فقه النوازل - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11943 - عددالزوار : 191457 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 579 - عددالزوار : 92950 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 118 - عددالزوار : 56999 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 81 - عددالزوار : 26305 )           »          شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 745 )           »          كلام جرايد د حسام عقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 41 )           »          تأمل في قوله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره... } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          بيان معجزة القرآن بعظيم أثره وتنوع أدلته وهداياته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-11-2021, 12:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي فقه النوازل

فقه النوازل (1)
سعد بن تركي الخثلان

مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد:
فمع افتتاح هذه الدورة ومع الدرس الأول في هذه الدورة العلمية، أسأل الله - تعالى -أن يبارك فيها، وأن ينفع بها، وأن يزيدنا جميعا هدى وعلما وتوفيقا، ثم إنني أشكر الإخوة القائمين على تنظيم هذه الدورة في هذا الجامع على ما يقومون به من جهد كبير في تنظيمها، وأخص بالشكر أخي فضيلة الشيخ فهد الحسن الغراب، على ما يقوم به من جهد في تنظيم هذه الدورة وفي غيرها من المناشط العلمية في هذا الجامع، حتى أصبح هذا الجامع بحق منارة من منارات العلم.
أيها الإخوة هذه الدورة العلمية والتي يتوافد فيها أعداد من الإخوة من بلاد شتى، تذكرنا بما أثر عن السلف من الرحلة في طلب العلم، فإن السلف كانوا يرحلون في طلب العلم الشرعي في سبيل تحصيله وجمعه.
وجابر بن عبد الله الأنصاري الصحابي الجليل -رضي الله عنه- رحل من المدينة إلى الشام من أجل سماع حديث واحد فقط، من أجل سماع حديث واحد فقط من عبد الله بن أنيس ومكث في هذه الرحلة شهرين، شهرا في الذهاب وشهرا في الإياب، وسافر وحده على بعيره.
ولما وصل إلى الشام اعتنقه عبد الله بن أنيس، فقال له جابر بلغني أن عندك حديثا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخشيت أن أموت أو تموت، ولم أسمعه، فقال نعم: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا بهما، -قلنا وما بهما يا رسول الله؟ -قال: ليس معهم شيء، فيناديهم بصوت يسمعه من قرب: أنا الملك الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصه منه حتى اللطمة، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وعنده حق حتى أقصه منه حتى اللطمة، قلنا يا رسول الله وكيف ذلك وليس معنا شيء؟ قال: بالحسنات والسيئات.
هذه القصة ذكرها البخاري في صحيحه معلقا لها بصيغة الجزم لكن أشار إليها مختصرة، ثم لما سمع جابر هذا الحديث رجع إلى المدينة، وهكذا أيضا أبو أيوب الأنصاري رحل من المدينة إلى مصر من أجل سماع حديث واحد فقط، والقصص كثيرة في هذا، ولهذا صنف بعض العلماء في الرحلة في طلب العلم.
وإذا قرأت في ترجمة كثير من علمائنا تجد أنه يذكر في الترجمة ورحل إلى بلاد كذا وكذا وكذا، حتى أصبحت الرحلة في طلب العلم جزءًا من تراجم كبار أهل العلم والمحدثين والفقهاء، ولهذا لا يستكثر الإنسان الحضور إلى مثل هذا المكان ولو أتى من مكان بعيد، وإذا قرأ في تراجم علمائنا وجد أنهم يرحلون إلى ما هو أبعد من ذلك مع أن وسائل المواصلات في زمنهم ليست كوسائل المواصلات في وقتنا الحاضر.
ثم إن العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته، كما قال الإمام أحمد قال: طلب العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته، ولهذا فإن الاشتغال بطلب العلم الشرعي أفضل من الاشتغال بنوافل العبادات، كما ذكر ذلك أهل العلم، وذلك لأن الاشتغال بطلب العلم الشرعي، نفعه متعد للآخرين، بينما الاشتغال بنوافل العبادات نفعها قاصر على صاحبها.
وقد عقد الإمام ابن القيم - رحمه الله - في كتابه القيم مفتاح دار السعادة، مقارنة بين العلم والمال، وذكر أكثر من مائة وخمسين وجها في تفضيل العلم على المال، ومن عجائب ما ذكر، قال: حتى الكلاب تشرف بالعلم، فإن صيد الكلب المعلم حلال، بينما صيد الكلب غير المعلم حرام "يَسْأَلونك مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ" فإذا كانت الكلاب تشرف بالعلم فما بالك ببني آدم، ولم يأمر الله - تعالى -نبيه - صلى الله عليه وسلم - بطلب الزيادة من شيء إلا من العلم فقال: "وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا".
وقد ذكر الشاطبي - رحمه الله - أن لطلب العلم طريقين:
الطريق الأولى: طريق الاجتهاد الشخصي، وذلك بالحفظ والقراءة والتأمل في كتب أهل العلم ونحو ذلك.
والطريق الثانية: أخذ العلم عن أهله مشافهة، وقال: إن هذه الطريق الثانية أنفع الطريقين، وهي المأثورة عن كثير من السلف، والحقيقة أنه لا تغني إحدى الطريقتين عن الأخرى، لا بد من أخذ العلم عن أهله، ولا بد كذلك من بذل الجد والاجتهاد في تحصيل العلم، فإن العلم لا يحصل للإنسان دفعة واحدة وإنما شيئا فشيئا.
ثم إنني أنبه إلى أمر وهو أن بعض الإخوة يحضر دروسا كثيرة وربما دورات كثيرة، ولكنه لا يحصل علما كثيرا، وقد يكون السبب في ذلك أن آلية التحصيل عنده فيها خلل، وذلك أن الناس في الوقت الحاضر قد ضعفت الذاكرة عندهم، ليست كما كان عليه حال العرب من قبل، كان العرب متميزين بقوة الحفظ والذاكرة، حتى إن القصيدة تلقى وهي مكونة من مائتي بيت فأكثر تلقى مرة واحدة فيحفظونها كلهم، بل يستعيبون أن يطلبوا من الملقي أن يعيدها مرة ثانية.
وقد روي ذلك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه كان يحفظ الشيء من سماعه مرة واحدة، وروي كذلك عن الشعبي، وروي عن عدد من أهل العلم، أما في الوقت الحاضر فكما ترون لا يكاد يوجد أحد يحفظ الشيء من سماعه من مرة واحدة، وحينئذ فلا بد من ضبط آلية تحصيل العلم، ويختار الإنسان الطريقة المناسبة له، إما كتابة، ثم ينظم ما يكتبه، ويراجعه من حين لآخر حتى تستقر المعلومات في ذهنه، أو بالتسجيل، ثم يسمعه من حين لآخر، أو غير ذلك من وسائل التحصيل.
أما أنه يحضر الدروس من غير ضبط للعلم، فإنه سرعان ما ينسى ما سمع، وبالتالي لا يستفيد كثيرا، أقول هذا مع بداية هذه الدورة، ومن أحسن الطرق النافعة هي أن تلخص ما سمعت، ثم تراجعه من حين لآخر، فإن حياة العلم المذاكرة، حياة العلم المذاكرة، لا بد من مذاكرة العلم حتى يستقر.
ثم إنني مع بداية هذه الدورة، أوصي نفسي وإخواني بإخلاص النية لله - عز وجل - في طلب العلم، فإن النية أمرها عجيب، والإخلاص لا يقارن عملا من الأعمال إلا ويكتب له النجاح والقبول والتوفيق، بل إن طلب العلم إذا قارنه نية سيئة عاد وبالا على صاحبه يوم القيامة، كما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة وذكر منهم: رجل تعلم العلم وعلمه الناس، وقرأ القرآن لاحظ تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن فيؤتى به فيعرفه نعمه فيعرفها، فيقول: ماذا عملت فيها؟ فيقول: يا رب تعلمت فيك العلم وعلمته للناس، وقرأت فيك القرآن، فيقال له: كذبت ولكنك تعلمت ليقال هو عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه فألقي في النار والعياذ بالله.
كان معاوية إذا سمع بهذا الحديث بكى بكاءً عظيما، فالآن هذا الذي تعلم العلم لأجل الناس أصبح علمه وبالا عليه كما يقول بعض أهل العلم لو أنه سلم من هذا العلم لكان أحسن له، هذا العلم بهذه النية السيئة كان سببا لأن يكون من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، فلا بد من إخلاص النية لله - عز وجل -.
فإن قلت: كيف أخلص النية لله - تعالى -في طلب العلم، ذكر أهل العلم أن إخلاص النية يكون بأن تنوي رفع الجهل عن نفسك، وأن تنوي رفع الجهل عن غيرك، والدعوة إلى الله - عز وجل - والدفاع عن دينه، ولا تنوي بذلك رياءً ولا سمعة ولا طلب محمدة من أحد من البشر.
وبعد ذلك نعود إلى درسنا. كنا في العام الماضي قد كان الدرس عن فقه المعاملات المالية المعاصرة، واحتفى به -ولله الحمد- كثير من الإخوة وحصل بذلك الدرس نفع كثير، ولح علي كثير من الإخوان، أن أخرجه في كتاب وهو سوف يخرج إن شاء الله في كتاب قريبا.
وسألني عدد من الإخوة هل ما ذكر من موضوعات في الدرس الدورة الماضية هل سيذكر منها شيء في هذه الدورة؟ أقول: لا، لن يذكر ولا موضوع واحد، ما ذكرناه العام الماضي لن يعاد ويكرر في هذه الدورة، فإن الدرس في الدورة الماضية كان في المعاملات المالية المعاصرة فقط، وأما الدرس في هذه الدورة فهو في فقه النوازل عامة، في فقه النوازل عامة، وهذا الفقه ينبغي لطالب العلم العناية به، لأنه يلحظ أن كثيرا من طلاب العلم يكون لهم عناية بالفقه المدون في الكتب، ويكون لهم حفظ وضبط وتأصيل، ولكن عندما تأتي المسائل المعاصرة والنوازل يتوقفون فلا تجد عندهم فيها شيئا، وهذا يعتبر خلل عند طالب العلم، لأن هذه النوازل وهذه المسائل المعاصرة يحتاج لها الناس، وتكثر الأسئلة حولها.
ولهذا لا بد لطالب العلم مع ضبطه لكلام الفقهاء المتقدمين أن يعنى بمعرفة الحكم الشرعي في النوازل والمسائل المعاصرة، أو على الأقل أن يعنى بضبط كلام أهل العلم في هذه المسائل وهذه النوازل.
والأمة ولله الحمد لا تزال بخير، وعلماؤها يبذلون الجهود الكبيرة في تكييف هذه النوازل وتبيين الحكم الشرعي فيها، هذا الدرس سوف نبدأ إن شاء الله - تعالى -في الجانب التأصيلي، سوف نجعله في الجانب التأصيلي لفقه النوازل، وفي الدروس القادمة إن شاء الله نبدأ بذكر عدد من النوازل، وسوف أبين إن شاء الله في نهاية هذا الدرس المنهج الذي سوف نسير عليه في دراسة تلك المسائل.
أقول إن من رحمة الله - تعالى -بالخلق أن أكرمهم بهذه الرسالة المحمدية: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" فأرسل الله - تعالى -نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين جميعا، ومن مقتضيات هذه الرحمة تحقيق مصالح العباد في الدنيا والآخرة، كما ذكر ذلك الشاطبي وغيره من أهل العلم، من مقتضيات هذه الرحمة تحقيق مصالح العباد في الدنيا والآخرة، فلا تكاد تجد مصلحة إلا دل الشارع عليها، ولا تكاد تجد مضرة إلا نهى الشارع عنها وحذر منها، وقد جعل الله - تعالى -هذه الشريعة كاملة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا".
يقول أبو ذر -رضي الله عنه- ما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وطائر يطير بجناحيه إلا وذكر لنا منه علما، وفي حديث سلمان -رضي الله عنه- في صحيح مسلم، قال أحد اليهود لسلمان: علمكم نبيكم كل شيء حتى هذا يعني آداب قضاء الحاجة، قال سلمان: نعم، ثم ذكر شيئا من الآداب التي علم النبي - صلى الله عليه وسلم - علمهم بها عند قضاء الحاجة، فيتعجب هذا اليهودي يقول: علمكم نبيكم كل شيء حتى هذا.
وهذه الشريعة الكاملة التي استوعبت جميع ما يحتاج إليه البشر، قد تكفل الله - تعالى -بحفظها، تكفل الله - تعالى -بحفظ القرآن: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" ونحن نقرأ كتاب الله - تعالى -الذي نزل منذ أربعة عشر قرنا، ولم يتغير فيه حرف واحد فقط، وهذا من آيات الله - تعالى -لأن الله - تعالى -قد تكفل بحفظه، بينما الكتب الأخرى في التوراة والإنجيل فقد أوكل حفظها للبشر بما استحفظوا من كتاب الله فلم يحفظوها.
أما القرآن فقد تكفل الله - تعالى -بحفظه، وحفظ القرآن يتضمن حفظ السنة كما قال أهل العلم، حفظ القرآن يتضمن حفظ السنة، أشار إلى ذلك الشاطبي في الموافقات، وعلل ذلك بأنها يعني السنة بيان للقرآن: "وَأَنْزَلنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ" وحفظ المبين يقتضي حفظ البيان لأنه لازم له.
أيضا تكفل الله - تعالى -بحفظ مجموع أفراد الأمة، بحفظ مجموع أفراد الأمة، فلا تجتمع هذه الأمة على ضلالة، هذه الأمة معصومة من الاجتماع على ضلالة، ولا تزال طائفة منها على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله - تعالى -.
ولهذا قال أهل العلم إنه لا يمكن أن يخلو زمان من قائل بالحق، لا يمكن أن يخلو زمان من قائل بالحق يعني إذا نزلت نازلة فلا يمكن أن يطبق جميع العلماء على غير الحق، لا بد من قائل بالحق، لكن من هو القائل بالحق هذا هو الذي يحتاج يعني من طالب علم أن يتحرى ويجتهد في معرفة هذا الحق، لكن لا يمكن أن يخفى الحق على جميع علماء الأمة، لا بد من قائل بالحق، لأن هذا من لوازم حفظ مجموع أفراد هذه الأمة، هذه الأمة لا يمكن أن تجتمع على ضلالة، لا يمكن أن يخفى الحق على جميع علماء هذه الأمة، ويضل جميع علماء هذه الأمة عن الحق، فلا بد من قائل بالحق.
وقد اقتضت حكمة الله - تعالى -أن يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها، فإن قلت كيف تكون الشريعة شاملة وكاملة مع وجود نوازل لا نص فيها، مع وجود نوازل لا نص فيها؟
أقول في الجواب عن هذا أجاب الشاطبي في الاعتصام، بأن المراد بالكمال في قول الله - تعالى -: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" إكمال الكليات، إكمال الكليات، فلم يبق قاعدة يحتاج إليها إلا وبينت.
وقد فهم الصحابة - رضي الله عنهم - هذا المعنى فردوا الجزئيات إلى الكليات، والنبي - صلى الله عليه وسلم - مكث في البعثة والرسالة ثلاثا وعشرين سنة فقط، مكث ثلاثا وعشرين سنة بعث وعمره أربعون وتوفي وعمره ثلاث وستون، مكث فقط ثلاثا وعشرين سنة، ومع ذلك بين للأمة جميع ما تحتاج إليه.
وكما قال الشاطبي المقصود بيان الكليات والقواعد التي تحتاج إليها الأمة، والعلماء والفقهاء في كل عصر يردون الجزئيات إلى هذه القواعد وإلى هذه الكليات، وهذا ملحظ مهم سوف نشير إليه إن شاء الله عند دراسة بعض النوازل.
ثم نأتي لتعريف فقه النوازل، نبدأ أولا بتعريف الفقه
فالفقه معناه في لغة العرب: الفهم: "وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي" يعني يفهموا قولي، فمادة الفقه في لغة العرب تدور حول معنى الفهم: "فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُون يَفْقَهُونَ حَدِيثًا يعني يفهمون حديثا". ومعناه شرعا: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية، العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية.
والفقه من أشرف العلوم وأنفعها لطالب العلم، وهو العلم الذي يحتاج الناس إليه في حياتهم العملية، وأضرب لهذا مثلا، لو أنك استمعت إلى أي برنامج إفتاء، انظر إلى أسئلة الناس ستجد أن ما لا يقل عن تسعين في المائة منها أو أكثر فقهية، وهذا لا يقلل من شأن العلوم الأخرى، لكن علم العقيدة والفقه هما أهم علمين يحتاج لهما طالب العلم، وبقية العلوم قد يحتاج الإنسان إليها بقدر معين، بقدر معين، لكن الفقه إذا ضبطه الإنسان فإنه ينتفع وينفع.
ولا بد من ربط الفقه عند دراسته بالحديث، ولا يمكن لطالب العلم أن يحقق المسائل الفقهية، وليس له عناية بالحديث، فمن أنفع الطرق ربط الفقه بالحديث، فلا يستغني طالب العلم بالفقه عن الحديث ولا بالحديث عن الفقه، ولكن من أنفع الطرق التي رأيتها للتفقه هو أن ينطلق طالب العلم من كتب الفقه ويرتبط بالحديث، فمثلا يعني يأخذ هذا الباب لو قلنا باب المعاملات يأخذ كل باب من كتب الفقهاء، ثم ينظر ما في هذا الباب من الأدلة يرجع مثلا للصحيحين يرجع للبلوغ، يرجع لكتب الحديث، ويربطها بهذه المسائل الفقهية.
أما لو عكس انطلق من كتب الحديث، ولم يكن له عناية بكتب الفقه، فتفوته مسائل كثيرة مبناها على النظر، لأن هناك بعض الأبواب قد لا تجد فيه إلا حديثا واحدا، وربما بعضها ليس فيها ولا حديث، لو أخذت مثلا باب الشركة في كتب الفقه فيها مسائل كثيرة جدا، بينما كتب الحديث قد لا تجد فيها إلا حديثا واحدا أو حديثين، فمن اقتصر على كتب الحديث وأهمل كتب الفقه يفوته علم كثير، فلا بد من الجمع بين العلمين، والانطلاق في التفقه من كتب الفقه وربطها مع كتب الحديث.
وأما النوازل فمعناها لغة: النوازل جمع نازلة وهي المصيبة الشديدة من مصائب الدهر تنزل بالناس، يقال نزلت بهم نازلة.
ولرب نازلـة يضيـق بها الفتى *** ذرعـا وعند الله منـها المخرج
ومنه القنوت في النوازل يعني في الشدائد التي تحل بالمسلمين.
والنوازل معناها اصطلاحا: الحوادث المستجدة التي تتطلب اجتهادا وبيانا للحكم الشرعي، ومن ذلك كلام الحافظ ابن عبد البر في كتابه القيم جامع بيان العلم وفضله، قال: باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة، باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة، وقال النووي في شرحه على مسلم: قال: وفيه اجتهاد الأئمة في النوازل وردها إلى الأصول. وابن القيم يقول في إعلام الموقعين: فصل قد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهدون في النوازل.
وإنما نقلت هذه النقولات لأن هناك من المعاصرين من قال: إن مصطلح النوازل عند الأقدمين إنه يطلق على جميع الحوادث التي تحتاج إلى فتيا، سواء كانت قديمة أو جديدة، وهذا محل نظر؛ إذ أننا بالتأمل في كتب المتقدمين نجد أنهم يطلقون النوازل على المسائل المستجدة التي تحتاج إلى بيان الحكم الشرعي فيها، تطلق النوازل على الحوادث المستجدة التي تتطلب اجتهادا وبيانا للحكم الشرعي فيها.
حكم الاجتهاد في النوازل:
الاجتهاد في النوازل فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن بقية العلماء، ويدل لذلك قول الله - تعالى -: "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّه ُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ" وإنما كان فرض كفاية لأنه يتعلق بالعمل وليس بالعامل.
أهمية العناية بفقه النوازل:
أقول: إن فقه النوازل من العلوم المهمة التي ينبغي أن يعنى بها طالب العلم، ويلحظ أن مناهج الفقه التي يدرسها طلاب الكليات الشرعية، ومعظم الدروس في المساجد، تقتصر على الكتب التي صنفت في قرون ماضية، وهي لم تكن قديمة حين وضعها واضعوها، وفيها فائدة عظيمة بل لا يستغني عنها طالب العلم، لكنها لا تغني عن معرفة طالب العلم وعنايته بالنوازل بمعرفة الحكم الشرعي في النوازل، أما اقتصاره على تلك الكتب، وعدم عنايته بفقه النوازل، فهذا كما ذكرت في مقدمة هذا الدرس فيه خلل، ولهذا تجد أن بعض طلاب العلم ليس له عناية بهذه النوازل، ومع أن الناس محتاجون إليها، وسنبين إن شاء الله - تعالى -المنهج الصحيح لدراسة هذه النوازل ومعرفة الحكم الشرعي فيها.
وقد كان السلف على جانب كبير من العناية بالنوازل مع أنهم كانوا يكرهون التسرع في الفتيا، ويود كل واحد منهم أن يكفيه أخوه، قال ابن أبي ليلى، أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه، ولا مفتٍ إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا.
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: كل من أفتى الناس عن كل ما يسألونه إنه لمجنون، وروي مثل ذلك عن ابن مسعود، وابن عيينة كان إذا سئل عن مسائل الطلاق قال: من يحسن هذا؟! وقال عبد الله بن الإمام أحمد قال: كنت أسمع أبي يسأل عن المسائل، فيقول: لا أدري، كنت أسمعه كثيرا يسأل عن المسائل، فيقول: لا أدري، وقال سحنون بن سعيد: أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما عندما يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه، وهذه المقولة: أن أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما نقلها ابن القيم في إعلام الموقعين وعلق عليها، وقال: إن الجرأة على الفتيا إما أن تكون من قلة العلم، وإما أن تكون من غزارة العلم وسعته، إما أن تكون من قلة العلم، وإما أن تكون من غزارة العلم وسعته، فإذا قل علم إنسان أفتى ما يسأل عنه بغير علم، خاصة إذا كان عنده جرأة وقلة ورع، قال وإذا اتسع علم إنسان واتسعت فتياه أيضا كان عنده سعة في الفتيا، ولهذا كان ابن عباس من أوسع الناس في الفتيا.
أقول مع كراهة السلف للتسرع في الفتيا، ومحبة كل واحد منهم أن أخاه قد كفاه، إلا أنهم كانوا يجتهدون في النوازل، بل حصل الاجتهاد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعض الصحابة، كما في قصة بني قريظة في الصحيحين، لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة فأدركتهم صلاة العصر اختلفوا في فهم المقصود من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال بعضهم: لعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قصد الحث على المسير، ولم يقصد أننا نؤخر صلاة العصر إلى أن نصل إلى بني قريظة ولو خرج الوقت، وقال آخرون: لا، بل نلتزم بظاهر كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يصلوا صلاة العصر إلا بعدما وصلوا بني قريظة، بعد خروج وقتها، قال ابن عمر ولم يعنف النبي - صلى الله عليه وسلم - أيا من الطائفتين.
لكن أي الطائفتين أفقه الطائفة الأولى أو الثانية، الأولى أفقه الذين صلوا في الوقت فهموا مقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله: لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة فلذلك هذه الطائفة الأولى أفقه، لكن الطائفة الثانية التي أخذت بظاهر النص أقرها النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعنف عليها، هذا نوع اجتهاد حصل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ومن الاجتهاد في النوازل الذي حصل في عهد الصحابة الاجتهاد في الجد مع الإخوة، لأن هذه المسألة لم تقع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما وقعت في عهد الصحابة، فاجتهدوا فيها، كان أبو بكر يقول: أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان.
ومن ذلك أيضا قصة رجوع عمر من الشام لما وقع بها الطاعون، قد ذكر هذه القصة البخاري في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام، قال ابن عباس: فقال عمر: الآن هو أمام نازلة، هو الآن يسير في الطريق إلى الشام أخبر بأن الطاعون وقع بالشام، هل يسير ويذهب للشام، أو أنه يرجع للمدينة؟
فجمع عمر -رضي الله عنه- الصحابة، وكان أول ما بدأ بالمهاجرين، قال: ادع لي المهاجرين الأولين فدعاهم فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بأرض الشام، فاختلفوا، أي بعضهم قالوا: نرى أن تذهب، وبعضهم قال: نرى أن نرجع، فقال بعضهم: قد خرجنا لأمر ولا نرى أن نرجع عنه، وقال آخرون: معك بقية الناس وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فاختلفوا فقال عمر: ارتفعوا عني.
ثم قال: ادع لي الأنصار، قال: فدعوتهم فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم، فقال عمر: ارتفعوا عني، ثم قال لابن عباس: ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم فلم يختلف منهم عليه رجلان، قالوا: نرى أن ترجع بالناس، ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة، أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت إن كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليست إن رعت الخصيبة رعتها بقدر الله، وإن رعت الجدبة رعتها بقدر الله.
قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- وكان متغيبا في بعض حاجته، فقال: إن عندي في هذا علما، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا سمعتم به - يعني الطاعون - بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه قال: فحمد الله عمر، ثم انصرف.
فهذه الآن نازلة وقعت بالصحابة - رضي الله عنهم -، وقع الطاعون وهم في الطريق، وقع الطاعون بأرض الشام وهم في الطريق إليها، هل يستمرون في الذهاب ويقدمون على أرض الشام وبها الطاعون، أم أنهم يرجعون ولا يعرضون أنفسهم لهذا الوباء؟
فعمر -رضي الله عنه- أراد أن يجتهد في هذه النازلة، فانظر إلى منهج عمر -رضي الله عنه- إلى منهجه في الاجتهاد فيها حتى وفق للصواب قطعا، لأن عبد الرحمن بن عوف ذكر هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فاستشار أولا المهاجرين، ثم استشار الأنصار وحصل الاختلاف، ثم استشار من كان عنده من المهاجرين الأولين من مهاجرة الفتح من مشيخة قريش فلم يختلفوا، فأخذ عمر برأيهم، ثم أخبرهم عبد الرحمن بن عوف بأن هذا الرأي الذي رآه عمر قد سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهذا نوع من الاجتهاد الذي حصل في زمن الصحابة - رضي الله عنهم -.
وانظر هنا إلى عمر كيف إنه لم يجتهد هو بنفسه، ويكتفي باجتهاده بل دعا الصحابة، وهذا يعني أصل للاجتهاد الجماعي الذي سوف نشير إليه، مثل هذه النوازل والقضايا الكبيرة التي تتعلق بمجموع الناس يحسن أن يكون فيها اجتهاد جماعي؛ لأن الاجتهاد الجماعي أقرب إلى التوفيق، وإلى إصابة حكم الله ورسوله من الاجتهاد الفردي.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14-11-2021, 12:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه النوازل

الاجتهاد في فقه النوازل في الوقت الحاضر، في الوقت الحاضر تنزل بالمسلمين نوازل، وتستجد مسائل لم تكن معروفة من قبل، بل إننا ربما نقول: إن العصر الذي نعيش فيه هو عصر النوازل، وذلك بسبب ما يشهده العالم اليوم من ما يسمى بالتقدم التكنولوجي والثورة الصناعية الكبيرة في جميع مجالات الحياة، مما أوجد مسائل جديدة، وحوادث، ومستجدات لم تكن معروفة من قبل، ويتعين على فقهاء الأمة بيان الحكم الشرعي فيها.
والواقع أن أكبر إشكالية تواجه كثيرا من العلماء في الوقت الحاضر في مثل هذه النوازل والمسائل صعوبة تصور تلك المسائل تصورا دقيقا، فقد يكون العالم غزيرا في علمه الشرعي، ولكن ينقصه التصور الصحيح لواقع تلك النازلة، ومن هنا تبرز أهمية الاجتهاد الجماعي في تلك النوازل، إذ أنه في الاجتهاد الجماعي يستعان بأهل الاختصاص في النازلة، يستعان بأهل الاختصاص في النازلة المراد بحثها، فإن كانت النازلة طبية يستعان بالأطباء في تصوير هذه النازلة، إذا كانت متعلقة بالاقتصاد استعانوا بالاقتصاديين، إذا كانت متعلقة بالفلك يستعان بالفلكيين، إذا كانت متعلقة بأمور قانونية يستعان بالقانونيين، وهكذا.
هذا الاجتهاد الجماعي نحن قلنا إن أصله كان موجودا عند السلف كما مر معنا في قصة عمر في رجوعه من الشام لما وقع الطاعون، وكان عمر -رضي الله عنه- من منهجه أنه كلما نزلت نازلة جمع فقهاء الصحابة واستشارهم، الاجتهاد الجماعي في الوقت الحاضر يتمثل في المجامع الفقهية، والهيئات العلمية، ونشير إلى أبرز هذه المجامع والهيئات، المجامع الفقهية، هناك عدة مجامع، منها: مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي، منظمة المؤتمر الإسلامي، هناك مجمع الفقه الإسلامي في الهند، مجمع الفقه الإسلامي في السودان، مجمع الفقه الإسلامي في أوروبا.
لكن أبرز هذه المجامع مجمعان:
الأول: المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، وهذا المجمع نفع الله - تعالى -به نفعا كثيرا، وينتقى له نخبة من فقهاء الأمة، وقد عقد دورة قبل نحو شهرين قد شاركت في أعمال هذه الدورة، ورأيت كيف ينظر للنوازل والمسائل، ولعلي يعني أفصل حول هذا المجمع نظرا لأنني قد يعني عايشت جلسات هذا المجمع وكيفية إبداء الرأي في النوازل والمسائل المستجدة، والمسائل التي يبحثها ويدرسها هذا المجمع.
جاء في نظام المجمع أن أبرز أهدافه بيان الأحكام الشرعية فيما يواجه المسلمين في أنحاء العالم من مشكلات ونوازل وقضايا مستجدة استنادا إلى مصادر التشريع المعتبرة، وقد كانت بداية تأسيسه أن أوصت به الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي في نظامها الصادر عام 1383 للهجرة، وفي عام 1384 قرر المؤتمر الثاني للأمانة تأسيس المجمع الفقهي الإسلامي، وفي عام 1385 قرر المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي تشكيل هيئة علمية من أعضاء المجلس التأسيسي للرابطة، لدراسة مشروع المجمع الفقهي الإسلامي، وكان ذلك برئاسة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - يعني كانت بداية فكرة المجمع وقت الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - وكان على رأس الهيئة العلمية لدراسة مشروع المجمع.
وفي عام 1393 رفعت الأمانة العامة للرابطة ما توصلت إليه الهيئة المذكورة في دراستها لمشروع المجمع إلى المجلس التأسيسي للرابطة، فاتخذ المجلس قرارا جديدا بتأليف مجلس المجمع من عشرة أعضاء، وفي شهر محرم عام 1396 أصدرت الأمانة العامة للرابطة قرارها بتأسيس إدارة خاصة باسم المجمع الفقهي الإسلامي، في عام 1397 أقر المجلس التأسيسي للرابطة نظام المجمع، وتوفي ثلاثة من أعضاء المجمع العشرة قبل انعقاد الدورة الأولى، ثم زيد في عدد أعضاء المجلس إلى اثنين وعشرين عضوا من ثنتي عشرة دولة إسلامية، وعقد المجلس أول دورة، وبدأ نشاطه في شهر شعبان عام 1398.
لاحظ الآن كم بين فكرة تأسيسه وبين انعقاد أول دورة يعني كانت فكرة التأسيس 1383، انعقاد أول دورة 1397 كم بينهما من سنة، خمسة عشرة سنة تقريبا، ولكن يعني رغم أن هذه البداية أخذت وقتا إلا أنه لما انعقدت الدورة الأولى انتظمت دورات المجمع إلى وقتنا هذا، لكن بداية الأمر أخذت وقتا طويلا، حتى تبلورت الفكرة، وحتى تأسس هذا المجمع، فبدأت الدورة الأولى عام 1398 وكان رئيس المجمع الفقهي الشيخ عبد الله بن حميد - رحمه الله - وبقي رئيسا له إلى أن توفي عام 1402 للهجرة.
ثم رأسه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - إلى أن توفي عام 1420 للهجرة، ويرأسه الآن سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله -، وفي عام 1422 زيد في عدد أعضائه إلى ثلاثين عضوا، وقد عقد المجمع ثماني عشرة دورة، كانت الدورة الثامنة عشرة قبل شهرين تقريبا، وناقش فيها الكثير من القضايا والنوازل وأصدر بشأنها مائة قرار، أصدر بشأن هذه النوازل والقضايا إلى نهاية الدورة الثامنة عشرة مائة قرار، وكان يعني هي مائة وواحد لكن هذا القرار الزائد على المائة أرجئ كان عن حول اختيار جنس الجنين، وأرجئ إلى الدورة القادمة، فكانت القرارات التي أصدرها المجمع إلى هذا الوقت مائة قرار.
ويستكتب المجمع عددا من الباحثين والمختصين، ويستعين بعدد من الخبراء في النوازل المراد دراستها وبحثها، وفي الدورة الأخيرة رأيت أن المجمع استعان بعدد من الاقتصاديين وعدد من الأطباء، فكان مثلا بالنسبة للمسألة التي أشرت إليها مسألة اختيار جنس الجنين استعان بعدد من الأطباء الذين كتبوا بحوثا، ثم أتوا وأدلوا بدلوهم في المناقشات التي دارت حول هذا الموضوع وهذه النازلة.
ومن هنا يتبين أهمية هذه المجامع والهيئات العلمية، لأنه يؤتى بالمختصين في النوازل المراد دراستها وبحثها ويستمع لهم، وتحصل مناقشات ومداولات حتى تتضح المسألة للفقيه ويتصورها تصورا كاملا، ثم يبدأ النقاش بين الفقهاء في التكييف الفقهي لتلك النازلة، ثم يصدر في هذه النازلة قرار إن كان هناك خلاف يكون هناك تصويت بالأغلبية، ثم يصدر قرار في تلك النازلة، وتنعقد دورات المجمع كل سنتين.
المجمع الثاني: مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي، والدولي هذه أضيفت مؤخرا كان يطلق عليه في السابق مجمع الفقه الإسلامي لمنظمة المؤتمر الإسلامي، لكن في الآونة الأخيرة أضيفت كلمة الدولي، وبدأ تأسيسه بقرار من مؤتمر القمة الإسلامي الثالث، المنعقد في مكة المكرمة في التاسع عشر إلى الثاني والعشرين من ربيع الأول عام 1401 للهجرة، وكان من توصيات المؤتمر تأسيس مجمع فقهي إسلامي، وانعقد المؤتمر التأسيسي للمجمع في السادس والعشرين من شهر شعبان عام 1403 للهجرة وانتخب الشيخ محمد بن جبير - رحمه الله - رئيسا له، والمقر الرسمي للمجمع هو جدة، ولكن تنعقد دورات المجمع في عدد من الدول، تتنقل دورات المجمع وتنعقد في عدد من الدول، لكن المقر الرئيسي له هو مدينة جدة، وهو كمجمع الرابطة يستعين بعدد من الخبراء والمختصين.
ثم انعقدت الدورة الثانية عام 1406 ورأس المجمع الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله -، وسوف ينتخب في الدورة التي ستعقد قريبا، سينتخب رئيسٌ جديدٌ للمجمع، هذا المجمع أصدر عددا من القرارات، وله مجلة ضخمة تقع في أكثر من أربعين مجلدا تباع في المكتبات، ودون في هذه المجلة جميع مناقشات الأعضاء، وجميع البحوث المطروحة في المجمع، ويمكن أن يستفيد منها طالب العلم.
أبرز الهيئات العلمية المعنية بفقه النوازل:
هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، وقد صدر الأمر الملكي بإنشائها في الثامن من شهر رجب عام 1391 للهجرة، ويتفرع عنها لجنة دائمة يختار أعضائها من أعضاء هيئة كبار العلماء، وينعقد مجلس هيئة كبار العلماء كل ستة أشهر، ويبحث النوازل والمسائل والقضايا المستجدة، وقد نشرت بعض بحوث الهيئة وقراراتها. ونكتفي بهذا القدر بالنسبة للهيئات والمجامع العلمية، لكن ما ذكرت هو أبرز الهيئات والمجامع التي تعنى بدراسة فقه النوازل.
أنتقل بعد ذلك إلى المناهج المعاصرة في النظر في النوازل، هناك ثلاثة مناهج في النظر في النوازل والمسائل المستجدة:
المنهج الأول: منهج التضييق والتشديد، وهذا المنهج منهجٌ غير سديد، ولا يتوافق مع هذه الشريعة السمحة التي رفع الله - تعالى -فيها الحرج عن المكلفين "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" ولكن تجد بعض المفتين يسلك هذا المسلك، فعندما يسأل عن مسألة من المسائل المعاصرة والمستجدة يفتي بالتحريم في أكثر أجوبته، وكما يقول سفيان: التشديد كلٌّ يحسنه، وإنما العلم الرخص عن الثقات، من السهل على الإنسان أن يقول هذا حرام، ولكن إذا قال هذا حرام أو هذا حلال هذا قول على الله - تعالى -: "وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ".
فهذا المنهج إذا منهجٌ غير سليم، يقابله
المنهج الثاني، وهو منهج التساهل، منهج التساهل والانحلال كما يعبر عن ذلك الشاطبي التساهل والانحلال، والتوسع الزائد. وهذا نلحظه مع الأسف في بعض المفتين، تجد بعض المفتين يتساهل تساهلا كبيرا في كثير من المسائل وأمور الفتيا.
حتى إنه في بعض البنوك يمارس الربا باسم الهيئات الشرعية، ويسمون الربا بغير اسمه، يسمى الربا بدل غرامة تأخير، إذا ماطل المدين يحسبون عليه غرامة يسمونها غرامة تأخير، يقولون هذا بدل عن غرامة التأخير عن مماطلة المدين، وهذا هو ربا الجاهلية بعينه، هذا هو ربا الجاهلية بعينه، فإن ربا الجاهلية عندما يحل الدين يأتي الدائن المدين ويقول: إما أن تقضي وإما أن تربي، فإن قضى وإلا أخره نظير الزيادة عليه، وهذا يمارس في بعض البنوك باسم بعض الهيئات الشرعية، ويعتبرونه بدلا عن ضرر المماطلة، ولكنه في الحقيقة هو من الربا.
أو ما يمارس أيضا في بعض البنوك باسم رسوم إدارية، وهي في الحقيقة فوائد ربوية، يسمونها رسوما إدارية، وهي في الحقيقة فوائد ربوية، كالرسوم الشهرية التي تؤخذ على بعض البطاقات، رسوم كبيرة يأخذون من العميل مائة وخمسين ريالا، أو مائتي ريال كل شهر، ويسمونها رسوما إدارية.
وهذه في الحقيقة من الربا الصريح، وإن سمي رسوما إدارية، ولكن يعني مع الأسف يمارس هذا باسم الهيئات الشرعية، هذا مثال للتساهل في الفتيا، وهذا أيضا منهجٌ غير سديد، كما أن التشدد في الفتيا التشدد والتضييق منهجٌ غير سديد، فكذلك أيضا التساهل في الفتيا منهجٌ غير سديد.
المنهج الثالث: الاعتدال فلا تشديد ولا تساهل، الاعتدال فلا تشديد ولا تساهل، مع النظر في الأصول والقواعد الشرعية، والنظر كذلك في مقاصد الشريعة، قال الشاطبي - رحمه الله - المفتي البالغ ذروة الاجتهاد هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور، فلا يذهب بهم مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال، قال: والدليل على صحة هذا أن هذا هو الصراط المستقيم، فإن الصراط المستقيم وسط بين طرفين، فإن هذا هو الصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة.
فإن مقصد الشارع من المكلف الحمل على التوسط من غير إفراط ولا تفريط، قال: أما طرف التشديد فإنه مهلكة، وأما طرف الانحلال فكذلك، لأن المستفتي إذا ذهب به مذهب العنت والحرج بغض إليه الدين، وأدى إلى الانقطاع عن سلوك طريق الآخرة وهو مشاهد، وأما إذا ذهب به مذهب الانحلال كان مظنة للمشي على الهوى والشهوة، والشرع إنما جاء بالنهي عن الهوى واتباع الهوى مهلك إلى آخر ما قال.
فالشاطبي - رحمه الله - ينصر هذا المنهج، يقول: إنه هو الطريق المستقيم، الاعتدال، فلا تشدد ولا تساهل، ولكن هذا المنهج هو وإن كان هو المنهج السديد إلا أن العلماء أجازوا للمفتي أن يتشدد في الفتيا على سبيل السياسة، على سبيل السياسة لمن هو مقدم على المعاصي متساهل فيها، فإذا رأى المفتي شخصا متساهلا في هذه المعاصي فهنا يسلك معه مسلك التشديد، وكذلك أن يبحث عن التيسير والتسهيل على ما تقتضيه الأدلة لمن هو مشدد على نفسه أو على غيره، ليكون مآل الفتوى أن يعود المستفتي إلى الطريق الوسط.
إذا عرفنا أن المنهج السديد في دراسة النوازل هو أن يسلك طالب العلم مسلك الاعتدال، فلا تشديد ولا تساهل وانحلال، هذا هو المنهج السديد في دراسة النوازل، وأحسب أن هذا المنهج هو الذي تسلكه المجامع الفقهية والهيئات العلمية، فإنها تضم نخبة من الفقهاء، وهم يسلكون هذا المسلك مسلك الاعتدال فلا تشديد على الناس، ولا أيضا تساهل وانحلال في الفتيا.
وهناك أمر مهم ينبغي التنبه له عند دراسة النوازل، وهو النظر إلى مقاصد الشريعة، وهو ملحظ مهم جدا، لا بد من النظر إلى مقاصد الشريعة، فعندما تكون النازلة مثلا متعلقة بأمرٍ متعلق بالربا، فننظر إلى مقصد الشريعة، نجد أن الشريعة فيما يتعلق بالربا شددت فيه تشديدا عظيما، حتى إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن آكل الربا ومؤكله، وكاتبه وشاهديه، وقد أذن الله - تعالى -آكل الربا بالحرب حتى إن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن بيع الرطب بالتمر، كما في حديث سعد بن أبي وقاص عند أصحاب السنن، سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال - عليه الصلاة والسلام -: أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم، قال: فلا إذن يعني إذا أردت أن تبيع كيلو تمر بكيلو رطب مع التقابض لا يجوز، لماذا؟ لأن هذا الرطب سوف ينقص إذا يبس مع أن الفارق يسير جدا، ومع ذلك منع منه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحرم النبي - صلى الله عليه وسلم - بيع العينة لأنه ذريعة للربا، وسدت الذرائع الموصلة للربا، فنجد أنه في باب الربا شددت الشريعة فيه، فننظر إلى هذا المقصد ونشدد فيما كان متعلقا بأمر الربا.
لكن لو مثلا يعني نظرنا إلى المسائل التي يلحق الناس فيها حرج ومشقة مثل مسائل مثلا الرمي في الحج يلحق الناس حرج كبير ومشقة، وهنا يسلك مسلك التيسير على الناس، لأن هذا مقصد شرعي، وما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شيء قدم ولا أخر يوم النحر إلا قال: افعل ولا حرج، ولهذا أجاز العلماء في الوقت الحاضر الرمي بالليل، ومع أن هذا لم يكن موجودا من قبل، لكن اعتبروا أن هذه نازلة، لما كثر الناس وكثر الحجاج، وأصبحوا بالملايين، يعني فاقوا المليون، وهنا نظر الفقهاء في هذا، ونظروا إلى المقاصد الشرعية، وأفتى عامة العلماء في الوقت الحاضر بجواز الرمي ليلا، فإذا لا بد من العناية بالنظر إلى مقاصد الشريعة فيما يتعلق بدراسة النوازل.
مدارك الحكم على النوازل
قال ابن القيم - رحمه الله - لا يتمكن المفتي ولا الحاكم بالحق إلا بنوعين من الفهم، لا يتمكن المفتي ولا الحاكم بالحق إلا بنوعين من الفهم، الأول: فهم الواقع والفقه فيه، الثاني: فهم حكم الله ورسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر، نعم قال ابن القيم: إنه لا يتمكن المفتي ولا الحاكم بالحق إلا بنوعين من الفهم، الأول: فهم الواقع والفقه فيه، الثاني: فهم حكم الله ورسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر.
فلا بد إذا من هذين الفهمين، فلا بد عند النظر للنوازل:
أولا: التصور الصحيح والدقيق للمسألة، وهذا له أثر في الحكم على تلك النازلة، وكما ذكرت إن هذا التصور ربما يكون يشكل على بعض العلماء المعاصرين بسبب تعقد بعض المسائل وتشابكها وتداخلها، ومن هنا فنحن نحتاج إلى الاجتهاد الجماعي عند دراسة النوازل، وذلك حتى يستعان بالمختصين في تلك المسائل وفي تلك النوازل، وحتى لو لم يعني يكن هناك اجتهاد جماعي في بعض المسائل، فلا بد أن يسأل الدارس لتلك النازلة يسأل المختصين عنها حتى يتصورها تصورا صحيحا، وهذا إن شاء الله - تعالى -سيأتي له أمثلة عند دراسة بعض النوازل.
الأمر الثاني: التكييف الفقهي للنازلة، وذلك بأن تصنف النازلة وترد إلى أصل من الأصول الشرعية، تصنف النازلة وترد إلى أصل من الأصول الشرعية، فيعرف ما هو التكييف الفقهي لها، يعني على سبيل المثال ودائع البنوك ما التكييف الفقهي لها؟! هل هي فعلا وديعة كما تسمى؟ فعندما ننظر إلى هذه الوديعة ننظر أنها في التكييف الفقهي لها في قول أكثر العلماء المعاصرين أنها قرض وليست وديعة، لأن الإنسان عندما يعطي البنك هذا المبلغ يتصرف المصرف أو البنك في هذا المبلغ، ويضمنه بكل حال حتى لو تلف من غير تعد ولا تفريط، وهذا من شأن القرض وليس من شأن الوديعة، ولهذا فإن ما يسمى بودائع البنوك عندما تكيف تكييفا فقهيا فإنها قرض وليست وديعة، والعلاقة بين العميل والبنك هي علاقة مقرض بمقترض.
الأمر الثالث: تطبيق الحكم على النازلة، تطبيق الحكم على النازلة التطبيق الصحيح، التطبيق الصحيح، وهذا أمر في غاية الأهمية، أضرب لهذا مثالا ما يسمى بالشركات المساهمة المختلطة، اختلف فيها العلماء على قولين: سبق أن تكلمنا في الدورة الماضية عن تفاصيل هذا الخلاف، وأقوال العلماء، وأدلتهم فيها، لكن أشير هنا باختصار أقول: إن من أجاز الدخول في الشركات المختلطة، أو بعض من أجاز الدخول في الشركات المختلطة استدلوا بقواعد فقهية صحيحة، لكنها لا تنطبق على هذه المسألة.
ومن ذلك مثلا قالوا: إذا اختلط المال الحلال بالحرام غلب جانب الحلال، هذه قاعدة صحيحة، لكنها لا تنطبق على هذه المسألة، لأن من يدخل في الشركات المختلطة ويساهم فيها هو في الحقيقة يملك جزءا من هذه الشركة فتنسب له أعمال الشركة، ومنها التعاملات المحرمة، فهذه قواعد صحيحة يستدلون بها، وهي قواعد فقهية صحيحة، ومقررة عند العلماء، لكنها لا تنطبق على هذه المسألة، فلا بد أيضا عند دراسة النوازل تطبيق الحكم على النازلة التطبيق الصحيح.
تختلف الفتوى في مسألة معينة عن القواعد التي تكون، أو تراعى عند دراسة النوازل، الفتوى في مسألة معينة يراعى فيها حال المستفتي، وحال الزمان، وحال المكان، فلو أتى مثلا مستفتٍ عنده شيء من الوسوسة في الطهارة، أو في أمر معين، فينبغي أن يراعي المفتي حال هذا الإنسان، ولا يفتي هذا الإنسان الذي عنده وسوسة كغيره، وكذلك لو أتى إنسان عنده شيء من التساهل فيراعي حاله، ولكن عندما يقرر حكم شرعي في نازلة فإنها تراعى القواعد التي ذكرها العلماء في دراسة النوازل.
من المزالق عند دراسة النوازل:
أولا: تقسيم النازلة إلى أجزائها، تفكيك النازلة وتقسيمها إلى أجزاء، ومن ذلك على سبيل المثال، التورق المنظم الذي يجري في البنوك، فصورة التورق المنظم أن يأتي الإنسان إلى البنك يريد منه سيولة، فيقول البنك: أنا عندي حديد أو معادن أو غير ذلك من السلع، وأبيعها عليك بالتقسيط، ثم توكلني في بيعها على طرف ثالث، وبعد ساعة أو أقل أو أكثر ينزل في رصيدك ما تريد من السيولة النقدية.
هذه الصورة بعض العلماء أجازها؛ لأنه نظر إلى هذه الصورة، وهذه المسألة مفككة نظر للتورق قال: التورق جائز، التوكيل البنكي التوكيل جائز، فهذه وكالة وتورق، وقال بالجواز، لكن لا يصح هذا النظر بهذه الطريقة، بل لا بد أن ننظر إلى صورة المسألة كلية، فننظر إلى أن هذه في الحقيقة هي حيلة على الربا، فالتورق القول الصحيح أنه يجوز، لكن التورق الذي يمارس بهذه الطريقة لا يجوز؛ لأن ترتيب المسألة بهذه الطريقة أخرجها من دائرة الجواز إلى دائرة الحظر، فأصبحت المسألة ما هي إلا حيلة على الربا مجرد أن هذا العميل يعبأ له أوراق، ينزل في رصيده ما أراد من السيولة النقدية، فيعطيه البنك ما أراد من السيولة النقدية، ويثبت في ذمته مبلغا أكثر منه بإجراءات بسيطة بمجرد تعبئة هذه الأوراق ويتولى البنك، كما أنه يبيع عليه هذه السلعة يتولى بيعها على طرف ثالث، هذه النظرة غير صحيحة، وغير مستقيمة، تفكيك المسألة بهذه الطريقة غير مستقيم، فهذا من المزالق في دراسة النوازل.
ومن ذلك أيضا التأثر بضغط الواقع، التأثر بضغط الواقع، فيتأثر بعض الناس عندما يدرس نازلة من النوازل بضغط الواقع، فيفتي بالجواز مثلا في هذه المسألة بسبب ضغط الواقع، وهذا منهج غير سديد، بل ينبغي أن يبين حكم الله ورسوله، سواء وافق هوى الناس أو خالف هوى الناس، بل ينبغي أن يخضع واقع الناس لحكم الله ورسوله، ولو كان هذا الحكم فيه شدة، فشرع الله - تعالى -لا يخضع لأهواء الناس، بل ينبغي أن تخضع أهواء الناس لشرع الله - تعالى -.
ولهذا في الشركات المختلطة لما تأثر بعض الناس بضغط الواقع، يمكن كان قبل سنوات لا يكاد يوجد شركة مساهمة تخلو من التعاملات الربوية، فقال بعض الناس كيف نحرم الأمة من هذه الشركات إذا كان هذا هو واقع الشركات في العالم الإسلامي، فكيف نحرم الأمة من هذه الشركات، فتأثروا بضغط الواقع وأفتوا بالجواز، بجواز الدخول في هذه الشركات مع التطهير.
والواقع أننا نقول: إذا كانت هذه الشركات متورطة في الربا، فنقول: الدخول فيها حرام، ولو حرمنا الدخول في جميع الشركات، إذا كانت متورطة في الربا، فالدخول فيها حرام، فلماذا نتأثر بضغط الواقع؟! ينبغي لطالب العلم أن ينظر إلى المسألة بغض النظر عن ضغط الواقع، فلا يؤثر ضغط الواقع عليه لكي يفتي بحكم معين، بل ينبغي أن يجتهد في معرفة حكم الله ورسوله، سواء وافق هوى الناس أو لم يوافق هوى الناس.
وأما المنهج الذي نسير عليه إن شاء الله - تعالى -في هذه السلسلة من الدروس فنذكر النازلة ونصورها أولا تصويرا دقيقا حتى يتضح المقصود بها، ثم نبين آراء العلماء المعاصرين فيها، ونذكر أدلتهم، ونناقش تلك الأدلة، ونبين القول الراجح فيها، وننقل آراء المجامع الفقهية والهيئات العلمية في تلك النازلة إن وجد فيها شيء من ذلك، على أننا لن نذكر إن شاء الله - تعالى -في هذه الدروس نازلة إلا وقد سبق أن تكلم فيها أحد العلماء، أو أنه صدر فيها قرار مجمع فقهي أو من هيئة علمية، فلن أتكلم في مسألة لم أسبق إليها؛ لأنني أرى أيضا أن هذا من المنهج السديد عدم التسرع في الحكم على النوازل، عدم التسرع في الحكم على النوازل، لأن هذه النوازل تحتاج إلى تأنٍ وإلى تقليب النظر، وإلى مناقشة، وحتى يتجلى ويتضح الحكم الشرعي فيها.
وسوف نذكر إن شاء الله - تعالى -أبرز النوازل التي يحتاج إليها الناس في واقعهم سوف نبدأ اعتبارا من الدرس القادم إن شاء الله - تعالى -بذكر النازلة الأولى، ثم نسير على هذا النهج لنكون مع نهاية هذه السلسلة من الدروس، قد ذكرنا عددا من النوازل التي يحتاج إليها الناس في واقعهم، وأسأل الله - عز وجل - أن يرزقنا العلم النافع، ويوفقنا للعمل الصالح، ويوفقنا لما يحبه ويرضاه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 14-11-2021, 12:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه النوازل

فقه النوازل (2)

حكم مياه المجاري بعد تنقيتها ومعالجتها من حيث الطهارة والنجاسة

سعد بن تركي الخثلان


بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علما نافعا ينفعنا.
كنا قد تكلمنا في الدرس السابق عن الجانب التأصيلي لفقه النوازل، ونبدأ في هذا الدرس بدراسة بعض النوازل، ونبدأ بالنوازل المتعلقة بكتاب الطهارة، وبين أيدينا عدد من النوازل، وسوف نبدأ إن شاء الله بالمسألة الأولى.
المسألة الأولى: حكم مياه المجاري بعد تنقيتها ومعالجتها من حيث الطهارة والنجاسة.
ثم المسألة الثانية: أثر التطهير بالبخار في إزالة النجاسة.
والمسألة الثالثة: الأصباغ التي توضع على الشعر حكمها، وأثرها بالنسبة للطهارة.
والمسألة الرابعة: الرموش الصناعية حكمها وأثرها على طهارة المرأة.

ونبدأ بالمسألة الأولى: وهي مياه المجاري بعد معالجتها:
فنقول مياه المجاري في الوقت الحاضر أصبحت تعالج عبر عمليات كيميائية عن طريق أجهزة متقدمة، وقد ذكر أهل الاختصاص أنها تمر بعدة مراحل، تمر بأربعة مراحل، فتمر على ما ذكره أهل الاختصاص بالتنقية، ثم التهوية، وقتل الجراثيم، والتعقيم، فهي تمر بهذه المراحل الأربع، الترسيب، والتهوية، وقتل الجراثيم، والتعقيم، هذه هي المراحل التي تمر بها مياه المجاري لتنقيتها.
يقولون المرحلة الأولى: الترسيب، الثانية: التهوية، الثالثة: قتل الجراثيم، الرابعة: التعقيم، فإذا مرت هذه المياه بهذه المراحل الأربع، الترسيب والتهوية وقتل الجراثيم والتعقيم، فإنه لا يبقى للنجاسة أي أثر لا من جهة اللون، ولا من جهة الطعم، ولا من جهة الرائحة، فهل نقول: إن هذه المياه بعد هذه المعالجة أصبحت طاهرة يجوز التوضؤ بها؟
هذه في الحقيقة من النوازل، لأن هذه التنقية على هذا الوجه، لم تكن معروفة من قبل، ولكن يمكن رد هذه المسألة إلى مسألة ذكرها الفقهاء المتقدمون، ذكرها فقهاؤنا - رحمهم الله -، وهي مسألة هل يتعين الماء لإزالة النجاسة؟ وعلى ضوء هذه المسألة يمكن أن نعرف الحكم في هذه النازلة، فنريد أولا نبحث هذه المسألة، وهي هل يتعين الماء لإزالة النجاسة؟ أو أنه لا يتعين فتزول النجاسة بأي مزيل كالشمس والريح ونحو ذلك، فنبحث إذا أولا هذه المسألة المفرع عليها، ثم نعود لبيان حكم النازلة.
فنقول اختلف الفقهاء في هذه المسألة أعني هل يتعين الماء لإزالة النجاسة أو أنه لا يتعين؟ اختلفوا على قولين مشهورين:
القول الأول: أنه يتعين الماء لإزالة النجاسة، أنه يتعين الماء لإزالة النجاسة، فلا تزول النجاسة بمزيل آخر غير الماء، وهذا القول هو المشهور من مذهب الحنابلة، وهو مذهب المالكية والشافعية.
واستدل أصحاب هذا القول بعموم الأدلة التي تدل على أن الماء مطهر، ومزيل للنجاسة، ومنها قول الله - تعالى -: "وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا "وكذلك ما جاء في الصحيحين في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يصب على بوله ذنوبا من ماء أو دلوا من ماء، وأيضا هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان هديه في إزالة النجاسة أنه كان يزيلها بالماء إلى غير ذلك مما ورد من أن النجاسة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كانت تزال بالماء.
القول الثاني في المسألة: أنه لا يتعين الماء لإزالة النجاسة، بل يمكن أن تزول النجاسة بأي مزيل، فكما أنها تزول بالماء، فيمكن أن تزول كذلك بالشمس وبالريح وبأي مزيل كان، وهذا هو مذهب الحنفية، وهو رواية عند الحنابلة، وقول عند المالكية والشافعية، وهذا القول هو الذي عليه عامة المحققين من أهل العلم، وهو اختيار المجد ابن تيمية، وحفيده شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم رحمة الله - تعالى -على الجميع.
وهذا القول الأخير هو الأظهر في هذه المسألة والله أعلم، وهو أنه لا يتعين الماء لإزالة النجاسة، بل يمكن أن تزول النجاسة بأي مزيل كان، وذلك لأن الأصل في الأشياء الطهارة، وقد طرأت هذه النجاسة الخبيثة، فمتى ما زالت هذه النجاسة الطارئة بأي مزيل كان، عاد الشيء إلى طهارته، ثم إن إزالة النجاسة من باب اجتناب المحظور، لا من باب فعل المأمور، واجتناب المحظور إذا حصل بأي سبب ثبت به الحكم، ولهذا فإنه لا يشترط لإزالة النجاسة النية، فلو نزل المطر من السماء على نجاسة فإنها تزول.
وأما ما استدل به أصحاب القول الأول من عمومات النصوص التي تدل على أن الماء مطهر وتزول به النجاسة، فغاية ما تدل له تلك الأدلة أن الماء مطهر، لكنها لا تدل على أن غير الماء ليس مطهرا، هي صحيح تدل على أن الماء مطهرٌ لكنها لا تدل على أن غير الماء ليس مطهرا، ولو تأملنا في العمومات التي استدلوا بها: "وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا "وما استدلوا به من عمومات الأدلة فهي تدل على أن الماء مطهر، لكن أين الدلالة منها على أن غير الماء ليس بمطهر، ولهذا نقول: إن الصواب في هذه المسألة هو أنه لا يتعين الماء لإزالة النجاسة، وأنها يمكن أن تزول بأي مزيل كان بالشمس بالريح وبغيرها.
وعلى ذلك ننزل هذه النازلة على هذه المسألة، فنقول ما دمنا قد رجحنا أن النجاسة تزول بأي مزيل كان فيمكن أن تزول النجاسة بمعالجتها بالطرق الكيميائية، وحينئذ نقول: إن مياه المجاري بعد معالجتها تصبح من المياه الطاهرة، مياه المجاري بعد معالجتها تصبح من المياه الطاهرة، وذلك لأنها في الأصل مياه طاهرة طرأت عليها نجاسة، ثم زالت هذه النجاسة بهذه الطرق الكيميائية بحيث لم يصبح لهذه النجاسة أثر من لون أو طعم أو رائحة، فتكون هذه المياه مياه المجاري طاهرة، وهذا الحكم الذي ذكرته بحث في مجلس هيئة كبار العلماء قديما، وكذلك أيضا بحث في مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي، وكلا المجلسين مجلس هيئة كبار العلماء، ومجلس مجمع الفقه الإسلامي قرر أن مياه المجاري إذا عولجت فإنها تكون طاهرة.
وبين يدي الآن قرار الهيئة وقرار المجمع الفقهي، وهو القرار الخامس في الدورة الحادية عشر المنعقدة في الثالث عشر من رجب 1409 جاء في القرار، وبعد مراجعة المختصين بالتنقية بالطرق الكيمياوية، وما قرروه من أن التنقية تتم بإزالة النجاسة منه على مراحل أربعة، وهي الترسيب، والتهوية، وقتل الجراثيم، وتعقيمه بالكلور، فلا يبقى للنجاسة أثر في طعمه ولونه وريحه، وهم مسلمون عدول موثوق بصدقهم وأمانتهم، قرر المجمع ما يأتي:
أن مياه المجاري إذا نقيت بالطرق المذكورة، أو ما يماثلها، ولم يبق للنجاسة أثر في طعمه ولا في لونه ولا في ريحه، صار طهورا يجوز رفع الحدث وإزالة النجاسة به، بناء على القاعدة الفقهية التي تقرر أن الماء الكثير الذي وقعت فيه نجاسة يطهر بزوال هذه النجاسة منه إذا لم يبق لها فيه أثر والله - تعالى -أعلم.
وأيضا قرار هيئة كبار العلماء كان سابقا لقرار المجمع الفقهي، وقرار لهيئة كبار العلماء ذكروا التفريع على مسألة إذا تغيرت النجاسة، إذا تغيرت النجاسة بغير الماء، فجاء فيه بناء على ما ذكره أهل العلم من أن الماء الكثير المتغير بنجاسة يطهر إذا زال التغير بنفسه، أو بإضافة ماء طهور إليه، أو زال تغيره بطول مكث، وتأثير الشمس، ومرور الرياح عليه، أو نحو ذلك لزوال الحكم بزوال علته، حيث إن المياه المتنجسة يمكن التخلص منها بعدة وسائل إلى آخره، لذا فإن المجلس يرى طهارتها بعد تنقيتها التنقية الكاملة، بحيث تعود إلى خلقتها الأولى لا يرى فيها تغير بنجاسة من طعم ولا لون ولا ريح، ويجوز استعمالها في إزالة الأحداث والأخباث، وتحصل الطهارة بها منها.
إذا هي مياه طاهرة يجوز استعمالها في الطهارة، يجوز التوضؤ بها،
لكن هل يجوز استعمالها في الأكل والشرب؟ هنا في قرار الهيئة جاءت الإشارة لهذه المسألة، كما يجوز شربها إلا إذا كانت هناك أضرار صحية تنشأ عن استعمالها فيمتنع ذلك محافظة على النفس، وتفاديا للضرر لا لنجاستها، والمجلس إذ يقرر ذلك يستحسن الاستغناء عنها باستعمالها للشرب متى وجد إلى ذلك سبيل، احتياطا للصحة واتقاء للضرر وتنزها عما تستقذره النفوس وتنفر منه الطباع.

إذا هذه المسألة كما ذكرنا هي الحكم في هذه المياه أنها تصبح مياه طاهرة يجوز التوضؤ بها واستخدامها في الطهارة، ولكن الأولى على سبيل الأولوية فقط عدم استخدامها في الأكل والشرب احتياطا، وأيضا لأنها ربما تكون مما تتقذر منه بعض النفوس، هذا هو حاصل الكلام في هذه النازلة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 23-11-2021, 12:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه النوازل

فقه النوازل (3)

ا
لتنظيف بالبخار

سعد بن تركي الخثلان


التنظيف بالبخار

وننتقل بعد ذلك إلى النازلة الثانية، وهي التنظيف بالبخار، أو ما يسمى بالتنظيف الجاف، التنظيف الجاف، نقول: إن بعض الملابس كملابس الصوف، والمشالح، وأنواع من الملابس يفسدها غسلها بالماء، وتغسل بالبخار، فلو افترضنا أن هذه الملابس وقع عليها نجاسة، هذا المشلح مثلا، أو هذا اللباس من الصوف ونحو ذلك وقع عليها نجاسة فغسلت بالبخار، ومعلوم أنه عند الغسل بالبخار لا تغسل بالماء، وإنما تغسل بالبخار فقط، فهل غسلها بالبخار كاف في إزالة النجاسة الواقعة عليها؟ نقول أولا:

التنظيف بالبخار، أو ما يسمى بالتنظيف الجاف حقيقته: أنه عبارة عن إزالة النجاسة والأوساخ بمزيل سائل غير الماء، ثم استعمال بخار الماء، عند الغسل بالبخار يستخدم مزيل سائل غير الماء، ثم يستخدم بعد ذلك بخار الماء.
وذلك كيفية ذلك توضع بعض المركبات الكيميائية على الثوب المراد غسله، لإزالة ما علق به من أوساخ أو نجاسة، وبعد وضع هذه المادة تغسل ببخار الماء غسلا لا يصل إلى حد تقاطر الماء، وإنما بالبخار فقط، وفي هذه الطريقة نلاحظ أنه ليس هناك غسل بالماء بالمعنى المعروف، وإنما يعني ليس هناك غسل بالماء بالمعنى الذي يصل إلى حد تقاطر الماء، وإنما توضع هذه المادة، ثم من بعدها يغسل بالبخار، فهل هذا يكفي في إزالة النجاسة؟
هذه المسألة في الحقيقة يمكن تفريعها على المسألة السابقة التي فرعنا عليها النازلة الأولى، وهي هل يتعين الماء لإزالة النجاسة، أو لا يتعين؟ سبق أن ذكرنا خلاف الفقهاء في هذه المسألة وأن القول الصحيح عند عامة المحققين من أهل العلم أنه لا يتعين الماء لإزالة النجاسة، وأن النجاسة عين خبيثة طارئة، متى زالت بأي مزيل فإنها يحصل بها إزالة النجاسة وتحصل بها الطهارة التي هي الأصل في الأشياء.
وحينئذ نقول: إنه في هذه المسألة يحصل بهذا التنظيف بالبخار يحصل إزالة النجاسة، والتنظيف بهذه الطريقة يطهرها من النجاسة وتزول عين النجاسة بهذه الطريقة، ولو لم يحصل هناك غسل بالماء فيكون الغسل بالبخار كاف في إزالة النجاسة الواقعة على اللباس. وممن أفتى بهذا من العلماء المعاصرين الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - فقد أفتى بأن الغسل بالبخار كاف في إزالة النجاسة التي توجد على بعض الملابس.
هناك مسألة أخرى متفرعة عن هذه المسألة وهي الأشياء التي وقعت عليها نجاسة لكنه يضر غسلها بالماء، يحصل الضرر من غسلها بالماء، ونمثل لذلك مثلا بالأوراق النقدية معك في جيبك خمسمائة ريال وقعت عليها نجاسة، نفترض مثلا أنها وقعت منك في دورة المياه وأصابتها نجاسة ماذا تعمل؟ لو غسلتها لو غسلت هذه الخمسمائة ريال بالماء فلربما تلفت وتركها إضاعة للمال، فنحن بين أمرين: إما أن تتركها فيكون هذا إضاعة للمال، وإما أن تغسلها فتتلفها بهذا الغسل.
ومثل ذلك أيضا الأوراق المهمة لو كان معك مثلا صك أو ورقة مهمة وقع عليها نجاسة سقطت منك مثلا في دورة المياه، وتيقنت أنها قد وقعت عليها نجاسة فكيف تزيل هذه النجاسة؟ لو غسلتها لأتلفتها، فكيف تزال هذه النجاسة؟
نقول: هذه المسألة، يمكن ردها إلى قاعدة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وهي أن الأشياء التي تتضرر باستعمال الماء يكفي فيها المسح، هذه القاعدة قررها شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله - أن الأشياء التي تتضرر باستعمال الماء يكفي فيها المسح ولا يلزم غسلها.
وبناء على ذلك نقول في مسألتنا: هذه الأوراق النقدية أو غيرها من الأوراق المهمة، إذا وقع عليها نجاسة وكان غسلها بالماء يتلفها، وحينئذ يكفي فيها المسح، يكفي مسحها، ومسحها كاف في إزالة النجاسة الواقعة عليها، وهذا المسح في الواقع تزول به عين النجاسة.

هذا حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة، نحن فرعنا هذه المسألة على القاعدة التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله - ونقول: إن المسح يكفي في إزالة النجاسة في هذه الحال نعم.
ودليله ما ذكرنا أن النجاسة إذا زالت بأي مزيل كان فإنها تزول، يقول: إن النجاسة هنا يمكن إزالتها عن طريق المسح.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12-12-2021, 12:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه النوازل

فقه النوازل (4)

أصباغ الشعر والميش الذي تستخدمه بعض النساء

سعد بن تركي الخثلان



النازلة الثالثة:
متعلقة بالأصباغ، أصباغ الشعر، ويتفرع عنها ما يسمى عند النساء بالميش، الميش الذي تستخدمه بعض النساء، وكذلك التشقير، فنبدأ أولا بالكلام عن الأصباغ ويمكن تقسيمها من حيث نوعية الأصباغ إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أصباغ نباتية، مثل: الحناء.
القسم الثاني: أصباغ معدنية، تحتوي على مركبات معدنية مثل: الكبريت والرصاص والنحاس ونحو ذلك.
القسم الثالث: مبيضات الشعر أو مشقرات الشعر، وهذه تتم عن طريق استخدام الأوكسجين أو البروكسيد، هذه هي أقسام الأصباغ.
ومن حيث الطهارة يمكن تقسيمها إلى قسمين:
القسم الأول: أصباغ ذات لون فقط وليس لها جرم. والثاني: أصباغ لها جرم.
أما القسم الأول وهو الأصباغ ذات اللون فقط، وليس لها جرم، فهذا هو الغالب على الأصباغ، وهذه الأصباغ التي لها لون وليس لها جرم، وليس لها طبقة عازلة تمنع وصول الماء إلى الشعر، هذه لا تؤثر على الطهارة، سواء كانت الطهارة الصغرى أو الطهارة الكبرى، وحينئذ فهي حكمها من حيث الطهارة أنها لا تؤثر على الطهارة.
ومن أمثلة ذلك لون الحناء إذا وضعت المرأة على رأسها حناء فاكتسب لون الحناء، وكذلك أيضا الأصباغ الأخرى التي تستخدمها النساء بحيث يتغير لون الشعر من لون إلى لون آخر فهذه الأصباغ لا تؤثر على الطهارة.
أما القسم الثاني: وهي الأصباغ التي لها جرم أو طبقة بحيث تمنع وصول الماء إلى الشعر هذه يجوز استخدامها حتى يحتاج الإنسان إلى الطهارة الكبرى، فإذا احتاج إلى الطهارة الكبرى وجب إزالتها، فإن كانت مما لا يزول فليس له استخدامها أصلا؛ لأنها تمنع وصول الماء إلى الشعر.
ونوضح هذا بمثال مثلا وضع الحناء الرطب على الشعر عندما تضع المرأة على رأسها الحناء، ثم تلفه، ولنفترض أن هذه المرأة وضعت الحناء على رأسها في الليل ثم أرادت أن تصلي صلاة الفجر، فعندما تتوضأ نقول: أن لا بأس أن تمسح من فوق الحنا، لا بأس أن تمسح من فوق الحناء، ولا يلزمها إزالة الحناء في الطهارة الصغرى، يعني في الوضوء، وإنما تمسح من فوقه، والدليل لذلك ما جاء في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبد شعر رأسه في حجة الوداع والتلبيد شيء شبيه بالصمغ أو العسل، وكان شعر النبي- صلى الله عليه وسلم - طويلا ومدة إحرامه - عليه الصلاة والسلام - كانت خمسة عشر يوما، فإنه أحرم في الخامس والعشرين من ذي القعدة وبقي على إحرامه إلى العاشر من ذي الحجة؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - كان قارنا فلم يتحلل من إحرامه، فلبد شعر رأسه صيانة لشعره - عليه الصلاة والسلام - من الغبار والأوساخ ونحوها فكان - عليه الصلاة والسلام - خلال هذه المدة خمسة عشر يوما كان يمسح على هذا التلبيد.
فنقول: ما كان في معناه كالحناء ونحوه، يجوز المسح عليه ولا يلزم إزالته في الطهارة الصغرى، وأما في الطهارة الكبرى فلا بد من إزالته، ففي المثال السابق إذا وضعت المرأة هذا الحناء على شعرها نفترض أنها أرادت أن تغتسل غسل الجنابة أو غسل الحيض فلا بد أن تزيل هذا الحناء من على رأسها؛ لأنه يمنع وصول الماء إلى الشعر، وهكذا ما كان في معنى الحناء من الأصباغ ذات الطبقة السميكة، إذا هذا هو ما يتعلق بهذه الأصباغ من حيث الطهارة.
وننتقل بعد ذلك إلى مسألة متفرعة عن هذه المسألة وهي ما يسمى بالميش، وهي صبغة مشهورة عند النساء، وقبل أن نبين الحكم نريد أن نعرف حقيقة هذه الصبغة، نقول: إن أهل الاختصاص يقولون: إن هذه الصبغة هي عملية تقوم فيها المرأة التي تعمل الميش بسحب اللون من الشعر عن طريق الأوكسجين، فإذا سحب اللون من الشعر فإنه يصبح إما أبيض أو أصفر ثم تختار المرأة ما أرادت من الألوان وتضعه على هذا الشعر، ويقول أهل الاختصاص: إن الصبغة والميش يشتركان في أنهما يتمان عن طريق استخدام الأوكسجين، إلا أن الصبغة تكون نسبة اللون أكثر من الأوكسجين، بينما في الميش تكون نسبة اللون أقل من الأوكسجين.

ونلاحظ هنا أنه ليس هناك طبقة عازلة في هذه العملية وإنما المسألة كلها مسألة تغيير لون، بسحب اللون الأصلي ووضع لون آخر مكانه عن طريق استخدام الأوكسجين وبعض المواد.
فإذا فهمنا الميش بهذه الطريقة نستطيع بعد ذلك أن نعرف الحكم الشرعي فيه، فنقول: إن الميش بهذا التوصيف لا بأس به؛ لأن الأصل في الزينة بالنسبة للمرأة الحل والإباحة، الأصل هو الحل والإباحة في هذا الباب، إلا ما ورد الدليل بمنعه، والميش يكون بغير الأسود؛ لأنه في الحقيقة سحب للون الأسود في الشعر ووضع لون آخر مكانه، وحينئذ نقول: إنه من حيث الحكم لا بأس به.
ومن العلماء المعاصرين من منع منه، وقال: إنه يمنع وصول الماء إلى الشعر، ولكن هذا محل نظر؛ إذ إنه من خلال ما ذكره أهل الاختصاص هو مجرد نزع لون من الشعر ثم وضع لون آخر مكانه عن طريق الأكسجين، فالمسألة هي مسألة تغيير لون فقط، فليس هناك طبقة تمنع وصول الماء إلى الشعر، وهذا يؤكد ما ذكرناه في درس الأمس من أهمية تصور المسألة تصورا صحيحا، إذ إنه على ضوء التصور الصحيح للمسألة يكون الحكم الشرعي، فأهل الاختصاص يذكرون أنه ليس هناك طبقة تمنع وصول الماء إلى الشعر، وإنما المسألة كلها مجرد سحب لون واستبداله بلون آخر، ولهذا نقول: إنه لا بأس به، ونقول أيضا: إنه لا يمنع وصول الماء إلى الشعر فلا يؤثر على الطهارة بالنسبة للمرأة.
وننتقل إلى مسألة أخرى متفرعة عن هذه النازلة، وهي ما يسمى بالتشقير، ما يسمى عند النساء بالتشقير، ويكثر سؤال النساء عن هذه المسألة "التشقير" وإذا استمعت إلى أي برنامج استفتاء تجد أنه في الغالب لا يخلو من سؤال عن هذه المسألة.
صفة التشقير: أن تعمد المرأة إلى جزء من شعر الحاجب وتصبغه بلون قريب من لون بشرة وجهها بحيث يظن الرائي لهذه المرأة أنها نامصة وأنها قد رققت حواجبها، وهي في الحقيقة لم تقص شيئا من شعر الحاجب ولكن اللون القريب من البشرة الذي وضعته على جزء من شعر الحاجب أخفى جزءا من هذا الشعر، فأصبحت هذه المرأة المشقرة تشبه النامصة، فهل يعتبر هذا من النمص المحرم، وما أثره على الطهارة؟
أما أثره على الطهارة فظاهر أنه لا يمنع وصول الماء إلى البشرة ولا إلى الشعر، فحكمه من حيث الطهارة الأمر فيه ظاهر وهو أنه لا يمنع وصول الماء، مجرد تلوين فقط، مجرد تلوين يوضع على هذا الشعر فلا يمنع وصول الماء إلى الشعر ولا إلى البشرة.
ولكن حكمه في الأساس اختلف العلماء المعاصرون في حكمه على قولين، ومنشأ الخلاف في هذه المسألة، منشأ الخلاف بين العلماء راجع إلى مسألة أخرى وهي: هل النمص يختص بإزالة الشعر فقط؟ هل النمص يختص بإزالة شعر الحاجبين فقط؟ أو أنه يشمل أيضا ما كان في معناه؟ ومعلوم أن التشقير ليس فيه إزالة للشعر، وإنما فيه تلوين لبعض شعر الحاجب.
فمن العلماء من قال: إن التشقير جائز، قالوا: لأنه ليس بنمص في حقيقة الأمر، فإن النمص هو إزالة شعر الحاجب أو بعضه، فإن النمص هو إزالة شعر الحاجب أو بعضه، وهذا ليس بمتحقق في التشقير، ومن أبرز من قال بهذا القول الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله -.
والقول الثاني في المسألة: إن التشقير محرم؛ لأنه وإن لم تنطبق عليه حقيقة النمص فليس فيه قص ولا أخذ لشعر الحاجب، إلا أنه في معنى النمص، فهو في الحقيقة حيلة على النمص، ولهذا لا تكاد تفرق بين المرأة المشقرة، والمرأة النامصة، وذكر أحد المشايخ أنه رأى امرأة من أقاربه مشقرة فأنكر عليها إنكارا شديدا يظن أنها قد نمصت، وبين لها أن النمص من الكبائر، فأخبرته بأنه تشقير وليس بنمص، فتعجب وقال: إن من يرى المرأة مشقرة لا يفرق في الحقيقة بين المرأة المشقرة والمرأة النامصة. قالوا: فيكون التشقير حيلة على النمص، والعبرة في الشريعة بالمعاني والمقاصد.
ومن أبرز من أفتى بهذا القول وهو القول بتحريم التشقير اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فقد أصدرت قبل سنوات فتوى بتحريم التشقير.
والأقرب، والله أعلم، إلى هذه المسألة هو القول الثاني، وهو تحريم التشقير؛ لأنه هو في معنى النمص حقيقة، وهو في واقع الأمر حيلة على النمص، بدل ما تزيل المرأة بعض شعر الحاجب حقيقة لجأت إلى هذه الحيلة بحيث لا يفرق الرائي بين هذه المرأة النامصة، وبين هذه المرأة المشقرة.
والأصل في هذه الزينة التي تكون على هذا الوجه الأصل فيها المنع، لهذا لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - النامصة والمتنمصة، والواشمة والمستوشمة، والفالجة والمتفلجة، طالبات الحسن المغيرات لخلق الله - عز وجل - هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.
*هناك مسألة مرتبطة بهذه المسألة وهي تحديد الحاجب بقلم أسود يعني عكس هذه المسألة، تحديد الحاجب بقلم أسود، فهذه المرأة لون شعر حاجبها أسود لكنها فقط تريد زيادة تلوين شعر الحاجب، فنقول: إن هذا لا بأس به؛ لأنه ليس بمعنى النمص، فإن النمص هو ترقيق شعر الحاجب، وهذا إنما هو فقط فيه زيادة تلوين شعر الحاجب، فليس في معنى النمص، ولهذا نقول: إن تحديد الحاجب بقلم أسود إنه لا بأس به؛ لأنه في واقع الأمر إنما هو زيادة تلوين لشعر الحاجب.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12-12-2021, 12:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه النوازل

فقه النوازل (5)

الرموش الصناعية

سعد بن تركي الخثلان



الرموش الصناعية
الرموش الصناعية، التي تستخدمها بعض النساء وهي عبارة عن شعيرات رقيقة تصنع من بعض المواد البلاستيكية، وتلصق على الجفن بواسطة مادة لاصقة وتسمى بالرموش الصناعية.
أما حكمها من حيث الطهارة، فهي في الواقع لا تمنع وصول الماء إلى داخل الأهداب، فإذا وضع عليها الماء فإن لها فتحات يصل منها الماء إلى رمش العين، فهي من حيث الطهارة ومن حيث الوضوء والغسل نقول: إن هذه الرموش لا تمنع من وصول الماء إلى الرمش.
ولكن يبقى السؤال عن حكم وضع هذه الرموش، هل تعتبر من قبيل الوصل المحرم أما لا؟ وقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - الواصلة والمستوصلة، وهذا اللعن يقتضي أن الوصل من كبائر الذنوب، وجاء في صحيح البخاري: أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن ابنتي زوجتها وقد أصابتها الحصبة فانمرق شعر رأسها أفأصل شعرها؟ قال: لا، لعن الله الواصلة والمستوصلة وهذا يدل على الوعيد الشديد في الوصل وأنه من كبائر الذنوب، حتى هذه المرأة التي أصابها المرض لم يرخص لها النبي - صلى الله عليه وسلم - لكي تتزين لزوجها فما بالك بغيرها؟
فنقول: هل وضع هذه الرموش الصناعية يعتبر من قبيل الوصل؟ الظاهر والله أعلم أنها تعتبر من قبيل الوصل؛ لأنها تشبه في الحقيقة وصل الشعر بالشعر.
والوصل يمكن أن نقسمه إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يوصل الشعر بشعر طبيعي وهذا محرم باتفاق العلماء.
والقسم الثاني: أن يوصل الشعر بشيء آخر بعيد عن الشعر لا يماثله ولا يشابهه، كأن يوصل بخيوط ونحوها، فهذا لا بأس به، ومن ذلك ما تضعه بعض النساء على الشعر عند لفه وربطه بخيط ونحوه، فمثل هذه الخيوط التي يربط بها الشعر لا بأس بها ولا تعتبر من الوصل، فهذان القسمان الحكم فيهما ظاهر.
القسم الثالث: أن يوصل بشيء يشبه الشعر، وليس بشعر، كأن يكون مصنوعا من البلاستيك ونحوه، فهو قريب من الشعر ويشبهه في الهيئة والشكل وإن كان ليس بشعر في حقيقة الأمر، فهل نقول إنه في حكم الوصل بالشعر الطبيعي؟ هذا محل خلاف بين العلماء والأقرب، والله أعلم، أنه في حكم الوصل بالشعر الطبيعي؛ لأنه قريب من الوصل بالشعر الطبيعي ويشابه الشعر في الهيئة وفي الشكل.
وتفريعا على ذلك نقول: إن الرموش الصناعية هي، والله أعلم، في معنى الوصل المحرم، فيكون استخدامها محرما، يكون استخدامها من قبل النساء محرما، وهذا كما ذكرنا الأصل في هذا هو الحديث الذي ذكرناه قبل قليل، وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: لعن الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، والفالجة والمتفلجة المغيرات للحسن فهذه عندنا فيها هذا الحديث وهو الأصل في هذا الباب.
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - منع من استخدام الزينة على هذا الوجه، إما من جهة الوصل، أو من جهة الوشم، أو تفليج الأسنان أو بردها، يعني بهذه الطريق منع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الزينة على هذا الوجه ويدخل في ذلك - والله أعلم - ما يسمى بالرموش الصناعية فتكون من الوصل المحرم.

هذه هي أبرز النوازل التي أردنا أن نطرحها في هذا الدرس، ونكتفي بما ذكرناه في هذا الدرس، والله - تعالى -أعلم.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15-12-2021, 08:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه النوازل

فقه النوازل (6)

سعد بن تركي الخثلان

القسطرة وأثرها على الطهارة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علما نافعا ينفعنا، ونسألك اللهم الفقه في الدين.
تكلمنا في الدرس السابق عن جملة من المسائل المتعلقة بالنوازل في العبادات، وفي هذا الدرس سوف نتكلم إن شاء الله عن ثلاث مسائل، أو ثلاث نوازل أخرى في العبادات.
المسألة الأولى: هي القسطرة وما يسمى بالشرج الصناعي، وأثر ذلك على الطهارة وعلى صحة الصلاة.
المسألة الثانية: الأذان عن طريق المسجل حكمه، وهل تشرع متابعة المؤذن عن طريق المسجل في الإذاعة والتلفاز ونحو ذلك، وحكم إجابة المؤذن إذا نقل الأذان على الهواء مباشرة، والسامع قد أدى الصلاة أو لم يؤد الصلاة.
والمسألة الثالثة: حكم توزيع المياه في المقبرة على المشيعين للجنازة وحكم الشرب من ذلك الماء، هذه ثلاث مسائل سوف نتكلم عنها إن شاء الله - تعالى -في هذا الدرس،
فنبدأ بالمسألة الأولى: وهي ما يسمى بالقسطرة والشرج الصناعي ونحو ذلك، وأثره على الطهارة وعلى صحة الصلاة، فنقول:
أولا: نريد أن نبين معنى القسطرة. القسطرة معناها أن يوضع للمريض في مجرى البول قسطار، ومعنى القسطار ماسور بلاستيكي حتى يخرج البول عن طريقه، وذلك لأسباب منها احتباس البول وعدم خروجه، خاصة ممن يعاني من مرض البروستات ونحو ذلك، أو بسبب خروج البول دون إرادة المريض، فلا يتحكم بخروج البول منه أو لغير ذلك من الأسباب.
فهذه القسطرة توضع للذي لا يتبول تبولا طبيعيا إما لأجل انحباس البول أو لأجل عدم التحكم فيه، فيوضع هذا القسطار في ذكره ويكون متصلا بكيس يتجمع فيه هذا البول ويكون هذا الكيس معلقا بسرير المريض أو حوله بصفة دائمة.
وأما ما يسمى بالشرج الصناعي ذلك يكون حينما يصاب الإنسان بمرض في الأمعاء حينما يصاب الإنسان بمرض في أمعائه، ومن أشهر الأمراض التي يستخدم معها الشرج الصناعي سرطان القولون، فيستأصل معه القولون وما حوله، ويفتح في جدار البطن فتحة كي يخرج البراز عن طريقه ويكون هناك علبة يجتمع فيها هذا الغائط ويزال ما بين فترة وأخرى، ويزال من حين لآخر، هذا هو المقصود بالقسطرة والشرج الصناعي.
وبعد أن تصورنا المسألة عرفنا المقصود بهما، نأتي للحكم الفقهي فيهما من جهة الطهارة، أولا: نقول إن هذه المسألة هي تعتبر في حقيقة الأمر نازلة، وإن كان بعض فقهاء الحنفية قد ذكروها، قد ذكرها بعض فقهاء الحنفية المتقدمون أشاروا إلى هذه المسألة على سبيل الافتراض، فافترضوا هذه المسألة. قالوا: لو أن رجلا لم يستطع أن يتبول عن طريق فتحة البول أو الغائط ففتحت له فتحة في بطنه فكيف يكون الحكم؟
والفقهاء - رحمهم الله - يفترضون أحيانا مسائل لم تكن واقعة في زمنهم، وربما يستبعد الإنسان في زمنهم أن تقع، ولكنها تقع في المستقبل، يفترضون ذلك حتى يكون طالب العلم على تصور لهذه المسائل لو وقعت كما في هذا المثال، وأيضا من باب تمرين الأذهان على فهم تلك المسائل.
وهذا يدل على علو كعب الفقه الإسلامي وعلى عظمته، ويدل على أن بعض المسائل التي يفترضها الفقهاء أنها قد تقع في المستقبل، ولهذا استفدنا من افتراضات الفقهاء، - رحمهم الله -، السابقين لبعض المسائل لكونها قد وقعت وتحققت في زمننا هذا.
هذه المسألة أو هذه النازلة يمكن أن تبنى على مسألة أخرى تكلم عنها العلماء وهي مسألة صاحب الحدث الدائم، السلس، سلس البول، وكالمرأة المستحاضة ونحو ذلك فهل يجب عليهما الوضوء لكل صلاة.
هذه المسألة أعني مسألة صاحب الحدث الدائم، اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال،
القول الأول: وهو أشد المذاهب الأربعة - هو مذهب الشافعية - أن صاحب الحدث الدائم يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة، يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة، لاحظ هنا لكل صلاة وليس لوقت كل صلاة، وإنما لكل صلاة.
يقابله القول الثاني: - وهو مذهب المالكية - وهو أن صاحب الحدث الدائم، لا يجب عليه الوضوء لكل صلاة، ولا ينتقض وضوؤه، لا ينتقض وضوء صاحب الحدث الدائم، إلا إذا خرج منه حدث آخر، فمثلا المستحاضة لا ينتقض وضوءها إلا إذا خرج منها ريح ونحوه.
القول الثالث في المسألة، وهو وسط بين القولين وهو مذهب الحنفية والحنابلة: وهو أن صاحب الحدث الدائم يجب عليه الوضوء لوقت كل صلاة. هذا نعم مذهب الحنفية والحنابلة، القول الثالث: مذهب الحنفية والحنابلة، بينما القول الأول الشافعية والثاني المالكية، والقول الثالث الذي هو مذهب الحنفية والحنابلة، وهو وسط بين قولين، وهو أن صاحب الحدث الدائم يجب عليه أن يتوضأ لوقت كل صلاة.
ما الفرق بين القول الأول والثالث؟ الفرق أن القول الأول أنه يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة، والثالث لوقت كل صلاة، فالقول الأول أنه متعلق بالصلاة، فلا يصلي بذلك الوضوء إلا فريضة واحدة، لا يصلي به أكثر من فريضة، سواء كانت مؤداة أو مقضية، بينما القول الثالث متعلق ليس بالصلاة، وإنما بوقت الصلاة، فله أن يصلي في هذا الوقت الفريضة المؤداة وله أن يصلي في هذا الوقت ما شاء من الفوائت.
وأما النوافل فعلى كلا القولين يصلي ما شاء، لكن الفرق هو لو كان وجد صلوات فوائت، وأراد أن يقضيها، فعلى القول الأول ليس له ذلك، إنما يصلي فريضة واحدة فقط، والقول الثالث له أن يصلي ما شاء، ما دام في الوقت، فالقول الأول متعلق بالصلاة والقول الثالث متعلق بالوقت.
والأقرب من هذه الأقوال، والله أعلم، هو القول الثالث وهو أن صاحب الحدث الدائم يجب عليه أن يتوضأ لوقت كل صلاة، ويدل لذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر المستحاضة بأن تتوضأ لوقت كل صلاة كما جاء عند أبي داود حديث فاطمة بنت أبي حبيش، وأصله عند البخاري، فقد جاء في صحيح البخاري عن عائشة -رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال - عليه الصلاة والسلام -: لا إنما ذلك دم عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي.
قال هشام بن عروة بن الزبير، قال أبي: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت ثم توضئي لكل صلاة وهذا هو موضع الشاهد، ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت.
وبين الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في الفتح صحة إسناد هذه الرواية موصولة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه ليست موقوفة على عروة بن الزبير، كما قال بعض أهل العلم، صوب الحافظ ابن حجر صحة هذه الرواية موصولة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وليست معلقة كما قال بعضهم، وليست موقوفة على عروة كما قال آخرون.
ومحل الشاهد قوله: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت، وحملها ذلك الحنفية والحنابلة على المقصود: ثم توضئي لوقت كل صلاة. كما جاء ذلك في سنن أبي داود.
فهذا هو القول الأظهر في هذه المسألة، هو أن صاحب الحدث الدائم أنه يتوضأ لوقت كل صلاة، وأخذنا هذا الحكم من هذا الحديث، فصاحب الحدث الدائم يقاس على الاستحاضة، فإن المستحاضة تعتبر صاحبة حدث دائم فيقاس عليها صاحب السلس ونحوه.
فإذا توضأ مثلا لصلاة الظهر فإنه يستمر على طهارته، إلا إذا خرج منه حدث آخر غير هذا الحدث الدائم، لو كان مثلا عنده سلس بول نقول: توضأ بعد دخول الوقت، فلما إذا توضأ بعد دخول الوقت يستمر على طهارته ولو خرج منه البول، إلا إذا خرج منه ناقض آخر من نواقض الوضوء كالريح مثلا.
وعلى ذلك تخرج هذه النازلة، فنقول: إن صاحب القسطرة وكذلك صاحب الشرج الصناعي أو الفتحة التي تكون في جدار البطن، يجب عليه أن يتوضأ لوقت كل صلاة يجب عليه أن يتوضأ لوقت كل صلاة؛ لأن حدثه دائم، لأن حدثه دائم، فيكون حكمه حكم المستحاضة وحكم صاحب السلس، ولا حرج عليه في أن يصلي ولو كان كيس البول معلقا فيه، أو العلبة التي يكون فيها الغائط أيضا متصلة به ومعلقة فيه، وذلك للضرورة؛ لأن هذا الكيس لا يمكن أن ينفك عن المصلي، وحينئذ فلا بأس أن يصلي وهو حامل لذلك الكيس أو معلق به لكن يلزمه أن يتوضأ لوقت كل صلاة، هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه النازلة.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15-12-2021, 08:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه النوازل


فقه النوازل (7)

سعد بن تركي الخثلان

الأذان عن طريق المسجل والإذاعة والتلفاز


المسألة الثانية التي بين أيدينا: هي الأذان عن طريق المسجل، وقد يستغرب بعض الإخوة طرح مثل هذه المسألة، وأقول: إنها موجودة في بعض البلدان فيكون الأذان عن طريق المسجل، وأذكر أنه قبل أشهر طرحت هذه المسألة في برنامج فقه العبادات في إذاعة القرآن، ونقلت رأي المجمع الفقهي في أنه لا يصح الأذان عن طريق المسجل، ثم ورد إلي اتصال بعض المسلمين في تلك الدولة بأنهم كانوا يؤذنون عن طريق المسجل، وأنه لما سمعوا هذه الحلقة كان لها أثر كبير عليهم وتحولت كثير من المساجد إلى الأذان عن طريق المؤذنين مباشرة وتركوا الأذان عن طريق المسجل.
فأقول: إن هذا موجود في بعض البلدان، بل إنه في الوقت الحاضر وجد من يطرح هذه المسألة كفكرة، ويقول: لماذا لا تربط المساجد كلها بمسجل يؤذن في نفس الوقت ولا حاجة للمؤذنين ما دام أن المقصود هو الإعلام بدخول الوقت فيؤتى بالمسجل وتربط به جميع المساجد وتربط به جميع المساجد.
وإن كان هذا قد وجد في بعض الدول لكن ليس عن طريق المسجل في مصر من قبل شهر في بعض المدن أقر أن يكون الأذان موحدا، لكن ليس عن طريق المسجل، وإنما يؤذن أحد المؤذنين في مسجد وينقل لبقية المساجد في المدينة، لكن مسألتنا هي الأذان عن طريق المسجل خاصة.
كان من أوائل من تكلم عن هذه المسألة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - المتوفى سنة 1389 للهجرة تكلم عنها لما خرجت المسجلات أول ما خرجت في زمنه، وورد استفتاء من أحد الإخوة في بلاد المغرب العربي للشيخ - رحمه الله - فتكلم عن هذه المسألة وشدد فيها، وبين يدي الآن فتوى الشيخ - رحمه الله - وجاء فيها:
إن الأذان من أفضل العبادات القولية، ومن فروض الكفايات ومن شعائر الإسلام الظاهرة، التي إذا تركها أهل بلد وجب قتالهم، وهو واجب للصلوات الخمس المكتوبة، كان هو العلامة الفارقة بين بلاد المسلمين وبلاد الكفر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد الإغارة على قوم انتظر حتى تحضر الصلاة، فإن سمع الأذان كف عنهم وإلا أغار عليهم.
قال: وللأذان شروط منها النية، ولهذا فلا يصح من النائم والسكران والمجنون لعدم وجود النية، والنية أن ينوي المؤذن عند أدائه الأذان أن هذا الأذان لهذه الصلاة الحاضرة التي دخل وقتها.
ومن أين للإسطوانات يعني المسجل أن تؤدي هذه المعاني السامية، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم متفق عليه. فهل الإسطوانة تعتبر كواحد من المسلمين؟.
قال: والحقيقة أننا نستنكر استبدال الأذان بالأسطوانات وننكر على من أجاز ذلك لما تقدم، ولأنه يفتح على المسلمين باب التلاعب بالدين ودخول البدع على المسلمين في عباداتهم وشعائرهم، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وفي رواية: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد.
إذا نقول: إنه لا يجوز ولا يصح الأذان عن طريق المسجل، والشيخ اعتبره بدعة، اعتبره بدعة، ولهذا ختم فتواه بهذا الحديث، من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد و من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.

أيضا مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي بحث هذه المسألة في دورته التاسعة، وأصدر بشأنها قرارا جاء فيه بأن الاكتفاء بإذاعة الأذان في المساجد عند دخول وقت الصلاة عن طريق المسجل أنه لا يجزئ ولا يجوز، ولا يحصل به الأذان المشروع، ونقل قريبا من كلام الشيخ محمد - رحمه الله - ومنها أن النية من شروط الأذان، والنية لا توجد في الأذان عن طريق المسجل، وأن الأذان عبادة بدنية.
قال الموفق بن قدامة: وليس للرجل أن يبني على أذان غيره؛ لأنه عبادة بدنية فلا يصح من شخصين في الصلاة، وأن في توحيد الأذان في المساجد بواسطة المسجل عدة محاذير، منها:
أنه يفتح على المسلمين باب التلاعب بالدين، ودخول البدع على المسلمين في عباداتهم وشعائرهم، لما يفضي إليه من ترك الأذان بالكلية والاكتفاء بالتسجيل؛ ولأنه يرتبط بمشروعية الأذان أن لكل صلاة في كل مسجد سننا وآدابا ففي الأذان عن طريق التسجيل تفويت لها وإماتة لنشرها مع فوات شرط النية فيه.
ثم جاء في القرار بناء على ذلك، فإن مجلس المجمع الفقهي يقرر: أن الاكتفاء بإذاعة الأذان في المساجد عند دخول وقت الصلاة بواسطة آلة التسجيل ونحوها لا يجزئ ولا يجوز في أداء هذه العبادة، ولا يحصل به الأذان المشروع، وأنه يجب على المسلمين مباشرة الأذان لكل وقت من أوقات الصلوات في كل مسجد على ما توارثه المسلمون من عهد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الآن.
فهذه المسألة إذًا الحكم فيها ظاهر وهو أن الأذان عن طريق المسجل أنه لا يجوز ولا يجزئ وغير مشروع، بل هو من البدع المنكرة، إذا كان يستعاض به عن الأذان عن طريق أحد الناس، ويفتح باب التلاعب بالدين، ولكن قد يقول القائل: هل معنى هذا أنه لا يجوز الأذان عن طريق المسجل مطلقا؟
نقول: نحن الذي قصدناه أن يستعاض بالأذان عن طريق المسجل عن الأذان من أحد الناس في المساجد، هذا هو الذي قصدناه في بحث هذه النازلة، لكن لو جعل الأذان عن طريق المسجل في بعض الأماكن العامة، كالمطارات والمستشفيات وبعض الدوائر الحكومية، نقول: هذا لا بأس به إذا كان يقصد به التذكير، لكن لا بد أن يؤذن أحد الناس، فإذا كان ذلك المستشفى فيه مسجد أو مصلى أو ذلك المطار، أو ذلك المرفق فيه مسجد أو مصلى فلا بد أن يؤذن أحد الناس، ولا يكتفى بالأذان عن طريق المسجل.
لكن لو أنه أذيع الأذان عن طريق المسجل من باب التذكير، من باب التذكير، فلا بأس بذلك، فليس معنى قولنا أنه لا يجوز ولا يجزئ الأذان عن طريق المسجل أنه لا يجوز إذاعته في مثل هذه المرافق، وإنما الذي قصدنا أن يستعاض بالأذان عن طريق المسجل عن أن يؤذن أحد الناس في المساجد ويكتفى بالأذان عن طريق المسجل، كما هو موجود وواقع في بعض الدول.
أما لو أذيع الأذان للتذكير لكن في ذلك المسجد، أو في مسجد ذلك المرفق أو في مصلاه يؤذن أحد الناس فلا حرج في ذلك، كما مثلنا بذلك في المستشفيات وفي المطارات، وربما في الطائرة أيضا.
ومثل ذلك أيضا أن بعض الناس يضع في الهاتف المنقول يضع برنامج الأذان، أو في الحاسب الآلي يضع برنامج الأذان من باب التذكير هذا لا حرج فيه ولا بأس به، ولكن الممنوع هو أن يستعاض بالأذان عن طريق المسجل عن أن يؤذن أحد الناس في ذلك المسجد.

*الأذان في غير أوقات الصلوات ما حكمه؟ كما لو دخل الإنسان مكانا موحشا وأذن أو جعل الأذان عن طريق المسجل، بعض أهل العلم كره هذا، والظاهر، والله أعلم، أنه لا يكره وأنه لا بأس به إذا وجد له حاجة من تعليم ونحوه؛ وذلك لأنه قد ورد في السنة الأذان في أذن المولود اليمنى، وإن كان في سنده مقال إلا أن له طرقا متعددة يقوي بعضها بعضا ويرتقي بها إلى درجة الحسن.
فما دام أنه قد ورد الأذان في أذن المولود هذا يدل على أنه لا بأس أن يؤذن لغير أوقات الصلوات إذا وجد له حاجة، كأن يكون للتعليم، كأن يكون معلم يعلم الطلاب الأذان، يؤذن أو يطلب من أحد الطلاب أن يؤذن، أو أن يدخل مكانا موحشا، ومثل ذلك ما يستخدمه بعض القراء في رقية بعض المرضى فيريد طرد الشياطين بذلك الأذان؛ لأنه قد ورد في السنة أن الشيطان إذا سمع الأذان أدبر وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فالشياطين تنفر وتكره الأذان، ولهذا فإنها تهرب إذا أذن المؤذن، فلو أتى به لطرد الشياطين في ذلك المكان الموحش أو في الرقية على مريض أو لأجل التعليم، فلا بأس به لأن لذلك أصلا في السنة وهو الأذان في أذن المولود.
*متابعة المؤذن، قلنا متابعة المؤذن سنة، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمتابعة المؤذن أن يقول السامع مثل ما يقول المؤذن إلا في حي على الصلاة حي على الفلاح، فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم السنة أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي بالذكر الوارد: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته وأما زيادة: إنك لا تخلف الميعاد فغير محفوظة.
وأيضا جاء في صحيح مسلم: من قال حين يسمع النداء رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيا ورسولا غفر له ما تقدم من ذنبه ومحل ذلك بعد قول المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله وليس بعد الأذان، عند المحققين محل ذلك عند الشهادتين، إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، إذا قال: أشهد أن محمدا رسول الله، قال: وأنا أشهد أن محمدا رسول الله: ثم قال: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيا ورسولا.
متابعة المؤذن إذا نقل الأذان عن طريق الإذاعة والتلفاز ونحوهم؟ نقول: إنه لا يخلو هذا الأذان من ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يكون الأذان منقولا على الهواء مباشرة والسامع له لم يؤد الصلاة بعد، كأن يكون الأذان مثلا هنا في مدينة الرياض منقولا على الهواء مباشرة، ولنقل أذان المغرب ينقل على الهواء مباشرة في إذاعة القرآن ولم تصل بعد صلاة المغرب، وسمعت الأذان ينقل عن طريق الإذاعة، فهنا يشرع إجابة المؤذن في هذه الحال تشرع إجابة المؤذن؛ لأنه أذان منقول على الهواء مباشرة تسمعه في اللحظة نفسها وأنت لم تؤد الصلاة بعد، فحينئذ نقول: السنة في هذه الحال إجابة المؤذن، ولا فرق بين أن تسمع مؤذن المسجد القريب منك عن طريق مكبر الصوت، أو المسجد البعيد عنك عن طريق الإذاعة ونحوها.
القسم الثاني: أن يكون الأذان منقولا على الهواء مباشرة والسامع قد أدى الصلاة، مثال ذلك: يكون الأذان منقولا في الإذاعة والتلفاز من مكة من المسجد الحرام في مكة المكرمة، وأنت قد صليت الصلاة ولنقل مثلا صلاة الظهر أو العصر أو المغرب، فلما صليت الصلاة في المسجد خرجت ففتحت المذياع فسمعت المؤذن يؤذن وقد نقل الأذان من المسجد الحرام بمكة المكرمة على الهواء مباشرة، فهل تشرع إجابة المؤذن في هذه الحال؟
نقول: إنها لا تشرع، لا تشرع إجابة المؤذن في هذه الحال، لكون السامع قد أدى الصلاة، وقد نص على ذلك جمع من الفقهاء، قالوا: إن الإنسان إذا أدى الصلاة ثم سمع مؤذنا يؤذن فلا تشرع له إجابة المؤذن في هذه الحالة؛ وذلك لأن المؤذن يدعو السامع إلى الصلاة، فالمؤذن يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، وهذا السامع قد أدى الصلاة فكيف يجيبه وقد أدى الصلاة؟ لأنه إذا أجابه فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، معنى ذلك أنه سأل الله الإعانة على صلاة قد أداها.
ولهذا نقول إذا كان الأذان منقولا على الهواء مباشرة وأنت قد أديت الصلاة فإنه لا تشرع إجابة المؤذن في هذه الحالة.
القسم الثالث: أن يكون الأذان مسجلا وليس منقولا على الهواء مباشرة، وذلك يحصل في الإذاعة والتلفاز، الإذاعة مثلا أذان الظهر والعصر في مدينة الرياض لا ينقل على الهواء مباشرة، وإنما يذاع الأذان مسجلا، ففي هذه الحال لا تشرع إجابة المؤذن؛ لأنه ليس أذانا حقيقيا، وإنما هو تسجيلٌ لصوت رجل قد أذن من قبل، وقد يكون هذا الرجل ميتا، وقد يكون غائبا فهو إذن حكاية صوت، وليس أذانا حقيقيا وإنما هو شيء مسموع لأذان سابق.
ولهذا نجد أنه في بعض الإذاعات يؤتى بالأذان بصوت الشيخ المنشاوي، الشيخ محمد المنشاوي، والشيخ عبد الباسط، وهما قد ماتا منذ سنوات - رحمهما الله - قد ماتا منذ سنوات فقد يؤتى بالأذان عن طريق المسجل لإنسان قد مات، أو لإنسان غائب فهو في الواقع حكاية صوت، وشيء مسموع لأذان سابق، فنقول في هذه الحال لا تشرع إجابة المؤذن لا تشرع إجابة المؤذن.
هذا هو أحسن ما قيل في هذه المسألة، وهذا التقسيم الذي نقلته لكم هو تقسيم الشيخ محمد بن العثيمين - رحمه الله - فتكون هذه المسألة على هذه الأقسام الثلاثة، ونلخص الكلام فيها فنقول:
إن الحال التي تشرع فيها إجابة المؤذن أن يكون الأذان منقولا على الهواء مباشرة، والسامع لم يؤد الصلاة بعد، وأما ما عدا ذلك فإنه لا تشرع إجابة المؤذن، كما لو كان الأذان عن طريق المسجل، فلا تشرع إجابة المؤذن، وكذا لو كان منقولا على الهواء مباشرة والسامع قد أدى الصلاة فإنه لا تشرع في هذه الحال إجابة المؤذن، هذا ما يتعلق بهذه المسألة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17-12-2021, 11:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه النوازل


فقه النوازل (8)

سعد بن تركي الخثلان

حكم توزيع المياه في المقبرة على المشيعين للجنازة وحكم الشرب من ذلك الماء
المسألة الثالثة معنا في هذا الدرس: هي توزيع المياه ونحوها في المقبرة على المشيعين في الجنازة، وقد برزت هذه المسألة وكثر السؤال عنها في السنوات الأخيرة خاصة، فأصبح بعض الناس يحضر المياه ويوزعها على المشيعين للجنازة خاصة في وقت شدة الحر كهذه الأيام، وبعض الناس ينكر مثل هذا، فهل هذا الإنكار في محله؟
أقول: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه يكره إحضار الماء إلى المقبرة وتوزيعه على المشيعين، قالوا: لأن الحكمة من تشييع الجنازة وزيارة المقبرة هو القيام بحقوق هذا الميت ودفنه، وتذكر الموت والتخلي عن الدنيا، والتعلق بها من اللباس والطعام والشراب.
قالوا: فالمقبرة لم تجعل للأكل والشرب ونحو ذلك، وإنما شرع اتباع الميت للقيام بحقه والتذكر وانتفاع الميت بالدعاء، وإحضار الماء ونحوه مصادم لهذه الحكمة، فعللوا بهذا التعليل.
القول الثاني: قال بعض أهل العلم أنه لا بأس بإحضار الماء ونحوه، مما يحتاج الناس له، لا بأس بإحضاره إلى المقبرة عند تشييع الجنازة ودفن الميت خاصة في وقت شدة الحر، قالوا: فهذا جائز ولا بأس به من غير كراهة؛ لأن هذا من باب الإحسان إلى الناس.
ومعلوم أن سقيا الناس خاصة في الأماكن التي يحتاجون فيها للسقيا من أفضل الأعمال، وفي المقبرة خاصة في أيام شدة الحر، يحتاج كثيرٌ من الناس إلى السقيا خاصة أنه يوجد منهم من هو كبير في السن أو مريض، كأن يكون مصابا بمرض السكر ولا يتحمل مع شدة الحر العطش، ثم إنه لا مانع يمنع من سقيا الناس في المقبرة، فليس ثمة دليل يمنع من هذا وليس ذلك ذريعة لأمر محرم.
وهذا القول الأخير هو الأقرب في هذه المسألة والله أعلم، وأنه لا بأس بإحضار الماء عند تشييع الجنازة، ولا بأس بالشرب من ذلك الماء من غير كراهة؛ وذلك لأنه ليس ثمة دليل يمنع من ذلك.
العطش، قد يتضرر وربما يمتنع بعض الناس من تشييع الجنازة لأجل هذا، فالأقرب، والله أعلم، أنه لا بأس بإحضار الماء وتوزيعه على المشيعين ولا بأس بالشرب منه من غير كراهة.
ومن أبرز من قال بذلك من العلماء المعاصرين سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- قال لما سئل عن هذه المسألة قال: لا حرج في جلب الماء البارد للشرب عند دفن الميت، لما في ذلك من الإحسان والمساعدة على الخير، فهذا هو الأظهر والأقرب في هذه المسألة، وحينئذ نقول لا وجه لإنكار من ينكر من بعض الإخوة على من يحضر المياه وتوزيعها على المشيعين للجنازة، وأيضا لا يتحرج الإنسان من الشرب من ذلك الماء؛ لأنه ليس هناك ما يمنع من ذلك، بل إن هذا كما قال الشيخ عبد العزيز -رحمه الله- من باب الإحسان، هذا من باب الإحسان إلى الناس، ويرجى أن يثاب على ذلك من يفعله؛ لأنه إحسان إلى الناس، والله تعالى يقول: { وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) } (1) .
هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة، وإنما اعتبرناها نازلة؛ لأنها لم تكن موجودة من قبل بصورة ظاهرة برزت في الوقت الحاضر خاصة في السنوات الأخيرة، فاعتبرناها نازلة لأجل هذا، ونكتفي بهذا القدر في عرض هذه المسائل.
نعم.. الأمر في ذلك واسع (صــ67)
********************************
(1) - سورة البقرة آية : 195.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17-12-2021, 11:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه النوازل

فقه النوازل (9)

سعد بن تركي الخثلان


إذا سمع الشخص أكثر من أذان في وقت واحد عبر المكبرات فمع من يردد ؟
عندما يقول المؤذن: حي على الصلاة، يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فيسأل الله الإعانة على تلك الصلاة، فهو يجيب المؤذن بذلك، ولذلك فالأولى أن يردد مع مؤذن المسجد الذي سوف يصلي فيه.
هل يجوز التأمين على دعاء مسجل لشيخ أو غيره بدرس أو موعظة سابقة ؟
الدعاء كالأذان هو بالحقيقة حكاية صوت، وقد يكون هذا الداعي ميتا، ولهذا فإنه لا يؤمن على هذا الدعاء في هذه الحال؛ لأن هذا شيء مسموع لصوت سابق بشيء سابق، فحكاية صوت هذا الذي يسمعه هو حكاية صوت، ولهذا نقول فيه كما قلنا في الأذان.
يقول: عمن ورد الأذان في أذن الصبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن أبي بكر؟
هو ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن في سند ذلك الحديث مقال لكن له طرق متعددة يرتقي بمجموعها إلى درجة الحسن، والإقامة في أذنه اليسرى، والوارد في الإقامة أضعف من الوارد في الأذان، لكن مجموع ما ورد في ذلك الحديث بمجموع طرقه وشواهده يرتقي به إلى درجة الحسن، فهو عن النبي- صلى الله عليه وسلم- وأورد ذلك ابن القيم -رحمه الله- في تحفة المودود.
كم صيغة للأذان، وما هي صيغة الأذان الصحيحة ؟
ورد في السنة أذان أبي محذورة وأذان بلال، أما أذان بلال فهو الأذان المعروف المشهور عندنا، وأذان أبي محذورة يزاد فيه الترجيع فقط ترجيع الشهادتين، فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله بصوت يسمع نفسه فقط ثم يرفع صوته بها، يعني يسر بالشهادتين ثم يرفع صوته بهما. وهكذا أيضا الإقامة، ورد على عدة صفات.
وعند المحققين من أهل العلم، يأتي بهذا تارة وبهذا تارة لكن هذا في غير المساجد حتى لا يحدث فتنة وتشويشا في غير المساجد كما لو كانوا مثلا في سفر أو في البرية أو نحو ذلك، فيؤتى ببعض الصفات الواردة في الأذان وفي الإقامة، أما في المساجد فالذي أرى أن يلتزم بالأذان المعهود عند الناس، فمثلا عندنا هنا في المملكة هو أذان بلال، أذان بلال وإقامة بلال، على ما هو مشهور من مذهب الحنابلة، وهو الذي استقر عليه الأمر في المدينة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان بلالا يؤذن بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوفي على ذلك.
لكن لا شك أن أذان أبي محذورة قد ثبتت به السنة، ولذلك فإذا أذن في غير المسجد كأن يؤذن مثلا في سفر أو في البرية، أو نحو ذلك فيؤتى ببعض الصفات الواردة في الأذان والصفات أيضا التي وردت بها السنة في الإقامة.
ما حكم الأذان الذي يوجه عن طريق المسجل لبعض المؤذنين المتوفين في إذاعة القرآن ؟
هو لا نقول إن ذلك ممنوع لا بأس به لا بأس به؛ لأن غاية ما في الأمر أنه تذكير، تذكير للمستمع لهذه الإذاعة بأنه قد دخل وقت الصلاة، فلا نقول بمنع ذلك لكن بقية الأحكام الشرعية من جهة إجابة المؤذن على التفصيل الذي ذكرنا.
يوجد في دولة من الدول أن الأذان موحد في إحدى دول الخليج بأن يؤذن مؤذن واحد فيستقبل في باقي المساجد، فهل نؤذن بعد الأذان الأول ؟
إذا كان ذلك عن طريق المسجل، فكما سمعتم لا يكفي ولا يجزئ، أما إذا لم يكن عن طريق المسجل بأن أذن مؤذن ثم نقل أذانه على الهواء مباشرة لبقية المساجد، هذا محل نظر واجتهاد.
يوضع الأذان في بعض الجوالات ويقطع أحيانا فهل يأثم من قطعه ؟
لا يأثم، لكن ينبغي لمن وضعه للتذكير أن لا يحمل معه الجوال في مكان ممتهن كدورات المياه مثلا، قد يؤذن المؤذن وهو في دورة المياه، وحينئذ يكون في ذلك نوع امتهان، فإذا كان سوف يعنى بالمحافظة عليه فإنه لا حرج في ذلك إن شاء الله.
ما الدليل على أن النية من شروط الأذان وما الدليل على أن الأذان عبادة بدنية ؟
هذا باتفاق العلماء، العلماء مجمعون على هذا؛ لأن الأذان عبادة والعبادة يشترط لصحتها النية؛ لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " هذا باتفاق العلماء.
إذا كان هناك أكثر من أذان وأنا ذاهب إلى المسجد فكيف أردد إذا كان أذن الأول فأجبته وانتهى، وأذن الآخر ؟
الأمر في هذا واسع الأفضل أنك تجيب المؤذن إذا سمعته.
إذا كان في أوقات مختلفة فالأمر هنا واسع ، على أن إجابة المؤذن ليست واجبة وإنما مستحبة ، لكن الأفضل أنك تجيب المؤذن إذا سمعته ، ولو كنت قد أجبت المؤذن الأول ، يعني إذا أجبت المؤذن الأول ثم انتهى ثم وأنت في الطريق سمعت مؤذنا آخر يؤذن فتجيبه كذلك ، وتجيب المؤذن الثالث والرابع ، ولا مانع من هذا ، نص على ذلك بعض الفقهاء ، روي عن الإمام أحمد ، فلا بأس بذلك ، وأنت على أجر وعلى خير ، والأمر في هذا واسع ، لو لم تجب المؤذن لم يكن عليك إثم ولا حرج .
امرأة ينزل معها إفرازات كثيرة فهل تعتبر حالها كحال سلس البول ، وهل يجوز لها أن تتوضأ قبل دخول وقت الصلاة ؟
نعم إذا كانت هذه الإفرازات تخرج معها بصفة مستمرة، فإن الأصل فيما يخرج من الإنسان من السبيلين الأصل أنه ينقض الوضوء، وما يخرج من المرأة سواء عن طريق المثانة أو عن طريق الرحم ينقض الوضوء، وأما من جهة طهارته، فالصحيح أنه إذا كان من مخرج البول فحكمه حكم السلس ، أما إذا كان من مخرج الولد يعني عن طريق الرحم فالصحيح أنه طاهر ، وهو ما يسميه بعض الفقهاء برطوبة فرج المرأة .
هذا من جهة الطهارة والنجاسة لهذا الماء ، ولكن من جهة انتقاد الوضوء به فهو ينقض الوضوء مطلقا ، سواء خرج عن طريق المثانة، عن طريق مخرج البول ، أو عن طريق مخرج الولد ، ينقض الوضوء مطلقا ، وحينئذ إذا كانت هذه الإفرازات كثيرة وتخرج بصفة مستمرة ، فتكون هذه المرأة حكمها حكم صاحب السلس ، تتحفظ وتتوضأ عند دخول وقت كل صلاة ، طيب نكتفي بهذا القدر في الإجابة عن الأسئلة ، ونسأل الله - عز وجل - جميعا العلم النافع والفقه في الدين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
******************************************
صــ71
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 200.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 194.31 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (3.03%)]