوْ ارْتِفَاعِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ حُكْمُهَا مَنْسُوخٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: حُكْمُهَا ثَابِتٌ، فَمَنْ قَالَ: إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قَالَ: إنَّ الْيَمِينَ الْآنَ لَا تَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُ إنْ اُرْتِيبَ بِهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ رِيبَةٌ وَلَا فِي حَالِهِ خُلَّةٌ لَمْ يُحْتَجْ إلَى الْيَمِينِ، وَعَلَى هَذَا عَوَّلَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَنُخْبَتُهُمْ. وَقَدْ قَرَّرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ وَحَقَّقَهُ بِأَمْرِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق: 2]. وَ ﴿ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ [البقرة: 282]". (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/251).

في الأمر خلاف وبالقول الثاني يضح وجه عدم النسخ كما في قوله: "وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهَا ثَابِتَةٌ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَائِزَةٌ فِي السَّفَرِ؛ مِنْهُمْ أَحْمَدُ كَمَا تَقَدَّمَ يُجَوِّزُهَا فِي السَّفَرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ يَمِينٍ"، (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/251)، ويشهد لرأي أحمد سياق الآية: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [المائدة: 106 - 108] " ففي هذه الآية قيود واضحة:
﴿ أَوْ ءَاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ
﴿ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِى ٱلْأَرْضِ فَأَصَـٰبَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ
فهذان القيدان دالان على أن سياق تشريع الحكم غير عادي، ويشهد لذلك ما يحكى في سبب النزول في قصة الجام وتميم بن أوس الداري رضي الله عنه.

ومن هذه القيود المرجحة لمذهب الإمام أحمد:
﴿ ذَ ‌ٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُوا بِٱلشَّهَـٰدَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَا
﴿ أَوْ يَخَافُوا أَن تُرَدَّ أَيْمَـٰنٌ بَعْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ

فهذا يدل على ضعف البينات، والحاجة إلى الردع، وأن هذا حكم شرع للضرورة، فيعمل به فيها، ولا يتعدى به محلها.

7- "﴿ وَآتُوا حَقَّهُ الثَّالِثِ: أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ بِالزَّكَاةِ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/282).

وأي تعارض بينهما؟، إذا كان هناك تعارضا محتملا فهو بين هذه الآية، وحديث حلول الحول، ومحل بحث ذلك غير هذا، فليس بين الآيات تعارض حتى يقال إن بعضها ناسخ لبعض.

8- "وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ، وَادَّعَى أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مَنْسُوخٌ مِنْ الْآيَةِ خَاصَّةً. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْجُعْلِ، وَهِيَ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَلَيْسَ لَهُمْ فِيهِ تَعَلُّقٌ فِي مَذْهَبٍ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 3/66).

الغريب أنه رحمه الله لم يعلق على قولهم في نسخ الأخبار، ومن المعلوم أن الأخبار لا تنسخ، وأما الأوامر التي وردت بصيغة خبرية فتلك قضية أخرى ليس هذا منها في شيء.

9- "الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ هَذَا مِنْ الْمَغْفِرَةِ وَشَبَهُهُ مِنْ الصَّفْحِ وَالْإِعْرَاضِ مَنْسُوخٌ بِآيَاتِ الْقِتَالِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ"[98]. (ابن العربي، أحكام القرآن، 4/122).

تقدم ما فيه، وأزيده هنا بأن المغفرة صفة حميدة وصف بها المؤمنون، "وإذا ما غضبوا هم يغفرون"، فهل يقول أحد بنسخ الأوصاف الحميدة؟ اللهم لا.

10- "وَفِي كَيْفِيَّةِ رَدِّهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُخْرَجُ الْمَهْرُ وَالْخُمُسُ ثُمَّ تَقَعُ الْقِسْمَةُ، وَهَذَا مَنْسُوخٌ إنْ صَحَّ. الثَّانِي: أَنَّهُ يُخْرَجُ مِنْ الْخُمُسِ، وَهُوَ أَيْضًا مَنْسُوخٌ، وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 4/233).

تكرر منه مرات مثل هذا المعنى "منسوخ إن صح"، فلا ينبغي أن ندخل في جدلية النسخ أو عدمه حتى نتأكد من الصحة أولا.

11- "الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ هَذَا الْحَدِيثُ سَتَرَوْنَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَفْسِيرَهُ فِي مُخْتَصَرِ النَّيِّرَيْنِ، وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ هَهُنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالْغُلَامَ صَبَرَا عَلَى الْعَذَابِ مِنْ الْقَتْلِ، وَالصَّلْبِ، وَإِلْقَاءِ النَّفْسِ فِي النَّارِ، دُونَ الْإِيمَانِ. وَهَذَا مَنْسُوخٌ عِنْدَنَا حَسْبَمَا تَقَرَّرَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ[99]". (ابن العربي، أحكام القرآن، 4/374).

ليس بمنسوخ وليس من شأن الأخبار أن تنسخ، وليس في الآية ما يشير إلى نسخ، بل ما زال من شاء أن يموت معتصما بدينه مُقَرًّا على ذلك، ولو لم يكن الأمر كذلك لما قتل خبيب، وقد قال:
وقد خيروني الكفر والموت دونه
وقد هملت عيناي من غير مجزع[100]




ولَمَا قُتل حبيب بن زيد رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب الذي قطعه إربا إربا، وقد كان يسأله أتشهد أني رسول الله فيقول إني أصم "لا أسمع[101]".

12- "...فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ: أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ. [قُلْت: قَدْ رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ مَشْرِقِيَّةٍ فِي الْإِسْكَنْدَرِيَّة: أَفْلَحَ وَاَللَّه إنْ صَدَقَ، وَيُمْكِنُ] أَنْ يَتَصَحَّفَ قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ بِقَوْلِهِ: وَأَبِيهِ. جَوَابٌ آخَرُ بِأَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: «إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ»". (ابن العربي، أحكام القرآن، 4/397).

أولا: اختلفت النسخ في هذا ففي إحداها والله، وهي ترفع الإشكال.

ثانيا: يمكن الجمع بينهما بأن الحلف إنما ورد النهي عنه على سبيل التنزيه، أو اعتقاد النفع فيه، لا على سبيل الحرمة، فلا داعي للقول بالنسخ إذن، وليس هذا الأمر من القرآن في شيء، إنما هو من النسخ في السنة، ومحله كتب الحديث، وليس كتب التفسير.

خاتمة:
وبعد فمما تقدم يضح أن جهود الأصوليين في تدقيق المصطلحات، وضبط التعامل مع النصوص الشرعية، ما زالت تحتاج مزيدا من التنقيح ليس في ذات تلك الجهود فقط (وإن كان كل عمل بشري يحتاج مزيدا من التنقيح والتشذيب ومُعَرَّضا للخلل) وإنما لأدوات تطبيقها، فقد دخل هذا المصطلح –وخاصة في كتاب الله تعالى الذي هو أصل كل الأصول- على خطورته، وما يمثله من تأثير في التشريع الإسلامي مستوى عال من غياب التدقيق؛ ويرجع ذلك –من خلال الأمثلة أعلاه- إلى سببين:

الأول: عدم التقيد بشروط النسخ: كالقول بالنسخ مع إمكان الجمع، أو مع إمكان الترجيح، أو دون تدقيق تاريخ النصين الناسخ والمنسوخ، أو مع تقدم نزول الناسخ على المنسوخ.

الثاني: المزج بين لفظ النسخ عند السلف -الذي هو أقرب للغة منه للاصطلاح-، ومصطلح الخلف التخصصي؛ حيث ثبت بالاستقراء أن السلف يطلقون النسخ على التخصيص، والاستثناء، والبيان بعد الإجمال... إلى غير ذلك من المعاني[102].

بينما اتجه الخلف وخاصة الأصوليون إلى ضبط المصطلح وقصره على بعض معانيه، وهو "رفع حكم شرعي متقدم بحكم شرعي متأخر عنه، بدليل مساو لدليل الأصل أو أقوى منه"، على خلاف بينهم في بعض هذه التفاصيل والشروط.

ورتب الأصوليون على النسخ بهذا المعنى أحكاما كثيرة لا تلزم في حال اعتبار النسخ بالمعنى الأول.

ومن أمثلة تبني ابن العربي لمذهب المتأخرين في النسخ قوله: "زعم بعضهم فيها زعما ليس بمزعم، قال في قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ [محمد: 36، 37]، أن قوله تعالى: ﴿ فَيُحْفِكُمْ نسخ قوله: ﴿ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وسبحان المقدر بسطر مثل هذا الهوس، ولولا أنه دون وقريء وأقريء ما لفتنا إليه قلبا، ومن بلغ بسطر مثل هذا الهوس، ولولا أنه دون وقريء وأقريء ما لفتنا إليه قلبا، ومن بلغ به البله إلى أن يعتقد أن سبب الحكم علة لنسخ الحكم، فأي موضع فيه للكلام"[103]، فواضح أن المنسوب إليه القول أراد التعليل، أن ﴿ فَيُحْفِكُمْ بينت علة النهي، فسمى ذلك نسخا على عادتهم في ذلك، فظنه ابن العربي رحمه الله من النسخ بمعناه الاصطلاحي فشنع عليه.

ويقابله عنده ما وقع له في سورة البقرة حين جعل الأمر اختلافا في التعبير واسعا، فقال: "وقد قال بعض الناس: إن هذا ‌ناسخ ‌للأمر ‌بالإشهاد، وتابعهم جماعة؛ ولا منازعة عندنا في ذلك، بل هو جائز[104]، وحبذا الموافقة في المذهب، ولا نبالي من الاختلاف في الدليل"[105].

وحين يضح أن إماما مثل ابن العربي بقيت عنده رواسب للمعنى الأول للنسخ، وقد حرر معناه وتبنى الاصطلاحي منه، فالأمر يحتاج بحثا وتنقيبا في كتب تراثنا، وتوقفا أمام كثير من كتب التراث، لمعرفة المواقع التي لم يُلتزَمْ فيها بالاصطلاح، حتى لا ينقل منها المجتزئون نقلا غير صحيح، أو يضيفون إلى الصواب الكثير فيها الخطأ القليل فيقع التعميم.

والله الموفق. وصلى الله على محمد وسلم



قائمة المراجع:
القرآن الكريم
أ‌- الحديث الشريف:
1- البخاري، الجامع الصحيح، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، ط: 1، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، 1422.

2- مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، ط: دار إحياء التراث العربي – بيروت.

ب‌- التفسير وعلوم القرآن:
1- ابن العربي، الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، ط: دار الكتب العلمية، بيروت، 2001.

2- ابن العربي، أحكام القرآن، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا، ط: 3، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 2003.

3- السيوطي، الإتقان، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1974.

4- الطبري، جامع البيان، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ط: 1، مؤسسة الرسالة، 2000.

ج‌- أصول الفقه:
1- ابن العربي، المحصول في أصول الفقه، تحقيق: حسين علي اليدري - سعيد فودة، ط: 1، دار البيارق – عمان، 1999.

2- الشاطبي، الموافقات، تحقيق: أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، ط: 1، دار ابن عفان، 1997.

د‌- السيرة:
ابن هشام، السيرة، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، ط: 2، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1955.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 23-01-2022, 07:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: النسخ في القرآن عند ابن العربي


[1] وبالمناسبة، ليس وحده في ذلك، فقد وقع الشوكاني، وهو من هو علما وفهما واجتهادا، وهو متأخر عنه، ولا شك استفاد منه ومن غيره من العلماء، في نفس هذا الخلط في فتح القدير، ولم يشفع له تميزه الأصولي، وقوة طرحه، حتى نقل في عدد من المواضع النسخ، وهو على المعنى الأول، اللغوي، لا على المعنى الاصطلاحي الذي نبه عليه الأصوليون وتبنوه، (ثبت ذلك لي من خلال دراسة قمت بها على الكتاب ضمن بحث علمي لم ينشر بعد).

[2] وقد قال عنه السيوطي في الإتقان: "ما نسخ حكمه دون تلاوته وهذا الضرب هو الذي فيه الكتب المؤلفة وهو على الحقيقة قليل جدا وإن أكثر الناس من تعداد الآيات فيه فإن المحققين منهم كالقاضي أبي بكر بن العربي بين ذلك وأتقنه"، وقال في موضع آخر: "وقسم هو من قسم المخصوص لا من قسم المنسوخ وقد اعتنى ابن العربي بتحريره فأجاد كقوله: ﴿ إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا ﴾ ﴿ والشعراء يتبعهم الغاوون ﴾ ﴿ إلا الذين آمنوا ﴾ ﴿ فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ﴾ وغير ذلك من الآيات التي خصت باستثناء أو غاية وقد أخطأ من أدخلها في المنسوخ. ومنه قوله: ﴿ ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ﴾ قيل إنه نسخ بقوله: ﴿ والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ﴾ وإنما هو مخصوص به. وقسم رفع ما كان عليه الأمر في الجاهلية أو في شرائع من قبلنا أو في أول الإسلام ولم ينزل في القرآن كإبطال نكاح نساء الآباء ومشروعية القصاص والدية وحصر الطلاق في الثلاث وهذا إدخاله في قسم الناسخ قريب ولكن عدم إدخاله أقرب وهو الذي رجحه مكي وغيره ووجهوه بأن ذلك لو عد في الناسخ لعد جميع القرآن منه إذ كله أو أكثره رافع لما كان عليه الكفار وأهل الكتاب قالوا وإنما حق الناسخ والمنسوخ أن تكون آية نسخت آية انتهى. نعم النوع الأخير منه وهو رافع ما كان في أول الإسلام إدخاله أوجه من القسمين قبله"، الإتقان، 3/71-72، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1974. فهذا يدل على مكانة الإمام ابن العربي في هذا الفن عند جلال الدين السيوطي، وإنما اخترت هذا الكلام لأن السيوطي أورده بعد أن حرر القول في النسخ بعض التحرير، ليتبين مدى حاجة الموضوع إلى تحرير وتدقيق.

3- ابن العربي، الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، 2/1، ت: د. عبد الكبير العلوي المدغري، ط: مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة مصر.

4- ابن العربي، أحكام القرآن، 2/113، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا، ط: 3، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 2003.

[5] ابن العربي، الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، 2/1، م س.

[6] ابن العربي، الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، 2/1، م س.

[7] الشوكاني؛ إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، 2/55، ت: الشيخ أحمد عزو، ط: 1، دار الكتاب العربي، دمشق، 1999.

[8] ابن العربي، المحصول، ص: 145، ت: حسين علي اليدري - سعيد فودة، ط: 1، دار البيارق، عمان، 1999.

[9] ابن العربي، الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، 2/1، م س.

[10] ابن العربي، أحكام القرآن، 1/457، م س.

[11] الطبري، جامع البيان عن تأويل القرآن، 14/42، تحقيق شاكر، ط: 1، مؤسسة الرسالة، 2000

[12] ابن العربي، أحكام القرآن، 1/516، م س.

[13] ابن العربي، الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، 2/1، م س.

[14] ابن العربي، المحصول، ص: 146، م س.

[15] ابن العربي، أحكام القرآن، 2/113، م س.

[16] ابن العربي، المحصول، ص: 148، م س.

[17] ابن العربي، المحصول، ص: 146، م س.

[18] ابن العربي، الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، 2/1، م س.

[19] هنا جعلها أربعة، وقد جعلها في موضع آخر ستة، ويمكن الجمع بينهما بأن الأربعة قريبة من المتفق عليه، بينما الذيْن زاد بهما العدد وهما الثالث والخامس عنده يمكن الاستغناء عنهما.

[20] ابن العربي، أحكام القرآن، 2/137، م س.

[21] ابن العربي، أحكام القرآن، 1/471، م س.

[22] وقفت على بعض الدراسات التي تناولت ابن العربي، ومنهجه في التفسير، فلم أقف فيها على الاهتمام بهذا الموضوع (أعني الاختلال المنهجي بين قواعد النسخ النظرية، وتطبيقاتها العملية) فكان التنبيه على هذا الاختلال وتقديم النماذج العملية عليه من إضافة هذا البحث.

[23] اعتمدت في هذا الاستقراء التبويب بالمصطلحات بدل المواضيع، لكون الصيغ أكثر إبعادا عن تكرار الألفاظ من المواضيع؛ وإن كنت حاولت ألَّا أكرر ما ورد مثيله في صيغة وردت قبل إلا لضرورة معنوية.

[24] عجبا له فقد رجح في حديثه عن الوصية أنها منسوخة بشكل كلي، كما في قوله: "وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ؛ وَاخْتَلَفُوا فِي نَسْخِهَا؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: نُسِخَ جَمِيعُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: نُسِخَ بَعْضُهَا، وَهِيَ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ؛ وَالصَّحِيحُ نَسْخُهَا" (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/102)

[25] اضطرب كلام ابن العربي حول هذه الآية فخالف هذا قولُه بعد: "وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَدٌّ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ: زَادَ ابْنُ زَيْدٍ أَنَّهُمْ مُنِعُوا مِنْ النِّكَاحِ حَتَّى يَمُوتُوا يَعْنِي عُقُوبَةً لَهُمْ حَيْثُ طَلَبُوا النِّكَاحَ مِنْ غَيْرِ وَجْهِهِ. ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْحَدِّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ﴾ [النور: 2] فَمَنْ كَانَ مُحْصَنًا رُجِمَ، وَمَنْ كَانَ بِكْرًا جُلِدَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ حَدٌّ جَعَلَهُ اللَّهُ عُقُوبَةً مَمْدُودَةً إلَى غَايَةِ مُؤْذَنَةٍ بِأُخْرَى هِيَ النِّهَايَةُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ حَدٌّ، لِأَنَّهُ إيذَاءٌ، وَإِيلَامٌ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ أَشَدُّ مِنْ الْجِلْدِ، وَكُلُّ إيذَاءٍ وَإِيلَامٍ حَدٌّ، لِأَنَّهُ مَنْعٌ وَزَجْرٌ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ مَمْدُودٌ إلَى غَايَةٍ إبْطَالًا لِقَوْلِ مَنْ رَأَى مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّهُ نُسِخَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/461)، فهو هنا نفى الإجماع الذي أثبته أعلاه. كما خالف فيها في قوله: "اختلف الناس فيه هل هو ناسخ أو لا. والصحيح أنه ناسخ لأن شروط النسخ متوفرة فيه"، (ابن العربي، الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، ص: 11، ط: دار الكتب العلمية، بيروت، 2001)، وقال في نفس الكتاب: "قوله تعالى: ﴿ واللذان يأتيانها ﴾ نسخت ﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾، ثم نسخ ذلك بالجلد والرجم"، وقال أيضا: "الآية الأولى منسوخة بحديث عبادة والثانية منسوخة بآية النور". (ابن العربي، الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، ص: 89). ثم قال: "وقد قال بعضهم إن الحكم الذي كان للزناة كان ممدوما إلى غاية ثباته، فإن قيل هذا حكم كل منسوخ بأن يمتد إلى غاية ثم يبين انقطاعه، قلنا هذا الذي ذكرتموه في حكم كل منسوخ مستفاد من الدليل، وهذا الحكم في هذه الآية مستفاد من اللفظ". (ابن العربي، الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، ص: 89). فليس في الآية إجماع لا على النسخ ولا على عدمه، ولا مبرر موضوعي لهذا التناقض الصريح!! والله يرحم شيخنا وإمامنا ابن العربي ويغفر له.

[26] يعني "واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا".

[27] قال ابن العربي: "الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ الْجَلْدَ بِالْآيَةِ وَالرَّجْمَ بِالْحَدِيثِ نَسَخَ هَذَا الْإِيذَاءَ فِي الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَمْدُودًا إلَى غَايَةٍ، وَقَدْ حَصَلَ التَّعَارُضُ؛ وَعُلِمَ التَّارِيخُ، وَلَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ، فَوَجَبَ الْقَضَاءُ بِالنَّسْخِ؛ وَأَمَّا الْجَلْدُ فَقُرْآنٌ نَسَخَ قُرْآنًا، وَأَمَّا الرَّجْمُ فَخَبَرٌ مُتَوَاتِرٌ نَسَخَ قُرْآنًا، وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُحَقِّقِينَ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَأَوْعَبْنَا الْقَوْلَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي قَبْلَ هَذَا فِيهِ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/465). وقد تعقب هو كلامه هذا في الناسخ والمنسوخ له فنفى قرآنية آية الرجم فقال: "قد بينا أن القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد في ذاته، ولا يثبت به غيره فلا وجه للتعلق به إذ طريق القرآن النقل المتواتر" (ابن العربي، الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، ص: 90). وإن كان قد عبر عنه تعبيرا يوحي باعتباره قرآنا في رأيه في المحصول، فقال: "ويعضد ذَلِك مَا أَجمعت عَلَيْهِ الْأمة من أَنه كَانَ قُرْآنًا يُتْلَى الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَانيا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّة نكالا من الله وَالله عَزِيز حَكِيم فقد نسخ هَذَا اللَّفْظ كُله إِجْمَاعًا ويقي حكمه إِجْمَاعًا" (ابن العربي، المحصول في أصول الفقه، ص: 157، تحقيق: حسين علي اليدري - سعيد فودة، ط: 1، دار البيارق – عمان، 1999).

[28] وهي: "وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله".

[29] تقدم ما فيه.

[30] الصواب بل هو باطل، وتجاوز للحد في القول بالنسخ مع عدم توفر شروطه، ومع إمكان الجمع بين الناسخ والمنسوخ.

[31] وهي: "قَوْله تَعَالَى: ﴿ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾ [النساء: 19] وَفِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: قِيلَ: الْفَاحِشَةُ الزِّنَا. الثَّانِي: قِيلَ: النُّشُوزُ. الثَّالِثُ: قَالَ عَطَاءٌ: كَانَ الرَّجُلُ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ إذَا زَنَتْ امْرَأَتُهُ أَخَذَ جَمِيعَ مَالِهَا الَّذِي سَاقَهُ لَهَا، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ بِالْحُدُودِ. الرَّابِعُ: قِيلَ: إنَّهُ كَانَ فِي الزِّنَا ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ، قِيلَ لَهُمْ: ﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾ [الإسراء: 32] الْآيَةَ، ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ: ﴿ وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ ﴾ [النساء: 15] فَجَازَ لَهُ عَضْلُهَا عَنْ حَقِّهَا وَأَخْذُ مَالِهَا. ثُمَّ نَزَلَتْ: ﴿ وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا ﴾ [النساء: 16] فَهَذَا الْبِكْرَان" (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/467).

[32] ليس هذا المعنى من النسخ الذي يتحدث عنه الأصوليون في شيء، وسنورد كلامه عليه في النقطة التي بعد هذه.

[33] كيف يتركب هذا الكلام، فلا يوصف الشيء بوصف وفي التحقيق يوصف به؟؟؟

[34] الطبري، جامع البيان، 20/299-300، م س.

[35] "وهو قول قتادة قال: لما اخترن الله ورسوله شكرهن الله على ذلك فقال (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن) فقصره الله عليهن، وهن التسع اللاتي اخترن الله ورسوله"، الطبري، جامع البيان، 20/299-300، م س.

[36] لم يشرع رفض النساء بشرع سماوي أصلا حتى يرفع، وإنما كان مما ابتدعه الرهبان، مما سكت عنه الدين، فكيف يسمى شرعا حتى ينسخ أو لا ينسخ؟.

[37] ما دام التاريخ مجهولا، والجمع ممكنا فلا داعي للقول بنسخ لا يسنده دليل، فالمستنفر عليه أن ينفرر خفيفا كان أو ثقيلا، والمكلف بمهمة عليه أن يؤديها مهما كانت.

[38] ويرد عليه ما ورد على الجزئية قبله، فقد رد ذلك القول لعدم معرفة التاريخ، والأولى أن ينسخ الطارئ القديم لا العكس.

[39] الاستنفار العام الذي لا يبقي أحدا لم يقع قط، وإلا ففي كل غزوة مكلفون بمهام مستثونون من الاستنفار، كما في علي في تبوك.

[40] الآية المشار إليها قوله تعالى: "ومما رزقناهم ينفقون" في البقرة الآية: 2. فانظر كيف جعل بعضهم الوصف الذي رتب عليه المدح مسنوخا؟!، وكيف يستقيم الكلام إذا قلنا إن أحد الأوصاف التي علق بها المدح منسوخا؟

[41] لم تنسخ الزكاة كل صدقة، بل بقيت في المال صدقات غير الزكاة واجبة لازمة كما في ما تؤديه العاقلة عن الجاني المخطئ، وكما في ما يؤديه الغني للفقير المحتاج الذي لم يجد مطعما، وكما في حق ابن السبيل إذا لم يجد حقا، وكما في ما كان يطلبه النبي صلى الله عليه وسلم من نفقات غير الزكاة للحقوق المختلفة كالجهاد وغيره... فما تعين من هذه على المرء فهو واجب وهو غير الزكاة، فكيف تصح هذه الدعوى.
وكذلك الشأن في الصلاة فصلوات الكفاية –كالعيدين- مفروضة على المجموع وإن لم تكن لازمة للأعيان، فلا يصح تركها، وكذا الجمعة ليست معدودة في ما عده الأعرابي وهي لا زمة لكل مقيم بالغ، وكذا الخسوف والكسوف لا يجوز التواطؤ على تركهما جملة، وإن لم يلزما الأعيان.
وقد قال السيوطي في هذا وأحسن: "والذي أقوله: أن الذي أورده المكثرون أقسام قسم ليس من النسخ في شيء ولا من التخصيص ولا له بهما علاقة بوجه من الوجوه وذلك مثل قوله تعالى: ﴿ ومما رزقناهم ينفقون ﴾ و ﴿ أنفقوا مما رزقناكم ﴾ ونحو ذلك قالوا: إنه منسوخ بآية الزكاة وليس كذلك بل هو باق أما الأولى فإنها خبر في معرض الثناء عليهم بالإنفاق وذلك يصلح أن يفسر بالزكاة وبالإنفاق على الأهل وبالإنفاق في الأمور المندوبة كالإعانة والإضافة وليس في الآية ما يدل على أنها نفقة واجبة غير الزكاة والآية الثانية يصلح حملها على الزكاة وقد فسرت بذلك" (السيوطي، الإتقان، 3/71، م س).
ويمكن العدول عن ادعاء النسخ في كل هذه الأمور بحمل المطلقات منها على التطوع، فالتطوع فيها مفتوح الباب، وحمل المعينات فيها على الفرائض.

[42] إذا كان يقصد نسخ السجود لآدم، فلا يصح هذا لأمرين:
الأول: أن السجود لآدم أمر لمعينين قد نفذوه وانتهى، سواء كان على وجه الانحناء، أو على وجه جعله قبلة.
والثاني: أنه صدر الكلام بقوله: "اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ لِآدَمَ لَمْ يَكُنْ سُجُودَ عِبَادَةٍ"، فلم يثبت سجود العبادة له حتى ينسخ.
وإذا كان يقصد تحية الأعاجم بعضهم لبعض فلم يثبت كونها في الشرع حتى تنسخ، وإنما ينسخ ما ثبت شرعه.
ونفيه لمقصد التعظيم في السجود محل نظر، فإن لم يكن فيه تعظيم وتفضيل فلم يرفضه إبليس ويحتج بقوله: ﴿ أنا خير منه ﴾؟

[43] إذن فا الأقوال ثلاثة:
أولا: أنها محكمة.
الثاني: أنها منسوخة البعض محكمة البعض.
الثالث: أنها منسوخة الكل.
والأولى أن يقال: إن الآية محكمة لكنها خصصت في بعض عناصرها: "فأخرج منها كل وراث، والدا كان أو غيره، وبقي الوجوب في من عليه حقوق والندب فيما سوى ذلك.
وقد خالف في هذا الأمر في نفس هذا الكتاب، "الْخَامِسُ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ كَانَتْ مَشْرُوعَةً ثُمَّ نُسِخَتْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، فَلَمَّا ضَعَّفَهَا النَّسْخُ قَوِيَتْ بِتَقْدِيمِ الذِّكْرِ" ابن العربي، أحكام القرآن، 1/445)

[44] في الأمر خلاف كبير، فقد أورد فيه ابن جرير الطبري: " قال ابن شهاب: كتب الله الصيام علينا، فكان من شاء افتدى ممن يطيق الصيام من صحيح أو مريض أو مسافر، ولم يكن عليه غير ذلك. فلما أوجب الله على من شهد الشهر الصيام، فمن كان صحيحا يطيقه وضع عنه الفدية، وكان من كان على سفر أو كان مريضا فعدة من أيام أخر. قال: وبقيت الفدية التي كانت تقبل قبل ذلك للكبير الذي لا يطيق الصيام، والذي يعرض له العطش أو العلة التي لا يستطيع معها الصيام" (الطبري، جامع البيان، 2/422، م س)، وقال في موضع آخر: " وقال آخرون ممن قرأ ذلك:"وعلى الذين يطيقونه"، لم ينسخ ذلك ولا شيء منه، وهو حكم مثبت من لدن نزلت هذه الآية إلى قيام الساعة، وقالوا: إنما تأويل ذلك: وعلى الذين يطيقونه - في حال شبابهم وحداثتهم، وفي حال صحتهم وقوتهم - إذا مرضوا وكبروا فعجزوا من الكبر عن الصوم، فدية طعام مسكين = لا أن القوم كان رخص لهم في الإفطار - وهم على الصوم قادرون - إذا افتدوا"، (الطبري، جامع البيان، 2/427، م، س)، وقد أحسن السيوطي تلخيص ذلك بقوله: "قوله تعالى: ﴿ وعلى الذين يطيقونه فدية ﴾ قيل: منسوخة بقوله: ﴿ فمن شهد منكم الشهر فليصمه ﴾ وقيل: محكمة و" لا " مقدرة" (السيوطي، الإتقان، 3/73، م س)، لذلك فقول ابن العربي: وتحقيق القول" قول له مستوى كبير من الوجاهة، وإن كنا لا نوافقه فيما اختار.

[45] الذي في الطبري عن ابن عباس: "الرفث، الجماع، ولكن الله كريم يكني"، (3/487، م س)، ولعل ما في ابن العربي خطأ مطبعي.

[46] قال الطبري: "وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: معنى الآية: يا أيها الذين آمنوا فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم من أهل الكتاب، "أياما معدودات"، وهي شهر رمضان كله. لأن من بعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان مأمورا باتباع إبراهيم، وذلك أن الله جل ثناؤه كان جعله للناس إماما، وقد أخبرنا الله عز وجل أن دينه كان الحنيفية المسلمة، فأمر نبينا صلى الله عليه وسلم بمثل الذي أمر به من قبله من الأنبياء. وأما التشبيه، فإنما وقع على الوقت. وذلك أن من كان قبلنا إنما كان فرض عليهم شهر رمضان، مثل الذي فرض علينا سواء"، (الطبري، جامع البيان، 3/413، م، س)، فهو هنا يخالف ما رآه ابن العربي، وذلك لأن صوم أهل الكتاب على ذلك الشكل لم يثبت به ما تقوم الحجة بصحته.

[47] السيوطي، الإتقان، 3/73، م، س.

[48] يستحيل نسخ الخبر. ومثل هذا لا ينسخ، وكيف يتصور أن يفترض نسخ ما لم تثبت صحته؟

[49] البخاري، الجامع الصحيح، 3/142، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، ط: 1، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، 1422.

[50] القول بالنسخ في مثل هذا سبب إشكالا كبيرا، فليس في هذا دليلا على المعتزلة، بل غاية ما في الأمر أن الله تعالى لم يوجب علينا الصدقة بين يدي النجوى رحمة منه بنا، وتحبيبا منه إيانا في نبينا صلى الله عليه وسلم فلو كنا نتصدق قبل كل حديث معه، لقل الحديث إليه عليه الصلاة والسلام، ولقلت نجواه، ولعل في هذه الآيات تنبيها على احترام مقام النبوة، ونهيا عن إعنات النبي صلى الله عليه وسلم بالنجوى التي لا مصحلة راجحة من ورائها.

[51] دعوى المعتزلة وجوب فعل الأصلح على الله، وأما من يقول بالمقاصد، فيرى أن الله اختار للناس الأصلح، فضلا منه، لا أن ذلك مما يلزمه جل وعلا عن كل إكراه وإلزام.

[52] فيه الاستدلال على النسخ بحديث ضعيف لنصرة المذهب!، والمذهب الذي يحاول ابن العربي نصرته مذهب كلامي أكثر من كونه مذهبا فقهيا، وقد ألجأ القائلين به إليه الخوف من موافقة الفلاسفة في القول بالعلة الباعثة على الأفعال؛ لأن تصويرهم لها أنها قبل التحقق يكون الفاعل ناقصا فإذا تحقق مقصوده كمل بذلك، وكان ذلك أيضا هروبا من رأي المعتزلة الذي يفرض على الله الأصلح. وليس تعليلُ الأحكام ولا ربطُها بمصالحها بمستلزم أيا من المذهبين، ولو أخذنا كتب المسلمين قبل علم الكلام لوجدناها تُقِرُّ به، ولو ذهبنا إلى أبرز المتكلمين وأشهرهم وهو الإمام الرازي لوجدناه يقر بتعليل الأحكام وربطها بمصالحها، أما بروز نجم الجويني، والغزالي، والشاطبي، وابن تيمية وابن القيم، والعز بن عبد السلام، والقرافي، وغيرهم في هذا المجال فأمر غني عن التأكيد. ويكفينا من هذا إبراز عنوان كتاب واحد لابن القيم هو: "شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل"، ولا تعني الحكمة والتعليل هنا شيئا غير ما نفاه ابن العربي هنا. وفكرة مقاصد الشريعة كلها مناقضة لهذا التصور الذي أثبت الريسوني في كتابه "نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي" أن الجمهور من أهل السنة معه، ولا يعارضه منهم إلا أهل الظاهر فقط.

[53] أين توجد هذه المعلومة في كتب الحديث والتاريخ؟

[54] تقدم ما فيه من تناقض وسيأتي الرد عليه بعد قليل.

[55] ليس هذا من النسخ في شيء، وإنما كان على البراءة الأصلية، فورد حكمه، وإلا فأي نص رفع بالنص المتأخر؟ وقد رد هو نفسه على دعواه هذه بقوله: "وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ نَسْخًا؛ لِعَدَمِ شُرُوطِ النَّسْخِ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ مَا جَاءَ مِنْ الشَّرِيعَةِ لَا يُقَالُ إنَّهُ نَسْخٌ لِبَاطِلِ الْخَلْقِ، وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْمُحَالِ وَالضَّلَالِ، وَقَبِيحِ الْأَفْعَالِ، وَمُسْتَرْسَلِ الْأَعْمَالِ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ نَسْخَ الِاشْتِقَاقِ، بِمَعْنَى الرَّفْعِ الْمُطْلَقِ، وَالْإِزَالَةِ الْمُبْهَمَةِ" (ابن العربي، أحكام القرآن، 3/540).

[56] السيوطي، الإتقان، 3/72، م س.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 23-01-2022, 07:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: النسخ في القرآن عند ابن العربي

[57] ومن الطريف فيها أن السيوطي وهو من هو قال إن: "قوله تعالى: ﴿ أو آخران من غيركم ﴾ منسوخ بقوله: ﴿ وأشهدوا ذوي عدل منكم ﴾"! (الإتقان، 3/75، م س) ومعلوم عنده وعند غيره أن سورة الطلاق سابقة زمانيا على سورة المائدة! فسبحان من لا تأخذه سنة ولا نوم.
ويشبه هذه الغفلة منه رحمه الله ما أورده عن التوبة من قوله: "قوله تعالى: ﴿ انفروا خفافا وثقالا ﴾ منسوخة بآيات العذر وهو قوله: ﴿ ليس على الأعمى حرج ﴾ الآية!!" (المصدر السابق)، ورغم أنه أورد آيات أخر من السورة قال إنها ناسخة للآية، فلا يشفع له ذلك؛ لأن سورة الفتح وسورة النور، وكلاهما ورد فيها هذا اللفظ سابقتان في النزول على سورة التوبة، وكان الأولى به أن يقول رحمه الله: إن الإطلاق مقيد بالاستطاعة، ومستثنى منه من استثناهم الله تعالى فينسجم الكلام، ويخرج من دعوى النسخ التي عقد هذا الفصل لتحقيق الزائف فيها من غيره.

[58] (ابن العربي، الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، ص: 120).

[59] يحتاج النسخ هنا تحديد معناه، فلم يثبت لهذه الأمة تحريم شيء من ذلك حتى ينسخ، وإنما قص منه ما قص في إطار الحديث عن الآخرين، "حرمنا عليهم" فلا يتعداهم إلى غيرهم حتى يقال فيه بنسخ أو غيره.

[60] كيف يصح هذا فاليهود الخاضعون لشريعة موسى يلزمهم ما في شريعة موسى، ولو رضوا به ونفذوه كله لاتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم فحل عليهم ما حرم عليهم، كما حل لمن اتبع عيسى منهم ما حرم عليه، أما وقد رفضوا التطبيق فما زالوا متمسكين بدينهم الذي كانوا عليه وبالتالي فهو صلى الله عليه وسلم لم يخصهم بشيء ولم يحل لأحد منهم شيئا ما لم يتبع دينه، وحين يتبعه فقد أصبح مسلما له ما للمسلمين وعليه ما عليهم.

[61] كيف ينسخ ما لم يثبت في شرعنا أصلا؟، أما إذا كان المقصود تلبيب المجتهد قبل بيان وجه اجتهاده، فقد وقع منه لعمر مع هشام ابن حكيم بن حزام، (في قراءة سورة الفرقان) وأبي هريرة (في بشارة الموحد بالجنة) وأبي موسى (في التهديد على القول بالرجوع بعد الاستئذان ثلاثا إذا لم يأت على ذلك ببينة)... ما ينفي نسخه، بل يجعله مما سكت عنه الشارع، ولم يذكر فيه قصاصا إذ يقع غالبا بين مجتهدين يطلبون الحق.

[62] كيف ينسخ حكم لم يجزم بوجهه؟ ثم إنه قد أريد به ما صرح به في قوله تعالى: "ودع أذاهم"، فليس ذلك من ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمر إلزام بالمعاقبة عليه، ولا بالجهاد فيه، فلم يزالوا يؤذونه ويصبر حتى لحق بالرفيق الأعلى.

[63] فيه تسارع بعض أهل العلم للقول بالنسخ بلا بينة، ولعل عذرهم فيه أنه كان يطلق على معاني مختلفة غير ما استقر عليه معناه عند الأصوليين. وكان الأولى بابن العربي الرد عليهم من حيث الاصطلاح، بدل الرد باختلاف الوجه، ولعل من هذا ما أشار إليه في قوله: "الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إذَا سَرَقَ السَّارِقُ وَجَبَ الْقَطْعُ عَلَيْهِ وَرَدُّ الْعَيْنِ؛ فَإِنْ تَلِفَتْ فَعَلَيْهِ مَعَ الْقَطْعِ الْقِيمَةُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْغُرْمُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ فِي الْحَالَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجْتَمِعُ الْقَطْعُ مَعَ الْغُرْمِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ ﴾ [المائدة: 38] وَلَمْ يَذْكُرْ غُرْمًا، وَالزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ، وَهِيَ نَسْخٌ، وَنَسْخُ الْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ، أَوْ بِخَبَرٍ مُتَوَاتِرٍ، وَأَمَّا بِنَظَرٍ فَلَا يَجُوزُ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ؛ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْأُصُولِ فَلْيُنْظَرْ هُنَاكَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ﴾ [الأنفال: 41] مُطْلَقًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُعْطَى لِذَوِي الْقُرْبَى إلَّا أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ؛ فَزَادَ عَلَى النَّصِّ بِغَيْرِ نَصٍّ مِثْلِهِ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ خَبَرٍ مُتَوَاتِرٍ. وَأَمَّا عُلَمَاءُ الشَّافِعِيَّةِ فَعَوَّلُوا عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ وَالْغُرْمَ حَقَّانِ لِمُسْتَحِقَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَلَا يُسْقِطُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، كَالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ. وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَيْسَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ قَوِيٌّ، وَنَازَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إذَا أُقِيمَ عَلَى السَّارِقِ الْحَدُّ فَلَا ضَمَانَ». وَهَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ". (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/113)، فقد أشار إلى رده رأي الأحناف بأن الزيادة على النص نسخ، وهو اصطلاح، فكان الأولى أن يقرر اصطلاحه، وينبه على اصطلاحات الآخرين، ويردها، لأنها غير داخلة في اصطلاحه –وهو اصطلاح الجمهور- أو يقبلها مع بيان خروجها عن مصطلحه، أما أن يحرر المصطلح، وتبقى بعض الألفاظ الخارجة عنه منتشرة في نصوص المؤلف دون بيان فذلك مما يسبب للقارئين الارتباك.
كما كان جديرا به أن ينبه على عدم اشتراط التواتر في النسخ، لأنه رأي نسبه كثيرون للجمهور، وإن كان الشافعي وعدد من المحققين لا يرونه.

[64] ما الدليل على طول المدة، وكيف عرف ذلك؟ على كل حال لا تعارض بين الآيتين حتى يصار إلى النسخ، فيمكن أن تكون الآية الأولى بمعنى الخبر عن قدر الله في نصر أوليائه الصابرين، وتكون الثانية لبيان الخطاب الشرعي، ففي حال الصبر يستعينون بالقدَر، وفي حال العجز لا أقل من المثلين...

[65] فتح مكة ليس دليلا حتى ينسخ أو يُحْكِمَ، والسنة الآحادية غير المتواترة قد لا تنسخ القرآن، ومع ذلك فالآيات يمكن الجمع بينها؛ حيث إن غير المهاجرين من المؤمنين الذين لم يخرجوا من دار الحرب لا ولاية سياسية لهم حتى يخرجوا منها، فتمكن بذلك حمايتهم، ما لم يتعرضوا لاضطهاد ديني، فيجب الوقوف معهم، أما اضطهادهم الدنيوي فلا يمكن نصرتهم فيه لا عقلا ولا شرعا ما لم يهاجروا ويكونوا في مكان يمكن للمسلمين حمايتهم فيه والدفاع عنهم منه.
وقد يتجدد مضمون هذه الآية مع المسلمين الأقليات في هذا العصر، فإذا قررت أقلية من الأقليات في العالم الإسلامي صناعة أزمة مع الدولة التي هي فيها، فما الموقف الواجب شرعا والممكن واقعا، هل هو قتال الدولة التي وقعت المشكلة معها، وقد ربطتها اتفاقات مع الدول الإسلامية؟ خاصة إذا كانت المشكلة مع الأقلية سياسية، وليست اضطهادا دينيا.. أم السكوت عنه والحياد!.
الذي يضح لي والله أعلم أن الأقليات –حتى ولو فرضنا خلافة إسلامية قائمة على منهاج النبوة- لا يمكن التعاطي المنطقي الواقعي المنضبط بضوابط الشرع معها إلا من خلال:
• التمييز بين الديني والدنيوي في حقها، ونصرها في الديني والسكوت عنها في الدنيوي، على قاعدة: ﴿ وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ﴾.
• نصرهم في الأمور الدينية على المحاربين، ومن لا يربطنا معهم اتفاق صلح، بناء على نفس القاعدة.
ومدار هذه الأحكام على التمايز، فقد قال تعالى: ﴿ لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ﴾، وما لم يقع التمايز، فلا يمكن شن الحرب على دولة فيها 15 عشر مليون مسلم، ولا يمكن أيضا أن تتخذهم دروعا وتشن الحرب على المسلمين، إلا أن نطلبهم بالهجرة، أو نعاملمهم معاملة غير المهاجرين، وموضوع الهجرة تُكلم فيه قديما، وبحث، ولكن حين جاءت نكبة الأندلس، لم نجد بدا من الهجرة، بل وصل الأمر أن قال بعض علمائنا المعاصرين عفا الله عنا وعنه إن الهجرة من فلسطين واجبة لأنها بلد الكفر!.

[66] فيه ما فيه من دليل على أن المال فيه حقوق سوى الزكاة.

[67] لم لا يكون استقبال بيت المقدس من اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيما لم يؤمر فيه، فيكون قد أقر عليه بضعة عشر شهرا، ثم بينت له القبلة بدليل: ﴿ وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ﴾ بدل التعبير: "القبلة التي جعلناك عليها، أو أنزلناها عليك".؟

[68] البخاري، الجامع الصحيح، 8/11، و8/32، و8/100، م س. ومسلم، 1/68-69، و3/1352-1353، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، ط: دار إحياء التراث العربي – بيروت.

[69] وقد سلك المالكية هذا المسلك.

[70] متى ثبت هذا في شرعنا، وأين ناسخه؟
فقد ورد في قصة بصيغة الخبر، والخبر لا ينسخ، ثم لم يرد ناسخه قط، وإذا كان سجود تحية لا سجود عبادة، فما المانع من تجويزه ما دام لم يثبت ما يمنعه.

[71] في الانحناء اختلاف معروف بين العلماء.

[72] وأما القيام، فقد صح فيه الأمر بالقيام لسعد بن معاذ يوم بني قريظة، فكيف يدعى نسخه؟.

[73] لا تعارض بين الصفح الجميل والأمر بالقتال، فمتعلقاتهما مختلفة، فالقتال واجب في حق المقاتل حيث هو، والصفح الجميل قد يكون عن الأخطاء والحماقات لا عن القتال والتجمع لحرب المسلمين فتلتئم المعاني دون داع إلى نسخ.

[74] لا يسمى هذا نسخا، إذ لا يرفع حكما شرعيا.

[75] ما أشار إليه مناقض لما أورده في كتابه الناسخ والمنسوخ، فقد قال فيه: "والقرآن لا ينسخ باطل الجاهلية كما بيناه"، (ابن العربي، الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، ص: 211).

[76] كيف يقال بنسخها، وقد تواترت أحاديث الصحيحين على العمل بها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث الذي أورده ابن العربي في هذا الموضع: "قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ: إنَّ اللَّهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ غَيْرَهُ، قَالَ: ﴿ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ﴾ [الحشر: 6]. فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: وَاَللَّهِ مَا اخْتَارَهَا دُونَكُمْ، وَلَا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، قَدْ أَعْطَاكُمُوهَا، وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ، فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ" (ابن العربي، أحكام القرآن، 4/407). وانظر: البخاري: 8/149، م س، ومسلم، 3/1377-1379، م س.

[77] لا يسمى هذا نسخا في الاصطلاح وإلا لكانت كل أحكام الشرع ناسخة لفعل الجاهلية، وقد بين ابن العربي نفسه هذا فقال فيه: "والقرآن لا ينسخ باطل الجاهلية كما بيناه"، (ابن العربي، الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، ص: 211)..

[78] قال ابن العربي فيها: "اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي نَسْخِ هَذِهِ الْآيَةِ؛ فَكَانَ عَطَاءٌ يَحْلِفُ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي بَعْدَهَا عَامَّةٌ فِي الْأَزْمِنَةِ وَهَذَا خَاصٌّ؛ وَالْعَامُّ لَا يُنْسَخُ بِالْخَاصِّ بِاتِّفَاقٍ" (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/206)، وقد زكى ابن العربي هذا القول حين نقله: "وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْعَامَّ يَنْسَخُ الْخَاصَّ" فقال: "وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ الْكَلَامِ." (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/152)..

[79] هذا شبيه بتعبيره قبل "نسخه فتح مكة"، وهو من هو في القدرة التعبيرية، فمتى كانت الأحداث تنسخ، وبيعة الرضوان حدث والحدث لا ينسخ، ولم نسمع في تعريف النسخ: "رفع حكم شرعي بحدث شرعي متراخ عنه"، والواضح أنه يريد لوازم هذه الأحداث، ولازم بيعة الرضوان هو القتال في الشهر الحرام والبلد الحرام إن اقتضت ذلك ضرورته، وعلى كل فليست من الأمر في شيء، إذ هي دفاع لا هجوم، وقد ورد قول الله تعالى: "ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم"، و"الشهر الحرام بالشهر الحرام، والحرمات قصاص، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم".

[80] فهذه الأخبار الضعيفة والحجج الواهية لا دعي لرد القرآن بها.

[81] ليست هذه بأصرح من سابقاتها، وقد يرد عليها ما تقتضيه قاعدة عطاء "العام لا ينسخ بالخاص".

[82] ألا يمكن أن تكون السكنى وصية إلى الحول على وجه الندب؟

[83] يقصد "الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله".

[84] أي وما كان المؤمنون لينفروا كافة.

[85] لعله النسخ بمعنى البيان لا بمعنى الإزالة، فالمطلوب منا تقوى الله حق تقاته على حسب طاقتنا، فهو بهذا المعنى جار على مقتضى اللغة، لا على مقتضى ما في أصول الفقه من اصطلاح.

[86] لا يجوز النسخ في مثل هذا لكونه من جنس الأخبار.

[87] والغريب أن التي ادعي أنها ناسخة تحمل نفس اللفظ، الفرق الوحيد أنها ختمت بوصف الله بالعفو والرحمة، وهو لا ينفي وصف الإنسان بالظلم والكفر الذي ختمت به غيرها، وكلاهما خبر، مبين عن حقائق الله وحقائق الإنسان.

[88] أما شرح الحديث فليس بين يدي في هذه اللحظة، وأما كتابه المحصول في أصول الفقه، فلم أعثر فيه على ما قال.

[89] قال معلقا: " وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْقِسَمِ الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ بِنَسْخٍ، وَسَنُشِيرُ إلَيْهِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى". (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/44).

[90] كيف يدعى نسخ شيء لم تعرف حقيقته؟

[91] كيف يدعى نسخ شيء لم تعرف حقيقته؟ لم يجزم به وإنما وعد بالرجوع إليه في سورة يوسف فلم يفعل وإنما أحال على ما في المائدة، وتمام ما في المائدة هو: " تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ، هَلْ هُوَ شَرْعُنَا خَاصَّةً أَمْ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا؟ فَقِيلَ: كَانَ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا اسْتِرْقَاقَ السَّارِقِ. وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ إلَى زَمَنِ مُوسَى؛ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْقَطْعُ فِي شَرْعِنَا نَاسِخٌ لِلرِّقِّ. وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ تَوْكِيدًا لَهُ، وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فِي سُورَةِ يُوسُفَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحَدَّ كَانَ مُطْلَقًا فِي الْأُمَمِ كُلِّهَا قَبْلَنَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- كَيْفِيَّتَهُ، إذْ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْت يَدَهَا»" (ابن العربي، أحكام القرآن، 2/120).

[92] يستحيل هذا –بهذا الإطلاق (كل ما في القرآن)- شرعا وعقلا، ويخرج عن الاصطلاح؛
فأما شرعا، فقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم من طرف المنافقين وأمر بالإعراض عنهم، وطبق ما أمر به، "ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا"، فهذا من جملة الإعراض في القرآن. وإن كان مراد ابن العربي الإعراض المتعلق بالكفار فقد جعله مخصصا، فاحتمل التخصيص بالمحارب، والتخصيص بالذكورة؛ إذ لا تقتل المرأة حتى تقاتل"...
وأما عقلا فلا يكلف القائد ولا الناجحون في الحياة بالرد على كل شبهة، والنعاق مع كل ناعق، ووالدخول في الجدالات العقيمة، وهذا من الإعراض المطلوب، وقد وصف المؤمنون بالإعراض عن السوء على وجه المدح، والوصف لا ينسخ "وإذا مروا باللغو مروا كراما" "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما"، وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه"... فكيف يجعل كل هذا منسوخا وهو من الأوصاف.
وأما اصطلاحا فكثير من الآيات المتعلقة بالإعراض والصفح نزلت بعد آية الإذن بالقتال، ولا يمكن للمتأخر أن يكون منسوخا، ويكون ناسخه نزل قبله، ولم يقل بذلك أحد، فمثلا: قول الله تعالى: "ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم"، وقوله في أهل الكتاب: "فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين"، وغير ذلك كله من المكي المتأخر نزولا عن الآية التي اتفق على أنها من أول ما نزل بعد الهجرة، مع الخلاف الوارد في سورتها –سورة الحج- أمكية هي أم مدنية.
وما قاله ابن العربي عن هذه الآية، قاله غيره عن آية السيف –مع اختلافهم في تعيينها، هل هي: "وقاتلوا المشركين كافة"، أم هي: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم".
وإذا كان مثل هذه الحدة في التعبير والسعة في الإطلاق سببتها ظروف القهر واحتلال الأندلس التي كان يعانيها ابن العربي، فليس العلم نتيجة ضغط الظروف، والجهاد ماض إلى يوم القيامة، وللإعراض والصفح والتحمل مجالاته، وقد أعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كثير من إساءات الكفار بعد الهجرة، وصفح عن بعضهم، بل عن أغلبهم، ونص القرآن على إمكانية الصفح "فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها"، فكيف يمكن جعل هذا المن منسوخا بآية الإذن بالقتال.
رحم الله ابن العربي وجزاه خيرا من حبيب إلينا، والحق أحب من كل حبيب.

[93] غير مجد البحث في أمر لا يترتب عليه –في ذاته- حكم شرعي، ولا توجد فيه مصادر يمكن الرجوع إليها.

[94] ما قالته عائشة ليس فيه تحريم، بل إنما نبهت على أن الدم الذي في العروق مستثنى، من الدم المسفوح؛ بعلة المشقة في تتبعه.

[95] كان عليه أن يجزم بالرأي النهائي في هذا، وقد بين أوجه العلة فيما ورد في السنة، من حيث إنه آحاد في أغلبه، ويمكن الجمع بينه وبين الآية، لأن علة النهي في الحمر الأهلية مترددة بين ثلاثة علل، وكذا علة النهي في كل ناب من السباع والطير. وأما ما يتعلق بالمتردية والنطيحة وما أكل السبع، فكله راجع إلى الميتة.

[96] قد رد هو نفسه على هذه الدعوى بقوله: " قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: وَقَدْ حَضَرْت فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ طَهَّرَهُ اللَّهُ بِمَدْرَسَةِ أَبِي عُتْبَةَ الْحَنَفِيِّ وَالْقَاضِي الرَّيْحَانِيِّ يُلْقِي عَلَيْنَا الدَّرْسَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إذْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَجُلٌ بَهِيُّ الْمَنْظَرِ عَلَى ظَهْرِهِ أَطْمَارٌ، فَسَلَّمَ سَلَامَ الْعُلَمَاءِ، وَتَصَدَّرَ فِي صَدْرِ الْمَجْلِسِ بِمَدَارِعِ الرِّعَاءِ، فَقَالَ لَهُ الرَّيْحَانِيُّ: مَنْ السَّيِّدُ؟ فَقَالَ لَهُ: رَجُلٌ سَلَبَهُ الشُّطَّارُ أَمْسِ، وَكَانَ مَقْصِدِي هَذَا الْحَرَمَ الْمُقَدَّسَ، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ صَاغَانَ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فَقَالَ الْقَاضِي مُبَادِرًا: سَلُوهُ، عَلَى الْعَادَةِ فِي إكْرَامِ الْعُلَمَاءِ بِمُبَادَرَةِ سُؤَالِهِمْ.
وَوَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكَافِرِ إذَا الْتَجَأَ إلَى الْحَرَمِ، هَلْ يُقْتَلُ فِيهِ أَمْ لَا؟ فَأَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ، فَسُئِلَ عَنْ الدَّلِيلِ، فَقَالَ: قَوْله تَعَالَى ﴿ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ﴾ [البقرة: 191].
قُرِئَ: وَلَا تَقْتُلُوهُمْ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ، فَإِنْ قُرِئَ وَلَا تَقْتُلُوهُمْ فَالْمَسْأَلَةُ نَصٌّ، وَإِنْ قُرِئَ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ فَهُوَ تَنْبِيهٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَهَى عَنْ الْقِتَالِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْقَتْلِ كَانَ دَلِيلًا بَيِّنًا ظَاهِرًا عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْقَتْلِ.
فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْقَاضِي الرَّيْحَانِيُّ مُنْتَصِرًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَإِنْ لَمْ يَرَ مَذْهَبَهُمَا عَلَى الْعَادَةِ، فَقَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾ [التوبة: 5].
فَقَالَ لَهُ الصَّاغَانِيُّ: هَذَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِ الْقَاضِي وَعِلْمِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي اعْتَرَضْت بِهَا عَلَيَّ عَامَّةٌ فِي الْأَمَاكِنِ، وَالْآيَةَ الَّتِي احْتَجَجْت بِهَا خَاصَّةٌ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْعَامَّ يَنْسَخُ الْخَاصَّ، فَأَبَهَتْ الْقَاضِي الرَّيْحَانِيُّ، وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ الْكَلَامِ." (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/152).

[97] قد يكون مخصصا كما في قول ابن العربي: "فَإِنْ حَمَلْنَا اللَّفْظَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَهُوَ عَامٌّ خَصَّصَتْهُ آيَةُ سُورَةِ النِّسَاءِ وَلَمْ تَنْسَخْهُ؛ وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْعُرْفِ فَالْعُرْفُ إنَّمَا يَنْطَلِقُ فِيهِ لَفْظُ الْمُشْرِكِ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ كِتَابٌ مِنْ الْمَجُوسِ وَالْوَثَنِيِّينَ مِنْ الْعَرَبِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 105] وَقَالَ: ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ ﴾ [البينة: 1] فَلَفْظُ الْكُفْرِ يَجْمَعُهُمْ، وَيَخُصُّهُمْ ذَلِكَ التَّقْسِيمُ" (ابن العربي، أحكام القرآن، 1/218-219).

[98] تقدم ما فيه.

[99] الذي في سورة النحل الرخصة لمن أكره على كلمة الكفر أن يقولها: إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان، ولم يشرح بالكفر صدرا، وكان الاضطرارا حقيقيا لا ووهميا. وليس فيها عزيمة. لذلك جاء نص الآية ببيان حكم الفعل، لا بتشريع الحكم، والفرق بينهما أن لو كانت الآية من العزائم لجاءت بصيغة: "من أكره عليه الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان فليكفر، ولا يشرح بالكفر صدرا"، ولكن الآية جاءت لبيان الحكم فيمن فعل ذلك، وفي ذلك إشارة عظيمة إلى أنه غير مطلوب أصلا، وإنما أعلى حالاته الجواز.
غاية ما في الأمر أن الشرع رخص لمن خاف على نفسه الهلاك أن يقول كلمة الكفر درءا عن نفسه إن شاء، وإلا فقد ترخص عمار، ولم تترخص سمية، ولا ياسر، ولا بلال رضي الله عنهم أجمعين.
وكونه كان واجبا عليهم أو كان محل خيرة الله أعلم به، فلم يرد لنا من الشرائع السابقة من ما تقوم به حجة وتحصل به ثقة مما يدل على وجوب -ولا على عدم وجوب الصبر- على المشقة حتى الموت، وإن ثبت عنهم فعل ذلك، كما في أصحاب الأخدود، وامرأة فرعون، وماشطتها، لكن ثبت أيضا عن إبراهيم عليه السلام أنه ورى في أمور ثلاثة: بل فعله كبيرهم هذا، و"إني سقيم"، و"إنها أختي"، والأخيرة في الصحيح، واللتان قبلها في القرآن، وقد تأول بعضهم قوله: "هذا ربي" على وجه استدراجهم إلى الإيمان حتى يصل بهم إلى نفي صفة الرب عن معبوداتهم، وإن كان كذلك فظاهره قريب من تورية عمار، ولو قالها من شرح بها صدرا لكفر. فما الداعي للحديث عن النسخ بعد كل هذا؟

[100] سيرة ابن هشام، 2/176، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، ط: 2، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1955.

[101] سيرة ابن هشام، 1/466، م س.

[102] وقد أشار الشاطبي في الموافقات إلى بعض من ذلك، الموافقات، 3/344، تحقيق: أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، ط: 1، دار ابن عفان، 1997.

[103] ابن العربي، الناسخ والمنسوخ، 2/373، م س.

[104] الصواب بل هو باطل، وتجاوز للحد في القول بالنسخ مع عدم توفر شروطه، ومع إمكان الجمع بين الناسخ والمنسوخ.

[105] ابن العربي، أحكام القرآن، 1/345، م س.










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 204.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 200.97 كيلو بايت... تم توفير 3.74 كيلو بايت...بمعدل (1.83%)]