أسباب الخلافات الزوجية والأسرية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         لا تشغلنكم مصيبة عن دينكم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الله يصنع لدينه.. فلا تحزنوا ولا تبتئسوا ولا تتباءسوا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 68 - عددالزوار : 822 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4412 - عددالزوار : 850185 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3942 - عددالزوار : 386318 )           »          الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 65 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 71 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأخت المسلمة

ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-01-2022, 06:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,540
الدولة : Egypt
افتراضي أسباب الخلافات الزوجية والأسرية

أسباب الخلافات الزوجية والأسرية :
(1) الوازع الديني



الحمد ‌لله، ‌والصلاة ‌والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان.

اللهم أصلحنا، وأصلح لنا زوجاتنا، وذرياتنا، ‌واجعلهم ‌قرة أعين لنا، واجمعنا وإياهم في جناتك جنات النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين، أما بعد:
تعيش الأسرة المسلمة الكثير من الخلافات والنزاعات الأسرية والمجتمعية، ويرجع ذلك لعدة أسباب وعلى رأسها:
ضعف الوازع الديني في نفوس أفراد الأسرة، ومتى ‌ضعف ‌الوازع ‌الديني قل الخوف من الله تعالى؛ بحيث إذا خلا العبد بالمحارم انتهكها، فكلما زينت له نفسه شهوة بادَر في قضائها، وغلبته أهواؤه وأنانيته، وأهمل ما عليه من الحقوق والواجبات الأسرية والمجتمعية، وكان من ‌نتائج ‌ذلك أن تفككت روابط ‌الأسرة الإسلامية، وفشت فوضى الحياة الزوجية إلى درجة أصبحت تهدد المجتمع بالتمزق والانهيار، وقد سعت الشريعة الإسلامية لمعالجة الخلافات الأسرية والمجتمعية ببيان خطرها، ونشر المحبة والوئام بين أفراد الأسرة والمجتمع المسلم.

وحتى تتضح الرؤية فلا بد من ‌‌‌التحذير ‌من ‌بعض مظاهر التقصير في الجانب الإيماني، والقضاء على مسبباتها، والتحذير من مضارها العاجلة والآجلة على واقع الأسرة ومن ذلك:
خلافات زوجية وأسرية سببها التقصير في الجانب الإيماني ومنها:
الاستهانة بالمعاصي[1]:
إن المعاصي كلها غير محبوبة، وهي منشأ كل مصيبة، و‌رأس ‌كل ‌شر، ومنها تتشعب كل ما لا يرضى الله تعالى، وهي سبب رئيس من أسباب الخلافات الزوجية والأسرية والمجتمعية، وارتكاب الأزواج المعاصي على اختلاف أشكالها، من عدم الالتزام بالأوامر ‌من ‌صلاةٍ، ‌وصيام، وصدقة، ‌وحج، وإحسان، وصلة، وغير ذلك، أيا كان فرضًا أو نفلًا، وعدم اجتناب الكبائر، والتباعد من الصغائر نية وقولًا وفعلًا، وللمعاصي من الآثار المضرة بالبدن والقلب في العاجل والآجل ما لا يعلمه إلا الله سبحانه، ومن المعاصي ‌ما ‌يلي:
اتباع ‌خطوات ‌الشيطان:
إن للشيطان تأثيرًا خطيرًا في تأجيج الخلافات، وتضخيم المشاكل بين الزوجين، فهو يوقع العداوة والكره والبغضاء بينهم، وحذَّر الحقُّ تعالى من اتباع سبل الشيطان، وسبله متعددة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 168، 169].

والمعنى: يا أيُّها الناسُ دَعوا خُطوات الشيطان الذي يوبقكم فيهلككم، ويوردكم مَوارد العطب، ويحرِّم عليكم أموالكم، فلا تتبعوها ولا تعملوا بها، إنه يعني إن الشيطان، والهاء عائدة على الشيطان لكم أيها الناس عدو مُبين، يعني: أنه قد أبان لكم عَداوته، بإبائه عن السجود لأبيكم، وغُروره إياه حَتى أخرجه من الجنة، واستزله بالخطيئة، وأكل من الشجرة، فلا تنتصحوه، أيها الناس، مع إبانته لكم العداوة، ودعوا ما يأمركم به، والتزموا طاعتي فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه مما أحللته لكم وحرَّمته عليكم، دون ما حرمتموه أنتم على أنفسكم وحللتموه، طاعة منكم للشيطان واتباعًا لأمره[2].

وعن وقيعة الشيطان وتحريشه فيما ‌بين ‌الزوجين بالفتن، قال جابر: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى ‌فَرَّقْتُ ‌بَيْنَهُ ‌وَبَيْنَ ‌امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ» قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: «فَيَلْتَزِمُهُ»[3].

يقول إبليس: ما صنعت شيئًا، قال صلى الله عليه وسلم: «ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته؛ [أي: الإنسان] ، حتَّى ‌فرقت ‌بينه ‌وبين ‌امرأته، فيدنيه منه؛ [أي: يقرب إبليس ذلك الغَوِيَّ من نفسه] ، فيقول: نعم أنت» نعم حرف إيجاب، وأنت مبتدأ خبره محذوف؛ أي: أنت صنعت شيئًا عظيمًا، «فيلتزمه»؛ أي: يعانقه إبليس ويعذره من غاية حبه للتفريق بينهما؛ لأنَّه أعظم فتنة؛ لما فيه من انقطاع النسل، والوقوع في الزنا الذي هو أفحش الكبائر بعد الإشراك بالله[4].

وأكثر ما يدخل المعاصي على العبد من أبواب أربعة، من حفظها أحرز دينه وهي: اللحظات، والخطرات، واللفظات، والخطوات، فينبغي للعبد أن يكون ‌بواب ‌نفسه ‌على ‌هذه ‌الأبواب ‌الأربعة، ويلازم الرباط على ثغورها، فمنها يدخل عليه العدو، فيجوس خلال الديار ويتبر ما علا تتبيرًا[5].

إن إلقاء العداوة والبغضاء والتفريق بين الزوجين هو إحدى خطوات الشيطان، ومن الأمور المحبوبة لديه، فالخلافات من الأمور الطبيعية؛ لكن الشيطان يجعل الصغير كبيرًا، ويفسد على الزوجين بيتهم ويفكك أسرتهم، وقد وضعت الشريعة الإسلامية خطط محكمة التي لو أحسن الزوجين استغلالها لفاق تأثيرها كل وسيلة للقضاء على بذور الخلاف والشقاق، واستبدال الخلافات بترابط الأسر وتكاتفها.

‌وآخر ‌دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

[1] المعاصي هي: ترك المأمورات، وفعل المحظورات، أو ترك ما أوجب وفرض من كتابه أو على لسان رسوله، وارتكاب ما نهى الله عنه أو رسوله صلّى الله عليه وسلّم من الأقوال والأعمال الظّاهرة أو الباطنة؛ انظر: ‌المعاصي ‌وآثارها ‌على ‌الفرد ‌والمجتمع؛ تأليف حامد بن محمد بن حامد المصلح، ص30، رسالة ماجستير، كلية الشريعة، جامعة أم القرى، السعودية- 1408هـ- 1988م.
[2] ‌‌ تفسير الطبري (3/ 300).
[3] ‌‌ صحيح مسلم (4/ 2167) رقم (2813).

[4] ‌‌ شرح المصابيح لابن الملك (1/ 88).
[5] الداء والدواء لابن القيم (ص152).
_________________________________________________
الكاتب سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18-12-2022, 11:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,540
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسباب الخلافات الزوجية والأسرية

أسباب الخلافات الزوجية والأسرية (2)
الكاتب سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر



الحمد لله رب العالمين، ‌والصلاة ‌والسلام ‌على سيدنا محمد، وآله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
أيها ‌الأخيار الأبرار، أسال الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يحفظنا وإياكم، ويحفظ ‌أزواجنا، وأعراضنا، وأبناءنا، وأسرنا، ومجتمعنا؛ إنه أرحم الراحمين.

هذا هو المقال الثاني في الحديث عن خلافات زوجية وأسرية، سببها التقصير في الجانب الإيماني؛ ومنها:
تعاطي المسكرات أو ‌المخدرات:
العقل نعمة من نِعَمِ الله الجليلة؛ فهو الذي يميز به الإنسان بين الخير والشر، وهو مناط التكليف، والحفاظ عليه، أحد الكليات الضرورية الخمسة، التي أمر الشارع بصيانتها، وعدم الاعتداء عليها؛ وهي: ‌حفظ ‌الدين، والنفس، والعقل، والنسب، والمال، فيأتي حفظ العقل في المرتبة الثالثة، والعبث بالعقل جريمة فظيعة، وفساد كبير، ومن جرائمه انحراف الأفراد، ‌وانهيار ‌الأسر؛ بسبب تعاطي المسكرات والمخدرات؛ مما يترتب عليها البغضاء والخلافات، و‌انهيار ‌الأسرة وتفككها.

وإن من أضرار المخدرات الدينية، والأسرية، والاجتماعية، الصد ‌عن ‌ذكر ‌اللَّه وعن الصلاة، ووقوع العداوة والنزاع والخصام بين متعاطي المخدرات وغيره، حتى مع أقرب الناس إليه: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91].

تأثيره في المجموع العصبي، فهو الذي يولد الجنون، ويهلك النسل، فولد السكور لا يكون نجيبًا، وولد ولده يكون شرًّا من ولده، وأضعف بدنًا وعقلًا، وقد يؤدي تسلسل هذا الضعف إلى انقطاع النسل ألبتة، ولا سيما إذا جرى الأبناء على طريق الآباء كما هو الغالب، ومن مضرات الخمر في التعامل وقوع النزاع والخصام بين السكارى بعضهم مع بعض، وبينهم وبين من يعاشرهم ويعاملهم، تثير ذلك أدنى بادرة من أحدهم، فيوغلون فيه، حتى يكون عداوة وبغضاء، وهذه العلة في التحريم من أكبر العلل في نظر الدين... ومن مضراتها المالية أنها تستهلك المال وتفني الثروة[1].

وقد حرم ‌الله تعالى الخمر وثمنها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؛ عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بالمدينة، قال: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُعَرِّضُ بِالْخَمْرِ، وَلَعَلَّ اللهَ سَيُنْزِلُ فِيهَا أَمْرًا، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلْيَبِعْهُ وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ، قَالَ: فَمَا لَبِثْنَا إِلَّا يَسِيرًا، حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‌إِنَّ ‌اللهَ ‌تَعَالَى ‌حَرَّمَ ‌الْخَمْرَ، فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلَا يَشْرَبْ، وَلَا يَبِعْ، قَالَ: فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ فَسَفَكُوهَا))[2].

فالعلاقات الزوجية قد تشهد حالة من التوتر والنزاع، بسبب تعاطي المخدرات وشرب المسكرات، اللذين بدورهما يؤديان إلى هدر المال، وضعف الإنتاج، وقلة الدخل، وسوء الأخلاق، وجلب الأمراض، وغير ذلك الكثير من الأضرار التي تسبب في زرع التشاحن، وغرس النفور بين الزوجين، مما يدفع الزوجين إلى تهديد رابطة الزوجية، واللجوء للطلاق.

‌ارتكاب المحظورات:
وإن من أعظم المحظورات سب النبي صلى الله عليه وسلم؛ عن عكرمة، قال: حدثنا ابن عباس أن أعمى كانت له ‌أمُّ ‌ولد، ‌تشتم النبي صلى الله عليه وسلم، وتقع فيه، فينهاها، فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، قال: فلما كانت ذات ليلة، جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم، وتشتمه، فأخذ المغول فوضعه في بطنها، واتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمع الناس فقال: ((أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ، فَقَامَ الْأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ، حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ تَشْتُمُكَ، وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَأَزْجُرُهَا، فَلَا تَنْزَجِرُ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ، وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ[3] فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ))[4].

فالمرأة كانت تحسن عشرة زوجها، وترفق به، وهي أم لولدين، فصبر الزوج عليها، فنهاها وزجرها واجتهد في إصلاحها، لكنها أبت إلا أن تكرر سب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع كون الزوج أعمى ويعايش رفقها به، ويعلم أثر فقد الولدين لأمهم؛ فقال: ((‌وكانت ‌بي ‌رفيقة))، ليدفع عن نفسه التهمته في أنه قتلها في غير ما قاله، وقد قدَّم محبة النبي صلى الله عليه وسلم، والدفاع عنه على سائر تلك محبوباته، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم دمها هدرًا؛ أي: ساقطًا، بلا قصاص ولا دية.

وفي مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الإثم والعقاب، وأشدها خطرًا ‌السبع ‌الموبقات؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجْتَنِبُوا ‌السَّبْعَ ‌المُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ))[5].

قال ابن مسعود: "أيكم استعاذ، فليستعذ بالله من مضلات الفتن، ومن ‌فتنة ‌الأهل أيضًا الإسراف والغلو فى النفقة عليهن، والشغل بأمورهن عن كثير من النوافل، وفتنته فى ماله أن يشتد سروره به حتى يغلب عليه، وهذا مذموم"[6].

ختامًا:
أسأل أن يجعل عملي هذا خالصًا، وأن ينفع به ‌القارئ ‌والسامع، والناظر فيه، إنه ‌ولي ‌ذلك ‌والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

[1] تفسير المنار (2/ 260).

[2] صحيح مسلم (3/ 1205) رقم (1578).

[3] (المغول): آلة ذات نَصْل دقيق يكون مخبوءًا في مثل سوط أو عكَّازة، (هدر) ذهب دمه هدرًا، وأهدر دمه: إذا لم يدرك ثأره، ولا مكَّن وليه من أخذ ثأره؛ [انظر: جامع الأصول (10/ 259)].

[4] سنن أبي داود (4/ 129) رقم (4361).

[5] صحيح البخاري (4/ 10) رقم: (2766)، صحيح مسلم (1/ 92) (89).

[6] شرح صحيح البخارى لابن بطال (4/ 13).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18-12-2022, 11:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,540
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسباب الخلافات الزوجية والأسرية

أسباب الخلافات الزوجية والأسرية (3)
الكاتب سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر



الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد بن عبدالله، رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين؛ أما بعد:
أيها الأكارم، السلام عليكم ورحمة الله.
هذا هو المقال الثالث في الحديث عن أسباب الخلافات الزوجية والأسرية؛ ومنها:
الكسب الحرام:
إن من الواجب على كل مسلم أن يتحرى في كسبه طرق الحلال، ويجتنب الكسب الحرام، أو ما فيه شبهة حرام؛ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51] وَقَالَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، ‌وَمَشْرَبُهُ ‌حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟))[1].

قال النووي: "وهذا الحديث أحد الأحاديث التي هي قواعد الإسلام، ومباني الأحكام... وفيه ‌الحث ‌على ‌الإنفاق ‌من ‌الحلال، ‌والنهي عن الإنفاق من غيره، وفيه أن المشروب والمأكول والملبوس ونحو ذلك ينبغي أن يكون حلالًا خالصًا لا شبهة فيه"[2].

ومما ينبغي على الزوجة أن تكون عونًا وسندًا لزوجها على شدائد الأيام، وألَّا تكلفه ما لا يطيق، أو ما يلجئه للكسب الحرام؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَوْ جَابِرٍ ((أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ خُطْبَةً، فَأَطَالَهَا، وَذَكَرَ فِيهَا أَمْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَذَكَرَ أَنَّ أَوَّلَ مَا هَلَكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنَّ امْرَأَةَ الْفَقِيرِ كَانَتْ تُكَلِّفُهُ مِنَ الثِّيَابِ أَوِ الصِّبْغِ - أَوْ قَالَ: مِنَ الصِّيغَةِ - ‌مَا ‌تُكَلِّفُ ‌امْرَأَةُ ‌الْغَنِي...))[3].

وعن تناول الزوجة لكسب زوجها من الحرام، قال الفقهاء: "إن أتاها الزوج ‌بنفقة ‌حرام لم يلزمها قبولها، بل لم يجُزْ لها تناولها"[4].

والمرأة الصالحة تخاطب زوجها في الصباح توصيه بالاقتصار على الكسب الحلال الطيب؛ قال الحسن البصري: "وقفت على بزاز بمكة أشتري منه ثوبًا، فجعل يمدح ويحلف، فتركته وقلت: لا ينبغي الشراء من مثله، واشتريت من غيره، ثم حججت بعد ذلك بسنتين، فوقفت عليه، فلم أسمعه يمدح ولا يحلف، فقلت له: ألست الرجل الذي وقفت عليه منذ سنوات؟ قال: نعم، قلت له: وأي شيء أخرجك إلى ما أرى؟ ما أراك تمدح ولا تحلف! فقال: كانت لي امرأة إن جئتها بقليل نزرته، وإن جئتها بكثير قللته، فنظر الله إليَّ فأماتها، فتزوجت امرأة بعدها، فإذا أردت الغدو إلى السوق أخذت بمجامع ثيابي، ثم قالت: يا فلان، اتقِ الله ‌ولا ‌تطعمنا إلا طيبًا، إن جئتنا بقليل كثرناه، وإن لم تأتِنا بشيء أعناك بمغزلنا"[5].

بزَّاز: بائع الثياب والأقمشة بعامة، ونزرت الشيء نزرًا: ‌قللته.

فالحياة الزوجية والأسرية ‌استقرار وطمأنينة، كما أنها تتحول إلى قلق وتوتر ونزاع مستمر، بسبب الكسب الحرام، ومن أبواب الكسب الحرام: السرقة، والغش في البيع والشراء، وما اقتطع بيمين كاذبة، إلى غير ذلك، وحجة الكاسب من الحرام أنه مضطر؛ كي يوفر لأهله ومن يعولهم احتياجاتهم، فصار يستسهل الحرام، ومن آثار الكسب الحرام على البيوت أنه يفتح أبواب الشر على نفسه وأهله من العداوة والقطيعة، وتردي الأوضاع، وتحول السعادة إلى شقاء.

الرضا ‌بالمنكر:
‌ إن الرضا ‌بالمنكر، والمتابعة عليه هو الهلاك ‌الذي لا يُرجى معه نجاة؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ ‌وَأَهْلِيكُمْ ‌نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم:12].

فمما ينبغي على العبد المسلم تعليم وتأديب أهله وقرابته، ما أوجبه الله عليهم، فـ"يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصية الله، وأن يقوم عليهم بأمر الله، ويأمرهم به ويساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية، ردعتهم عنها وزجرتهم عنها"[6].


ومن ‌شقاء الرجل المرأة السوء، فهي حمل ثقيل؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي لَا تَمْنَعُ ‌يَدَ ‌لَامِسٍ قَالَ: غَرِّبْهَا، قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَتْبَعَهَا نَفْسِي، قَالَ: فَاسْتَمْتِعْ بِهَا))[7].


فقوله: ((لا ترد ‌يد ‌لامس)) معناه: أنها مطاوِعة لمن أرادها لا ترد يده، هذا وإن كان اللفظ يقتضيه احتمالًا، فإن قوله صلى الله عليه وسلم: ((فأمسكها إذًا)) يأباه، ومعاذ الله أن يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إمساك من لا تماسك لها عن الفاحشة، فضلًا من أن يأمر به، وإنما الوجه فيه أن الرجل شكا إليه خرقها وتهاونها، بحفظ ما في البيت والتبرع ببذله لمن أراده"[8].


ومن ‌شؤم الزوجة أنها إذا كانت "ضعيفة ‌الدين في صيانة نفسها وفرجها ‌أزْرَتْ بزوجها، وسودت بين الناس وجهه، وشوشت بالغيرة قلبه وتنغص بذلك عيشه، فإن سلك سبيل الحمية والغيرة لم يزل في بلاء ومحنة، وإن سلك سبيل التساهل كان متهاونًا بدينه وعرضه، ومنسوبًا إلى قلة الحمية والأنفة، وإذا كانت مع الفساد جميلة، كان بلاؤها أشد؛ إذ يشق على الزوج مفارقتها، فلا يصبر عنها، ولا يصبر عليها[9].

ولعل من المناسب القول بأنَّ الرضا بالمنكر من الأهل، والسكوت والتغاضي بمنزلة مرتكبه، فيلحقه من الإثم ما يلحق من فعله، والسكوت عن المنكر من مداخل الشيطان، ودلالة على رقة الدين، وذهاب المروءة، ويعد استخفافًا بأوامر الله تعالى، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، واستخفافًا بالمسؤولية ‌التي حمَّل الله تعالى الراعي إياها.

نظر الْعين إِلَى ‌مَا ‌نهى ‌عَنْهُ:
إن من أفضل الأعمال الصالحة تنميةُ الرقابة الذاتية، وعلم العبد بأن الله تعالى مطلع عليه، قال تعالى: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]؛ قال الترمذي: "وخيانة العين المسارقة، كأنه يريد أن يسرق ممن لا يسرق منه، ويستخفي ممن لا تخفي عليه لمحة، فإنه لا ينظر، ولكنه يلحظ سرقة واختلاسًا لمكان المخلوقين، وقد غفل قلبه عن أن يراه أبصر الناظرين"[10].


وقال ابن القيم: "وإطلاق البصر يورث القلب ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه... وإرسال البصر لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه، وعدم ملاحظته للعواقب، فإن خاصة العقل ملاحظة العواقب، ومرسل النظر لو علم ما تجني عواقب نظره عليه، لَما أطلق بصره... ثم قال: وآفات إرساله أضعاف أضعاف ما ذكرنا، وإنما نبهنا عليه تنبيهًا"[11].

فإطلاق البصر فيما حرم الله تعالى، ومتابعة المواد الإعلامية الخليعة سواء في مواقع الإنترنت، أو في التلفاز، أو المجلات، أو في غيرها، مما يثير الشهوات، ويخدش الحياء والأخلاق، سببه ضعْف الوازع الديني، وغياب التربية الأخلاقية، إضافة إلى الانفتاح ‌على الثقافات الفاسدة عبر نافذة الإعلام، مما يترتب على ذلك الكثير من الأضرار الدينية والأخلاقية والصحية، والزوجية والأسرية والمجتمعية.

ختامًا:
نسأل الله تعالى أن يجنبنا جميعًا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقنا جميعًا الستر في الدنيا والآخرة، وأنْ يجْعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

[1] صحيح مسلم (2/ 703)، رقم (1015).

[2] شرح النووي على مسلم (7/ 100).

[3] التوحيد لابن خزيمة (2/ 758)، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/ 138) رقم (‌‌591).

[4] الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل (4/ 146).

[5] المجالسة وجواهر العلم (5/ 251).

[6] تفسير الطبري (23/ 492).

[7] سنن أبي داود (2/ 220) رقم (2049)، صحيح سنن أبي داود للألباني (6/ 289) رقم (1788).

[8] شرح المشكاة للطيبي (7/ 2364).

[9] إحياء علوم الدين (2/ 37).

[10] نوادر الأصول في أحاديث الرسول (2/ 228).

[11] روضة المحبين (1/ 101 وما بعدها).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18-12-2022, 11:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,540
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسباب الخلافات الزوجية والأسرية

أسباب الخلافات الزوجية والأسرية (4)
الكاتب سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.

‌أيها ‌الأخيار الأبرار: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بفضل من الله تعالى وتوفيقه، يتجدد الحديث عن: (أسباب الخلافات الزوجية والأسرية [4])، ومنها:
العلاقة المحرمة:
أكدت ‌‌الشريعة الإسلامية على حمايتها لأعراض الناس، والالتزام بصيانة شرفهم من العبث، فأمرت ‌بحفظ ‌الفروج كما أمرت بغض الأبصار التي هي بواعث ذلك، كما أمرت بحفظ الألسنة وصونها عن الخوض في الأعراض، وأوجبت عقوبات مغلظة، ‌كحد ‌الزنا ‌حفاظًا للأنساب، وحد القذف صيانة للأعراض.

وفي صحيح البخاري، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ عُوَيْمِرًا أَتَى عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي عَجْلَانَ، فَقَالَ: كَيْفَ تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، ‌أَيَقْتُلُهُ ‌فَتَقْتُلُونَهُ، ‌أَمْ ‌كَيْفَ ‌يَصْنَعُ؟ سَلْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَتَى عَاصِمٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَسَائِلَ، فَسَأَلَهُ عُوَيْمِرٌ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ المَسَائِلَ وَعَابَهَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَجَاءَ عُوَيْمِرٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا ‌أَيَقْتُلُهُ ‌فَتَقْتُلُونَهُ ‌أَمْ ‌كَيْفَ ‌يَصْنَعُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ القُرْآنَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ»، فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُلَاعَنَةِ[1] بِمَا سَمَّى اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَلَاعَنَهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ حَبَسْتُهَا فَقَدْ ظَلَمْتُهَا فَطَلَّقَهَا، فَكَانَتْ سُنَّةً لِمَنْ كَانَ بَعْدَهُمَا فِي المُتَلَاعِنَيْنِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْظُرُوا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ، أَدْعَجَ العَيْنَيْنِ، عَظِيمَ الأَلْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ[2]، فَلَا أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا إِلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ، فَلَا أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا إِلَّا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا»، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَصْدِيقِ عُوَيْمِرٍ، فَكَانَ بَعْدُ يُنْسَبُ إِلَى أُمِّهِ»[3].

‌قال ‌الإمام ‌بدر ‌الدين ‌العيني(ت855) عند كلامه عن الأحكام المستنبطة من الحديث[4]، "ذكر استنباط الأحكام: وهو على وجوه":
الأول: الاستعداد للوقائع قبل وقوعها؛ ليعلم أحكامها.
الثاني: الرجوع إلى من له الأمر.
الثالث: أداء الأحكام على الظاهر، والله يتولى السرائر.
الرابع: كراهة المسائل التي لا يحتاج إليها، لا سيما ما كان فيه هتك سيرة مسلم أو مسلمة، أو إشاعة فاحشة على مسلم أو مسلمة.
الخامس: الْعَالم يقصد في منزله للسؤال ولا ينتظر به عند تصادفه في المسجد أو الطريق.
السادس: اختلف العلماء فيمن قتل رجلا، وزعم أنه وجده قد زنا بامرأته، فقال جمهورهم: لا يقتل بل يلزمه القصاص؛ إلا أن تقوم بذلك بينة أو تعترف به ورثة القتيل، والبينة: أربعة من عدول الرجال يشهدون على نفس الزنا ويكون القتيل محصنا، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فإن كان صادقا فلا شيء عليه.
السابع: مشروعية اللعان وهو مقتبس من قوله تعالى: ﴿ وَالْخَامِسَة أَن لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين ﴾ (النُّور: 7)، وقال أصحابنا: اللعان شهادة مؤكدة بالأيمان مقرونة باللعن والغضب، وأنه في جانب الزوج قائم مقام حد القذف، وفي جانبها قائم مقام حد الزنا.
الثامن: أن اللعان يكون بحضرة الإمام أو القاضي، وبمجمع من الناس.

ومن الأحكام أيضًا: تقدم لفظ: اللعن، على لفظ: الغضب، وإن كانا موجودين في الآية؛ لأن لفظ اللعن متقدم في الآية، ولأن جانب الرجل فيه أقوى من جانبها لأنه قادر على الابتداء باللعان دونها، ولأنه قد ينفك لعانه عن لعانها ولا ينعكس.

واختلف العلماء في سبب نزول آية اللعان: هل هو بسبب عويمر العجلاني، أم بسبب هلال بن أمية؟
وقصة هلال بن أمية ذكرها الإمام البخاري في صحيحه: كتاب تفسير القرآن- ‌‌بَابُ: ﴿ وَيَدْرَأُ عَنْهَا العَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الكَاذِبِينَ [النور: 8]. (6/ 100) رقم (4747)، وذكرها الإمام مسلم ‌‌في كتاب الطلاق، - باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، وغيرها بوضع الحمل. (2/ 1134) رقم(1496).

قال الإمام النووي: ويحتمل أنها نزلت فيهما جميعا فلعلهما سألا في ‌وقتين ‌متقاربين، ‌فنزلت الآية فيهما، وسبق هلال باللعان فيصدق أنها نزلت في هذا، وفي ذاك وأن هلالا أول من لاعن والله أعلم[5].

وقد اختلف الفقهاء في الفرقة بين الزوجين بسبب اللعان:
قال أبوحنيفة: وإذا التعنا لا تقع الْفرْقة؛ حتى يفرق القَاضي بينهما، وتكون الْفرْقة تطْليقة بائنة، وهو خاطب إِذا ‌أكذب ‌نفسه[6].

وقال مالك: السنة ‌في ‌المتلاعنين أنهما لا يتناكحان أبدا، وإن كذب نفسه جلد الحد، ولحق به الولد، ولم ترجع إليه امرأته، وتلك السنة عندنا لا شك فيها[7].

وقال الشافعي: إذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان، ‌فقد ‌زال ‌فراش ‌امرأته ولا تحل له أبدا بحال وإن أكذب نفسه لم تعد إليه، التَعَنَتْ أو لم تَلْتَعِنْ حُدَّتْ أو لم تُحَدَّ[8].

وقال ‌أحمد: الملاعن إذا ‌أكذب ‌نفسه بعد اللعان لم ترد عليه امرأته[9].

‌وجملة القول: الْفُرْقَةُ بين ‌المتلاعنين فُرْقَةٌ مؤبدة عند الجمهور، وقال الشافعي يتعلق ‌بلعان ‌الزوج وحده فرقة ‌مؤبدة، وعند أبي حنيفة ومحمد، توجب فُرْقَةٌ مؤقتة إذا كذب الرجل نفسه، أو خرج أحد المتلاعنين عن أهلية اللعان.

وإن من العوامل التي تؤدي إلى خراب وتدمير الأسر إتيان الفواحش، والشريعة الإسلامية لم تكتف الشريعة بتحريمها؛ بل أغلقت جميع السبل المؤدية إليها، فحرمت مقدماتها كالنظر للأجنبية والخلوة بها، وحرمت التبرج، وإبداء الزينة والخضوع في القول من الليونة والميوعة في الكلام.

ختامًا:
نسأل الله تعالى أن يغفر لنا جميعا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وأن يجعل ‌عملنا هذا خالصًا لوجهه الكريم، ‌وآخر ‌دعونا أن الحمد لله رب العالمين.

[1]اللعان: ‌حلف ‌الزوج ‌على ‌زنا ‌زوجته، ‌أو ‌نفي ‌حملها ‌اللازم ‌له، ‌وحلفها ‌على ‌تكذيبه ‌إن ‌أوجب ‌نكولها ‌حدها ‌بحكم ‌قاض. ينظر: المختصر الفقهي لابن عرفة (4/ 360).

[2] (الأسحم): الأسود، (أدعَج العينين)؛ أي: أسود العينين، (خَدَلَّج الساقين)؛ أي: غليظ الساقين... (أحيمر) تصغير أحمر أي شديد الشقرة

[3] صحيح البخاري (6/ 99) رقم( 4745).

[4] عمدة القاري شرح صحيح البخاري» (19/ 75).

[5] شرح النووي على مسلم (10/ 120).

[6] بداية المبتدي (ص83).

[7] المدونة (2/ 354)

[8] الأم للشافعي (5/ 309).

[9] الجامع لعلوم الإمام أحمد (11/ 476).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18-12-2022, 11:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,540
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسباب الخلافات الزوجية والأسرية

أسباب الخلافات الزوجية والأسرية (5)
الكاتب سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر






الحمد ‌لله ‌وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أما بعد:
‌ ‌أيها ‌الإخوة ‌والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعون ‌الله تبارك وتعالى، هذا ‌هو ‌اللقاء الخامس الذي نكمل فيه ما تكلمنا عنه فيما سبق عن أسباب الخلافات الزوجية والأسرية؛ ومنها:
سوء الاختيار:
عنيت الشريعة الإسلامية بالمحافظة على الحياة الزوجية والأسرية عناية بالغة؛ ومن ذلك حضها على الزواج، وتوضيحها للمعايير التي ينبغي ‌مراعاتها في الزوجين؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾ [النور: 32].

قال ابن جزي: "قال الزمخشري: الصالحين ‌بمعنى ‌الصلاح ‌في ‌الدين، قال: وإنما خصهم الله بالذكر؛ ليحفظ عليهم صلاحهم، والمخاطبون هنا ساداتهم (الأولياء والحكام)"[1].

ومما ينبغي على الزوج أن يراعي في ‌اختيار ‌الزوجة أن تكون ذات دين؛ عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((‌تُنْكَحُ ‌المَرْأَةُ ‌لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ))[2].

قال البيضاوي: "من عادة الناس أن يرغبوا في النساء، ويختارونها لإحدى أربع خصال عدها، واللائق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون[3].

كما يجب ‌على ‌ولي ‌الزوجة أن يزوجها من صاحب ‌الدين والخلق؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((‌إِذَا ‌أَتَاكُمْ ‌مَنْ ‌تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيض))[4].

قال المظهري: "إذا طلب أحدٌ منكم أن تزوِّجوه امرأةً من أولادكم أو أقاربكم، فانظروا؛ فإن كان مسلمًا صالحًا حسن الخلق فزوِّجوه؛ لأنكم لو لم تزوِّجوا نساء أقاربكم إلا من معروفٍ صاحبِ مال وجاه، وغير ذلك من الصفات التي يميل إليها أبناء الدنيا، يبقى أكثر نسائكم بلا زوج، ويبقى أكثر الرجال بلا زوجة، وحينئذٍ يميل الرجال إلى النساء، والنساء إلى الرجال، ويكثر الزنا، ويلحق الأولياءَ العارُ بنسبة الزنا إلى نسائهم، وربما تغلب غيرةٌ على أقاربهم بما سمعوا من نسبة الزنا إليهن، فيقتلوهن، ويقتلون من قصدهن بالفواحش، وهذا كله فسادٌ عريض، وفتنة كبيرة"[5].

وإن من الأسباب الرئيسة التي لها دورها في التفريق بين المرء وزوجه، وتحطيم الاستقرار الأسري، وتنغيص الحياة الزوجية والأسرية - التساهلَ في ‌الصفات ‌التي ‌ينبغي توافرها في الزوجين؛ قال تعالى: ﴿ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ [النساء: 25][6]، وفي المقابل اشترطت ‌هذه ‌الشروط ‌في ‌الرجال؛ قال تعالى: ﴿ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ [المائدة: 5].


وقد حكى ‌ابن ‌كثير في تفسيره عن الإمام أحمد رحمه الله، قوله: "إنه لا يصح العقد من ‌الرجل العفيف على المرأة البغي، ما دامت كذلك حتى تستتاب، فإن تابت، صح العقد عليها، وإلا فلا، وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح، حتى يتوب توبة صحيحة"[7].

وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ بْنِ صُخَيْرٍ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ، تَقُولُ: ((إِنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُكْنَى، وَلَا نَفَقَةً، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي، فَآذَنْتُهُ، فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ، وَأَبُو جَهْمٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ، لَا مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ‌ضَرَّابٌ ‌لِلنِّسَاءِ، وَلَكِنْ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا: أُسَامَةُ، أُسَامَةُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طَاعَةُ اللهِ، وَطَاعَةُ رَسُولِهِ خَيْرٌ لَكِ، قَالَتْ: فَتَزَوَّجْتُهُ، فَاغْتَبَطْتُ))[8].

‌ وفي ‌رواية ‌لمسلم أيضًا: ((قَالَتْ: فَتَزَوَّجْتُهُ، فَشَرَّفَنِي اللهُ بِابْنِ زَيْدٍ، وَكَرَّمَنِي اللهُ بِابْنِ زَيْدٍ))[9].

من فوائد الحديث[10]:
جواز استفتاء المرأة وسماع المفتي كلامَها.

‌ المال معتبر في باب المكافأة، وفيه دلالة على أنه إذا لم يجد نفقة أهله وطلبت فراقه، فرق بينهما.

إباحة تأديب النساء، ولو كان غير جائز، لم يذكر ذلك من فعله إلا مقرونًا بالنهي عنه والإنكار له.

جواز ذكر ‌عيوب ‌الرجل للضرورة إلى ذلك عند المشورة، والاستنصاح لا يكون من الغيبة المحرمة،؛ كقوله: ((رَجُلٌ تَرِبٌ))؛ أي: فقير، ‌و((ضَرَّابٌ ‌للنساء))؛ أي: كثير الضرب للنساء.

جواز المبالغة في الكلام وأن ذلك لا يكون كذبًا، ولا في الأيمان حِنثًا؛ لقوله: ((لا يضع عصاه))، ومعلوم أنه قد يضعها، ولكنه لما كثر حمله للعصا، أُطلق عليه اللفظ مجازًا.

جواز الخطبة على خطبة الغير، إذا لم تحصل للأول إجابة؛ لأنها ذكرت أن معاوية وأبا الجهم خطباها، ولم تجبهما، وذكر لها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بعد خطبتهما، وقبلَ إجابتِها لهما.

جواز إنكاح من ليس بكفء في النسب؛ لأن أسامة مولًى وفاطمة قرشية، وكرهته لشدة سواده ولأنه مولى؛ ((فقالت بيدها هكذا: أسامة أسامة))!

قولها: ((فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ بِهِ))؛ أي: حصل لي منه ما قرت عيني به، وما يغبط ‌فيه ويتمنى؛ لقبولي نصيحة سيد أهل الفضل، وانقيادي لإشارته؛ فكانت عاقبته حميدة.

قولها: (فشرفني الله بأبي زيد، وكرمني الله بأبي زيد)؛ أي: بتزوجي أبا زيد، وهو كنية أسامة بن زيد، كرمني الله بأن جعلني مكرمة معظمة؛ لأن فيه طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن درر وصايا الحكماء:
من وصايا الآباء للأبناء، قال أكثم بن صيفي لولده: "يا بني، لا يغلبنكم جمال النساء عن صراحة النسب؛ فإن ‌المناكح ‌الكريمة ‌مدرجة ‌للشَّرف"[11].

ومن عناية الآباء بالأبناء، اختيارهم للزوجات الصالحات؛ وقال أبو الأسود الدؤلي لبنيه: "قد أحسنت إليكم صغارًا وكبارًا، وقبل أن تولدوا، قالوا: وكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد؟ قال: ‌اخترت ‌لكم ‌من ‌الأمهات من لا تُسَبُّون بها"[12].

ومن فضائل العرب أنهم يغارون على بناتهم أنْ ينكحن من لا يشبههم خلْقًا وخُلُقًا، ومن هذا قول امْرِئ الْقَيْس:
‌أيا ‌هِندُ، ‌لا ‌تَنْكِحي ‌بوهَة
‌عَلَيْهِ ‌عَقيقَتُهُ أحْسَبا[13][14]







والمعنى: يخاطب امرؤ القيس هندًا أخته (فيما ذكر الرواة) ويقول لها: لا تتزوجي رجلًا من جهلة العرب؛ يضع التمائم، ويقعد عن الخروج للحروب، وفي رسغه اعوجاج ويبس، لا يبحث إلا عن الأرانب ليتخذ كعوبها تمائم؛ جبنًا وفَرقًا[15].

والحمد لله رب العالمين، وصلواته وسلامه على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.


[1] تفسير ابن جزي (2/ 68).

[2] صحيح البخاري (7/ 7) رقم (5090)، صحيح مسلم (2/ 1086) رقم (1466).

[3] تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (2/ 330).

[4] سنن ابن ماجه (1/ 632) رقم (1967)، وقال الشيخ الألباني: حديث حسن.

[5] المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 13).

[6] "محصنات": عفيفات، "‌غير ‌مسافحات": غير ‌ميزانيات، "ولا متخذات أخدان": ولا متخذات أصدقاء على السفاح؛ ينظر: [تفسير الطبري (8/ 193)].

[7] تفسير ابن كثير (6/ 7).

[8] صحيح مسلم (2/ 1119) رقم (1480)

[9] صحيح مسلم (2/ 1120) رقم (1480).

[10] من كتب شروح الأحاديث.

[11] المعمرون والوصايا (ص4).

[12] أدب الدنيا والدين (ص158).

[13] ديوان امرئ القيس (ص79).

[14] البوهة: الرجل الأحمق، والْبَوْهَةُ: الرجل الضاوِيُّ ... يصفه باللؤم والشح، والبوهة: البومة العظيمة، تضرب مثلًا للرجل الذي لا خير فيه.
عقيقته: شعره الذي يولد به؛ أي: لم تحلق عقيقته في صغره حتى شاخ.
الأحسب: الأبرص، وقال ابن الأعرابي: الحسبة سواد يضرب إلى الحمرة؛ [ينظر: لسان العرب (1/ 316) وما بعدها].

[15] شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (1/ 223).







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18-12-2022, 11:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,540
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسباب الخلافات الزوجية والأسرية

أسباب الخلافات الزوجية والأسرية (6)
الكاتب سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر


الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله، والصلاة والسلام على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

الأفاضل ‌الأكارم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعون الله وفضله هذا هو المقال السادس الذي نتحدث فيه عن أسباب الخلافات الزوجية والأسرية [6]، ومنها:
سوء ‌العشرة:
فالعشرة بالمعروف واجبة ومأمور بها، قال الله تعالى: ﴿ وَعاشِرُوهُنَّ ‌بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء: 19].

قال الشَّافِعِي رحمه الله: جعل اللَّه تعالى للزوج على المرأة، وللمرأة على الزوج حقوقاً بينهما في كتابه، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم مفسرة ومجملة، ففهمها العرب الذين خوطبوا بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم، وجماع المعروف: إتيان ذلك بما يحسن لك ثوابه، وكف المكروه[1].

وما يقع بين الزوجين لا يخلو من أربعة أوجه: إما أن تكون مضرة به، أو يكون مضرًّا بها، أو كلاهما مؤدٍّ لحق صاحبه، أو كلاهما مضر بالآخر[2].

وعن الوصية بالنساء، وحسن المعاشرة معهن، والرفق بهن، عَنْ عَبْداللهِ بن زَمْعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ … وَذَكَرَ النِّسَاءَ فَقَالَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فَيَجْلِدُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ العَبْدِ، ‌فَلَعَلَّهُ ‌يُضَاجِعُهَا ‌مِنْ ‌آخِرِ يَوْمِهِ»[3].

وفي ‌الحديث: إنكار على من يجلد زوجته، ويكثر من ذلك حتى يعاملها معاملة الأمة، ثم إنه بعد ذلك باليسير يرجع إلى مضاجعتها، وإلى قضاء شهوته منها، فلا تطاوعه، ولا تتحسن له، وقد تبغضه، وقد يكون هو يحبها، فيفسد حاله، ويتفاقم أمرهما، وتزول الرحمة والمودة التي جعلها الله تعالى بين الأزواج، ويحصل نقيضها، فنبه صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ الوجيز على ما يطرأ من ذلك من المفاسد [4].

ولا ينبغي للزوج أن يبغض زوجته؛ لأنها لا تخلو من خير، ومن خصال حميدة فينبغي أن يراعيها ويستر ما سِوَى ذلك، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، ‌إِنْ ‌كَرِهَ ‌مِنْهَا ‌خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» أَوْ قَالَ: «غَيْرَهُ»[5].

والناس في عشرة النساء على ثلاثة أقسام: أعلاهم: من لحظ الأخلاق الجميلة والمحاسن، وغض عن المساوئ بالكلية وتناساها، والثاني: أقلهم توفيقًا وإيمانًا وأخلاقًا جميلة، من عكس القضية، فأهدر المحاسن مهما كانت، وجعل المساوئ نصب عينيه، وربما مددها وبسطها، وفسَّرها بظنون وتأويلات تجعل القليل كثيرًا، كما هو الواقع، والثالث: من لحظ الأمرين، ووازن بينهما، وعامل الزوجة بمقتضى كل واحد منها، وهذا منصف، ولكنه قد حرم الكمال[6].

‌وعن وجوب نفقة الزوجة وكسوتها، والنهي ‌عن ‌الأقوال ‌والأفعال ‌القبيحة في نحو اللعن والشتم والهجر وسوء العشرة وغير ذلك، ورد في الحديث، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟، قَالَ: «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، أَوِ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ»[7].

وفي هذا إيجاب النفقة والكسوة لها وليس في ذلك حد معلوم، وإنما هو على المعروف وعلى قدر وسع الزوج ‌وَجِدَتِه... وقوله: (ولا تضرب الوجه) دلالة على جواز الضرب على غير الوجه، إلا أنه ضرب غير مبرح، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ضرب الوجه نهيًا عامًّا لا تضرب آدميًّا ولا بهيمة على الوجه، وقوله: (ولا تقبح) معناه لا يسمعها المكروه ولا يشتمها بأن يقول: قبَّحك الله، وما أشبهه من الكلام، وقوله: (لا تهجر إلا في البيت)؛ أي لا تهجرها إلا في المضجع، ولا تتحول عنها أو تحولها إلى دار أخرى[8].

وسوء ‌العشرة ‌من ‌المرأة، وكفران إحسان زوجها وعقوقه من الكبائر الموجبة للنار، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ» قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: «يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ»[9].

وفى هذا الحديث تعظيم حق الزوج على المرأة، وأنه يجب عليها شكره والاعتراف بفضله؛ لستره لها وصيانته وقيامه بمؤنتها وبذله نفسه في ذلك[10].

ومما يجب على الزوجة نحو زوجها ‌ألا ‌يقع ‌منها معه ما من شأنه أن يتأذى به، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ: لَا تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ اللَّهُ؛ فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكِ دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا»[11].

قال المظهري: معنى هذا الحديث: إنك أيتها المرأة التي تُؤذي زوجَك في الدنيا إيذاؤك زوجك عصيان الله تعالى، وعصيان الله سبب دخول النار، ودخولك النار فراق بينك وبين زوجك مدة بقائك في النار إلى أن تخرجي من النار، وتدخلي الجنة، وتصلي إلى زوجك[12].

شرح الغريب:
قولها: قاتلك الله: أي لعنك عن رحمته وأبعدك عن جنته، وهو خطابٌ الْحُورِ الْعِينِ مع كل امرأة تؤذي زوجها المسلم.

الدخيل: الضيف والنزيل.

يوشك أن يُفارقك إلينا: أي: عن قريبٍ يتركُك بأن يموتَ ويصلَ إلينا؛ يعني: أنتِ زوجته في الدنيا، ونحن زوجاته في الآخرة.

‌يستفاد ‌من ‌الأحاديث فوائد، منها:
بيان ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، من نُصح أمته، وتعليمهم ما ينفعهم، وتحذيرهم مما يَضرُّهم.

يجب على الرجال من حسن معاشرة النساء، وصيانتهن، ويجب على النساء ‌طاعة ‌الأزواج، وطلب مرضاتهم، وحفظ غيبتهم.

‌ضرب الزوجة ‌مباح ‌في ‌الجملة ومحل ذلك أن يضربها الزوج تأديبًا إذا رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته، فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل.

يجب على الزوج إطعام الزوجة وكسوتها، والنهي عن تقبيحها، وضرب وجهها، وجواز هجرها في البيت تأديبًا لها، فلا ‌يُفرِط ‌في ‌الضرب، ‌ولا ‌يُفَرِّط ‌في ‌التأديب.

الكفر نوعان: كفر بالله تعالى، مخرج من الملة موجب للخلود في النار، وكفر بغير الله، وهو كفر دون كفر، ككفر العشير والإحسان والنعمة.

ينبغي على الزوج ألا يبغض زوجته بغضًا كليًّا يحمله على فراقها، بل يغفر سيئتها لحسنها، ويتغاضى عما يكره لِمَا يحب من فضائلها ومحاسنها.

الملأ الأعلى يطلعون على أعمال أهل الدنيا.

إن من سوء العشرة عدم مراعاة حقوق الزوجية، لا بصحبة جميلة، ولا بحسن عشرة، ولا بالتروي في حل المشاكل.

الخلافات الزوجية والأسرية تسهم بالقضاء على لذة العيش، وهنأ الحياة.

ختامًا:
‌‌أسأل ‌الله ‌أن يجعلني وإياكم ممن يطيعه ويطيع رسوله صلى الله عليه وسلم، ويتَّبع رضوانه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

[1] تفسير الإمام الشافعي (2 /559).

[2] التبصرة للخمي (6/ 2520).

[3] أخرجه البخاري (6/196) برقم (4942)، واللفظ له، ومسلم (4/ 2191) برقم (2855).

[4] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (7/ 429).

[5] صحيح مسلم (2/ 1091) رقم (1469).

[6] بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار (ص112).

[7] سنن أبي داود (2/ 244) رقم (2142)، وفي صحيح سنن أبي داود (6/ 359) رقم (1859).

[8] معالم السنن (3/ 221).

[9] صحيح البخاري (1/ 15) رقم (29).

[10] شرح صحيح البخاري لابن بطال (7/ 319).

[11] مسند أحمد (36/ 417) رقم (22101)، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 334) رقم (‌‌173).

[12] المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 90).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18-12-2022, 11:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,540
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسباب الخلافات الزوجية والأسرية

أسباب الخلافات الزوجية والأسرية (7)
الكاتب سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:
أيها الأحبة الأكارم، إن شاء الله نكمل الحديث عن أسباب الخلافات الزوجية والأسرية؛ ومنها:
النشوز بين الزوجين:
النشوز بين الزوجين هو: كراهة كل واحد منهما صاحبه، وسوء عشرته له[1].

والنشوز كبيرة من الكبائر؛ قال ابن حجر الهيتمي: "عد ‌النشوز ‌كبيرة هو ما صرح به جمع"؛ أي: من الفقهاء[2].

وعن أقسام ‌النشوز ‌بين ‌الزوجين، قال الماوردي: "لا يخلو حال ‌النشوز ‌بين ‌الزوجين من أربعة أقسام[3]:
الأول: أن يكون النشوز من الزوج على الزوجة.

الثاني: أن يكون النشوز من الزوجة على الزوج.

الثالث: أن يشكل حال الزوجين فيه فلا يعلم أيهما هو الناشز على صاحبه.

الرابع: أن يكون النشوز من كل واحد من الزوجين على الآخر.

وأتناول ‌بشيء ‌من ‌التفصيل الكلام عن الأقسام الأربعة، وذلك ‌على ‌النحو الآتي:
القسم الأول: نشوز الزوج[4]:
الزوج ‌إذا ‌نشز ‌عن زوجته، أو أعرض عنها، وكان النشوز لعلة شرعية مقبولة، فلا بد من محاولة الصلح بينهما من خلال أهل الحكمة والأمانة، ويجوز أن يبقي عليها مقابل تنازلها عن بعض حقوقها، ورضاها بذلك الصلح؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ [النساء: 128].

وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: في هذه الآية: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا ﴾ [النساء: 128]، قالت: "الرجل تكون عنده المرأة، ليس بمستكثر منها، يريد أن يفارقها، فتقول: أجعلك من شأني في حلٍّ، فنزلت هذه الآية في ذلك"[5].

قال ‌مالك: "المرء ‌إذا ‌نشز عن امرأته أو أعرض عنها فإن عليه من الحق أن يعرض عليها أن يطلقها، أو تستقر عنده على ما رأت من الأثرة في القسم من نفسه وماله، فإن استقرت عنده على ذلك وكرهت أن يطلقها فلا جناح عليه فيما آثر عليها به من ذلك"[6].

وقال ابن قدامة: "إذا خافت المرأة نشوز زوجها وإعراضه عنها، لرغبته عنها، إما لمرض بها، أو كبر، أو دمامة، فلا بأس أن تضع عنه بعض حقوقها تسترضيه بذلك... ‌ومتى ‌صالحته ‌على ‌ترك ‌شيء من قسمها أو نفقتها، أو على ذلك كله، جاز، فإن رجعت، فلها ذلك"[7].

القسم الثاني: نشوز الزوجة[8]:
الحياة الزوجية قد تصفو تارة، وتسوء تارة أخرى، ومن مظاهر السوء، نشوز الزوجة على زوجها، وعن أساليب الشريعة في التعامل مع الزوجة الناشز؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34].

قال ابن الجوزي: "ينبغي للزوجة العاقلة إذا وجدت زوجًا صالحًا يلائمها أن تجتهد في مرضاته، وتجتنب كل ما يؤذيه، فإنها متى آذته، أو تعرضت لما يكرهه أوجب ذلك ملالته، وبقي ذلك في نفسه، فربما وجد فرصته فتركها أو آثر غيرها"[9].
دلالات النشوز:
إذا ظهر من المرأة أمارات النشوز، بقول أو فعل، وعظها.

فأمارته بالقول: هو أن يكون من عادته إذا دعاها أجابته بالتلبية، وإذا خاطبها أجابت خطابه بكلام جميل حسن، ثم صارت بعد ذلك إذا دعاها لا تجيب بالتلبية، وإذا خاطبها أو كلمها لا تجيبه بكلام جميل.

وأمارته بالفعل: هو أن يكون من عادته إذا دعاها إلى الفراش أجابته باشَّة طلقة الوجه، ثم صارت بعد ذلك تأتيه مُكرَهة، أو كان من عادتها إذا دخل إليها قامت له وخدمته، ثم صارت لا تقوم له ولا تخدمه؛ فإذا ظهر له ذلك منها، فإنه يعظها، ولا يهجرها ولا يضربها، وهذا قول عامة أصحابنا[10].
صفة التعامل مع الزوجة الناشز ومراحله:
قال الرافعي: "في نشوز المرأة وتعديها ثلاثة أمور: الوعظ والهجران، والضرب، والمراد من الوعظ أن يخوفها بالله تعالى فقد تتأدب بذلك، والهجران المعتبر هو الهجران في المضجع، وله أثر ظاهر في تأدب النساء، ولو هجرها بالكلام لم يزد على ثلاثة أيام، فإن فعل أثم، وأما الضرب فهو ضرب تأديب وتعزير، وينبغي ألَّا يكون مبرحًا ولا مدميًا، وألا يقع على الوجه"[11].

القسم الثالث: أن يشكل حال الزوجين فيه فلا يعلم أيهما هو الناشز على صاحبه:
قال الشافعي: "أن يشتبه حالهما في الشقاق فلا يفعل الرجل الصفح ولا الفرقة، ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية، أو تكون الفدية لا تجوز من قبل مجاوزة الرجل ماله من أدب المرأة وتباين حالهما في الشقاق، والتباين هو ما يصيران فيه من ‌القول ‌والفعل ‌إلى ‌ما ‌لا ‌يحل ‌لهما ولا يحسن، ويمتنعان كل واحد منهما من الرجعة، ويتماديان فيما ليس لهما، ولا يعطيان حقًّا، ولا يتطوعان، ولا واحد منهما بأمر يصيران به في معنى الأزواج غيرهما، فإذا كان هذا بعث حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها، ولا يبعث الحكمان إلا مأمونين، وبرضا الزوجين، ويوكلهما الزوجان بأن يجمعا أو يفرقا، إذا رأيا ذلك"[12].

قال ‌أبو ‌المطرف ‌القنازعي: "قال عيسى ‌بن ‌دينار ‌بن ‌واقد: لو أن رجلًا وامرأته اشتكيا إلى السلطان، وكل واحد منهما يدعي أن صاحبه مضر به فلم يتبين للسلطان مَن ‌الناشز ‌منهما، والناشز منهما هو المبغض المسيء الصحبة لصاحبه، فإذا جهل ذلك من أمورهما وجب على السلطان أن يبعث رجلًا صالحًا من أهل الزوجة، وآخر من أهل الزوج، فيحكمهما بين ذلك الرجل وامرأته، ويفوض إليهما أمرهما، فما رأيا من فرقة بينهما أو اجتماع أنفذاه بينهما"[13].

القسم الرابع: أن يكون النشوز من كل واحد من الزوجين على الآخر:
وإن كان النشوز من الطرفين وساء ‌الحال ‌بينهما، واستحال ‌الوئام، واستنفدت جميع الحلول؛ فعلاج هذا القسم قول الله تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229].

قال الكمال ابن الهمام: "... وأما سببه (الطلاق) فالحاجة إلى الخلاص عند تباين الأخلاق، وعروض ‌البغضاء ‌الموجبة عدم إقامة حدود الله تعالى، وشرعه؛ رحمة منه سبحانه وتعالى"[14].


بعض الفوائد المستفادة:
للزوج دور مؤثر داخل الأسرة، ونشوزه أخطر من نشوز الزوجة فقد يعميه الغضب بفقد قوامته، فيحدث ما لا تحمد عاقبته.

يُندب للزوج حال نشوزه استحبابًا ألا يهجر مباشرتها ولا يظهر كراهيتها ولا يسيء عشرتها.

رتبت ‌الشريعة المطهرة الأحكام على مجرد خوف الزوجة من نشوز زوجها قبل ‌حدوثه ‌بالفعل، وهذه لفتة على معالجة ‌أسبابها ‌قبل حلولها؛ لأنها إن وقعت ربما استعصى عليه تداركها.

القسم من حق المرأة، ولها إسقاطه، وأن تراضى الضَّرائر بالتفاضل بينهن جائز عليهن، ومباح للزوج لا حرج عليه ‌فيه، ولا يدخل في النهى لأنه حقها وهبته.

يجوز للزوجة ذات الضرائر بذل حقها لغيرها بعوض وغير عوض، إذا رضي بذلك الزوج.

الفرق ‌بين ‌النشوز ‌والإعراض: أن النشوز التباعد، والإعراض ألَّا يكلمها ولا يأنس بها.

صح عن علي بن أبي طالب أنه قال: "للحكمين بين الزوجين: عليكما إن رأيتما أن تفرقا فرقتما، وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما"، وقال آخرون: ‌ليس ‌للحكمين ‌أن ‌يفرقا إلا برضا الزوجين؛ لأنهما وكيلان لهما.

الصلح ‌خير ‌في ‌كل ‌شيء ‌من ‌التمادي على الخلاف والشحناء والبغضاء التي هي قواعد الشر، والصلح وإن كان فيه صبر مؤلم فعاقبته جميلة.

‌وفى ‌الختام، أسأل الله العلي القدير ‌أن يجعل ‌أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن ‌ينفع بهذه السطور في الدنيا والآخرة، والحمد لله رب العالمين.


[1] صحيح البخاري (9/ 117).
[2] الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 80).
[3] الحاوي الكبير (9/ 595).
[4] ‌ النشوز من الزوج: أن يتجافى عنها بأن يمنعها نفسه، ونفقته، والمودة والرحمة التي بين الرجل والمرأة، وأن يؤذيها بِسَبٍّ أو ضرب؛ [ينظر: تفسير الزمخشري (1/ 571)].
[5] صحيح البخاري (3/ 130) رقم (2450).
[6] المدونة (2/ 241).
[7] المغني لابن قدامة (10/ 262/263).
[8] يقال: نشزت المرأة على زوجها فهي ناشز وناشزة: إذا عصت عليه، وخرجت عن طاعته؛ [ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 56)].
[9] أحكام النساء لابن الجوزي (ص: 145).
[10] البيان في مذهب الإمام الشافعي (9/ 528)
[11] الشرح الكبير (8/ 387) بتصرف.
[12] الأم للشافعي (5/ 124).
[13] تفسير الموطأ للقنازعي (1/ 387).
[14] فتح القدير للكمال ابن الهمام (3/ 463).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 145.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 140.35 كيلو بايت... تم توفير 4.69 كيلو بايت...بمعدل (3.24%)]