الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله - الصفحة 22 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الدين والحياة الدكتور أحمد النقيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 56 )           »          فبهداهم اقتده الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 55 )           »          يسن لمن شتم قوله: إني صائم وتأخير سحور وتعجيل فطر على رطب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 24 )           »          رمضان مدرسة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أمور قد تخفى على بعض الناس في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          دروس رمضانية السيد مراد سلامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 343 )           »          جدول لآحلى الأكلات والوصفات على سفرتك يوميا فى رمضان . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 732 )           »          منيو إفطار 18رمضان.. طريقة عمل كبسة اللحم وسلطة الدقوس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          5 ألوان لخزائن المطبخ عفا عليها الزمان.. بلاش منها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          5 طرق لتنظيف الأرضيات الرخامية بشكل صحيح.. عشان تلمع من تانى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #211  
قديم 28-12-2021, 07:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 46 الى صــــــــ
52
الحلقة (169)

[دليل الولي من الكتاب والسنة]
-قد عرفت مما ذكرناه أن الشافعية، والمالكية اصطلحوا على عد الولي ركنا من أركان النكاح لا يتحقق عقد النكاح بدونه، واصطلح الحنابلة والحنفية على عده شرطا لا ركنا، وقصروا الركن على الإيجاب والقبول،
إلا أن الحنفية قالوا:
أنه شرط لصحة زواج الصغير والصغيرة، والمجنون والمجنونة ولو كبارا، أما البالغة العاقلة سواء كانت بكرا أو ثيبا فليس لأحد عليها ولاية النكاح، بل لها أن تباشر عقد زواجها ممن تحب بشرط أن يكون كفأ، وإلا كان للولي حق الاعتراض وفسخ العقد.وقد استدل الجمهور بأحاديث وبآيات قرآنية،
فأما الأحاديث فمنها ما رواه الزهري عن عائشة وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" ومنها ما رواه ابن ماجة، والدارقطني عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها".
وهذان الحديثان أقوى ما استدل به الجمهور على ضرورة الولي، فليس للمرأة حق مباشرة العقد دونه، وقد أجاب الحنفية عن الحديث الأول بأنه مطعون فيه، وذلك لآن الزهري نفسه قد سئل عنه فلم يعرفه، وقد أجيب عن هذا بأن معرفة الزهري لا تضر ما دام راويه - وهو سليمان بن موسى - وهو ثقة، ولا يخفى ضعف هذا الجواب، لأنه ما دام مصدر الحديث المروي عنه لم يعرفه وأنكره، فإن ذلك يضعف الثقة جزما،
على أن الحنفية قالوا: إن كل الأحاديث التي يفيد ظاهرها اشتراط الولي في التزويج فهي خاصة بالصغيرة التي لا يصح لها أن تتصرف، وذلك مؤيد بقواعد الدين العامة، فإن النكاح عقد من العقود كالبيع والشراء، ومعلوم أن للمرأة الحرية المطلقة في بيعها وشرائها متى كانت رشيدة، فكيف يحجر عليها في عقد زواجها وهو أهم العقود التي تتطلب حرية لما يترتب عليه من مهام الأمور، فينبغي أن يقاس عقد النكاح على عقد البيع، وإن ورد ما يخالف هذا القياس وجب تخصيصه به، وهذه قاعدة أصولية.
فقوله:
"لا تزوج المرأة المرأة" معناه لا تزوج المرأة الكبيرة البنت الصغيرة عند وجود الولي للعصبة المقدم عليها، أو لا تزوج المرأة الصغيرة المرأة الصغيرة،
وقوله:
"ولا تزوج المرأة نفسها" معناه ولا تزوج الصغيرة نفسها بدون ولي، فالمراد من المرأة الأنثى الصغيرة، وهي وإن كانت عامة تشتمل الصغيرة والكبيرة إلا أنها خصت بالصغيرة لما هو معلوم من أن الكبيرة لها حق التصرف في العقود كالبيع، فيقاس النكاح على البيع، وذلك جائز في الأصول.
أما الجمهور فقالوا بالفرق بين النكاح وبين البيع، وذلك لأن المرأة لا عهد لها بمخالطة الرجال فربما خدعها غير الكفء فتتزوج بمن تتعير به عشيرتها، ويكون شرا ووبالا على سعادتها الدنيوية، فلذا صح الحجر عليها في عقد النكاح دون غيره من العقود، لأن عقد البيع مثلا لا يترتب عليه مثلا هذا الشر مهما قيل فيه،
وقد أجاب الحنفية عن هذا بجوابين:

الأول:
أنهم قد اشترطوا الكفاءة في الزوجية كما ستعرفه، فلو تزوجت المرأة غير كفء فللأولياء أن يعترضوا هذا الزواج ولا يقروه فيفسخ، فلا تصيبهم معرة الصهر الذي لا يناسبهم، فزمام المسألة بأيديهم.
الثاني:
أن المفروض كون المرأة عاقلة حسنة التصرف غير محجور عليها، ولذا كان من حقها أن تتصرف في بيعها وشرائها بدون حجر ما،
فإذا قيل:
إنها قد تغبن في اختيار الزوج الكفء فكذلك يقال إنها قد تغبن في بيع سلعة هامة غبنا ضارا بها أكثر من الضرر بعقد زواج على غير الكفء، لأنه إن ثبتت عدم كفاءته فرق القاضي بينهما وينتهي الأمر، أما إذا باعت شيئا ذا قيمة مالية وغبنت فيه غبنا فاحشا، وهلك في يد مفلس فإنه يضيع عليها، ولا يسعها أن تتلافى ما ترتب على هذا البيع من الضرر، فتخصيص الحنفية ما ورد في هذه الأحاديث بالصغيرة قياسا لتصرف الكبيرة في النكاح على تصرفها في البيع صحيح لا اعتراض عليه بمثل هذا الذي أورده الجمهور.أما القرآن الكريم،
فمنه قوله تعالى:
{فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف} ووجه الدلالة في الآية أن الله تعالى يخاطب أولياء النساء فينهاهم عن منعهن من الزواج بمن يرضينه لأنفسهن زوجا،
فلو لم يكن لهؤلاء الأولياء حق المنع لما كان لخطابهم بمثل هذا وجه لأنه كان يكفي أن يقول للنساء:
إذا منعتن من الزواج فزوجوا أنفسكن.
وقد نقل عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: إن هذه الآية أصرح آية في الدلالة على ضرورة الولي. ولكن الحنفية قد أجابوا عن هذا بجوابين، الجواب الأول منع كون الآية خطابا للأولياء، بل هي تحتمل أن تكون خطابا للأزواج الذين يطلقون أزواجهم، وتحتمل أن تكون خطابا للمؤمنين عامة.أما الأول فهو الظاهر المتبادل من لفظ الآية الكريمة،
فهو سبحانه يقول لمن يطلقون نساءهم:
إذا طلقتم النساء فلا تستعملوا معهن الوسائل الظالمة التي يترتب عليها منعهن من الزواج بغيركم كأن تهددوها هي أو من يريد تزوجها بقوتكم أو جاهكم وسلطانكم أو نفوذكم إن كان لكم ذلك، أو تحاولوا تنقيصها والحط من كرامتها فتنفروا منها خطيبها الذي سيكون زوجا لها أو تؤثروا عليه أو عليها من أي ناحية من النواحي، كأن تمنعوها من حقوقها المالية إن كان لها عندكم حق أو نحو ذلك.وأما الثاني فمعناه إذا طلقتم النساء أيها المؤمنون وأصبحن خاليات من الأزواج والعدة فلا يصح أن يقع بينكم عضلهن ومنعهن من الأزواج سواء كان ذلك المنع من قريب أو من ذي جاه ونفوذ عليها، فيفترض عليكم فرض كفاية أن تمنعوا وقوعه فيما بينكم بنهي فاعله والضرب على يده وإلا كنتم مشتركين معه في الإثم لأن عضل المرأة من الزواج منكر حرمه الله تعالى، والنهي عن المنكر فرض على المؤمنين، وإزالته لازمة على كل قادر حكما كان أو غيره.ولا تعارض بين هذا الذي ذكرناه وبين ما رواه البخاري من أن الآية نزلت في معقل بن يسار حيث كان قد زوج أخته لرجل فطلقها زوجها ثم أراد الرجوع إليها ثانيا فأبى أخوها معقل أن تعود إليه مع كونها راغبة فيه، فلما نزلت زوجها إياه لأنه يحتمل أن تكون حادثة معقل صادفت نزول الآية، ولكن الآية في ذاتها عامة على الوجه الذي بيناه.
ونظير ذلك ما قاله المفسرون في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} [سورة الحجرات] ، إذ قال الفخر الرازي - وهو شافعي -: إن الآية عامة ولكنها صادفت حادثة الوليد المشهورة، ومع ذلك فإذا سلم أن الآية نزلت في حادثة أخت معقل بخصوصها فإن الخطاب فيها يجب أن يكون عاما لكل من يعضل النساء سواء كان وليا أو غيره، فليست مقصورة على الأولياء بلا نزاع.
الجواب الثاني: تسليم أن الآية خطاب لمعقل وغيره من أقارب المرأة بخصوصهم. ولكن ليس في الآية ما يدل على أن لهم حق الولاية على النساء مطلقا، وإنما تدل على أن من منع منه النساء من التزوج فهو آثم لا حق له في هذا، وهذا المنع لا يلزم أن يكون مترتبا على الولاية بل هو ظاهر في أنه مترتب على ضعف النساء وعدم قدرتهن على استعمال حقهن. وبيان ذلك أن المرأة تستكين عادة لمن يكفلها أو لعاصبها القريب من أب أو أخ فتفنى إرادتها في إرادته خصوصا في هذا الباب الذي يغلب فيه الحياء على معظم النسوة المتربيات، فلا ترى المرأة لها حقا مع كافلها أو عاصبها فتتنازل لهما عن استعمال حقها وهي مكرهة، فالآية الكريمة تفيد أنه لا يصلح للرجال أن يستغلوا هذا الضعف فيسلبوا النساء حقوقهن الطبيعية في التزوج بالكفء الذي يرغبن فيه، وهذا يتضمن أن للمرأة الحرية في اختيار الكفء الذي تريده زوجا لأن النهي عن منعها من الزواج يتضمن إباحة الحرية لها في الاختيار بلا نزاع،
على أن قوله تعالى:
{فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} فيه دلالة على صحة عقد الزواج إذا باشرته المرأة،
فإنه قال:
{أن ينكحن} أي يتزوجن بعبارتهن،
ولو كانت عبارة النساء لا تنفع فيعقد الزواج لقال:
فلا تعضلوهن أن تنكحوهن أزواجهن.الحاصل أن الآية إذا كانت خطابا للأقرباء بخصوصهم يكون معناها لا تنتهزوا أيها الأقرباء فرصة كفالتكم للنساء وضعفهن فتسلبوا منهن حقهن الطبيعي في اختيار الزوج الكفء ومباشرتهن الزواج، فتتحكموا فيهن وتمنعوهن من استعمال ذلك الحق، وليس في هذا المعنى أية دلالة على أن لهم حق الولاية عليها.
وقد يقال: إذا كان اختيار الزوج والعقد عليه حقا للمرأة فلماذا لم يقل لهن تعالى: زوجن أنفسكن واستعملن حقكن،
فخطابه للأقرباء بقوله:
{فلا تعضلوهن} دليل على أنهم أصحاب الحق في ذلك لا النساء؟ والجواب أن خطاب الأولياء بهذا يدل على معنى دقيق جليل، وهو ضرورة احترام الرابطة بين النساء وبين أهليهن الكافلين لهن، فإذا تنازلت الواحدة منهن عن حقها في هذا الموضوع احتراما لرغبة أبيها أو أخيها أو نحوهما خوفا من حدوث تصدع في رابطة القرابة، فإنه يكون حسنا يقره الله تعالى،
وفي هذه الحالة لا يصلح أن يقال للنساء:
استعملن حقكن واخرجن عن طاعة أوليائكن فتنقطع بذلك روابط المودة،
وإنما كمال البلاغة وجمال الأسلوب أن يقال للأولياء:
لا تستغلوا هذه الحالة فتتمادوا في سلب حقوقهن للنهاية، والنتيجة المترتبة على الخطابين واحدة، فإن الغرض أن لا تمنع المرأة من التزوج بمن ترغب فيه متى كان كفأ صالحا.ومما لا ريب فيه أن لهذين الرأيين علاقة شديدة بالحالة الاجتماعية في كل زمان ومكان، فالذين يحجرون على المرأة في عقد الزواج يرون أن النساء مهما قيل في تهذيبهن فإن فيهن جهة ضعف طبيعية بارزة، وهي خضوعهن للرجال وتأثرهن بهم، فقد تنسى المرأة عظمتها ومجدها وفضلها وتندفع في ميلها الشهوي وراء من لا يساوي شراك نعلها، وربما تجرها عاطفتها إلى التسليم لخادمها ومن دونه، وبديهي أن هذه الحالة ضررها لا يقتصر على المرأة فحسب، بل يتعداها إلى الأسرة بتمامها لأنهم يتعيرون بإدخال عنصر أجنبي فيهم لا يدانيهم في نسبهم ولا حسبهم، وربما جر ذلك إلى مأساة محزنة، فمن الواجب أن يوكل أمر اختيار الزوج للأولياء الذين يستطيعون أن يختاروا ما فيه خير المرأة وخير الأسرة مع صيانتها واحترامها، ومع هذا فإنه لا بد من رضاء المرأة في بعض الأحوال قبل أن يبرم الولي عقدها، وغير ذلك يكون اندفاعا مع عاطفة ضعيفة يمكن التأثير عليها بوسائل مختلفة، فيترتب على ذلك شقاء المرأة وتعاسة حظها وهدم الأسرة وانحطاط كرامتها.
أما الحنفية الذين لا يرون الحجر على المرأة العاقلة البالغة فإنهم يقولون: إن قواعد الدين الإسلامي تقتضي أمرين:الأول إطلاق الحرية لكل عاقل رشيد من ذكر أو أنثى في تصرفه.رفع ما عساه أن يحدث من أضرار بسبب هذه التصرفات وكلا الأمرين لازم لا بد منه للحياة الاجتماعية، فالحجر على الرشيدة في أمر زواجها ينافي قواعد الإسلام العامة، فلو جعل أمر زواجها منوطا بالولي كان حجرا بدون موجب، خصوصا في حالة تزويجها بدون أخذ رأيها مطلقا وهي بكر رشيدة، فإن ذلك لا يلتقي مع قواعد الدين في شيء وربما كان ضارا في كثير من الأحيان إذ قد يكون الولي غير أب أو أخ شقيق، ولم تكن علاقته بالمرأة ودية فيتعمد معاكستها والوقوف في سبيلها بحرمانها من الكفء المناسب، وليس من السهل على المرأة إثبات العضل والشكوى للحاكم، بل ربما جر انحيازها للخاطب وشكواها للحاكم إلى عداء الأسرة، ويترتب عليه مأساة لا حد لها، وهذا كثير واقع لا يمكن الإغضاء عنه في التشريع الإسلامي المشهور بدقته وجلاله فيجب أن يناط أمر زواجها بها بشرط أن تتصرف تصرف العقلاء فلا تندفع في سبيل شهوة فاسدة فتقع على غير الكفء. فإنها إن فعلت ذلك كانت جديرة بالحجر عليها. وكان لوليها حق الاعتراض وفسخ العقد. ثم إن لها الحق في أن تكل أمر تزويجها لمن تشاء.
فإذا كان لها أب أو أخ أو نحوهما من الأقربين الذين يشفقون عليها ويؤثرون راحتها ويتمنون لها السعادة كان من اللائق المقبول أن تفوض لهم وتترك لهم حقها ليتصرفوا في أمر زواجها كما يحبون.
فلا تخرج عن إرادتهم ولا تحاول إحراجهم بما لا ينفعها، بل يضرها بفقد عطفهم عليها.عندي أن كلا الرأيين لازم للحياة الاجتماعية وأن اختلاف وجهة نظر الأئمة رضوان الله عليهم في فهم الشريعة الإسلامية وتطبيقها يدل على أنها شريعة خالدة حقا وأنها صالحة لكل زمان ومكان. فلا تقف في سبيلها مظلمة لفرد أو جماعة. ولا يتأذى بها أحد. فإذا ترتب على أحد الرأيين مشقة في وقت من الأوقات أو زمن من الأزمنة وجب المصير إلى الرأي الآخر. فكلا الرأيين حسن والعمل به مقبول معقول، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.وبعد فهذا نموذج من البحث في الأدلة الشرعية سنتبعه إن شاء الله ببحث في المسائل العامة.
إذ لو جرينا على نمطه في كل مسألة لطال بنا المقال. ونخرج عن موضوعنا كما لا يخفى.
[خلاصة مباحث الولي]-
(1) اتفق المالكية، والشافعية، والحنابلة على ضرورة وجود الولي في النكاح فكل نكاح يقع بدون ولي أو من ينوب منابه يقع باطلا، فليس للمرأة أن تباشر عقد زواجها بحال من الأحوال سواء كانت كبيرة أو صغيرة عاقلة أو مجنونة إلا أنها كانت ثيبة لا يصلح زواجها بدون إذنها ورضاها.
وخالف الحنفية في ذلك فقالوا: إن الولي ضروري للصغيرة والكبيرة المجنونة، أما البالغة العاقلة سواء كانت بكرا أو ثيبا فإنها صاحبة الحق في زواج نفسها ممن تشاء، ثم إن كان كفأ فذاك، وإلا فلوليها الاعتراض وفسخ النكاح.
(2)
اتفق القائلون بضرورة الولي على تقسيمه إلى قسمين: ولي مجبر، وولي غير مجبر. واتفق الشافعية، والحنابلة على أن الولي المجبر هو الأب والجد،
وخالف المالكية فقالوا:
الولي المجبر هو الأب فقط. واتفق المالكية والحنابلة على أن وصي الأب بالتزويج مجبر كالأب.
بخلاف الشافعية فإنهم لم يذكروا وصي الأب، وزاد الحنابلة أن الحاكم يكون مجبرا عند الحاجة.
(3)
اتفق القائلون بالإجبار على أن الولي المجبر له جبر البكر البالغة بأن يزوجها بدون إذنها ورضاها، ولكن اختلفوا في الشروط التي يصح تزويج المجبرة بها بدون إذنها على الوجه المبين فيما مضى.اتفقوا أيضا على أن الثيب - وهي من زالت بكارتها بالنكاح - لا جبر عليها ولكن للولي حق مباشرة العقد، فإذا باشرته بدونه وقع باطلا، فالولي والمرأة الثيب شريكان في العقد، فحقها أن ترضى بالزواج صراحة، وحقه أن يباشر العقد، هذا إذا كانت كبيرة بالغة، أما إذا كانت ثيبا صغيرة فهي ملحقة بالبكر البالغ فيزوجها الولي المجبر بدون إذنها ورضاها ما لم تبلغ،
وخالف الحنابلة فقالوا:
إن الثيب الصغيرة التي تجبر هي ما كانت دون تسع سنين، فإن بلغت تسعا كانت كبيرة لا تجبر.
(5) اتفق المالكية، والشافعية، والحنابلة على أن الولي غير المجبر وإن كان يتوقف عليه العقد ولكن ليس له أن يباشره بدون إذن من له عليها الولاية ورضاها صريحا إن كانت ثيبا أو ضمنا إن كانت بالغة، هذا في الكبيرة، أما الصغيرة فقد اتفقوا على أنها إذا كانت دون تسع سنين فإنه لا يجوز للولي غير المجبر زواجها بحال من الأحوال.ثم اختلفوا بعد ذلك،
فقال الملكية:
إن بلغت عشر سنين وخيف عليها الفساد إن لم تتزوج فللولي أن يزوجها بإذنها. وهل لا بد من رضاها صراحة أو يكفي صمتها؟ قولان أرجحهما الثاني، ولكن يجب على الولي أن يشاور القاضي.
ورجح بعضهم أنه إذا خيف عليها الفساد فلا يشترط أن تبلغ عشر سنين بل تزوج جبرا وإن لم ترضى كما تقدم.
وقال الشافعية:
لا يصح للولي أن يزوج الصغيرة التي لم تبلغ إلا إذا كان أبا أو جدا، فإن فقدا أو تركاها صغيرة فلا يجوز لأحد أن يزوجها بحال من الأحول سواء كانت ثيبا أو بكرا مادامت عاقلة، لأن الولي غير المجبر إنما يزوج الصغيرة بالإذن ولا إذن للصغيرة، أما إذا كانت مجنونة فإنه يجوز للحاكم أن يزوجها إذا بلغت وكانت محتاجة.
وقال الحنابلة:
إذا بلغت الصغيرة تسع سنين كانت ملحقة بالكبيرة العاقلة، فللولي غير المجبر أن يزوجها بإذنها ورضاها، فإن كانت دون تسع فللحاكم أن يزوجها عند الحاجة.
(6)
اتفق الشافعية، والحنابلة على أن حق الأولياء غير المجبرين الأب، ثم الجد.
وخالف المالكية فقالوا:
إن أحقهم بالولاية الابن ولو من زنا، بمعنى أن المرأة إذا تزوجت بعقد صحيح صارت ثيبا، ثم زنت وجاءت بولد يكون مقدما على الأب والجد. أما إذا زني بها قبل أن تتزوج بعقد صحيح وجاءت من هذا الزنا فإنه لا يقدم على الأب في هذه الحالة لأن الزنا عندهم لا يرفع البكارة فيكون الأب وليا مجبرا، والكلام في غير المجبر، ووافقهم الحنفية على أن أحق الأولياء في النكاح الابن.وخالف الشافعية،
والحنابلة فقالوا:
إن أحق الأولياء الأب ثم الجد ولكن الحنابلة قالوا: إن الابن يلي الجد في الولاية.
والشافعية قالوا:
إنه لا ولاية للابن على أمه مطلقا.
(7)
اتفق الشافعية، والحنابلة والحنفية على أنه لا يصلح للولي الأبعد أو الحاكم أن يباشر عقد الزواج مع وجود الولي الأقرب المستكمل للشروط.
خالف المالكية فقالوا:
إن الترتيب بين الأولياء مندوب لا واجب. فإذا كان للمرأة أب وابن فزوجها أبوها صح وإن كانت مرتبته بعد مرتبة الابن.
وكذا إذا كان لها أخ شقيق وأخ غير شقيق فزوجها غير الشقيق مع وجود الشقيق فإنه يصح. فإذا لم ترضى المرأة بحضور أحد من أقاربها فزوجها الحاكم فإنه يصح لأنه من الأولياء. وإذا وكلت واحدا من أفراد المسلمين بحكم الولاية العامة مع وجود ولي صح إن كانت دنيئة وإلا فلا، وهذا كله في الولي غير المجبر، أما الولي المجبر فوجوده ضروري عندهم.
(8)
اتفق الشافعية والمالكية والحنابلة على أن الولاية في النكاح يشترط لها الذكورة، فلا تصح ولاية المرأة على أي حال.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #212  
قديم 28-12-2021, 07:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 53 الى صــــــــ
59
الحلقة (170)

[دليل الولي من الكتاب والسنة]

وخالف الحنفية في ذلك فقالوا: إن المرأة تلي أمر نكاح الصغيرة والصغير ومن في حكمهما من الكبار إذا جنا عند عدم وجود الأولياء من الرجال.
ولكن المالكية قالوا: تتصف المرأة بالولاية إذا كانت وصية أو مالكة أو معتقة. وهناك قول في أن الكافلة تكون ولية أيضا ولكنها لا تباشر العقد، بل توكل عنها رجلا يباشره.
(9)
اتفقوا على أن الفسق يمنع ولاية النكاح، فمن كان فاسقا انتقلت الولاية عنه إلى غيره.
وخالف الحنفية فقالوا: إن الذي يمنع الولاية هو أن يشتهر الولي بسوء الاختيار فيزوج من غير كفء وبغبن فاحش، وفي هذه الحالة يكون للبنت الصغيرة الحق في رد النكاح بعد أن تكبر ولو كان المزوج أبا، أما إذا كان فاسقا حسن الاختيار، وزوجها من غير غبن وبمهر المثل وكان أبا أو جدا فإنه يصح ولا حق لها في الفسخ كما تقدم.
(10)
اتفقوا على أن العدالة ليست شرطا في الولي.
خالف الحنابلة فقالوا:
إن العدالة الظاهرية شرطا في الولاية إلا في السلطان والسيد.
(11)
اتفقوا على أن للولي أن يوكل عنه من ينوب منابه في عقد الزواج.
[مبحث الكفاءة في الزواج]-
يتعلق بالكفاءة أمور: الأول تعريفها.
الثاني:
هل هي شرط في صحة العقد أو لا؟
الثالث: هل هي معتبرة في جانب الزوج فقط، فلو تزوج بامرأة دنيئة صح، أو معتبرة في الجانبين؟
الرابع:
من له حق الفصل في أمر الكفاءة، وفي كل هذا تفصيل المذاهب (1)
(1) (الحنفية - قالوا: في الجواب عن الأمر الأول: إن الكفاءة هي مساواة الرجل للمرأة في أمور مخصوصة، وهي ست: النسب، والإسلام، والحرفة، والحرية، والديانة، والمال.
ويعرف الأدنى نسبا بأن لا يكون من جنسها أو من قبيلتها، وذلك لأن الناس صنفان: عجم، وعرب، والعرب قسمان: قرشي، وغير قرشي، فإذا كان الزوج قرشيا وهي قرشية صح نسبا ولو اختلفوا في القبائل بأن كانت هاشمية، وهو نوفلي مثلا. وإن كانت عربية من غير قريش فإن كان عربي يكون كفأ لها من أي قبيلة كانت ولو باهليا.
ومن هذا تعلم أن العجمي ليس كفأ للقرشية ولا للعربية على أي حال، وأن العربي من غير قريش ليس كفأ للقرشية على أي حال. ولا يعتبر الإسلام بين العرب، فالمرأة التي لها آباء في الإسلام يكون كفأ لها الرجل العربي الذي له أب واحد، والعجمي العالم كفء للعربي الجاهل، أما العجم فإن بعضهم لبعض أكفاء، ولكن التفاوت يقع بالإسلام والحرية، فمن كان أبوه كافرا وهو مسلم فإنه ليس كفأ لمن هي مسلمة وأبواها مسلمين. ومن كان معتقا لا يكون كفأ للحرة نفسها ولو كان أبوها معتقا لأن مرتبتها أعلى من مرتبته، وإذا كان أبوها وجدها حرين وأبوه حر دون جده لا يكون كفألها، وكذا إذا كانا مسلمين دون جده فإنه لا يكون كفأ لها، أما إذا كان لها آباء كثيرة في الإسلام أو الحرية وهو له أبوان فقط فإنه كفء من هذه الجهة لتمام النسب بالأب والجد. فهذا هو معنى الكفاءة في النسب، والإسلام، والحرية.
وحاصله أن القرشيين بعضهم لبعض أكفاء بصرف النظر عن كونه أسلم بنفسه دون أبيه، وهي مسلمة وأبوها مسلم. وبصرف النظر عن الرق والحرية، لأن العرب لا يسترقون غالبا، أما العجم فيعتبر في أنسابهم الإسلام والحرية، ولكن ذلك مقصور على الزوجين وعلى أبيه وحده فقط، فمن كان مسلما دون أبيه لا يكون كفأ للمسلمة هي وأبوها، ومن كان معتقا دون أبيه لا يكون كفأ للحرة هي وأبوها، ومما لا يصح الخلاف فيه أن العالم العجمي الفقير كفء للعربي الجاهل الغني وكفء للشريفة العلوية، لأن شرف العلم فوق شرف النسب والغنى، وبذلك جزم المحقق ابن الهمام، وصحاب النهر وغيرها. وهو الصواب.
وأما الكفاءة في الحرفة فهي أن تكون حرفة أهل الزوج مكافئة لحرفة أهل الزوجة بحسب العرف والعادة، فإذا كانت حرفة الخياطة مثلا أرقى من حرفة الحياكة بين الناس لم يكن الحائك كفأ لبنت الخياط وإلا فالعكس. فالمدار على احترام الحرفة بين الناس.
أما الكفاءة من جهة المال فقد اختلفوا فيها، فقال بعضهم: إنه يشترط أن يساويها في الغنى، وقال بعضهم: إنه يكفي أن يكون قادرا على دفع ما تعارفوا على تعجيله من مهر مثلها، فلا يلزم أن يكون قادرا على دفع الكل المعجل والمؤجل، وأن يكون معه نفقة شهر إن لم يكن محترفا، وإن لا فإن كان يكتسب كل يوم كفايتها فإنه يكون كفأ لها في باب المال، والثاني هو ظاهر الرواية، وهو الصحيح، ولكن ينبغي أن ينظر إلى أن الحنفية لم يشترطوا الولي في المرأة اعتمادا على للولي حق التفريق إذا اختارت المرأة من لا يدانيها، فإذا فرضنا وكانت البيئة تعتبر الذي لا يملك إلا المهر ونفقة شهر ضائعا لا قيمة له بالنسبة للمرأة الثرية لم لا اعتبار الكفاءة في المال معنى، فينبغي أن ينظر القاضي إلى المصالح الدينية نظرا جديا وأن يقضي بما يرفع الفساد، وحينئذ لا باس أن يعمل بالرأي الأول مادامت المصلحة متعينة في العمل به، على أننا في زماننا هذا نرى الكفاءة تكاد تكون منحصرة عند الناس في باب المال، فإنه هو الذي يستطيع به الزوج أن يحفظ كرامة المرأة وكرامة أسرتها ويمنعها من التبذل والتعرض لما لا يليق بها.
ويعجبني ما قاله الأستاذ مرعي الحنبلي رحمه الله:
قالوا: الكفاءة ستة، فأجبتهم: * قد كان هذا في الزمان المبهم أما بنو هذا الزمان فإنهم * لا يعرفون سوى يسار الدرهم
فالقول الأول وإن لم يصححوه ولكنه ينبغي أن يراعى في زماننا هذا.
وأما الكفاءة في الديانة فإنها تعتبر في العجم والعرب، فإذا كان فاسقا لا يكون كفأ لصالحة بنت صالح، وإذا كانت صالحة وأبوها فاسق وزوجت نفسها من فاسق فإنه يصح، وليس لأبيها حق الاعتراض لأنه فاسق مثله، وكذا إذا كانت فاسق وأبوها صالح فزوجت نفسها من فاسق فإنه يصح، وليس لأبيها حق الاعتراض أيضا، لأن العار الذي يلحقه ببنته أكثر من العار الذي يلحقه بصهره.
وإذا زوج الصغيرة لرجل يظنه صالحا فتبين أنه فاسق وأبوها صالح فإن لها أن تفسخ العقد بعد البلوغ، والمراد بالفاسق المجاهر بالفسق، كالذي يسكر على قارعة الطريق، أو يذهب إلى أماكن البغاء ومواخير الفساد وأندية القمار علنا، أو يجاهر بأنه يفعل ذلك، ومن هؤلاء الشبان الذين يتركون الصلاة ويعلنون أنهم لا يصلون ولا يصومون، فإن هؤلاء ليسوا أكفاء للصالحات وبنات الصالحين، فإذا تزوجت واحدا من هؤلاء كان للولي الاعتراض وفسخ العقد.
وللولي الاعتراض إذا تزوجت بأقل من مهر المثل، ولكن العقد مع ذلك صحيح باتفاق، إنما يقول القاضي: أما أن تكمل لها مهر المثل وإما يفسخ العقد.
أما الجواب عن الثاني فإن الكفاءة شرط لنفاذ العقد ولزومه على الولي، فإذا زوجت المرأة نفسها لمن هو دونها في أمر من الأمور الستة المذكورة كان لوليها حق الاعتراض على العقد، فلا ينفذ حتى يرضى، أو يفسخه القاضي.
وأما الجواب عن الثالث فهو أن الكفاءة في الأمور المذكورة من حق الولي بشرط أن يكون عصبة، ولو كان غير محرم، كأن كان ابن عم يحل له زواجها، أما ذوو الأرحام، والأم، والقاضي فليس لهم حق في الكفاءة، ثم إذا سكت الولي عن الاعتراض حتى ولدت المرأة فإن حقه يسقط في الكفاءة، فإذا لم يعلم بالزواج حتى ولدت فالظاهر أن حقه يسقط، لأن الولادة قد أحدثت بينهما روابط تنسى معها الاعتبارات الأخرى، وأيضا فإن للولد حقا في الكرمة، فلا ينبغي أن يسجل عليه عار أبيه، والقواعد دائما تقضي بمراعاة الولد خوفا عليه من الضياع، فإذا اعترض الولي وفسخ القاضي النكاح فعادت المرأة وزوجت نفسها من غير الكفء ثانيا عاد حق الولي في الاعتراض وفسخ القاضي النكاح ثانيا، كما إذا زوجها الولي من غير كفء بإذنها فطلقها زوجها ثم زوجت نفسها منه ثانيا كان للولي حق الاعتراض ولا يكون رضاه بالزواج الأول حجة عليه في الثاني الذي لم يرض به، فإذا طلقها زوجها غير الكفء الذي رضي به الولي في الأول طلاقا رجعيا ثم راجعها في العدة لم يكن للولي حق الاعتراض لأن العقد الأول لم يتجدد.
وبعضهم يقول إن الكفاءة شرط في صحة العقد، فيقع العقد باطلا من أول الأمر إذا تزوجت بغير كفء وكان لها ولي ولم يرض بالنكاح قبل العقد، فإذا رضي به قبل العقد وامتنع بعده فإنه لا يعتبر، وهذا القول هو المفتى به، وهو أقرب إلى الاحتياط.
وعلى القول الأول إذا مات أحدهما قبل تفرقة القاضي يتوارثان، لأن العقد صحيح لا ينقطع إلا بفعل القاضي، وفعل القاضي في هذه الحالة فسخ لا طلاق، فإن وقعت الفرقة قبل الدخول فلا شيء لها من المهر، وإن وقعت بعده كان لها المسمى لا مهر المثل، وكذا لها المسمى بالخلوة الصحيحة، وعليها العدة، ولها نفقة العدة ولها أن تمكنه من الوطء، ولها أن لا يمكنه وأما على المفتى به فإنه لا يترتب عليه شيء من ذلك، ويحرم على المرأة أن تمكنه من الوطء لأن العقد باطل لا انعقاد له.
وعلى هذا فلو تزوجت امرأة مطلقة ثلاث طلقات بزوج غير كفء من غير رضا الولي، ثم طلقها فإنها لا تحل للزوج الأول لأن العقد وقع باطلا، فكأنه لم يكن. أما إذا لم يكن لها ولي أو كان ورضي قبل العقد فإنها تحل لزوجها الأول بعد طلاقها من الثاني غير الكفء باتفاق.
وإذا كان لها أولياء متساوون في الدرجة ورضي بعضهم صح سقط حق الباقين في الاعتراض وإن كان الحق للأقرب دون غيره، فإن لم يكن لها أولياء من العصب صح العقد ونفذ على أي حال.
وهل يشترط أن ينطق الولي بالرضاء أو يكفي سكوته؟ الجواب: أن سكوته قبل ولادتها وقبل أن يظهر حملها لا يكون رضا كما تقدم، فلا يسقط حقه إلا إذا صرح بالرضا، وأيضا لا بد أن يعلم بعين الزوج، فإذا رضي بزوج مجهول لا يصح إلا إذا أسقط حقه بأن قال لها: رضيت بما تفعلين، أو رضيت بمن تزوجين منه نفسك، أو افعلي ما تحبين، أو نحو ذلك.
هذا في أنواع الكفاءة المذكورة، أما العيوب التي توجد في الزوج ويفسخ بها العقد، كالجذام والجنون، والبرص، والبخر، ونحو ذلك مما سيأتي، فإنها من حق الزوجة وحدها فلها طلب التفريق والفسخ دون الولي.
وهل العقل معتبر في الكفاءة أو لا؟ قالوا: لا نص فيه عن المتقدمين، أما المتأخرون فمختلفون فيه، والصواب أن المجنون لا يكون كفأ للعاقلة، وللولي حق الاعتراض والفسخ، لأن الجنون يترتب عليه من الفساد والشر ما لا يترتب على غيره، بل قد يتعير الناس بالمجنون أكثر مما يتعيرون بالفقير.
أما قبح المنظر فليس بعيب، فإذا كانت جميلة وهو قبيح المنظر فليس لها ولا لوليها حق المطالبة بالفسخ.
وأما الجواب عن الأخير فهو أن الكفاءة معتبرة في جانب الرجل لا في جانب المرأة، فللرجل أن يتزوج من يشاء ولو أمة أو خادمة، لأن الناس لا يتعيرون بافتراش الأمة والمرأة الدنيئة، وقد جرى العرف على ذلك في كل زمان ومكان، نعم يعتبر الكفاءة في المرأة بالنسبة للغلام الصغير إذا زوجه والده ممن هي دونه، فإن له حق الفسخ بعد البلوغ كما تقدم.
المالكية - قالوا: الكفاءة في النكاح المماثلة في أمرين: أحدهما التدين بأن يكون مسلما غير فاسق، ثانيهما السلامة من العيوب التي توجب للمرأة الخيار في الزوج، كالبرص، والجنون، والجذام، والثاني حق المرأة لا الولي.
أما الكفاءة في المال، والحرية. والنسب، والحرفة فهي معتبرة عندهم، فإذا تزوج الدنيء - كالمسلماني - شريفة فإنه يصح، وإذا تزوج الحمال أو الزبال، شريفة أو ذات جاه فإنه يصح، وهل العبد كفء للحرة؟ قولان مرجحان، وبعضهم يفصل فيقول: إن كان الرقيق أبيض يكون كفأ، وإن كان أسود فلا لأنه يتعير به.
ثم إن الكفاءة تعتبر في اليتيمة التي زوجها ولي غير مجبر عند خوف الفساد بالشروط المتقدمة فإن من بين هذه الشروط أن تزوج من كفء، فلا يصح زواجها من فاسق شريب، أو زان، أو نحوهما، ولا من زوج به عيوب منفرة، بل لا بد من أن يكون مساويا لها في أوصاف الكمال، وأن يكون الصداق مهر مثلها. قالوا: فإذا زوجت من غير مراعاة الكفاءة ونحوها من الشروط فسخ العقد إن لم يدخل بها الزوج، أو دخل بها ولكن لم يطل الزمن، أما إذا دخل وطال الزمن بأن مضى عليها ثلاث سنين أو ولدت ولدين في زمنين مختلفين لا في بطن واحدة فإنه لا يفسخ، وهذا هو المشهور. وقيل: يفسخ مطلقا.
وكذا إذا زوج الحاكم امرأة غير رشيدة غاب عنها وليها فإنه لا يجوز له أن يزوجها إلا بعد أن يثبت لديه أن الزوج كفء لها في الدين والحرية والحال ومهر المثل على الوجه الذي بيناه، أما الرشيدة المالكة أمر نفسها فإنه يزوجها بدون أن يثبت عنده ذلك لأنها هي صاحبة الحق فيه، فلها إسقاطه متى رضيت بالزوج، على أنهم قالوا: إذا زوج الحاكم غير الرشيدة من غير بحث فإن العقد يصح ما لم يبطله شيء آخر.
ومع هذا فإن للولي وللزوجة ترك الكفاءة في الدين والحال، فتتزوج من فاسق بشرط أن يكون مأمونا عليها. فإن لم يكن مأمونا عليها رده الحاكم وإن رضيت به حفظا للنفوس، وإذا رضي الولي بغير كفء فطلقها ثم أراد أن يرجع لها ثانيا ورضيت به فليس للولي الامتناع ثانيا.
وإذا أراد الأب أن يزوج ابن أخيه الفقير ابنته الموسرة، فهل لأمها الاعتراض أو لا؟ خلاف في هذه المسألة، وقواعد المذهب تفيد أن ليس لها اعتراض إلا إذا خيف عليها الضرر.
الشافعية - قالوا:
الكفاءة أمر يوجب عدمه عارا. وضابطها مساواة للزوجة في كمال أو خسة ما عدا السلامة من عيوب النكاح، فإن المساواة فيها لا توجب أن يكون كل منهما كفأ لصاحبه فإن كان كل منهما أبرص، أو مجذوما كان لكل منهما حق طلب الفسخ، ولا يقال: إنهما متساويان في العيب، لأن الإنسان يكره من غيره ما لا يكره من نفسه.
وتعتبر الكفاءة في أنواع أربعة:
النسب. والدين. والحرية. والحرفة،
فأما النسب صنفان: عربي، وغير عربي - وهو الأعجمي - والعربي قسمان:
قرشي، وغير قرشي، فالقرشيون أكفاء لبعضهم بعضا، إلا إذا كانوا من بني هاشم، وعبد المطلب، فإن غيرهم من قريش ليس كفأ لهم، وباقي العرب ليسوا أكفاء لقريش، ولكنهم أكفاء لبعضهم بعضا، والعجم ليسوا أكفاء للعرب ولو كانت أمهاتهم من العرب.
ثم إن المرأة إذا كانت تنتسب إلى شخص تشرف به وجب أن يكون
الزوج منتسبا إلى مثل هذا الشخص سواء كانا من العجم أو من العرب.
وحاصله أن الكفاءة تعتبر أولا في النوع بمعنى أن العرب نوع، والعجم نوع، ثم ينقسم العرب إلى قرشيين وغيرهم فالقرشيون أفضلهم، على أن بينهما تفاوتا أيضا، وهو أن بني هاشم والمطلب أفضل من الباقين، ومتى تحققت الكفاءة في النوع لزم أن تتحقق أيضا في شخص الزوجين فإذا كانت الزوجة منتسبة إلى شخص تشرف به وجب أن يكون الزوج كذلك منتسبا إلى مثل من تنسب إليه، والعبرة في النسب للآباء لا للأمهات، إلا في بنات فاطمة رضي الله عنها، فإنهن منسوبات إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهن أرقى الأنواع من عرب وعجم.
وما قيل في العرب يقال في العجم، فيقال: الفرس مثلا أفضل من النبط، وبنو إسرائيل أفضل من القبط، فإذا كانت المرأة تنتسب إلى عظيم وجب أن يكون الرجل مثلها منتسبا إلى عظيم مكافئ، وقيل: لا يعتبر هذا التفاوت في العجم.
وأما الدين فإنه ينبغي أن يكون الرجل مساويا للمرأة في العفة والاستقامة، فإن كان فاسقا بالزنا فإنه لا يكون كفأ للعفيفة حتى ولو تاب وحسنت توبته، لأن التوبة من الزنا لا تمحو عار السمعة السيئة وإن كان فاسقا بغير الزنا، كالخمر، والزور ثم تاب، فقيل يكون كفأ للمستقيمة وقيل: لا، وبه أفتى بعضهم، أما إذا كانت فاسقة مثله فإنه يكون كفأ، كزانية لزان، فإن زاد فسقه أو اختلف نوعه فإنه لا يكون كفأ لها، وإذا كان محجورا عليه لسفه فإنه ليس كفأ للرشيدة.
يعتبر في الدين إسلام الآباء، فمن كان أبوها مسلما لا يكون كفأ لها من أبوه غير مسلم، ومن له أبوان في الإسلام لا يكون كفأ لمن لها ثلاثة آباء، ويستثنى من ذلك الصحابي، فإنه كفء للتابعية وإن كانت لها آباء أكثر لنص الحديث وهو أن الصحابة أفضل من غيرهم.
وأما الحرية فإن كان فيه شائبة رق لا يكون كفأ للسليمة ويعتبر في ذلك الآباء لا الأمهات، فمن ولدته رقيقة ليس كفأ لمن ولدتها عربية.
وأما الحرفة. فإن أرباب الحرف الدنيئة في العرف، كالكناس، والحجام، والحارس، ومكيسي الحمام ويسمى بالبلان ليس كفأ لصاحبة الحرفة الشريفة، كالخياطة أو من أبوها خياط، أو صانع كهرباء، أو نحو ذلك من المهن الشريفة، وصاحب المهنة ليس كفأ لبنت التاجر، وابن التاجر ليس كفأ لبنت العالم أو القاضي نظر للعرف في ذلك.
أما المال فإنه لا يعتبر في الكفاءة، فإذا تزوج الفقير غنية كان كفأ لها، ولا يقابل بعض هذه الخصال ببعض، مثلا إذا كانت المرأة حرة فاسقة، والرجل رقيقا صالحا فإنه لا يصح أن يقابل الرق بالفسق فيتساقطا، وكذلك إذا كانت عربية فاسقة، والرجل أعجمي صالح فإنه لا تقابل أعجميته بفسقها، وهكذا.
وهي شرط لصحة النكاح حيث لا رضا، وهي من حق المرأة والولي معا، فإذا لم يرضيا بالزوج الذي لم تتوفر فيه الكفاءة على الوجه المتقدم لا يصح العقد، وقد تقدم أنها شرط لصحة عقد الولي المجبر، فإذا زوج الأب ابنته جبرا اشترط أن يزوجها من كفء، فإذا رضيت صح، وسقط حقها، ولكن الرضا بغير الكفء يشترط فيه النطق والكلام إذا كانت المرأة ثيبا، فإن كانت بكرا، فقيل: يكفي سكوتها مطلقا، سواء كان مزوجها مجبرا أولا، وقيل: لا يكفي إذا كان غير مجبر، بل لا بد من نطقها وتصريحها بالرضا.
ثم إن الحق للمرأة ولوليها الأقرب لا الأبعد، ويشتركان في الأنواع المتقدمة ما عدا الجب. والعنة، فإن هذا العيب من حق المرأة وحدها، فإذا رضيت بزوج مجنون، أو عنين ولم يرض الولي صح ولا عبرة برضاه، لأن هذا شيء يختص بها دونه، ثم إذا رضيت بزوج وهي تظن أنه كفء فبان أنه رقيق وهي حرة، أو به عيب فإن لها الحق في الخيار، وللولي حق الاعتراض، ولا يضره مباشرة العقد، وإنما يسقط حقهما إذا علما بالغيب ورضيا.
هذا، والكفاءة معتبر من جانب الزوجة، أما الزوج فله أن يتزوج الأمة والخادمة. لأن الناس لا يتعيرون بافتراش من هي أدنى منهم، ويصح أن يزوج الأب غلامه الصغير امرأة لا تكافئه، ولكن يثبت له الخيار بعد البلوغ، على أنه لا يصح له أن يزوجه أمه، أو عجوزا شرهاء أو عمياء، وإن كان ذلك ليس بعيب يفسخ.
الحنابلة - قالوا: الكفاءة هي المساواة في خمسة أمور: الأول الديانة، فلا يكون الفاجر الفاسق كفأ للصالحة العدل العفيفة، لأنه مردود الشهادة والرواية، وذلك نقص في إنسانيته.
والثاني: الصناعة، فلا يكون صاحب الصناعة الدنيئة كفأ لبنت صاحب الصناعة الشريفة، فالحجام والزبال لا يكونان كفأ لبنت التاجر والبزاز الذي يتجر في القماش. الثالث: اليسار بالمال بحسب ما يجب لها من المهر والنفقة، فلا يكون المعسر كفأ للموسرة، وضبط بأن لا تتغير حالها عنده عما كانت عليه في بيت أبيها. الرابع: الحرية، فلا يكون العبد والمبعض كفأ للحرة. الخامس: النسب فلا يكون العجمي - وهو ليس من العرب - كفأ للعربية، فإذا زوجها الولي من غير كفء وبغير رضاها كان آثما، ويفسق به الولي) .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #213  
قديم 28-12-2021, 08:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 60 الى صــــــــ
65
الحلقة (171)

[مبحث عد المحرمات اللاتي لا يصح العقد عليهن]
-قد عرفت مما مضى أن من شرائط النكاح المتفق عليها أن تكون المرأة محلا صالحا للعقد عليها، فلا يصح العقد على امرأة حرمت عليه لسبب من الأسباب،
وهذه الأسباب تنقسم إلى قسمين:
الأول: ما يجب الحرمة المؤبدة.
الثاني: ما يوجب الحرمة المؤقتة بحيث لو زال السبب عاد الحل.
والأسباب التي توجب الحرمة المؤبدة ثلاثة:
القرابة، المصاهرة، الرضاع.
فأما القرابة فيحرم بها على التأبيد ثلاثة أنواع:

النوع الأول:
أصول الشخص وفروعه، فأما أصوله فهن أمهاته فتحرم عليه أمه التي ولدته وجدته من كل جهة سواء كانت لأمه أو لأبيه، وإن علت. وأما فروعه فهي بناته وبنات بناته وبنات أبنائه وإن نزلن.
النوع الثاني: فروع أبويه، وهن أخواته، فتحرم عليه أخته من كل جهة، أي سواء كانت شقيقة أو لأب أو لأم، كما يحرم عليه بناتها وبنات أبنائها. وبنات أخيه وإن نزلن.
النوع الثالث:
فروع أجداده وجداته، وهن عماته وخالاته سواء كن شقيقات أولا.وإلى هنا ينتهي التحريم، فلا تحرم عليه بنات عماته ولا بنات خالاته، ولا بنات عمه، ولا بنات خاله، فلا يحرم من فروع الجدات إلا البطن الأولى.
أما المصاهرة فيحرم بها ثلاثة أنواع أيضا:
النوع الأول: فروع نسائه المدخول بهن، فيحرم عليه أن يتزوج بنت امرأته، وهي ربيبته سواء كانت في كفالته أولا.
أما قوله تعالى:
{في حجوركم} فإنه بيان للشأن فيها،
فكأنه يقول له:
إنها كبنتك التي تربت في حجرك وكذا يحرم عليه أن يتزوج بنت ربيبته ولا بنت بنتها وإن نزلت. أما إذا عقد على أمها ولم يدخل بها فإن البنت لا تحرم عليه.
النوع الثاني: أصول نسائه، فيحرم عليه أن يتزوج أم امرأته، وأم أمها وجدتها بمجرد العقد على البنت وإن لم يدخل بها،
ولذا قيل:
العقد على البنات يحرم الأمهات، والدخول بالأمهات يحرم البنات.
ولعل السر في ذلك أن البنت في حال صباها وأول حياتها تكون علاقتها بالرجل أشد وغيرتها عليه أعظم، فينبغي أن يكون العقد عليها قاطعا لمطمع أمها حتى لا يحدث ضغينة وحقدا تنقطع به صلات المودة، بخلاف الأم فإنه يسهل عليها أن تنزل عن رجل لم يباشرها لبنتها التي تحبها حبا جما فلا تنقطع بينهما علائق المودة.
النوع الثالث: موطوءات الآباء.وأما الرضاع فإنه يحرم به ما يحرم بالنسب إلا في بعض أمور سيأتي بيانها في مبحثه. فهذه هي موجبات التحريم المؤبد،
وأما موجبات التحريم المؤقت فهي أمور:
أحدها: زواج المحرم، فلا يحل للشخص أن يجمع بين الأختين، أو بين الأم وبنتها، أو نحو ذلك مما سيأتي.
ثانيها: الملك، فلا يحل للمرأة أن تتزوج عبدها. ولا للرجل أن يتزوج أمته إلا بعد العتق.
ثالثها: الشرك، فلا يحل لمسلم أن يتزوج مشركة غير متدينة بدين سماوي.رابعها: التطليق ثلاث مرات، فإنه يوجب التحريم إلا إذا تزوجت غيره.
خامسها:
تعلق الغير بنكاح أو عدة، فإذا زالت هذه الأسباب عاد له الحل ومن ذلك ما إذا زاد على أربع أو عقد على خامسة قبل أن تنقضي عدة الرابعة.
[مبحث فيما تثبت به حرمة المصاهرة]
-المصاهرة: وصف شبيه بالقرابة،
ويتحقق في أربع:
إحداها زوجة الابن، وهي تشبه البنت.
ثانيهما: بنت الزوجة، وهي تشبه البنت أيضا،
ثالثها:
زوجة الأب، وهي تشبه الأم،
رابعها:
أم الزوجة، وهي تشبه الأم أيضا.ولا خلاف في أن زوجة الابن، وزوجة الأب، وأم الزوجة يحرمن بالعقد الصحيح، فإذا عقد الأب على امرأة حرمت على ابنه وابن ابنه وإن نزل، وإن لم يدخل بها، وإذا عقد الابن على امرأة حرمت على أبيه وجده وإن علا، كما تحرم على ابنه وإن نزل، وإن لم يدخل بها، أما بنت زوجة الأب من غير الأب فإنها لا تحرم على الابن، وبنت زوجة الابن لا تحرم على الأب، وبنت زوج الأم لا تحرم على ابنه ولا أمه. ولا أم زوجة الأب، ولا أم زوجة الابن. ولا زوجة الربيب، فمن كان متزوجا بامرأة لها ابن من غيره وله مطلقة فإنها تحل لزوج أمه.وإذا عقد الشخص على امرأة حرمت عليه أمها وأم أمها وإن علت سواء دخل بها أو لم يدخل. أما بنتها فإنها لا تحرم إلا بالدخول كما عرفت.
فحرمة المصاهرة تثبت بالعقد الصحيح بدون كلام.أما العقد الفاسد، أو الوطء بشبهة، أو زنا، ففي التحريم به اختلاف - المذاهب (1) .
(1) (الحنفية - قالوا: العقد الفاسد لا يوجب حرمة المصاهرة، فمن عقد على امرأة عقدا فاسدا لا تحرم عليه أمها، وأما الذي يوجب حرمة المصاهرة فهو أربعة أمور:
أحدها: العقد الصحيح. ثانيها: الوطء، سواء كان بعقد صحيح، أو فاسد، أو زنا. ثالثها: المس. رابعها: نظر الرجل إلى داخل فرج المرأة، ونظر المرأة إلى ذكر الرجل.
ويشترط في الوطء ثلاثة أمور: أن تكون الموطوءة حية، فلو وطئ ميتة لا تحرم بنتها. أو تكون مشتهاة، وهي من كان سنها تسع سنين فأكثر، فإذا تزوج صغيرة ووطئها ثم طلقها وتزوجت غيره بعد انقضاء عدتها وجاءت منه ببنت، فإن للزوج الأول أن يتزوج هذه البنت، لأنه وطئ أمها وهي صغيرة، مثل ذلك ما لو زنا بصغيرة من باب أولى، وكذلك تشترط الشهوة في التحريم بوطء الذكر، فإذا وطئ غلام مراهق امرأة أبيه فإنها لا تحرم.
الشرط الثالث: أن يكون الوطء في القبل لا في الدبر. فمن وطئ امرأة في دبرها فإنه لا تحرم عليه أصولها وفروعها، ومن باب أولى ما إذا لاط برجل فإن بنته لا تحرم عليه، ولا يقال: إن الحنفية أوجبوا التحريم بالنظر والمس، وبديهي أن الوطء في دبر المرأة فيه لذة مستكملة فوق المس والنظر، لأنا نقول: إن التحريم بالمس والنظر لكونهما سبيلا للوطء في القبل الذي توجب التحريم، فحيث يتبين أنهما لا يفضيان إلى ذلك فلا يحرمان، ولذا اشترط في التحريم بهما أن لا ينزل بهما، فإذا أنزل تبين أنهما لم يفضيا إلى الوطء المحرم.
ولا يشترط في الوطء الموجب للتحريم أن يكون جائزا، بل تثبت حرمة المصاهرة بوطء الحائض والنفساء، وبوطئها وهو محرم بالنسك، أو صائم، أو نحو ذلك.
ويشترط في المس شروط: أحدها أن يكون بدون حائل، أو بحائل خفيف لا يمنع الحرارة ثانيها: أن يكون لغير الشعر المسترسل - وهو النازل - فإذا مسه بشهوة فإنه لا يحرم، أما مس الشعر الملاصق للرأس فإنه يحرم على الراجح. ثالثها: أن يكون المس بشهوة، وحد الشهوة في مس الرجل للمرأة أن تتحرك آلته، أو تزيد حركتها إذا كانت متحركة من قبل مسها وحدها إذا مست المرأة الرجل أن يتحرك قلبها وتشعر باللذة، ومثل المرأة الشيخ الكبير
رابعها: أن يغلب على ظن الرجل صدق المرأة إذا أخبرته أنها تلذذت بمسه، ويغلب على أب الرجل وابنه صدقه في قوله إنه تلذذ بمسها وإلا فلا تحرم.
خامسها: أن تكون اللذة مقارنة للمس، فإذا مسها بدون لذة ثم وجد اللذة بعد فلا تحرم.
سادسها: أن لا ينزل بالمس كما عرفت.
سابعها: أن لا تكون الممسوسة دون تسع سنين، وأن يكون الماس له شهوة، فإذا كانت صغيرة أو كانت كبيرة والماس مراهقا، فإنه لا يحرم.
ويشترط في النظر أمور: الأول أن يكون إلى داخل الفرج المدور خاصة على الراجح، وهذا لا يكون إلا إذا كانت متكئة، فلو كانت واقفة، أو جالسة غير مستندة فإنه لا يرى وإذا كانت الناظرة المرأة فالشرط أن تنظر إلى الذكر خاصة، أما النظر إلى باقي بدنها أو بدنه فإنه لا يوجب التحريم. والثاني أن يكون النظر بشهوة مقارنة له كما في اللمس، وحد الشهوة هنا كحدها في اللمس على الراجح. الثالث: أن يرى نفس الفرج لا صورته المنطبعة في مرآة أو ماء، فلو كانت متكئة ورأى صورة فرجها الداخل في المرآة بشهوة فإنها لا تحرم، وكذا لو كانت كذلك على شاطئ ماء، أما إذا كانت موجودة في ماء صاف فرآه وهي في نفس الماء فإن الرؤيا على هذا تحرم لأنه رآه بنفسه لا بصورته. الرابع أن تكون الشهوة مقارنة لنفس النظر. الخامس: أن لا ينزل كما تقدم في اللمس. السادس: أن لا تكون المنظورة صغيرة لا تشتهى، أو ميتة، أو يكون الناظر مراهقا كما تقدم.
ولا فرق بين اللمس والنظر بشهوة بين عمد ونسيان وإكراه، فالكل تثبت به حرمة المصاهرة. أما الزنا فإنه عبارة عن وطء مكلف في فرج امرأة مشتهاة خال عن الملك وشبهته، وتثبت به حرمة المصاهرة نسبا ورضاعة، فمن زنى بامرأة حرمت على أصوله وفروعه، فلا تحل لأبيه ولا لابنه، ويحرم على الزاني أصولها وفروعها، فلا يحل له أن يتزوج بنتها سواء كانت متولدة من مائه أو من غيره، وبنت بنتها وهكذا، كما يحرم عليه أن يتزوج أمها وجدتها وهكذا، وله أن يتزوج أختها، وتحل أصولها وفروعها لأصول الزاني وفروعه، فيجوز لابنه أن يتزوج بنتها. وبشرط أن لا تكون متولدة من ماء زنا أبيه ولا راضعة من لبنه الناشئ بسببه، فإذا زنى بامرأة فحملت سفاحا وولدت، ثم أرضعت صبيه بلبنها فإنه لا يحل لهذا الزاني أن يتزوجها لأنها بنته من الرضاع. وكذا لا تحل لأصوله ولا لفروعه. ومثلها بنته المتولدة من الزنا: فإنها تحرم عليه وعلى أصوله وفروعه، وذلك لأنها بنته جزء منه، سواء كانت متولدة من مائه، أو كانت راضعة لبن امرأته منه، ولذا لا تحرم على عمه أو خاله لانتفاء الجزئية فيهما، ولم يثبت نسبها من الزاني حتى تحرم على العم والخال.
هذا وبذلك يتضح أن الدخول بالمرأة المتوقف عليه تحريم ابنتها لا يشترط فيه الوطء، بل يكفي فيه اللمس بشهوة، والنظر بشهوة بالشروط المتقدمة.
الشافعية - قالوا: العقد الفاسد يوجب حرمة المصاهرة فيمن اشترط في تحريمها الوطء، كالأم فإن بنتها، لا تحرم إلا بوطئها، فإذا عقد عليها عقدا فاسدا ثم وطئها بناء على ذلك العقد حرمت بنتها، أما التي تحرم بمجرد العقد فإنه يشترط في تحريمها أن يكون العقد صحيحا - كالبنت - فإن أمها تحرم بمجرد العقد عليها بشرط أن يكون صحيحا، فإذا عقد على البنت عقدا فاسدا ولم يدخل بها لم تحرم أمها نعم إذا وطئها بعد ذلك العقد الفاسد حرمت أمها بالوطء ولو في الدبر.
ومثل ذلك زوجة الأب، فإنها تحرم بمجرد العقد، فيشترط في تحريمها بمجرد العقد أن يكون العقد صحيحا، أما إذا دخل عليها ووطئها فإنها تحرم بالوطء ولو كان العقد فاسدا وكذا زوجة الابن فإنها تحرم بمجرد العقد، فيشترط أن يكون صحيحا على الوجه المتقدم.
ومن هذا تعلم أن الذي يقع به التحريم شيئان: إما العقد الصحيح وإما الوطء سواء كان بعقد صحيح أو فاسد، أو كان وطئها بشبهة ولو في دبر المرأة، ومثل الوطء استدخال مائه المحترم، ومعنى هذا أنه إذا جامع امرأة بعقد صحيح ثم أنزل فيها كان ماؤه محترما، أي لم يكن حاصلا من زنا، فإذا فرض وساحقت امرأته امرأة أخرى وأنزلت فيها هذا الماء وحملت منه كان ابنه، فإذا أنزلته في زوجة له لم يدخل بها حرمت عليه بنتها لأنه يعتبر دخولا. أما الزنا فإنه لا يوجب حرمة المصاهرة على أي حال، لأنها نعمة من الله لا يصح زوالها بذلك الفعل المحرم، وكما لا يحرم الزنا لا يحرم المس ولا النظر بشهوة على أي حال.
ومثال الوطء بشبهة أن يجامع امرأة يظنها امرأته وهي ليست كذلك، ويقال لهذه الشبهة: شبهة الفاعل. ولا يوصف الفعل الواقع بها بحل ولا حرمة ويثبت بوطء الشبهة النسب وتلزم به العدة.
هذا، ويجوز للرجل أن يتزوج بنته المخلوقة من مائه زنا، فإذا زنا بامرأة وحملت منه سفاحا وجاءت ببنت فإنها لا تحرم عليه لأن ماء الزنا لا حرمة له، وكما تحل له تحل لأصوله وفروعه، ولكن يكره له نكاحها بخلاف الأم الزانية فإنها كسائر الأمهات في الحرمة على أبنائهن، لأن نسبه ثابت منها ويتوارثان.
المالكية - قالوا: تثبت حرمة المصاهرة بالعقد الفاسد، والعقد الفاسد نوعان:
مجمع على فساده، وغير مجمع على فساده في المذاهب الأخرى، وهذا لا ينشر الحرمة إلا بالوطء ومقدماته، وذلك كنكاح امرأة معتدة، وهو غير عالم، أو نكاح أخته رضاعا بدون علمه، فإن النكاح فاسد بالإجماع، ويدرأ الحد عن الفاعل لأن فيه شبهة. وهذا العقد لا يحرم إلا بالوطء أو مقدماته أما العقد الذي لم يجمع على فساده بأن قال به بعض العلماء ولو في مذهب غير مذهب المالكية، كنكاح المحرم بالنسك فإنه صحيح عند الحنفية، فاسد عند المالكية، وكذلك نكاح المرأة نفسها بدون ولي ونحوه فإنه ينشر حرمة المصاهرة كالصحيح.
ومن الفاسد النكاح الموقوف على إجازة الغير، فإذا زوج الرجل ابنه العاقل البالغ بغير إذنه وهو غائب فلم يرض الابن بالزواج ورد النكاح كان هذا من القسم الثاني، فيحرم به ما يحرم بالعقد الصحيح، ولا يشترط أن يكون العقد بين كبيرين بل يحرم العقد على الصغيرة للصغير.
أما الزنا فإن المعتمد أنه لا ينشر الحرمة، فمن زنى بامرأة فإن له أن يتزوج بأصولها وفروعها ولأبيه وابنه أن يتزوجها وفي تحريم البنت المتخلقة من ماء الزنا على الزاني وأصوله وفروعه خلاف، والمعتمد الحرمة، فإذا زنى بامرأة فحملت منه سفاحا ببنت وجاءت بها فهي محرمة عليه وعلى أصوله وفروعه، ولو رضعت من لبنها بنت كانت محرمة أيضا لأنه لبنه الذي جاء بسبب وطئه الحرام.
وبعضهم يقول: إن المتخلقة من ماء الزنا لا تحرم - كما يقول الشافعية - لأنها لم تعتبر بنتا بدليل أنه لا توارث بينهما، ولا يجوز له الخلوة بها، وليس له إجبارها على النكاح باتفاقهم فكيف تعتبر بنتا محرمة وكيف يكون لبن أمها محرما؟ وهذا القول وجيه وإن لم يكن معتمدا، ومثل بنت الزنا ابن الزنا، فإذا جاءت منه بولد حرم عليه أصول أبيه وفروعه، وتجوز المخلوقة من ماء زنى الأخ لأخيه، وإذا زنى بها وهي حامل، فقيل: لا تحرم، وقيل: تحرم لأنه سقاها بمائه ولكن المشهور أنها لا تحرم.
هذا، ولا يشترط في الدخول بالأمهات الوطء، بل يكفي التلذذ بها ولو بعد موتها، ويتحقق التلذذ بالنظر إلى داخل جسمها إن وجدت اللذة وإن لم يقصدها، أما إن قصد ولم يجد فلا تلذذ، فمن عقد على امرأة ولو عقدا فاسدا وتلذذ على هذا الوجه حرمت عليه بنتها وبنت بنت بنتها وإن سفلت كما حرمت عليه أصولها.
ولا يحرم النظر إلى وجهها ويديها: وإنما يحرم تقبيل الوجه أو اليد أو الفم أو لمسها بشهوة.
الحنابلة - قالوا: تثبت حرمة المصاهرة بالعقد الفاسد، فإن العقد الفاسد عندهم تثبت به أحكام النكاح ما عدا الحل، والإحصان، والإرث، وتصنيف الصداق بالفرقة قبل المسيس، فلا يترتب على النكاح الفاسد حل وطء المرأة المعقود عليها. ولا إحلالها لمطلقها ثلاثا. ولا توصف بالإحصان كما لا يوصف الزوج به ولا يتوارثان به، وإذا طلقها قبل الدخول والمسيس لا تستحق نصف الصداق، أما ما عدا ذلك من نشر حرمة المصاهرة وغيرها فإنها تثبت به. وهذا هو ظاهر المذهب. وبعضهم يقول: لا تثبت حرمة المصاهرة.
والمحرمات بالعقد سواء كان صحيحا أو فاسدا: زوجة الأب وإن علا. وزوجة الابن وإن سفل وأم زوجته من نسب أو رضاع وإن علت كما هو مبين في أسفل صحيفة 61.
وأما الوطء المحرم لغير من ذكرن فيشترط فيه أن يكون وطأ في فرج أصلي، أما فرج الخنثى والفرج غير الأصلي، إن فرض وجود فرجين للمرأة فإنه لا يحرم، أو يكون في دبر سواء كان الموطوء أنثى أو رجلا أو أمة، فلا تحل للائط والملوط به أم الآخر ولا بنته، فهو ينشر الحرمة كوطء المرأة بلا فرق، وهذا هو المنصوص، ولكن قال في شرح المقنع: الصحيح أن اللواط لا ينشر الحرمة لأن النصوص عليه في آية التحريم إنما هو البنت لا الولد، فتدخل أم الملوط أو اللائط في عموم قوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} .
ويشترط أن يكون الفاعل ابن عشر سنين، وأن يغيب حشفة ذكره في الفرج الحقيقي أو الدبر، وأن تكون الموطوءة بنت تسع سنين، فإن كانا أقل من ذلك فلا تثبت به حرمة المصاهرة، فإذا



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #214  
قديم 28-12-2021, 08:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 66 الى صــــــــ
72
الحلقة (172)

[مبحث المحرمات بالجمع]
-يحرم الجمع بين اثنين إذا فرضت كل واحدة منهما ذكرا حرم النكاح بينهما، فيحرم الجمع بين الأختين (1) : لأننا إذا فرضا واحدة منهما رجلا فإنه لا يجوز له أن يتزوج أخته، وكذلك الجمع بين البنت وعمتها أو خالتها، فإننا لو فرضنا واحدة منهما ذكرا لم يحل له أن ينكح الأخر، فلو فرضنا العمة ذكرا كانت عما لا يجوز له نكاح بنت أخيه، ولو فرضنا البنت ذكرا كانت الأخرى عمته، فلا تحل له، ولو فرضنا الخالة ذكرا كان خالا لا يجوز له نكاح بنت أخته، وإذا فرضنا البنت ذكرا كانت الأخرى خالته لا تحل له وهكذا، وعلى هذا يصح الجمع بين امرأة وبنت زوجها، فإذا كان لشخص زوجة وله بنت من غيرها ثم طلقها أو مات عنها صح لآخر أن يتزوجها هي وبنت ذلك المطلق، لأننا إذا فرضنا المرأة ذكرا كانت البنت أجنبية منه، وله أن يتزوجها، وكذا إذا فرضنا البنت ذكرا.
ومثل بنت الزوج أم الزوج، فيجوز الجمع بينها وبين الزوجة لأنهما أجنبيان عن بعضهما بعد الطلاق أو الموت.
وكذلك لا يجوز الجمع بين عمتين لبعضهما، أو خالتين كذلك،
وصورة الأولى:
أن يتزوج رجلان كل واحد منهما أم الآخر فتلد له بنتا فتكون كل من البنتين عمة للأخرى لأنها تكون أخت أبيها لأمها، فإذا تزوج زيد أم عمرو وجاءت منه ببنت كانت البنت أختا لعمرو من أمه، فإذا تزوج عمرو أم زيد وجاءت منه ببنت كانت البنت أختا لزيد من أمه، فكلتا البنتين أخت لأب الأخرى، فتكون عمة للأخرى، فلا يحل الجمع بينهما.
وصورة الثانية:
أن يتزوج كل من الرجلين بنت الآخر، فإذا تزوج زيد زينب بنت عمرو فولدت له هندا كان عمرو جد هند لأمها، فإذا تزوج عمرو فاطمة بنت زيد فولدت له فريدة خالة هند أخت أمها زينب بنت عمرو، وكانت هنا خالة فريدة أخت أمها فاطمة بنت زيد.وكذا يحرم الجمع بين العمة والخالة، وصورتهما أن يتزوج الرجل امرأة ويزوج ابنه أمها، وتلد كل واحدة منهما بنتا، فتكون بنت الابن خالة بنت الأب أخت أمها، وتكون بنت الأب عمة بنت الابن أخت أبيها.
وقد قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم:
"لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها، لا الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى" رواه أبو داود وغيره.
وقال الترمذي:
حسن صحيح.فإذا جمع بين اثنتين لا يحل له الجمع بينهما فسخ العقد على تفصيل في المذاهب.هذا، ويحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب إلا في أمور سيأتي بيانها في مباحث الرضاع.
أدخل غلام سن ثمان سنين حشفته في فرج امرأة كبيرة لا تثبت به حرمة المصاهرة وكذا إذا غيبها كبير في فرج بنت دون تسع، وأن تكون الموطوءة والواطئ حيين، فإن وقع شيء من ذلك حال الموت لا يؤثر.
ولا خلاف في أن الوطء الحلال تثبت به حرمة المصاهرة، أما وطء الشبهة والزنا فإنه تثبت به حرمة المصاهرة على الصحيح من المذاهب، فمن زنى بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها وحرمت على أبيه وابنه كذا إذا جامعها بشبهة كأن ظن أنها امرأته فبانت أنها غيرها، فالموطوءة بهذه الشبهة تحرم على أصول الرجل وفروعه كما تحرم فروعها كذلك.
ويشترط في الدخول على الأمهات الوطء، فلا تحرم الربيبة بالعقد سواء كان صحيحا أو فاسدا، ولا تحرم بالخلوة ولا بالتلذذ فيما دون الفرج، فلا يحرم النظر بشهوة، ولا اللمس، ولا القبلة ولا مقدمات الجماع كلها، وإنما الذي يحرم نفس الوطء. وقد عرفت أنه يحرم إذا كان وطأ بشبهة أو بعقد صحيح أو فاسد أو زنا على الصحيح) .
(1) (الحنفية - قالوا: إذا جمع بين أختين ونحوهما ممن لا يحل الجمع بينهما، فلا يخلو إما أن يجمع بينهما في عقدين متفرقين، أو يجمع بينهما بعقد واحد، فإن جمع بينهما في عقد واحد يفرق بينهما وبينه، فإن كان قبل الدخول فلا شيء لهما، وإن كان بعد الدخول، فإن كان سمى لكل واحدة منهما مهرا، فإن كان أقل من مهر مثلها أخذته، وإن كان أكثر من مهر المثل أخذت مهر المثل، فبالدخول تستحقان المهر الأقل، فإن كان المسمى أقل أخذتاه، وإن كان مهر المثل أقل أخذتاه، أما إذا جمع بينهما في عقدين فلا يخلو إما أن يكون عالما بالعقد الأول من العقدين أو لا فإن كان عالما به صح نكاح الأولى وبطل نكاح الثانية، فيفترض عليه أن يفارقها، فإن لم يفعل وعلم القاضي وجب عليه أن يفرق بينهما، ثم إن كانت الفرقة قبل الدخول فلا شيء لها، ولا يترتب على العقد حكم، أما إذا كانت بعد الدخول والوطء فإنه يتقرر لها الأقل من مهر المثل والمهر المسمى كما تقدم، وعليها العدة، ويثبت النسب له. وفي حالة وطء الثانية يجب عليه أن لا يطأ الأولى التي وقع عقدها صحيحا، فإنها تصير محرمة عليه إلى أن تنقضي عدة أختها، أما إذا لم يطأ الثانية فإن له أن يطأ التي صح نكاحها، لأن مجرد العقد الفاسد لا يترتب عليه شيء قبل الوطء.
فإذا لم يكن عالما بالعقد الأول بل نسيه ولم يمكنه البيان، فإنه يفترض عليه أن يفارق الاثنتين فإن لم يفعل وعلم القاضي وجب عليه أن يأمر الزوج بالبيان، فإذا لم يبين فرق بينهما، ويكون تفريق القاضي طلاقا ينقص به عدد الطلقات، ثم إذا أراد أن يتزوج واحدة منهما، فإن كان قبل الدخول فإن له ذلك فورا، وإن كان بعد الدخول فإنه لا يصح إلا بعد انقضاء عدتهما، وإذا انقضت عدة إحداهما دون الأخرى صح له أن يتزوج التي لم تنقض عدتها، لأنه إذا تزوج التي انقضت عدتها كان جامعا بين الأختين، لأنه يشترط لصحة العقد على الأخت انقضاء عدة الأخت المطلقة.
أما المهر للمعقود عليهما بعقدين لم يعلم السابق منهما فلا يخلو حاله من أن تكون الفرقة قبل الدخول أو بعده، وفي كلتا الحالتين إما أن يكون قد سمى لكل واحدة مهرا أو لا، فإن كانت الفرقة قبل الدخول كان لهما معا نصف المهر بشرطين:
الشرط الأول: أن يسمي لهما مهرا في العقد.
الشرط الثاني: أن يكون المهر المسمى لكل واحدة منهما مساويا لمهر الأخرى. فإن لم يسم مهرا أصلا لا يستحقان مهرا، وإنما يستحقان متعة - وسيأتي بيان المتعة في الصداق - وإن سمى لكل منهما مهرا يخالف مهر الأخرى استحقت كل واحدة منهما ربع مهرها المسمى،
أما بعد الدخول بهما فإن مهرهما صار لازما مقررا، ولكن كيف تستحقان المهر؟ إن هذه المسألة تشتمل على نكاح صحيح ونكاح فاسد بلا شك ولكن لا يدري أيتهما صاحبة العقد الصحيح ومعلوم أن العقد الصحيح يستلزم كل المهر المسمى، أو مهر المثل عند عدم التسمية، والعقد الفاسد يستلزم العقر - والعقر هو صداق المرأة إذا نكحت بشبهة -
فالمراد بالعقر ما يترتب على الوطء بشبهة النكاح الفاسد، وهو الأقل من المسمى ومن مهر المثل بمعنى أنها تستحق الأقل من المهرين فإن كان المسمى أقل من مهر المثل، وإن كان مهر المثل أقل استحقته، ولا يمكن في هذه الحالة إعطاء إحداهما المهر الذي يستلزمه الصحيح، والأخرى المهر الذي يستلزمه الفاسد، لعدم معرفة العقد الصحيح من غيره، فبماذا يحكم لكل منهما حينئذ؟ إن المعقول هو أن يؤخذ المتيقن وتقتسمانه بينهما، وتوضيح ذلك أنه إذا سمى لكل منهما مائة جنيه مهرا، وكان مهر مثل كل منهما مائة جنيه كذلك أخذ مائة من المسمى ومائة من مهر المثل واقتسمتاه بينهما لكل منهما مائة وإذا سمى لكل واحدة مائة جنيه، وكان مهر مثل إحداهما ثمانين، من المسمى وهو مائة، وأقل المهرين من مهر المثل، أعني السبعين فيكون المجموع مائة وسبعين فتقتسماه بينهما مناصفة، وإذا سمى لإحداهما مائة وللأخرى ثمانين وكان مهر مثلهما متحدا سبعين مثلا، فإنه يؤخذ أقل المسميين، وهو ثمانون، وأحد المهرين المتساويين، وهو سبعون وتقتسمانه، وإذا سمى لإحداهما ثمانين وللأخرى سبعين وكان مهر مثلهما مختلفا أيضا، بأن كان مهر إحداهما تسعين والأخرى ستين، فإنهما تعطيان أقل المسميين. وهو سبعون وأقل المهرين، وهو ستين، وتقتسمانه أيضا.
وبعضهم يرى أنه إذا سمى لكل منهما مهرا يساوي مهر الأخرى، وكان مثلهما متساويا أيضا وجب أن يأخذا كل المهر المسمى، أما إذا لم يتحد المسمى، أو لم تتحدا في مهر المثل، وجب لكل واحدة منهما الأقل من المسمى ومهر المثل ترجيحا للنكاح الفاسد، إذ ليست واحدة منهما أولى من صاحبتها باعتبار العقد الصحيح، والظاهر أن التقسيم الأول
أقرب إلى العدل كما لا يخفى.
المالكية - قالوا: إذا جمع بين اثنتين لا يحل له الجمع بينهما في عقدين، بأن عقد على إحداهما أولا وعلى الأخرى ثانيا، فلا يخلو إما أن يدخل بها أو لا، فإن لم يدخل بها وأقرته على دعواه من أنه عقد عليها بعد الأولى، فسخ عقد الثانية بلا طلاق ولا شيء لها وكذا إذا لم تقره ولكن ثبت كونها الثانية ببينة فإنه يفسخ بلا طلاق ولا شيء لها من المهر، أما إذا لم تقره على دعواه أنها الثانية بل قالت: لا علم لي، أو قالت: إنها الأولى ولا بينة، فسخ العقد بطلاق، ولا شيء لها من الصداق بشرط أن يحلف الرجل أنها الثانية، فإن نكل عن اليمين ثبت لها عليه نصف المهر بمجرد النكول إن قالت لا علم لي، أما إن ادعت أنها الأولى لا تستحق نصف الصداق إلا إذا حلفت انها الأولى فإن نكلت فلا تستحق شيئا أبدا. أما إذا دخل بها فإن العقد يفسخ بطلاق ويكون لها المهر كاملا ولا يمين عليه، ويبقى على نكاح الأولى بدعواه من غير تجديد عقد.
وكذا إذا جمع بين اثنتين لا يحل له الجمع بينهما كالأختين، أو البنت وعمتها في عقد واحد فإنه يفسخ بلا طلاق أبدا لأنه مجمع على فساده، وتزيد الأم وبنتها تأبيد التحريم، فإذا جمع بين الأم وبنتها كان لذلك ثلاث حالات:
الحالة الأولى أن يدخل بهما معا، وفي هذه الحالة يتأبد تحريمها عليه، فلا تحل له واحدة أبدا، وعليه صداقهما، وإن مات لا إرث لواحدة منهما، لأن العقد مجمع على فساده، وهذه الأحكام تجري أيضا فيما إذا عقد على إحداهما أولا ثم مات لا ترثه واحدة منهما، ويفسخ العقد بلا طلاق.
الحالة الثانية أن يجمع بينهما في عقد واحد ولم يدخل بواحدة منهما، وفي هذه الحالة يفسخ نكاحهما، ويكون له الحق في تجديد العقد على أيهما شاء، فتحل له الأم بعقد جديد، ومعلوم أن البنت لا تحرم إلا بالدخول على الأم فلا تحرم بالعقد الصحيح، فمن باب أولى لا تحرم بالعقد الفاسد، فإن جمع بينهما بعقدين مترتبين ولم يدخل بواحدة صح عقد الأولى ويفسخ عقد الثانية بلا خلاف سواء كانت الأم أو البنت ثم إن كانت الأم هي الثانية فهي حرام أبدا، لأن العقد على البنات يحرم الأمهات، وإن كانت البنت فله أن يطلق أمها قبل الدخول بها ويتزوجها.
الحالة الثالثة: أن يجمع بينهما في عقد واحد ويدخل بواحدة منهما، فيفسخ نكاحهما ويتأبد تحريم من لم يدخل بها سواء كانت البنت أو الأم، وتحل له التي دخل بها بعقد جديد بعد الاستبراء، فإذا جمع بينهما في عقدين مترتبين، وكان المعقود عليها أولا البنت ثم دخل بها هي صح وكانت زوجة له شرعية بصحيح العقد، وتأبد تحريم أمها عليه، وإن كان المعقود عليها الأم، ودخل بها دون البنت صح، وثبت على المشهور، وتأبد تحريم البنت بالدخول على أمها، وقيل: يتأبد تحريم الاثنين، لأن العقد على البنت يحرم الأم وإن كان فاسدا.
أما إذا دخل بالمعقود عليها ثانيا فإن كانت البنت فرق بينه وبينها، ولها صداقها، وله تزويجها بعد الاستبراء، وتأبد عليه تحريم أمها، وإن كانت الأم قد حرمت عليه أبدا، أما تحريم الأم فإن العقد الصحيح على بنتها - وهو الأول - يحرمها باتفاق، وأما البنت فلأن الدخول على الأم يحرم البنت ولو كان العقد فاسدا ولا ميراث.
وإن عقد عليهما عقدين مترتبين ولم يدخل بهما ومات، ولم تعلم السابقة منهما كان لكل واحدة منهما نصف صداقها سواء اختلف الصداقان أو استويا في القدر، ولهما ميراثهما فيه لوجود سببه، وهو العقد الصحيح في إحداهما، وجهل مستحقه، وإنما كان لها نصف الصداق مع أن الصداق يكمل بالموت، لأن نكاح إحداهما فاسد بلا كلام، فلا تستحق شيئا، وإحداهما نكاحها صحيح بلا كلام فتستحق الصداق كاملا، ولكن لما كان الصحيح غير معلوم من الفاسد استحقتا صداقا تقتسمانه، لأن الوارث يقول لكل منهما: أنت ثانية، فلا صداق لك لفساد عقد نكاحك.
ونظير ذلك من بعض الوجوه ما إذا تزوج خمسا في عقود مترتبة، أو أربعا في عقد واحد، وأفرد الخامسة بعقد، ومات ولم تعلم الخامسة التي هي الأخيرة، وهي صاحبة النكاح الفاسد، فإنهن يشتركن في الميراث أخماسا لكل واحدة خمس ما فرض لهن من ربع إن لم يكن له ولد، وثمن إن كان له ولد، ثم إن كان قد دخل بالجميع كان لواحدة منهن صداقها كاملا، وإذا دخل بأربع كان لهن الصداق، ولغير المدخول بها نصف صداق، لأنها تدعي أنها ليست بخامسة، والوارث يكذبها، فيقسم الصداق بينها وبين الوارث، وإن دخل بثلاث كان لكل واحدة صداقها، وللاثنتين الباقيتين صداق ونصف، لأن الوارث ينازعهما في صحة العقد في فيشترك معهما فيأخذ نصف صداق إحداهما، وهي التي يحتمل أنها خامسة، فيبقى بينهما صداق ونصف تقتسمانه لكل منهما ثلاثة أرباعه، وإن دخل باثنتين، فللباقي صداقان ونصف، وذاك لأن لاثنتين منهن صداقين كاملين قطعا لأنهما تكملان الأربعة، وأما الثالثة وهي التي تحمل أن تكون خامسة، فينازعها الوارث، ويقول لها: أنت خامسة لا تستحقين شيئا فيشاركها في نصف صداقها، ويبقى لهن صداقان ونصف، لكل واحدة منهن ثلاثة أرباع صداقها وثلث ربعه، وإن شئت قلت: خمسة أسداس صداقها، وإن دخل بواحدة، كان للباقي ثلاثة أصدقة ونصف، لأن الوارث يشاركهن في نصف صداق واحدة على الوجه المشروح.
الشافعية - قالوا: إذا جمع بين اثنتين لا يحل له الجمع بينهما، كأختين، أو بنت وأم فلا يخلو إما أن يجمع بينهما بعقد واحد أو يجمع بينهما بعقدين مرتين، فإن جمع بينهما بعقد واحد بطل في الاثنتين، إذ لا أولية لواحدة على الأخرى، ويفسخ قبل الدخول بدون استحقاق لها في صداق أو غيره.
أما بعد الدخول فإنه تجري فيه الأحكام السابقة، فإن كانتا أختين ووطئهما حرمتا عليه لأن الوطء المبني على النكاح الفاسد يوجب الحرمة، وإن جمع بين أم وبنتها ووطئ الأم حرمت البنت عليه مؤبدا لأن الدخول بالأمهات يوجب تحريم البنات، ولو كان العقد فاسدا أما إذا لم يدخل بالأم فإن البت لا تحرم، وتحرم الأم بوطء البنت بالنكاح الفاسد، أما بالعقد الفاسد فلا تحرم الأم. وعلى كل حال فإنه يجب في الوطء بنكاح فاسد مهر المثل وقت الوطء لا وقت العقد إذ لا حرمة للعقد الفاسد.
ولا يتعدد المهر بتعدد الوطء إن اتحدت الشبهة، فلو جامع البنت أو أمها عدة مرات بناء على العقد الفاسد كان عليه مهر واحد في جميع المرات، أما إذا اختلفت الشبهة، كأن فرق بينه وبينهما لعدم صحة العقد، ثم وجد إحداهما نائمة فظنها امرأته فوطئها كلن عليه مهر آخر لتعدد الشبهة، وقد عرفت مما تقدم أن الشبهة الثانية يقال لها شبهة الفاعل، أما الشبهة الأولى، وهي شبهة النكاح الفاسد، فإنه يقال لها شبهة الطريق.
وهناك شبهة ثالثة يقال لها شبهة المحل، ومثالها أن يطأ الأب أمة ولده ظنا منه أن ملك ابنه ملك له، فاشتبه في حل المحل، أما الوطء بدون شبهة فإنه لا يوجب مهرا، وذلك كما إذا أكره على وطء امرأة، أو وجد امرأة نائمة فأولج فيها بدون شبهة وهذا زنا، وقد تقدم أن الوطء بشبهة يثبت به النسب والميراث، وتثبت به العدة، وسيأتي بيان الشبهة في مبحثها.
هذا إذا جمع بينهما في عقد واحد. أما إذا جمع بينهما في عقدين متواليين، فإن عرف العقد الأول ولم ينس بطل العقد الثاني وصح الأول، فإذا عقد على البنت أولا ثم عقد على أمها ثانيا صح الأول وبطل الثاني، وهو قبل الدخول لا أثر له، أما إذا دخل بأمها حرمت عليه بنتها مؤبدا على الوجه السابق لأن الوطء بالعقد الفاسد يحرم، وإن كانت الأولى الأم ولم يدخل بها فالأمر ظاهر وإلا حرمت البنت، وإن نسي العقد الأول ولم تعرف السابقة يقينا وجب التوقف، فلا يحل له وطء واحدة منهما حتى يتبين الحال، كما لا يحل لأحد أن يتزوجها قبل أن يطلقهما معا، أو يموت عنهما، هذا إذا كان يرجى معرفة العقد السابق، أما إذا كان ميئوسا من معرفته فإن لهما أن يرفعا أمرهما إلى الحاكم، وهو يفسخ العقد دفعا للضرر، وهذه المسألة نظير ما إذا زوجها وليان لزوجين ولم يعلم أيهما الأول كما تقدم، ومثل ذلك ما إذا جهل السابق منهما، أو جهل صدورهما معا، فإن العقدين يبطلان على كل حال.
الحنابلة - قالوا: إذا جمع بين اثنتين لا يحل له جمعهما في عقد واحد، كأختين، وقع العقد باطلا، وعليه فرقتهما بطلاق، فإن لم يطلق فسخه الحاكم، ثم إن وقع الفسخ قبل الدخول والخلوة الصحيحة فلا مهر لهما وشلا متعة ولو مات عنهما، لأن العقد الفاسد وجوده كعدمه، أما بعد الدخول أو الخلوة فإنهما يجب لهما مهر المثل الذي يجب في النكاح الباطل المجمع على بطلانه، كالجمع بين الأختين في عقد، أو العقد على امرأة خامسة، أو العقد على المعتدة، فإن كل هذا باطل باتفاق وإنما وجب فيه المهر بالوطء، لحديث عائشة المتقدم "ولها الذي أعطاها بما أصاب منها" ومثلها التي وطئت بشبهة، أو وطئت بزنا كرها عنها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "فلها بما استحل من فرجها" أي نال منها بالوطء.
فإذا عقد عليهما في عقدين متواليين، ولكن لم يعرف الأولى منهما، فإنه يجب عليه أن يطلقهما معا، وإن لم يفعل فرق بينهما الحاكم، ولكن يجب في هذه الحالة نصف المهر لإحداهما.
إذ لا بد من كون واحدة منهما عقدها صحيح، فإذا طلقها قبل الدخول كان لها نصف المهر، ولكن لما كانت غير معلومة بحيث لم تعرف أيتهما صاحبة العقد الصحيح، أقرع بينهما فمن وقعت عليها القرعة استحقت نصف المهر، أما إذا دخل بهما فقد عرفت أن لهما المثل.
فإن دخل بإحداهما دون الأخرى استحقت المدخول بها المهر كاملا، وبقيت الأخرى من غير أن يعرف حالها، فيعمل في شأنهما معا بالقرعة. فإن وقعت القرعة على غير المدخول بها استحقت نصف المهر. والأخرى لها صداقها كاملا بالدخول، وإن لم تقع القرعة عليها فلا شيء لها وللأخرى مهرها بالدخول.
أما إذا عقد عليهما عقدين مترتبين، وعرف السابق منهما، فإن الأول يقع صحيحا. والثاني يبطل. وقد عرفت أن العقد الفاسد يوجب حرمة المصاهرة، فمن عقد على بنت وأمها عقدين في آن واحد حرمت الأم عليه مؤبدا، وكذا إذا وطئ الأم بهذا العقد الفاسد فإن بنتها تحرم عليه بالوطء مؤبدا) .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #215  
قديم 24-01-2022, 05:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 72 الى صــــــــ
80
الحلقة (173)

[مبحث المحرمات لاختلاف الدين]
-المخالفون للمسلمين في العقيدة ثلاثة أنواع:
الأول: لا كتاب لهم سماوي ولا شبهة كتاب، وهؤلاء هم عباد الأوثان وهي التماثيل المنحوتة من خشب، أو حجر، أو فضة، أو جواهر، أو نحو ذلك. أما الأصنام فهي الصور التي لا جثة لها، كالصور المطبوعة في الورق ونحوه. وقيل لا فرق بين الصنم والوثن، فهما اسمان للآلهة التي يعبدونها من دون الله ويرمزون لها بالأشكال المختلفة من صور وتماثيل، ويدخل فيها الشمس، والقمر، والنجوم، والصور التي استحسنوها. ويلحق بهؤلاء المرتدون الذين ينكرون المعلوم من الدين الإسلامي بالضرورة. والرافضة الذين يعتقدون أن جبريل غلط في الوحي، فأوحى إلى محمد مع أن الله أمره بالإيحاء إلى علي. أو يعتقدون أن عليا إله أو يكذب بعض آيات القرآن فيقذف عائشة.ومن عبدة الأوثان الصابئة، وهم الذين يعبدون الكواكب، ومن فهم أن مناكحتهم حلال فهم أن لهم كتابا يؤمنون به.
الثاني: قسم له شبهة كتاب، وهؤلاء هم المجوس الذين يعبدون النار، ومعنى كون لهم شبهة أنه قد أنزل على نبيهم - وهو زرادشت - كتاب، فحرفوه، وقتلوا نبيهم، فرفع الله هذا الكتاب من بينهم، وهؤلاء لا تحل مناكحتهم باتفاق الأئمة الأربعة، وخالف داود فقال بحلها لشبهة الكتاب.
الثالث: قسم له كتاب محقق يؤمن به، كاليهود الذين يؤمنون بالتوراة. والنصارى الذين يؤمنون بالتوراة والإنجيل، فهؤلاء تصح مناكحتهم، بمعنى أنه يحل للمؤمن أن يتزوج الكتابية ولا يحل للمسلمة أن تتزوج الكتابي، كما لا يحل لها أن تتزوج غيره، فالشرط في صحة النكاح أن يكون الزوج مسلما.
ودليل ذلك قوله تعالى:
{ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} ،
وقوله مخاطبا الرجال: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} فهاتان الآيتان تدلان على أنه لا يحل للرجل أن ينكح المشركة على أي حال كما لا يحل للمرأة أن تنكح المشرك على أي حال إلا بعد إيمانهم ودخولهم في المسلمين.
وقد خصص من هؤلاء الكتابية للرجل المسلم بقوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} فهذه الآية تفيد حل الكتابية بالنص، ولو قالت إن المسيح إله، أو ثالث ثلاثة، وهو شرك ظاهر، فأباحهن الله لأن لهن كتابا سماويا.وهل إباحتهم مطلقة أو مقيدة بالكراهة؟ وفي ذلك تفصيل المذاهب (1) .
ولا يشترط في الكتابية أن يكون أبواها كتابيين، بل نكاحها ولو كان أبوها، أو أمها وثنيا ما دامت هي كتابية (2)
[مبحث المحرمة بالطلاق ثلاثة وحكم المحلل]
-إذا طلق امرأته ثلاثا فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، ولا يلزم أن يكون الزوج الثاني ناويا معاشرتها دائما، بل تحل للأول إذا جامعها الثاني قاصدا (3) تحليلها للزوج الأول،
ويقال له:
المحلل، وإنما تحل للأول بشروط مفصلة في المذاهب (4) .
(1) (الحنفية - قالوا: يحرم تزوج الكتابية إذا كانت في دار الحرب غير خاضعة لأحكام المسلمين لأن ذلك فتح لباب الفتنة، فقد ترغمه على التخلق بأخلاقها التي يأباها الإسلام ويعرض ابنه للتدين بدين غير دينه، ويزج نفسه فيما لا قبل له به من ضياع سلطته التي يحفظ بها عرضها، وغير ذلك من المفاسد فالعقد وإن كان يصح إلا أن الإقدام عليه مكروه تحريما لما يترتب عليه من المفاسد، إما إذا كانت ذمية ويمكن إخضاعها للقوانين الإسلامية، فإنه يكره نكاحها تنزيها.
المالكية - لهم رأيان في ذلك، أحدهما: أن نكاح الكتابية مكروه مطلقا، سواء كانت ذمية، أو حربية. ولكن الكراهة في دار الحرب أشد. ثانيهما: أنه لا يكره مطلقا عملا بظاهر الآية لأنها قد أباحته مطلقا، وقد عللوا كراهتها في دار الإسلام بأن الكتابية لا يحرم عليها شرب الخمر ولا أكل الخنزير، ولا الذهاب إلى الكنيسة، وليس له من ذلك، وهي تغذي الأولاد به فيشبون على مخالفة الدين، أما في دار الحرب فالأمر أشد كما بينا عند الحنفية.
وقد يقال: إن هذه المحظورات محرمة. ومذهب مالك مبني على سد الذرائع، فإذا ترتبت على نكاح الكتابية هذه المفاسد، أو خيف منها كان الإقدام على العقد محرما.
وقد يجاب بأن محل هذا عند عدم وجود النص، أما وقد أباح الله نكاح الكتابية، فلا بد أن تكون المصلحة في إباحتها، إذ قد يترتب على مصاهرة الكتابي مصلحة للدين وإعزاز له أو دفع للمشاكل، والقضاء على الأحقاد والضغائن، فضلا عما في ذلك من إعلان سماحة الدين وتساهله مع المخالفين في العقيدة من أهل الكتاب، فإن الدين يبيح للرجل أن يقترن بالكتابية وهي على دينها لا يضمر عداء لهؤلاء المخالفين، ولا يبطن لهم حقدا وإنما لم يبح للمرأة أن تتزوج الكتابي لأن المرأة مهما قيل في شأنها لا يمكنها أن تقف في سبيل زوجها غالبا، فتكون مهددة بتغيير دينها، وأولادها لا محالة أن يتبعوا أباهم وهي لا تستطيع ردهم، والإسلام وإن تسامح فيما يجدد الروابط فإنه لا يمكنه التسامح فيما يخرج المسلم من دينه، أو يجعل ذريته من غير مسلمين، فهو قد أباح الكتابية للمسلم ونهاه عن إكراهها على الخروج من دينها، أما الأديان الأخرى فليس فيها هذا الضمان ولما كان الرجل قويا في الغالب جعل أمر ضمانه هو وأولاده موكولا لقوة إرادته، وحال بين المرأة ضعيفة الإرادة وبين تزوجها من الرجل الكتابي.
الشافعية - قالوا: يكره تزوج الكتابية إذا كانت في دار الإسلام، وتشتد كراهة إذا كانت في دار الحرب كما هو رأي بعض المالكية، ولكنهم اشترطوا للكراهة شروطا:الأول: أن لا يرجو إسلام الكتابية. ثانيا: أن يجد مسلمة تصلح له. ثالثها: أنه إذا لم يتزوج الكتابية يخشى الزنا، فإن كان يرجو إسلامها فيسن له تزوجها، وإن لم يجد مسلمة تصلح له فكذلك يسن له التزوج بالكتابية التي تصلح له ليعيش معها عيشة مرضية، وإذا لم يتزوج الكتابية يخشى عليه الزنا يسن له دفعا لهذا.
ومن هذا يتضح أن المسألة دائرة وراء المصلحة والمفسدة، فإذا ترتب على زواجها مصلحة كان الزواج ممدوحا، وإذا ترتب عليه مفسدة كان مكروها.
الحنابلة - قالوا: يحل نكاح الكتابية بلا كراهة، لعموم قوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} ، والمراد بالمحصنات الحرائر) .
(2) (الشافعية والحنابلة - قالوا: يشترط في حل نكاح الكتابية أن يكون أبواها كتابيين فلو كان أبوها كتابيا وأمها وثنية لا تحل، حتى ولو كانت بالغة واختارت دين أبيها، وصارت كتابية على المعتمد عند الشافعية) .

(3) (المالكية،
والحنابلة - قالوا: إذا تزوجها بقصد التحليل فإنها لا تحل للأول مطلقا. وكان النكاح الثاني باطلا)
(4) (الحنفية - قالوا: إذا تزوجها الثاني بقصد تحليلها للأول فإنه يصح بشروط:
الأول: أن يعقد عليها الزوج الثاني عقدا صحيحا، فإذا كان العقد فاسدا لعدم استيفائه الشروط المتقدمة فإنها لا تحل، وكذا إذا كان العقد الثاني موقوفا على إجازة الغير، كما إذا عقد عليها عبد مملوك ووطئها قبل إجازة سيده فإنها لا تحل. الثاني: أن يدخل عليها الزوج الثاني ويجامعها. أما مجرد العقد بدون جماع فإنه لا يحلل بالإجماع.
ونقل عن سعيد بن المسيب أنه قال: تحل بمجرد العقد، ولكن هذا القول لم يعمل به أحد من الأئمة مطلقا، ومن أفتى به فعليه لعنة الله والملائكة، ولو قضى به القاضي فلا ينفذ قضاؤه. ولا يشترط في الزوج الثاني أن يكون عاقلا، بل إذا وطئها مجنون فإنها تحل، وكذا إذا وطئها نائم لا يشعر أو مغمى عليه، وكذا إذا كانت هي نائمة، أو مغمى عليها، ولكن في ذلك خلافا. فبعضهم يشترط اللذة من الجانبين كما هو ظاهر الحديث، وعلى هذا فالمغمى عليه، والنائم الذي لا يلتذ لا يحلل، بخلاف المجنون فإنه يلتذ بلا كلام، أما من يقول: يكفي مجرد الإيلاج فإنه يقول: بالحل مطلقا، ولكن الظاهر هو الأول عملا بالحديث، إلا أن تحمل اللذة على مجرد الإيلاج، وكذا لا يشترط أن يكون بالغا، بل يكفي في تحليلها أن يكون مراهقا بحيث تتحرك آلته ويشتهي النساء، وكذا لا يشترط أن يكون الزوج الثاني مسلما إذا كان يحلل ذمية طلقها مسلم، فلو كان المسلم متزوجا ذمية ثم طلقها ثلاث مرات وتزوجت ذميا ثم طلقها حلت للأول، ويشترط أن يكون الوطء بلا حائل كثيف، فلو لف خرقة على ذكره وأولج فإنه لا يصح، إلا إذا كانت رقيقة لا تمنع الحرارة، كالكيس المعروف بالكبود، فإنه يصح.
الشرط الثالث: أن يكون وطء الزوج موجبا للغسل بحيث تغيب الحشفة في داخل الفرج على المعتمد، ولا يشترط الإنزال، لما علمت أنه يكفي في التحليل أن يكون الزوج الثاني مراهقا، وكذا لا يشترط أن يكون الوطء جائزا، فإذا وطئها وهي حائض، أو نفساء، أو محرما بالنسك فإنها تحل للأول.
الشرط الرابع: أن تنقضي عدتها من الزوج الثاني، فلا تحل للأول إلا إذا انقضت عدتها، كما أنه لا يصح للزوج الثاني أن يعقد عليها إلا إذا انقضت عدتها من الأول، كما تقدم في قولنا: أنه يشترط أن يكون العقد صحيحا، إذ لو كانت في العدة لم يكن العقد عليها صحيحا.
الشرط الخامس: تيقن وقوع الوطء في المحل، فلو وطئ صغيرة لا يوطأ مثلها فإنها لا تحل، ومثل ذلك ما إذا وطئ مفضاة - وهي ما اختلط قبلها بدبرها - فإنها لا تحل للأول إلا إذا حملت من الثاني، إذ لا يمكن الجزم بأنها وطئها في القبل إلا بالحمل، ومثل ذلك ما إذا تزوجها مجبوب - وهو مقطوع الذكر - فإنها لا تحل للأول إلا إذا حملت من المجبوب، وذلك لأن المجبوب يمكن أن يساحقها، بأن يضع محل القطع على فرجها - كما تفعل المرأة مع المرأة - ثم ينزل، فإذا حملت من هذا الإنزال. فإنها تحل للأول، أما إذا تزوجها خصي - وهو مقطوع الأنثيين - ثم أولج فيها تحل، وكذا إذا تزوجها شيخ كبير يكون عنده نوع انتشار، فإنه يكفي، أما إذا كانت آلته كالخرقة لا انتشار لها، ولا يمكن إدخالها إلا بيده، فقيل: تحل به، لأن المدار إلى دخول الحشفة، وقيل: لا تحل، ولكن الظاهر أن ذلك الإدخال إذا تلذذ به وتلذذت به حلت، كما هو ظاهر حديث "حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" وإلا فلا.
وبعد، فهل يجوز لرجل أن يتزوج مطلقة الغير ويطأها بقصد تحليلها لمطلقها أو لا؟ والجواب: أنه يجوز ذلك، بل ويكون له عليه أجره، بشروط أحدها: أن يقصد الإصلاح بين الزوجين لا مجرد قضاء الشهوة. فإن قصد الشهوة فقط كره له ذلك. ولكنها تحل للأول.
ثانيها: أن لا ينصب نفسه لذلك، بحيث يعرف بين الناس ويشتهر بأنه يحلل المطلقات، فمن كان كذلك كان عمله هذا مكروها تحريما.
ثالثها: أن لا يشترط على ذلك العمل أجرا، فإن فعل كان عمله محرما، ويحمل على هذا حديث "لعن الله المحلل والمحلل له" لأنه باشتراطه الأجر كان عاصيا يستحق اللعن العام، وإنما كان عاصيا بذلك، لأنه أشبه آخذ الأجرة على عسب التيس، فمن كان عنده حمار، أو غيره من ذكور الحيوانات، وطلبه منه آخر لينزو على حمارة أو غيرها ليحبلها، فإنه يحرم عليه أن يأخذ على ذلك أجرا. فإذا أخذ الإنسان أجرا على وطء المرأة كان كالحمار الذي يطلب صاحبه أجرا على مائه.
رابعها: أن لا يشترط التحليل. كأن يقول: تزوجتك على أن أحللك، فإذا قال ذلك بطل الشرط وصح العقد على المعتمد. فإذا وطئها حلت للأول، ولكن مع كراهة التحريم. ويظهر أن علة ذلك هي مخالفة ظاهر الحديث، لأن لعن المحلل، والمحلل هو الذي يثبت له هذا الوصف في العقد بأن يشترط التحليل. وقد علمت أنهم حملوه أيضا على ما إذا اشترط أجرا يأخذه في نظير القيام بهذا العمل، ولا مانع من حمل الحديث على الأمرين، فإن من يشترط أجرا على التحليل بمثابة التصريح بالتحليل، وكلاهما عليه أنه أتى هذا العمل لغرض دنيء تنبو عنه المروءة، فيستحق أن يكون من الملعونين.
وقد نقل بعضهم عن أبي حنيفة أنه قال: إن شرط التحليل يصح، ويلزم به بحيث لو امتنع عن طلاقها يجبره القاضي، ولكن المحققون من الحنفية قالوا: إن هذا ضعيف لا ينبغي التعويل عليه، لأن قواعد المذهب تأباه، وذلك لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة، بل يبطل الشرط مع صحة العقد، ومما لا شك فيه أن شرط التحليل ليس من مقتضى العقد، فيجب بطلانه وصحة العقد، وهذا هو المعتمد من المذهب، وإذا أقت العقد بوقت بطل العقد، كما سيأتي في مبحث النكاح المؤقت.
فإذا خافت المرأة أن لا يطلقها، فإنه يمكنها أن تقول له: زوجتك نفسي على أن يكون أمر طلاقي بيدي. فيقول لها: قبلت على ذلك. وفي هذه الحالة يصح العقد. ويكون لها الحق في تطليق نفسها متى أرادت، وهذا إنما يصح إذا قالت له المرأة هذا. أما إذا قال لها: تزوجتك على أن يكون أمرك بيدك. فإن النكاح يصح ويلغو الشرط.
والحاصل أن التحليل إذا سلم من هذه المحظورات، وكان مقصودا به الصلح بين الرجل ومطلقته فإنه جائز. ولصاحبه أجر الذي يصلح بين الزوجين، أما إذا كان لغرض من الأغراض السابقة، فإنه يكون مكروها تحريما، ويكون إثمه على كل من اشترك فيه سواء كان الزوج الثاني أو المطلق أو المرأة، ولكن العقد يكون صحيحا متى كان مستوفيا لشروطه الأخرى، وتحل للأول بالوطء على الوجه المشروع.
المالكية - قالوا: من تزوج امرأة طلقها غيره ثلاثا بنية إحلالها له كان العقد فاسدا لا يثبت بالدخول. بل يفرق بينهما قبل البناء وبعده، لكن إن تزوجها بشرط التحليل فإن العقد يفسخ بغير طلاق لعدم وجود عقد أصلا، وكذا إذا لم يشترط التحليل، ولكن أقر به بعد العقد فإنه يفسخ بطلاق، أما إذا أقر بشرط التحليل قبل العقد، ثم عقد عليها فإنه يفسخ بدون طلاق، كما إذا اشترط التحليل في العقد. وبعضهم يقول: إنه يفرق بينهما بطلقة بائنة مطلقا أما نية المطلق ونية المطلقة بأن نويا التزوج بالثاني لمجرد التحليل للأول فإنها لا قيمة لها وذلك لأن الزوج الثاني هو الذي بيده الطلاق، فإذا نوى التحليل فقد ترك شرطا أساسيا يبنى عليه الزواج.
وهو دوام المعاشرة المقصودة من الزواج، فإذا تزوج امرأة بنية التحليل، ودخل بها، فإنها لا تحل للأول، ويلزم الزوج الثاني المهر الذي سماه لها بالدخول بها بلا خلاف، أما إذا اشترط التحليل في العقد فإنه يكون لها المهر المسمى بالدخول بها على الأصح، وكذا إذا تزوجها بنية التحليل وبنية إمساكها إن أعجبته، فإن النكاح يكون فاسدا كالأول، ولا تحل لمطلقها بالوطء، فلا تحل المبتوتة لمطلقها إلا إذا تزوجت رجلا آخر لم ينو إحلالها لمطلقها بشروط:
أحدها: أن يكون الزوج الثاني بالغا. ثانيها أن يولج في قبلها حشفة ذكره أو قدرها ممن ليست له حشفة، فلا تحل بما دون ذلك، فإذا أولج في دبرها فإنها لا تحل، ويشترط أن يكون الذكر منتشرا سواء كان الانتشار قبل الإيلاج أو بعده، فلو أدخل بدون انتشار، ثم انتشر بعد الإدخال، فإنه يصح، ولا يلزم أن يكون الانتشار كاملا، ولا بد أن يكون الإيلاج في داخل الفرج لا في هوائه الخارج، وأن لا يلف على الذكر خرقة كثيفة، أما الخرقة الرقيقة التي لا تمنع الحرارة ففيها خلاف ولكن الظاهر أنها تكفي، وقد يمثل للخرقة الخفيفة في زماننا هذا بالكيس الرقيق الذي يستعمل حذرا من الحمل، ويسمى - الكبود - فلو لبسه تحل، ولا يشترط الإنزال، وما نقل في كتب الحنفية من أن المالكية يشترطون الإنزال غير صحيح.
وتحل إذا أولج فيها الخصى - وهو المقطوع الانثيين دون الذكر - بشرط أن تعلم به حال الوطء لأنها إذا علمت ورضيت لزم النكاح، أما إذا لم تعلم كان النكاح معيبا قابلا للفسخ، فلا يترتب عليه التحليل.
ثالثها: أن يكون مسلما، فلو طلق مسلم زوجته الكتابية ثلاثا، ثم تزوجها كتابي وفارقها فإنها لا تحل لزوجها المسلم، خلافا للحنفية.
رابعها: أن لا يقوم بهما مانع شرعي يمنع الوطء، كأن تكون المرأة حائضا. أو نفساء. ولو بعد انقطاعهما مع عدم الغسل، أو يكونا صائمين، أو أحدهما صائما صيام رمضان، أو النذر المعين، أو يكونا محرمين بالنسك، أو أحدهما، فإن الوطء في هذه الأحوال لا يحلها، وبعضهم يقول: إن الوطء في هذه الأحوال يحلها لمطلقها الأول، أما الوطء حال صيام التطوع، وقضاء الفرض والنذر غير المعين فإنه يحلها اتفاقا.
خامسها: أن لا ينكر الوطء، أو ينكره أحدهما، فإذا أنكر الزوج الوطء فإنها لا تحل وكذا إذا أنكرت هي.
سادسها: أن لا تكون صغيرة غير مطيقة للوطء.
سابعها: أن تعلم الزوجة بالوطء وتشعر به، فلو كانت نائمة، أو مغمى عليها، أو كانت مجنونة لا تدرك، فإنها لا تحل للأول، أما علم الزوج بالوطء فإنه ليس بشرط على المعتمد، فإذا وطئها نائم لا يشعر، أو مجنون. فإنه يحللها للأول.
الشافعية - قالوا: إذا تزوج رجل مطلقة غيره ثلاثا بنية إحلالها له، فإنه يصح بشروط:
الشرط الأول: أن يعقد عليها الثاني عقدا صحيحا، فإذا كان العقد فاسدا، أو جامعها بشبهة، أو زنا فإنها لا تحل لأن الله تعالى قال: {فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره} ولا يخفى أن المراد به النكاح الصحيح حتما.
الشرط الثاني: أن لا يشترط التحليل لفظا في العقد، فإذا قال: تزوجت فلانة بشرط إحلالها لمطلقها، أو قال تزوجتها على أنني إذا وطئتها طلقت، أو بانت، بطل العقد، ولا تحل للأول بوطئها بناء على هذا العقد الفاسد، أما إذا تزوجها بدون شرط وفي نيته الطلاق لتعود إلى زوجها فإنه مكروه.
الشرط الثالث: أن يكون الزوج الثاني من يتصور منه ذوق اللذة، بأن يشتهي الوقاع وإن كان صبيا، فلا يشترط أن يكون بالغا كما لا يشترط إنزال المني، وكذا لا يشترط أن يكون عاقلا فلو وطئها مجنون بعقد صحيح فإنها تحل للأول، ولا يشترط أيضا أن يكون مسلما إذا كانت الزوجة ذمية، فلو طلقها المسلم وتزوجت ذميا وفارقها بعد الوطء، فإنها تحل للأول، وكذا لا يشترط أن يكون حرا، فلو تزوجت عبدا وأجازه مولاه صح، ولا يشترط أيضا أن تكون الزوجة غير مطيقة للوطء. فلو كانت صغيرة لا يجامع مثلها فإنها تحل بإدخال الحشفة بالعقد الصحيح بخلاف الغلام الصغير الذي لا يعرف لذة الجماع ولا يمكن لمثله أن يجامع النساء. فإنه لا يحلل. والفرق بين الحالتين أن الغرض من وطء المطلقة ثلاثا من زوج آخر إنما هو التنفير من إيقاع الطلاق بهذه الصورة. وهذا التنفير يحصل بمس الصغيرة وإدخال الحشفة فيها. ولا يشترط أيضا ذوق العسيلة. بل المراد بها في حديث "حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" نفس الوطء لأنه مظنة اللذة غالبا.
الشرط الرابع: أن يكون الوطء في داخل الفرج. بحيث تغيب الحشفة فيما وراء البكارة. بحيث لو كانت بكرا وأولج بدون أن يفضها ويزيل بكارتها فإنه لا يكفي لأن المطلوب أن تغيب الحشفة فيما بعد البكارة وقيل: يكفي ذلك. فإذا وطئها في دبرها فإنها لا تحل طبعا وكذا إذا أدخلت منيه بواسطة غير الإيلاج فإنها لا تحل به فإذا وطئها مجبوب بأن ساحقها وأنزل منيه فيها فإنها لا تحل، أما إذا وطئها خصي - وهو مقطوع الانثيين - فإنها تحل.
الشرط الخامس: أن يكون منتصبا، فإذا لم يكن كذلك وأولج ذكره بأصبعه فإنها لا تحل، ولا يشترط أن يكون الانتشار كاملا، كما لا يشترط أن يكون بدون حائل، فلو وضع خرقة على ذكره وأولج فإنه يصح، ومن باب أولى إذا وضع كيسا رقيقا - كبودا - فإنه يصح به التحليل وكذا لا يشترط أن يكون الوطء غير ممنوع بسبب حيض، أو نفاس، أو إحرام بالنسك. أو غير ذلك.
خاتمة في سقوط التحليل بفساد العقد الأول: إذا تزوج الرجل امرأة بعقد فاسد في مذهب الشافعي، كأن تزوجها بحضرة شاهدين فاسقين، أو زوجها ولي فاسق ودخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج ثم طلقها ثلاثا، فهل له أن يجد عليها العقد بدون محلل، لأن العقد الأول كان فاسدا لا يترتب عليه طلاق، أولا؟ إن المفتى به في مذهب الشافعية هو أنها لا تحل له بدون محلل، ولا يصح الإفتاء بفساد العقد الأول لأجل إسقاط التحليل، نعم إذا اختل شرط من شروط العقد الأول كأن تزوجها بحضرة فاسقين، أو بدون ولي.
وثبت ذلك بإقرارهما، أو ببينة، فإنه يترتب على ذلك أن يحكم القاضي بما هو من حقهما لا من حق الله تعالى، كما إذا كان المسمى لها من المهر أقل من مهر المثل، وأرادت أن تأخذ مهر المثل بدعوى أن النكاح فاسد، وثبت ذلك فإن لها هذا الحق، وكذا إذا طلقها ثلاثا قبل الدخول. وأقام بينة على فساد العقد تخلصا من نصف المهر الذي تستحقه بالطلاق قبل الدخول، فإن القاضي يحكم له بذلك، ومتى ثبت ذلك وحكم به حاكم، فإنه يسقط به التحليل تبعا، فله أن يجدد عليها العقد بدون محلل في الصورتين. أما تحليلها بعد تطليقها ثلاثا فإنه حق الله تعالى.
فإذا أقرا بفساد العقد أو أقاما بينة على فساده لتحل له بدون محلل فإنها لا تسمع نعم إذا قامت بينة من تلقاء نفسها حسبة، فإنها تسمع بشرط أن تكون هناك حاجة لسماعها، وصورة ذلك:
يتزوج رجل امرأة بعقد فاسد، ثم يطلقها ثلاثا وهو يعاشرها ولم تعلم البينة بالطلاق ثلاثا، وظنت أنه يعاشرها بحكم الزوجية، فشهدت عند القاضي بأنه عقد باطلا، لا يصح له معاشرتها بناء عليه، فيفسخ القاضي العقد، وبذلك يصح له أن يجدد عقدا عليها بدون محلل، وقد يصور ذلك أيضا بأن يطلق امرأته المعقود عليها عقدا فاسدا ثلاثا قبل الدخول بها ثم يخالط أمها مخالطة المحارم فتشهد بينة الحسبة أنه لا يجوز له معاشرة هذه الأم معاشرة المحارم، لأنه عقد على بنتها عقدا فاسدا، فلم تكن محرما له، فيقضي القاضي بعدم صحة النكاح فيسقط التحليل.
وحاصل ذلك أنه لا يصح قضاء الحكم بسقوط المحلل بناء على كون العقد فاسدا، ولكن يصح لهما بذلك باطنا، فإذا علم الحاكم بهما فرق بينهما، لا فرق في ذلك بين أن يقلد مذهبا آخر عند العقد أو لا.
وبعض علماء الشافعية يرى أنه إذا عقد عقدا فاسدا في مذهب الشافعي، ولكن قلد فيه أبا حنيفة مثلا، كما إذا عقد بغير ولي، أو بحضرة فاسقين مقلدا في ذلك أبا حنيفة، أو لم يقلد أحدا ولكن حكم بصحة العقد حاكم حنفي، ثم طلقها ثلاثا فإنه لا يسقط المحلل بحال، أما إذا كان العقد واقعا بين العوام الذين لا يعرفون شرائط ولا أحكام، فلم يقلدوا، ولم يحكم حاكم بصحة العقد ثم طلقها ثلاثا، فله تجديد العقد بدون محلل ديانة لا قضاء.
الحنابلة - قالوا: إذا تزوج شخص مطلقة الغير ثلاثا بقصد إحلالها لزوجها الأول، أو صرح بهذا الشرط في العقد، إن اتفق عليه مع الزوجة، أو مع وليها قبل العقد، ولم يرجعا عنه فقد بطل النكاح، ولا تحل للأول بحال. لما رواه ابن ماجة من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: هو المحلل. لعن الله المحلل والمحلل له" فلا تحل المطلقة ثلاثا إلا إذا تزوجت آخر بشروط:
الأول: أن يكون العقد الثاني صحيحا خاليا من كل شرط، ومن نية الطلاق.
الثاني: أن يطأها الزوج الثاني في قبلها. فلا يكفي العقد. ولا الخلوة. ولا المباشرة بل لا بد من إيلاج الحشفة كلها في داخل الفرج. ولا تحل بإدخالها في الدبر، كما لا تحل بوطء شبهة. أو وطء في ملك يمين، أو وطء في نكاح فاسد.
الثالث: أن يكون منتشرا، فلا تحل بإيلاج ما ليس بمنتصب.
الرابع: أن تكون خالية من موانع الوطء، فلا تحل إذا وطئها في حيض. أو نفاس. أو صوم فرض أو احرام، أما إذا وطئها في وقت لا يحل فيه وطؤها كما إذا وطئها في ضيق وقت صلاة، أو في مسجد، فإنها تحل وإن كان لا يجوز له ذلك.
ولا يشترط أن يكون الزوج الثاني بالغا، بل يكفي أن يكون مراهقا. ولم يبلغ عشر سنين كما لا يشترط الإنزال طبعا، ويترتب على الوطء بهذا العقد الفاسد ثبوت النسب، والمهر المسمى ان سمى لها مهرا، وإلا فمهر المثل، وتجب به العدة، ولا يثبت به إحصان، ولا حل للزوج الأول) .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #216  
قديم 24-01-2022, 06:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 81 الى صــــــــ
88
الحلقة (174)

مبحث إذا اشترط في النكاح شرطا أو أضافه إلى زمن-إذا اشترط الزوج أو الزوجة شرطا في عقد الزواج، أو أضافه أحدهما إلى زمن معين، فإن في صحته وفساده اختلاف المذاهب (1) .
[النكاح المؤقت أو نكاح المتعة]
-يتعلق بهذه المسألة أمور:
(1) هل يوجد فرق بين نكاح المتعة والنكاح المؤقت؟
(2) ما هي حقيقة كل منهما؟
(3)
ما حكم كل منهما؟
(4) أصل مشروعية نكاح المتعة.
(2) اتفق المالكية. والشافعية.
والحنابلة على أنه لا فرق بين الاثنين، فالنكاح المؤقت هو نكاح المتعة،
والمشهور عند الحنفية أن نكاح المتعة يشترط فيه أن يكون بلفظ المتعة كأن يقول لها:
متعيني بنفسك. أو أتمتع بك. أو متعتك بنفسي، ولكن بعضهم حقق أن ذلك لم يثبت، وعلى هذا يكون نكاح المتعة هو النكاح المؤقت، بلا فرق عند الجميع.
(3) أما حقيقة نكاح المتعة، فهو أن يقيد عقد الزواج بوقت معين،
كأن يقول لها:
زوجيني نفسك شهرا. أو تزوجتك مدة سنة. أو نحو ذلك، سواء كان صادرا أمام شهود وبمباشرة ولي، أولا.
(4) وسواء كان نكاح المتعة هو عين النكاح المؤقت. أو غيره فهو باطل باتفاق، وإذا وقع من أحد استحق عليه التعزيز لا الحد. كما ستعرفه في تفاصيل المذاهب. وذلك لأنه نقل عن ابن عباس أنه جائز، وذلك شبهة توجب سقوط الحد، وإن كانت الشبهة واهية.
(5) أما أصل مشروعية نكاح المتعة، فهو أن المسلمين في صدر الإسلام كانوا في قلة تقضي عليهم: بمناضلة أعدائهم باستمرار، وهذه حالة لا يستطيعون معها القيام بتكاليف الزوجية وتربية الأسرة، خصوصا أن حالتهم المالية كانت سيئة إلى أقصى مدى، فليس من المعقول أن يشغلوا أنفسهم بتدبير الأسرة من أول الأمر، وإلى جانب هذا أنهم كانوا حديثي عهد بعاداتهم التي ربوا عليها قبل الإسلام، وهي فوضى الشهوات في النساء. حتى كان الواحد منهم تجمع تحته ما شاء من النساء. فيقرب من يحب ويقصي من يشاء فإذا كان هؤلاء في حالة حرب فماذا يكون حالهم؟ ألا إن الطبيعة البشرية لها حكمها. والحالة المادية لها حكمها كذلك. فيجب أن يكون لهذه الحالة تشريع مؤقت يرفع عنهم العنت، ويحول بينهم وبين تكاليف الزوجية.وذلك هو نكاح المتعة. أو النكاح المؤقت.
فهو يشبه الحكم العرفي المؤقت بضرورة الحرب وذلك لأن الجيش يحتوي على شباب لا زوجات لهم ولا يستطيعون الزواج الدائم كما لا يستطيعون مقاومة الطبيعة البشرية، وليس من المعقول في هذه الحالة مطالبتهم بإضعاف شهواتهم بالصيام، كما ورد في حديث آخر، لأن المحارب لا يصح إضعافه، بأي وجه، وعلى أي حال. فهذه الحالة هي الأصل في تشريع نكاح المتعة، يدل على ذلك ما رواه مسلم عن سبرة،
قال:
أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح، حين دخلنا مكة، ثم لم نخرج حتى نهانا عنها، فهذا صريح في أنه حكم مؤقت اقتضته ضرورة القتال.
وروى ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"يا أيها الناس إني كنت أذنت في الاستمتاع، ألا وإن الله حرمها إلى يوم القيامة"وهذا هو المعقول الذي تقتضيه قواعد الدين الإسلامي، التي تعتبر الزنا جريمة من أفظع الجرائم وتحظر كل ما يثير شبهة، أو يسهل ارتكاب منكر،
ويكفي في ذلك قوله تعالى:
{ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا} وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"، وكفى بالزنا إثما أنه يترتب عليه هتك الأعراض. واختلاط الأنساب. وفقد الحياء. وغير ذلك من الرذائل التي جاء الإسلام بمحاربتها، والقضاء عليها، وقد نجح في ذلك مع هؤلاء العرب نجاحا باهرا. فقد يدرج بهم في معارج الأخلاق الفاضلة حتى وصلوا إلى نهاية ما يمكن أن يصل إليه البشر من مكارم الأخلاق. فكانوا في ذلك قدوة للعالم في كل زمان ومكان فليس من المعقول أن يكون النكاح المؤقت من قواعد الإسلام التي هذا شأنها، أما ما روي من
أن ابن عباس قال: أنه جائز فالصحيح أنه قال ذلك قبل أن يبلغه نسخه، وقد وقعت بينه وبين ابن الزبير مشادة في ذلك،
فقد روي أن ابن الزبير قال: ما بال أناس أعمى الله بصائرهم كما أعمى أبصارهم يقولون بحل نكاح المتعة يعرض بابن عباس،
لأنه كف بصره فقال ابن عباس:
إنك جلف جاف، لقد رأيت إمام المتقين رسول الله يجيزه، فقال له ابن الزبير، والله إن فعلته لأرجمنك، فظاهر هذا أن عباس لم يبلغه النسخ، فلما بلغه عدل عن رأيه، فقد روى أبو بكر بإسناده عن سعيد بن جبير أن ابن عباس قام خطيبا.
فقال:
إن المتعة كالميتة والدم ولحم الخنزير، وذلك مبالغة في التحريم، وبهذا كله يتضح أن نكاح المتعة أو النكاح المؤقت باطل باتفاق المسلمين، وما نقل من إباحته في صدر الإسلام، فقد كان لضرورة اقتضتها حالة الحرب والقتال.وبعد: فلنذكر لك تفاصيل المذاهب في أسفل الصحيفة (2) .

(1) (الحنفية - قالوا: إذا اشترط أحد الزوجين في عقد الزواج شرطا. فلا يخلو إما أن يكون الشرط مقارنا للعقد، أو يكون معلقا على الشرط "بأن" ونحوها، مثال الأول: أن يقول: تزوجتك على أن لا أبيت عندك، ومثال الثاني: أن يقول: تزوجتك إن قدم محمد، فأما الأول فالقاعدة فيه أن لا يؤثر في العقد مطلقا، ثم إن كان هو من مقتضى العقد. فإنه ينفذ بطبيعته، وإلا بطل الشرط وصح العقد، فالشروط التي يقتضيها العقد، كأن يشترط خلوها من الموانع الشرعية، فلو قال لها: تزوجتك على أن لا تكوني زوجة للغير.
أو على أن لا تكوني في عدته. أو على أن لا خيار لك. أو نحو ذلك مما يتوقف عليه صحة العقد، فإنه صحيح نافذ بطبيعته، وكذا إذا اشترطت عليه أن يكون كفأ، وأما الشروط التي لا يقتضيها العقد فكأن يقول لها: تزوجتك على أن أحللك لمطلقك ثلاثا أو يقول لها: تزوجتك على أن يكون أمرك بيدك أو على أن تطلقي نفسك متى أردت، ونحو ذلك فإن مثل هذه الشروط تلغو ولا يعمل بها، ويصح العقد.
فإن قلت: إنكم قلتم: إذا اشترط الرجل الطلاق للمرأة، كأن قال لها تزوجتك على أن تطلقي نفسك كان الشرط فاسدا، بخلاف ما إذا اشترطت هي أن يكون الطلاق بيدها، فإن الشرط يكون صحيحا ويعمل به، فما الفرق بينهما؟ قلت: إن الطلاق في الواقع ونفس الأمر من اختصاص الرجل وحده، فينبغي أن يكون بيده لا بيد المرأة، فلا يصح أن يشترط بنفسه ما يجب أن يكون له لا لها، ومقتضى هذا أنه لا يصح له أن يقبله منها لما فيه من قلب النظم الطبيعية في الجملة، ولكن لما كان قبول مثل هذا الشرط قد يترتب عليه مصلحة الزوجية وحسن المعاشرة ودوام الرابطة أحيانا، اعتبره المشرع صحيحا مقبولا، خصوصا إذا لوحظ أنه في كثير من الأحيان تخشى المرأة الاقتران بالرجل عند عدم وجود ضمان كهذا، فيكون مثل هذا الشرط من مصلحة الزوجين معا فيكون صحيحا، فكأن الشريعة قد سهلت بذلك الجمع بين الزوجين اللذين قد يتوقف الجمع بينهما على هذا الشرط، ولكنها من جهة أخرى حظرت على الرجل أن يكون هو الساعي في نقض ما تقتضيه الطبيعة من كون الطلاق بيده لا بيدها، فلا يصح إن اشترطه هو لها، ويصح أن يقبله منها إذا اشترطته.
ومن الشروط المقارنة للعقد أن يشترط أحد الزوجين أو هما، الخيار لنفسه. أو لغيره ثلاثة أيام: أو أكثر، أو أقل. فلو قال لها: تزوجتك على أن يكون لي الخيار. أو لأبي الخيار ثلاثة أيام، وقالت: قبلت انعقد النكاح وبطل الشرط، فلا يعمل به. وكما أن النكاح ليس فيه خيار شرط كذلك ليس فيه خيار رؤية، ولا خيار عيب، فلو تزوج امرأة بدون أن يراها، فليس له الخيار في العقد بعد رؤيتها، وكذلك إذا تزوج امرأة بها عيب لا يعلم به، ثم اطلع عليه بعد، فإنه ليس له الخيار أيضا، ويستثنى من ذلك أن يكون الرجل معيبا بالخصاء أو الجب أو العنة، فإذا تزوجت المرأة رجلا، ثم وجدته عنينا كان لها الخيار في فسخ العقد وعدمه، وكذا إذا كان مجبوبا - مقطوع الذكر - أو كان خصيا - مقطوع الانثيين - فإن لها الخيار في هذه الحالة، أما ما عدا ذلك من العيوب، فلا خيار فيه لا للرجل ولا للمرأة.
وبذلك تعلم أنه لو اشترط سلامتها من العمى، أو المرض، أو اشترط الجمال، أو اشترط البكارة فوجدها عمياء، أو برصاء أو معقدة، أو قبيحة المنظر، أو ثيبا فإن شرطه لا ينفذ، ويصح العقد، وكذا لو تزوجته بشرط كونه قاهريا فوجدته فلاحا قرويا، فإن شرطها لا يصح إلا إذا كان غير كفء لها.
هذا هو معنى الشروط المقارنة للعقد وحكمها، أما العقد المعلق على شرط، فلا يخلو إما أن يكون الشرط ماضيا فإن العقد يصح بلا خلاف، وذلك لأنه مضى وانتهى، فهو محقق ولو كان كذبا، مثال ذلك أن يقول رجل لآخر: زوج بنتك لابني. فيقول له: إنني زوجتها من غيره فيكذبه، فيقول له: إن لم أكن زوجتها له، فقد زوجتها من ابنك، وقيل ذلك منه بمحضر شاهدين، وتبين أنه لم يكن زوجها، فإنه يصح العقد، وذلك لأنه علقه على أمر ماضي، وهو إن لم يكن زوجها في الماضي فمثل هذا التعليق لا يضر، أما إذا علقه على مستقبل، فإن كان محقق الوقوع كقوله: تزوجتك إن طلعت الشمس.
أو جاء الليل، فإن العقد ينعقد في الحال، ولا يضر التعليق أما إذا علقه على أمر غير محقق الوقوع، كقوله: تزوجتك إن قدم أخي من السفر، فإن العقد يبطل، لأن قدوم أخيه غير محقق، وإذا قال لها: تزوجتك إن رضي أبي، فإن كان أبوه حاضرا في مجلس العقد صح العقد إذا قال: رضيت، ولا يضره تعليقه برضاء والده غير المحقق، ومثل ذلك ما إذا قال: إن رضي فلان الأجنبي، وكان حاضرا بالمجلس، أما إذا كان أبوه غائبا عن المجلس، وقال: تزوجتك إن رضي أبي، فإن العقد لا يصح، ومن باب أولى إذا علقه على رضاء الأجنبي الغائب عن المجلس.
ومثل التعليق على شرط غير محقق. إضافة العقد إلى زمن مستقبل. كقوله: تزوجتك غدا أو يوم الخميس، أو بعد شهر، فإنه لا يصح، ولا ينعقد النكاح.
الحنابلة - قالوا: الشروط في النكاح تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: شروط صحيحة. وهي ما إذا اشترطت المرأة أن لا يتزوج عليها أو أن لا يخرجها من دارها وبلدها أو أن لا يفرق بينها وبين أولاده، أو أبويها، أو أن ترضع ولدها الصغير من غيره. أو شرطت نقدا معينا تأخذ منه مهرها، أو اشترطت زيادة في مهرها. فإن هذه الشروط كلها صحيحة لازمة ليس للزوج التخلص منها فإن خالفها كان لها حق فسخ العقد متى شاءت. فلا يسقط حقها بمضي مدة معينة.
وكذلك إذا اشترط الرجل أن يكون بكرا أو تكون جميلة، أو تكون نسيبة. أو تكون سميعة بصيرة، فبانت أنها ثيب، أو قبيحة المنظر، أو دنيئة الأصل، أو عمياء أو بها صمم، فله حق فسخ النكاح، لقول عمر رضي الله عنه: "مقاطع الحقوق عند الشروط". وقد قضي بلزوم الشرط في مثل ذلك
القسم الثاني: شروط فاسدة تفسد العقد، ومنها: أن يشترط تحليلها لمطلقها ثلاثا، أو يشترطا تزويج بنتيهما لولديهما، هذه في نظير الأخرى بدون مهر - وهو نكاح الشغار الآتي - ومنها: تعليق العقد على شرط مستقبل، كقوله: زوجتك إذا جاء يوم الخميس، أو إذا جاء الشهر، أو إن رضيت أمها، أو قول الآخر: تزوجت إن رضي أبي، أو نحو ذلك، فإن كل هذه الشروط فاسدة مفسدة للعقد، ويستثنى من ذلك تعليقه على مشيئة الله، كأن يقول:
قبلت إن شاء الله، أو تعليقه على أمر ماض معلوم، كقوله: زوجتكها إذا كانت بنتي، أو إن انقضت عدتها، وهما يعلمان أن عدتها انقضت، وأنها بنته، فإنه لا يبطل، ومنها: أن يضيف العقد إلى وقت مستقبل، كأن يقول له: زوجتك إذا جاء الغد، ونحو ذلك فإنه فاسد مفسد، ومنها: التوقيت بوقت - وهو نكاح المتعة - الآتي بيانه.
القسم الثالث: شروط فاسدة لا تفسد العقد بل تبطل هي دونه، كما إذا اشترط أن لا يعطيها مهرا، أو أن يميز عليها ضرتها في القسم، أو شرط له الخيار، أو اشترطت هي الخيار، وشرط الولي أن يحضر الزوج المهر، وإلا فلا نكاح بينهما. أو شرطت أن يسافر بها إلى المصايف مثلا، أو أن تدعوه إلى جماعها بإرادتها، أو أن تسلم له نفسها مدة معينة فإن كل هذه الشروط ملغاة لا قيمة لها والعقد صحيح لا تؤثر عليه بشيء.
وتعتبر هذه الشروط سواء كانت في صلب العقد أو اتفقا عليها قبله.
المالكية - قالوا: الشروط في النكاح تنقسم إلى أربعة أقسام:
الأول: التعليق على الشرط، وهو لم يضر، وإن لم يكن محققا، فإذا قال: زوجت ابنتي لفلان إن رضي، ولم يكن موجودا بالمجلس، فلما علم قال: رضيت، صح العقد، وكذا إذا قال: تزوجتها إذا رضي أبي، ولم يكن أبوه موجودا بالمجلس، فإنه يصح إن رضي، وقد تقدم ذلك في اشتراط الفور، في عقد الزواج، حيث قالوا: إن الفور لا يشترط إلا إذا كانا حاضرين بالمجلس، ولذا صح عندهم الوصية بالزواج، فإذا قال: أوصيت ببنتي لفلان بعد موتي، صح إذا قبل الزوج بعد الموت.
الثاني: أن يشترط شرطا مقارنا للعقد مفسدا له، وهو أمور منها: اشتراط الخيار للزوج. أو الزوجة، أو لهما معا، أو لغيرهما، فإذا قال الولي، زوجتك فلانة على أن يكون لها الخيار يومين، أو أكثر، أو أقل فإنه لا يصح فإذا وقع ذلك يفسخ العقد قبل الدخول.
أما إذا دخل بها، فلا يفسخ، ويكون لها الصداق المسمى إن سمي صداق، وإلا فلها مهر المثل، ولا يضر اشتراط الخيار في مجلس العقد فقط على المعتمد. ومنها: اشتراط الإتيان بالصداق في وقت معين، كما إذا قال الولي: إن لم تحضر الصداق في نهاية هذا الأسبوع مثلا، فلا نكاح بيننا، فقال: قبلت على ذلك، فإذا لم يأت بالصداق قبل الأجل، أو عنده، فسخ العقد مطلقا قبل الدخول وبعده، وإذا جاء به قبل الموعد، أو عنده، فسخ العقد قبل الدخول لا بعده.
ومنها: أن يشترط شرطا يناقض العقد، كما إذا قال الولي: زوجني فلانة، على أن لا أسوي بينها وبين ضرتها في القسم، أو أن لا أبيت عندها ليلا، بل أحضر إليها نهارا فقط، أو على أن لا ترث، أو على أن أمرها بيدها، فإن كل هذه الشروط لا يقتضيها العقد، فإن وقع شرط منها فسخ العقد قبل الدخول، أما بعد الدخول فإن العقد لا يفسخ، بل يثبت بمهر المثل ويلغو الشرط.
القسم الثالث: أن يشترط شروطا لا تناقض العقد، كما إذا اشترطت أن لا يتزوج عليها، أو أن لا يخرجها من مكان كذا، أو أن لا يخرجها من بلدها، أو نحو ذلك، وهذه الشروط لا تضر العقد، فيصح معها، ولكن يكره اشتراطها، فإن اشترطت، ندب الوفاء بها.
القسم الرابع: شروط يجب الوفاء بها، ويكون لهما بها خيار فسخ العقد.
منها: أن يشترط الزوج السلامة من العيوب كأن يشترط سلامة العينين، فيجدها عمياء، أو عوراء. أو الأذنين، فيجدها صماء. أو الرأس، فيجدها قرعاء. أو شرطها بكرا، فوجدها ثيبا. أو شرطها بيضاء، فإذا هي سمراء، فإن لم ينص الزوج على الشرط، ولكن وصفها الولي، فإن كان بعد سؤال الزوج كان له الخيار بلا خلاف، وإلا ففي ثبوت الخيار له خلاف.
الشافعية - قالوا: إذا علق النكاح على شرط فسد العقد، فإذا بشر شخص بأنه رزق بأنثى، فقال لمبشره: إن كانت أنثى فقد زوجتها لك، فلا يصح العقد إلا إذا كان يعلم حقا أنه رزق بأنثى، فإنه في هذه الحالة لا يكون تعليقا، بل تكون - إن - بمعنى - إذا - التي للتحقيق.
أما الشروط المقارنة للعقد، فهي على قسمين: شروط فاسدة لا يقتضيها العقد، وشروط صحيحة فالشروط الفاسدة تفسد العقد، كما إذا اشترط كونها مسلمة، وهو ذمي. أو شرط أن يكون معتدة، أو حبلى من غيره، أو نحو ذلك فإن مثل هذه الشروط تفسد العقد. وكذا إذا اشترطت عليه أن لا يطأها، فإنه يفسد. أما إذا اشترط هو هذا وقبلت فإنه لا يبطل، والفرق بينهما أن ذلك من اختصاصها، فإذا رضيت به صح، كرضائها بالعنين، والمجبوب.
أما الشروط التي لا تفسد العقد، فهي كل اشتراط وصف لا يمنع صحة النكاح، كالجمال والبكارة والحرية. أو البياض. أو السمرة. أو نحو ذلك، فإنها تصح ولا تفسد العقد، فإذا اشترطت في صلب العقد، كأن قال: تزوجت فلانة على أنها جميلة أو بكرا أو بيضاء أو سمراء أو نحو ذلك، فبان غير ذلك، صح العقد وكان بالخيار إن شاء قبل وإن شاء فسخ، وإذا اشترط شرطا، فبان أنها متصفة بصفة مساوية أو أرقى، فإنه يصح، ولا خيار له.
ومثل ذلك ما إذا اشترطت هي هذه الشروط، كأن اشترطت أن يكون جميلا، أو بكرا، ومعنى كون الرجل بكرا أنه لم يتزوج قبلها.
فإذا اشترطت هذه الشروط خارج العقد فإنه لا يعمل بها، فإذا قال الولي لرجل: زوجتك هذه البكر، فظهرت ثيبا كان للزوج الخيار، ثم إذا فسخ العقد قبل الدخول، فلا مهر. ولا شيء من حقوق الزوجية، وإن كان بعد الوطء أو مع الوطء كان لها مهر المثل، وعليه نفقة العدة والسكنى والكسوة. ولا يرجع بشيء من ذلك على الولي الذي غره) .
(2) (المالكية - قالوا: نكاح المتعة، هو أن يكون لفظ العقد مؤقتا بوقت، كأن يقول للولي: زوجني فلانة شهرا بكذا، أو يقول: قبلت زواجها مدة شهر بكذا، فإن قال وقع النكاح باطلا، ويفسخ قبل الدخول وبعده، ولكن إذا دخل بها لزمه صداق المثل، وقيل: لا يلزمه إلا الصداق المتفق معها عليه وهو المسمى، ويلحق به الولد، ولا يتحقق نكاح المتعة إلا إذا اشتمل على ذكر الأجل صراحة، للولي، أو للمرأة، أولهما. فإن لم يذكر قبل العقد أو يشترط في العقد لفظا، ولكن قصده الزوج في نفسه، فإذا لا يضر، ولو فهمت المرأة أو وليها ذلك، وقيل إن فهمت يضر، ثم إذا كان الأجل واسعا لا يعيشان إليه عادة، فقيه خلاف، فقيل: يصح وقيل: لا.
ويعاقب فاعل نكاح المتعة، ولكن لا يحد. لأن له شبهة القبول بالجواز، كما نقل عن ابن عباس، وإن كان نقل أيضا أنه عدل عن القول بالجواز.
وقد روى بعض أئمة المالكية أن رجوع ابن عباس عن هذا هو المشهود، ومع ذلك فلا حد فيه، لما فيه من شبهة.
كما يبطل النكاح بالتأقيت، يبطل بالاتفاق على أن يكون سرا، بشرط أن يوصي بكتمه الزوج، وأن يكون الموصى بالكتم هم الشهود، فإذا لم يوص الشهود بالكتمان عن زوجته القديمة، مثلا بأن أو صاهم الولي أو الزوجة الجديدة أو هما معا، فلا يضر، فالمدار في سرية العقد على أن يكون الموصي هو الزوج، والموصى هم الشهود، وبعضهم يقول: لا يلزم أن يكون الموصى هم الشهود، بل إذا أوصى الزوج الولي أو الزوجة أو هما معا بالسرية بطل العقد. وهذا الحكم خاص بالمالكية فلا يبطل العقد بالتواصي بكتمه على أي حال عند الحنفية. والشافعية.
الشافعية - قالوا: نكاح المتعة، هو النكاح لأجل، فلو قال للولي: زوجني فلانة شهرا، فإنه يكون نكاح متعة، هو باطل، ومثل ما إذا أقت بمدة عمرها أو عمره، فلو قال له الولي: زوجتك فلانة مدة عمرها، بطل العقد، وذلك لن مقتضى العقد أن تبقى آثاره بعد الموت، ولهذا يصح للزوج تغسيل زوجته، ومعنى التأقيت بمدة الحياة، تقتضي أن العقد ينتهي بالموت، فلا تبقى آثاره، فلذا كان قيد التأقيت مبطلا.
وفي بعض كتب الشافعية أن نكاح المتعة، عند ابن عباس، هو الخالي عن الولي والمشهود، وعند الجمهور هو النكاح المؤقت بوقت، وتسميته نكاح متعة ظاهرة على تفسير الجمهور، لأن توقيته بوقت يدل على أن الغرض منه مجرد التمتع، لا التوارث والتوالد اللذان هما الغرض الأصلي من النكاح، أما على تفسير ابن عباس، بأنه الخالي عن الولي والشهود، فتسميته نكاح المتعة، لأن شأن الصادر بلا ولي وشهود أن يكون الغرض منه مجرد اللذة، إذ لو كان الغرض منه التوالد والتوارث لصدر بحضرة الشهود والولي، اه ملخصا من التحرير وحواشيه.
وقد يؤيد ذلك ما روي، أن ابن الزبير قال لابن عباس: إن فعلته رجمتك، ويظهر أن شبهة ابن عباس كانت ضعيفة في نظر ابن الزبير، فلا توجب رفع الحد.
الحنابلة - قالوا: نكاح المتعة، هو أن يتزوجها إلى مدة، سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة، مثال المعلومة، أن يقول الولي مثلا: زوجتك فلانة شهرا. أو سنة. ومثال المجهولة، أن يقول: زوجتكها إلى انقضاء الموسم. أو إلى قدوم الحاج، ولا فرق أيضا بين أن يكون بلفظ التزويج، أو بلفظ المتعة، بأن يقول المتزوج: أمتعيني نفسك، فتقول: أمتعتك نفسي بدون ولي وشاهدين، فنكاح المتعة يتناول الأمرين: ما كان مؤقتا مع الولي والشهود، أو كان بلفظ المتعة بدون ولي وشهود وهو باطل على كل حال، وكان مباحا للضرورة التي ذكرناها في الصلب.
وإذا لم يذكر الأجل في صيغة العقد، ولكن نوي في سره أن يمكث معها مدة، فإنه باطل أيضا، فلا يصح إلا إذا نوى أنها امرأته ما دام حيا، وكذا إذا شرط طلاقها بعد مدة، ولو مجهولة، فإنه لا يصح، فإذا لم يدخل بها في نكاح المتعة أو فيما يشبهه، فرق القاضي بينهما، ولا شيء لها، وإن دخل بها فعليه مهر المثل. وبعضهم يقول النكاح الفاسد، بعد الدخول يوجب المهر المسمى، سواء كان نكاح متعة أو غيره، ولا يترتب على نكاح المتعة إحصان الزوج. ولا حلها لمطلقها ثلاثا. ولا يتوارثان ولا تسمى زوجته، ولكن يلحق فيه النسب، ويرث به الولد، ويورث لأن الوطء وطء شبهة يلحق به الولد، ولكنهما يستحقان فيه عقوبة التعزير دون الحد.
الحنفية - قالوا: نكاح المتعة، هو أن يقول لامرأة خالية من الموانع: أتمتع بك أو متعيني بنفسك أياما أو عشرة أيام بكذا، فتقول له: قبلت، وكذا إذا قال لها: متعيني بنفسك، ولم يذكر مدة، إذا المعول على ذكر لفظ المتعة، فلو قالت له: متعتك بنفسي بكذا من المال، وقيل كان نكاح متعة، وقد يقال، إن إثبات كونه بلفظ المتعة موقوف على النقل، ولم يوجد دليل صحيح يفيد أن نكاح المتعة كان بخصوص لفظ المتعة، ولذا قال بعضهم: إنه لا فرق بينه وبين النكاح المؤقت، فالنكاح إذا قيد بوقت أو كان بلفظ المتعة بدون شهود، كان نكاح متعة، كما ذكر الحنابلة، وهو باطل على كل حال،فلو قال لها: تزوجتك شهرا.
أو سنة، أو قال: متعيني بنفسك ولم يذكر مدة، فقالت: قبلت، كان النكاح باطلا، سواء كان أمام شهود، أو لا، وسواء كان الوقت طويلا، أو قصيرا. على أنه إذا ذكر مدة طويلة لا يعيشان إليها عادة، كما إذا قال لها: تزوجتك إلى قيام الساعة. فإنه في هذه الحالة لم يكن مؤقتا.
بل يكون الغرض منه التأبيد. فيلغو الشرط. ويصح العقد. وإذا نوى معاشرتها مدة ولم يصرح بذلك فإن العقد يصح. كما إذا تزوجها على أن يطلقها غدا أو بعد شهر فإن العقد يصح ويلغو الشرط. فإن شرط الطلاق ليس تأقيتا للعقد كما تقدم في مسألة المحلل ولا يترتب على نكاح المتعة أثر. فلا يقع عليها طلاق ولا إيلاء وظهار ولا يرث أحدهما من صاحبه. ولا شيء لها إذا فارقها قبل الدخول. أما بعده فلها من المهر ما تقدم في شرائط النكاح من مهر المثل) .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #217  
قديم 24-01-2022, 06:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 89 الى صــــــــ
98
الحلقة (175)

[مباحث الصداق]
[تعريفه]
-الصداق في اللغة له أسماء كثيرة: منها المهر، يقال: مهرت المرأة إذا أعطيتها المهر، ولا يقال: أمهرتها، بمعنى أعطيتها المهر، وإنما يقال: أمهرها، إذا زوجها من غيره على مهر.
ومنها:
الصداق بفتح الصاد. وكسرها، مع فتح الدال. وهو اسم مصدر لأصدقت الرباعي.
يقال:
أصدقت المرأة إصداقا. إذا سميت لها الصداق. فالمصدر الأصداق. واسم المصدر الصداق.وفي الصداق لغات.
فيقال فيه:
صدقة. بفتح الصاد وضم الدال. وصدقة، وصدقة. بسكون الدال فيهما، مع فتح الصاد وضمها وهو في الأصل مأخوذ من الصدق. لأن فيه إشعارا برغبة الزوج في الزواج ببذل المال.
ومن هنا يمكن أن يقال:
إن معنى الصاد في اللغة دفع المال المشعر بالرغبة في عقد الزواج. فيكون المعنى اللغوي مقصورا على ما وجب بالعقد. فيكون أخص من المعنى الشرعي. لأن المعنى الشرعي يتناول ما دفع للمرأة بوطء الشبهة وغيره.
مما ستعرفه. وهذا على خلاف الغالب. فإن الغالب أن يكون المعنى الشرعي أخص من اللغوي.أما معناه اصطلاحا. فهو اسم للمال الذي يجب للمرأة في عقد النكاح في مقابلة الاستمتاع بها. وفي الوطء بشبهة. أو نكاح فاسد أو نحو ذلك (1) .
[شروط المهر]
-وشرط في المهر أمور:أحدها: أن يكون مالا متقوما له قيمة، فلا يصح باليسير الذي لا قيمة له، كحبة من بر، ولا حد لأكثره، كما لا حد لأقله (2) ، فلو تزوجها بصداق يسير ولو ملء كفه طعاما من قمح أو من دقيق، فإنه يصح، ولكن يسن أن لا ينقص المهر عن عشرة دراهم، لما رواه جابر مرفوعا "لو أعطى رجل امرأة صداقا، ملء يده طعاما، كانت له حلالا"، وظاهر هذا أن الصداق ليس مقصودا لذاته في الزواج، وإنما هو مقصود للإشارة إلى أن الرجل ملزم بالانفاق على المرأة من أول الأمر.ثانيها: أن يكون طاهرا يصح الانتفاع به، فلا يصح الصداق بالخمر.
والخنزير، والدم. والميتة لأن هذه الأشياء لا قيمة لها في نظر الشريعة الإسلامية، وإن كان لبعضها قيمة مالية عند غيرهم، كالخمر والخنزير وشحوم الميتة وجلودها والدم المتجمد عند من يأكله، فإن كل هذه الأشياء لا يصح للمسلمين ملكها، فلا يمكن إيجابها عليهم في الصداق، فإذا سمى لها خمرا أو خنزيرا أو غير ذلك مما لا يصح للمسلمين ملكها، بطلت التسمية، وصح العقد (3) ، وثبت للمرأة مهر المثل، فإذا سمى لها صداقا، بعضه مال وبعضه ليس بمال، أو بعضه طاهر وبعضه نجس، أو سمى لها صداقا نجسا، وأشار إلى طاهر. أو العكس، أو أجمع لها بين المهر والبيع في عقد واحد، فإن في كل ذلك تفصيل المذاهب (4) .
ثالثها:
أن لا يكون الصداق مغصوبا، فإذا سمى لها صداقا مغصوبا لم يصح الصداق (5) ويصح العقد، وكان لها مهر المثل.
رابعها:
أن لا يكون مجهولا، وفيه تفصيل (6)
(1) (أدخل الشافعية في المهر ما وجب للرجل الذي يفوت عليه بضع امرأته. كما إذا تزوج صغيرة فأرضعتها أمه مثلا فإنها تحرم عليه. ويتقرر للصغيرة مهر المثل وللزوج نصف مهر المثل. ومثله السيد الذي أذن أمته أن تختلع من زوجها بدون أن يعين لها قدرا تختلع عليه ففعلت. فإنه يتقرر للسيد عند جاريته مهر مثلها، يأخذه من كسبها، إن كان لها كسب، وإلا فيصبح دينا في ذمتها، يأخذه منها بعد العتق واليسار، وذلك لأن المال الذي اختلعت عليه ملك لسيدها، فإذا أطلق لها الإذن، واختلعت بأكثر من مهر المثل طولبن بالزيادة بعد العتق واليسار أيضا، وكذلك إذا شهد شاهدان على رجل بأنه طلق امرأته طلاقا بائنا، أو رجعيا، وانقضت العدة حتى بانت، وفرق القاضي بينهما ثم رجع الشاهدان عن شهادتهما، فإنه يجب عليهما للزوج مهر المثل لأنهما بشهادتهما الكاذبة فوتا عليه استحقاقه في البضع ظاهرا بحكم القاضي، ففي هذه الصورة يجب للزوج مهر المثل، سواء كانت الشهادة قبل الدخول.
أو بعده، بخلاف تفويتها عليه في صورة الرضاع، فليس له فيها إلا نصف مهر المثل، يرجع به على المرضعة وذلك لأن فرقة الرضاع حقيقة، ظاهرا وباطنا، فهو لم يدخل بها حتما، فله النصف. أما الفرقة في صورة الشهادة الكاذبة. فإنها في الظاهر فقط. إذ له أن يطأ امرأته متى كان متأكدا من كذب الشهود. فكأنه دخل بها فله كل مهر المثل.
فإن قلت: إن مقتضى ذلك أن لا يثبت له شيء في هذه الصورة لأنه لم يضع عليه حقه في البضع باطنا. قلت: إن حكم القاضي جعل للمرأة الحق في الانفصال منه والتزوج بغيره. ولها الحق في ألا تمكنه، فلا يستطيع أن يعاشرها معاشرة كاملة. فلذا كان له الحق في كل مهر المثل تعويضا. اعتبارا بأنه دخل بها. ولو كانت الفرقة قبل الدخول.
ومن أجل ذلك عرف الشافعية المهر بأنه ما وجب بنكاح أو وطء أو تفويت بضع قهرا عن الزوج أو خلع أو شهادة.
فما وجب للرجل على الرجل. أو على المرأة يسمى مهرا عندهم، أما غيرهم فقد خص المهر بما يعطى للمرأة في مقابلة الاستمتاع بها بالقوة أو الفعل فيشمل ما وجب بمجرد العقد الصحيح. وما وجب بالوطء، سواء كان بعقد فاسد أو شبهة أو إكراه) .

(2) (الحنفية - قالوا: أقل المهر عشرة دراهم، وهي تساوي في زماننا أربعين قرشا تقريبا، ولا فرق بين أن تكون مضروبة أولا، وإنما تشترط المضروبة في نصاب السرقة للقطع للاحتياط في الحد، ويصح أن يسمي سلعة. أو عرض تجارة تساوي قيمتها عشرة دراهم.
وقدر بعضهم الدرهم الشرعي بأربعة عشر قيراطا، وقدر القيراط بأربع قمحات وسط، فيكون الدرهم - 56 قمحة - وقدره بعضهم بالخرنوبة، وقال: أن الخرنوبة تزن أربع قمحات، وهو يزن - 16 خرنوبة - فتكون زنة الدرهم - 64 قمحة - ولكن التحقيق أن المعتبر في وزن الدرهم الشرعي أن يكون أربعة عشر قيراطا، كل قيراط يساوي خمس حبات، فتكون زنة الدرهم الشرعي سبعين حبة، فالمراد بالدرهم الصنجة، وهي آلة الوزن المعروفة، وهي بالخرنوبة - 2/171 - لأن الخرنوبة - 4 قمحات - ويساوي الدرهم في زماننا أربعة قروش صاغ تقريبا.
فإذا أمهرها أقل من عشرة دراهم، فإن العقد يصح وتجب لها العشرة، استدلوا لذلك ما رواه ابن أبي حاتم من حديث" لا مهر أقل من عشرة دراهم"، وهو بهذا الإسناد حسن. وما ورد من أن النبي صلى الله وعليه وسلم، أجاز النكاح بأقل من ذلك، كما قال للاعرابي: " التمس ولو خاتما من حديد" فإنه محمول على المعجل الذي يسن، فإنه يندب أن يعطي الرجل للمرأة شيئا، مهما كان معسرا، والباقي يبقى دينا في ذمته.
المالكية - قالوا: أقل المهر ثلاثة دراهم من الفضة الخالصة من الغش. أو عرض تجارة يساوي ثلاثة دراهم، وقدر الدرهم عندهم بما زنته خمسون حبة وخمسمائة حبة من الشعير الوسط، فإن نقص الصداق عن ذلك، ثم دخل بها، ثبت العقد، ووجب على الزوج أن يعطيها هذا الأقل، أما قبل الدخول فهو مخير، بين يتم لها الصداق إلى الحد الأدنى، وهو ثلاثة دراهم. أو يفسخ العقد، وعليه نصف المسمى من الصداق.)
(3) (المالكية - قالوا: إذا تزوجها على خمر أو خنزير ونحوهما مما لا يملك أو يباع، فإن العقد يفسد، ويفسخ قبل الدخول، أما إذا دخل بها، فإنه يثبت، وتستحق المرأة صداق المثل والمراد بما لا يباع، جلد الأضحية وجلد الميتة المدبوغ، فإنهما يملكان، ولكن لا يباعان فلا يصلحان مهرا.
وحاصله أن المالكية خالفوا غيرهم في صحة العقد، فقالوا: إنه فاسد يفسخ قبل الدخول، ووافقوهم على أن المرأة تستحق مهر المثل بعد الدخول، مع استقرار العقد.)
(4) (الشافعية - قالوا: إذا تزوجها بصداق بعضه مملوك له وبعضه غير مملوك، بطل فيما لا يملكه دون غيره، ثم ينظر في غير المملوك، فإن كان مما لا ينتفع به أصلا، بحيث لا يكون مقصودا لأحد، كالدم، وفي هذه الحالة ينعقد الصداق بالمملوك، وتلغو تسمية غير المقصود، وإن كان غير المملوك مما يقصد الانتفاع به، كالخمر مثلا، فلا يخلو إما أن تكون عالمة به عند التسمية أو لا، فإن كانت جاهلة به، كان لها الخيار بين فسخ الصداق وإبقائه، فإن فسخته وردته ثبت لها مهر المثل، وإن أبقته كان لها ما ثبت أنه مملوك له، مع حصة من مهر المثل تساوي ما سماه لها من غير المملوك له، مثلا إذا سمى لها صداقا خمسين ناقة، وهي مهر مثلها، وكان نصفها مملوكا له، والنصف الآخر مغصوبا، فإنها تستحق المملوك له بلا كلام، ثم يقوم النصف المغصوب، فإن كانت قيمته تساوي نصف صداق مثلها، كان لها عليه نصف صداق المثل، تأخذه دراهم أو جنيهات أو عروض تجارة أو نياقا الخ، فالواجب لها عنده قيمة النياق المغصوبة بما يقابلها من مهر المثل، هذا إذا سمى لها أشياء متماثلة مختلفة القيمة، كالنياق، أما إذا ذكر لها أشياء مثلية متحدة القيمة، كما إذا سمى لها عشرة أرادب من القمح الاسترالي مثلا، فإنها مثلية، قيمتها واحدة.
وسعرها واحد، وكانت تساوي مهر مثلها، ولكن نصفها مملوك له، ونصفها مغصوب من جاره، فإن لها في هذه الحالة الخمسة المملوكة له، ولها نصف مهر المثل، سواء كان مساويا لقيمة المغصوب أو أكثر أو أقل، وإذا سمى لها شيئا مملوكا، وشيئا لا يصح أن يملك، ولا قيمة له في نظر الشرع، كما إذا مهرها عشرة جنيهات وخمس زجاجات من الخمر، فإن لها الجنيهات المملوكة، أما الخمر فإنه يعتبر خلا، ثم ينظر فيه، فإن كانت قيمة الخمر كقيمة الخل فرضا، كان لها خمس زجاجات من الخل وزنا أو كيلا، وإلا قوم الخمر، واستحق قيمة الخل التي تعادل قيمة الخمر المذكور.
وإذا قال شخص لآخر: زوجتك بنتي، وبعتك حمارها بجملك هذا، فإنه يصح العقد والبيع والمهر، ولكن يوزع الجمل على قيمة الحمار. ومهر المثل، فإذا كان مهر المثل عشرة جنيهات، وقيمة الحمار خمسه، كان الصداق ثلثا قيمة الجمل، وثلثه عن الحمار. فلو االزوج قبل الدخول كان له نصف العشرة التي اعتبرت صداقا. وإنما يصح ذلك إذا رضيت الزوجة بذلك. أما إذا لم ترض، وكان حمارها يساوي أكثر، فإن البيع يبطل، وكذا إذا كان مهر مثلها أكثر، فإن لها أن تطالب بما يكمل مهر المثل، ولو قال له: زوجتك بنتي، وبعتك حماري بهذا الجمل، فإنه يبطل البيع. والصداق معا، لأن جواز جمع الصفقة بين مختلفي الحكم من بيع ونكاح، إنما يجوز إذا كان المعقود عليه متعلقا بواحد.
الحنفية - قالوا: مثال الأول أن يتزوجها على مائة جنيه. وعلى طلاق ضرتها فلانة. فإنه جعل المهر مركبا من مال - وهو المائة - ومما ليس بمال وهو طلاق ضرتها - وفي هذه الحالة يقع عليه الطلاق في الحال بالعقد ويكون لها هي المهر المسمى لا غير.
أما إذا تزوجها على مائة. وعلى أن يطلق فلانة، فإن فلانة لم تطلق بالعقد طبعا، لأنه وعد بتطليقها في المستقبل، فإن طلقها فذاك، وإن لم يطلق كان لامرأته الجديدة تمام مهر المثل إن كان المسمى ناقصا عنه، وإلا فلا شيء لها، ومثل ذلك ما إذا تزوجها على ألف. وهدية يهديها إليها، فإن لها الحق في المطالبة بتكملة مهر المثل إن كان المسمى أقل، وإلا فلا شيء لها.
وإذا سمى مالا حلالا. ومالا حراما، كما إذا قال لها: تزوجتك على عشرة دراهم.
وعشرة أرطال من الخمر، أو على عشرة دراهم، وخنزير سمين مثلا. فإن العقد يصح، ويكون لها العشر دراهم لا غير، أما الخمر. والخنزير فلا تستحق في مقابلهما شيئا، خلافا للشافعية، كما تقدم، وليس لها أن تطالب بمهر المثل إذا كانت العشرة أقل من مهر المثل، لن الخمر والخنزير لا منفعة فيهما عند المسلمين، فلا حق لها في مقابلهما، فإذا ذكر أقل من العشرة كان لها المطالبة بما يكمل لها العشرة. وإذا تزوجها على مائة جنيه. وعلى طلاق ضرتها. وعلى أن يأخذ منها فرسها، أو عبدها، وقع الطلاق بالعقد بائنا، ثم ينظر إلى قيمة طلاق الضرة، وقيمة النصف الآخر مقابلة لنصف المائة الباقية، ويتفرع على أن هذا أنه إذا هلك الفرس في يدها قيل أن يستلمه الزوج كان له الحق في الخمسين التي قابلت نصفه، وله نصف قيمته التي قابلت نصف قيمة طلاق الضرة.
فإذا تزوجها على ألف. وعلى أن يطلق ضرتها وعلى أن يأخذ حديقتها، كان في هذه الصورة ثلاثة عقود: عقد زواج. وعقد بيع. وطلاق ضرة. فيجعل ما يبذله منقسما على ما تبذله هي وهو قد بذل الألف. وطلاق الضرة الذي لم يكن مالا. وهي قد بذلت الحديقة. والبضع. فصار الألف بإزاء الحديقة ونصفها بإزاء البضع.
وصار نصف قيمة طلاق الضرة بإزاء الحديقة فيكون طلاقا في مقابلة مال - وهو الخلع - فالرجل طلق الضرة في مقابلة نصف الحديقة التي أخذها من الزوجة الجديدة وصار النصف الآخر بإزاء البضع. وهو ليس بمهر، لأنه ليس مالا ولكن أصبح حقا للمرأة الجديدة، فلا يخلو إما أن يطلقها قبل الدخول. أو بعده. وعلى كل إما أن يكون قد طلق ضرتها أو لا، فالصور أربع:
إحداها: أن يطلق الجديدة قبل الدخول مع كونه قد طلق ضرتها. فإن كانت قيمة الحديقة تساوي قيمة مهر المثل استحق الزوج كل الحديقة وربع الألف التي دفعها أو هي مائتان وخمسون وذلك لأننا جعلنا نصف الحديقة في مقابلة نصف الألف والنصف الثاني في مقابلة نصف طلاق الضرة، وجعلنا نصف البضع في مقابل نصف الألف الثانية، ونصفه الأخرى في مقابلة نصف طلاق الضرة، فإذا طلق الضرة فقد استحق بذلك نصف الحديقة، وبقي النصف الآخر يستحقه بنصف الألف الذي يقابله، فكانت له كل الحديقة، وبقي ما تستحقه هي في مقابلة البضع، وهو نصف الألف. ونصف طلاق الضرة، فبقي لها نصف الألف خمسمائة، تستحق نصفها بالطلاق قبل الدخول، وهو مائتان وخمسون.
الصورة الثانية: أن يطلقها قبل الدخول، ولم يطلق ضرتها، وفي هذه الحالة يكون للرجل نصف الحديقة فقط في مقابل نصف الألف، والخمسمائة الأخرى إن كانت تساوي مهر مثلها، كان له نصفها وهي مائتان وخمسون، وإلا كمل لها نصف مهر المثل.
الصورة الثالثة: أن يطلقها بعد الدخول، مع كونه قد طلق ضرتها، وفي هذه الحالة يكون لها الألف كاملة، وتكون له الحديقة كاملة.
الصورة الرابعة: أن يطلقها بعد الدخول، مع كونه لم يطلق ضرتها، وفي هذه الحالة تستحق المرأة مهر المثل كاملا، ولا يستحق الرجل شيئا، وإذا سمى لها مهرا فوجد بخلاف المسمى، فهو يحتمل أربعة أوجه أيضا.
الوجه الأول: أن يذكر حراما ويشير إلى حرام، كأن يقول لها: تزوجتك على هذا الدن من الخمر - وهو خمر - وفي هذه الصورة يبطل المسمى. ويثبت لها مهر المثل.
الوجه الثاني: أن يذكر حلالا ويشير إلى حلال يختلف معه في الجنس، كذا الدن من الزيت وهو مملوء خلا، وفي هذه الصورة يجب لها الزيت الموجود في الدن.
الوجه الثالث: أن يذكر حراما ويشير إلى حلال، كهذا الدن من الخمر، وهو مملوء زيتا، وفي هذه الحالة يكون لها الزيت الموجود في الدن.
الوجه الرابع: عكس هذا، وهو أن يذكر حلالا ويشير إلى حرام، كهذا الدن من الخل، فإذا هو خمر، وفي هذه الحالة يكون لها مهر المثل.
المالكية - قالوا: إذا سمى لها مهرا حلالا فوجدته حراما، كأن قال لها: تزوجتك بهذه القلة من الخل فوجدته خمرا بعد فتح القلة، فإنه في هذه الحالة يصح العقد والتسمية، ويكون لها قيمة الخل، وذلك نظير ما إذا سمى لها فرسا، وقبضتها فوجدتها معيبة، فإن لها الحق في فرس سليم من العيب، وكذا إذا قال لها: تزوجتك بهذه القلة من الخمر، ولكنها كانت في الواقع خلا، فإنه يصح، بشرط أن يتراضيا على ذلك، أما إذا لم يتراضيا كان لهما فسخ العقد قبل الدخول، فإن العقد قابل للطعن من كل منهما، إذ لها أن تقول:
إنك لم تمهرني خلا، وله أن يقول: إنني لم أسم لك الخل، وهذه الحالة بخلاف ما إذا عقد شخص على امرأة، وهو يظن أنها في عدة الغير، ثم تبين أنها في الواقع غير معتدة، فإن العقد لازم لهما، ولا يصح أن يتخلص منه بأنه عقد عليها وهو يظن أنها معتدة فإذا سمى لها مهرا حلالا وحراما، كأن تزوجها على مائة دينار ومائة أقة من الخمر مثلا، فإن المرأة تستحق بذلك الأكثر من المسمى الحلال. ومهر المثل، فإن كان مهر مثلها يساوي مائة وعشرين دينارا مثلا أخذتها، وإن كان يساوي تسعين دينارا أخذت المائة التي سماها، ويصرف النظر عن الخمر الذي ذكره مصاحبا للحلال، ومثل ذلك ما إذا تزوجها على مائة حالة. ومائة مؤجلة بأجل مجهول لموت. أو طلاق مثلا، فإنه يصرف النظر عن المائة المجهولة، ولها الأكثر من مهر مثلها والمائة المعلومة.
أما إذا جمع بين عقد النكاح وغيره من العقود، كعقد البيع. أو القرض أو الشركة أو الجعالة أو غير ذلك، فإن النكاح يقع فاسدا، ويفسخ قبل البناء.
ويثبت بعده بصداق المثل، وعلة ذلك أن بين أحكام البيع. وأحكام النكاح تناف، فلا يصح الجمع بينهما، فإن النكاح مبني على المكارمة. وغيره من العقود مبني على المشاحة، وإذا فات المبيع على المشتري قبل الدخول بها لزمتها القيمة، أما بعد الدخول، فيلزم البيع بقيمة المبيع وإن لم يحصل فيه مفوت، لأنه تابع للنكاح. مثال ذلك أن تتزوجه على داره المملوكة وتعطيه مائة جنيه من مالها، فهنا عقدان: عقد نكاح وعقد شراء للدار، فبعض الدار في مقابل المائة جنيه، وذلك عقد بيع منه لها "وبعضها في مقابل عصمتها" وهو عقد زواج، وذلك فاسد يفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده بمهر المثل، ويلزم البيع ضمنا بقيمة المبيع، بحيث تحتسب قيمته وما دفعته وما تستحقه من مهر المثل ويأخذ كل حقه، أما إذا طلقها قبل الدخول، ولم يتغير المبيع، فلا يترتب على العقد شيء، أما إذا نقصت قيمته لسبب من الأسباب، كان له الرجوع بالقيمة ويجوز أن يجتمع عقد البيع. والنكاح في نكاح التفويض، وهو عقد لا يسمى فهو المهر، ولا يتفق على إسقاط المهر، كأن يقول الولي للزوج: بعتك داري بمائة، وزوجتك ابنتي تفويضا، لأنه في هذه الحالة أعطاه الدار كمعونة له، وللزوجة طلب فرض مهر لها فإن فرض لها الزوج مهر المثل لزمها النكاح بما فرضه لها. واستحقته كله بالدخول. أو الموت ونصفه بالطلاق قبل الدخول. أما إذا فرض لها أقل من مهر مثلها. فإنه يلزمها النكاح إلا إذا رضيت به.
الحنابلة - قالوا: إذا سمى لها شيئين بعضهما يصلح للصداق: وبعضهما لا يصلح، أخذت الصالح، وكان لها الحق في المطالبة بقيمة غير الصالح، فإذا تزوجها على جملين، أحدهما مملوك له. والآخر مغصوب، أخذت المملوك، وطالبت بقيمة المغصوب، ومثل ذلك ما إذا تزوجها على عبدين مملوك له ونصفه مستحق للغير كان لها الخيار بين أخذ نصفه، والمطالبة بقيمة النصف الآخر، أو ترك الكل، والمطالبة بقيمة الجمل مشار إليهما، فظهر أن أحدهما عبد والآخر حر فإنها تستحق الرقيق. وتطالب بقيمة الحر المفروض عبدا، وإن تزوجها على جمل نصفه بتمامها، لأن الشركة عيب توجب الخيار للمرأة، ومثل ذلك ما إذا تزوجها على أرض قدرها ألف ذراع، فوجدتها ثمانمائة فهي مخيرة بين أخذ ما وجدته، والمطالبة بقيمة ما بقي لها من ثمن المائتين، أو رد الأرض كلها، وأخذ قيمتها.
وإذا سمى لها صداقا حلالا، ثم تبين أنه حرام. أو مغصوب، كان لها مثله، فإذا قال لها: تزوجتك على هذا الدن من الخل، فتبين أنه خمر، كان لها الخل الذي رضيت نه، وإذا قال لها: تزوجتك على هذا الخمر، فيبين أنه خل صح، وكان لها الخل، ومثل ذلك ما إذا قال لها: تزوجتك على هذه الفرس التي يملكها فلان، وثبت أنها ملكه هو، صح وكانت لها الفرس)
(5) (المالكية - قالوا: إذا سمى لها مهرا مغصوبا غير مملوك له، فإن كان معلوما لهما، وهما رشيدان، فسد العقد، ويفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده بصداق المثل فإن كانا غير رشيدين كأن كانا صغيرين. أو أحدهما صغيرا، فالمعتبر علم الولي بالغصب، فمتى كان عالما بأن الصداق غير مملوك للزوج، فسد العقد على الوجه المذكور، أما إذا لم تعلم الزوجة بالغصب، وعلم الزوج فإن النكاح يصح، وإذا أخذ منها المهر المغصوب مالكه، رجعت على الزوج بمثله، إن كان له المثل، وإلا رجعت عليه بقيمته، والفرق بين الحالتين، أنهما في الصورة الأولى، قد أقدما على العقد بدون مهر، لأن المغصوب معدوم، فلا يصح جعله مهرا، فكأنهما اتفقا على اسقاط المهر من أول الأمر، أما في الصورة الثانية. فإن العلم من جانب واحد، وهو الزوج، فلا يضر.
الحنفية - قالوا: إذ سمى لها مالا مغصوبا، كأن تزوجها على هذا الجمل، أو على هذه الحديقة، أو على هذا العبد، وهي غير مملوكة له، فإن العقد صحيح. والتسمية صحيحة، سواء علما بذلك أو جهلاه، ثم إن أجاز المالك ذلك فلها عين المسمى، وإن لم يجز كان لها قيمة المسمى فليس لها مهر المثل، وبذلك يكون الحنابلة والشافعية على وفاق في المسألة، هما المذكوران في أعلى الصحيفة السابقة، والحنفية، في التفصيل المذكور.)
(6) (المالكية - قالوا: إذا سمى لها مهرا مغصوبا غير مملوك له، فإن كان معلوما لهما، وهما رشيدان، فسد العقد، ويفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده بصداق المثل فإن كانا غير رشيدين كأن كانا صغيرين. أو أحدهما صغيرا، فالمعتبر علم الولي بالغصب، فمتى كان عالما بأن الصداق غير مملوك للزوج، فسد العقد على الوجه المذكور، أما إذا لم تعلم الزوجة بالغصب، وعلم الزوج فإن النكاح يصح، وإذا أخذ منها المهر المغصوب مالكه، رجعت على الزوج بمثله، إن كان له مثل، وإلا رجعت عليه بقيمته، والفرق بين الحالتين، أنهما في الصورة الأولى، قد أقدما على العقد بدون مهر، لأن المغصوب معدوم، فلا يصح جعله مهرا، فكأنهما اتفقا على اسقاط المهر من أول الأمر، أما في الصورة الثانية. فإن العلم من جانب واحد. وهو الزوج، فلا يضر.
الحنفية - قالوا: إذا سمى لها مالا مغصوبا، كأن تزوجها على هذا الجمل، أو على هذه الحديقة، أو على هذا العبد، وهي غير مملوكة له، فإن العقد صحيح. والتسمية صحيحة، سواء علما بذلك أو جهلاه، ثم إن أجاز المالك ذلك فلها عين المسمى، وإن لم يجز كان لها قيمة المسمى فليس لها مهر المثل، وبذلك يكون الحنابلة والشافعية على وفاق في المسألة وهما المذكوران في أعلى الصحيفة السابقة، والحنفية، في التفصيل المذكور.
الحنفية - قالوا: إذا تزوجها على صداق مجهول. فلا يخلو إما أن يذكر جنسه بدون تقييد بنوع، أو يذكر جنسه مقيدا بنوع، ولكن لم يصفه بصفة تميزه عن غيره.
مثال الأول: أن يتزوجها على ثوب، أو دابة أو حيوان، وبيان كون هذه الأشياء أجناسا عند الفقهاء أنها مقولة على كثيرين مختلفين في الحكم، وذلك في الثوب يطلق على الكتان والقطن والحرير وحكمها مختلف، فإن الحرير لا يحل لبسه بخلاف القطن والكتان فالثوب جنس وكذلك الحيوان والدابة. فإن تحتهما الحمار والفرس والشاة، مما تختلف أحكامها اختلافا ظاهرا، فهذه الأشياء أجناس.
وما تحتها أنواع عند الفقهاء، بخلاف الجنس المنطقي، فإن المقول على كثيرين مختلفين في الحقيقة لا في الأحكام، وعلى هذا يكون الإنسان جنسا عند الفقهاء دون المناطقة، لأن تحته الذكر والأنثى. وأحكامهما الفقهية تختلف، فإذا ذكر ثوبا بدون أن يبين نوعه، فيقول: من كتان، أو قطن أو حرير فإنه يقال إنه ذكر الجنس بدون أن يقيده بالنوع، وحكم هذا أن التسمية لا تصح أصلا، والقاعدة أن كل ما لا تصح فيه التسمية يثبت فيه مهر المثل ذلك ما إذا تزوجها على الحيوان، ولم يبين أنه فرس، أو جمل، أو حمار مثلا، فإن التسمية تلغو ويثبت فيه مهر المثل، وهكذا في كل تسمية للجنس بدون نوعه، فإذا قيده بنوعه ولكن لم يصفه بصفته المميزة له عن غيره، كما إذا قال لها: تزوجتك بثوب من الكتان.
أو القطن أو الحرير، أو قال لها: تزوجتك بفرس أو بغل، أو حمار، ففي هذه الحالة تصح التسمية، ويكون لها الوسط من ذلك، فتأخذ الثوب الذي ذكر نوعه من الوسط، وهلم جرا على أن يكون للزوج الخيار بين أن يسلم النوع الوسط أو قيمته، ويعتبر الوسط بغلاء السعر ورخصه على المعتمد، فلا يشتري لها غاليا ولا رخيصا، بل يشتري لها الوسط، أما إذا ذكر لها الجنس مقيدا بنوعه، ثم وصفه بصفته المميزة له، كما إذا تزوجها على ثوب من الحرير البلدي الجيد كان لها المسمى، فإذا لم يذكر الجيد كان لها الوسط كالأول، وهكذا إذا ذكر لها حيوانا.
أو عرض تجارة، فإذا تزوجها على مكيل أو موزون، فإن علم وصفه وجنسه كما إذا تزوجها على إردب من القمح البعلي الصعيدي الخالي من الشعير، فإنه يتعين المسمى، ويكون كالعرض الموصوف، وإن لم يعلم وصفه، كان الزوج مخيرا بين أن يدفع الوسط. أو القيمة.
وإذا تزوجها على هذا الفرس، أو هذا الفرس وأشار لها إلى فرسين، وكان أحدهما أقل من الآخر حكم بمهر المثل، فإن كان يساوي أحسنهما، كان لها، وإلا كان لها الأوكس، فإذا طلقها قبل الدخول، كان لها نصف الأوكس بلا خلاف.
وإذا تزوجها على جهاز بيت، كان لها وسط ما يجهز به النساء عادة.
المالكية - قالوا: إذا سمى لها مهرا مجهولا جهالة فاحشة، كما إذا تزوجها بثمرة لم تنبت بشرط بقائها حتى تنضج فإنه لا يصح، ويقع العقد فاسدا يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بمهر المثل، أما إذا سمى لها ثمرة لم يبد صلاحها بشرط قطعها، فإنه يصح وإذا سمى لها مهرا مجهولا جهالة يسيرة، فإنه يصح، كما إذا سمى لها عشرة جنيهات، وأطلق، وكان في البلد الجنيه المصري والجنيه الأفرنجي، فإنه يصح، وتأخذ العشرة من العملة الغالية، فإن سمى لها أشياء متساوية، أخذت من كل صنف بنسبة ما تستحق، فإن كانت المعاملة بصنفين وأخذت النصف من كل صنف، ومثل ذلك ما إذا سمى لها عشرة جمال ولم يصفها أو سمى لها عشرة عبيد كذلك، فإنها تأخذ العشرة من الصنف الوسط، ولا تضر الجهالة في مثل ذلك.
وكذا إذا تزوجها على أن يجهز لها الحق في الجهاز الوسط
الحنابلة - قالوا: إذا سمى لها مجهولا، كدار غير معينة. أو دابة مبهمة. أو متاع بيته أو ما لا يقدر على تسليمه، كالطير في الهواء، فإن الصداق لا يصح للجهالة، وإذا سمى لها ما لا قيمة له كتمرة، فإنه لا يصح أيضا، وذلك لأن الصداق يجب أن يكون له نصف قيمة، إذ لو طلقت قبل الدخول كان لها نصف الصداق، فلو سمى ما لا قيمة له لم يبق لها ما تنتفع به، وهذا رأي، وبعضهم يقول: إن هذا ليس بلازم، بل يجوز الصداق بالقليل الذي لا قيمة له كالحبة. والثمرة، وهو ظاهر المذهب، وعلى كل حال فهي تستحق مهر المثل إذا سمى مجهولا. أو ما يصح.
وتغتفر الجهالة اليسيرة، كما إذا أصدقها جملا من جماله الكثيرة. أو فرسا من خيله. أو بغلا من بغاله أو ثوبا من هذين الثوبين، فإن التسمية في كل ذلك تصح، ويكون لها واحد من بين ما ذكره لها بالقرعة، لأنه إذا صح أن يكون صداقا استحقت واحدا غير معين، فوجبت القرعة للتعيين.
الشافعية - قالوا: إذا سمى لها صداقا مجهولا في الجنس. أو الوصف، كما إذا قال لها: تزوجتك على أحد هذين الثوبين. أو الفرسين أو قال لها: تزوجتك على جمل من جمالي فإن التسمية لا تصح ويكون لها مهر المثل) .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #218  
قديم 24-01-2022, 06:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله



الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 98 الى صــــــــ
106
الحلقة (176)

ولا يشترط أن يكون الصداق خصوص الذهب والفضة، بل يصح بعروض التجارة وغيرها من حيوان. وأرض. ودار. وغير ذلك مما له قيمة مالية. وكما يصح بالأعيان يصح بالمنافع أيضا، كمنافع الدار. والحيوان. وتعليم القرآن. وغير ذلك، على تفصيل المذاهب (1)
[أقسام الصداق. الخلوة - النكاح الفاسد]
-ينقسم الصداق إلى قسمين: الأول ما يجب بالعقد الصحيح.
الثاني: ما يجب بالوطء بنكاح صحيح أو فاسد أو بشبهة، فأما ما يجب بالعقد الصحيح، فهو الصداق المسمى (2) .
أو مهر المثل عند عدم التسمية، ويجب بمجرد العقد الصحيح، ولكن مع احتمال سقوطه كله.
أو نصفه، فيسقط كله إذا عمات الزوجة عملا يوجب الفرقة بينهما، كما إذا ارتدت. أو عملت شيئا يوجب حرمة المصاهرة فإن صداقها يسقط قبل الوطء، لأن الفرقة وقعت بسببها، ويسقط نصفه إذا طلقها هو قبل الدخول وكانت الفرقة منه لسبب آخر، من ردة، وعمل ما يوجب حرمة المصاهرة.ويتأكد كل المهر بحيث لا يحتمل السقوط.
بأمور:
منها الوطء. ومنها موت أحد الزوجين. ومنها الخلوة الصحيحة (3) .
وغير ذلك، على تفصيل في كل هذه الأمور (4) .

(1) (الحنفية - قالوا: إذا تزوجها على أعيان مكيلة. أو موزونة. أو معدودة، وكانت قيمتها وقت العقد تساوي عشرة دراهم فأكثر، ثم نقصت قبل التسليم عن عشرة، فليس لها حق في المطالبة إنما يكمل العشرة، لأن المعتبر قيمتها وقت العقد، أما لو تزوجها على أعيان تساوي قيمتها وقت العقد ثمانية، فإنها تطالب بالاثنين، ولو ارتفعت قيمتها إلى عشرة وقت التسليم.
وإذا تزوجها على منافع الأعيان من سكنى داره. أو ركوب دابته. أو الحمل على جمله أو زراعة أرضه مدة معلومة، فإن التسمية تكون صحيحة، وتجب لها المنفعة التي سماها بلا خلاف أما إذا تزوجها على منافع معنوية، كتعليم القرآن. والفقه. ونحو ذلك من علوم الدين، أو على تعليم الحلال والحرام، ففيه خلاف. وظاهر المذهب أنه لا يجوز، ولكن المتأخرين من الحنفية قد أفتوا بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن. والعلوم الدينية للضرورة. إذ ربما لا يوجد من يعلمها مع وجوبها على المسلمين كما تقدم في مباحث الإجارة.
والقاعدة أن الذي تصلح عليه الأجرة. يصح جعله مهرا. لأن الأجرة مال متقوم يقع في مقابل المهر: وعلى هذا تجوز الفتوى بصحة جعل تعليم القرآن والفقه مهرا على التحقيق وقد اعترض بعضهم على ذلك من ناحية أخرى وهي أن الزوج في هذه الحالة يكون خادما للمرأة، وخدمة الرجل الحر للمرأة محرمة، فلا تصح أن تكون مهرا، ولكن هذا الاعتراض لا قيمة له لأن معلم القرآن والعلم لا يقال له خادم، بل هو سيد عرفا أما غير التعليم بأن تزوجها على طاعة من الطاعات التي لا يجوز أخذ الأجرة عليها كأن تزوجها على أن يحج بها، فإنه لا يصح ويثبت لها مهر المثل ومثل ذلك ما إذا تزوجها على طلاق امرأة بدون أن يضم ذلك إلى مال فإنه لا يصح ويثبت لها مهر المثل، وكذلك إذا تزوجها على أن يكون خادما لها، وهو حر لا عبد فإنه لا يصح، وذلك لأن للزوج حق القيام على المرأة فلو أصبح خادما لها بعقد كان ممتهنا، إذ يكون لها الحق في أن تستعمله استعمال السيد لعبده، وذلك لا يجوز بخلاف ما إذا كان عبدا بطبيعته، ورضيت به زوجا، فإنه يصح أن يتزوجها على أن يكون خادما لها، لأن صفته هذه لازمة له: فلا مانع من أن يخدم امرأته.
وليس من الخدمة المهينة أن يتزوجها على أن يزرع لها أرضها. أو يرعى لها غنمها مدة معينة فإنه يصح أن يكون ذلك مهرا على الصواب، وذلك لأنهم قالوا في الإجارة: لا يجوز للولد أن يستأجر أباه للخدمة، ولكن يجوز أن يستأجره للرعي، والزراعة، لأنه لا امتهان في الحالة.
وليس من الخدمة المهينة أيضا أن يتزوجها على أن يرعى غنم أبيها، كما وقع لموسى مع شعيب عليهما السلام، مما قصه الله علينا في القرآن، وشرع من قبلنا شرع لنا عند عدم ناسخ، وفي هذه الحالة يضمن الولي للزوجة مهر المثل.
وإذا تزوجها على خدمة امرأة حرة، فإنه يصح متى رضيت المرأة، أما إذا تزوجها على أن يخدمها رجل حر غيره برضاء ذلك الرجل، مدة معينة.
فإن ترتب على خدمة ذلك الرجل الأجنبي مخالطة تفضي إلى الانكشاف والفتنة. فإنه لا يجوز ويكون للزوجة قيمة خدمته مهرا وإن لم يترتب عليها هذا المحظور، فإنه يصح وتسلم إليها خدمته، وإذا لم يرض ذلك الرجل بالخدمة، ثبت للمرأة قيمة الخدمة، ومثل ذلك ما إذا تزوجها، على أن يخدمها رجل حر مدة غير معينة. فإن فيها التفصيل المتقدم، من الجواز عند عدم الفتنة، والمنع عند الفتنة.
المالكية - قالوا: إن المهر يصح أن يكون عينا من ذهب. أو فضة. أو عرض تجارة. أو حيوان. أو دار. أو نحو ذلك، وأما المنافع من تعليمها القرآن ونحوه. أو سكنى الدار. أو خدمة العبد، ففيها خلاف، فقال مالك: إنها لا تصلح مهرا ابتداء أن يسميها مهرا وقال ابن القاسم: تصلح مهرا مع الكراهة وبعض الأئمة المالكية يجيزها بلا كراهة والمعتمد قول مالك طبعا. ولكن إذا سمى شخص منفعة من هذه المنافع مهرا، فإن العقد يصح على المعتمد، ويثبت للمرأة المنفعة التي سميت لها، وهذا هو المشهور، فالمالكية ينظرون إلى قول مالك فينهون عن جعل المهر منفعة ابتداء، وينظرون إلى قول من أجاز فيعملون به بعد الوقوع بالفعل.
الشافعية - قالوا: يصح الصداق بالمنفعة، والقاعدة عندهم أن كل ما صح ثمنا في البيع صح صداقا، فيصح أن يشتري دارا بمنفعة أرضه الزراعية مدة معلومة، فكذلك يصح أن تجعل هذه المنفعة صداقا، فكل عمل يستأجر عليه من تعليم قرآن. وفقه. ونحوهما، وتعليم صناعة، كنسج. وخياطة، أو يتزوجها على أن يخيط لها ثوبا أو يبني لها دارا، أو يقوم لها بالخدمة، ولو حرا، فإنه يصح أن يكون صداقا، كما يصح أن يكون ثمنا.
وقد أورد على قولهم: كل ما صح ثمنا، صح صداقا، انه لو تزوج عبد امرأة حرة على أن يكون مملوكا لها، فإنه لا يصح، بل يبطل النكاح، لأن كونه مملوكا ينافي كونه زوجا لها، إذ لا يجوز أن يتزوج العبد سيدته، ولكن العبد يصح أن يكون ثمنا لشيء آخر، فقولهم: كل ما يصح ثمنا، يصح مهرا لا يطرد، وأيضا لو جامع شخص أمه بشبهة، وجاءت منه بولد، ثم اشتراها وكبر ولده، فأراد أن يجعلها مهرا لابنه في عقد زواجه، فإنه لا يصح، لأن معنى ذلك أنها تدخل في الولد أولا حتى يصح كونها صداقا، ومتى ملكها عتقت عليه، وبذلك تكون حرة فلا تصلح أن تكون صداقا، وهي تصح أن تكون ثمنا لشيء آخر.
وذكر بعضهم مثالا آخر، وهو ما إذا كان معه ثوب واحد يتوقف عليه ستر عورته، فإنه لا يصح جعله صداقا، وإن صح جعله ثمنا، ولكن هذا المثال ليس بشيء. لأنه متى توقف عليه ستر العورة، فإنه لا يصح جعله صداقا وثمنا، وهو ظاهر، والجواب عن هذا أن المراد بقولهم: كل ما صح ثمنا صح صداقا في الجملة بحيث إذا لم يمنع آخر، كما في الأمثلة المذكورة، فإن الذي منع كونها صداقا ما عرض لها من الحرية ومنافاة كون العبد زوجا لسيدته.
الحنابلة - قالوا: يصح المهر بالمنافع كما يصح بالأعيان، فلو تزوجها على أن يرعى لها غنمها أو يزرع لها أرضها. أو نحو ذلك، فإنه يصح بشرط أن تكون المنفعة معلومة، فإن كانت مجهولة فإن التسمية لا تصح، ويلزم بمهر المثل، ويصح للحر أن يتزوج امرأة على أن يخدمها مدة معلومة. أو على أن يأتي لها بخادم حر يخدمها مدة معلومة. والعبد من باب أولى، وكذلك يصح أن يتزوجها على عمل معلوم، كخياطة ثوب معين، سواء خاطه هو، أو غيره، فإن تلف الثوب قبل خياطته كان عليه نصف قيمة أجرته، وإن طلقها قبل الدخول. وقبل خياطته كان عليه نصف خياطته إن أمكن وإلا فعليه نصف الأجرة، وكذلك يصح أن يتزوجها على تعليم أبواب من الفقه أو الحديث.
أو على تعليم شيء مباح من الأدب. والشعر، أو تعليم صنعة. أو كتابة أو غير ذلك مما يجوز أخذ الأجرة عليه فإنه يصح، ويلزم به إن تعذر عليه تعليمها، فإن طلقها قبل الدخول. وقبل تعليمها، فإنه يلزم أجرة تعليمها، وإن كان بعد تعليمها رجع عليها بنصف الأجرة، إن كانت الفرقة من قبله، أما إن كانت بسببها، فإنه يرجع عليها بكل الأجرة.
هذا، ولا يصح أن يكون تعليم القرآن صداقا" فإذا قال لها: تزوجتك على أعلمك القرآن. أو بعضه، فإن التسمية لا تصح، ويلزم بمهر المثل، وما ورد في حديث الواهبة نفسها، من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "زوجتك إياها بما معك من القرآن". فإن معناه بسب كونك من أهل القرآن، فلم يكن مهرا، ولم يشر في الحديث إلى التعليم.
ويحتمل أن يكون ذلك خاصا بهذا الرجل، ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج غلاما على سورة من القرآن، ثم قال: " لا تكون بعدك مهرا"، رواه البخاري، وهذا هو المشهور من مذهب الحنفية، ولكن المتأخرين أفتوا بجواز تعليم القرآن مهرا، كما ذكرنا وعلى هذا تكون المذاهب في هذه المسألة هكذا:
تعليم القرآن لا يجوز أن يكون صداقا عند الحنابلة بلا خلاف ويجوز أن يكون صداقا عند الشافعية بلا خلاف، ويمتنع عند المالكية ابتداء على المعتمد، فإن وقع بالفعل نفذ، لأن بعض أئمتهم يقول بجوازه. والظاهر من مذهب الحنفية المنع، وهو المذكور في فتاوي المتقدمين، كالحنابلة، وأجازه المتأخرون للضرورة، قياسا على جواز أخذ الأجرة عليه للضرورة) .
(2) (المالكية - قالوا: يجب بالعقد الصحيح نصف المهر، لا كل المهر كما هو المذهب)
(3) (الشافعية. والمالكية - قالوا: الخلوة لا يتأكد بها المهر على أي حال، وهذا هو رأي الشافعي في الجديد، أما في القديم، فقد قال: إن الخلوة كالوطء في تأكد كل المهر)
(4) (المالكية - قالوا: الأمور التي بها كل الصداق، بمعنى أنه يثبت بها كله، بعد أن كان ثابتا نصفه بالعقد، ثلاثة: الأول الوطء. ويشترط فيه أن يكون واقعا من بالغ، وأن تكون المرأة مطيقة، فلو كان غير بالغ. أو كانت هي صغيرة لا تطيق الوطء، فإن الوطء لا يتقرر به كل الصداق.
والمراد بالوطء إيلاج الحشفة، أو قدرها، ولو لم تزل به البكارة، بلا فرق بين أن يكون في القبل. أو الدبر، ولا يشترط فيه أن يكون حلالا، بل وقع منه ذلك حال الحيض. أو النفاس، وإحرام أحدهما. أو صيامه الفرض. أو اعتكاف أو غير ذلك، مما لا يحل معه وطء فإنه يكفي لتقرير كل الصداق، وإذا أزال بكارتها بإصبعه، ثم طلقها قبل الوطء، كان لها الصداق، مع أرش البكارة - تعويض - إذا كانت تتزوج بعد ذلك إلا بمهر الثيب، وإلا فليس لها سوى نصف الصداق. الثاني: موت أحد الزوجين، ويتقرر به جميع الصداق المسمى في العقد. أو بعده، أما إذا مات أحدهما في نكاح التفويض الآتي، وهو أن تفوض لوليها زواجها بالمهر الذي يراه.
أو يفوض وليها للزوج فرض المهر الذي يراه، فإنه إذا مات الزوج قبل الدخول وقبل أن يفرض لها المهر، فإنها لا تستحق شيئا، لا فرق في ذلك بين أن يكون العقد صحيحا، أو فاسدا فسادا غير مجمع عليه، كما إذا عقد عليها وهو محرم. أو عقد عليها بدون ولي، فإن كان فاسدا عند المالكية، ولكنه صحيح عند الحنفية، فيجب به كل المهر حال الموت، ونصفه حال الطلاق، وإذا ماتت المرأة بقتل نفسها كراهة في زوجها، فإن لها الحق في كل الصداق، أما إذا قتلت زوجها تخلصا منه، فعليه خلاف، والظاهر أنها لا تستحق الصداق، بل تعامل بنقيض غرضها لئلا يكون ذلك ذريعة لقتل النساء أزواجهن.
وكذا إذا قتل السيد أمته المتزوجة، فإن صداقها لا يسقط عن زوجها. الثالث: إقامة الزوجة سنة عند زوجها، وإن لم يدخل بها، فإن إقامتها هذه المدة يتقرر بها كل الصداق، فتقوم مقام الوطء، فهذه هي الأمور الثلاثة التي يتقرر بها كل الصداق.
هذا وإن ادعت المرأة أنه وطئها، وأنكر هو، ينظر، فإن كان قد اختلى بها خلوة اهتداء، وتسمى خلوة إرخاء الستور وتثبت هذه الخلوة بإقرارهما. أو بشهادة شهود، ولو امرأتين حلفت المرأة اليمين على دعواها الوطء، فإذا حلفت استحقت كل المهر، أما إن نكلت: حلف الرجل: فإن حلف استحقت نصف المهر فقط، وإن نكل استحقت كل المهر.
وخلوة الاهتداء، هي أن يوجد معها وحدها في محل، ويرخي الستور على نوافذه، أن كانت ستور، وإلا فيكفي غلق الباب الموصل لهما، بحيث لا يصل إليهما أحد. وسميت خلوة اهتداء، لما فيها من الهدوء والسكون، لأن كل واحد منهما اهتدى للآخر ويسكن له.
ويشترط لهذا الحكم بلوغ الزوجة، فإن كانت صغيرة وادعت الوطء، مع ثبوت خلوة الاهتداء حلف الزوج، واستحقت نصف المهر، ووقف النصف الآخر حتى تبلغ، وتحلف فإن حلفت استحقت النصف الثاني، ولا يلزم في هذه الحالة تحليف الزوج مرة أخرى، ولا يبطل دعوى المرأة الوطء، قيام مانع بها، من حيض، أو نفاس، أو صوم، أو إحرام، أو نحو ذلك، وقيل: يبطل ذلك دعواها، إن كان الزوج معروفا بالعفة والصلاح، بحيث لا يليق به أن يفعل ذلك، والمشهور الأول، وإذا اختلى بها خلوة اهتداء، وادعت عدم الوطء، ووافقها الزوج على ذلك صدقت بلا يمين، سواء كانت بالغة الرشدة. أو سفيهة لا تحسن التصرف في المال.
أو كانت صغيرة، أما إذا لم يوافقها الزوج، بأن قال: إنه وطئها، وهي أنكرته. فإن كانت سفيهة أخذ بإقراره أما إن كانت رشيد - وهي الحرة البالغة التي تحسن التصرف - فلا يخلو إما أن يصر هي على تكذيبه. وفي هذه الحالة يؤخذ بإقراره لاحتمال أنه وطئها وهي نائمة، أو غائبة العقل لأمر ما.
وإما أن لا يصر على إقراره بل يرجع عنه. وهي مصرة على تكذيبه. وفي هذه الحالة يؤخذ برجوعه أيضا. فإن رجع هو عن إقراره. ورجعت هي عن إنكارها. فإن كان رجوعها قبل رجوعه ثبت الوطء. وإن أقرت هي بالوطء بعد أن رجع هو عند هذا الإقرار. فليس لها إلا النصف كاستمرارها على تكذيبه.
هذا في خلوة الاهتداء ويقابلها خلوة الزيادة وهي أن تزوره في بيته، أو يزورها في بيتها، أو يزور الاثنان شخصا آخر في بيته. فإن زارته هي في بيته وادعت الوطء وأنكر، صدقت بعد أن تحلف اليمين على ذلك، وإن زارها في بيتها، وادعت وأنكر، عمل بقول باليمين أيضا، ومثل ذلك ما إذا زارا أجنبيا في بيته، فإنها إن ادعت وأنكره، عمل باليمين، لأن الظاهر يصدقه، فإن ادعى هو الوطء، وأنكرت هي، كان الحكم هو ما تقدم في خلوة الاهتداء.
الحنفية - قالوا: الأمور التي يتأكد بها المهر، ولا تحتمل السقوط خمسة:
أحدها: الوطء حقيقة، أو حكما في عقد صحيح، فالحقيقي هو إيلاج الحشفة، أو قدرها في قبل امرأة، والحكمي هو الخلوة بشرائطها الآتية، ومنها يعرف أن الصغيرة التي لا تطيق الوطء لا يثبت لها كل الصداق. لا بدعوى الوطء، ولا الخلوة.
ثانيها: موت أحد الزوجين، إذا مات الزوج موتا طبيعا، أو مات مقتولا بيد أجنبي، أو بيد زوجته، أو قتل نفسه، فإن الصداق المسمى يتقرر كله للزوجة، فإن لم يكن مسمى، تقرر لها صداق المثل كله، وكذا إذا قتل الزوجة أجنبي، أو قتل زوجها، أما إذا قتلت نفسها، فإن كانت حرة، فإنه يتقرر لها كل الصداق أيضا، وأن كانت أمة، فقتلت نفسها، فالصحيح إنه لا يسقط، وإن قتلها مولاها قبل الدخول، فإنه يسقط، إذا كان سيدها عاقلا بالغا، أما إذا كان صبيا، أو مجنونا، فإنه لا يسقط، لأن فيه اجحافا بهما.
هذا إذا مات أحد الزوجين، أما إذا ماتا معا، فإن تقادم العهد، ولم يتيسر للقاضي معروفة مهر المثل، فإنه لا يقضي لورثة الزوجة بشيء عند أبي حنيفة. وأما إذا لم يتقادم، وأمكن معرفة مهر المثل. فإنه يقضي به باتفاق.
ثالثها: الخلوة الصحيحة، وهي أن يجتمعا في مكان، وليس هناك مانع يمنعهما من الوطء، لا حسا ولا شرعا ولا طبعا، فالمكان الذي تصح فيه الخلوة، أن يكونا آمنين من إطلاع الغير عليهما بغير إذنهما، كأن يكون في محل مغلق الأبواب، والنوافذ التي يمكن الإطلاع عليهما منها، فلا تصح الخلوة في الصحراء وإن لم يكن بقربهما أحد، إلا إذا أمنا مرور إنسان، فإنها تصح، وكذا لا تصح على سطح ليس على جوانبه بناء يمنع من رؤيتهما، فإذا أمنا هجوم الغير عليهما، فإن الخلوة تصح، وإن خلا بها في طريق يؤمن مرور الناس بها في وقت معين، فإنه يصح، وإلا فلا، وإذا خلا بها في مكان غير مسقوف، باب مغلق، فإنه يصح، وكذا في كرم، وإذا اختلى بها في حجرة في بيت به سكان، وأغلق الباب. أو أرخى الستر الذي به يأمن هجوم أحد، فإنها تكون خلوة صحيحة، ولا تصح الخلوة في المسجد ولا في الحمام ولا في الطريق العام.
وأما المانع الحسي الذي يمنع من الوطء، فمثاله أن يكون الرجل مريضا سواء كان مرضه يمنعه من الوطء بالمرة، أو كان لا يمنعه. ولكن يلحق به ضرر، لأن الغالب أن الرجل المريض تنصرف نفسه عن الشهوة، فلا يطلب النساء، ولو كان مرضه يسيرا، لأنه لا بد يوجد عنده فتور يصرفه عن الشهوة، أما المرأة فإن مرضها يمنع صحة الخلوة إذا كان شديدا يمنعها من الحركة أما إذا كان فتورا وتكسرا، فإنه لا يمنع مادام الرجل صحيحا، وليس من المانع الحسي كون الرجل عنينا.
أو مجبوبا، أو خصيا، فخلوة المجبوب والعنين والخصي صحيحة عند أبي حنيفة، أما الخصي وهو مقطوع - الأنثيين - فظاهر، لأنه يمكنه الوطء، وكذلك العنين، فإنه يمكنه أن يدخل ولو بأصبعه، وأما المجبوب فإنه يمكنه أن يساحق وينزل، وتحمل منه كما تقدم في المحلل.
ومن المانع الحسي، القرن - بفتح الراء، وسكونها - وهو شيء يوجد يسد فرج المرأة، فيمنع من دخول الذكر، وهو إما عظم أو غدة أو لحم زائد. والرتق: وهو تلاحم بين ضفتي الفرج ويقال: إنه لحم أو غدة تسد الفرج، فيكون مرادفا للقرن. والعقل: وهو لحم ناتئ من خارج الفرج.
فسده "كالأدرة للرجال" ومن المانع الحسي الصغر، فإذا كانت المرأة صغيرة لا تطيق الوطء. أو كان الزوج صغيرا لا يمكن لمثله أن يجامع النساء. فإنه يمنع الخلوة الصحيحة. وإذا قال أبو الصغيرة: إنها لا تطيق الوطء. وقال الزوج إنها تطيق، تحكم النساء لما لهن من الخبرة في ذلك. وفي زماننا تحكم الطبيبات لما لهن من زيادة الخبرة.
ومثال المانع الشرعي أن تكون المرأة حائضا أو نفساء، أو يكون أحدهما صائما صيام رمضان أو محرما للنسك، سواء كان محرما لفرض أو نفل أو مقيما لصلاة مفروضة.
أما صيام التطوع فلا يمنع في ظاهر الرواية، وصلاة التطوع لا تمنع قولا واحدا.
ومثال المانع الطبيعي أن يوجد معهما ثالث يمنع الخلوة. وقد يقال: إن هذا مانع مشاهد. فهو من المانع الحسي. وقد مثل للمانع الحسي بعضهم به وعندي أنه يصح أن يراد من المانع الطبيعي ما كان راجعا إلى الخلقة. سواء كان عارضا أو كان موجودا في الأصل، وحينئذ فيصح أن يمثل للمانع الطبيعي بالقرن، والرتق، والعقل والمرض.
فهذا هو المانع الطبيعي المنسوب للطبيعة. وهي الخلقة. وكونه محسا مشاهدا لا ينافي تسميته طبيعيا. أما وجود ثالث معهما. فإنه مانع حسي فقط. لأنه غير متعلق بالخلقة، فالأولى أن يعكس المثيل.
ويشترط في الثالث الذي يمنع الخلوة أن يكون كبيرا يعقل. أم إذا كان صغيرا لا يعقل. بحيث يمكنه أن يعبر عما وقع بينهما. فإنه يمنع الخلوة. وإذا كان الكبير الذي يعقل أعمى. أو نائما فإنه يمنع صحة الخلوة لأن النائم يخشى تنبهه. والأعمى يشعر ويحس. لا فرق بين أن يكون ذلك بالليل. أو بالنهار على التحقيق. إلا إذا عرف الزوج حالهما أنهما لا يعرفان. كما إذا كان بالأعمى صمم أو كان النائم ثقيل النوم لا يدرك شيئا أو لا يستيقظ فإن الخلوة في هذه الحالة تصح مع وجودهما وإذا كانت معهما جارية أحدهما. فإنها لا تمنع الخلوة، وإذا كان معهما كلب فإن كان عقورا، فإنه يمنع الخلوة، سواء كان كلب الرجل أو المرأة لعدم قدرتها عليه حال الوطء أما إذا كان غير عقور.
فإنه يمنع إذا كان للزوجة. لأنها هي التي تفترش فيظن الكلب أن ذلك اعتداء عليها فيمنعها وقال بعض المحققين إن كلب الرجل لا يمنع مطلقا. سواء كان عقورا أو غيره وذلك لأن صاحبه هو الأعلى. فلا يهيجه شيء. أما أنا فأقول: إن كلبيهما لا يمنعان مطلقا. لأن كلا منهما يستطيع إسكاته بانتهاره. فإذا لم يستطيعا انتهاره لا فرق بين أن يكون للرجل أو للمرأة فإن كلب الرجل يهيج على المرأة انضماما لصاحبه. وكلبها يهيج على الرجل انضماما لصاحبته، بصرف النظر عن كون صاحبه غالبا، أو مغلوبا، فالذي أراه أن الكلب إذا كان لا يمكن زجره، منع من صحة الخلوة، وإلا فلا، سواء كان للرجل أو للمرأة.
فالخلوة بهذه الشروط يتقرر بها جميع المسمى من الصداق، وجميع مهر المثل عند عدم التسمية، وكذلك يثبت بها النسب. ولو من المجبوب، وتلزم بها النفقة، والسكنى، والعدة، وحرمة نكاح أختها. فهي تقوم مقام الوطء، إلا في حق زوال البكاوة، فإن الخلوة دون الوطء تجعل المرأة بكرا تتزوج كالأبكار، وكذا في حق الإحصان، فإن الخلوة لا تجعلهما محصنين، وكذا في حق حرمة البنات، فإن الرجل إذا خلا بالزوجة لا تحرم عليه بنتها. وكذا إذا كانت مطلقة ثلاثا وخلا بها بدون وطء، فإنها لا تحل للأول كما تقدم، وكذا في حق الميراث، ولا تورث بالخلوة.
هذا، وهل تجب العدة بالخلوة الفاسدة، أو لا؟ خلاف، والصحيح أنها تجب احتياطا، وذلك لأن المرأة سلمت نفسها، ولكن وجد مانع من جهته، مثل إذا خلا الرجل بالمرأة في مكان، وكانت حائضا، أو نفساء، أو كان أحدهما صائما رمضان، أو كان أحدهما مريضا مرضا ثقيلا، أو كان بها مانع حسي، فإن خلوته بها توجب الظن على أي حال، فيجب أن تعتد منه في الجميع.
وبعضهم يرى أنها تعتد إذا كان المانع شرعيا، كالحيض، والنفاس، والصيام، لأن هذا يتأتى معه الوطء، بخلاف ما إذا كان المانع طبيعيا، كالمرض الشديد الذي لا يتأتى معه الوطء، وكما إذا كان بالمرأة مانع طبيعي يمنع الوطء، فإن الخلوة في هذه الحالة لا قيمة لها مطلقا، ولكن المذهب الأول، لأن العدة ليست مبنية على الوطء، وإنما هي مبنية على تسليم المرأة نفسها للوطء في مكان صالح له، فإذا تحقق هذا المعنى، وجبت العدة ظاهرا، وهل تجب ديانة؟ والجواب، أن لا فرق في هذا السؤال بين أن تكون العدة صحيحة أو فاسدة، فقد قالوا: إذا كانت المرأة موقنة بأنه لم يطأها. حل لها أن تتزوج بدون عدة، ديانة لا قضاء.
وبعد فقد ذكرنا لك ثلاثة أمور، يتأكد بها جميع الصداق، وهي الوطء، والخلوة الصحيحة. وفصلنا لك الكلام في الخلوة، لتكون على بينة منها.
والثالث: موت أحد الزوجين، وموت الرجل قبل الدخول: مثل الوطء في حق العدة، والمهر، وموت أحدهما، مثل الوطء في حق المهر.
أما الأمر الرابع الذي يتأكد به جميع الصداق، فهو ما إذا طلق امرأته طلاقا بائنا بعد الدخول بها، ثم رجع إليها ثانيا وهي في عدتها منه بمهر جديد، فإن المهر المسمى لها في العقد الثاني يثبت جميعه بمجرد العقد بدون دخول، أو خلوة، لأن وجودها في العدة قائم مقام الخلوة وزيادة، وقد اعترض بعضهم على الزيادة بأنها استحقت الصداق جميعه بناء على الوطء الأول، والعدة أثر من آثاره، فكأنه دخل بها، فلم يترتب استحقاقها الصداق كله على مجرد العقد الثاني، بل على الوطء الأول، ويجاب على هذا بأن هذه الصورة لا وطء فيها على كل حال. وسواء ترتب كل المهر على المهر الحاصل في عدتها منه، أو على الوطء الأول قبل طلاقها. فإنه ينبغي أن تبين هذه الصورة، ويلفت النظر لها، فلا يصح إهمالها لما فيها من اشتباه واضح، فلا معنى للاعتراض على عدها.
وزاد بعضهم سببا خامسا يتقرر به كل المهر، وهو أن يزيل بكارتها بأصبع ونحوه، ولكن هذا ليس بشيء، وذلك لأنه إذا أزال بكارتها بأصبعه في خلوة تأكد لها المهر كله بالخلوة الصحيحة، وإلا فلا شيء عليه، ولهذا قالوا: إذا دفع امرأته في غير خلوة دفعة شديدة فأزال بكارتها، ثم طلقها قبل الدخول لا يلزم إلا بنصف المهر، ولا يلزم بتعويض عن إزالة البكارة، أما إذا لم تكن امرأته فدفعها دفعة شديدة أزال بكارتها، تزوجها وكان لها عليه مهر مثلها بسب إزالة البكارة، والمهر الذي سماه لها، فتحصل أن الأسباب التي يتأكد بها الصداق عند الحنفية ينبغي عدها أربعا لا خمسا، مع مراعاة أن كل المهر في الصورة الرابعة إما مرتب على العقد الثاني في عدتها منه أو على الوطء الأول قبل طلاقها، لأنه باق ببقاء أثره، وهي العدة.
فهذه الأمور يتأكد المهر بواحد منها، ولا يحتمل السقوط بعد ذلك إلا بالإبراء، فلو جاءت الفرقة من قبلها بأن ارتدت. أو طاوعت ابن زوجها بعدما دخل بها أو خلا بها ابن زوجها أو قبلته بشهوة، التي يتأكد بها الصداق، فإن فعلت شيئا من ذلك فإن مهرها جميعه يسقط لمجيء الفرقة من قبلها.
الشافعية - قالوا: يتأكد المهر، ولا يحتمل السقوط بأمرين:
أحدهما: الوطء، وهو إيلاج الحشفة، أو قدرها في قبل المرأة، أو دبرها، وإن كانت صغيرة لا يوطأ مثلها في العادة، ويصدق بيمينه إذا نفى الوطء، ولا يشترط الخلو من الموانع الشرعية، فإذا وطئها وهي حائض، أو نفساء، أو كان أحدهما صائما، أو غير ذلك، فإن المهر جميعه يتأكد بذلك.
ثانيهما: موت أحدهما قبل الوطء، سواء كان الموت طبيعيا، أو قتلت الزوجة الحرة نفسها. أو قتلها زوجها، أما إذا قتلت هي زوجها فإن مهرها يسقط. وكذا إذا كانت أمة وقتلت نفسها أو قتلها سيدها قبل الدخول، أو قتلت هي، أو سيدها زوجها، فإن مهرها يسقط في هذه الأحوال فلا يتقرر المهر إلا بهذين، فلا يتقرر باستدخال ماء الزوج إلى داخل الفرج بغير الذكر، كما إذا وضعته في أنبوبة فأفرغته في فرجها، كما لا يتقرر بالخلوة الصحيحة والمباشرة في غير الفرج، حتى لو طلقها بعد ذلك، فلا يجب إلا نصف المهر.
الحنابلة - قالوا: يتأكد المهر بأربعة أمور:
أحدها: الوطء في قبل، أو دبر، ولو كان ممنوعا، بأن وقع في حيض، أو نفاس، أو غيرهما.
ثانيها: الخلوة.
ثالثها: اللمس بشهوة، والنظر إلى فرجها بشهوة، وتقبيلها ولو بحضرة الناس.
رابعها: موت أحد الزوجين، فإذا كان بالزوج عيب يوجب الفسخ ومات أحدهما قبل الفسخ كان لها الصداق كاملا، لأنه يتقرر بالموت، ولا يرجع به الزوج على أحد. لأن سبب الرجوع الفسخ وهو لم يحصل، أما إذا فسخ قبل الموت، وقبل الدخول، فلا شيء لها. فزاد الحنابلة اللمس بشهوة، والقبلة بحضور الناس. فجعلوا ذلك من الأسباب التي تؤكد المهر وترفع احتمال سقوطه)



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #219  
قديم 24-01-2022, 09:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 107 الى صــــــــ
119
الحلقة (177)

وتارة يكون بعقد فاسد، ويترتب على وطء العقد الصحيح تأكد المهر كله، أما الوطء بالعقد الفاسد فإن في المهر الذي يجب به تفصيل المذاهب (1) .
[مبحث الوطء بشبهة]
-وأما الوطء بشبهة، فإن ما يوجبه من مهر ونحوه، فيه تفصيل المذاهب (2) .
مبحث نكاح الشغار أو جعل كل من المرأتين صداقا للأخرى-الشغار في أصل اللغة رفع الكلب رجله عند البول، ثم استعمل لغة فيما يشبهه من رفع رجل المرأة عند الجماع، ثم نقله الفقهاء واستعملوه في رفع المهر من العقد، فهو عند الفقهاء أن يتزوج اثنان امرأتين على أن تكون أحدهما في نظير صداق الأخرى، وفي صحة ذلك وعدمه اختلاف المذاهب (3) .
[مبحث ما يعتبر به مهر المثل]
-الأوصاف التي يعتبر بها مهر المثل فيها تفصيل المذاهب (4) .
(1) (الحنفية - قالوا: تقدم أن الذي يجب بالوطء المبني على العقد الصحيح هو تأكد المهر كله بحيث لا يحتمل السقوط حتى ولو فعلت المرأة ما يوجب الفرقة من ردة، ومطاوعة ابن زوجها في فعل الفاحشة وغير ذلك. أما إذا طلقها الرجل قبل الوطء أو الخلوة الصحيحة سقط نصف المهر وثبت لها نصفه، وكذا الحكم في كل فرقة جاءت من قبل الزوج، مثل ردته، وزناه بأم امرأته أو بنتها، وتقبيلهما بشهوة، فإنه إن فعل ذلك قبل الخلوة بامرأته أو الوطء فإنه يثبت لها نصف المهر، ثم إن ادعت المرأة الوطء، أو الخلوة وأنكر الزوج دعواها كان القول قولها، لأنها تنكر سقوط صداقها، والقول للمنكر، وبعضهم يقول: إن القول للرجل لأنه ينكر وجوب الزيادة على النصف.
وبالتأمل يتضح أن القولين متعارضان، لأننا إذا جرينا على قاعدة أن القول للمنكر فقط، فإنه يصح اعتبار كل منهما منكرا كما بينا، ولهذا رجح بعضهم القول الأول بوجه آخر، وهو أن العقد الصحيح يوجب كل المهر، فالسبب الصحيح الموجب للمهر هو العقد الصحيح وأما نقصه إلى النصف، فهو بسب آخر عارض، وهو الفرقة التي تأتي من قبل الزوج، فإذا لم يثبت هذا الأمر العارض كان الشيء باقيا على أصله. فالرجل يدعي وجود هذا العارض، والمرأة تنكر، فالقول لها.
هذا هو حكم الوطء بالعقد الصحيح، وهو تأكد كل المهر المسمى، فإذا لم يسم مهرا أصلا، أو سماه تسمية فاسدة، كما إذا سمى خمرا، أو خنزيرا، أو غير ذلك مما تقدم، أو نفاه بأن تزوجها على أن لا مهر لها، فإنه يجب لها مهر المثل، ومثل ذلك ما إذا قالت له: زوجتك نفسي بخمسين جنيها مثلا وأبرأتك منها فقبل، أو تزوجها على حكمها في المهر، أو على حكمه هو، أو على حكم شخص آخر، أو على ما في بطن أغنامه، أو على أن يهب لها ألف درهم، أو على طلاق ضرتها، فإنه في كل ذلك يتقرر لها مهر المثل، وقد تقدم نحو ذلك في شروط الصداق.
أما إذا كان الوطء بعقد فاسد فإنه ينظر فيما إذا كان قد سمى لها مهرا، أو لا. فإن كان قد سمى لها مهرا قورن بينه وبين مهر مثلها، فإن كان المسمى أقل من مهر المثل كان لها المسمى، وإن كان أكثر من مهر المثل كان لها مهر المثل، فالذي تستحقه المرأة بالوطء في النكاح الفاسد إنما هو الأقل من المسمى، ومن مهر المثل. أما إذا لم يكن قد سمى لها مهرا فإن لها مهر المثل بالغا ما بلغ، ولا يثبت للمرأة شيء في العقد الفاسد إلا بالوطء، فلا شيء لها إذا طلقها قبل الوطء، حتى ولو خلا بها لن الخلوة في النكاح الفاسد فاسدة، وذلك لأن الوطء فيه محرم، فهو يشبه الخلوة بالحائض التي يحرم وطؤها، فلا يثبت لها المهر غلا بالوطء في القبل لا في الدبر.
ثم إن النكاح الفاسد قسمان: قسم يوجب المهر ويثبت به نسب، ولا تجب به عدة، ويقال له: باطل، وذلك كما إذا تزوج محرما من محارمه، فإن العقد على واحدة منهن وجوده كعدمه، ومثله العقد على متزوجة. أو معتدة إن علم أنها للغير، فهذا العقد كعدمه، وهو عقد باطل يوجب الوطء به الحد إن كان عالما بالحرمة، وإلا رفع عنه الحد لشبهة، ومثله أيضا إذا أرغمته على أن ينكحها مكرها، فإن النكاح في هذه الحالة لا يوجب مهرا، ولكن بعد الوطء يثبت به النسب وتجب العدة.

وقسم يجب به المهر، والعدة، ويثبت به النسب، وذلك فيما إذا فقد شرطا من شرائط الصحة عندنا، ولكن قال بجوازه غيرنا، ومثاله النكاح بدون شهوة، فإن المالكية قالوا: بصحة العقد من غير شهود. ونكاح أم المزني بها، والمنظور إليها بشهوة، ونكاح البنت من الزنا، فإن العقد عليها صحيح عند الشافعية. وكذلك العقد على من طلقت بعد الخلوة الصحيحة بدون عدة. فإنه صحيح عند الشافعية لأن العدة لا تثبت إلا بالوطء، وكذا نكاح الأمة على الحرة فإنه يصح عندنا ولكن الشافعية قالوا بجوازه إذا كانت الأمة غير مملوكة له، أما إذا كانت مملوكة فإنه لا يصح له العقد عليها، لأن العقد الملك وعقد الزواج بينهما تناف في الأحكام، فالعقد في هذه الأمثلة وإن كان فاسدا عندنا ولكنه صحيح عند غيرنا، فيجب به المهر، وتثبت به العدة، والنسب، وهناك أمثلة أجمع الأئمة الأربعة على فسادها، ولكن الحنفية يقولون:
إن الوطء فيها يثبت به النسب. وتجب به العدة. ولا يحد فاعله، كما إذا تزوج الأختين معا في عقد واحد، ودخل بهما، أو تزوج أخت مطلقته قبل انقضاء عدتها منه. أو طلق امرأته الرابعة وعقد على غيرها قبل انقضاء عدتها. أو تزوج في عقد واحد ووطئهن. فإن ظاهر كلامهم أن العقد فاسد لا باطل، بمعنى أنه يجب به المهر، وتجب به العدة، ويثبت به النسب، مع أنه لم يقل أحد من الأئمة المعروفين بجوازه، على أن بعضهم قال: إذا تزوج الكافر مسلمة فولدت منه يثبت النسب، وإن دخل بها تجب العدة بفراقها، ولكن الصحيح أن هذا العقد باطل لا قيمة له، فلا يثبت به نسب، ولا تجب به عدة، كنكاح المحارم، والمعتدة سواء بسواء.
ويظهر أن هذه الأمثلة يرتب فيها العقد الفاسد آثاره لما فيها من شبهة الحل بالقياس على غيرها، فإنه لولا مراعاة رابطة الأخاء لم يكن هناك فرق بين الأخت والأجنبية في عدم انتظار الرجل، وكذا لولا مراعاة أن المتزوج أربعا لا يحل له العقد على خامسة، والمرأة المطلقة في حكم الباقية على ذمته ما دامت معتدة منه، لم هناك وجه لانتظار عدتها، ولذا لو كان متزوجا ثلاثا وطلق إحداهن فإن له الحق أن يعقد على أخرى بدون انتظار، فلذا اعتبر الحنفية هذه الأمثلة من النكاح الفاسد لا الباطل لما فيها من شبهة تجعل لصاحبه المعذرة، على أن نقول فيما يترتب على النكاح الفاسد من الآثار قد اختلفت، حتى إن بعضهم قال: إن الصواب ثبوت العدة والنسب في النكاح الباطل والفاسد بلا فرق في جميع الأمثلة المذكورة، ولكن المشهور ما ذكرناه من التفصيل.
ثم إن النكاح الفاسد، أو الباطل لا يتوقف فسخه على القاضي، بل لكل واحد منهما فسخه ولو بغير حضور صاحبه، سواء دخل بها، أو لا. وتجب العدة من وقت التفريق. ويثبت النسب له كما تقدم، وتعتبر مدة ثبوت النسب - وأقلها ستة أشهر - من وقت الوطء، فإذا وطئها أول يوم من الشهر، ثم جاءت بولد بعد نهاية ستة أشهر ثبت نسبه منه، وإلا فلا.
وسيأتي بيان ذلك في مبحث العدة.
الشافعية - قالوا: الوطء يتأكد به جميع الصداق متى كان بعقد صحيح كما يقوله الحنفية والحنابلة، إلا في نكاح المفوضة، وهي التي تفوض أمر زواجها إلى الولي بدون مهر، فإنه يتقرر لها بالوطء المبني على العقد الصحيح مهر المثل، فإن طلقها قبل الوطء فلا شيء لها، وإنما تجب لها المتعة الآتي بيانها، وكذلك يتقرر لها مهر المثل بموت أحدهما. أو بفرض صداق لها برضاهما أو بحكم القاضي لأن للمفوضة الحق في طلب فرض المهر قبل الوطء، فيتأكد لها المهر بثلاثة أمور: الوطء، أو موت أحدهما ولو قبل الوطء، أو فرض المهر، وكما يتقرر لها بالوطء في العقد الصحيح كذلك يتقرر لها مهر المثل بالوطء في العقد الفاسد، وذلك لأن الوطء يجب مهر المثل في العقد الفاسد للشبهة وفي الحالة الآتي بيانها.
والنكاح الفاسد هو ما اختل فيه شرط من الشروط المتقدمة، أما النكاح الباطل فهو ما اختل فيه ركن، وحكم الفاسد والباطل واحد في الغالب، فمن الأنكحة الباطلة نكاح الشغار الآتي بيانه، وهو أن يزوج بنته في مقابل زواج بنت الآخر بدون مهر. ومنها نكاح المتعة المتقدم ذكره، والأول باطل لاختلال ركنه، وهو الزوجة، فإن جعلها محلا للعقد هي وصداقها للأخرى فمورد النكاح الذي يرد عليه: امرأة، وصداق، فقد جعل المرأة عوضا.
ومعوضا، والثاني باطل لاختلال الصيغة. وهي من أركان النكاح، لأنه يشترط فيها أن لا تكون مؤقتة بوقت. ومنها نكاح المحرم بالنسك، وهو باطل لاختلال المحل، وهو الزوج أو الزوجة وهما ركنا النكاح إذ الشرط خلوهما من الموانع، والاحرام من الموانع عند الشافعية ومنها أن ينكح الولي من له عليها الولاية لرجلين، ولا يعرف العقد السابق، فإن العقدين يبطلان كما تقدم، وبطلانهما لاختلال المحل، وهو المرأة، فإنها ليست محلا لتزوج اثنين.
هذا، والوطء بنكاح الشغار، والنكاح المؤقت، ونكاح المحرم بالنسك، ونكاح المرأة التي عقد عليها الولي لاثنين، لا حد فيه وتجب به العدة، ويثبت به النسب ومهر المثل.
ومنها نكاح المتعة، أو المستبرأة من غيره، ولو من وطء بشبهة، ولا بد من انقضاء عدتها. أو مدة استبرائها بيقين، فإن عقد عليها وهي في العدة، أو زمن الاستبراء، ولو شكا ووطئها كان عليه الحد في هذه الحالة، لأنها في عصمة الغير ما دامت في عدته، فوطؤها في هذه الحالة يكون زنا يوجب الحد. فلا يثبت به النسب، ولا عدة فيه، ولا مهر، إلا إن ادعى الجهل بحرمة النكاح في العدة. والاستبراء من غيره، فلا حد عليه. وكذلك تحد المرأة إلا إذا ادعت الجهل مثل الرجل وكانا ممن يعذران بالجهل، كما إذا كانا قريبي عهد بالإسلام.
أو ولدا في جهة منقطعة عن الحركة العلمية الدينية. ومنها العقد على امرأة مرتابة في انقضاء عدتها فإن رأت أمارات الحمل من حركة أو ثقل، فإنها في هذه الحالة لا تكون محلا للعقد، لما قلنا: من إنه يشترط أن تكون خالية من العدة يقينا، فلو عقد عليها في هذه الحالة وقع العقد باطلا ولو ظهر أنها غير حامل على المعتمد، وذلك لأنه لا يصح الإقدام على العقد إلا بعد التيقن، وهذا بخلاف ما إذا غاب الرجل على امرأته زمنا طويلا حتى صار مفقودا، وتزوجت بغيره قبل ثبوت موته، أو طلاقه، ثم ظهر أنه ميت، أو مطلق، فإن العقد الثاني يقع صحيحا، وذلك لأنه في الثاني نظر للواقع، لأن المرأة لم تخاطب بعده حتى يجب عليها التيقن، فلذا نظر في جانبها للواقع بخلاف الأول كالثاني، ولكن المعتمد هو البطلان كما عرفت. ومنها نكاح الوثنية التي لا كتاب لها على التفصيل المتقدم، وبطلانه ظاهر لأنها غير محل للعقد.
ومنها نكاح المرتدة، فإنه باطل لاختلال ركنه، وهي لا تحل لمسلم، ولا غيره لبقاء علاقتها بالإسلام، فإن ارتدت وهي تحت مسلم قبل الدخول بطل النكاح، وإن بعده وقف البطلان حتى تنقضي العدة، إن بقيت بدون أن ينفذ عليها الحد، ولو جامعها لا حد عليه لشبهة بقاء العقد كما يأتي. ومنها أن ينكح الحر أمته المملوكة له، فإن العقد يقع باطلا لكونها ليست محلا للعقد، لاختلاف الأحكام، فإن النكاح يقتضي طلاقا، وقسما، وظهارا، وغيرها، والملك لا يقتضي شيئا من ذلك، فإن أراد زواجها وجب عتقها.
واعلم أن كل وطء لا يجب به الحد على الفاعل يوجب العدة، ويثبت به النسل، ويجب به مهر المثل، وإلا كان زنا لا يثبت به شيء. ويوجب الحد، وقولهم: يوجب الحد على الفاعل خرج به ما يوجب الحد على المفعول دون الفاعل في بعض الصور، وذلك كما إذا زنى مراهق ببالغة، أو مجنون بعاقلة، فإن الحد لا يجب على الزاني منهما لصغره أو جنونه، وإنما يجب على الزانية لبلوغها وعقلها، ومع ذلك فإنه في هذه الحالة تجب على المرأة العدة، ويثبت النسب، ويستثنى من قاعدة - كل ما لا حد فيه تجب فيه العدة، ويثبت به النسب - وطء المكره لامرأة مختارة فإنه يرتفع عنه الحد بشبهة الإكراه، ولكنهما مع ذلك زانيان فلا مهر، ولا عدة ولا نسب، وذلك لأن الإكراه لا يبيح الزنا، بل قالوا: إن الإكراه على الزنا غير ممكن، لأن الوطء يستلزم توجه النفس حتى يمكن الانتشار والإيلاج، أما المكره فإن نفسه متأثرة بما لا يمكن معه الانتصاب والإيلاج، فليس المكره كالمراهق، والمجنون الذي لا يعقل.
وإذا أردت معرفة العقد الفاسد فارجع إلى محترزات النكاح المتقدمة.
المالكية - قالوا: النكاح الفاسد نوعان: نوع مجمع على فساده بين الأئمة. ونوع غبر مجمع على فساده، فالأول كنكاح المحارم بنسب، أو رضاع، والجمع بين ما لا يحل الجمع بينهما، وتزوج خامسة في عدة الرابعة، وهذا لو وقع يفسخ قبل الدخول وبعده بلا طلاق، فإن فسخ قبل الدخول فلا شيء فيه، لأن القاعدة أن كل عقد فسخ قبل الدخول لا صداق فيه، كان متفقا على فساده أو مختلفا فيه، سواء كان الفساد بسبب العقد أو بسبب الصداق بأن كان خمرا أو نحوه، أو كان بسببهما معا إلا إذا تزوجها بمهر دون أقل المهر - كدرهمين -
مع أن أقله ثلاثة، فإن لها نصف الدرهمين بالفسخ قبل الدخول، ومثل ذلك فرقة المتراضعين، وفرقة المتلاعنين قبل الدخول فإن لهما نصف الصداق المسمى أما إن فسخ بعد الوطء فإنه يثبت به الصداق، فإذا جمع بين البنت وعمتها، أو خالتها في عقد واحد أو عقدين، ولم يعرف السابق منهما، ووطئهما كان لهما الصداق وعليهما الاستبراء بثلاث حيضات، ثم إن كان قد سمى لهما مهرا حلالا كان لهما المسمى أما أن سمى لهما مهرا حراما - كخمر، ونحوه - كان لهما صداق المثل، ولا يحدان إلا إذا كانا عالمين بالتحريم والقرابة، فإن كانا عالمين بذلك وجب عليهما الحد لكونه زنا في هذه الحالة.
ومن المجمع على فساده النكاح المؤقت، وقد تقدم أن فيه المهر المسمى على المعتدة، وأن لا حد فيه، ولكن فيه العقاب والتأديب بالوطء، ويفسخ بلا طلاق، ومنه نكاح المتعة إذا كان غير عالم، ويفسخ بلا طلاق قبل الوطء، وبعد، أما إن كانا عالمين فإنهما يكونان زانيين يجب عليهما الحد.
وأما النوع الثاني: وهو غير المجمع على فساده، فمنه النكاح حال الإحرام بالنسك، فإنه فاسد عند المالكية. صحيح عند الحنفية وفيه المسمى إن كان حلالا بعد الوطء، ومهر المثل إن كان المهر حراما - كخمر، وخنزير - ولا شيء فيه إن فسخ قبل الوطء كما عرفت.
ومنه نكاح الشغار، فإنه وإن كان لا يجوز الإقدام عليه بالإجماع، ولكن الحنفية يقولون بصحته بعد الوقوع والمالكية يقولون بفساده، كما يأتي، وفيه مهر المثل بالوطء، ومنه أن تتولى المرأة زواج نفسها بدون ولي، فإنه جائز عند الحنفية، وفيه المسمى إن كان حلالا، كما تقدم ومنه نكاح السر المتقدم ويفسخ قبل الدخول لا بعده، ومنه النكاح بصداق فاسد، والنكاح على شرط يناقض العقد، وقد تقدم تفصيل كل هذا.
وحاصله أن الوطء المترتب على العقد الفاسد يوجب المهر المسمى - إن كان المهر حلالا - للمرأة إن كان فساده يرجع إلى نفس العقد كأن اختل شرط منه، أو ركن، أو يرجع إلى فساد العقد، وفساد الصداق بأن يكون أقل من ثلاثة دراهم، أو غير مملك، أو نحو مما تقدم في شروط صحة الصداق، أما إذا كان المسمى حراما - كخمر أو خنزير - فإن الوطء يوجب مهر المثل، وكذا إذا لم يسم المهر أصلا - كنكاح الشغار الآتي - فإن طلقها قبل الوطء في النكاح الفاسد سقط المسمى ومهر المثل، فلا مهر لها سواء كان مجمعا على فساده أو لا، أما إذا مات أحدهما قبل الوطء، فإن كان فساده لفساد الصداق سقط الصداق مطلقا، أي سواء اتفق على فساد العقد بالصداق - كما إذا سمى خمرا - أو لا - كما إذا سمى آبقا - وإن كان الفساد لنفس العقد فإن كان الفساد متفقا عليه - كنكاح المتعة - سقط الصداق بالموت قبل الوطء أيضا. وإن كان الفساد مختلفا فيه. فإن كان الفساد لم يحدث خللا في الصداق - كنكاح المحرم بالنسك - فإن الموت لا يسقط المهر. بل يثبت لها الصداق المسمى. أو مهر المثل على الوجه السابق وإن أحدث خللا في الصداق - كنكاح المحلل - فإنه لا يثبت فيه الصداق إلا بالوطء. فإذا أحدث خللا في الصداق والنكاح بشرط أن لا ترث منه، أو لا يرث منها، فإنه يسقط بالموت.
الحنابلة - قالوا: الوطء المترتب على النكاح الفاسد يوجب المهر المسمى. فإن لم يكن قد سمى لها مهرا وجب لها مهر المثل. والخلوة توجب الصداق في النكاح الفاسد كالوطء. خلافا للحنفية الذين قالوا: إن الخلوة في النكاح الفاسد لا توجب الصداق وخلافا للمالكية والشافعية الذين قالوا: إن الخلوة لا توجب الصداق لا في العقد الفاسد ولا الصحيح. ويشترط أن يكون الوطء في القبل أما إذا وطئها في الدبر فإنه لا يتقرر به الصداق ولكنه في هذه الحالة يتقرر الصداق بالخلوة. إذ ليس من المعقول أن يطأها في الدبر في غير الخلوة. ومن ذلك المكرهة على الزنا، ولو كانت من محارمه فإنه يجب لها الصداق لإكراهها أما إذا زنى برضاها فلا شيء لها طبعا.
والنكاح الفاسد هو اختل فيه شرط. ومنه نكاح المتعة ويجب فيه المسمى على هذه القاعدة ولكنهم قالوا: إنه يجب فيه مهر المثل دون المسمى بالوطء. ومنه نكاح المحلل وقد مر بيانه، ويلحق به النسب ولا يحصل به الإحصان. ولا الحل للمطلق، ولها بالوطء المسمى، كما عرفت، ومنه نكاح الشغار الآتي بيانه، ومنه أن يشترط ما ينافي العقد، كأن يتزوجها بشرط أن لا يحل له وطؤها ومنه غير ذلك مما تقدم في بيان الشروط والأركان، وقد عرفت الحكم العام في الفاسد والباطل) .
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #220  
قديم 24-01-2022, 09:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 107 الى صــــــــ
119
الحلقة (178)


(2) (الشافعية - قالوا: الوطء بشبهة يجب فيه مهر المثل، فمن ظن في نائمة أنها زوجته فوطئها وهي لا تدري ثبت لها مهر مثلها، أما إذا أحست به وعلمت فإنها تكون زانية يجب عليها الحد.
وقد قسم الشافعية الشبهة التي تدرأ الحد ويتقرر بها مهر المثل إلى أربعة أقسام: شبهة الفاعل وهي ما إذا وطئ امرأة وهو يظن أنها زوجته، أو أمته، ثم تبين غير ذلك، وهذا الفعل لا يتصف بحل، ولا حرمة، وذلك لأن فاعله غير مكلف، لأن الفعل صدر عنه وهو غافل. ومتى انتفى تكليفه انتفى وصف فعله بالحل والحرمة. الثانية: شبهة الملك، وهي إذا ما وطئ الأمة المشتركة بينه وبين غيره أو وطئ مكاتبته، فإنه لا يجوز وطئها، ولكنه إذا جهل التحريم ووطئ لشبهة الملك رفع عنه الحد، ويوصف فعله في هذه الحالة بالحرمة، لأنه ما دام علم أن ملكه غير خالص فيجب عليه أن يتحرى إن كان جاهلا. الثالثة: شبهة الطريق، وهي ما إذا فعل لشبهة الحل بقول عالم يصح تقليده، وذلك كما إذا تزوج امرأة بلا ولي ولا شهود ووطئها بناء على ما ذهب إليه داود الظاهري من صحة ذلك، فإن قلده فلا حرمة، ولا حل وإن لم يقلده حرم عليه. الرابعة: شبهة المحل، وهي ما إذا اشتبه في حل الموطوءة له، كما إذا وطئ جارية أبيه أو وطئ أبوه جاريته، وهذا الوطء حرام لأن لا يصح الإقدام عليه مع الشك في الملك.
وعلى كل حال فلا حد في الوطء للشبهة بأنواعها الثلاثة، ويجب فيها مهر بكر دون أرش بكارة على المعتمد، فإن كانت ثيبا فلها مهر مثل الثيب. وبعضهم قسم الشبهة إلى ثلاثة أقسام فقط فجعل شبهة الملك، وشبهة المحل واحدة، ثم إن اتحد شخص الشبهة لا يتعدد المهر، كما إذا وطئ نائمة بشبهة أنها امرأته اليوم، ثم وطئها بنفس هذه الشبهة بعد أيام، وكان لم يدفع لها المهر فإن عليه مهرا واحدا. أما إذا وطئها بشبهة الملك ليوم، ثم وطئها بعد أيام بشبهة أخرى فإن عليه مهرين لا مهرا واحدا ويعتبر حال المرأة وقت الوطء الأول، فإن وطئها وهي جميلة - لها مهر كثير - ثم وطئها ثانيا بنفس الشبهة الأولى بعد أن عرض لها ما فقدت به شيئا من جمالها تستحق المهر على الحالة الأولى.
الحنفية - قالوا: الوطء بشبهة يجب فيه مهر المثل، والقاعدة عند الحنفية أن كل وطء في دار الإسلام بغير ملك يمين، إما أن يوجب - المهر أو الحد ثمان مسائل:
إحداها: الصبي إذا نكح بدون إذن وطاوعته، فإنه لا مهر عليه، ولا حد بوطئها.
ثانيها: شخص يملك أمة فباعها بيعا صحيحا، ثم وطئها قبل أن يسلمها للمشتري فلا حد عليه ولا مهر لها، ولكن للمشتري أن ينقص من ثمنها ما قابل البكارة إن كانت بكرا وإلا فلا.
ثالثها: إذا تزوجت ذمية ذميا بغير مهر، ثم أسلما، فلا حق لها في مطالبته بعد الإسلام متى كانت شريعتهما لا مهر فيها من قبل الإسلام.
رابعها: السيد إذا تزوج أمته من عبده، فلا مهر لها على الأصح.
خامسها: العبد إذا وطئ سيدته بشبهة، فلا مهر لها، ولا حد.
سادسها: إذا وطئ حربية.
سابعها: إذا وطئ شخص جارية موقوفة عليه فإنه لا مهر عليه ولا حد.
ثامنها: إذا وطئ الجارية المرهونة بإذن الراهن، ظانا حلها فلا حد عليه، ولا مهر لها، على أن المراد بمهر المثل عندهم في الوطء بشبهة هو ما يسمونه عقرا، وقد فسره بعضهم بأنه قدر ما يستأجر به مثلها للزنا لو جاز، ولكن الصحيح أن العقر هو مهر المثل بالنسبة للجمال فقط، فتعطى مهر الجميلة، بصرف النظر عن حسبها أو مالها، والشبهة التي تسقط الحد هي ما يشبه الشيء الثابت مع كونه غير ثابت في الواقع ونفس الأمر، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: شبهة المحل، وهي التي نشأت عن دليل موجب للحل في المحل، ولكن عرض مانع يمنع الحل فوجود الدليل أوجد شبهة في حل المحل يعني الموطوءة، ولو علم ذلك العارض الذي منع الحل، مثال ذلك أن يطأ الرجل أمة ولد ولده وإن سفل، بناء على حديث "أنت ومالك لأبيك" فظاهر هذا الحديث يفيد أن اللام للملك، ومعنى ذلك أن الولد وما يملكه من مال مملوك لأبيه، فأمة الابن مملوكة للأب، ولكن هذا الظاهر من الحديث عارضه الإجماع، على أن اللام فيه ليست للملك، بل معنى "أنت ومالك لأبيك" منسوب لأبيك.
فهو الأصل الذي يترتب عليه وجودك، فأحرزت هذا المال فلا تضيق عليه، ولكن مع هذا شبهة الحل لا تزال قائمة عملا باللام في قوله: "لأبيك"، وكما تسمى هذه الشبهة بشبهة المحل كذلك تسمى شبهة الملك وتسمى شبهة حكيمة، أعني التي ثبتت فيها شبهة حكم الشرع بحل المحل، ومن ذلك ما إذا طلق امرأته بلفظ الكنايات، كقوله:
أنت بائن، أو بتة أو خالصة، أو نحو ذلك، فبانت منه ثم وطئها وهي في العدة فإنه لا يحد بذلك، ووجب عليه الصداق، وذلك لشبهة الدليل وهو قول عمر رضي الله عنه: الكنايات رواجع، وهذا رأي بعض الأئمة، أما عندنا فقد قام الدليل على أن الكنايات يقع بها بائنا، فيحرم وطؤها في العدة إلا إذا عقد عليها عقدا جديدا، ولكن لا حد عليه ولو كان عالما بالتحريم عند الحنفية لقيام الشبهة التي أحدثها الدليل في المحل. ومن ذلك ما إذا باع جاريته بيعا صحيحا ثم وطئها قبل أن يقبضها المشتري فإن ذلك يرفع الحد كما تقدم، أما إذا وطئها بعد القبض فإنه يحد، أما إذا باعها بيعا فاسدا ووطئها قبل القبض لم يكن مما نحن فيه، لأنها لم تخرج عن ملكه بالبيع الفاسد، وإذا وطئها بعد القبض كان له شبهة في الملك، لأن له حق الفسخ فيعود له ملكها، على أنه يثبت لها بالوطء بعد القبض مهر المثل، لأن المبيع بيعا فاسدا يملك بالقبض ومن ذلك ما إذا وطئ امرأته بعد ردتها فإن بعض علماء الحنفية أفتوا بعدم الفرقة بردة المرأة، فإذا جاءت الردة من قبلها لا يفسخ النكاح فوطؤها في هذه الحالة ليس بحرام، وكذا إذا طاوعت زوجة الرجل ابنه فزنى بها فإنها تحرم على أبيه عندنا، ولكن إذا وطئها أبوه بعد ذلك فإن شبهة الحل قائمة بها فلا يحد، وذلك لأن الشافعي قال: إن الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة، وهذا النوع يسميه الشافعية شبهة الطريق، أي الشبهة التي أوجدها الدليل في المحل.
ومنه ما إذا وطئ الرجل أم زوجته، فإن زوجته تحرم عليه عند الحنفية، ولكن إذا وطئ زوجته بعد ذلك فإنه لا يحد، لأن الأمام الشافعي قال: إن الزنا بالأمهات لا يوجب الحرمة.
القسم الثاني: شبهة الفعل، وتسمى شبهة اشتباه، بمعنى أنها تعتبر شبهة في حق من حصل عنده اشتباه بأن ظن حل الفعل، مثال ذلك أن يطأ الشخص أمة أبيه. أو أمه ظنا منه أن ذلك جائز، أو يطأ امرأته التي طلقها ثلاثا وهي في العدة ظانا أن ذلك جائز، ويكفي في ذلك أن يدعيا الظن، أما إذا أقرا بأنهما يعلمان بالتحريم فإنهما يحدان.
هذا، وإذا طلقها بلفظ الكناية ونوى بذلك الطلاق الثلاث ثم وطئها في العدة فإنه لا يحد ولو كان عالما بالتحريم ومثل الطلاق الثلاث الطلاق البائن، كما إذ طلقها بالخلع على مال ثم وطئها في العدة فإن كان عالما بالتحريم فإنه يحد وإلا فلا. في الأول يكون له شبهة اشتباه في حل الفعل
الثالثة: شبهة العقد، فإذا عقد على محرم من محارمه ووطئها وكان غير عالم بالتحريم فإنه لا يحد لأن العقد أحدث عنده شبهة وهذا باتفاق. أما إذا كان عالما بالتحريم فإنه يحد عندهما لا عنده، ولكن مع هذا يثبت بها النسب، ولا فرق بين أن تكون من المحارم نسبا أو رضاعا أو مصاهرة، فلو تزوج أخته من الرضاع ظانا حل ذلك ووطئها لا حد، ويثبت بوطئه النسب ولها الأقل من المسمى، ومهر المثل كما تقدم، أما إذا عقد على من لا تحل له بسبب آخر ووطئها كأن عقد على معتدة للغير ووطئها، أو وطئ من طلقها ثلاثا بدون محلل، أو تزوج خمسا في عقد واحد فوطئهن، أو جمع بين أختين في عقد فوطئهما، أو عقد على أختين بعقدين متعاقبين، ثم وطئ الأخيرة التي يثبت بطلان عقدها فإنه لا حد في كل ذلك بالاتفاق، ولو كان عالما بالتحريم، ولكن يعاقب عقوبة شديدة.
فالخلاف بين أبي حنيفة، وصاحبيه في العقد على المحارم ووطئهن، فهما يقولان: إن علم بالحرمة حد وإلا فلا، وهو يقول: لا يحد مطلقا لا فرق بين المحارم وغيرهن ومدار الخلاف أن المحارم تصلح لأن تكون محلا للعقد أو لا؟ الإمام يقول: إن المرأة في ذاتها صالحة ليعقد عليها ما دامت محلا قابلا للغرض من العقد، وهو التناسل والتوارث، بصرف النظر عن عاقد خاص، فإن تحريم المحرم جاء من عارض آخر، فأورث ذلك شبهة في جواز العقد عليها، أما هما فقالا:
إنها ليست محلا لعقد هذا العاقد بخصوصه. ولا يسقط الحد عمن وجد امرأة أجنبية نائمة على فراشه فظنها امرأته فوطئها، وذلك لأنه إما مبصر، أو أعمى، وكان الوقت نهارا، أو ليلا مظلما، فإن كان مبصرا وكان الوقت نهارا لم يكن لاشتباهه معنى، فإن يفرق بضرورة في هذه الحالة بين امرأته وغيرها، فلو فعل بها كان زانيا عليه الحد، وهي لا محالة أنها تراه وتعلم به، فإذا فرض ولم تشعر به حتى أولج ارتفع عنها الحد، وثبت لها مهر المثل، وإن كان أعمى، أو كان الوقت ليلا، فالمفروض في هذه الحالة أن يطأها بعد أن يدعوها لهذا العمل، إذ لا يليق أن يقدم الإنسان على فعل كهذا من غير أن تشعر به امرأته المشاركة له في الاستمتاع، اللهم إلا إذا كان أعمى وناداها فأجابته على أنها امرأته، وفي هذه الحالة تحد هي لا هو، وبعضهم يرى سقوط الحد إذا كان أعمى أو كان الظلام حالكا. لأنه يلزم بإيقاظ امرأته لإتيانها، فلو فرض ووقع ذلك سقط الحد، أما إذا كان في النهار وكان الرجل مبصرا أو في الليل ولم يكن الظلام شديدا بحيث يمكن للمبصر أن يميز، فإنه لا يسقط الحد قولا واحدا.
المالكية - قالوا: الوطء بشبهة يوجب مهر المثل، ويسقط الحد، والمالكية يعتبرون الشبهة في غير العمد، فمتى كان غير متعمد بأن كان ناسيا، كما طلق امرأته طلاقا بائنا ونسى فوطئها، أو كان غالطا بأن أراد أن يجامع امرأته فغالط في غيرها، أو كان جاهلا للحكم بأن كان قريب عهد الإسلام ويجهل أن الزنا محرم، وكذلك من له شبهة في الملك بأن ملكها بعقد غير صحيح عندهم، ولنكه صحيح عند غيرهم، فإنه لا يحد، ومنه وطء زوجنه في دبرها، فإن بعضهم قال: إن الرجل يملك التسلط على دبر امرأته، ولكنه قول شاذ ضعيف، فلو فعل شخص ذلك الفعل مع امرأته فإنه لا يحد، ولكنه يؤدب لأنه لم يرتكز على قول صحيح، فما نسب إلى المالكية من جواز ذلك فهو محمول على ذلك القول الشاذ الضعيف، والمعتمد عندهم أنه حرام يوجب التأديب وإن سقط به الحد.
ويحد واطئ المعتدة من الغير على التحقيق، وكذلك من وطئ خامسة، أو طلق زوجته طلاقا باتا ووطئها عمدا، وغير ذلك مما هو مبين في حد الزنا.
الحنابلة - قالوا: الوطء بشبهة يوجب مهر المثل. ويرفع الحد، والشبهة في الملك كأن يطأ أمته المحرمة عليه برضاع لاعتقاد حلها بملكه، أو اشتبه في عينها بأن ظنها امرأته وليست كذلك. أو وطئها بعد طلاق بائن في عدتها منه، أو وطئ أمة مشتركة بينه وبين غيره لشبهة الملك أيضا. أو وطئ في عقد فاسد عند الحنابلة صحيح عند غيرهم، فإن كل هذا يرفع الحد) .
(3) (المالكية - قالوا: الشغار ينقسم إلى ثلاثة أقسام: شغار صريح، وهو أن يقول له: زوجني أختك مثلا، على أن أزوجك أختي بحيث لا يكون لإحداهما مهر، بل بضعها في نظير بضع الأخر.
الثاني، ويقال له: وجه شغار، وهو أن يقول له: زوجني أختك بمائة على أن أزوجك أختي بمائة، فالأول صريح الشغار لأنه رفع منه المهر رأسا، فلم يسميا لأحد مهرا، والثاني يقال له: وجه شغار لأنه وإن كان قد سمى لكل منهما صداقا، ولكنه اشترط زواج إحداهما في نظير الأخر، فالتسمية في هذه الحالة كلا تسمية، الثالث: المركب منهما، وهو أن يقول له: زوجني أختك مثلا بخمسين جنيها على أن أزوجك أختي، أو أمتي بلا مهر، فهو في هذه الحالة صريح فيمن لم يسم لها، وذو وجه فما سمى لها.
وحكم الشغار الصريح البطلان، فيفسخ العقد قبل الدخول وبعده، فإن فسخ قبل الدخول فلا شيء لهما، وإن فسخ بعده كان لهما مهر المثل بالوطء. وحكم وجه الشغار البطلان، ولكن يفسخ قبل الدخول لا بعده بطلاق، أما بعده فإن العقد فيه يثبت بالأكثر من المسمى. وصداق المثل، بمعنى أنها تأخذ الأكثر، فإذا كان قد سمى لها خمسين، وكان صداق مثلها كان لها الحق في المائة وبالعكس، ولو وقع وجه الشغار لا على الشرط فإنه يصح. فلو زوجة أخته بمائة، فكافأه الآخر على ذلك وأعطاه أخته بمائة، فإنه يصح. أما حكم المركب منهما فإن المسمى لها يفسخ عقدها قبل الدخول، ويثبت بعده، بالأكثر من المسمى، ومهر المثل، وأما غير المسمى لها فإن عقدها يفسخ قبل الدخول وبعده، ولها في حال الفسخ بعد الدخول صداق المثل.
الشافعية - قالوا: الشغار هو أن يقول له: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، وبضع كل منهما صداق الأخر، فيقول: قبلت، وكذا لو قال له: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك وبضع كل منهما ومائة جنيه صداق الأخر، فإن ذكر المال لم يخرج البضع عن كونه صداقا وعله التحريم أنه جعل كلا منهما مشتركا فيها، لأن كل واحدة مستحقة للرجل ولا بنته فهي زوجة للرجل وصداق لبنته، فكأن بضعها مشترك فيه اثنان. فأشبهت المتزوجة بالاثنين، فلو لم يذكر البضع بأن قال: زوجتك بنتي بمائة على أن تزوجني بنتك بمائة فإن العقد يصح، ولكن يبطل المسمى، وذلك لأنه جعل المسمى في العقد الثاني زواج البنت، والمائة وزواج البنت الثانية غير معلوم، فبطل المسمى كله في الثاني،ويبطل في العقد الأول لنه مبني على الفاسد - وهو الثاني - لأن النكاح مشروط به والمبني على الفاسد فاسد.
هذا، وإذا وطئها في نكاح الشغار كان لها مهر المثل كما تقدم فإن الشافعية يقولون: إن النكاح الفاسد يوجب مهر المثل.
وليس من الشغار ما يقع في الأرياف من الاتفاق على أنه يتزوج ابنا الرجلين بنتي الآخر مع عدم ذكر صداق لهما وعدم التعرض لذلك في العقد.
الحنفية - قالوا: نكاح الشغار. هو أن يزوج الرجل بنته لابن الآخر مثلا في نظير أن يزوج الآخر ابنته لا بنه. على أن يكون بضع كل منهما صداقا للأخر كما فسره الشافعية ولو قال له: زوجتك أختي على أن تزوجني أختك، ولم يذكر أن بضع إحداهما صداقا أو ذكره ولكن الآخر لم يقبل كون صداق أخته بضع الأخر. فإنه لا يكون شغارا. وحكم هذا أن العقد صحيح عند الحنفية. ويجب فيه مهر المثل لكل من الاثنتين.
وقد اعترض على الحنفية بأن الشغار منهي عنه بحديث الصحيحين والنهي يقتضي فساد المنهي عنه فأجابوا عن هذا بوجهين:
أحدهما: أن المهني عنه حصول حقيقة الشغار. ونحن نقول: إن هذه الحقيقة المهني عنها غير نافذة عندنا. وإنما الذي نقول بحله ونفاذه إنما هو العقد بمهر المثل. فبطل كونه صداقا ويمكن تلخيص ذلك بأن النهي وارد على جعل البضع صداق فلا يصح، كما لا يصح جعل الخمر والخنزير صداقا فيبطل الصداق المسمى. ويبقى العقد بمهر المثل.
ثانيهما: أن النهي للكراهة لا للفساد. وذلك لأن الشارع جعل فساد المسمى في الصداق موجبا لمهر المثل في غير هذا مع الكراهية. فيحمل النهي هنا على الكراهة قياسا على غيره.
الحنابلة - قالوا: الشغار هو أن يزوجه بنته. أو غيرها ممن له عليها ولاية على أن يزوجه الآخر بنته. أو من له عليها ولاية. ولم يذكرا مهرا أو قالا: بدون مهر ولا يشترط أن يقولا: وبضع إحداهما صداق الأخر، وكذا إذا قال له: زوجتك أختي على أن تزوجني أختك وبضع كل منهما ومائة درهم صداق الأخر، فهذا شغار، وهو نكاح فاسد.
واستدل الحنابلة بما رواه أحمد عن عمر وزيد بن ثابت أنهما فرقا بين المتناكحين، لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله وعليه وسلم نهى عن الشغار، والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق متفق عليه، وروى أب هريرة مثله، أخرجه مسلم.
(4) وقد عرفت أجوبة الحنفية عن هذا، فهم يجعلون النهي منصبا على تسمية الصداق، ولكن الحنابلة يقولون: إن النهي من حيث موافقته على شرط فاسد ولا أدري ما وجه ذلك. لأن النهي كما يصح أن يكون على الموافقة على شرط فاسد كذلك يصح أن يكون على تسمية الفاسد وجعله شرطا بدون فرق، على الحنابلة قالوا: إذا سمى مهرا كأن قال: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك، ومهر كل واحدة مائة، فإنه يصح العقد بالمسمى إذا لم يذكر البضع خلافا للشافعية، ولو سمى المهر لإحداهما ولم يسم للأخر صح نكاح من سمي لها دون الأخر خلافا للمالكية في الصورتين)
الحنابلة - قالوا: مهر المثل يفرضه الحاكم بالقياس إلى نساء قرابتها، كأم، وخالة، وعمة وأخت، فيعتبره الحاكم بمن تساويها منهن في مال، وجمال، وعقل، وأدب، وسن، وبكارة، أو ثيوبة، ويراعى في ذلك من كانت إليها أقرب بالترتيب، فإذا ساوتها أمها قيست بها وإلا فأختها، وإلا فعمتها، وإلا فخالتها، فإن لم يكن لها أقارب قيست بمن يشابهها من نساء بلدها.
وقد عرفت أن مهر المثل يفرض عند عدم تسمية مهر في العقد الصحيح. أو تسمية ما لا تصح



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 368.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 362.34 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (1.65%)]