|
|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#91
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
__________________
|
#92
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
__________________
|
#93
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
الموافقات أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي الجزء الثالث الحلقة (93) صـ53 إلى صـ 63 المسألة الخامسة : جلب المصلحة ، أو دفع المفسدة إذا كان مأذونا فيه على ضربين : أحدهما : أن لا يلزم عنه إضرار الغير . والثاني : أن يلزم عنه ذلك ، وهذا الثاني ضربان : أحدهما : أن يقصد الجالب ، أو الدافع ذلك الإضرار كالمرخص في سلعته قصدا لطلب معاشه وصحبه قصد الإضرار بالغير . والثاني : أن لا يقصد إضرارا بأحد ، وهو قسمان : أحدهما : أن يكون الإضرار عاما كتلقي السلع ، وبيع الحاضر للبادي والامتناع من بيع داره ، أو فدانه ، وقد اضطر إليه الناس لمسجد جامع ، أو غيره . والثاني : أن يكون خاصا ، وهو نوعان : [ ص: 54 ] أحدهما : أن يلحق الجالب ، أو الدافع بمنعه من ذلك ضرر فهو محتاج إلى فعله كالدافع عن نفسه مظلمة يعلم أنها تقع بغيره ، أو يسبق إلى شراء طعام ، أو ما يحتاج إليه ، أو إلى صيد ، أو حطب ، أو ماء ، أو غيره عالما أنه إذا حازه استضر غيره بعدمه ولو أخذ من يده استضر . والثاني : أن لا يلحقه بذلك ضرر ، وهو على ثلاثة أنواع : أحدها : ما يكون أداؤه إلى المفسدة قطعيا أعني القطع العادي كحفر البئر خلف باب الدار في الظلام بحيث يقع الداخل فيه بلا بد ، وشبه ذلك . والثاني : ما يكون أداؤه إلى المفسدة نادرا كحفر البئر بموضع لا يؤدي غالبا إلى وقوع أحد فيه ، وأكل الأغذية التي غالبها أن لا تضر أحدا ، وما أشبه ذلك . والثالث : ما يكون أداؤه إلى المفسدة كثيرا لا نادرا ، وهو على وجهين : أحدهما : أن يكون غالبا كبيع السلاح من أهل الحرب والعنب من [ ص: 55 ] الخمار ، وما يغش به ممن شأنه الغش ، ونحو ذلك . والثاني : أن يكون كثيرا لا غالبا كمسائل بيوع الآجال فهذه ثمانية أقسام : فأما الأول فباق على أصله من الإذن ولا إشكال فيه ولا حاجة إلى الاستدلال عليه لثبوت الدليل على الإذن ابتداء . وأما الثاني ، فلا إشكال في منع القصد إلى الإضرار من حيث هو إضرار لثبوت الدليل على أن لا ضرر ولا ضرار في الإسلام لكن يبقى النظر في هذا العمل الذي اجتمع فيه قصد نفع النفس ، وقصد إضرار الغير : هل يمنع منه فيصير غير مأذون فيه أم يبقى على حكمه الأصلي من الإذن ، ويكون عليه إثم ما قصد ؟ هذا مما يتصور فيه الخلاف على الجملة ، وهو جار على مسألة [ ص: 56 ] الصلاة في الدار المغصوبة ، ومع ذلك فيحتمل في الاجتهاد تفصيلا : وهو أنه إما أن يكون إذا رفع ذلك العمل وانتقل إلى وجه آخر في استجلاب تلك المصلحة ، أو درء تلك المفسدة حصل له ما أراد أو لا ، فإن كان كذلك ، فلا إشكال في منعه منه لأنه لم يقصد ذلك الوجه إلا لأجل الإضرار فلينقل عنه ولا ضرر عليه كما يمنع من ذلك الفعل إذا لم يقصد غير الإضرار ، وإن لم يكن له محيص عن تلك الجهة التي يستضر منها الغير [ ص: 57 ] فحق الجالب ، أو الدافع مقدم ، وهو ممنوع من قصد الإضرار ولا يقال : إن هذا تكليف بما لا يطاق ، فإنه إنما كلف بنفي قصد الإضرار ، وهو داخل تحت الكسب لا ينفي الإضرار بعينه . وأما الثالث فلا يخلو أن يلزم من منعه الإضرار به بحيث لا ينجبر أو لا ، فإن لزم قدم حقه على الإطلاق على تنازع يضعف مدركه من مسألة الترس التي فرضها الأصوليون فيما إذا تترس الكفار بمسلم ، وعلم أن الترس إذا لم يقتل استؤصل أهل الإسلام ، وإن أمكن انجبار الإضرار ورفعه جملة فاعتبار الضرر العام أولى فيمنع الجالب ، أو الدافع مما هم به; لأن المصالح العامة مقدمة على المصالح الخاصة بدليل النهي عن تلقي السلع ، وعن بيع [ ص: 58 ] الحاضر للبادي واتفاق السلف على تضمين الصناع مع أن الأصل فيهم الأمانة ، وقد زادوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيره مما رضي أهله ، وما لا ، وذلك يقضي بتقديم مصلحة العموم على مصلحة الخصوص لكن بحيث لا يلحق الخصوص مضرة . وأما الرابع فإن الموضع في الجملة يحتمل نظرين : نظر من جهة إثبات الحظوظ ، ونظر من جهة إسقاطها ، فإن اعتبرنا الحظوظ ، فإن حق الجالب ، أو الدافع مقدم ، وإن استضر غيره بذلك; لأن جلب المنفعة ، أو دفع المضرة مطلوب للشارع مقصود ولذلك أبيحت الميتة ، وغيرها من المحرمات الأكل ، وأبيح الدرهم بالدرهم إلى أجل للحاجة الماسة للمقرض والتوسعة على العباد ، والرطب باليابس في العرية للحاجة الماسة في طريق المواساة ، إلى أشياء من ذلك كثيرة دلت الأدلة على قصد الشارع إليها ، وإذا ثبت هذا فما سبق إليه الإنسان من ذلك قد ثبت حقه فيه شرعا بحوزه له دون غيره ، وسبقه إليه لا مخالفة فيه للشارع فصح ، وبذلك ظهر أن تقديم حق المسبوق على حق السابق ليس بمقصود شرعا إلا مع إسقاط السابق لحقه ، وذلك لا يلزمه ، بل قد [ ص: 59 ] يتعين عليه حق نفسه في الضروريات ، فلا يكون له خيرة في إسقاط حقه لأنه من حقه على بينة ، ومن حق غيره على ظن أو شك ، وذلك في دفع الضرر واضح ، وكذلك في جلب المصلحة إن كان عدمها يضر به . وقد سئل الداودي : هل ترى لمن قدر أن يتخلص من غرم هذا الذي يسمى بالخراج إلى السلطان أن يفعل ؟ قال : نعم ولا يحل له إلا ذلك . قيل : له ، فإن وضعه السلطان على أهل بلدة ، وأخذهم بمال معلوم يؤدونه على أموالهم هل لمن قدر على الخلاص من ذلك أن يفعل ، وهو إذا تخلص أخذ سائر أهل البلد بتمام ما جعل عليهم ؟ قال : ذلك له ، قال : ويدل على ذلك قول مالك رضي الله عنه في الساعي يأخذ من غنم أحد الخلطاء شاة وليس في جميعها نصاب : إنه مظلمة دخلت على من أخذت منه لا يرجع من أخذت منه على أصحابه بشيء ، قال : ولست بآخذ في هذا بما روي عن سحنون ; لأن الظلم لا أسوة فيه ولا يلزم أحدا أن يولج نفسه في ظلم مخافة أن يوضع الظلم على غيره والله تعالى يقول : إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق [ الشورى : 42 ] هذا ما قال . [ ص: 60 ] ورأيت في بعض المنقولات نحو هذا عن يحيى بن عمر أنه لا بأس أن يطرحه عن نفسه مع العلم بأنه يطرحه على غيره إذا كان المطروح جورا بينا . وذكر عبد الغني في المؤتلف والمختلف عن حماد بن أبي أيوب قال : قلت لحماد بن أبي سليمان : إني أتكلم فترفع عني النوبة ، فإذا رفعت عني وضعت على غيري فقال : إنما عليك أن تتكلم في نفسك ، فإذا رفعت عنك ، فلا تبالي على من وضعت . ومن ذلك الرشوة على دفع الظلم إذا لم يقدر على دفعه إلا بذلك ، وإعطاء المال للمحاربين وللكفار في فداء الأسارى ولمانعي الحاج حتى يؤدوا خراجا ، كل ذلك انتفاع ، أو دفع ضرر بتمكين من المعصية ، ومن ذلك طلب فضيلة الجهاد مع أنه تعرض لموت الكافر على الكفر ، أو قتل الكافر المسلم ، بل قال - عليه الصلاة والسلام - : وددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل الحديث . ولازم ذلك دخول قاتله النار ، وقول أحد ابني آدم : إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك [ المائدة : 29 ] ، بل العقوبات كلها جلب مصلحة ، أو درء مفسدة يلزم عنها إضرار الغير إلا أن ذلك كله إلغاء لجانب المفسدة; لأنها غير مقصودة للشارع في شرع هذه الأحكام ولأن جانب الجالب والدافع أولى ، [ ص: 61 ] وقد تقدم الكلام على هذا قبل . فإن قيل : هذا يشكل في كثير من المسائل ، فإن القاعدة المقررة أن لا ضرر ولا ضرار ، وما تقدم واقع فيه الضرر ، فلا يكون مشروعا بمقتضى هذا الأصل ، ويؤيد ذلك إكراه صاحب الطعام على إطعام المضطر إما بعوض ، وإما مجانا مع أن صاحب الطعام محتاج إليه ، وقد أخذ من يده قهرا لما كان إمساكه مؤديا إلى إضرار المضطر ، وكذلك إخراج الإمام الطعام من يد محتكره قهرا لما صار منعه مؤديا لإضرار الغير ، وما أشبه ذلك . فالجواب أن هذا كله لا إشكال فيه ، وذلك أن إضرار الغير في المسائل المتقدمة والأصول المقررة ليس بمقصود في الإذن ، وإنما الإذن لمجرد جلب الجالب ، ودفع الدافع ، وكونه يلزم عنه إضرار أمر خارج عن مقتضى الإذن . وأيضا فقد تعارض هنالك إضراران : إضرار صاحب اليد والملك وإضرار من لا يد له ولا ملك والمعلوم من الشريعة تقديم صاحب اليد والملك ولا يخالف في هذا عند المزاحمة على الحقوق والحاصل أن [ ص: 62 ] الإذن من حيث هو إذن لم يستلزم الإضرار ، وكيف ، ومن شأن الشارع أن ينهى عنه ، ألا ترى أنه إذا قصد الجالب ، أو الدافع الإضرار أثم ، وإن كان محتاجا إلى ما فعل ، فهذا يدلك على أن الشارع لم يقصد الإضرار ، بل عن الإضرار نهى ، وهو الإضرار بصاحب اليد والملك . وأما مسألة المضطر ، فهي شاهد لنا; لأن المكره على الطعام ليس محتاجا إليه بعينه حاجة يضر به عدمها ، وإلا فلو فرضته كذلك لم يصح إكراهه ، وهو عين مسألة النزاع ، وإنما يكره على البذل من لا يستضر به فافهمه ، وأما المحتكر ، فإنه خاطئ باحتكاره مرتكب للنهي مضر بالناس ، فعلى الإمام أن يدفع إضراره بالناس على وجه لا يستضر هو به . وأيضا فهو من القسم الثالث الذي يحكم فيه على الخاصة لأجل العامة . هذا كله مع اعتبار الحظوظ ، وإن لم نعتبرها فيتصور هنا وجهان : أحدهما : إسقاط الاستبداد والدخول في المواساة على سواء ، وهو محمود جدا ، وقد فعل ذلك في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال - عليه الصلاة والسلام - : إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو ، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد ، فهم مني ، وأنا منهم ، وذلك أن مسقط الحظ هنا قد رأى غيره مثل نفسه ، وكأنه هو أخوه ، أو ابنه ، أو قريبه ، أو يتيمه ، أو غير ذلك ممن طلب بالقيام عليه ندبا ، أو وجوبا ، [ ص: 63 ] وأنه قائم في خلق الله بالإصلاح والنظر والتسديد ، فهو على ذلك واحد منهم ، فإذا صار كذلك لم يقدر على الاحتجان لنفسه دون غيره ممن هو مثله ، بل ممن أمر بالقيام عليه كما أن الأب الشفيق لا يقدر على الانفراد بالقوت دون أولاده ، فعلى هذا الترتيب كان الأشعريون رضي الله عنهم فقال - عليه الصلاة والسلام - : فهم مني ، وأنا منهم لأنه - عليه الصلاة والسلام - كان في هذا المعنى الإمام الأعظم ، وفي الشفقة الأب الأكبر إذ كان لا يستبد بشيء دون أمته .
__________________
|
#94
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
__________________
|
#95
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
__________________
|
#96
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
الموافقات أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي الجزء الثالث الحلقة (96) صـ92 إلى صـ 100 فصل [ ص: 92 ] هذا كله فيما إذا كانت المصلحة العامة إذا قام بها لحقه ضرر ، ومفسدة دنيوية يصح أن يقوم بها غيره . فإن كانت المفسدة اللاحقة له دنيوية لا يمكن أن يقوم بها غيره ، فهي مسألة الترس ، وما أشبهها فيجري فيها خلاف كما مر ولكن قاعدة منع التكليف بما لا يطاق شاهدة بأنه لا يكلف بمثل هذا ، وقاعدة تقديم المصلحة العامة على الخاصة شاهدة بالتكليف به فيتواردان على هذا المكلف من جهتين ولا تناقض فيه ، فلأجل ذلك احتمل الموضع الخلاف . وإن فرض في هذا النوع إسقاط الحظوظ ، فقد يترجح جانب المصلحة العامة ، ويدل عليه أمران : أحدهما : قاعدة الإيثار المتقدم ذكرها ، فمثل هذا داخل تحت حكمها . والثاني : ما جاء في خصوص الإيثار في قصة أبي طلحة في تتريسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ، وقوله نحري دون نحرك ، ووقايته له حتى شلت يده ولم ينكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإيثار النبي صلى الله عليه وسلم غيره على نفسه في [ ص: 93 ] مبادرته للقاء العدو دون الناس حتى يكون متقى به ، فهو إيثار راجع إلى تحمل أعظم المشقات عن الغير ، ووجه عموم المصلحة هنا في مبادرته بنفسه ظاهر; لأنه كان كالجنة للمسلمين . وفي قصة أبي طلحة أنه كان وقى بنفسه من يعم بقاؤه مصالح الدين ، وأهله ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما عدمه فتعم مفسدته الدين ، وأهله ، وإلى هذا النحو مال أبو الحسين النوري حين تقدم إلى السياف ، وقال : أوثر أصحابي بحياة ساعة . في القصة المشهورة . [ ص: 94 ] وإن كانت أخروية كالعبادات اللازمة عينا والنواهي اللازم اجتنابها عينا ، فلا يخلو أن يكون دخوله في القيام بهذه المصلحة مخلا بهذه الواجبات الدينية والنواهي الدينية قطعا ، أو لا . فإن أخل بها لم يسع الدخول فيها إذا كان الإخلال بها عن غير تقصير; لأن المصالح الدينية مقدمة على المصالح الدنيوية على الإطلاق ولا أظن هذا القسم واقعا; لأن الحرج ، وتكليف ما لا يطاق مرفوع ، ومثل هذا التزاحم في العادات غير واقع . وإن لم يخل بها لكنه أورثها نقصا ما بحيث يعد خلافه كمالا فهذا من جهة المندوبات ولا تعارض المندوبات الواجبات ، كالخطرات في ذلك الشغل العام تخطر على قلبه ، وتعارضه حتى يحكم فيها بقلبه ، وينظر فيها بحكم الغلبة ، وقد نقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نحو هذا من تجهيز الجيش ، وهو في الصلاة ، ومن نحو هذا قوله - عليه الصلاة والسلام - : إني [ ص: 95 ] لأسمع بكاء الصبي الحديث ، وإن لم يخل بها ولا أورثها نقصا بعد ولكن ذلك متوقع ، فإنه يحل محل مفاسد تدخل عليه ، وعوارض تطرقه فهل يعد ذلك من قبيل المفسدة الواقعة في الدين أم لا ، كالعالم يعتزل الناس خوفا من الرياء والعجب ، وحب الرياسة ، وكذلك السلطان ، أو الوالي العدل الذي يصلح لإقامة تلك الوظائف والمجاهد إذا قعد عن الجهاد خوفا من قصده طلب الدنيا به ، أو المحمدة ، وكان ذلك الترك مؤديا إلى الإخلال بهذه المصلحة العامة ؟ فالقول هنا بتقديم العموم أولى; لأنه لا سبيل لتعطيل مصالح الخلق ألبتة ، فإن إقامة الدين والدنيا لا تحصل إلا بذلك ، وقد فرضنا هذا الخائف مطالبا بها ، فلا يمكن إلا القيام بها على وجه لا يدخله في تكليف ما لا يطيقه ، أو ما يشق عليه ، والتعرض للفتن والمعاصي راجع إلى اتباع هوى النفس خاصة لا سيما في المنهيات; لأنها مجرد ترك ، والترك لا يزاحم الأفعال في تحصيله ، والأفعال إنما يلزمه منها الواجب ، وهو يسير ، فلا ينحل عن عنقه رباط الاحتياط لنفسه ، وإن كان لا يقدر على القيام بذلك إلا مع المعصية فليس بعذر; لأنه أمر قد تعين عليه ، فلا يرفعه عنه مجرد متابعة الهوى; إذ ليس من المشقات كما أنه إذا وجبت عليه الصلاة ، أو الجهاد عينا ، أو الزكاة ، فلا يرفع وجوبها عليه خوف الرياء والعجب ، وما أشبه ذلك ، وإن فرض أنه يقع به ، بل يؤمر بجهاد نفسه في الجميع . فإن قيل : كيف هذا ، وقد علم أنه لا يسلم من ذلك ، فصار كالمتسبب [ ص: 96 ] لنفسه في الهلكة ، فالوجه أنه لا سبيل له إلى دخوله فيما فيه هلاكه ؟ فالجواب : أنه لو كان كذلك ، وقد تعين عليه القيام بذلك العام لجاز في مثله مما تعين عليه من الواجبات ، وذلك باطل باتفاق . نعم ، قد يقال : إذا كان في دخوله فيه معصية أخرى من ظلم ، أو غصب ، أو تعد فهذا أمر خارج عن المسألة فهو سبب لعزله من جهة عدم عدالته الطارئة ، لا من جهة أنه قد كان ساقطا عنه بسبب الخوف ، وإنما حاصل هذا أنه واقع في مخالفة أسقطت عدالته فلم تصح إقامته ، وهو على تلك الحال . وأما إن فرض أن عدم إقامته لا يخل بالمصلحة العامة لوجود غيره مثلا ممن يقوم بها ، فهو موضع نظر قد يرجح جانب السلامة من العارض ، وقد يرجح جانب المصلحة العامة ، وقد يفرق بين من يكون وجوده وعدمه سواء ، فلا ينحتم عليه طلب ، وبين من له قوة في إقامة المصلحة ، وغناء ليس لغيره ، وإن كان لغيره غناء أيضا فينحتم ، أو يترجح الطلب والضابط في ذلك التوازن بين المصلحة والمفسدة ، فما رجح منها غلب ، وإن استويا كان محل إشكال ، وخلاف بين العلماء قائم من مسألة انخرام المناسبة بمفسدة تلزم راجحة ، أو مساوية . فصل وقد تكون المفسدة مما يلغى مثلها في جانب عظم المصلحة ، وهو مما ينبغي أن يتفق على ترجيح المصلحة عليها ولذلك مثال واقع . حكى عياض في المدارك أن عضد الدولة فناخسرو الديلمي بعث إلى أبي بكر بن مجاهد والقاضي ابن الطيب ليحضرا مجلسه لمناظرة المعتزلة [ ص: 97 ] فلما وصل كتابه إليهما قال : الشيخ ابن مجاهد ، وبعض أصحابه : هؤلاء قوم كفرة فسقة; لأن الديلم كانوا روافض لا يحل لنا أن نطأ بساطهم ، وليس غرض الملك من هذا إلا أن يقال : إن مجلسه مشتمل على أصحاب المحابر كلهم ، ولو كان خالصا لله لنهضت . قال القاضي ابن الطيب : فقلت لهم : كذا قال المحاسبي ، وفلان ، ومن في عصرهم : إن المأمون فاسق لا نحضر مجلسه ، حتى ساق أحمد بن حنبل إلى طرسوس وجرى عليه ما عرف ولو ناظروه لكفوه عن هذا الأمر ، وتبين له ما هم عليه بالحجة ، وأنت أيضا أيها الشيخ تسلك سبيلهم حتى يجري على الفقهاء ما جرى على أحمد ، ويقولوا بخلق القرآن ، ونفي الرؤية ، وها أنا خارج إن لم تخرج ، فقال الشيخ : إذ شرح الله صدرك لهذا فاخرج . إلى آخر الحكاية . فمثل هذا إذا اتفق يلغي في جانب المصلحة فيه ما يقع من جزئيات المفاسد ، فلا يكون لها اعتبار ، وهو نوع من أنواع الجزئيات التي يعود اعتبارها على الكلي بالإخلال والفساد ، وقد مر بيانه في أوائل هذا الكتاب والحمد لله . [ ص: 98 ] المسألة الثامنة التكاليف إذا علم قصد المصلحة فيها فللمكلف في الدخول تحتها ثلاثة أحوال : أحدها : أن يقصد بها ما فهم من مقصد الشارع في شرعها فهذا لا إشكال فيه ولكن ينبغي أن لا يخليه من قصد التعبد; لأن مصالح العباد إنما جاءت من طريق التعبد; إذ ليست بعقلية حسبما تقرر في موضعه ، وإنما هي تابعة لمقصود التعبد ، فإذا اعتبر صار أمكن في التحقق بالعبودية ، وأبعد عن أخذ العاديات للمكلف فكم ممن فهم المصلحة فلم يلو على غيرها فغاب عن أمر الآمر بها ، وهي غفلة تفوت خيرات كثيرة بخلاف ما إذا لم يهمل التعبد . وأيضا فإن المصالح لا يقوم دليل على انحصارها فيما ظهر إلا دليل ناص على الحصر ، وما أقله إذا نظر في مسلك العلة النصي; إذ يقل في كلام الشارع أن يقول مثلا : لم أشرع هذا الحكم إلا لهذه الحكم ، فإذا لم يثبت الحصر ، أو ثبت في موضع ما ولم يطرد كان قصد تلك الحكمة ربما أسقط ما هو مقصود أيضا من شرع الحكم فنقص عن كمال غيره . والثاني : أن يقصد بها ما عسى أن يقصده الشارع مما اطلع عليه ، أو لم [ ص: 99 ] يطلع عليه ، وهذا أكمل من الأول إلا أنه ربما فاته النظر إلى التعبد ، والقصد إليه في التعبد ، فإن الذي يعلم أن هذا العمل شرع لمصلحة كذا ثم عمل لذلك القصد ، فقد يعمل العمل قاصدا للمصلحة غافلا عن امتثال الأمر فيها فيشبه من عملها من غير ورود أمر ، والعامل على هذا الوجه عمله عادي فيفوت قصد التعبد ، وقد يستفزه فيه الشيطان فيدخل عليه قصد التقرب إلى المخلوق ، أو الوجاهة عنده ، أو نيل شيء من الدنيا ، أو غير ذلك من المقاصد المردية بالأجر ، وقد يعمل هنالك لمجرد حظه ، فلا يكمل أجره كمال من يقصد التعبد . والثالث : أن يقصد مجرد امتثال الأمر فهم قصد المصلحة ، أو لم يفهم فهذا أكمل وأسلم . أما كونه أكمل فلأنه نصب نفسه عبدا مؤتمرا ، ومملوكا ملبيا; إذ لم يعتبر إلا مجرد الأمر . وأيضا فإنه لما امتثل الأمر ، فقد وكل العلم بالمصلحة إلى العالم بها جملة ، وتفصيلا ولم يكن ليقصر العمل على بعض المصالح دون بعض ، وقد علم الله تعالى كل مصلحة تنشأ عن هذا العمل فصار مؤتمرا في تلبيته التي لم يقيدها ببعض المصالح دون بعض . [ ص: 100 ] وأما كونه أسلم ؛ فلأن العامل بالامتثال عامل بمقتضى العبودية واقف على مركز الخدمة ، فإن عرض له قصد غير الله رده قصد التعبد ، بل لا يدخل عليه في الأكثر إذا عمل على أنه عبد مملوك لا يملك شيئا ولا يقدر على شيء بخلاف ما إذا عمل على جلب المصالح ، فإنه قد عد نفسه هنالك واسطة بين العباد ، ومصالحهم ، وإن كان واسطة لنفسه أيضا فربما داخله شيء من اعتقاد المشاركة فتقوم لذلك نفسه ، وأيضا فإن حظه هنا ممحو من جهته بمقتضى وقوفه تحت الأمر والنهي ، والعمل على الحظوظ طريق إلى دخول الدواخل ، والعمل على إسقاطها طريق إلى البراءة منها ولهذا بسط في كتاب الأحكام ، وبالله التوفيق .
__________________
|
#97
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
__________________
|
#98
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
__________________
|
#99
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
__________________
|
#100
|
||||
|
||||
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |