شبه القبوريِّين والردّ عليها - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 39 )           »          تعظيم خطاب الله عزوجل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          رسـائـل الإصـلاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 43 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-02-2021, 05:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي شبه القبوريِّين والردّ عليها

شبه القبوريِّين والردّ عليها


فيصل بن قزار الجاسم



شبه القبوريين أنواع:


منها: ما هو قصص وحكايات، لا يعجز عن مثلها كل مُبطل.

ومنها: أحاديث موضوعة على النبي [.

ومنها: أحاديث ضعيفة لا يصح الاحتجاج بها، وغالبها يخالف نصوصا من الكتاب أو السُّنَّة أو الإجماع.

ومنها: أحاديث صحيحة - وهي قليلة - إلَّا أنها لا تدل على باطلهم، بل تدل على خلافه، مثلها مثل ما يستدلون به من آيات ويفسرونها بما تهواه أنفسهم من غير سلف من الصحابة والتابعين.

ومنها: ما هو قول عالم متأخر لا يعتبر قوله حجة في دين الله لو سلم من المعارضة، فكيف إذا خالف الكتاب والسُّنَّة وما أجمعت عليه الأمة؟! ومعلوم أن أقوال العلماء وإن عظموا يُحتجّ لها، ولا يُحتجّ بها، فكل يؤخذ من قوله ويُرد.

الشبهة الأولى

قولهم بجواز التوسل بالنبي [، بل ودعائه والاستغاثة به بعد موته، مستدلين بما رواه الترمذي والنسائي وغيرهما بسند صحيح من حديث عثمان بن حنيف ]، أنه قال: «أتى رجل ضرير إلى النبي [ فقال: ادع الله أن يعافيني. قال: «إن شئت دعوت لك، وإن شئت صبرت وهو خير لك». قال: فادعه. قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: «اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهم فشفعه فيّ».

قالوا: ففي هذا الحديث التوسل والنداء بالنبي [.

الجواب: إنَّ هذا ليس فيه حجَّة علي جواز دعاء النبي [ بعد موته ولا الاستغاثة به؛ لأمور: الأول: أنه ليس استغاثة بالنبي [، بل هو توجه به، فالمسؤول هو الله، لا النبي [.

الثاني: أن الأعمى إنما توجه بدعاء النبي [ وشفاعته لا بذاته؛ فإنه طلب من النبي [ الدعاء؛ ولذلك قال: «فشفعه فيّ»، فدل على أنه كانت ثمة شفاعة من النبي [ له وهو دعاؤه، وإلا كان قوله: «فشفعه فيّ» لا معنى له لو لم يكن دعاء وشفاعة سبقت.

وهذا هو التوسل بالنبي [ في عرف الصحابة رضوان الله عليهم، وهو أن يأتي الصحابي إلى النبي [ ويطلب منه الدعاء له، ثم يسأل الله قبول دعائه. يدل عليه ما ثبت في (صحيح البخاري) أن عمر ] كان إذا قُحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب - أي: بدعائه - فقال: «اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا»؛ فيُسقون.

الثالث: أن يُقال: لو كان التوسل بذات النبي [ جائزا، لما احتاج الأعمى إلى أن يذهب إلى النبي [، ولكان بوسعه أن يدعو في بيته، فلما لم يفعل ذلك، بل تكلف وأتى النبي [ وطلب منه الدعاء، دل على أن التوجه الوارد في الحديث هو التوسل بدعاء النبي [ لا بجاهه وذاته.

الرابع: أن التوسل بذات النبي [ لو كان جائزا بعد موته، لفعله الصحابة رضي الله عنهم، فلما تركوه مع قدرتهم عليه ووجود المقتضي، دلّ على أنه بدعة محدثة؛ ولذلك استسقى الصحابة بالعباس بن عبد المطلب ]، واستسقى معاوية ] بيزيد بن الأسود الجوشي لما قُحطوا، أي: بدعائهما.

فلو استدرك أحدهم وقال: لقد روى الطبراني في (الكبير) وغيره هذا الحديث، وفيه أن عثمان بن حنيف ] قد أمر رجلا في عهد عثمان بن عفان ] - أي: بعد موت النبي [ - بأن يقول هذا الدعاء مستدلا بحديث الأعمى.

فالجواب أن يقال:

أولا: أن هذه الزيادة منكرة غير محفوظة، فقد تفرد بها رجل يسمى شبيب بن سعيد الحبطي، وله منكرات، وأحسن حديثه ما رواه ابنه عنه من نسخة يونس عن الزهري، وليس هذا منها، وأضعف حديثه ما رواه ابن وهب عنه، وهذا منها (ميزان الاعتدال: 2/262).

كما أنه خالف منه هو أوثق منه، وهما شعبة وحماد بن سلمة وهشام الدستوائي؛ فإنهم لم يذكروا هذه الزيادة، فتبين أنها من منكراته.

ثانيا: أن مثل هذا لو صح لا تثبت به شريعة، كسائر ما يُنقل عن آحاد الصحابة في جنس العبادات، أو الإباحات، أو الإيجابات، أو التحريمات، إذا لم يوافقه غيره من الصحابة عليه، وكان ما يثبت عن النبي [ يخالفه ولا يوافقه، لم يكن فعله سُّنَّة يجب على المسلمين اتباعها.

الشبهة الثانية

استدلالهم على جواز الاستغاثة بالأموات بقوله تعالى: {فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه} (القصص: 15)، وبحديث الشفاعة الطويل في يوم القيامة، وأن الناس يستغيثون بالنبي [ ليشفع لهم عند الله، وقول هاجر عليها السلام فيما رواه البخاري من قصتها مع إبراهيم : «إن كان عندك خير أو غواث».

الجواب عليها من وجوه:

الأول: أن الآية إنما فيها الخبر عن هذا الإسرائيلي، وليس هو ممن يُحتَجّ بأفعاله، وقد قال موسى له: {إنك لغوي مبين}.

ومثله قول هاجر؛ فإنه ليس بحجة في الشرع.

الثاني: أن هذه الاستغاثة إنما تكون في حال الحياة والحضور، لا في حال الموت والغيبة؛ فإن استغاثة الإسرائيلي بموسى كانت عندما رآه، وكذلك هاجر عندما سمعت صوتا.

وكذلك استغاثة الناس بالرسول [ في عرصات القيامة في حضرته وقدرته على دعاء الله والشفاعة عنده. والتسوية بين حال الحياة والموت من أبطل الباطل.

الشبهة الثالثة

استدلالهم بقوله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} (النساء: 64)، على جواز الذهاب إلى قبره وطلب الاستغفار منه. وربما ذكروا معها ما ذكره العتبي من قصة أعرابي أتى قبر النبي [ وتلا هذه الآية، ثم قال:

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه

فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه

فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثم رأى النبي [ في المنام فأخبره بمغفرة الله له.

الجواب على هذا وبيان بطلانه من وجوه:

أولا: أن «إذ» في اللغة ظرف لما مضى، كما أن «إذا» ظرف لما يُستقبل، وقد ذكر ذلك أهل اللغة كابن منظور في (لسان العرب)، وغيره، وبناء عليه، فإن الآية تتحدث إذاً عن واقعة معينة حدثت في عهد النبي [، كقوله تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك} (الأنفال: 30)، وقوله: {وإذ قالت طائفة منهم يأهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا} (الأحزاب: 13).

ولا تكون «إذ» ظرفا لما يُستقبل إلا إذا جاءت بعد ترى، وكانت فيما يُعلم أنه من أمور المستقبل، كأحوال القيامة، ومنها قوله: {ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين} (الأنعام: 27).

الثاني: أن الصحابة رضي الله عليهم لم يفهموا من هذه الآية أنها عامة في حياته وبعد موته، ولذلك لما تُوُفِّي النبي [ لم يكن أحد منهم قط يأتي إلى قبره ويقول: يا رسول الله، فعلت كذا وكذا فاستغفر لي.

ومن نقل هذا عن أحد منهم فقد جاهر بالكذب والبهتان، وافترى على كل الصحابة والتابعين وتابعيهم، وهم خير القرون على الإطلاق، حيث تركوا هذا الواجب الذي ذم الله سبحانه من تخلف عنه وجعل التخلف عنه من أمارات النفاق، وكيف أغفل هذا أئمة الإسلام وهداة الأنام من أهل الحديث والفقه والتفسير ومن لهم لسان صدق في الأمة، فلم يدعوا إليه ولم يرشدوا إليه، ولم يفعله أحد منهم ألبتة، ووفق له من لا يُؤبه له من الناس ولا يُعد من أهل العلم؟!

ويا لله ثم يا للعجب، أكان ظلم الأمة لأنفسها ونبيها حيٌّ بين أظهرها موجودا، وقد دُعيت فيه إلى المجيء إليه ليستغفر لها، وذم من تخلف عن هذا المجيء، فلما تُوُفِّي النبي [ ارتفع ظلمها لأنفسها بحيث لا يحتاج أحد منهم إلى المجيء إليه ليستغفر له. وهذا يبين أن التأويل الذي ذكروه باطل.


وأما ما ذكروه من قصة الأعرابي فهي من القصص الكثيرة المختلقة التي ليس لها إسناد معروف، ولا يعرف أصحابها، فقد ذكرها العتبي بلا إسناد، ومنهم من ذكر لها إسنادا مظلما باطلا، ولا يثبت بمثلها حكم شرعي ألبتة.

ولهم مثل هذه القصص والحكايات الشيء الكثير، فسبحان الله! أتُترك دلالة الكتاب والسُّنَّة وعمل سلف الأمة لقصة أعرابي لا يُعرف؟!

الثالث: أن استدلالهم بهذه الآية على المجيء إلى قبره يناقض ويصادم قوله [ فيما رواه أحمد وأبو داود والطبراني في (الأوسط) وغيرهم من حديث أبي هريرة ]: «لا تجعلوا قبري عيدا»؛ إذ لو كان المجيء للمذنبين مشروعا، لكان القبر أعظم أعياد المذنبين، وهذه مضادة صريحة لدينه ولما جاء به، والعيد هو مجتمع الناس، وهو إما مكاني وإما زماني .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 22-01-2022 الساعة 09:40 PM.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22-01-2022, 09:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شبه القبوريِّين والردّ عليها


شبه القبوريِّين والردّ عليها (2)


فيصل بن قزار الجاسم

ذكرنا في الحلقة السابقة بعض من شبه القبوريين التي يبنون عليها القصص والحكايات والأحاديث الضعيفة والموضوعة، كقولهم يجوز التوسل بالنبي [ بل ودعاءه والإستغاثة به بعد موته واستدلالهم ببعض الآيات والأحاديث الصحيحة بطريقة غير صحيحة استناد إلى أهوائهم ، وقد تم الرد على ثلاث شبهات في الحلقه السابقة وسنستعرض بعضاً من شبهاتهم والرد عليها في هذه الحلقة الشبهة الرابعة





وهي ما ذُكر عن الإمام مالك - رحمه الله - أنه ناظر أبا جعفر المنصور أمير المؤمنين في مسجد رسول الله [، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين، لا ترفع صوتك في هذا المسجد؛ فإن الله أدب قوما فقال: {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} (الحجرات: 2)، ومدح قوما فقال: {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم} (الحجرات: 3)، وذمّ قوما فقال: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} (الحجرات: 4)، وإن حُرمته ميتا كحرمته حيا.

فاستكان لها أبو جعفر، وقال: يا أبا عبدالله، أستقبل القبلة وأدعو، أم أستقبل رسول الله [؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى يوم القيامة، بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله فيك؛ قال الله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} (النساء: 64).

الرد عليها من وجوه:

أولها: أنها قصة باطلة كسائر ما يستدلون به من قصص؛ فإن هذه القصة قد ذكرها القاضي عياض في (الشفاء) بإسناده عن محمد بن حميد الرازي بها، ومحمد بن حميد الرازي لم يدرك الإمام مالكا، وهو معروف بسرقة الحديث، وكذَّبه أبو زرعة وابن خراش وصالح جزرة.

الثاني: أنها كذب على الإمام مالك بلا ريب من وجوه:

منها: أنها مخالفة لمذهب مالك ومذهب سائر الأئمة؛ فإنهم متفقون على أن من سلم على النبي [ ثم أراد الدعاء، فإنه يستقبل القبلة، كما روي عن الصحابة، فعلم بهذا أنه كذب عليه مخالف لمذهبه، كما كذبوا عليه في أنه كان يأخذ طنبورا يضرب به ويغني لما كان في المدينة من يغني.

ومنها: أن مالكا من قوة متابعته للسنة كره أن يقال: زرت قبر النبي [، كما ذكره ابن القاسم عنه في (المدونة).

الشبهة الخامسة

هي قولهم: إن النبي [ حي في قبره، ويدّعون الإجماع عليه، ويجعلون هذا دليلا على جواز سؤاله والاستغاثة به.

واستدلوا على حياته في قبره بأمور:

1. ما رواه أحمد وأبو داود وغيرهما عن أبي هريرة ]، أن النبي [ قال: «ما من رجل يسلم عليّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام».

قالوا: وهذا يدل على حياته.

2. أن الشهيد حي في قبره؛ كما في قوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} (آل عمران: 169)، والأنبياء أكمل منهم؛ فيقتضي ذلك ثبوت حياتهم في قبورهم.

3. إن نساءه لا يحل الزواج بهن بعد موته؛ لقوله تعالى: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما} (الأحزاب: 53)، وإنما منعن من الزواج لبقائهن في عصمته حيث إنه حي في قبره.

4. ما رواه الإمام مسلم من حديث أنس ] عنه، أن رسول الله [ قال: «أتيت - وفي رواية هداب: مررت - على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في فبره». وهذا دليل على حياته، ورسولنا أكمل منه.

5. ما رواه أبو يعلى والبزار وغيرهما: أن النبي [ قال: «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون».

< الجواب على هذه الشبهة وبيان زيفها يكون من طريقين:

الأول: إبطال الاستدلال بكل دليل على حدة.

الثاني: إبطال جملة المسألة والشبهة، وهي استدلالهم بثبوت حياته في قبره على جواز دعائه.

أما الطريق الأول:

فأولا: الرد على استدلالهم بحديث رد السلام من وجوه:

منها: أن حديث رد التسليم غاية ما فيه أن روح النبي [ تُردُ إليه (لرد التسليم) لا أنها مستقرة باقية في جسده كل وقت وحين.

ومنها: أن الأحاديث الصحيحة فرقت بين تسليم البعيد على النبي [ وبين تسليم القريب، وبينت أن النبي [ يسمع سلام القريب ويُبلَّغ سلام البعيد، يدل عليه الأحاديث التالية:

أولها: ما رواه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان من حديث ابن مسعود ]، أن النبي [ قال: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض، يبلغونني عن أمتي السلام».

ثانيها: ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان عن أوس بن أوس ]: أن النبي [ ذكر فضل يوم الجمعة، ثم قال: «فأكثروا عليّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة عليّ».

ثالثها: ما رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي هريرة ]، أن النبي [ قال: «لا تتخذوا قبري عيدا، ولا تتخذوا بيوتكم قبورا، وصلوا عليّ حيثما كنتم؛ فإن صلاتكم تبلغني».

فهذه الأحاديث وغيرها تبين أنه يُبلَّغ سلام البعيد ولا يسمعه، فيكون حديث رد السلام خاصا بالقريب، وهذا الحديث هو الذي استند إليه الإمام أحمد وأبو داود على جواز زيارة قبره؛ إذ فهموا منه السلام من قريب جمعا بين الأحاديث.

ومنها: أن ردّ الروح على الميت ليرد السلام ليس خاصا بالنبي [، بل هو لكل أحد؛ لما رواه ابن عبدالبر وصححه من حديث ابن عباس ]، والبيهقي في (الشعب) من حديث أبي هريرة ]، أن النبي [ قال: «ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم كان يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه، إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام».

فهل يقتضي هذا حياة الناس كلهم في قبورهم، وجواز الاستغاثة بهم؟! سبحانك هذا بهتان عظيم!

ومثله ما ثبت أن الميت يسمع قرع نعال أصحابه إذا ولوا عنه بعد دفنه كما في الصحيح.

ثانيا: الردّ على استدلالهم بحياة الشهيد في قبره، من وجوه:

منها: أن حياة الشهيد منصوص عليها، ومع ذلك نُهينا عن دعائهم والاستغاثة بهم؛ لعموم قوله تعالى: {فلا تدعوا مع الله أحدا}، فيكون ما ذكروه من حياة الشهيد دليلا لنا لا لهم.

ومنها: أن الآية التي بيّن الله فيها حياة الشهداء قد ذكر الله عز وجل فيها أن الشهداء في حياتهم هذه {يرزقون}، أي: يرزقهم الله من خيرات الجنة، فكيف يُطلب منهم الرزق ونحوه وهم لا يرزقون أنفسهم، بل يرزقهم ربهم؟!

ومنها: أن النبي [ بيّن حقيقة حياة الشهداء بعد الموت، فقال فيما رواه مسلم من حديث ابن مسعود ]: «أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل».

ثالثا: الرد على استدلالهم على حياته بحرمة نكاح نسائه من وجوه:

منها: أن الأمة مجمعة على حل نكاح نساء الشهيد مع النص على حياته؛ فدل هذا على أن حياة الشهداء والأنبياء في قبورهم ليست كحياتهم في دنياهم.

ومنها: أن نساء النبي [ أتين بعدة شرعية بعد موته، وكذا نساء الشهداء؛ مما يدل على بطلان ما استدلوا به من كونه حيا كحياته الدنيوية.

ومنها: أن نساء النبي [ إنما حرم عليهن النكاح بعده خصيصة لهن؛ لأنهن اخترن الله ورسوله لما خيرهن النبي [ بين الله ورسوله وبين زينة الحياة الدنيا، ولأنهن زوجاته في الآخرة؛ فصانهن الله عن فراش ثان.

رابعا: الرد على استدلالهم برؤية النبي [ لموسى وهو يصلي في قبره، من وجوه:

ومنها: أن هذا ليس خاصا بموسى عليه السلام؛ فقد روى ابن حبان في (صحيحه) من حديث جابر ]، أن النبي [ قال: «إذا دخل الميت القبر، مُثلت له الشمس عند غروبها، فيقول: دعوني أصلي»، وهذا مع الموت المحقق له؛ فدل على عمومه، ومنه الحديث الذي سبق ذكره «أن الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون».

ومنها: أن رواية رؤية النبي [ لموسى وهو يصلي في قبره في المعراج قد أعلَّها بعض العلماء كالدارقطني، وإن كان مسلم قد رواها.

وأما الطريق الثاني: فهو الجواب عن جملة المسألة، وهي قولهم: إن حياة النبي [ في قبره حياته الدنيوية؛ مما يقتضي جواز الاستغاثة به لأجلها، فالرد عليها وبيان بطلانها من وجوه:

أولها: أن دعوى حياته في قبره الحياة المعهودة مناقضة ومصادمة لقوله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون} (الزمر: 30)، ولقوله: {وماجعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون} (الأنبياء: 34)، وقوله: {كل نفس ذائقة الموت} (الأنبياء: 35).

الثاني: أنه من المعلوم أن النبي [ لم يكن حيا في قبره كالحياة الدنيوية المعهودة التي تقوم فيها الروح بالبدن وتدبره وتصرفه، ويحتاج معها إلى الطعام والشراب واللباس والنكاح وغير ذلك، بل حياته [ حياة برزخية، وروحه في الرفيق الأعلى، وكذلك أرواح الأنبياء، والأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم تفاوت، ولا تقاس الحياة الدنيا بالحياة البرزخية؛ كما لا تقاس حياة الجنين في بطن أمه بالحياة الدنيوية، وكذلك الحياة الأخروية، فقياس حياة على حياة من أبطل الباطل.

الثالث: أنه لو كان حيا يسمع السائل ويجيب الداعي، لأفتاهم في شرائع الإيمان، وأراح أمته من كثير من المسائل التي أعيت الصحابة، فكيف يشهد اختلافهم واقتتالهم ولا يجيب ولا يحل الإشكال؟! وكيف يحصل ما حصل من النزاع ولا يأتيه أحد إلى قبره يستغيثه ويسترشده؛ لأنه حي كما يزعمون في قبره؟! وقد قال عمر ] فيما رواه البخاري: «وددت أن رسول الله [ لم يفارقنا حتى يعهد إلينا عهدا في الجد والكلالة وأبواب من أبواب الربا».

وما بال الصحابة كانوا إذا قُحطوا يستسقون بدعاء العباس ] والنبي [ حي بجانبهم لا يأتونه ولا يستسقونه؟ وهل هذا إلا دليل صريح على بطلان ما زعموه وادعوه؟!



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24-01-2022, 09:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شبه القبوريِّين والردّ عليها

شبه القبوريين والرد عليها (3 - 3)
-إن حديث «حياتي خير لكم» مختلف في ثبوته وضعفه جمع من المحديثين


فيصل بن قزار الجاسم




ذكرنا في الحلقة السابقة بعض من شبه القبوريين التي يبنون عليها القصص والحكايات والأحاديث الضعيفة والموضوعة، واستدلالهم ببعض الآيات والاحاديث الصحيحة بطريقة غير صحيحة استناداً إلى أهوائهم ، وقد تم الرد على بعض شبهاتهم في الحلقه السابقة وسنستعرض بعضاً من شبهاتهم والرد عليها في هذه الحلقة


الشبهة السادسة




قولهم: إن الأموات ينفعون الأحياء، مستدلين بما رواه البزار عن ابن مسعود ]، أن النبي [ قال: «حياتي خير لكم، تحدّثون ويحدّث لكم، ووفاتي خير لكم تُعرض عليَّ أعمالكم: فما رأيت من خير حمدت الله، وما رأيت من شر استغفرت لكم». وهذا يدل على انتفاع الأحياء بدعائه بعد مماته، وعليه فيسوغ لنا دعاؤه والطلب منه، ويدل على ذلك أيضا ما رواه أحمد عن أنس ]، أن النبي [ قال: «إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم، فإن كان خيراً استبشروا، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا».

الجواب عن هذه الشبهة من وجوه:

أولها: أن حديث: «حياتي خير لكم» مختلف في ثبوته وصحته؛ فقد ضعفه جمع من المحدثين منهم الألباني في (السلسلة الضعيفة).

وأما حديث: «إن أعمالكم تعرض على أقاربكم»، ففيه انقطاع، وله شاهد ضعيف جدا من حديث أبي أيوب، وفيه مسلمة الخشني، وهو متّهم، قال الحاكم: «روى عن الأوزاعي والزبيدي المناكير والموضوعات».

وشاهد آخر من حديث جابر، وهو ضعيف جداً أيضاً؛ فقد تفرد به الصلت بن دينار، وهو متروك ناصبي، كما قال الحافظ في (التقريب)، وفيه انقطاع أيضاً، والحديث قد ضعفه الهيثمي في (مجمع الزوائد) والألباني في (السلسلة الضعيفة).

الثاني: أنه على فرض ثبوت صحته، فإنه لا يدل على جواز الاستغاثة بالنبي [ وحده، إن كان ما يزعمون من دلالته حقا؛ لأنه عام لكل المؤمنين كما مر في الحديث السالف الذكر، فهل يسوغ للمسلم أن يدعو كل مؤمن ويستغيث به!!

الثالث: أن هذا كله حاصل بأمر الله عز وجل، وأمره في غير دار التكليف أمر تكوين، لا يتصور مخالفة المأمور؛ كما أن أهل الجنة يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس وليسوا مكلفين، وكذلك استغفار الملائكة للمؤمنين ولمنتظري الصلاة وغيرهم، كما في قوله عن الملائكة: {ويستغفرون للذين آمنوا} (غافر: 7)، وقوله: {ويستغفرون لمن في الأرض} (الشورى: 5).

وفي قول النبي [ في الحديث المتفق عليه: «لا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة، تقول الملائكة: «اللهم اغفر له، اللهم ارحمه». ومع هذا فلا يجوز أن يدعو الملائكة ولا أن يستغيث بهم، ولا أن يطلب منهم ما أخبر الله أنهم يفعلونه، وإلا صار بمنزلة من يطلب من الشمس أن تصحبه ومن الريح أن تهبَّ ونحو ذلك.

والقاعدة في هذا أن كل ما يُؤمر بأمر تكوين لا يحتاج أن يطلب منه، فإنه فاعله طُلب منه أو لم يطلب، بخلاف الشفاعة يوم القيامة؛ فإنهم يسألونه في العرصات وهو حاضر فيستجيب لهم ويشفع عند ربه بعد أن يأذن له.

الشبهة السابعة

استدلالهم على جواز الاستغاثة بالنبي [ وطلب الدعاء منه بما رواه ابن أبي شيبة والبيهقي في (الدلائل) عن مالك الدار خازن عمر أنه قال: «أصاب الناس قحط في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي [ فقال: يا رسول الله، استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأُتي الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر فأقرئه السلام، وأخبره أنكم تُسقَون، وقل له: عليك الكَيْس، فأتى الرجل عمر فأخبره، فبكى عمر ثم قال: يا رب ما آلو إلا ما عجزت عنه».

الرد عليها من وجوه:

أولها: أن القصة لا تثبت؛ لجهالة حال مالك الدار خازن عمر؛ فإنه لا يعرف بالضبط في رواية الحديث، أورده ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقال المنذري: «لا أعرفه».

الثاني: أن الرجل الذي أتى القبر مجهول لا يُعرف، فكيف يُعوّل في هذه القصة على روايته وقد خالفها الإجماع المنعقد على مقتضى النصوص الواردة فيما يُشرع عند وجود القحط من استغفار الله والتوبة؟!

وما قيل: إن المجهول هو بلال بن الحارث الصحابي، لا يصح؛ لأنه من رواية سيف بن عمر ذكرها في (الفتوح)، وسيف بن عمر المتفرد بهذه الزيادة ضعيف باتفاق المحدثين، بل قيل: إنه كان يضع الحديث، وقد اتهم بالزندقة، قال ابن حبان: «يروي الموضوعات عن الأثبات، وكان يضع الحديث».

الثالث: أنه لو صح لم يكن دليلا على ما ذكروا، إذ ليس في الحديث أنه أخبر عمر ] بالاستسقاء من النبي [.


الرابع: أن هذه القصة حجة على المنازع؛ لأن الرجل لما طلب الدعاء من النبي [ لأمته لم يقل له: أنا أدعو لكم؛ بل أمره بما شرعه وسنه لهم، وهو أن يدعوا الله ويستسقوا. فالقصة تدل على نقيض ما ادعوه، لأنها تدل على أن المشروع والمطلوب عند حلول القحط صلاة الاستسقاء، وهذا هو الذي أمر به النبي [ في القصة إن صحت. فمن توجه إلى قبره يطلب منه الدعاء فقد خالف ما أمر به في هذا الحديث.

(الخامس): أن القصة مخالفة لفعل الصحابة، فقد ثبت عن عمر ]، أنه كان يستسقي بدعاء العباس كما مر سابقا، مما يدل على نكارتها.

السادس: أن القصة منكرة المتن؛ لمخالفتها ما ثبت في الشرع من استحباب إقامة صلاة استسقاء في مثل هذه الحالات.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27-01-2022, 07:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شبه القبوريِّين والردّ عليها

شبه القبوريين والرد عليها (4 - 4)

فيصل بن قزار الجاسم





ذكرنا في الحلقة السابقة بعض من شبه القبوريين التي يبنون عليها القصص والحكايات والأحاديث الضعيفة والموضوعة، واستدلالهم ببعض الآيات والاحاديث الصحيحة بطريقة غير صحيحة استناداً إلى أهوائهم ، وقد تم الرد على بعض شبهاتهم في الحلقه السابقة وسنستعرض بعضاً من شبهاتهم والرد عليها في هذه الحلقة

الشبهة الثامنة

وهي استدلالتهم بقوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} (المائدة: 35), وقالوا: الوسيلة هي التوسل بالنبي [ بعد موته، والاستغاثة به.

والجواب عليها من وجوه:

أولها: أن هذا من أبين الباطل؛ لمخالفته ما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين في تفسيرها، فقد فسرها الصحابة والتابعون بالقربة والطاعة، أي: تقربوا إليه بفعل الطاعات، وهذا ثابت عن ابن عباس ]، وأبي وائل، ومجاهد، والحسن، وقتادة، وعبدالله بن كثير، والسدي، وابن زيد، وذلك فيما رواه الطبري بلا خلاف بينهم.

الثاني: أنه لو جاز لكل أحد أن يفسرها بما يشتهيه، ولو كان مخالفا لما ثبت عن الصحابة والتابعين في تفسيرها، لما عجز كل مبطل ومفسد أن يستدل بها على ما يريد ولو خالف تفسيره النصوص.

الثالث: أن الوسيلة في هذه الآية هي نظير الوسيلة المذكورة في سورة الإسراء، فإنه لم تذكر الوسيلة في القرآن إلا مرتين، والوسيلة في الإسراء في قوله: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} (الإسراء: 57).

وهذه الآية قد مرَّ معنا أنها نزلت فيمن كان يعبد الملائكة والأنبياء والأولياء، فبيَّن الله عز وجل أن هؤلاء المدعوين المعبودين من دون الله كالأنبياء والأولياء يبتغون إلى الله الوسيلة، أي: القربة والطاعة، فكيف يكونون هم الوسيلة، وهم يبتغون إلى الله الوسيلة؟! وهذا يبطل قولهم: إن الوسيلة هي التوسل بالأنبياء والصالحين.

الشبهة التاسعة

استدلالهم على جواز التوسل بكل عبد حيا كان أو ميتا بما رواه أحمد وابن ماجة في دعاء الخروج إلى المسجد أن النبي [ قال: «من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا إليك...» إلى آخر الحديث.

والرد عليها وبيان بطلانها من وجوه:

أولها: «أن هذا الحديث لا يصح؛ لأن فيه عطية العوفي وهو ضعيف الحديث، قال عنه الذهبي في (الكاشف): «اضعفوه»، وقال ابن حجر في (التقريب): «صدوق يخطئ كثيرا، وكان شيعيا مدلسا». ولم يصرح عطية العوفي بالتحديث في هذا الحديث.

وأما ما رواه ابن السني في (أذكار اليوم والليلة) عن بلال ] بنحوه، فهو أشد ضعفا ونكارة، ففيه الوازع بن نافع العقيلي، وهو واه جدا، قال عنه البخاري: «منكر الحديث»، وقد قال البخاري: «كل من قلت فيه منكر الحديث، لا تحل الرواية عنه»، وقال النسائي عنه: «متروك».

الثاني: أن الحديث ليس فيه دليل على جواز التوسل بالمخلوق، وإنما فيه سؤال الله بحق السائلين وبحق الماشين في طاعته، وحق السائلين أن يجيبهم، وحق الماشين أن يثيبهم، وهذا حق أوجبه هو سبحانه على نفسه، لا أنهم أوجبوه عليه؛ فليس للمخلوق أن يوجب على الخالق شيئا.

الثالث: إذا كان حق السائلين هو الإجابة، وحق العابدين الماشين هو الإثابة، فالإجابة والإثابة فعل له جل وعلا؛ فهو إذًا سؤال له بأفعاله لا بذوات المخلوقين، كالاستعاذة ونحو ذلك، كما في قوله [: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك»؛ فالاستعاذة بمعافاته التي هي فعله كالسؤال بإثابته التي هي فعله.

الرابع: أن غاية ما فيه - إن صح استدلالهم به - أنه توسل إلى الله بالذوات، والمتوسَّل به مطلوب به لا مطلوب منه، فهو بدعة، وليس فيه جواز الاستغاثة بالأموات والطلب منهم؛ لأن الاستغاثة بالشيء طلب منه لا طلب به.

الشبهة العاشرة

استدلالهم على التوسل بالأموات بما رواه الطبراني في (الكبير) من حديث أنس ]، أن النبي [ قال عندما توفيت أم علي رضي الله عنها، وهي فاطمة بنت أسد: «اللهم اغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ووسع عليها مدخلها، بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي».

والجواب عليها من وجهين:

أولهما: أنه حديث منكر، تفرد به روح بن صلاح عن الثوري، وروح ضعيف الحديث، ضعفه الدارقطني وابن عدي، وقال ابن ماكولا: «ضعفوه».


ومما يزيده نكارة، تفرده به عن الثوري دون أصحاب الثوري المعروفين بالرواية عنه كوكيع، وابن مهدي، والفريابي، وأبي نعيم، والقطان.

الثاني: أنه لو كان مشروعا لأمر به النبي [، ولعمل به الصحابة وسارعوا إليه، وكل هذا لم يكن، ولم يأمر به أيضا أحد من العلماء المتقدمين ولا الأئمة، بل نهوا عنه، قال أبو حنيفة وأبو يوسف: «لا يقال: أسألك بحق نبيك».









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15-02-2022, 10:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شبه القبوريِّين والردّ عليها

شبه القبوريين والرد عليها (5 - 5)

فيصل بن قزار الجاسم



ذكرنا في الحلقة السابقة بعض شبه القبوريين التي يبنون عليها القصص والحكايات والأحاديث الضعيفة والموضوعة، واستدلالهم ببعض الآيات والأحاديث الصحيحة بطريقة غير صحيحة استناداً إلى أهوائهم ، وقد تم الرد على بعض شبههم في الحلقه السابقة وسنستعرض بعضاً منها والرد عليها في هذه الحلقة.


الشبهة الحادية عشرة

استدلالهم على حياة النبي [ بما رواه البخاري في (صحيحه) أن النبي [ قال: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة». وأنه يمكن أن يُرى، ويروون بعض الحكايات المكذوبة عن أناس رأوه.

والجواب عن هذه الشبهة وبيان زيفها من وجوه:

الأول: أن هذا الحديث على سبيل التشبيه والتمثيل، أي: من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة، أي: بصورتي الحقيقية؛ لأن الشيطان لا يتمثل به [.

وقد رواه مسلم وغيره بلفظ: «فسيراني في اليقظة، أو فكأنما رآني في اليقظة» على الشك. وأما رواية الجزم «فسيراني في اليقظة»، فهي شاذة غير محفوظة.

ودليل ذلك أن حديث رؤية النبي [ في المنام قد رواه عنه أربعة عشر صحابيا: أبو قتادة، وابن مسعود، وأبو جحيفة، وأنس، وأبو سعيد، وأبو بكرة، وجابر، وابن عباس، وحذيفة، وطارق بن أشيم، وأبو هريرة، والبراء بن عازب، وعبدالله بن عمرو، ومالك بن عبدالله الغثمي، رضي الله عنهم.

واتفقوا كلهم على لفظ: «من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي»، أو قريبا منه، مثل «فقد رأى الحق».

واختلف على أبي هريرة ]، فرواه عنه خمسة من أصحابه: أربعة منهم رووه عنه بلفظ الجماعة: «فقد رآني»، وهم: محمد بن سيرين، وكليب الجرمي، وعبدالرحمن مولى الحرقة، وأبو صالح.

واختلف على أبي سلمة عنه، فرواه عنه محمد بن عمرو، بلفظ: «فقد رأى الحق»، موافقا للجماعة.

ورواه عنه الزهري، واختلف عليه، فرواه عنه أربعة من أصحابه: يونس، وعقيل، والزبيدي، وابن أخي الزهري:

اتفقت رواية عقيل، والزبيدي، وابن أخي الزهري، عنه بلفظ: «فسيراني في اليقظة، أو فكأنما رآني في اليقظة».

واختلف على يونس، فرواه عنه ابن وهب، بلفظ الجماعة عن الزهري: «فسيراني في اليقظة، أو فكأنما رآني في اليقظة».

ورواه أنس بن عياض، عنه عن الزهري بلفظ: «فقد رأى الحق».

وخالفهما ابن المبارك، فرواه عنه بلفظ الجزم: «فسيراني في اليقظة»، وهذا هو الطريق الوحيد من بين كل الروايات والأحاديث السابقة التي جاءت بلفظ الجزم.

فتبيَّن بما لا يدع مجالا للشك أن لفظ: «فسيراني في اليقظة» غير محفوظ؛ لأنه من رواية ابن المبارك عن يونس عن الزهري، مخالفا لأصحاب يونس عن الزهري، ومخالفا لأصحاب الزهري عن أبي سلمة، ومخالفا لأصحاب أبي سلمة عن أبي هريرة، ومخالفا لأصحاب أبي هريرة ] عن النبي [ ، ومخالفا لأصحاب النبي [ عنهم.

الثاني: أن العلماء مختلفون في تفسيره على أقوال:

منها: أنه على سبيل التمثيل والتشبيه.

ومنها: أن معناه: سيرى في اليقظة تأويلها.

ومنها: أنه خاص بأهل عصره.

ومنها: أنه يراه يوم القيامة بمزيد خصوصية.

ومنها: أنه يراه في المرآة، وهو أبعدها.

الثالث: أنه لو كان معناه الرؤية الحقيقية في الدنيا ومخاطبته، لاستلزم بقاء الصحبة له بعد موته، وهذا من أبطل الباطل.

الرابع: أنه لو كان معناه ما ذكروا، لكان أولى الناس به وأكثرهم رؤية له: الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام، ولم يثبت عن أحد منهم قط أنه رآه في اليقظة، ولا أخبر بذلك، ولا فهمه من الحديث منهم أحد؛ مما يدل على بطلان ما استدلوا به.

الشبهة الثانية عشرة

استدلالهم على جواز دعاء الأموات والغائبين بما رواه أبو يعلى والطبراني وابن السني، عن ابن مسعود ]: أن النبي [ قال: «إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله، احبسوا، يا عباد الله احبسوا؛ فإن لله في الأرض حاضرا سيحبسه عليكم».

والجواب عنها من وجوه:

أولها - أن الحديث لا يصح؛ لأن مداره على معروف بن حسان، وهو منكر الحديث، كما قال ابن عدي.

وله شاهد ضعيف من حديث عتبة بن غزوان ]، وفيه ثلاث علل:

الأولى والثانية: فيه راويان ضعيفان، هما عبدالرحمن بن شريك، قال عنه أبو حاتم: «واهي الحديث»، ووالده شريك القاضي، قال عنه ابن حجر في (التقريب): «صدوق يخطئ كثيرا».

والعلة الثالثة: الانقطاع. فالحديث لا يقوى بهذا الشاهد، مع كونه في أصله منكرا بتفرد الضعيف، فلا يصلح أن يطلب له شاهد يقويه.

الثاني - أنه ليس فيه دلالة على ما ذكروا؛ لأنه نداء حاضر، إما مسلمو الجن وأما الملائكة الموكلون، ولذلك قال: «فإن لله في الأرض حاضرا»، مما يدل على أنه نداء حاضر موجود يسمع النداء، لا نداء ميت ولا غائب.

الثالث - أن الحديث ليس فيه تسمية المنادى بل هو عام، فمن استدل به على نداء شخص معين باسمه، فقد كذب على رسول الله [.

الرابع - أنه خاص بانفلات الدابة في الفلاة، لا في كل وقت وحين ولكل من شاء؛ ولذلك لم يقل أحد - من الصحابة ولا التابعين ولا أحد من الأئمة قط - إنه يجوز الاستغاثة بالأموات والغائبين استدلالا بهذا الحديث لو صح، وهذا يستلزم بطلان ما استدلوا به عليه.

الشبهة الثالثة عشرة

استدلالهم بما روي: «أن أهل المدينة شكوا إلى عائشة رضي الله عنها القحط، فأمرتهم أن يعملوا من قبره كوة إلى السقف حتى لا يكون بينه وبين السماء حائل، ففعلوا، فمطروا حتى نبت العشب، وسمنت الإبل، وتفتقت شحما، وسُمي عام الفتيق».

والجواب عنها من وجوه:

أولها - أنه حديث ضعيف، ففيه علتان:

أولاهما: سعيد بن زيد، وقد ضعفه الحفاظ، فقال فيه يحيى بن سعيد: «ضعيف»، وقال النسائي: «ليس بالقوي»، واختصر ابن حجر حاله فقال - كما في (التقريب) -: «صدوق له أوهام»، وهذا فيما إذا لم ينفرد، فإن تفرد من هذا حاله فلا يقبل كما هو الحال في هذه القصة.

والثانية: أبو النعمان الملقب بعارم، وهو ثقة قد اختلط في آخر عمره، والحكم في المختلطين أنه لا يقبل حديثهم إلا ممن روى عنهم قبل الاختلاط، والراوي عنه في هذا الحديث هو الحافظ الدارمي، وهو ممن لا يعلم: هل روى عنه قبل الاختلاط أم بعده، وعلى هذا فيتوقف في تصحيح روايته عنه.

الثاني - أن الثابت عن الصحابة رضي الله عنهم، أنهم كانوا إذا قحطوا واستسقوا، دعوا الله إما في المسجد وأما في الصحراء.

الثالث: أن سقف عائشة رضي الله عنها منه ما كان مكشوفا غير مسقوف، كما في الحديث المتفق عليه، عنها: «أن النبي [ كان يصلي العصر والشمس في حجرتها، لم يظهر الفيء بعد»، وهذا يدل على أن بعض سقف بيتها كان مكشوفا تدخل منه الشمس، وكان كذلك مدة حياة عائشة، فكيف يحتاج إلى كوة إلى السماء؛ وهذا يدل على بطلان القصة.


الرابع - أن هذا الفعل ليس حجة في محل النزاع، سواء كان مشروعا أم لم يكن؛ فإن هذا استنزال الغيث على قبره، والله تعالى ينزل رحمته على قبور أنبيائه وعباده الصالحين، وليس في هذا سؤالهم بعد موتهم ولا طلب ولا استغاثة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20-02-2022, 09:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شبه القبوريِّين والردّ عليها


شبه القبوريين والرد عليها (6 - 6)

فيصل بن قزار الجاسم

ذكرنا في الحلقة السابقة بعض شبه القبوريين التي يبنون عليها القصص والحكايات والأحاديث الضعيفة والموضوعة، واستدلالهم ببعض الآيات والأحاديث الصحيحة بطريقة غير صحيحة استناداً إلى أهوائهم ، وقد تم الرد على بعض شبههم في الحلقه السابقة وسنستعرض بعضاً منها والرد عليها في هذه الحلقة.



الشبهة الرابعة عشرة

استدلالهم على التوسل بالنبي [ وسؤال الله به بقصص ليس لها أسانيد وروايات إسرائيلية ونحوها فيها توسل الأنبياء بنبينا [.

والجواب عنها أن يقال:

أولا - أن هذه القصص والحكايات ليست في شيء من كتب الحديث المعتمدة، وليس لها إسناد معروف، وإنما تذكر مرسلة كما تذكر الإسرائيليات، وغايتها أن ينقلها مسلمو أهل الكتاب عن كتب بلا أسانيد؛ فإنه إذا كانت مراسيل نبينا [ لا تقبل مع قرب العهد، فلأَلاّ تقبل المراسيل عن غيره من الأنبياء مع تباعد العهد من باب أولى.

ثانيا - أنه قد ورد مثل هذه الحكايات عن الأنبياء بضد ما ذكروه؛ فقد روى البزار بإسناده عن العباس ] عن النبي [: «قال داود عليه السلام: أسألك بحق آبائي: إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب. فقال: أما إبراهيم فألقي في النار فصبر من أجلي، وتلك بلية لم تَنَلْك، وأما إسحاق فبذل نفسه للذبح فصبر من أجلي وتلك بلية لم تَنَلْك، وأما يعقوب فغاب يوسف عنه وتلك بلية لم تنلك».

فلو كانت الإسرائيليات حجة، فهذا فيه دليل على بطلان السؤال بحق الأنبياء، وإن لم تكن حجة لم يصح الاحتجاج بها.

ثالثا - أين هذا الفهم والاستدلال عن خير القرون الصحابة والتابعين وأتباعهم؟! وأين الأئمة عنه؟! فإنه لو كان مثل هذا مشروعا لأمروا به وأرشدوا إليه واستحبوه؛ إذ كل منهم يسأل الله ويجعل في دعائه ما يكون سببا في إجابته، فما بالهم لم يهتدوا إلى ما اهتدى إليه هؤلاء القبوريون؟!

الشبهة الخامسة عشرة

استدلالهم على جواز التبرك بآثار الأنبياء؛ كغار حراء وثور، ونحو هذه الأماكن والتمسح بالحجرة الشريفة ونحو ذلك بأمرين:

الأول - ما ثبت في الصحيحين من أن ابن عمر - ] - كان في سفره يتتبع الأماكن التي مر عليها النبي [ وينتابها، وهذا يدل على جواز تتبع آثار الأنبياء والتبرك بها.

الثاني - ما رواه البخاري من حديث عتبان بن مالك - ]: أنه أراد أن يتخذ في بيته مصلى لما كبر وضعف بصره، فطلب من النبي [ أن يأتيه فيصلي فيه طلبا للبركة.

والجواب عن هذه الشبهة:

يكون بإبطال استدلالهم بالحديثين، ثم بإبطال أصل المسألة.

أما فعل ابن عمر - ] - فبيان فساد استدلالهم به من وجوه:

الأول - أن ابن عمر - ] - لم يكن يتخذ من تلك الأماكن التي كان يتتبعها مكانا للعبادة والذكر ونحو ذلك، بل كان - ] - يفعل كما فعل النبي[، فينزل في المكان الذي نزل فيه، وينام في المكان الذي نام فيه، ويبول في المكان الذي بال فيه، فيفعل مثل ما فعل النبي[، ولم يكن يتخذ من تلك الآثار مكانا للصلاة والعبادة، وعلى هذا فإذا تتبع أحد هذه الآثار وفعل فيها ما لم يفعله النبي[، كأن نام النبي[ في مكان فاتخذه المتتبع مكانا للعبادة والصلاة والتمسح، لم يكن بذلك متبعا للنبي[، ولا مقتديا بابن عمر - ] - بل يكون مبتدعا محدثاً.

الثاني - أن المتابعة هي أن نفعل كما فعل النبي [ على الوجه الذي فعل، فلابد إذاً من أن نشاركه في القصد والنية، فإنما الأعمال بالنيات، فإذا قصد النبي [ العبادة بالعمل فقصدنا العبادة، كنا متبعين متأسين به، أما إذا لم يقصد به العبادة، بل فعله على وجه اتفاق لتيسره عليه، فقصدنا نحن العبادة له، لم نكن حينئذ متبعين له.

الثالث - أن ابن عمر - ] - أراد مشابهة النبي [ في صورة الفعل، فيفعل مثل ما فعل، وذلك لشدة محبته له، ولم يكن يعتقد أن هذا مما يستحب فعله لكل أحد ويتعبد لله به، ولذلك لم يأمر أحداً به ولم يستحبه لأحد، وإنما كان يفعله بنفسه اجتهادا منه.

الرابع - أن هذا أمر انفرد به ابن عمر - ] - والخلفاء الراشدون والأكابر من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار لم يكونوا يفعلون ذلك، وهم أعلم من ابن عمر وأعظم اتباعا للنبي [، فلو كان مستحبا لفعله هؤلاء؛ ولذلك لما بلغ الإمام مالكا - رحمه الله - أن أناسا من أهل المدينة يقفون للدعاء عند قبر النبي[، قال: هذه بدعة لم يفعلها الصحابة والتابعون، ثم قال: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.

الخامس - أنه قد ثبت عمن هو أكبر من ابن عمر وأجل، وهو والده الفاروق عمر - ] - النهي عن مثل فعل ابن عمر.

فروى ابن أبي شيبة وعبدالرزاق في (مصنفيهما)، والطحاوي في (مشكل الآثار)، وابن وضاح في (البدع): أن عمر - ] - لما رجع إلى المدينة بعد الحج رأى أناسا يذهبون مذهبا، فقال: أين يذهب هؤلاء؟ قالوا: يأتون مسجدا هاهنا صلى فيه رسول الله [، قال: إنما أهلك من كان قبلكم بأشباه هذه، يتبعون آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعا، من أدركته الصلاة في شيء من هذه المساجد التي صلى فيها رسول الله [ فليصل فيها ولا يتعمدنها.

هذا مع كونهم صلوا حيث صلى النبي [، فكيف بمن صلى حيث جلس النبي [، أو نام، أو بال ونحو ذلك؟! فلأن ينهى عنه من باب أولى.

قال الطحاوي في (مشكل الآثار) بعد روايته لأثر عمر - ]: «ففي هذا الحديث عن عمر - ] - ما قد وقفنا به على أن المساجد التي صلى فيها رسول الله [ من هذه المواضع لم يجب على أمته إتيانها ولا الصلاة فيها لإتيان رسول الله [، فمثل ذلك أيضا صلاته في بيت المقدس كما في أحاديث ابن مسعود، وأنس، وأبي هريرة، لا يجب إتيان الناس ولا الصلاة فيه»، إلى أن قال: «وفيما ذكرنا في هذا ما قد دل على رتبة عمر - ] - في العلم أنها فوق رتبة من سواه، رضوان الله عليهم وعلى سائر أصحابه».

وأما الاستدلال بحديث عتبان - ] - فالرد عليه من وجوه:

الأول - أن عتبان - ] - كان مقصوده بناء مسجد في بيته لحاجته إليه بسبب السيول التي تحول بينه وبين مسجد قومه بعد أن كبر وضعف بصره، وتبرك بكون النبي[ يصلي فيه أولاً، وهذا بخلاف من لم يكن مقصوده إلا بناء مسجد لأجل ذلك الأثر، فنية بناء المسجد في حديث عتبان سابقة، واختيار المكان سابق أيضاً لأثر النبي [ فيه، أما المساجد التي بنيت على الآثار، فإن الأثر سابق للمسجد والمسجد بني لأجل الأثر، فشتان بين الصورتين!

الثاني - أن مقصود عتبان - ] - هو أن يكون النبي [ أول من يستفتح الصلاة فيه دون غيره؛ تيمنا بذلك، وهذه كانت عادة الصحابة - رضي الله عنهم - عند بنائهم مسجدا جديدا من مساجد الأحياء والدور، وليس مقصوده التمسح والتبرك بأثر النبي [.

وأما إبطال أصل المسألة فمن وجوه:

الأول - أن التبرك بهذه الآثار والتمسح بها واتخاذها مزارا ومكانا للعبادة أو بناء مسجد عليها، ليس من فعل الصحابة - رضي الله عنهم - ولا من فعل السلف والأئمة، ولم يثبت عن أحد منهم استحبابه ولا الأمر به، ولا فعله على صورة ما ذكرنا من اتخاذها أماكن للعبادة وطلب البركة منهم أحد، ولو كان خيرا لسبقونا إليه.

الثاني - أن يقال: إن مقام إبراهيم - عليه السلام - الذي قال الله فيه: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} (البقرة: 125)، لم يستلمه النبي [ ولم يقبله، واتفق العلماء على أنه لا يستلم ولا يقبل، فإذا كان هذا مقام إبراهيم الذي أمرنا بأن نتخذه مصلى، فمقام لم نؤمر أن نصلي فيه أولى ألا نستلمه ولا نقبله مثل مقامات تنسب إلى إبراهيم وغيره بالشام وغير الشام، وأشد منه القبور المنسوبة للأنبياء والصالحين.

الثالث - أن الثابت عن الصحابة - رضي الله عنهم - منع هذه الأفعال حسما لمادة الغلو الموصل إلى الشرك وحماية لجناب التوحيد، فقد روى محمد بن وضاح في كتابه (البدع) بإسناده: أن عمر - ] - لما بلغه أن الناس ينتابون الشجرة التي بايع النبي [ تحتها أصحابه في غزوة الحديبية، أمر بقطعها سدا لطرق الشرك والغلو.

وقال ابن وضاح بعد روايته هذا الأثر عن عمر - ]: «وكان مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد والآثار للنبي [، ما عدا قباء وأحدا، وسمعتهم يذكرون أن سفيان الثوري دخل بيت المقدس فصلى فيه ولم يتبع تلك الآثار ولا الصلاة فيها، وكذلك فعل غيره أيضا ممن يقتدي به، وقدم وكيع أيضا بيت المقدس فلم يعدُ فعل سفيان.


فعليكم بالاتباع لأئمة الهدى المعروفين، فقد قال بعض من مضى: كم من أمر هو اليوم معروف عند كثير من الناس كان منكرا عند من مضى، ومتحبب إليه بما يبغضه، ومتقرب إليه بما يبعده منه، وكل بدعة عليها زينة وبهجة».







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 23-02-2022, 09:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شبه القبوريِّين والردّ عليها

شبه القبوريين والرد عليها (7 - 7)

فيصل بن قزار الجاسم

ذكرنا في الحلقة السابقة بعض شبه القبوريين التي يبنون عليها القصص والحكايات والأحاديث الضعيفة والموضوعة، واستدلالهم ببعض الآيات والأحاديث الصحيحة بطريقة غير صحيحة استناداً إلى أهوائهم ، وقد تم الرد على بعض شبههم في الحلقه السابقة وسنستعرض بعضاً منها والرد عليها في هذه الحلقة.

الشبهة السادسة عشرة
استدلالهم على جواز التبرك بآثار الصالحين والشيوخ بما ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم من التمسُّح والتبرُّك بآثار النبي [ كشعره، وعَرَقه، وثيابه.
الجواب عليها من وجوه:
الأول: أن التبرك بآثار الأشخاص خاص بالنبي [ فقط دون غيره من المؤمنين مهما بلغت منزلته، وقياس غير النبي [ به من أفسد القياس؛ فإن الثابت عن الصحابة رضي الله عنهم التبرك بآثاره فقط، فكان بعضهم يتبرك بما انفصل عنه كشعره وريقه وعرقه وثيابه ونحو ذلك.
الثاني: أن التبرك بآثار الصالحين ليس من فعل الصحابة رضي الله عنهم ولا التابعين ولا أتباعهم، ولم يثبت عن أحد من الأئمة فعله، ولا الأمر به، وما ورد عن بعضهم في ذلك فهو باطل، لا يثبت عنهم بسند صحيح؛ كما ذُكر عن الشافعي أنه تبرك بثياب الإمام أحمد، فلو كان هذا أمرا سائغا أو مستحبا لتمسح الصحابة رضي الله عنهم بما ثبت النص بفضله وإيمانه، وأنه من أهل الجنة كأبي بكر والخلفاء وسائر العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم من أكابر الصحابة، ولفعله التابعون بهم؛ فلما لم يثبت عن أحد منهم فعله إلا بالنبي [ دل ذلك على أن فعله بغيره من البدع المحدثة المنكرة، فضلا عن كونه وسيلة إلى الشرك وطريقا له.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 11-03-2022, 10:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شبه القبوريِّين والردّ عليها

شبه القبوريين والرد عليها 8- 8)

فيصل بن قزار الجاسم

شبه القبوريين أنواع:



منها: ما هو قصص وحكايات، لا يعجز عن مثلها كل مُبطل.

ومنها: أحاديث موضوعة على النبي [.

ومنها: أحاديث ضعيفة لا يصح الاحتجاج بها، وغالبها يخالف نصوصا من الكتاب أو السُّنَّة أو الإجماع.

ومنها: أحاديث صحيحة - وهي قليلة - إلَّا أنها لا تدل على باطلهم، بل تدل على خلافه، مثلها مثل ما يستدلون به من آيات ويفسرونها بما تهواه أنفسهم من غير سلف من الصحابة والتابعين.

ومنها: ما هو قول عالم متأخر لا يعد قوله حجة في دين الله لو سلم من المعارضة، فكيف إذا خالف الكتاب والسُّنَّة وما أجمعت عليه الأمة؟! ومعلوم أن أقوال العلماء وإن عظموا يُحتجّ لها، ولا يُحتجّ بها، فكل يؤخذ من قوله ويُرد.

الشبهة السابعة عشرة

استدلوا على جواز التوسل بذات النبي [ والسؤال به، مثل أن يقول: أسألك بحق محمد، أو: بجاه محمد، ونحو ذلك، بأحاديث رويت في ذلك، وهي كالتالي:

1. ما روي عن عمر ] قال: قال رسول الله[: «لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب، أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال الله: يا آدم، وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال: يا رب؛ لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك، رفعتُ رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. فقال الله: صدقت يا آدم، إنه لأحبُّ الخلق إليَّ، ادعني بحقّه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك».

ورواه ابن أبي الدنيا في (الإشراف) عن ابن مسعود ].

2. ما روي عن ابن عباس ] قال: «كانت يهود خيبر تقاتل غطفان، فكلما التقوا هُزمت يهود، فعاذت اليهود بهذا الدعاء: اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه ... - إلى أن قال - : فهزموا غطفان».

3. ما رواه الآجري في (الشريعة) بإسناده عن أبي الزناد قال: «من الكلمات التي تاب الله بها على آدم عليه السلام قال: اللهم إني أسألك بحق محمد».

4. ما رواه الخطيب في (الجامع)» عن ابن مسعود ] عن النبي [ في دعاء حفظ القرآن، وفيه: «أسألك بحق محمد نبيك ورسولك».

5. ما رواه الطبراني في (الدعاء) عن ابن عباس ] عن النبي [ في دعاء حفظ القرآن، وفيه: «أسألك بحق محمد نبيك ورسولك». والجواب عن هذا من وجوه:

أولا: أنها أحاديث واهية ساقطة، لا تصلح للاعتضاد والاعتبار، فضلا عن الاحتجاج، بل لا يحل روايتها إلا على سبيل بيان ضعفها ونكارنها.

وتفصيل القول فيها هو ما يلي:

1. أما الحديث الأول - وهو حديث آدم عليه السلام - فبيان بطلانه من وجوه:

الأول: أن مداره على أبي الحارث عبدالله ابن مسلم، رواه عن إسماعيل بن مسلمة، عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر ] به. وأبوالحارث ساقط الرواية؛ قال عنه الذهبي في (الميزان): «روى عن إسماعيل بن مسلمة بن قعنب عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم خبرا باطلا، فيه: «يا آدم لولا محمد ما خلقتك».

وقال الحافظ ابن حجر في «لسان الميزان» بعد أن ذكر كلام الذهبي: «قلت: لا أستبعد أن يكون هو عبدالله بن مسلم بن رشيد، فإنه من طبقته»، وعبدالله بن مسلم بن رشيد متهم بالوضع، ذكره ابن حبان.

كما أن في الحديث عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، وهو معروف بالضعف، قال أحمد: «ضعيف»، وقال ابن معين: «ليس حديثه بشيء»، وضعفه علي بن المديني جدا، وقال أبوداود: «أولاد زيد بن أسلم كلهم ضعيف، وأمثلهم عبدالله»، وضعفه غيرهم أيضا، ذكر ذلك ابن حجر في «التهذيب».

فالحديث واه جدا إن لم يكن موضوعا.

وأما ما رواه ابن أبي الدنيا عن ابن مسعود] فإسناده مظلم؛ لأن رواته مجاهيل ومبهمون، فقد رواه عن محمد بن المغيرة المازني، عن أبيه، عن رجل من أهل الكوفة، عن عبدالرحمن بن عبدربه المازني، عن شيخ من أهل البصرة، عن ابن مسعود به.

الثاني: أنه منكر المتن،؛ إذ إن فيه قول الله لآدم: «لولا محمد ما خلقتك».، وهذا يناقض ما ذكره الله في كتابه من أنه خلق الخلق لعبادته؛ حيث قال: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات: 5).

الثالث: مما يبين كذب هذا أن الله عز وجل قال: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم} (البقرة: 37)، فأخبر أنه تاب عليه بالكلمات التي تلقاها منه، وقد ذكرها الله عز وجل في قوله: {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} (الأعراف: 23)، فأخبر أنه أمرهم بالهبوط عقب هذه الكلمات، وأخبر أنه تاب عليه عقب الكلمات، وأمره بالهبوط عقب الكلمات التي تلقاها منه، وهي قولهما: {ربنا ظلمنا أنفسنا}، ومن ذكر أن الكلمات التي تلقاها من ربه غير هذه الكلمات لم يكن معه حجة في خلاف ظاهر القرآن.

الرابع: لو كان آدم عليه السلام قد قال هذا فغفر له، لكانت أمة محمد أحق به منه، بل كل الأنبياء من ذريته أحق به، ومن له علم بالآثار علم يقينا أن النبي [ لم يأمر أمته به، ولا نُقل عن أحد من الصحابة الأخيار، ولا نقله أحد من الأئمة الأبرار الذين تذكر أقوالهم في الخلاف والإجماع؛ فعلم بذلك أنه من الأكاذيب التي يختلقها أهل الكذب والوضع.

2. وأما حديث سؤال اليهود الله بحق محمد: فمداره على عبدالملك بن هارون بن عنترة، رواه عن أبيه، عن جده، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ] به، وعبدالملك بن هارون كذاب وضاع، كذبه يحيى بن معين وابن حبان، وقال أبوحاتم: «متروك ذاهب الحديث»، ذكر ذلك الذهبي في (الميزان).

فالحديث كذب بلا ريب.

ومما يزيد هذا وضوحا تفرده به عن ابن عباس ]، ولا يُعرف عنه البتة عن طريق أصحابه بإسناد صحيح ولا حسن، بل ولا ضعيف.

3. أما ما رواه الآجري عن أبي الزناد:

فهو من طريق أبي مروان العثماني، عن أبيه، عثمان بن خالد، عن عبدالرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه من قوله، ففيه عثمان بن خالد العثماني، قال البخاري: «ضعيف عنده مناكير»، وقال أبوحاتم: «منكر الحديث»، وقال ابن حبان: «لا يحل الاحتجاج بخبره»، ذكر ذلك الذهبي في (الميزان). وفيه أيضا عبدالرحمن بن أبي الزناد، وهو إلى الضعف أقرب، قال أبوحاتم: «لا يحتج به».

ثم إن الحديث من قول أبي الزناد، فهو مرسل معضل؛ لأن أبا الزناد لم يدرك أحدا من الصحابة، فمراسيله معضلات والحديث المعضل ضعيف جدا.

4. وأما ما رواه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي»: فقد رواه من طريق محمد بن خلف بن عبدالسلام، عن موسى بن إبراهيم المروزي، عن وكيع، عن عبيدة، عن شقيق، عن ابن مسعود به.


وموسى بن إبراهيم المروزي قال الذهبي عنه في (الميزان): «كذبه يحيى القطان، وقال الدارقطني وغيره: متروك. ومن بلاياه...» - ثم ذكر هذا الحديث في دعاء حفظ القرآن.

5. وأما ما رواه الطبراني في الدعاء:

فقد رواه من طريق أبي محمد موسى بن عبدالرحمن الصنعاني، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس به.

وموسى بن عبدالرحمن الصنعاني قال عنه ابن حبان: «دجال، وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتابا في التفسير».

فتبين بهذا أن ما استدلوا به من أحاديث إنما هي موضوعات وبواطيل.

الثاني: أن هذا التوسل لو كان مشروعا مستحبا، لأمر به النبي [، ولعمل به الصحابة ونقلوه مع شدة حبهم واقتدائهم بالنبي [ وتعظيمهم له.

الثالث: أن الثابت عن الأئمة النهي عن مثل هذا.

فقد صح عن أبي حنيفة وأبي يوسف النهي عن قول الداعي: «أسألك بحق رسلك وأنبيائك»؛ لأنه لا حق للمخلوق على الخالق، نقله عنهما صاحب «بدائع الصنائع» وابن الهمام في «فتح القدير» وغيرهما.


ولم يثبت عن أحد من السلف والأئمة بسند ثابت خلاف هذا القول والحكم.
وأما ما يذكره المتأخرون من أصحاب الأئمة فلا يصح أن يُنسب إلى الأئمة؛ لأنهم لم ينصوا عليه، وإنما هو قول قاله بعض فقهاء المذاهب المتأخرين، وهو قول لا يتابعون عليه إذ لم يكن لهم سلف، وقد قال الإمام أحمد: «يا أبا الحسن، إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام». وهذا يقوله لأصحابه في ذلك الزمن، فكيف بالمتأخرين؟!
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13-10-2023, 10:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شبه القبوريِّين والردّ عليها

شبه القبوريين والرد عليها (10-9)

فيصل بن قزار الجاسم

شبه القبوريين أنواع:
منها: ما هو قصص وحكايات، لا يعجز عن مثلها كل مُبطل.
ومنها: أحاديث موضوعة على النبي [.
ومنها: أحاديث ضعيفة لا يصح الاحتجاج بها، وغالبها يخالف نصوصا من الكتاب أو السُّنَّة أو الإجماع.
ومنها: أحاديث صحيحة - وهي قليلة - إلَّا أنها لا تدل على باطلهم، بل تدل على خلافه، مثلها مثل ما يستدلون به من آيات ويفسرونها بما تهواه أنفسهم من غير سلف من الصحابة والتابعين.
ومنها: ما هو قول عالم متأخر لا يعد قوله حجة في دين الله لو سلم من المعارضة، فكيف إذا خالف الكتاب والسُّنَّة وما أجمعت عليه الأمة؟! ومعلوم أن أقوال العلماء وإن عظموا يُحتجّ لها، ولا يُحتجّ بها، فكل يؤخذ من قوله ويُرد.
الشبهة الثامنة عشرة
استدلالهم بجواز الاستغاثة بالنبي [، ومناداته بعد موته بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أنه خدرت رجله، فقال رجل: اذكر أحب الناس إليك، فقال: محمد». وفي لفظ قال: «يا محمداه».
وروي مثله عن ابن عباس ]، أنه أمر رجلا خدرت رجله بذلك، فقال: محمد؛ فذهب خدره.
والجواب عنها من وجوه:
الأول: أن هذا الحديث ضعيف لا يثبت، فأما أثر ابن عمر رضي الله عنهما، فإن مداره على أبي إسحاق السبيعي، وهو وإن كان من الثقات الأثبات إلا أنه مشهور بالتدليس، وقد عنعنه ولم يصرح في أي من طرق الحديث بالسماع، وهذه علة.
والعلة الأخرى أن أبا إسحاق قد اختلط في آخر عمره، وقد اضطرب في هذا الحديث على وجوه عدة، ولعل هذا من اختلاطه؛ فمرة رواه عن الهيثم بن حنش - وهو مجهول - عن ابن عمر. ورواه مرة عن عبدالرحمن بن سعد القرشي العدوي عن ابن عمر. ورواه مرة عن أبي سعيد - ولا يعرف - عن ابن عمر. ورواه مرة عمن سمع ابن عمر به، ولم يسمّه.
ولا سبيل لترجيح إحدى الروايات؛ لأن رواة هذه الطرق المختلفة عنه من ثقات أصحابه مثل شعبة، وسفيان، وإسرائيل، وزهير بن معاوية؛ مما يجعل الأثر مضطربا، كما أن ألفاظه مختلفة، فتارة يقول فيه: «محمد»، وتارة: «يا محمد».
وأما أثر ابن عباس ] فهو ضعيف جدا، بل موضوع على ابن عباس ]؛ إذ فيه غياث بن إبراهيم، وهو كذاب، قال أبوداود: «كذاب»، وقال ابن معين: «كذاب خبيث».
الثاني: أنه على التنزل بصحة الأثر، فليس فيه دليل على جواز الاستغاثة ومنادة النبي [؛ إذ غاية ما فيه: ذكر محبوب تسكن إليه النفس، وتتحرك فتنشط لذكره وذكر اسمه فيذهب خدرها.
قال المحدث فضل الله الجيلاني: «وعلى كل حال، فصورة النداء في بعض الروايات ليس على حقيقته، ولا يتوهم زنه للاستعانة أو الاستغاثة، وإنما المقصود إظهار الشوق وإضرام نار المحبة، وذكر المحبوب يسخن القلب وينشطه؛ فيذهب انجماد الدم فيجري في العروق، وهذا هو الفرح، والخطاب قد يكون لا على إرادة الاسماع».
الثالث: أن الأثر عامّ بذكر أحب الناس لمن خدرت رجله، فهو عام في الأشخاص، وخاص بخدر الرِّجْل.
وعلى هذا فقد يذكر الإنسان من يحب ولو كان فاسقا، أو كافرا كزوجته أو ابنه، فهل يقول المستدلون به بجواز أن يستغيث العبد بكل من يحب؟ فإن قالوا: لا، فيقال لهم: فما وجه تخصيصه بالنبي [ مع كون الأثر - لو صح - فيه ذكر المحبوب وليس مخصوصا بالنبي [؟! ولذلك ورد عن بعض السلف والشعراء ذكر هذا الأمر في بيان حبهم للمحبوب، كما روي عن ابن سيرين أنه قال:
إذا خدرت رجلي تذكرت قولها
فناديت لبنى باسمها ودعوت
دعوت التي لو أن نفسي تطيعني
لألقيت نفسي نحوها فقضيت
وقال الخليفة يزيد بن عبدالملك في حياته:
أثيبي مغرما كلفا محبا
إذا خدرت له رجل دعاك
وهذا يبين أن هذا الباب ليس من باب الاستغاثة والدعاء، وإنما من باب تنشيط النفس بذكر المحبوب.
ثم إنه خاص بذكر المحبوب عند خدر الرجل خاصة، فكيف يقال بعمومه في كل الأحوال، وهل هذا إلا مروق من دين الإسلام؟!


اعداد: فيصل بن قزار الجاسم




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13-10-2023, 10:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شبه القبوريِّين والردّ عليها

شبه القبوريين والرد عليها (10-10)

فيصل بن قزار الجاسم



شبه القبوريين أنواع:
منها: ما هو قصص وحكايات، لا يعجز عن مثلها كل مُبطل.
ومنها: أحاديث موضوعة على النبي [.
ومنها: أحاديث ضعيفة لا يصح الاحتجاج بها، وغالبها يخالف نصوصا من الكتاب أو السُّنَّة أو الإجماع.
ومنها: أحاديث صحيحة - وهي قليلة - إلَّا أنها لا تدل على باطلهم، بل تدل على خلافه، مثلها مثل ما يستدلون به من آيات ويفسرونها بما تهواه أنفسهم من غير سلف من الصحابة والتابعين.
ومنها: ما هو قول عالم متأخر لا يعد قوله حجة في دين الله لو سلم من المعارضة، فكيف إذا خالف الكتاب والسُّنَّة وما أجمعت عليه الأمة؟! ومعلوم أن أقوال العلماء وإن عظموا يُحتجّ لها، ولا يُحتجّ بها، فكل يؤخذ من قوله ويُرد.
الشبهة التاسعة عشرة
استدلالهم على جواز البناء على القبور، وعمل المقامات والمشاهد بقوله تعالى في قصة أصحاب الكهف: {فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا} (الكهف: 21).
قالوا: ولو كان البنيان على القبر محرما لبين الله بطلانه بعدما ذكره، قالوا: وهذا يدل على إقراره.
والجواب عن هذه الشبهة من وجوه:
الأول: أنه ليس في الآية أن الذين قالوا ذلك مؤمنون؛ ولذلك اختلف المفسرون فيها على قولين، كما ذكر ذلك الطبري، أهم المسلمون أم الكفار؟ وعلى التسليم بأنهم كانوا مؤمنين فليس فيها أنهم كانوا مؤمنين صالحين متمسكين بشريعة نبي مرسل، بل الظاهر خلاف ذلك.
الثاني: أنه ليس في الآية إقرار بهذا الفعل من بنيان المسجد على قبور أصحاب الكهف، وإنما فيها ذكر ما حصل من التنازع بينهم، وقد قال الحافظ ابن رجب في (شرح البخاري): «وقد دل القرآن على مثل ما دل عليه هذا الحديث، وهو قول الله عز وجل في قصة أصحاب الكهف: {قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا} (الكهف: 21)، فجعل اتخاذ القبور على المساجد من فعل أهل الغلبة على الأمور، وذلك يُشعر بأن مستنده القهر والغلبة واتباع الهوى، وأنه ليس من فعل أهل العلم والفضل المتبعين لما أنزل الله على رسله من الهدى».
الثالث: أن هؤلاء قيل إنهم من النصارى، وقد أخبر النبي [ عن لعن الله لهم بسبب هذا الفعل من بنيان المساجد على قبور الأنبياء والصالحين، كما في قوله [ في مرضه الذي توفي فيه: «لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد». قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يُتخذ مسجدا. متفق عليه.
وقالت عائشة رضي الله عنها فيما رواه الشيخان أيضا: «إن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأتاها بأرض الحبشة فيها تصاوير، فذكرتا ذلك للنبي [ فقال: «أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات، بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله»؛ فيكون هذا الفعل مما لعنوا بسببه.
الرابع: أن أقصى ما في الآية أن يكون هذا مشروعا عندهم، والمعلوم أن شريعة النبي [ قد جاءت ناسخة لجميع الشرائع، وقد اختلف الأصوليون في شريعة من قبلنا: هل هي شريعة لنا؟ وهذا فيما إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه، فأما إذا ورد في شرعنا ما يخالفه فالأمة مجمعة على أن الحجة ما شرعه النبي [، وقد حرم النبي [ البنيان على القبور، واتخاذها مساجد، بل لعن فاعل ذلك، وقد سبق ذكر بعض ما يدل على ذلك، فكيف يسوغ لمسلم أن يستدل بشريعة منسوخة وقد ورد شرعنا بضدها، وهل هذا إلا محادة لله ولرسوله؟!
الشبهة العشرون
استدلالهم على جواز البناء على القبور بكون قبر النبي [ في مسجده الشريف، ولو كان محرما، لما دفنوه فيه.
والجواب عن هذه الشبهة من وجوه:
الأول: أن هذا المشاهد اليوم من كون قبر النبي [ في المسجد، لم يكن كذلك في عهد الصحابة رضي الله عنهم؛ وذلك أن النبي [ إنما دُفن في بيته في حجرة عائشة، وحجرة عائشة رضي الله عنها لم تكن ضمن المسجد، وإنما كان يفصل بينهما جدار، وهذا أمر لا يختلف فيه العلماء، وإنما أُدخلت الحجرة في أواخر عهد الصحابة في سنة ثمان وثمانين للهجرة في عهد الوليد بن عبدالملك.
قال الحافظ ابن عبدالهادي في «الصارم المنكي»: «ثم إنه إنما أُدخلت الحجرة في المسجد في خلافة الوليد بن عبدالملك بعد موت عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة، وكان آخرهم موتا جابر بن عبدالله، وتوفي في خلافة عبدالملك؛ فإنه توفي سنة ثمان وسبعين، والوليد تولى سنة ست وثمانين، وتوفي سنة ست وتسعين؛ فكان بناء المسجد وإدخال الحجرة فيه فيما بين ذلك.
وقد ذكر أبوزيد عمر بن شبة النميري في (كتاب أخبار المدينة) مدينة الرسول [ عن أشياخه عمن حدثوا عنه، أن عمر بن عبدالعزيز لما كان نائبا للوليد على المدينة في سنة إحدى وتسعين هدم المسجد وبناه بالحجارة المنقوشة بالساج وماء الذهب، وهدم حجرات أزواج النبي [ وأدخل القبر فيه».
فلا يجوز لمسلم بعد أن عرف هذه الحقيقة أن يحتج بما وقع بعد الصحابة رضي الله عنهم؛ لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة وما فهم الصحابة والأئمة منها كما سبق بيانه، وهو مخالف أيضا لصنيع عمر وعثمان حين وسعا المسجد ولم يدخلا فيه القبر.
الثاني: أن إدخال القبر في المسجد قد أنكره العلماء آنذاك، ومنهم سعيد بن المسيب.
قال ابن كثير في «البداية والنهاية» لما ذكر إدخال الغرفة في المسجد: «ويحكى أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة في المسجد، كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجدا».
الثالث: أنه مع المخالفة بإدخال الحجرة المسجد، فإنهم عندما أرادوا إدخالها احتاطوا لذلك بغية تقليل المخالفة، فبنوا حيطانا طويلة مرتفعة؛ لئلا يظهر القبر في المسجد.
قال النووي: «ولما احتاجت الصحابة - رضوان الله عليهم - والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله [ حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه، ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله [ وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام، ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا؛ حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر، ولهذا قالت عائشة في الحديث: «ولو ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا». والله تعالى أعلم بالصواب.
الرابع: أن الغرفة مع إدخالها في المسجد من جوانبها الثلاث من قبل الوليد بن عبدالملك، فليست هي حقيقة منه؛ إذ إنها عند إدخالها كانت مغلقة لا ينفذ أحد إليها، ثم زيد في جدرانها حتى صار لها ثلاثة جدران كما سبق ذكره، فصارت صورتها أنها ملصقة بالمسجد بعد توسعته، لا يخلص إليها أحد، وهذا كما لو جاء رجل في مزرعته فبنى في وسط المزرعة مقبرة لأهله، ومن المعلوم أن هذا لا يجعل المزرعة مقبرة، وإنما المقبرة هي ما اقتطعه من المزرعة دون سائر المزرعة؛ فلذا فله الصلاة في كل المزرعة، عدا ما اقتطعه منها للمقبرة؛ لورود النهي عن الصلاة في المقبرة.
وكانت حجرة عائشة رضي الله عنها، بعد إدخالها هي حد المسجد من الشرق، فليست كلها في وسط المسجد، كما هو الحال عليه اليوم؛ قال ابن كثير: «فأدخل فيه الحجرة النبوية - حجرة عائشة - فدخل القبر في المسجد، وكانت حده من الشرق وسائر حجر أمهات المؤمنين كما أمر الوليد».
وأما ما هو مُشاهد اليوم من إدخال الحجرة في المسجد من جميع جوانبها، فهذا إنما أحدثه العثمانيون، لما آلت إليهم أمور الحجاز.


اعداد: فيصل بن قزار الجاسم




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 177.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 171.32 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (3.42%)]