شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي - الصفحة 16 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836806 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379363 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191145 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2666 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 660 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 945 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1094 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 854 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 837 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #151  
قديم 04-01-2022, 10:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة العيدين)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (146)

صـــــ(1) إلى صــ(27)



شرح زاد المستقنع - باب صلاة العيدين [2]

لصلاة العيدين صفة مخصوصة جاءت في السنة النبوية، وهي أنه يبدأ بالصلاة قبل الخطبة، وهي ركعتان يكبر في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا، يقرأ فيهما بالأعلى والغاشية، ثم يخطب بعدهما خطبتين كخطبتي الجمعة، وهناك مستحبات في الخطبة وفي يوم العيد ينبغي المحافظة عليها، ومنها: التكبير في يوم العيد وليلته، وله صفة مخصوصة ووقت معلوم.
صفة صلاة العيدين وخطبتهما
[تقديم الصلاة على الخطبة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [ويصليها ركعتين قبل الخطبة يكبر في الأولى بعد الإحرام والاستفتاح، وقبل التعوذ والقراءة سننا، وفي الثانية قبيل القراءة خمسا].
قوله:
[ويصليها ركعتين قبل الخطبة].السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يبتدئ بالصلاة قبل الخطبة، وهذا هو فعله عليه الصلاة والسلام وفعل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فهو فعله وفعل الخلفاء الراشدين المهديين من بعده رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، وأول من خطب قبل الصلاة مروان بن الحكم عفا الله عنا وعنه، فإنه كان إذا خطب مروان ففي آخر الخطبة كان يشتم عليا كما كان يفعله بنو أمية حتى عهد عمر بن عبد العزيز، فكانوا يشتمون عليا على المنابر في خطب الجمعة والعيدين،
وقد قيل:
إن معاوية كان منه ذلك لأنه بلغه أن عليا سبه، فكان من باب رد الأذى بالأذى، وعلى العموم فهذه السنة السيئة بقيت في أعيادهم وفي جمعهم، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقومون عن مروان إذا ذكر عليا رضي الله عنه ونال منه، فكأنه أخذ في نفسه، فصار يقدم الخطبة على الصلاة، فلما مضى إلى صلاته ذات يوم، وكان معه أبو سعيد رضي الله عنه، فلما أراد أن يصعد المنبر جذبه أبو سعيد، فقال له: غيرتم! -أي: غيرتم السنة- فقال: إن الناس ليسوا كما تعهد.
أي: ليس الناس كما تعهد يصبرون على الخطبة، فكأنه اجتهد في تقديم الخطبة على الصلاة حتى يسمع الناس خطبته وما يكون فيها، ولا شك أن هذا من البدع المحدثات، نسأل الله أن يعفو عنا وعنهم.فمن قدم الخطبة على الصلاة فإن هذه الخطبة لا يعتد بها ولا تصح؛ لأنه خلاف هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفعله واقع في غير موقعه، ووجوده وعدمه على حد سواء، وإنما تصح الخطبة إذا وقعت بعد صلاة العيدين تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم في هديه.
[تكبيراتها وحكم الرفع فيها]
فيقول المصنف رحمه الله:
[يكبر في الأولى بعد الإحرام والاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة ستا، وفي الثانية قبل القراءة خمسا]: هذا هو الثابت من هديه صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا، وقد كان يكبر في العيدين ثنتي عشرة تكبيرة، سبعا في الأولى وخمسا في الثانية، فقد كان هذا هديه صلوات الله وسلامه عليه في صلاة العيدين: عيد الأضحى وعيد الفطر.
قال رحمه الله تعالى:
[يرفع يديه مع كل تكبيرة].رفع اليدين مع كل تكبيرة فيه خلاف بين العلماء رحمة الله عليهم في مواضع، منها: صلاة العيدين وصلاة الجنازة.فالمأثور عن عمر رضي الله عنه وأرضاه أنه كان يرفع يديه، وكذلك ابن عمر، وكانوا يقولون: إنه لا يضم.فـ ابن عمر -خاصة مع شدة تحريه للسنة- لن يرفع يديه إلا وله أصل من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي صحيح ابن خزيمة ما يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في تكبيرات الجنائز، والصحيح أنه من رفع فلا حرج عليه ومن ترك فلا حرج عليه، وكل على خير، فمن رفع فله أصل وله سنة، خاصة وأن الأثرم روى بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه في هذه التكبيرات، ولكني لم أطلع على سنده، بحيث فلم أجد من جزم بصحة هذه الرواية، فإن صحت فلا إشكال أنها السنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنها الأفضل.
قال رحمه الله تعالى:
[ويقول: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما كثيرا].هذا القول المأثور عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كـ ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، فقد روي عنه أنه كان يقوله بين التكبيرات، فاستحب بعض العلماء أن يقول هذا؛ لأنه أثر عنه رضي الله عنه، والذي اختاره بعض العلماء أنه يتوقف في الذكر، لكن لو كبر هذا التكبير فإنه يثاب؛ لأن له أصلا من حديث أبي هريرة أن رجلا في صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم قال: الله أكبر، ثم قال: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.
فلما سلم عليه الصلاة والسلام قال:
(من الذي قال كذا وكذا آنفا؟ فقال: أنا يا رسول الله! قال: والذي نفسي بيده لقد رأيت بضعا وثلاثين ملكا يبتدرونها إلى السماء أيهم يصعد بها)، وهذا يدل على فضل هذه المعقبات العظيمة.وهذا من أعظم ما يكون من الثناء على الله عز وجل وإجلاله سبحانه وتعظيمه، فلذلك قالوا: يقوله بين التكبيرات أفضل من أن يسكت، ولكن لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء مرفوع، فمن سكت فهو على سنة، ومن قال هذا تأسيا بما أثر عن ابن مسعود -والظن به أن يكون له شبهة التأسي، أو يكون له أصل- فإنه لا حرج عليه، ولا ينكر عليه؛ لأن له سلفا، خاصة أنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومذهب طائفة الاحتجاج بفعل الصحابي وقوله.قال رحمه الله تعالى: [وإن أحب قال غير ذلك]: هذا بناء على أن قول الصحابي حجة، فإذا كان قول الصحابي حجة فكأنهم يرون مشروعية الذكر بين التكبيرات، وأن المحفوظ أن يذكر بينهما، وألا تخلو من وجود ذكر، فإذا كان الأصل الذكر والثناء على الله فلو قال غيرها من الأذكار التي فيها ثناء على الله فلا حرج.
ولكن الأقوى والأولى والأقرب -إن شاء الله- إلى السنة أن يسكت.
[السنة في القراءة فيها]
قال رحمه الله تعالى: [ثم يقرأ جهرا بعد الفاتحة بسبح في الأولى، وبالغاشية في الثانية]: كان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يصلي صلاة العيدين جهرية، وهذا مما توافق فيه صلاة النهار صلاة الليل، وإلا فالأصل في الصلاة السرية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها في النهار ما عدا الفجر، وكذلك صلاة العيدين فقد أثر عنه عليه الصلاة والسلام أنه قرأ بـ {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى:1]، و {هل أتاك حديث الغاشية} [الغاشية:1]، وكذلك أيضا ثبت عنه أنه قرأ بـ: {ق والقرآن المجيد} [ق:1]، و {اقتربت الساعة وانشق القمر} [القمر:1]، وللإمام ابن القيم رحمة الله عليه كلام نفيس في هذه المسألة، فقد بين أن اختيار هاتين السورتين للدلالة على عظمة الله سبحانه وتعالى، خاصة أن فيهما ذكر البعث والنشور ونهاية الدنيا وصيرورة الإنسان إلى الآخرة، وما يعين على رقة قلبه وخشوعه وخضوعه، وخاصة في يوم العيد حيث الناس قد لبسوا أحسن ما يجدون من الثياب، فلربما دخل في الإنسان الغرور ولهو الدنيا والركون إلى شيء مما يصرفه عن ذكر الله عز وجل، فعندما يقرأ الإمام هاتين السورتين فكأنه يوحي إلى القلوب أن تكون على قرب وخوف من الله سبحانه وتعالى، فمع أنه يوم عيد يشرع تذكيرهم بالله عز وجل، ولذلك اختار هذه السورة لما فيها من بالغ العظة والذكرى، خاصة وأن سورة {ق والقرآن المجيد} [ق:1] تشتمل على نهاية الإنسان وحال السعداء والأشقياء، وما ينتهي إليه حال الناس من الخروج من قبورهم إلى لقاء الله جل جلاله، فتذكير الناس في مثل هذا اليوم الذي يغلب فيه الفرح والسرور أدعى إلى الموازنة والبعد عن الغلو في الفرح، والإسلام دين الوسط، فإنه في الأعياد لا يفتح الباب على مصراعيه حتى يسترسل الناس في غيهم وفي فجورهم،
ويقعون في أمور حرمها الله، وكذلك لا يضيق على الناس، فبأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام لما كان يوم العيد، ودخل الحبشة يلعبون بالسلاح في المسجد سألته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن تنظر إليهم، فقام على قدميه الشريفتين صلوات الله وسلامه عليه، وهي تنظر إليهم من وراء ظهره، وهو صلوات الله وسلامه عليه سيد الأمة وأفضل الخلق، فمع فضله وعلو مكانته يقف لها من أجل أن تنظر إليهم وهم يلعبون؛ لأنه يوم عيد، ويوم فرحة ويوم سرور، ولم يعتب عليها، ذلك لأن الحال يقتضي التوسعة،
تقول أم المؤمنين عائشة:
وهو يقول لي: (هل فرغت؟ فأقول: لا بعد، فيقول: هل فرغت؟ وأقول: لا بعد).صلوات الله وسلامه عليه، ولما دخل أبو بكر رضي الله عنه وجاريتان تضربان بالدف لـ عائشة رضي الله عنها تغنيان لها، فأراد أن يضربهما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه يوم عيد) أي: لا تؤذهما فإنه يوم عيد.ولما دخل عمر على الحبشة وهم يلعبون بالسلاح، فأراد أن يحصبهم، قال: (يا عمر! إنه يوم عيدنا)، فهذا يدل على التوسعة، لكن إذا زاد الأمر فإنه يخشى أن الناس يفرطون في اللهو المباح، وفي الأمور التي توجب الوقوع في سخط الله وغضبه وكفران نعمه وبطر عيشه، فقرأ عليه الصلاة والسلام بـ {ق والقرآن المجيد} [ق:1]، وكذلك {اقتربت الساعة وانشق القمر} [القمر:1]، فإن هاتين السورتين -خاصة {اقتربت الساعة وانشق القمر} [القمر:1]- فيهما تذكير بحال الأمم الماضية، وكيف كانت في عزة ومنعة ثم آلت إلى ما آلت إليه من سوء الخاتمة -والعياذ بالله- بعصيان الله جل وعلا، فهذا شيء عجيب من الموازنة والانضباط لكي يكون المسلم بين الإفراط والتفريط، فهو الوسط الذي يحمد صاحبه، وتكون به عواقب الخير في دينه ودنياه وآخرته.
[صفة الخطبة ومحلها وما يقول فيها]
قال رحمه الله تعالى:
[فإذا سلم خطب خطبتين كخطبتي الجمعة].هذا هو هديه عليه الصلاة والسلام، كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه وغيره فخطبه عليه الصلاة والسلام يوم الفطر والأضحى كانت تشتمل على تعليم الناس، كما سيأتي.فالخطبة في هذا اليوم يقصد منها بيان الأحكام الشرعية، وكذلك أيضا تذكير الناس ووعظهم والأخذ بمجامع قلوبهم إلى الله عز وجل، ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب أتى النساء ووعظهن، وقال: (يا معشر النساء: تصدقن ولو من حليكن، فإني أريتكن أكثر حطب جهنم.قلن: يا رسول الله! ولم؟ قال: بكفركن.
قلن:
نكفر بالله؟ قال: لا.إنما تكفرن العشير) إلى آخر الحديث.فهذا يدل على أنه ينبغي وعظ الناس في خطبة العيد، سواء أكان عيد الأضحى أم عيد الفطر.قال رحمه الله تعالى: [يستفتح الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبع].هذا فيه حديث ضعيف في السنن عنه عليه الصلاة والسلام متكلم على سنده، إلا أن جمعا من العلماء تسامحوا فيه، وإن كان بعضهم يقول: السنة والأولى أن يستفتح بالحمد، فإن خشي نفرة القلوب وحصول بعض المفاسد من استفتاحه بالحمد، فإنه لا بأس له أن يستفتح بالتكبير تأليفا للقلوب كما يختاره بعض المحققين، كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مسائل السنن حين يخشى معها حصول الفتنة وما لا يحمد عقباه.قال رحمه الله تعالى: [يحثهم في الفطر على الصدقة، ويبين لهم ما يخرجون].
قوله:
[يحثهم في الفطر على الصدقة] هذا قياس على خطبة الأضحى إذا قصد بهذه الصدقة صدقة الفطر كما هو ظاهر من قوله: [ويبين لهم ما يخرجون].ووجه القياس أن حديث البراء بن عازب في خطبته عليه الصلاة والسلام يوم النحر أنه خطب وبين لهم كيف الأضحية، وأي السن يجزي، وبين وقتها عليه الصلاة والسلام،
فقالوا:
كما أنه في يوم النحر بين للناس أحكام الأضحية، كذلك يوم الفطر يبين للناس أحكام صدقة الفطر.ولكن هذا محل نظر؛ لأن صدقة الفطر تنتهي بالصلاة، والنحر يبتدأ بانتهاء الصلاة كما سيأتي إن شاء الله بيانه، وبناء على ذلك اختلف الحالان، فكان القياس قياسا مع الفارق، ولذلك يقوى أن تكون موعظة، وهذا هو الأشبه؛ لأن الثابت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه في يوم العيد مضى إلى النساء ووعظهن، فدل على أن خطبة العيد الأفضل فيها أن تكون موعظة، ولا يبالغ في الموعظة حتى يخرج الناس عن فرحهم، ولكن تكون موعظة فيها نوع من القصد والاعتدال، حتى يبعد الناس من الغرور، ولا ينفرهم من الفرحة ويخرجهم مما هم فيه من يوم عز في ذلك اليوم الذي هو عز للإسلام والمسلمين.
قال رحمه الله تعالى: [ويرغبهم في الأضحى في الأضحية، ويبين لهم حكمها]: أما في الأضحى فالثابت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من ذبح قبل الصلاة فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله)، وفي رواية: (من ذبح قبل الصلاة فلا تجزيه وليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله)، فدل هذا الحديث أن من السنة أن يبين للناس أحكام الذبح والنحر في يوم النحر؛ لأن الناس فيهم العوام، وفيهم الجاهل، وفيهم من قد يكون لأول مرة يضحي عن نفسه وعن أهله، خاصة إذا كان قد توفي أبوه، أو تلبس بهذا الأمر لسفر أبيه إلى حجه ونحو ذلك، فبيانه للأحكام الشرعية يعين الناس على تحقيق مقصود الشرع من ذبح الهدي المعتبر في هذا اليوم، وبناء على ذلك يسن أن يبين للناس هذه الأحكام.
وهذا مأخوذ من حديث البراء في الصحيحين من خطبته عليه الصلاة والسلام يوم النحر الذي ذكرناه وتقدمت الإشارة إليه، فقال العلماء: يسن في خطبة عيد النحر أن تشتمل على بيان أحكام الأضحية.والأفضل أن يجمع بين بيان الأمور التي يحتاج الناس إليها، خاصة إذا كانت هناك أمور عامة، أو تعم بها البلوى، أو يحتاج الناس إليها، فلا حرج أن ينبه عليها، وينبه أيضا على أحكام الأضحية، كما هو هديه عليه الصلاة والسلام.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #152  
قديم 04-01-2022, 10:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة العيدين)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (147)

صـــــ(1) إلى صــ(27)

[حكم تكبيرات صلاة العيدين وحكم الخطبتين]
قال رحمه الله تعالى:
[والتكبيرات الزوائد والوقف بينهما والخطبتان سنة].أي: أنها ليست بواجبة ولازمة، وعلى هذا فلو نسي التكبير في صلاته فلا يلزمه سجود السهو، فلو أن الإمام قال: الله أكبر، ودخل ثم قال: (الحمد لله رب العالمين) فسها عن التكبير، فإنه لا يلزمه أن يسجد سجود السهو؛ لأن هذه التكبيرات الزوائد من السنة، وكذلك إذا قام من سجوده، فالتكبيرة الأولى تكبيرة انتقال، والخمس بعدها تعتبر من التكبيرات المسنونة، فإن فعلها أصاب، وإن تركها فإنه لا يلزم بتركها بسجود السهو؛ لأنها ليست بواجبة.
قوله: [والخطبتان سنة].أي: كذلك الخطبتان سنة عنه صلى الله عليه وسلم لا تشترطان لصحة الصلاة، فلو أنه صلى ولم يخطب فإنه لا يحكم ببطلان الصلاة، ولكن العلماء رحمة الله عليهم ينصون على أنه أساء بمخالفة هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن المصنف رحمه الله ومن وافقه قالوا: إنه يتسامح في الخطبة، ولا تعتبر واجبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير الصحابة حينما قام يخطب -كما في الحديث الذي رواه ابن ماجة - فقال: (من شاء أن يقعد فليقعد، ومن شاء أن ينصرف فلينصرف)، فخيرهم بين أن يقعدوا وبين أن ينصرفوا، فدل على أن الخطبة ليست بلازمة، ولكن هذا محل نظر عند العلماء رحمة الله عليهم؛ لأنه قد يكون الشيء لازما في حق الإمام، ولكنه ليس بلازم في حق المأمومين.
[حكم التنفل قبل صلاة العيد وبعدها]
قال رحمه الله تعالى:
[ويكره التنفل قبل الصلاة وبعدها في موضعها]: يكره للإنسان إذا مضى إلى المصلى في يوم العيد أن يتنفل قبل صلاة العيد، حتى ولو طلعت الشمس، ففي عيد الفطر يؤخر إلى ارتفاع الشمس قدر رمحين، فيخرج وقت الكراهة بارتفاع الشمس بقدر رمح، فلو أنه أراد أن يتنفل فيما بين قيد الرمح وقيد الرمحين فإنه يكره له ذلك، بل نص بعض السلف على أنه بدعة محدثة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، ولم يكن من هدي الصحابة رضوان الله عليهم، وهديه عليه الصلاة والسلام أنه لم يتنفل قبل صلاة العيد ولا بعدها، فبعد العيد ينصرف الإنسان مباشرة،
حتى قالوا:
إن صلاة العيد تغني عن ركعتي الضحى في يوم العيد، وهذا اختيار بعض العلماء؛ لأن ركعتي الضحى تعتبر تحتها، أو كأنها مندرجة تحتها، ولكن إذا رجع إلى بيته وأراد أن يصلي الضحى فلا حرج، أما في المصلى فلا، فالتأسي برسول الله والاقتداء به أفضل وأكمل، خاصة وأن النبي صلى الله عليه وسلم قصد من هذا اليوم التوسعة على الناس، فهو يوم عيد ويوم فرحة، يشرع للناس فيه أن يتفرغوا للفرحة بنعمة الله عز وجل عليهم، حتى أنه في الخطبة خيرهم بين أن يجلسوا وبين أن ينصرفوا، ولما وافق يوم العيد يوم الجمعة خيرهم بين أن يأتوا الجمعة وبين أن يصلوها ظهرا، وهذا يدل على التوسعة، وأن مقصود الشرع فرح الناس بهذا اليوم الذي هو يوم عز للإسلام والمسلمين.
[من فاتته صلاة العيدين أو بعضها]
قال رحمه الله تعالى: [ويسن لمن فاتته أو بعضها قضاؤها على صفتها]: قوله: [ويسن لمن فاتته] أي: الصلاة كلها أو بعضها، كأن تأتي والإمام في الركعة الثانية، فإنه يسن بعد سلام الإمام أن تقوم وتقضي، وللعلماء قولان: فقال بعض العلماء: إذا قمت إلى الركعة الثانية فإنك تحتسبها الركعة الأولى لأنك قاض، فتكبر السبع التكبيرات، أي: تكون أشبه بالقضاء،
وهذا مذهب من يقول:
ما فات يقضى، أي: الذي فات المسبوق يقضى.والقول الثاني: أن يقوم ويتم، فيكبر كتكبيرات الركعة الثانية ست تكبيرات مع تكبيرة الانتقال، أو خمسا بتكبيرة الانتقال، وجهان للصحابة رضوان الله عليهم في هذا.فعلى هذا الوجه إذا قمت إلى الركعة الثانية تقضي فإنك تحتسبها الركعة الثانية، وهذا هو الأصح؛ لأن الخلاف بين العلماء في المسبوق هل يقضي أو يبني، فإن قلنا: إنك تقضي فكأنك تعيد الركعة الأولى بصورتها، وكانت صورتها مع الإمام سبع تكبيرات، فتعيد السبع، وإن قلنا: تبني، فهو الأقوى من جهة السند والمتن؛ لأن روايات أبي هريرة من طريق الزهري وأصحاب الزهري أقوى، وهي رواية: في رواية: (فأتموا)، ونص الحديث: (فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)، وفي رواية: (فاقضوا)، فعلى رواية: (فاقضوا) تكبر سبعا، وعلى رواية: (فأتموا) تكبير خمسا أو ستا على الوجهين الذين ذكرناهما.
والصحيح أن رواية: (فأتموا) أقوى من وجوه: أولا: من جهة السند، فإن رواتها أوثق وأقوى.
ثانيا: من جهة المتن، فإن الإتمام يستعمل القضاء بمعناه، فإن رواية: (وما فاتكم فاقضوا) محمولة على معنى: (فأتموا)؛ لأن العرب تسمي تمام الشيء قضاء، كقوله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة} [الجمعة:10] أي: أتممتموها، وقوله تعالى: {فإذا قضيتم مناسككم} [البقرة:200]، أي أتممتموها، فأصبح متن رواية: (فاقضوا) لا يقوى على معارضة رواية: (فأتموا)؛ لأنه متردد بين معنى التمام وبين معنى القضاء.والقاعدة: إذا تعارض النصان المحتمل والصريح فإنه يقدم الصريح على المحتمل.وعلى هذا فإن الأقوى أن يتم، وعليه فإنك لا تكبر سبعا، وإنما تكبر ستا أو خمسا على الوجهين الذين ذكرناهما عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
[التكبير المطلق والمقيد في العيدين وأحكامه]
قال رحمه الله تعالى: [ويسن التكبير المطلق في ليلتي العيدين]: أي: يسن أن يكبر تكبيرا مطلقا في ليلتي العيدين، أما ليلة عيد الفطر فالتكبير فيها آكد؛ لأن الله عز وجل قال: {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} [البقرة:185]، فأمر سبحانه وتعالى بالتكبير بعد تمام العدة، أي: بعد تمام شهر رمضان، ولذلك إذا غابت شمس آخر يوم من رمضان فإنك تكبر، حتى قال بعض العلماء بوجوبه، لقوله تعالى: {ولتكبروا الله} [البقرة:185]، لكن لو كانت الليلة ليلة شك، كليلة الثلاثين التي يحتمل أن تكون من رمضان ويحتمل أن تكون ليلة عيد الفطر فإنه يبتدأ التكبير عند العلم بأنها ليلة عيد الفطر حتى يكون ذلك أبلغ في تحقيق هذا الأمر، أو امتثال هذا الأمر الذي أمر الله عز وجل به عند تمام العدة، وكذلك الحال بالنسبة لعيد النحر، فإن العشر من حيث هي يشرع فيها التكبير، قال تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات} [البقرة:203]،
قال بعض السلف:
إن المراد بها عشر ذي الحجة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من عشر ذي الحجة.قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بماله ونفسه فلم يرجع من ذلك بشيء)، فهذا يدل على فضل ذكر الله في هذه الأيام المعدودات، وكان ابن عمر رضي الله عنهما وأرضاهما في هذه العشر يدخل إلى السوق وليس له حاجة في السوق أن يبيع ويشتري، ولكن يدخل ويكبر ويرفع صوته، حتى يتذكر الناس التكبير فيكبر الناس بتكبيره.وهذا يدل على تأكد التكبير في هذه العشر، وذكر الله عز وجل فيها، وهذا هو التكبير المطلق،
والمطلق:
أصله من الإطلاق، يقال أطلقت الدابة: إذا حللت وثاقها، وضده المقيد، والتكبير المطلق: هو الذي لا يتقيد بالصلوات،
والتكبير المقيد:
هو الذي يتقيد بالصلوات، وسيأتي.
قال رحمه الله تعالى:
[وفي فطر آكد، وفي كل عشر ذي الحجة]: قوله: [وفي فطر آكد] أي: تكبيرك ليلة عيد الفطر آكد من تكبيرك ليلة عيد النحر؛ لأن في ليلة عيد الفطر أمرا هو قوله تعالى: {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم} [البقرة:185].وقوله: [وفي كل عشر ذي الحجة] لقوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات} [البقرة:203]، فيشرع أن يستكثر من ذكر الله سبحانه وتعالى بالتكبير، وهذا هو فعل السلف، كما ذكرنا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وكذلك أثر عن علي رضي الله عنه وأرضاه.قال رحمه الله تعالى: [والمقيد عقب كل فريضة في جماعة].سمي مقيدا لتقيده بالفرائض،
وللعلماء فيه وجهان:
الوجه الأول: يتقيد بالفريضة بشرط أن تكون في جماعة، فإذا صلى في جماعة كبر، أما لو صلى وحده فلا يكبر، وهذا يقول به بعض الصحابة رضوان الله عليهم، ويحكى عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه.
الوجه الثاني: يشرع أن يكبر أدبار الصلوات، سواء كان في جماعة أم لم يكن في جماعة، وعلى هذا الوجه فلو صلى لوحده فإنه بعد الانتهاء من الصلاة يكبر الله عز وجل.
قال رحمه الله تعالى: [من صلاة الفجر يوم عرفة، وللمحرم من صلاة الظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق]: قوله: [من صلاة الفجر يوم عرفة] هذا يعتبر تكبيرا مقيدا، وهذا عند جمع من العلماء،
وقال بعضهم: من ظهر يوم عرفة، كما يقول به فقهاء المدينة السبعة، إذ يقولون: إنه يبتدأ التكبير المقيد من ظهر يوم عرفة.وقد قوى جمع من العلماء ابتداءه من فجر يوم عرفة، وقد ثبت في الصحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه أنهم غدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفات منهم المكبر ومنهم الملبي ومنهم المهلل، فلم يعب أحدهم على الآخر، وقد قوى بعض المحققين أنه يبتدأ بالتكبير المقيد من فجر يوم عرفة، ويكون بعد الصلوات بعد أن ينتهي الإمام ويسلم، ويلتفت إلى الناس ويكبر، وعلى هذا جرى العمل في عهد السلف الصالح، ولم ينكره أحد، بل جرى على ذلك العمل، وأقره العلماء رحمة الله عليهم، وهي سنة باقية؛ أي: أنه يكبر أدبار الصلوات.
قوله:
[وللمحرم من صلاة الظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق]: أي: بعد أن يصلي صلاة الظهر يوم النحر يبتدئ الإمام فيكبر ويكبر الناس بتكبيره، ولكن السنة أن يكبر كل إنسان على حده، وأما إذا اشتركت الأصوات فعلى حالتين: الحالة الأولى: أن يكون الاشتراك قصدا ويطلب ذلك الاشتراك، وأشد ما يكون أن يبتدئ الرجل فيقول اللفظ فيقولون وراءه، فهذا من أشد الأنواع، وأقرب إلى الحدث، وشدد فيه العلماء رحمة الله عليهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، لا في تلبية ولا في تكبير، فلو أن جماعة قام رجل فيهم وصار هو الذي يكبر وهم يكبرون وراءه فإنه إلى الحدث أقرب منه إلى السنة.أما لو أنك كبرت وصار الناس معك يكبرون فاتفقت الأصوات، ولم يكن ذلك بسبيل القطع، ولم يكن ذلك متابعة لواحد منهم، فلا حرج، فإنه يجوز الشيء بدون قصد ولكنه لا يجوز عند القصد، ويستدل بعض من يجيز أن يكبر الرجل ويكبر وراءه، ويلبي ويلبى معه بما أثر عن ابن عمر رضي الله عنهما، من أنه كان يدخل السوق فيكبر فيكبر الناس بتكبيره، أي: كان يكبر فيكبرون وراءه،
وهذا ضعيف فإن الباء في قوله:
(بتكبيره) سببية، أي: يكبرون بسبب تكبيره، كأن تكبيره ذكرهم التكبير، وليس المراد به المصاحبة، أي: مع تكبيره، وإنما المراد أنهم يكبرون إذا سمعوا تكبيره، فهو أشبه ما يكون أنه قصد إعلامهم وتنبيههم، وهذا هو الأشبه بالأثر؛ لأن ابن عمر أصلا لم يكن يدخل السوق لحاجة، وإنما دخله لأن الناس في غفلة الدنيا، فأراد أن يذكرهم بهذه السنة.
قال رحمه الله تعالى:
[وإن نسيه قضاه، ما لم يحدث أو يخرج من المسجد].
أي: إن نسيه فصلى وذكر الأذكار ونسي التكبير قضاه، فبمجرد أن يتذكر يقضي ما دام في مصلاه، فإن خرج من مصلاه فإنه حينئذ يفوت القضاء ولا وجه لأن يقضيه؛ لأنه مقيد بالصلاة، فما دام في مصلاه كأنه لم يبرح المصلى، فهو في حكم من انفتل من صلاته، وهذه المسألة تعتبر اجتهادية، كأنهم يرون أنه لما انفتل من صلاته ولم يكبر مباشرة لوجود العذر، فإذا زال العذر رجع إلى الأصل من التكبير ومطالبته بهذه الشعيرة.
قال رحمه الله تعالى: [ولا يسن عقب صلاة عيد].
أي:
ولا يسن التكبير عقب صلاة عيد، وقال بعضهم: لا حرج أن يكبر ما لم يستفتح الإمام الخطبة ولكن الأقوى والأشبه عند الجماهير أن التكبير يكون إلى وقت دخول الإمام في الصلاة.ففي يوم النحر يكبر الإنسان عند غدوه إلى المصلى، ويكثر من التكبير ويرفع صوته، وإذا جلس في المصلى أظهر التكبير ورفع صوته، وهذه السنة قد تغافل الناس عنها وإلى الله المشتكى، وقد كان الناس في القديم إذا كان يوم العيد ارتجت مساجدهم بالتكبير وذكر الله عز وجل والتسبيح على أحسن وأجمل وأكمل ما أنت راء، حتى إنك تشعر بعزة الإسلام، وهذا إلى عهد قريب قد لا يقل عن خمس عشرة سنة إلى عشرين سنة، ولكن الناس اليوم قل أن يكبروا إلا إذا أخذت (المسمع) أو (المذياع) فذكرتهم، وإلا إذا تركوا فهم في غفلة إلا من رحم الله، وهذا يدل على ضعف هذه السنة وذهابها عن الكثير، وينبغي على الأئمة والخطباء أن ينبهوا الناس على أنه ينبغي في يوم العيد إظهار هذه السنة، ورفع الأصوات بها حمدا وثناء وذكرا وإجلالا وإعظاما وإكبارا لله سبحانه وتعالى، فهو يوم شكر لنعم الله عز وجل.
فإذا أظهر الناس هذه الشعائر وحمدوا الله عز وجل على نعمه أغدق الله عليهم من فضله؛ لأن من أجل الله أجله الله، وإذا كان الإنسان في غفلة عن ذكر الله عز وجل لم يبال الله عز وجل به؛ لأن الله يذكر من ذكره، ولذلك قل أن تجد إنسانا يحافظ على السنة، ويحرص على أدائها إلا أحيا الله ذكره في الناس، وأحيا محبته وتوقيره وإجلاله، وانظر إلى أهل العلم فإنهم لما أثنوا على الله سبحانه وتعالى، وكانت منهم المواعظ والخطب والتذكير ألقى الله في قلوب العباد حبهم، ونشر بين الناس ذكرهم، وكانوا في حمد وثناء بين الناس لما كان لهم من ذكر الله عز وجل،
والفضل والمن لله عز وجل على كل حال.
فكذلك الحال في الناس عامة، فينبغي أن يحيا فيهم الإكثار من ذكر الله ورفع الأصوات بذلك، حتى يكون في ذلك إظهار لعزة الإسلام، خاصة إذا كان هناك أعداء للإسلام، أو كانت البلاد فيها كفار ومسلمون، فإذا كان يوم العيد وخرج المسلمون يكبرون ويثنون على الله، حتى ترتج الشوارع وهم يثنون ويكبرون، فإن هذا يدخل الهيبة في قلوب الأعداء، ويشعرهم بعزة هذا الإسلام وتلاحم المسلمين وتراحمهم وتعاطفهم وتكاتفهم، وهذا خير كثير، فينبغي إحياء مثل هذه السنن، وندب الناس إلى رفع الأصوات بها، سواء في المصلى أم في الطريق، فكل ذلك كان من هدي السلف الصالح رحمة الله عليهم أجمعين.
قال رحمه الله تعالى: [وصفته شفعا: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد]: قوله: [صفته شفعا] لأن لفظ التكبير تكرر أربع مرات، والأربع شفع، وإن كان وترا يكون قوله: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد)؛ لأن التكبير يكون فيه وتر، والشفع اختيار طائفة من العلماء رحمة الله عليهم، ويحكى فيه بعض الآثار عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والأمر فيه واسع، فإن أوتر فلا حرج، وكان بعض العلماء يستحبه؛ لأن الوتر محبوب، وإن شفع فلا حرج، وكل على خير وبركه.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #153  
قديم 04-01-2022, 10:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة العيدين)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (148)

صـــــ(1) إلى صــ(27)

الأسئلة
[فرضية صلاة العيدين]
q بماذا يجيب القائلون بأن صلاة العيدين فرض عين عن حديث الأعرابي الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (هل علي شيء غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع)؟

a حديث أبي طلحة في الصحيحين في قصة الأعرابي: (هل علي غيرها؟ قال: لا.إلا أن تطوع) المراد به الفرض المصاحب لليوم، بمعنى أنه هل علي غيرها من الصلوات تكون في كل يوم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (لا.إلا أن تطوع)، وصلاة العيد ليست متكررة كل يوم، وإنما هي في العام مرة، ولذلك يقولون بوجوب ركعتي الطواف مع أنها من غير الصلوات الخمس، ولذلك لا تعارض بين قولنا بوجوب هذه الصلاة، وكذلك بوجوب غيرها من الصلوات التي ورد النص والأمر بها مع هذا الحديث الذي يقصد به ما كان في اليوم بعينه، والله تعالى أعلم.
[وقت دعاء الاستفتاح في صلاة العيد]
q هل يقرأ دعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام، أم بعد السبع التكبيرات؟

a باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فللعلماء قولان في هذه المسألة: فبعضهم يرى أن دعاء الاستفتاح يكون بين تكبيرة الإحرام وبين بقية التكبيرات.وبعضهم يرى -وهو الأقوى والأقرب إلى السنة- أنه يكون استفتاحه بعد انتهاء جميع التكبيرات وقبل الابتداء بالقراءة، وأما بعد التكبيرة الأولى فإما أن يذكر الذكر الذي ذكرناه، وإما أن يسكت، وهذا هو الأولى والأصح، والله تعالى أعلم.
[وقت التكبير المقيد]
qهل يكون التكبير المقيد قبل أذكار الصلاة أم بعدها؟

aالتكبير المقيد يكون بعد الصلاة مباشرة، ولذلك أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم التكبير بعد الصلاة مباشرة، وفي الحديث التكبير ثلاثا بعد انفتاله من الصلاة، ولذلك يكبر بعد سلامه مباشرة، وإذا أخره إلى بعد قوله: (استغفر الله) فإن هذا يفعله بعض العلماء، ولكن قالوا: إن هذا مقيد وتقيده بالصلاة، والأفضل أن يوقعه بعد الصلاة مباشرة وقبل استغفاره، وبعد ذلك يشرع في الأذكار التي من عادتها أن يقولها بعد السلام، والله تعالى أعلم.
[حكم من قدم القراءة على التكبيرات]

q ما حكم من قدم القراءة على التكبيرات في العيدين، وهل هذا من السنة في شيء؟

a من قدم القراءة على التكبيرات فإن التكبيرات تسقط بشروعه في القراءة، وقد أساء بمخالفته لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي له أن يفعل ذلك قصدا، أما لو سها وكبر تكبيرة الإحرام ثم استفتح وقرأ الفاتحة فإنه تسقط عنه التكبيرات ولا يعتبر آثما، ولا تكون مخالفته للسنة على سبيل القصد بهذا الوجه، والله تعالى أعلم.
[حكم شهود الكفار صلاة العيد وغيرها مع المسلمين]
q إذا أراد أهل الكتاب حضور صلاة العيد -أو غيرهم من الكفار-، فهل يسمح لهم؟

a إذا كانت الصلاة في مصلى وأرادوا أن ينظروا إلى حال المسلمين في صلاتهم فلا حرج، فإن المنافقين شهدوا الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم على الكفر، ولذلك فلا حرج في شهودهم، وأما إذا كانت الصلاة في مسجد فإنهم لا يدخلون المساجد؛ لأنهم ممنوعون منها.وأما بالنسبة للاستسقاء فللعلماء فيه قولان؛ لأن العيد أمره أخف، وأما الاستسقاء فهو أشد، قالوا: في الاستسقاء إذا شهدوا مع المسلمين عزلوا؛ لأنهم إذا سقوا امتنوا على المسلمين، وظنوا أن لهم يد فضل في هذا، فيكون الشعار الأغلب للمسلمين، وتكون الصلاة للمسلمين منفردة، ويؤمرون أن يعتزلوا المسلمين.لكن لا حرج أن يصلوا صلاتهم، أو يذكروا أذكارهم، أو يظهروا الفاقة لله سبحانه وتعالى؛ لأن المقصود تضرع الجميع، فلا حرج في هذا ولا يعترض عليهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في قريش في صلح الحديبية: (والذي نفسي بيده، لا يسومونني خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجبتهم إليها).أي: إذا كانوا في تعظيم لله عز وجل يجيبهم إليه، فهم إذا خرجوا إلى الاستسقاء فإن إظهار الفاقة والحاجة والفقر لله سبحانه وتعالى يشرع من البر والفاجر، ومن المؤمن والكافر، فلا حرج، لكنهم يتميزون عن المسلمين، أي: يؤمرون بأن يتنحوا عن المسلمين ولا يكونوا معهم في صلاتهم وشعيرتهم، والله تعالى أعلم.
[تعارض قضاء صلاة العيد مع فرضيتها]
qكيف نجمع بين القول بأن صلاة العيد فرض عين، وبين قولهم: لا تقضى إذا فاتت؟

a قد يكون الشيء لازما على الصورة التي وردت في الشرع، وهي صورة الجماعة ويسقط في غير الجماعة، وكأن صلاة العيد إنما شرعت على هذا الوجه، وهي بالجماعة، فإذا فاتت جماعتها فإنه في هذه الحال لا يطالب بالقضاء عند من يقول بعدم قضائها، وكان بعض السلف يقول: من فاتته صلاة العيدين يشرع له أن يصلي مع غيره كالصلاة المعروفة، وكان بعض الصحابة كـ ابن مسعود رضي الله عنه يأمر بعض مواليه أن يجمع بعض أهله ويصلي بهم إذا فاتته صلاة العيد، ويصلي بهم كصلاة الإمام، لكنه لا يخطب.وقال بعضهم: على هذا الوجه فلو حضرت والإمام في التشهد تقوم وتأتي بركعتين، أو حضرت بعد سلام الإمام تقوم وتأتي بركعتين على صفة ركعتي الإمام، وهذا الوجه لا يشترط الجماعة.الوجه الثاني: من فاتته صلاة العيد فإنه يصلي أربع ركعات، وهو محكي عن بعض السلف رحمة الله عليهم.وبعضهم يرى أنه يصلي ركعتين نافلة مطلقة.وكل هذه الأقوال لها وجه، ومن فعل بأي واحد منها فله سلف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينكر عليه، والله تعالى أعلم.
[حكم الكلام أثناء خطبة العيد]
q هل الكلام أثناء خطبة العيد، محرم كالكلام في خطبة الجمعة؟

a إذا كان الإنسان في المصلى يتكلم فإنه يشوش على المستمعين، ولذلك يكون المنع من الكلام لأذية الغير، وأما إذا كان لا أذية فيه ولا ضرر فإنه لا حرج؛ لأنه مخير بين أن يجلس وبين أن يمضي، وبناء على ذلك فلو تكلم فلا حرج، ومن هنا قال بعض العلماء: لا حرج أن يجهر بالتأمين عند دعاء الإمام في خطبة العيدين، ولكنه لا يجهر به في خطبة الجمعة، كما سبق بيانه في أحكام صلاة الجمعة وخطبتها، والله تعالى أعلم.
[حكم الاكتفاء في العيد بخطبة واحدة]
qهل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب للعيد خطبة واحدة، فإن بعض الخطباء يفعل هذا، ويقول: إنها سنة؟

a حكي عن بعض السلف رحمة الله عليهم أنه يقول بهذا القول، لكن الصحيح أنها كصلاة الجمعة يخطب لها خطبتان، ويفصل بينهما بالجلوس، كالحال في الجمعة سواء بسواء، وهذا هو الهدي الذي ينبغي للإنسان أن يلتزمه لما فيه من تأليف القلوب، وإذا كانت السنة الظاهرة المشهورة أنه يخطب كخطبة الجمعة، والناس عرفوا ذلك وألفوه، فإن تأليف قلوب العامة أولى من أن يأتي بالأمر الغريب عليهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم -ويروى موقوفا على علي علي رضي الله عنه: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله) أي: لا تتسببوا في اعتداء الناس على السنة إذا كانت السنة غريبة عليهم، أنها لو وقعت عليهم من السنن التي يرغب فيها سنن الأنواع، وليس المراد بها السنن التي تقصد وتطلب في سنن الأنواع، إذا قلنا: إنه يشرع للإنسان أن يخطب خطبة واحدة، على الروايات في خطبته عليه الصلاة والسلام، يصبح هذا الحال من التنويع، ويحمل الحديث المشهور من الخطبة كخطبة الجمعة على الأصل، بمعنى أننا نقول: إن الإنسان يحافظ عليه؛ لأن الناس ألفوه وعرفوه، فلو جاء يخطب خطبة واحدة فإن الناس تنفر، ولربما عدت أن صلاته خاطئة، فيتهجمون على السنة بسببه، فهو وإن أحيا سنة من وجه فإنه يضيع عليهم أجورا كثيرة ويوقعهم في غيبته، ويجعلهم في نفرة منه، ولربما نسبوه إلى الشذوذ، فإن جاءهم بحق بعد ذلك لم يقبلوه.لكن لو أنه خطب أو بين السنة المعمولة المعروفة بالفعل، ثم بين بالقول بعض السنن الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يعلم الناس بوجود شيء من الشذوذ، وكذلك أيضا الإيغال في ترك السنن، وذم أصحابها، والله تعالى أعلم.
حكم من ترك التكبيرات في صلاة العيد عمدا
q ما الحكم إذا ترك الإمام تكبيرات العيد في الصلاة عمدا، وذلك ليعلم الناس أن التكبيرات سنة؟

a لا يفعل هذا.بل عليه أن يصلي كما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجتهد من عنده، مع أن بعض العلماء يقول: إن قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) يقتضي اللزوم.فعليه أن يكبر بهذه التكبيرات، وإذا أراد أن يعلم الناس أنها سنة وليست بواجبة فليعلمهم بالكلام؛ لأن القاعدة أنه إذا كان هناك طريقان إلى تحقيق المصلحة أحدهما فيه مفسدة -وهو هنا ترك السنة- والثاني لا مفسدة فيه وجب فعل الذي لا مفسدة فيه، فإذا أمكن تعليم الناس بالقول فلماذا يذهب إلى الفعل، ويهجر سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل توقف إعلام الناس أنها سنة على ترك هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فيمكنه أن يعلمهم أنها سنة بالقول، فقبل العيد في عصر آخر يوم من أيام رمضان يحدثهم عن أحكام العيدين، ويبين لهم، أما أن يأتي ويفعل ذلك على خلاف ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا، ولا أرخص له في هذا، والله تعالى أعلم.
[سجود التلاوة على الدابة في السفر]
q هل يجوز الانحناء في سجود التلاوة على الراحلة في السفر كما يجوز ذلك في صلاة التطوع عند الركوع والسجود؟

a من كان على الدابة في سفر وأراد أن يسجد سجود التلاوة أو سجود الشكر فإنه ينحني على أقصى ما يستطيع من الانحناء ويجعله لسجوده.وأما إذا صلى فإنه يجعل ركوعه أرفع من سجوده، أي: يجعل انحناءه للركوع أرفع من سجوده؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فإنه يشرع للإنسان إذا سجد للتلاوة أو سجد للشكر وهو على دابته أن ينحني، ويكون انحناؤه دليلا على سجوده، والله تعالى أعلم.
[حكم من أحرم بالعمرة من غير ميقاته]
qنويت العمرة من جدة، لكني لم ألبس الإحرام منها، وكنت مشغولا ببعض الاحتياجات، وجئت إلى مكة وقضيت كل حاجاتي ومكثت في مكة يومين، وأحرمت من التنعيم، علما بأني جاهل، فما الحكم؟

a هذه المسألة فيها تفصيل، فإن كنت في جدة ونويت العمرة ولبيت وأنت في ثيابك فإنه حينئذ ننظر، فإن كان بقاء الثياب عليك لعذر عدم وجود ما تلبسه من إزار ورداء فإنه حينئذ تسقط عنك الفدية، حتى تجد الإزار والرداء فتتجرد من مخيطك.أما إذا بقيت بملابسك وخرجت من جدة وأنت تلبي بالعمرة، ومضيت إلى مكة وقضيت حاجياتك في ثيابك العادية مع إمكانك أن تزيلها وتلبس الإحرام فعليك الفدية فقط، وهي فدية اللبس، وذلك أن النية قد وقعت في جدة، وإحرامك من جدة إحرام صحيح، وشروعك في التلبية والذكر وغير ذلك مما يستصحب دليل على أن الشروع في هذه العبادة معتبر، فعلى هذا يكون المحظور الذي ارتكبته هو بقاؤك في الثياب، وأما الإحرام فأنت محرم، فلا يشترط في صحة انعقاد العمرة والحج أن تكون متجردا من المخيط، بل لو أنك قلت: (لبيك) وأنت في ثيابك فقد انعقدت عمرتك، وعلى هذا يكون إخلالك في لبسك الثياب فحسب، ويلزمك حينئذ أن تفتدي فدية لبس المخيط، وكذلك يلزمك غيرها إن كنت قد ارتكبت من المحظورات، غير لبس المخيط، ويكون قدومك إلى التنعيم بالنية لاغيا؛ لأنك أدخلت نية على نية، ولا عبرة بالثانية؛ لأن العبرة بالأولى، ولا يصح إيقاع الثانية حتى تتم الأولى، لقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة:196].فعلى هذا -في هذه الصورة- يشترط أن تكون قد لبيت بالعمرة أو نويتها.أما إذ لم تنو أصلا، وكان في قلبك أن تعتمر، ولعل هذا هو مقصود قولك: (نويت العمرة من جدة)، بمعنى: أحببت أن أعتمر، وكان في نيتي أن أعتمر.فإن مضيت ولم تلب، ولم تنشئ عمرة حتى جئت مكة وقضيت حوائجك وأحرمت من التنعيم، فإنه حينئذ يلزمك دم، وذلك لتأخر إحرامك ونيتك عن جدة، فميقاتك جدة لقوله عليه الصلاة والسلام: (فمن كان دون ذلك فإحرامه من حيث أنشأ)، فأنت دون المواقيت، فكان يلزمك أن تلبي من جدة، فلما أخرت إحرامك إلى التنعيم لزمك الدم الذي هو دم الجبران، ويكون بمكة لكي تجبر هذا الفوات، ولو كنت جاهلا فجهلك ليس بعذر، فالعلماء موجودون، وتقحمك للأحكام دون سؤال أهل العلم يلزمك بعاقبة تقصيرك، وليس الجهل عذرا في مثل هذا، والله تعالى أعلم.
[صلاة راكب القطار والطائرة ونحوهما مع إسقاط بعض أركانها]
qالرجل يسافر بالقطار أو بالطائرة يوما وليلة، ولا يمكن له أن يصلي إلا بعد أن ينزل، ولا يستطيع أن يصلي إلا جالسا، فما هو الحكم في الصلوات المكتوبة؟

a من سافر في القطار واستمر سفره على هذه الصورة فإنه يصلي على الحالة التي يستطيع، لقوله سبحانه وتعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن:16]، فالذي في استطاعته ووسعه هو الذي يكلف به، وعلى هذا فلو أنه غلب على ظنه أنه لو وقف أو ركع سيسقط ويتضرر فإنه حينئذ يجوز له أن يصلي وهو قاعد، ويستقبل جهة القبلة إن أمكنه، فإن تعذر عليه ذلك صلى إلى أقرب الجهات إليها، أو إلى أي موضع توجه إليه بوجهه، وهذا قرره العلماء رحمهم الله في مسألة الصلاة على السفينة، فإنهم قالوا: إذا خشي السقوط فإنه يصلي وهو قاعد.والله تعالى أعلم.
حكم استخدام ماء زمزم لتنظيف الجهاز التناسلي تداوياq امرأة مصابة بمرض في جهازها التناسلي، فهل يجوز لها استخدام ماء زمزم في تنظيفه وتطهيره لما علمت من بركة ماء زمزم؟a إذا شربته فإنه يكفيها، أما أن تغسل به ذلك الموضع فلا، فماء زمزم كما قال صلى الله عليه وسلم: (طعام طعم، وشفاء سقم)، ولذلك قالوا: هو في حكم الطعام، فإذا كان في حكم الطعام فلا يقصد به إزالة الأذى في الموضع، أما لو اغتسلت به عموما ووقعت إصابة الموضع تبعا فلا حرج، فالشيء يجوز تبعا ولا يجوز قصدا، ولذلك يجوز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها تبعا للنخيل، ولا يجوز أن تقصدها بعينها، كما في الصحيحين من حديث ابن عمر، ففيه إثبات الجواز تبعا وتحريمه قصدا، فهذا يدل على أنه يجوز للإنسان أن يفعل الشيء تبعا ولا يفعله قصدا.فإذا أرادت أن تستشفي فإنها تشرب زمزم، وماء زمزم لما شرب له، فإن شربته بنية التداوي فإن الله يشفيها، وعلى هذا يكون تداويها بشربه، أما أن تغسل الأذى وتغسل تلك المواضع فهذا أمر فيه شدة، وقد كرهه طائفة من السلف رحمة الله عليهم، وظاهر قوله لـ أبي ذر في الحديث الثابت: (طعام طعم، وشفاء سقم) يدل على ذلك، فالأطعمة لا تجوز إزالة القذر والنجس بها، وقد شدد العلماء في ذلك، وقالوا: من قصد إهانة الطعام كفر -والعياذ بالله-، فلو أخذ الطعام وقصد به الامتهان لنعمة الله عز وجل والكفر بها -نسأل الله العافية- فإنه يكفر، لكن لا يعني هذا تكفير من غسل الفرج بماء زمزم، خاصة إذا قصد التداوي، ولكن نقول: إن هذا القول -خاصة على اعتبارنا زمزم في حكم الطعام لظاهر السنة في قوله: (طعام طعم) - يدل على أنه لا يجوز للإنسان أن يضعه على هذه المواضع لقصد غسلها أو إزالة الأذى، أما لو أراد التداوي فإنه يسعه أن يشرب، فإنه لو شرب جرى في مسالكها، وكان من الخير ما يرجى بإذن الله، والله تعالى أعلم.
[المسبوق ومتابعة الإمام]
qإذا فاتتني ركعة من صلاة الجماعة، وكان الإمام في التشهد الأخير، فقرأت التشهد والصلوات الإبراهيمية، فهل يجوز لي أن أقول الدعوات التي تكون بعد التشهد وقبل السلام، علما بأنه بقي لي ركعة؟

a يختار جمع من العلماء رحمهم الله أن المسبوق إذا كان وراء الإمام أنه يفعل كفعله، وبناء على ذلك يتفرع على هذا الأصل أنك لو فاتتك -مثلا- ركعة من صلاة المغرب، ثم قام الإمام بعد التشهد الأول وقمت معه إلى الركعة الثانية بالنسبة له فإنك ترفع يديك حذوا أذنيك أو منكبيك؛ لأن العبرة به لا بك، لأجل شعار الجماعة، لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، فقصد المتابعة في الصورة والحال، وهذا يختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه، فإذا انفصلت عنه فإنك في هذه الحال تكون في حكم المنفرد، فكأنهم يرون أنه في حكم المنفرد عند الانفصال، وعلى هذا فإنك إذا جلست للتشهد الأخير بالنسبة للإمام وليس بالنسبة لك فإنه يشرع أن تصاحبه، وهذا أقوى، بدليل أنك تقرأ التشهد والتشهد ليس بلازم عليك في الأصل، فدل هذا على أنك قرأت التشهد لموافقة الإمام، فمن هنا تتم التشهد إلى تمامه وكماله، والله تعالى أعلم.
[محرمية الجد من جهة الأم لزوجة حفيده]q هل يجوز لجدي من جهة أمي أن ينظر إلى زوجتي؟a الجد من جهة الأم يعتبر محرما لزوجتك، وذلك أن جدك لأمك تعتبر أنت من أبنائه، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحسن: (إن ابني هذا سيد)، وهو جده من جهة أمه صلوات الله وسلامه عليه، والله تعالى يقول في المحرمات: {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} [النساء:23]، فتحرم الزوجة على الجد، ويستوي في ذلك الجد من جهة الأب أو من جهة الأم، والذي تمحض بالذكور أو تمحض بالإناث، أو جمع بين الذكور والإناث، فأبو أم الأب وأبو أبو الأب، وأبو أم الأم، كل هؤلاء يعتبرون في الحكم سواء، وكذلك أبو الأب وأبو الأم، فكل هؤلاء يعتبرون من المحارم، ولا حرج أن يرى الزوجة، وتسافر معه؛ لأنها حليلة ابنه، وحليلة الابن محرمة على الجد مطلقا، والله تعالى أعلم.
[استقبال القبلة في صلاة التطوع على الراحلة في السفر]
q هل يجب على المسافر في صلاة التطوع أن يستقبل القبلة ثم ينصرف؟

a الصحيح أنه يستقبل القبلة عند تكبيرة الإحرام لرواية أبي داود في سننه -وقد حسنها غير واحد من العلماء رحمة الله عليهم- من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يكبر تكبيرة الإحرام استقبل القبلة وكبر، ثم صرف دابته)، وعلى هذا لو كنت في السيارة اليوم، فإنك تستقبل القبلة عند تكبيرة الإحرام، ثم تصرف السيارة إلى أي وجهة تريد، كما كانوا في القديم يستقبلون القبلة عند تكبيرة الإحرام، ثم يصرف المصلى دابته إلى الجهة التي يذهب إليها.لكن لو كنت راكبا، وأردت أن تكبر تكبيرة الإحرام، وكانت السيارة إلى غير القبلة، بحيث كانت القبلة عن يمينك، فانفتلت عن يمينك وكبرت ثم رجعت إلى وضعك فقد اختار بعض العلماء رحمة الله عليهم أنك إذا انحرفت من مجلسك وكبرت ثم انحرفت اختيارا بطلت صلاتك.والسبب في هذا أنك إذا أردت أن تكبر تكبيرة الإحرام على وجهتك فإنه حينئذ يغتفر انحرافك عن القبلة؛ لأن الانحراف كان من الدابة، أما لو انفتلت بنفسك فكأن الانحراف بفعل نفسك، كما لو انحرفت عن القبلة بقصد، فيفرق بين من يكبر تكبيرة الإحرام ثابتا إلى آخر الصلاة وانحرفت به السيارة في طرقاتها، وبين من كبر ثم انحرف إلى جهته، فإنه كبر وانحرف باختياره، فبطلت صلاته كما لو انحرف عن قبلته.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #154  
قديم 27-01-2022, 01:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي


شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الكسوف)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (149)

صـــــ(1) إلى صــ(32)



باب صلاة الكسوف

شرع الله سبحانه وتعالى صلاة الكسوف التجاء إليه سبحانه عند حدوث الكسوف للشمس أو للقمر، وقد حث على الدعاء والصدقة فيها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه الصلاة فيها من الأحكام ما ينبغي على المسلم معرفتها إذا أداها، ولتكون على هدي النبي صلى الله عليه وسلم،
ومن أهم المسائل والأحكام المتعلقة بها: حكم صلاة الكسوف وصفتها، والأحوال التي لا تشرع فيها صلاة الكسوف، وغيرها من الأحكام.
[أحكام صلاة الكسوف]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [باب صلاة الكسوف].المراد بالكسوف كسوف الشمس والقمر.وللعلماء رحمهم الله في إطلاق الكسوف عليهما خلاف معروف،
فمن أهل العلم من يقول:
إن الكسوف والخسوف يطلقان على الشمس والقمر،
وقد جاء بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان ولا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته) قال العلماء رحمهم الله: فعبر بالكسوف عنهما، وكذلك بالخسوف وهذا هو أحد الأوجه عند أهل العلم رحمة الله عليهم.
ومن أهل العلم من يقول: إن الكسوف للشمس والخسوف للقمر.وعلى هذا مصطلح أكثر الفقهاء رحمة الله عليهم، فيعبرون بالكسوف للشمس وبالخسوف للقمر،
كما قال تعالى:
{فإذا برق البصر} [القيامة:7] {وخسف القمر} [القيامة:8]، فعبر بالخسوف للقمر، ففهم من هذا أن الكسوف للشمس،
وقد جاء في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه: (كسفت الشمس فصلى)، فعبر بالكسوف للشمس،
قالوا:
وعبر القرآن بالخسوف في القمر، فدل على أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر.وصحح غير واحد من أئمة اللغة هذا المذهب، وقال الجوهري،
وكذلك ثعلب:
إن الأفصح أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر.
وقال بعض أهل العلم:
الكسوف للقمر والخسوف للشمس وقد ضعف هذا المذهب القاضي عياض رحمه الله؛ لأنه خلاف التنزيل،
فإن الله عز وجل قال:
{وخسف القمر} [القيامة:8]، فعبر بالخسوف في القمر، فدل على أنه يطلق الخسوف على القمر، وعدم إطلاقه على القمر على هذا القول يخالف نص الآية، وهذا من أضعف المذاهب.وهناك مذهب آخر يرى أن الكسوف المراد به ذهاب بعض الضوء،
فتقول:
كسفت الشمس وكسف القمر: إذا ذهب بعض الضوء،
وتقول:
خسفت الشمس إذا ذهب الضوء كله، وكذلك خسف القمر إذا ذهب الضوء كله.وفي هذا القول جمع بين الأقوال التي سبق ذكرها، ويختاره بعض الأئمة رحمهم الله من الفقهاء واللغويين.
وقد ترجم الإمام البخاري رحمة الله عليه في الصحيح بباب:
(هل يقول كسفت الشمس أو خسفت؟) فقدم الكسوف وعبر به للشمس، وأخر الخسوف،
فقال بعض العلماء:
إن الإمام البخاري متردد في هذه المسألة، حيث أورد هذه الترجمة بصيغة الاستفهام التي لا جزم فيها، فكأنه متردد بين هذه الأقوال.
ومن أهل العلم من يقول: إن الإمام البخاري قصد أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر؛
لأنه بوب بقوله:
(هل يقول كسفت الشمس أو خسفت؟)،
ثم قال:
وقال الله تعالى: {وخسف القمر} [القيامة:8]،
ففهم من هذا أنه يميل إلى مذهب من يقول: إن الكسوف للشمس والخسوف للقمر.
والمصنف حين قال:
(باب صلاة الكسوف)، فإنه إن كان يرى أن الكسوف خاص بالشمس فإنه قدمه لأن الأدلة وردت في كسوف الشمس، فيكون خسوف القمر تبعا من هذا الوجه، وإن كان يرى القول الذي يطلق الكسوف عليهما، فحينئذ لا إشكال في تعبيره بالكسوف.
[صلاة الكسوف من صلوات الرهبة]
وهذا النوع من الصلوات -أعني صلاة الكسوف- يعتبر من صلوات الرهبة، وذلك أن الله عز وجل يرسل بالآيات تخويفا لعباده، وزجرا لهم، وتنبيها لهم من غفلتهم وما هم فيه من الإعراض عنه سبحانه وتعالى، فيرسل الآيات تخويفا لعباده،

وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في خطبته حيث قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، يخوف الله بهما عباده، لا ينخسفان ولا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)، فنص على أنها آيات يخوف الله عز وجل بها عباده، وذلك بما يعتريهما من الكسوف والخسوف.فهذه الصلاة المخصوصة التي أثرت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حال كسوف الشمس إنما هي صلاة رهبة، والمراد بذلك أن الناس تفزع إلى الله عز وجل وتفر إليه بذكره، وتقف بين يديه بأشرف المقامات وأحبها إلى الله سبحانه وتعالى وهي الصلاة التي قال عليه الصلاة والسلام فيها: (استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة).وهناك نوع ثان من الصلوات يسمى بصلاة الرغبة، وهي صلاة الاستسقاء، فكما أن صلاة الكسوف للرهبة كذلك صلاة الاستسقاء للرغبة، ولذلك ابتدأ المصنف بصلاة الكسوف ثم أتبعها بصلاة الاستسقاء.
[مناسبة تأخر باب صلاة الكسوف إلى نهاية كتاب الصلاة]

وأما مناسبة باب صلاة الكسوف لما تقدم من صلاة العيدين فهي أن المصنف رحمه الله ابتدأ بالصلاة مع الجماعة وبيان صلاة الجماعة وأحكامها، ثم ثنى بما تشرع له الجماعة كل يوم، ثم شرع في بيان ما تشرع له الجماعة كل أسبوع وهي الجمعة، ثم أتبع ذلك بباب صلاة العيدين وهي الصلاة التي تشرع جماعة مرتين في العام،
ولما كان الكسوف قد يقع وقد لا يقع أتبع الغالب بالنادر فقال: (باب صلاة الكسوف)، ولما كانت صلاة الاستسقاء تبعا لصلاة الكسوف من جهة المقابلة في كونها صلاة رغبة وسؤال وحاجة لله عز وجل ختم بها باب الصلوات ثم أتبع ذلك بباب صلاة الجنائز.
[الدلائل والبراهين الجلية لكسوف الشمس والقمر]

في الكسوف آيات لله عز وجل أعظمها وأجلها أنه يدل على وحدانية الله سبحانه وتعالى، وذلك أن اختلال الأشياء المنتظمة يدل على وجود مؤثر وهو الله عز وجل الذي جعلها تنتظم بقدرته وتختل بقدرته،

وفي هذا رد على الطبيعيين الذين يقولون: إن الحياة طبيعية، وليس هناك إله -تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا- فحينما تختل الأمور يدل اختلالها على وجود مؤثر وهو الله سبحانه وتعالى، ولذلك خلق الله الأشياء بالأضداد حتى لا ينسب الأمر إلى الطبيعة، فجعل الألوان مختلفة والأشكال مختلفة، وجعل الصفات متباينة،
كما قال تعالى: {ومن كل شيء خلقنا زوجين} [الذاريات:49]، فجعل الأشياء أزواجا حتى تدل على وحدانيته سبحانه وتعالى؛ لأنه لو حدثت الأشياء بنفسها لحدثت على وتيرة واحدة، فلما جعلها الله متباينة الأشكال مختلفة الصور والصفات كان هذا من دلائل وحدانيته، ومن هنا نهي المكلف عن تغيير الخلقة، فنهيت المرأة عن وصل شعرها؛ لأنك إذا رأيت المرأة بشعرها ثم رأيت امرأة بدون شعر علمت أن هناك إلها يخلق هذا وهذا، فنهي عن تغيير الخلقة والتعرض لها حتى يبقى عند الناس شعور بوجود من يخلق هذه الأشياء ويدبرها سبحانه وتعالى.وأدلة القرآن تنصب على هذا، فتجد أن الله عز وجل يذكر ألوان الجبال، واختلاف الأشياء وتضادها، كالليل والنهار، والشمس والقمر، فكل شيء جعل له ضد، وهذه الضدية تشعرك بوحدانية الله عز وجل.
فإن جاء إنسان يقول: الحياة طبيعية وليس هناك إله، فإنك تفحمه وتلقمه الحجر بوجود التباين، فلو كانت الأشياء حدثت بنفسها لحدثت بوتيرة واحدة، إما على الكمال المطلق وإما على النقص المطلق، أما كون هذا يكون على النقص وهذا يكون على الكمال، وهذا يكون كماله في الحس ونقصه في المعنى، وهذا كماله في المعنى ونقصه في الحس، فكل ذلك يدل على وحدانية الله سبحانه وتعالى ووجود الخالق لوجود هذا التباين.والكسوف من آيات الله التي فيها رد على عبدة الشمس والكواكب، وذلك أنهم لما عظموا الشمس واعتقدوا أنها الإله غيبها الله سبحانه وتعالى عنهم في كل يوم؛ حتى يعلموا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يسيرها، وهو الذي يأمرها فتأتمر،

كما في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك أن يقال لها: ارجعي من حيث أتيت، فتصبح طالعة من مغربها، أتدري متى ذلك يا أبا ذر؟! حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا).

فالمقصود: أن الله يغيبها حتى يكون في ذلك رد على من يعبد الشمس، فلو كانت الشمس هي الإله لبقيت، ولكنها تزول وتذهب، فإذا كانت باقية كما في بعض المناطق التي قد لا تغيب عنها الشمس إلا لحظات يسيرة فإنها تغيب بالكسوف ويذهب ضوءها بالكلية، ويظهر حينئذ أنها أفقر ما تكون لله عز وجل، فالقمر يكون بينها وبين الأرض فيكون الكسوف إما كليا أو جزئيا، فيظهر حينئذ أنه لا إله إلا الله سبحانه وتعالى.كما أن في الكسوف تنبيها للغافلين وإيقاظا للنائمين الذين هم في بعد عن صراط الله المبين؛ لأن الإنسان إذا أصابته النعمة كفر بها إلا أن يرحمه الله برحمته، فكونه يعيش في حياة يألفها ويفاجأ في يوم من الأيام بالشمس قد ذهب ضوءها، وأصبحت لا ضوء لها فإنه قد ينتبه ويعود إلى الله عز وجل، حتى إنه في بعض الأحيان يذهب ضوءها إلى درجة يرى الناس فيها النجوم في وضح النهار، وكأنهم في ليلة من ليالي السرار، وهذا من عظمة الله سبحانه وتعالى.فمن أبلغ ما يكون عظة في الكسوف أن يذهب ضوءها بالكلية فيكون كسوفا كليا، حتى إن الناس يرون النجوم، ويكون في ذلك عظة عظيمة للناس، خاصة المذنبين منهم، وفيه تثبيت لأهل الطاعة؛ لأنه يزيد من خوفهم من الله جل جلاله، ولذلك كان أكمل الموحدين وإمام المطيعين صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين إذا رأى الريح أقبل وأدبر، وتغير وجهه صلوات الله وسلامه عليه من شدة خوفه من الله سبحانه وتعالى.فالكسوف يزيد من خوف الخائفين، ويزيد من يقين الموقنين، ففيه نوع من السلوى لأهل الإيمان والثبات لهم على طاعة الله جل جلاله، وكذلك فيه التنبيه والعظة لمن كان بعيدا عن الله غافلا عن طاعته جل ذكره،

وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى بقوله: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده)، فهذا التخويف المقصود به دعوتهم إلى القرب من الله عز وجل، ولذلك شرع الله عز وجل هذه الصلاة التي فيها دليل على خوف العبد من الله سبحانه وتعالى، واستشعاره لعظمته وقدرته على أخذ العباد كما أخذ ضوء هذه الشمس وأذهب ضياء القمر، فإنه قادر سبحانه وتعالى على أن يذهب من دون ذلك وهم البشر.نسأل الله العظيم أن يرحمنا برحمته.
[حكم صلاة الكسوف]

قال المصنف رحمه الله: [تسن جماعة وفرادى إذا كسف أحد النيرين].قوله: (تسن) أي: صلاة الكسوف، وقد دل على هذه السنة الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،

قال الحافظ المنذري: روى حديث الكسوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة عشر شخصا من أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، فممن روى حديث الكسوف عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عباس، وأم المؤمنين عائشة وأسماء وأبو موسى الأشعري وأبو هريرة وأبي بن كعب وسمرة بن جندب وقبيصة الهلالي رضي الله عنهم، وأحاديثهم في الصحيحين وكذلك في السنن، وكلها وصفت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف.

وقد وقع الكسوف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واختلف فيه: فبعض العلماء يقول: كسفت الشمس أكثر من مرة.وقالوا: الأحاديث التي وردت اتفقت على مرة، وهي في يوم موت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم.وورد عند الزبير بن بكار بسند تكلم بعض العلماء فيه أنه كان موته في السنة العاشرة من الهجرة، ووقع ذلك في اليوم العاشر من ربيع الثاني وقام بعض الفلكيين المتأخرين بحسابه وضبطه بالعاشر من شوال من السنة العاشرة، وهذا أمر يحتاج إلى نظر؛ لأنه من الصعوبة بمكان التوصل إلى مثل هذه الأمور، إلا أن حساب الكسوف أمر ممكن، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه، والإمام ابن القيم وبسطا في ذلك بسطا يحبب الرجوع إليه في (مجموع الفتاوى) و (مفتاح دار السعادة) بينا فيه أنه يقع الحساب، ويمكن للإنسان أن يعرف متى يقع الكسوف وعدد مراته إذا كان ضابطا لحسابه، وليس هذا من علم النجوم،

ولا يعد هذا من العلم المذموم؛ لأنه تابع لمنازل القمر، ويكون الاهتداء إلى وقت الكسوف راجع إلى الخبرة والمعرفة، فهو من الاهتداء بالعلامات والأمارات، وليس من باب التنجيم الذي ذم شرعا، وإن كان اطلاع الناس على الكسوف والخسوف لا ينبغي؛ لأنه يحدث عندهم إلفا لهذا الأمر، ويورث ضعفا في خشية الله تعالى والخوف منه، بخلاف ما إذا فوجئوا، والعجب أنه قد يفعل هذا بعض الناس بقصد أن يذهب الخوف عن الناس، والله عز وجل أراد أن يخوف عباده وهذا يريد أن يطمئنهم،

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول عن كسوفهما: (يخوف الله بهما عباده)، ولذلك لا يجوز لأحد أن يخفف عن الناس، أو يقصد التخفيف عن الناس، أما إذا كان من باب الصنعة، أو من باب العلم والدراية بمواقيت الكسوف والإخبار عنها فهذا لا حرج فيه، والأفضل والأكمل أن لا يخبر الناس، حتى يكون أبلغ في زجرهم وعظتهم.وقد اتفق على وقوع الكسوف في يوم موت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي ذكرناه،

وهناك رواية في السنن: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الكسوف بمكة)، وتكلم عليها وهي ضعيفة، والمحفوظ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الكسوف بالناس في مكة.
وقوله: [تسن].من العلماء من قال: سنة واجبة، كما يقول بعض أئمة الحنفية، وبعض أهل الحديث، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: (فصلوا وادعوا)، وظاهر الأمر الوجوب، ولأن الخروج من الخوف يكون بما يقابله مما هو أشبه في اللزوم، لا بما هو مندوب إليه.

وذهب جماهير أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة: إلى أنها سنة، وإذا قام بها البعض فإنه لا إثم على الباقين.وقوله رحمه الله: [تسن فرادى وجماعة]،

أي: من السنة صلاة الكسوف، ولا بأس أن يصليها الإنسان لوحده ويصليها مع الجماعة.ويستوي في ذلك أن يصليها في الحضر أو يصليها في السفر، فلو كنت مسافرا ورأيت خسوف القمر أو كسوف الشمس شرع لك أن تصلي، وعلى القول بأنها نافلة تصليها ولو على الدابة، بناء على أن صلاة النافلة يجوز فعلها على الدابة،

كما في الصحيحين من حديث ابن عمر: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على دابته إلا المكتوبة)، فيصلي الإنسان ولو كان في السفر،
ولو صلى مع الجماعة فهو أفضل وأكمل لندائه عليه الصلاة والسلام: (الصلاة جامعة)، وكذلك يصلي بأهله، فلو أنه جمع أهله وصلى بهم شرع له ذلك، فلا حرج أن يصليها منفردا ولا حرج أن يصليها في جماعة، سواء أوقعت جماعته مع الناس أم وقعت مع خاصته كأهله، أو كانوا رفقة في السفر فنزلوا وصلى بهم أحدهم فلا حرج في ذلك، ولكن إذا صلى لوحده لا يخطب عند من يقول بالخطبة، وسيأتي إن شاء الله بيان حكم الخطبة، وأن الصحيح أنها ليست بواجبة، وسنبين دليل عدم وجوبها إن شاء الله تعالى.
وقوله: [إذا كسف أحد النيرين] أي: يستوي في ذلك الشمس والقمر.وهذا يدل على أن المصنف يميل إلى أن الكسوف يطلق على الشمس والقمر، وأنه لا حرج،

ولذلك قال: (إذا كسف أحد النيرين) أي: إذا ذهب بعض أو كل ضوئه فإنه يسن أن تصلي، والسنة أن يكون ذلك عند بداية الكسوف، ولا ينتظر إلى تمامه وكماله، فإن الآية تكون من بداية الكسوف،

فإذا رأى بداية الكسوف أو شعر ببداية الكسوف فإنه ينادي بقوله: الصلاة جامعة.وإذا اجتمع الناس صلى بهم، ولا ينتظر تمام الكسوف أو اشتداده.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #155  
قديم 27-01-2022, 01:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الكسوف)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (150)

صـــــ(1) إلى صــ(32)


[صفة صلاة الكسوف]

قال المصنف رحمه الله: [ركعتين].مذهب جماهير أهل العلم رحمة الله عليهم أن صلاة الكسوف ركعتان،

ولكن الخلاف بينهم فيما يكون داخل الركعتين من الركوع: فمذهب الجمهور أنه يركع ركوعين في كل ركعة.وذهب طائفة من أصحاب الإمام الشافعي،
واختاره الإمام ابن حزم: إلى جواز أن يصلي في كل ركعة ثلاثة ركوعات.

وهناك قول ثالث: بأنه يصلي أربعة ركوعات.
وهناك قول رابع: بأنه يصلي خمسة ركوعات في الركعة الواحدة.
وهناك قول خامس: بأنه يصلي ركعتين، ولكن إذا طال وقت الكسوف زاد في عدد الركوعات، فيجعل الأصل أن يركع في كل ركعة ركوعين، وإذا رأى أن الكسوف مستمر وأنه لا زال يزيد ركوعا ثالثا.فهذه هي أوجه أهل العلم رحمة الله عليهم.
وأصحها وأقواها سندا ورواية الثابت في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عن الجميع أن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان، فهذا هو الصحيح، والذي عليه جمهور العلماء والأئمة رحمة الله على الجميع.

والسنة أن ينادى لها بقول: (الصلاة جامعة)، وينادى لها عند ابتداء الكسوف، ولا يكون لها أذان، ولا يكون لها إقامة بإجماع العلماء،

أي: لا يؤذن لها أذان المكتوبة ولا يقام لها إقامة المكتوبة، وإنما ينادى لها بهذا النداء، فيجتمع الناس عند وجود هذا النداء، فإذا اجتمعوا قام الإمام وكبر، كما ذكر المصنف رحمه الله.
[صفة القراءة في الركوع الأول من الركعة الأولى]

قال المصنف رحمه الله: [يقرأ في الأولى جهرا بعد الفاتحة سورة طويلة].أي: يبتدئ ويكبر، ثم يقرأ دعاء الاستفتاح، ثم يستعيذ، ثم يقرأ الفاتحة، ويطيل في القراءة بعد الفاتحة، والثابت عنه عليه الصلاة والسلام أنه حزرت قراءته نحوا من سورة البقرة في الركعة الأولى، وهذا عند العلماء على وجهين: فمن أهل العلم من يقول: يقرأ بقدر سورة البقرة في الركعة الأولى.

ويرى ذلك من السنن المطردة، وأن من صلى ينبغي أن يراعي هذا القدر، وهذا يقوله بعض أصحاب الشافعي رحمة الله عليهم، وبعض أهل الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قصد الإطالة، حتى ولو كان الكسوف جزئيا، لأنك لو أطلت هذه الإطالة ربما انجلت الشمس قبل أن تتم، أو قبل أن تصلي بقية الصلاة، فعلى هذا الوجه تراعي التطويل على هذه الصورة، سواء أكان الكسوف مما يخشى أن يطول أم كان دون ذلك، وهذا القول أشبه بالمتابعة للسنة.
القول الثاني: أن هذا تقديري، فيقرأ نحوا من مائة آية من البقرة في الركعة الأولى.ومنهم من يقول: الأمر راجع إلى الإمام، فإن كان الكسوف مما يكون فيه القدر طويلا، ويغلب على الظن الإطالة أطال إلى البقرة، وإن كان دون ذلك قصر، وهذا يرجع إلى فقه الإمام وعلمه، وكذلك فطنته في الإطالة والتقصير على حسب من وراءه من المصلين.والقراءة في خسوف القمر جهرية وجها واحدا عند العلماء رحمة الله عليهم، والخلاف في كسوف الشمس هل يجهر فيه بالقراءة، أو يسر؟ فظاهر حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة، ونصت على ذلك رضي الله عنها وأرضاها.

وهذه المسألة من مشكلات المسائل عند العلماء رحمة الله عليهم، فأحاديث أثبتت أنه جهر، وأحاديث نفت الجهر وأثبتت أنها كانت سرا،

فـ ابن عباس يقول: (نحوا من سورة البقرة)، وهذا يدل على أنه ما سمع قراءته،
وأم المؤمنين عائشة تقول: جهر، ونصت على الجهرية،

وكذلك اختلف العلماء: فمن العلماء من يقول: هي سرية، إعمالا للأصل في أن تكون صلاة النهار سرية وصلاة الليل جهرية، إلا ما استثني.

وقال بعض العلماء: بل هي جهرية.وهذا القول من ناحية النصوص أقوى، ومن ناحية أصولية أقوى، فإن المثبت مقدم على النافي، مع أن ابن عباس رضي الله عنهما يحتمل أن يكون بعيدا في آخر الصفوف؛ لأن أم المؤمنين عائشة كانت أقرب الناس، وهي التي حكت قيامه لصلاة الكسوف، ولذلك يكون قربها بمكان، وعلمها بالقراءة أولى، ويظهر لها شأنه عليه الصلاة والسلام أكثر من غيرها، ولذلك يقوى قول من قال بأنه يجهر.ولكن إن أسر إعمالا للأحاديث كحديث ابن عباس وحديث سمرة بن جندب رضي الله عن الجميع فإنه لا حرج عليه، لكن الأقوى من ناحية النصوص أنه يجهر.

وهناك جمع ثان للعلماء يقول: إن الكسوف تعدد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، فتارة جهر وتارة أسر، فيكون من خلاف التنوع لا من خلاف التضاد.والذي عليه المحققون أن الكسوف وقع مرة واحدة في عهد النبي صلى عليه وسلم، وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام رحمة الله عليه، فالكسوف لم يتعدد.
وهناك وجه ثان للجمع يقول: إنه يحتمل أن عائشة رضي الله عنها قصدت بالجهر الإسماع، مثل ما فعل في صلاة الظهر، فإنه ربما كان يسمع بالآيات، فيظن أنه جهر، والواقع أنه لم يجهر عليه الصلاة والسلام.ولكن الذي يظهر والله أعلم أن الحديث نص صريح واضح في إثبات جهريته صلوات الله وسلامه عليه بالصلاة.
[صفة الركوع الأول من الركعة الأولى]

قال المصنف رحمه الله: [ثم يركع طويلا].أي: بعد انتهاء قراءته يركع طويلا، وهذا أصح الوجهين عند العلماء رحمة الله عليهم، ويقول بعض العلماء: إنه يقارب القراءة، للسنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ركوعه قريبا من قيامه، فيطيل في ركوعه حتى يقارب القيام، أو يكون دون ذلك.
قوله: [ثم يرفع].أي: ثم يرفع من الركوع، وهذا الركوع هو الذي تدرك به الركعة الأولى، فمن أدرك هذا الركوع فإن صلاته تامة، ولو جاء بعد رفع الإمام من هذا الركوع وأدرك الركوع الثاني فإنه يلزمه قضاء ركعة كاملة بركوعين، فهذا الركوع الأول هو الذي تدرك به الركعة الأولى؛ لأنها ركعتان، وبناء على ذلك فإن العبرة بالركعة الأولى وركوع الركعة الأولى، فإن أدرك الإمام قبل أن يرفع من ركوعه الأول من الركعة الأولى فإنه يعتبر مدركا للصلاة كاملة، أما لو رفع الإمام وأدركه في الرفع، أو أدركه في الركوع الثاني من الركعة الأولى، فإنه يلزمه قضاء ركعة كاملة، وتكون بركوعين على نفس الصفة التي فاتته.
[صفة القراءة والركوع في الركوع الثاني من الركعة الأولى]

قال المصنف رحمه الله: [ثم يرفع ويسمع ويحمد، ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون الأولى].أي: ثم يرفع بعد الركوع ويقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد.ثم بعد ذلك يقرأ ثانية، واختلف العلماء: فقال بعضهم: يستفتح بالتعوذ، ثم بعد ذلك يشرع في القراءة.

وقال بعضهم: يشرع في القراءة مباشرة لأنه اتصال، والفصل في الركوع لا يضر، وهذا مفرع على مسألة الفصل بالركوع والسجود هل هو فصل فتشرع الاستعاذة، أو ليس بفصل فلا تشرع الاستعاذة؟ والصحيح أنه تشرع الاستعاذة، فيستعيذ لظاهر قوله سبحانه وتعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله} [النحل:98]، فيشرع له أن يستعيذ عند ابتداء قراءته بعد رفعه من الركوع الأول من الركعة الأولى.
قوله: (ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون السورة الأولى)، هذا هو هديه عليه الصلاة والسلام، فقد كان يخفف ما يلي عما قبله، ولذلك تجد النفوس أقوى في الأولى، وتقوى على الركوع الأول وعلى القيام الأول أكثر من قدرتها على ما بعده، وهذا من كمال هديه عليه الصلاة والسلام، وكذلك حسن فقهه وإمامته بالناس صلوات الله وسلامه عليه، فإن النفوس تضعف وتدركها سآمة العبادة، ولذلك جعل صدرها وأولها أشق وأطول، حتى يكون ما بعدها أخف، فترتاح النفوس، وتقوى على هذه الإطالة ولا تملها.

فبناء على هذا يشرع للإمام أن يحزر السور، وأن يحزر الآيات التي يريد قراءتها، فليست العبرة بعدد الآيات وقصر الفصل، ولكن العبرة بسلاسة القراءة؛ فإنه ربما تكون الآيات طويلة ولكنها سهلة سلسلة في قراءته، بحيث يمكنه أن يقرأها في أقصر وقت أكثر من غيرها؛ لأن هذا يرجع إلى الحروف وإلى الكلمات ومخارجها وصعوبة قراءتها، فلذلك يختار من المقاطع ويرتبها حتى يكون ذلك أدعى لإصابته للسنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون قيامه الثاني دون قيامه الأول.
قال المصنف رحمه الله: [ثم يركع فيطيل وهو دون الأول].هذا هو الركوع الثاني من الركعة الأولى، ولكنه دون الركوع الأول، والصحيح أن هذين الركوعين يشرع فيهما الإطالة،

خلافا لمن قال من أصحاب الإمام الشافعي رحمة الله على الجميع: إنه لا يشرع أن يطيل.والسنة تدل على الإطالة فيه، ففي الحديث: (فأطال)،

وفي رواية: (ركع فلم يكد يرفع) من طول ركوعه عليه الصلاة والسلام، وهذا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.فعلى العموم فإن السنة أن يطيل في ركوعه الثاني، ولكن يكون دون الركوع الأول.
قال رحمه الله تعالى: [ثم يرفع].يرفع من ركوعه الثاني في الركعة الأولى، ثم إذا رفع لا يطول، فإذا رفع من الركوع الثاني من الركعة الأولى يكون قيامه كالمعتاد، فيقول مثلا: (ربنا ولك الحمد)، وإن شاء أن يصيب السنة قال: (ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ... ) إلى آخر هذا الدعاء،
أو يقول: (حمدا كثيرا طيبا، مباركا فيه)، ثم يسجد.
[صفة السجود في الركعة الأولى]

قال المصنف رحمه الله: [ثم يسجد سجدتين طويلتين].

هاتان السجدتان تابعتان للركعة الأولى، وهاتان السجدتان يشرع فيهما الإطالة كالركوع، وذهب بعض العلماء رحمة الله عليهم إلى أنه يخفف السجدتين.والصحيح أنه يطول السجدتين، وتكون على الصفة التي تقدمت، فيطيل السجود الأول ويخفف السجود الثاني للهدي الذي ذكرناه عن النبي صلى الله عليه وسلم في تقصيره فيما يكون مرتبا على الولاء؛ حتى يكون ذلك أدعى لدفع السآمة عن الناس والملل من طول العبادة.

وأما مشروعية التطويل بين السجدتين ففيه وجهان للعلماء: فمن أهل العلم من قال: لا يطول، بل يقتصر على المعتاد، فيقول الأذكار: (اللهم اهدني وارحمني وعافني وارفعني وانفعني واجبرني ... ) إلى آخر الدعاء المعروف.ومنهم من يقول: بل يطول ويكثر من ذكر الله عز وجل، وقد جاء حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وأرضاهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أطال بين السجدتين)، ولكن هذه الرواية في السنن فيها عطاء بن السائب، وفيه كلام،

ولذلك يقول بعض العلماء: إنه لا يطيل فيهما.وإن كان الذي صححه غير واحد من الأئمة أنه يشرع له أن يطول ويثني على الله عز وجل بما هو أهله.
[صفة الركعة الثانية مع التشهد والتسليم من صلاة الكسوف]

قال المصنف رحمه الله: [ثم يصلي الثانية كالأولى لكن دونها في كل ما يفعل ثم يتشهد ويسلم].
قوله: (ثم يصلي الثانية كالأولى) أي: كصفة الأولى، وقوله: (ولكن دونها في كل) في الطول، فيكون قيامه الأول من الركعة الثانية دون قيامه الأول من الركعة الأولى، ويكون قيامه الثاني من الركعة الثانية دون قيامه الثاني من الركعة الأولى، فهذا هو الهدي الوارد عنه عليه الصلاة والسلام في صفة صلاته في الكسوف، وهو ثابت في حديث أم المؤمنين عائشة، وحديث عبد الله بن عباس وغيرهما رضي الله عن الجميع.

قوله: [ثم يتشهد ويسلم].في صفة التشهد عند زوال الكسوف خلاف بين العلماء: فقال بعض العلماء: إن كانت الشمس قد تجلت وانكشفت فإنه يخفف التشهد؛ لأنه زال السبب والموجب فيخففه.وقال بعض العلماء: يتشهد على ما هو معتاد له ولا يتجوز.
[تأثر طول الصلاة وقصرها بانجلاء الكسوف]

قال المصنف رحمه الله: [فإن تجلى الكسوف فيها أتمها خفيفة].إذا تجلت أثناء الركعة الثانية، أو بعد قيامه من الركوع الأول من الركعة الثانية فللعلماء في تتمة صلاته حينئذ وجهان: فمنهم من يقول: إن العبرة بالابتداء، ويتم الصلاة على الصفة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخفف.

ومنهم من يقول: بل يخفف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم)، فلما قال: (حتى ينكشف ما بكم) دل على أن الصلاة ينبغي أن تتأقت بالانكشاف، وعلى هذا فالوجه الثاني هو الأقوى، فيخفف إذا تجلت الشمس وتبين أن الكسوف أو الخسوف قد زال، فإنه حينئذ يخفف ما بقي من الركعات والسجدات ويصلي كصلاته المعتادة، وهذا هو اختيار جمع من العلماء -كما ذكرنا- لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: (فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم).
[اشتراك الشمس والقمر في صفة الصلاة]

ذكرنا صفة صلاة الكسوف، وهذه الصفة هي مذهب الشافعية والحنابلة والظاهرية وأهل الحديث رحمة الله على الجميع، فصلاة الكسوف تصلى على هذه الصفة الواردة في الأحاديث الصحيحة، وهي أحاديث من سمينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم.

وذهب الإمام أبو حنيفة وبعض المالكية إلى أنه يصلي ركعتين كالصلاة المعتادة، ولا تكون لها جماعة، بمعنى أنه يصلي ركعتين دون أن يجمع، وهذا في صلاة خسوف القمر، فكل إنسان يصلي على حدة، ولا يلزم أن يجتمع الناس، فهذا هو مذهبهم.والصحيح مذهب من ذكرنا، فيشرع أن يصليها مع الجماعة، وتصلى بهذه الصفة الواردة، ويشمل ذلك صلاة الكسوف وصلاة الخسوف لثبوت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
أما صلاة الخسوف فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان ولا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم هذا فصلوا وادعوا)، فشرك بين الكسوف والخسوف، فجعل كسوف الشمس وكسوف القمر كلاهما يشتركان في قوله: (فصلوا)، فدل على أن حكمهما واحد، وأنه كما يصلى الكسوف بالصفة التي ذكرناها جماعة يشرع له أن يصلي الخسوف بالصفة التي ذكرناها جماعة، ولذلك يعتبر مذهب الحنفية وبعض المالكية رحمة الله عليهم مرجوحا من هذا الوجه.
[الأحوال التي لا تشرع فيها صلاة الكسوف]

قال رحمه الله تعالى: [وإن غابت الشمس كاسفة، أو طلعت والقمر خاسف، أو كانت آية غير الزلزلة لم يصل].
في مثل هذه الحالات قال الإمام النووي وغيره من الأئمة رحمة الله عليهم: لا يصلي؛ لأنها إذا غابت يكون قد ذهب سلطانها.

والسنة تقوي هذا القول؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم)، وإذا غابت فقد ذهب سلطانها، وكذلك أيضا إذا طلعت الشمس والقمر قد خسف فلا تصلى صلاة الخسوف، والعبرة بالشمس لا بالقمر.
قال رحمه الله تعالى: [أو كانت آية غير الزلزلة لم يصل].

قوله: (أو كانت) أي: وقعت وحصلت، وقوله: (آية غير الزلزلة) الآيات مثل الصواعق والرياح الشديدة والزلازل، فإنها تنتاب الناس فجأة، فتارة تهب عليهم الرياح وهم لا يشعرون، أو تأتيهم الصواعق في أثناء نزول المطر فيباغتون بها، فإذا وقعت بشكل يزعج منه ويخاف منه يفر إلى الصلاة،

وللعلماء رحمة الله عليهم في الصلاة عند الآيات غير الكسوف وجهان: فمن أهل العلم من يقول: يشرع أن يصلي صلاة الكسوف في كل آية فيها خوف؛

لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخوف الله بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا)، فجعل الصلاة مرتبة على الخوف،

قالوا: فكل شيء فيه خوف يشرع أن يصلى له صلاة الكسوف، كما لو كثرت الصواعق، أو أصبحت الرعود قوية جدا بحيث تزعج وتحدث الرهبة والخوف عند الناس، أو كانت في منتصف الليل والناس على ضجعة فجاءتهم على شكل مفزع، فحينئذ يشرع أن يصلوا صلاة الكسوف.ويختار هذا القول بعض الأئمة، ويميل إليه الإمام ابن حزم الظاهري رحمة الله على الجميع.

ومن أهل العلم من قال: لا يشرع أن تصلى صلاة الكسوف إلا فيما ورد فيه النص من كسوف الشمس وخسوف القمر، أما كسوف الشمس فلفعله عليه الصلاة والسلام،

وأما خسوف القمر فلقوله: (فإذا رأيتم هذا فصلوا وادعوا)، فشرك بينهما.والصحيح أن هذه الصلاة لا تشرع إلا في الكسوف والخسوف، والزلزلة لا يصلى فيها؛ لأن الأثر عن علي رضي الله عنه ضعيف، فالقول بجواز الصلاة للزلزلة ضعيف، إلا أنه يجوز أن يصلي الناس صلاة عامة؛

لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة أنه: (كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة)، فلو أن الرعود أو الصواعق أصابت الناس أو حدثت الزلزلة فكل إنسان يصلي ويفزع إلى الله عز وجل بالصلاة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #156  
قديم 27-01-2022, 01:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي


شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الكسوف)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (151)

صـــــ(1) إلى صــ(32)


[الأمور المشروعة مع الصلاة عند الكسوف والخسوف]
وكما تشرع الصلاة عند الكسوف والخسوف فهناك أمور أخرى تشرع أيضا، فيشرع للإنسان إذا وقع الكسوف أن يكثر من الصدقات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فصلوا وادعوا) -وفي رواية: (وتصدقوا-)، ولأن الصدقة تطفئ غضب الرب،
ففي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن الصدقة تطفئ غضب الرب كما يطفئ الماء النار)، فإذا كانت الصدقة تطفئ غضب الرب، وحدوث هذه الآيات بهذه الصفة من غضب الله على عباده بسبب الذنوب وما يكون من المعاصي، فيشرع أن يتصدق الناس لكي يكون ذلك سببا في رحمة الله بهم، قال تعالى: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} [الأنعام:43]، فقوله تعالى: (فلولا) أي: فهلا.فهي بمثابة الحث، أي: فهلا إذا جاءهم بأسنا تضرعوا.فالمشروع أن يتضرع الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى ويتقرب إليه بالصدقة، ولذلك نص بعض أهل العلم رحمة الله عليهم على أنه لا حرج إذا نزلت بالإنسان مصيبة أو ملمة أو كربة أن يتصدق،
فإن هذا مشروع لقوله عليه الصلاة والسلام:
(فصلوا وادعوا وتصدقوا)، وقوله في الصحيح: (إن الصدقة تطفئ غضب الرب)، ولما كانت المصائب من غضب الله على العبد، أو من وجود الذنوب من العبد فإنه يشرع أن يطفئ غضب الله عز وجل عليه وسخطه ومقته بالصدقة، وهذا من أفضل ما يرجى، وقد يتصدق على أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، فيكون سببا في رحمة الله عز وجل به.فيشرع أن يتصدق عند حصول مثل هذه الكوارث والمصائب، ولا يعتبر هذا من النفاق، فبعض العوام يظن أنه إذا نزل البلاء لا يتقرب بكثرة الصلاة، حتى إن بعضهم ربما يتعجب، أو يأخذه العجب إذا رأى بعض الأخيار يكثر من الخير، أو رأى بعض الأشرار إذا نزلت به المصيبة يتنفل أو يتقرب أو يغير من حالته، ويقول: هذا نفاق.
فوهذا خطأ، بل يشرع للإنسان إذا رأى هذه الآيات أن يظهر الذلة لله سبحانه وتعالى، وأن يخشى من عذاب الله عز وجل ومقته، فإنه من قسوة القلوب -نسأل الله السلامة والعافية- أن يبقى الإنسان على غيه وفجوره مع رؤيته للعذاب، وهذا من الختم على القلوب، ونعوذ بالله أن يختم على قلوبنا، فلذلك يشرع للإنسان أن يبادر بالتوبة.ولما أراد الله عز وجل أن يعذب قرية يونس، ورأوا آثار وعلامات العذاب، وقد أنظرهم عليه الصلاة والسلام، فلما رأوا دلائل العذاب فزعوا إلى الله عز وجل، وخرج الرجال والنساء والأطفال، وخرجت معهم بهائمهم، وتضرعوا إلى الله وبكوا حتى رفع الله عنهم العذاب،
وكانت القرية التي استثناها الله عز وجل بقوله تعالى:
{فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس} [يونس:98]، فإنهم لما أظهروا لله عز وجل الذلة والخوف والفاقة، وخرجوا رجالا ونساء، صغارا وكبارا، وهم يبكون ويتضرعون رحمهم الله عز وجل ونظر إليهم فلطف بهم، فالإنسان إذا أظهر لله عز وجل الذلة والفاقة واسترحم الله فإن الله يرحمه.فالمشروع في مثل هذه الآيات، كالكواعق والرعود التي تزعج وتقلق ويكون فيها شيء من الإعلام وتنبيه الناس أن يتوضأ الإنسان ويصلي،
لما ثبت في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه: (كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة)، وهذا أمر من الأمور، وكذلك في الزلازل فإنه يشرع أن يتوضأ الإنسان ويصلي، وأن يسترحم الله عز وجل، فإذا اقتضت إرادة الله أن يهلك العامة أتاه العذاب وهو تائب إلى الله عز وجل قبل أن تنزل به نقمته، ولذلك يشرع للإنسان أن يستكثر من خصال الخير، وظاهر السنة التنويع.
وبعض العلماء يقول:
يجمع بين هذه، فيصلي ويتصدق ويدعو.
وقال بعض العلماء: إن هذا يختلف باختلاف الناس، فمنهم من يكون فقيرا ليس عنده مال ففضله في الدعاء؛
لأن دعاء الفقير أرجى في الإجابة لقوله عليه الصلاة والسلام:
(رب أشعث أغبر ذي طمرين ... ) الحديث؛ لأن الفقير لا تكون منه مظالم في الغالب، وهو أقل كبرا، فرحمة الله عز وجل أقرب إليه، بخلاف الأغنياء،
قالوا:
فالأغنياء ينبغي عليهم أن يستكثروا من الصدقات؛ لأن أكثر غضب الله عليهم كان بسبب ظلمهم في أموالهم، فيشرع للأغنياء أن يتصدقوا، وللفقراء أن يستكثروا من الدعاء، وللناس عامة أن يصلوا، فهذا اختيار بعض العلماء.والصحيح أن الأمر للتنويع للجميع، فمن شاء أن يتصدق ولو كان فقيرا فإنه خير وبر، ومن شاء أن يدعو ولو كان فقيرا أو غنيا فإنه خير وبر.
[حكم الزيادة على الركوعين في كل ركعة من صلاة الكسوف]
قال المصنف رحمه الله: [وإن أتى في كل ركعة بثلاث ركوعات أو أربع أو خمس جاز].هذا اختيار بعض العلماء، فمنهم من يقول: الاختلاف اختلاف تنوع، فإن شئت صليت ركعتين بثلاثة ركوعات، وإن شئت بأربعة، وإن شئت بخمسة، فلا حرج عليك في هذا.فيرونه اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد.واختار المصنف رحمه الله هذا القول؛ لأن الروايات وردت بذلك، والصحيح أن الروايات الصحيحة أن يركع ركوعين في كل ركعة، فيكون المجموع أربعة ركوعات في ركعتين، وأما رواية الثلاث -وهي في صحيح مسلم- ففيها كلام للعلماء رحمة الله عليهم، وكذلك رواية الخمس والست لم تخلوا من كلام عند أهل العلم رحمهم الله.
الأسئلة
[المشروع بعد انتهاء الصلاة وعدم انجلاء الكسوف]
qإذا انتهت الصلاة ولم ينجل الكسوف، فهل يبقى في مصلاه ويذكر الله، أم يصلي مرة أخرى؟

aباسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.أما بعد: فالمشروع هو صلاة واحدة؛ لأن هذا هو هديه عليه الصلاة والسلام، وأما إذا لم ينجل فإنه يستكثر من الاستغفار، ولا حرج أن يصلي الصلوات العامة التي هي النفل المطلق تقربا إلى الله عز وجل.والله تعالى أعلم.
[موضع الدعاء المشروع عند حدوث الكسوف]
qهل الدعاء الذي حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم) يكون في أثناء الصلاة، أم خارج الصلاة؟ وأين يكون مكانه في الصلاة إذا كان في أثنائها؟

a يشرع الدعاء داخل الصلاة وخارج الصلاة، أما داخل الصلاة فإنه أولى وأحرى؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجدا)، وقال في السجود: (فليكثر من الدعاء فقمن أن يستجاب له) أي: حري أن يستجاب للعبد وهو ساجد.وفي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام ف يحديث الشفاعة: (فانطلق فآتي تحت العرش فأخر ساجدا بين يدي الله عز وجل، ويفتح الله علي بمحامد يلهمنيها -أي: ساعتئذ- قال: ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع)، فالسجود من أعظم المقامات وأشرفها، فيقتصر على الدعاء والاستغفار والاسترحام وسؤال الله عز وجل العفو في مثل هذا المقام فهو أفضل مواضع الدعاء، وكذلك أيضا في تشهده إذا لم تنجل فإنه يستكثر من الدعاء وسؤال الله عز وجل الرحمة واللطف.والله عز وجل أعلم.
[حكم صلاة الكسوف في أوقات النهي]
q هل تصلى صلاة الكسوف في أوقات النهي؟

a هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء رحمة الله عليهم، فعلى القول بأنه يشرع فعل ذوات الأسباب بعد صلاة الصبح والعصر فإنه يشرع حينئذ أن تصلى، وأما على القول بالمنع من ذلك فإنه لا يشرع فعلها، والله تعالى أعلم.
[الكسوف آية يخوف الله بها عباده، وهي مسألة حسابية فلكية]
qكيف نوفق بين كون الكسوف من آيات التخويف، وبين ما تقرر عند أهل الفلك والحساب من كونه يقع عند وجود القمر بين الشمس والأرض؟

a لا مانع من هذا إذا كان هذا الأمر يوافق الزمان الذي فيه فساد، فيكون الزمان الذي وقع فيه الكسوف قد ووقع فيه فساد الناس وبعدهم عن الله عز وجل، فعلمهم بميقاته لا يمنع أن يكون موافقا لما عليه الناس من البعد عن الله عز وجل وعصيانه والتمرد على أوامره، ولذلك لا يعتبر علمهم رافعا لكونه آية من آيات الله عز وجل، كما لو أن إنسانا قال له الأطباء: إن استمررت على حالتك سيصيبك مرض معين يترتب على تساهلك في علاج هذا البلاء الذي نزل بك، وهذا المرض سينتهي بك إلى الموت.وكان هذا الرجل مسرفا بعيدا عن الله عز وجل في عصيان وتمرد، فلا يمتنع لو مات بهذا المرض أن نقول: مات بهذا المرض عقوبة من الله عز وجل، إذا كان هذا المرض مما يكون من جنس العقوبات، ووافق أن الأطباء يعلمونه بأسبابه وأماراته، فكونهم يعلمون بأسباب الشيء وأماراته لا يمنع أن يكون آية من آيات الله عز وجل، فالله سبحانه ألهمهم وعلمهم وما كانوا ليعلموا.والله تعالى أعلم.
[حكم صلاة الكسوف لمن سمع به في أرض ولم يكن ببلده]
q لو علم الكسوف في ناحية من الكرة الأرضية، فهل تسن الصلاة لكل من على الأرض، أم هي لمن يرى الكسوف؟

a صلاة الكسوف لا يشرع إلا لمن رآه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (فإذا رأيتم ذلك)، ولذلك لا يشرع أن تصلى صلاة الكسوف في المواضع التي لا يرى فيها الكسوف، والسبب في هذا أن القمر إذا كان بين الأرض وبين الشمس يحدث كسوفا للشمس في مواضع دون مواضع؛ لأن القمر لا يصل جرمه إلى جرم الشمس، ولذلك لا تنكسف في جميع الأرض لوجود الفرق بين حجم القمر وحجم الشمس، وقد قرر هذا شيخ الإسلام، والإمام ابن القيم رحمهما الله وقرره أيضا علماء الفلك والباحثين فيه.فعلى هذا يكون الكسوف في بعض المواضع دون بعضها، فإذا كان الموضع الذي فيه المكلف فيه كسوف صلى، وأما إذا كان في موضع ليس فيه كسوف فلا يشرع له أن يصلي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم ذلك)، فجعل الحكم معلقا على الرؤية، فالمواضع التي لا يرى فيها الكسوف لا تشرع فيها صلاة الكسوف.والله تعالى أعلم.
[حكم المناداة بالصلاة عند حدوث الكوارث من زلازل وصواعق]
q الصلاة في وقت الزلازل والصواعق هل تشرع جماعة؟ وإذا كان كذلك فهل ينادى لها؟

a ذكرنا أن هذه الآيات لا يشرع لها أن تصلى جماعة كما يصلى لصلاة الخسوف والكسوف لعدم ثبوت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، ومن أقوى الأدلة على أن الآيات لا يشرع فيها صلاة كصلاة الكسوف والخسوف أن النبي صلى الله عليه وسلم وقعت في زمانه الرياح، ووقع في زمانه ما وقع من هذه الآيات، ومع ذلك لم يصل عليه الصلاة والسلام، فدل على اختصاص الأمر بالكسوف والخسوف، والسياق في قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الشمس والقمر ... ) إلخ، يقتضي التخصيص بخسوف القمر وكسوف الشمس دون غيرهما من الآيات الأخرى، فيشرع أن يسأل الله عز وجل ويدعو ويتصدق ويستغفر.والله تعالى أعلم.
[حكم القراءة من المصحف للإمام في صلاة الكسوف]
q هل للإمام الذي لا يحفظ القرآن أن يقرأ من المصحف نظرا؟

a الإمام الذي لا يحفظ القرآن يشرع له أن يصلي بالناس وهو ممسك بالمصحف في صلاة الكسوف والخسوف؛ لأنها تحتاج إلى طول قراءة، وهذه الصلاة لا تعتبر من الفرائض كالصلوات المكتوبة، وإذا لم تكن من الفرائض فإنه يجوز أن يحمل القرآن ويقرأ، فقد جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها كانت تأمر مولاها ذكوان أن يأخذ المصحف ويقرأ بها في القيام.فدل على مشروعية حمل المصاحف في صلاة النافلة، خاصة إذا كان الإنسان لا يحفظ القرآن، وعلى هذا فلا حرج في صلاة الكسوف والخسوف أن يصلي وهو ممسك بالقرآن، لكن إن وجد من هو حافظ للقرآن قدمه، وهو أولى منه لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله).والله تعالى أعلم.
[حكم رفع الصوت بالقراءة في الصلاة السرية]
q جاء في الحديث: (كان يسمعنا الآية أحيانا) وذلك في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في السرية، فهل هذا خاص بالإمام، أم يجوز للمأمومين أيضا؟


a هذه السنة من فعلها يتأول ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا حرج، وإن كان الأقوى أنه خاص به عليه الصلاة والسلام لنكتة نبه عليها بعض العلماء، فيقولون: إنه في صلاة الظهر أطال، والطول قد يشعر المأمومين أن الإمام ربما سها، فإذا كان يسمع الآيات في أثناء وقوفه فإن هذا ينفي عنه مظنة السهو، ولذلك تكون سنة تشريعية لمن وراءه، أو لمن هو غيره من الأئمة إلى يوم الدين.قال بعض العلماء: تختص بالإمام، وأما غيره فلا؛ لأن غيره إذا جهر آذى من بجواره، ولذلك لا يشرع له أن يجهر حتى لا يؤذي من بجواره ويشوش عليه في القراءة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا.وقالوا: كونه يصيب السنة بالجهر -مع أنها سنة محتملة- ويؤذي غيره برفع الصوت، فإن الأولى أن يتركه.والله تعالى أعلم.
[حكم إزالة شعر الشارب عند المرأة]
q هل يجوز حلق أو إزالة الشعر الموجود في وجه المرأة، علما بأنه يوجد في مكان الشارب واللحية؟


a يجوز للمرأة أن تزيل شعر شاربها، وكذلك ما نبت على اللحي، وذلك لمكان التشبه بالرجال وعظيم الضرر في ذلك، ونص الأئمة رحمهم الله على مشروعية ذلك وجوازه، وأنه مستثنى من النمص المنهي عنه، فالنمص يختص بالوجه ولكنه لا يشمل لحية المرأة وشاربها.والله تعالى أعلم.
موضع الاعتكاف لمن نذرت أن تعتكف أسبوعا
q امرأة نذرت الاعتكاف لمدة أسبوع، ولا تدري هل تعتكف في المسجد أم في البيت لكون مصلاها في بيتها؟

a إذا نذرت المرأة الاعتكاف وحددت المكان الذي تعتكف فيه، فإنها تعتكف في المكان الذي حددته؛ لأنه نذر واجب مخصوص بالمكان لا تبرأ الذمة إلا بفعله وإيقاعه في المكان المخصص، ويستثنى من ذلك أن تنتقل من الأدنى إلى الأعلى، كأن تنوي الاعتكاف في المسجد الأقصى فيجوز لها أن تعتكف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويجزيها، وكذلك لو نوت الاعتكاف في أحد المسجدين ما عدا المسجد الحرام، أو في غير المسجد الحرام من المساجد الأخرى فإنه يجزيها أن تعتكف في المسجد الحرام؛ لأنها تحصل فضيلة ذلك المسجد وغيره من المساجد، وظاهر السنة دال على ذلك، فإنه لما أخبر أبو هريرة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى أمره أن يعتكف في مسجده صلوات الله وسلامه عليه.ولا يجزيها أن تعتكف في بيتها إذا نوت مسجدا غير بيتها، بل يلزمها أن تخرج إلى ذلك المسجد وتعتكف فيه.والله تعالى أعلم.
حكم إزالة شعر الحاجبين إذا طال وكان مؤذيا
q هل يجوز لكبير السن أن يزيل ما تدلى من حاجبيه إذا كان يؤذي عينيه؟


a الشعر الذي يتساقط على العين فيؤذي صاحبه، إن كان يتدلى على العين فيجرح حدقتها، فإنه يشرع له وجها واحدا أن يقص الأطراف المتدلية ويزيلها، وكذلك الحال لو تدلى حتى حجب الرؤية، فقد قال بعض العلماء: يرخص له إذا سقط حاجباه حتى منعاه الرؤية أن يقص ما تدلى منهما، كالشيخ الهرم الذي يحتاج إلى انكشاف بصره ليرى، فإنه حينئذ يجوز له أن يزيل بقدر حاجته، فهذا مما استثناه الأئمة رحمة الله عليهم في مسألة إزالة شعر الحاجب والتخفيف منه.والله تعالى أعلم.
[كيفية إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام]
q إذا أدركت الركعة الأولى مع الإمام فهل أكون قد أدركت فضل تكبيرة الإحرام؟


a حديث الفضل في تكبيرة الإحرام الذي جاء فيه: (من صلى أربعين يوما لا تفوته تكبيرة الإحرام مع إمامه كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق)، حسنه غير واحد من العلماء رحمة الله عليهم، ويشترط لنيل هذا الفضل أن يدرك تكبيرة الإحرام مع إمامه، فإذا كان في حي أدرك ذلك في مسجد الحي، وإذا كان مع إمامه الذي صلى معه جماعة -كأن يكون في سفر- فالعبرة بجماعة من سافر معهم.وأما الضابط في إدراك تكبيرة الإحرام، فالصحيح أن الضابط هو أن يدركها قبل أن يبدأ بقراءة الفاتحة، فإذا كبر الإمام وأدركت التكبيرة قبل أن يبدأ الإمام بقراءة الفاتحة فأنت مدرك لفضل هذه التكبيرة.فإذا كانت الصلاة سرية كصلاة الظهر والعصر، فإنهم قالوا: يقدر الزمان، فإن قدر زمنا يقرأ فيه الإمام بدعاء الاستفتاح فإنه حينئذ إذا وقع تكبيره في ذلك الزمان أدرك وإلا فلا.والله تعالى أعلم.
[محرمية الرجل لحليلة ولده مؤبدة]
q إذا طلق الزوج زوجته فهل يجوز لوالده أن يقابلها، أي: هل المحرمية التي ذكرت في الآية مؤبدة أم مؤقتة؟

a والد الزوج محرم لزوجة ابنه، وحرمتها عليه حرمة مؤبدة، فمتى ما عقد الابن على امرأة فإنها تعتبر حراما على أبيه إلى الأبد، سواء أدخل بها أم لم يدخل بها، كأن يكون توفي ولم يدخل بها، أو طلقها ولم يدخل بها، فلا تزال المحرمية باقية إلى الأبد؛ لأن الله عز وجل يقول: {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} [النساء:23]، والمرأة تحل للابن بالعقد لا بالدخول، فإن الدخول صفة حل أو تحقيق للحل، أما بالنسبة للحل فإنه يكون بمجرد العقد، ولذلك قال العلماء: كل امرأة عقد عليها الابن فإنها محرمة على أبيه إلى الأبد؛ لأنها محرمية مؤبدة، وهذا بإجماع العلماء.والله تعالى أعلم.
[حكم تسليم المؤتم قبل التسليمة الثانية للإمام]
q هل ينتظر المأموم الإمام حتى ينتهي من التسليمة الثانية ثم يبدأ هو بالتسليمة الأولى، أم يبدأ بالتسلمية الأولى بعد انتهاء الإمام من التسليمة الأولى؟

a في هذا وجهان للعلماء رحمهم الله: فمنهم من يقول: إذا سلم الإمام تسليمتين فإن التسليمتين واجبتان.ومنهم من يقول: الواجبة الأولى والثانية سنة.وعلى هذا القول الثاني -وهو أقوى القولين- يجوز للإنسان أن يقوم لإكمال الصلاة بمجرد تسليم الإمام التسليمة الأولى، ويجوز للإنسان أيضا أن يبتدئ بالتسليمة الأولى قبل ابتداء الإمام بالتسليمة الثانية.والله تعالى أعلم.وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #157  
قديم 27-01-2022, 01:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الاستسقاء)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (152)

صـــــ(1) إلى صــ(29)



باب صلاة الاستسقاء



صلاة الاستسقاء مشروعة لعموم الأدلة التي أمرت بالتضرع عند نزول البلاء، ويتعلق بصلاة الاستسقاء الكثير من الآداب والأحكام،

ومنها: الآداب التي ينبغي مراعاتها عند الخروج للاستسقاء، ووقت الاستسقاء، وصفة صلاة الاستسقاء، والسنن التي ينبغي أن يحرص الناس عليها عند نزول الغيث، وغير ذلك.
[أحكام صلاة الاستسقاء]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [باب صلاة الاستسقاء].الاستسقاء: مأخوذ من السقي، والألف والسين والتاء للطلب،

كقولهم: استغفر إذا سأل الله أن يغفر له، واسترحم إذا سأل الرحمة من الله عز وجل، والاستسقاء: هو طلب السقيا من الله عز وجل.ومناسبة هذا الباب لما تقدم أنه بعد فراغه من صلاة الرهبة، وهي الصلاة التي تشرع عند رؤية كسوف القمر والشمس أو خسوفهما ناسب أن يتكلم رحمه الله على صلاة الرغبة، وهي التي يسأل فيها العباد ربهم أن يسقيهم الغيث والحياة، فناسب أن يتكلم رحمه الله على هذه الصلاة بعد ذكره لأحكام الكسوف.وهذه الصلاة مشروعة لعموم الأدلة التي أمرت بالتضرع عند نزول البلاء وندبت إليه،

كقوله سبحانه وتعالى: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} [الأنعام:43] أي: فهلا إذا جاءهم بأسنا تضرعوا، فتشرع هذه الصلاة عند حصول الضيق بالناس بسبب ما كان منهم من الذنوب والمعاصي، فيتأخر عنهم القطر من السماء، ويعظم حالهم، وتشتد عليهم المئونة بسبب غور الآبار، وذهاب المياه من العيون، وانقطاع السيول والأنهار، والناس يحتاجون إلى هذه الأمور -أعني الآبار والأنهار- للشرب ولسقي الدواب، ولكي يقيموا عليها مصالحهم من زرع وحرث وماشية ونحو ذلك، فإذا انقطع القطر من السماء تضرر الناس وعظم بلاؤهم بذلك، فشرعت هذه الصلاة؛ لأن الحالة حالة شدة،

والله يقول: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} [الأنعام:43] فهي حالة شدة وبأس، فيشرع أن يتضرعوا ويسألوا الله رحمته ومن واسع فضله، وقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وذكر ابن حبان وغيره من العلماء رحمهم الله تعالى: أن استسقاءه عليه الصلاة والسلام وقع سنة ست من الهجرة، وذلك في شهر رمضان، فاستسقى عليه الصلاة والسلام بالمسلمين حينما شكى إليه المسلمون تأخر الغيث، وكذلك تضررهم بالجدب، فشرعت هذه الصلاة بفعله عليه الصلاة والسلام، ولها أحكام ومسائل.

ومن ثم اعتنى الفقهاء رحمهم الله بذكرها في كتاب الصلاة؛ لأنه يشرع أن يصلى لها، وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن صلاة الاستسقاء تكون ركعتين، إلا خلافا ممن لا يعتد بخلافه من أهل البدع والأهواء، حيث قالوا: إنها أربع ركعات.وأما مذهب السلف والخلف فهو أنها ركعتان لثبوت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بفعلهما دون زيادة عليهما.
[الأحوال التي تشرع فيها صلاة الاستسقاء]

قال المصنف رحمه الله: [إذا أجدبت الأرض وقحط المطر صلوها جماعة وفرادى].الناس يتضررون بتأخر السقيا، وهذا الضرر قد يكون في النفس وقد يكون في غيرها.أما الضرر في النفس فأشد ما يحدث في البوادي ونحوها، حيث تغور المياه في الآبار، وتنقطع السيول والأنهار، وتجف العيون ويذهب ماؤها، فتعظم عليهم الكلفة في حفر الآبار، وقد يقومون بحفرها دون أن يجدوا الماء، فحينئذ يتضررون بمشقة السقيا والكلفة التي يجدونها بعدم تيسر الوصول إلى الماء، فهذا النوع من الأسباب مما تشرع له صلاة الاستسقاء، فلو كان أهل محلة أو موضع تضرروا بسبب غور آبارهم وذهاب المياه من العيون وانقطاع السيول عنهم شرع لهم أن يصلوا صلاة الاستسقاء.وأما الضرر في غير النفس فهو الذي يقع على البساتين والزروع والمراعي، فإن الدواب -كما هو معلوم- تحتاج إلى الرعي، والمراعي تعين على صلاح الدواب والبهائم،

فإذا أجدبت الأرض وبعد العهد بالمطر انقطع الكلأ إما للجفاف بسبب القحط وشدة السنين، وإما أن يكون بسبب قلة المرعى لندرة المطر، فحينئذ تتضرر الدواب، وإذا تضررت الدواب تضرر الناس بتضرر دوابهم، وكذلك تتضرر الزروع والبساتين، فلربما جفت وماتت، حتى إن بعض الزروع لو أصابت الماء من عروقها قد تصيبها أمراض في أوراقها،
ولا يزيل هذه الأمراض إلا الله جل جلاله حينما ينزل الغيث الذي يغسل أوراق هذه الأشجار، فلو سقيت الماء من جذورها فإنها تحتاج إلى هذا الغيث الذي سماه الله عز وجل ووصفه بكونه رحمة، فمن رحمته سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الخير للزروع،
فإذا انقطع القطر من السماء تضرروا، فتضررت الزروع وماتت -على الأقل- تضرروا بقلة ما يكون من هذه الزروع لقلة الماء، فسواء تضرروا بانقطاع الماء الذي يشربون، أم تضرروا بقلة المرعى، أم تضرروا بهما معا، فكل ذلك مما تشرع له صلاة الاستسقاء.وبناء على ذلك، فلو كانت أحوال الناس دون الحالة التي فيها الكفاية، بمعنى أنه نزل عليهم الغيث ولكن نزوله لم يكن بصورة تحيي الأرض حياة ينتفع بها الناس انتفاعا يحصل به الاكتفاء على وجه التمام والكمال،

فقد قال بعض العلماء: يشرع لهم أيضا أن يصلوا صلاة الاستسقاء.فعلى هذا القول لا يتوقف حكمنا بمشروعية صلاة الاستسقاء على حالة شدة الجدب الشديدة، ولا على حالة شدة القحط، فلو كان هناك نوع جدب فيه نوع ضرر يشرع أيضا أن يصلوا صلاة الاستسقاء، فلو كان الماء موجودا ولكنه بقلة، أو كان المرعى موجودا ولكنه بقلة فإنه يشرع حينئذ أن يستسقوا.
فالحالة الأولى التي يشرع لها الاستسقاء: إذا أجدبت الأرض وقحط المطر كما نص المصنف.
والحالة الثانية: أن يكون الماء موجودا ولكنه لا يكفي لسد الحاجة.
والحالة الثالثة:
أن يستسقوا فلا يسقون، فيشرع لهم أن يكرروا الاستسقاء مرة ثانية، ويسألوا الله العظيم أن يرحمهم، ولو تكرر ذلك عشرات المرات فلا حرج؛ لأنه داخل في عموم الندب إلى التضرع وسؤال الله الرحمة.
[كيفيات الاستسقاء]

قوله: [صلوها جماعة وفرادى].مذهب العلماء رحمة الله عليهم -ويكاد يكون مذهب الجماهير- أن صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة،

وقال بعض العلماء: إنها مستحبة.والنصوص دالة على تأكد هذه السنة، ويقوم الإمام بالاستسقاء عند رؤية أحوال الناس أو شكواهم.
والاستسقاء على ثلاثة أنوع: النوع الأول: أن يكون بالصلاة مع الجماعة، وهذا هو الذي يعتني العلماء رحمهم الله ببيان أحكامه ومسائله في الغالب، وهو الذي ينصب عليه الحديث في باب صلاة الاستسقاء.
النوع الثاني من الاستسقاء: الاستسقاء من الأفراد، وذلك أن يستسقي الإنسان وحده، كأن يكون صاحب مزرعة، أو صاحب دواب ويتضرر بعدم وجود الكلأ، فيصلي ويسأل الله عز وجل، ولكن على غير صفة صلاة الاستسقاء، وإنما يصلي صلاة مطلقة يسأل الله عز وجل فيها من فضله، ويتضرع إلى الله سبحانه وتعالى، فهذا استسقاء من الأفراد.
النوع الثالث من الاستسقاء: الاستسقاء في صلاة الجمعة، وهذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه: (أن رجلا من الأعراب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يغيثنا وفي رواية: أنه اشتكى الجهد واللأواء التي هم فيها، وفي بعض الروايات أنه وصف شدة الجدب إلى درجة أن الدابة لا يتحرك لها ذيل من شدة ما هي فيه من الإعياء والنصب، فلما اشتكى لرسول الله صلى الله عليه وسلم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم كفيه حتى رئي بياض إبطيه، وقال: (اللهم أغثنا.اللهم أغثنا.اللهم أغثنا) قال أنس: فوالله ما في السماء من سحابة ولا قزعة، حتى خرجت من وراء سلع كالترس -يعني السحابة- فأمطرتنا سبتا.وقد جاء في هذا الحديث أنهم لم يروا الشمس بسبب المطر، وما جاء قوم من ناحية إلا وذكروا الحياة والمطر وأنهم سقوا، قال: فلما كانت الجمعة الثانية دخل الرجل فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل! فقال عليه الصلاة والسلام: (اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الضراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر)،
وفي رواية: أنه ما أشار إلى جهة إلا تفرق السحاب عنها، وهذا من معجزاته صلوات الله وسلامه عليه.
فالمقصود: أن الاستسقاء ثلاثة أنواع: النوع الأول: الاستسقاء جماعة، وذلك بالصلاة كما سيصفه المصنف رحمه الله.
النوع الثاني: الاستسقاء فرادى، بأن يدعو الإنسان، فالإنسان لو كان جالسا في مزرعته، أو بين دوابه وبهائمه، ونظر إلى شدة ما هو فيه، وتذكر ذنوبه وإساءته في جنب ربه فرفع كفه إلى الله يسأله أن يغيثه ويرحمه فهذا مشروع ولا حرج فيه، ولو صلى وسأل الله عز وجل في صلاته واسترحم ربه فإنه لا حرج عليه في ذلك؛ لأنه داخل في عموم التضرع، لكنه لا يصلي صلاة الاستسقاء بصفتها إذا كان منفردا،
وإنما يصلي صلاة مطلقة لعموم حديث عائشة: (كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة)، وقد ندب الله عز وجل المبتلى للصلاة عند حصول البلاء، فقال سبحانه: {واستعينوا بالصبر والصلاة} [البقرة:45]، فلذلك لا حرج أن يدعو.

النوع الثالث: الاستسقاء يوم الجمعة، ويكون الاستسقاء يوم الجمعة من الخطيب إذا اشتكى إليه الناس، أو رأى هو ما بهم وأحس بحاجتهم، فإنه يستغيث ويسأل الله العظيم من فضله.وقول المصنف: (إذا أجدبت الأرض) كأنه يشير به إلى الوقت الذي يكون فيه الاستسقاء، وبناء على ذلك فإن الزمان الذي يقع فيه الاستسقاء هو وقت حصول المشقة والحاجة من الناس، حتى ولو كان ذلك في الصيف، فإن رحمة الله واسعة، والذي ينزل الغيث في مواسمه قادر على أن ينزله في غير مواسمه،

فقد قال تعالى: {وهو على كل شيء قدير} [المائدة:120]، وقد قال تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون * فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون} [يس:82 - 83].
مسائل متعلقة بصلاة الاستسقاء
[وقتها]السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقتها أنه: (خرج حينما بدا حاجب الشمس)، كما في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولذلك قال العلماء رحمهم الله: يستحب أن تكون صلاة الاستسقاء في وقت صلاة العيدين، وذلك بعد ارتفاع الشمس قيد رمح.

فقولها رضي الله عنها: (بدا حاجب الشمس)، تعبير يشير إلى ظهور ضوء الشمس، والحاجب هو الضوء، وإنما عبروا به لأن الضوء من الشمس يحجب الشمس، فأنت إذا رأيت الشمس مشرقة متوهجة بضوئها لا تستطيع أن ترى نفس الشمس؛ لأنه يحجبها عنك من شدة توهجه، ولذلك يقولون: حاجب الشمس.

أي: الذي يحجب الشمس من ضوئها.فخرج عليه الصلاة والسلام، وكان قد وعد الناس بالخروج، وهذا من السنة كما سيأتي، فيخرج ويكون وقوعها في وقت الضحى، ويصلي بعد انتهاء وقت النهي، ووقت النهي يبدأ من بعد صلاة الصبح وينتهي بارتفاع الشمس قيد رمح، أما أثناء طلوع الشمس أو بعد صلاة الفجر وقبل طلوع الشمس فإنها لا تصلى قولا واحدا عند العلماء، حتى حكي الإجماع على عدم مشروعية إيقاع صلاة الاستسقاء في أوقات الكراهة، فليس بمشروع أن يوقعها في هذا الوقت مع أن لها وجها وهو كونها من الصلوات ذوات الأسباب، لكنه لما كان الأمر فيه نوع تأس واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع.
وأما آخر وقتها فبعض العلماء يقول: صلاة الاستسقاء جماعة تصح في الليل والنهار، ولا حرج أن يصلوا في الليل أو في النهار، أو في أي وقت إلا أوقات الكراهة.

فهذا مذهب طائفة من العلماء رحمهم الله.وهذا المذهب لا يخلو من نظر؛ إذ لو كانت تصلى في أي وقت لالتمس عليه الصلاة والسلام وقت السحر،

إلا أن بعض العلماء أجاب عن هذا الاعتراض وقال: إن وقت السحر يشق على الناس، خاصة وأن أكثرهم نائمون.لكن أجيب بأن هذه المشقة مقدور عليها؛ لأنها صلاة في يوم معين، فلا مانع أن يكلفوا بها، وقد كان عليه الصلاة والسلام يندب الناس إلى إحياء العشر الأواخر، وهو يندب بذلك عامة الأمة.ومهما يكن فهذا القول لا يخلو من نظر؛ لأنه لو كان فعلها في الليل مشروعا لفعلها عليه الصلاة والسلام،
ولو قلنا: إن فعلها في السحر فيه مشقة، فإنه لا مانع أن يفعلها بين العشاءين، وهذا أرفق وأخف بكثير على الناس، لكن كونه عليه الصلاة والسلام يتقصد أول النهار لا شك أنه هو الأولى والأحرى،

ولذلك قال بعض العلماء: إنه ينتهي وقتها بالزوال كالعيد، وهذا هو الأشبه، ولذلك نجد الصحابة يلحقون صلاة الاستسقاء بصلاة العيد.
[كيفيتها وحال الخارج لها]

قال رحمه الله تعالى: [وصفتها في موضعها وأحكامها كعيد].ينبغي لمن خرج لصلاة الاستسقاء أن يخرج من بيته خاشعا متخشعا متبذلا متذللا متواضعا متضرعا؛ لما ثبت في حديث ابن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم خاشعا متخشعا متذللا متواضعا متضرعا)، فهذه هي السنة في الخروج.

ومعنى خروجه خاشعا: أن لا يدمن الالتفات يمنة أو يسرة، وإنما يكون عليه الخشوع والوقار، والتبذل: مأخوذ من البذلة، وهي الثياب التي ليس لها شأن، بمعنى أنه لم يعتن بجميل الثياب، بخلاف العيد، فإن السنة أن يلبس له أحسن ما يجد وأن يتجمل؛ لأنه يوم عز للإسلام، ولكن يوم الاستسقاء يوم ضراعة واستكانة وفاقة وحاجة واسترحام واستغفار وسؤال الله الحلم والعفو، فلذلك شرع له أن يظهر بحالة تناسب المقام.

قالوا: تكون ثيابه غير مبالغ فيها.لكن لا يمنع هذا أن يكون نظيفا، فلا يخرج وهو نتن الرائحة، خاصة إذا كان مأموما؛ لأنه يؤذي الناس، واجتماع الناس بعضهم مع بعض قد تؤذيهم بسببه الروائح الكريهة، ولذلك يشرع له أن يخرج بثياب ليست بذات الشأن، وأيضا لا يبالغ في الطيب والتزين، وكذلك لا يبالغ في رفاهية الثياب.
ثم إذا انتهى إلى المصلى فإن للعلماء قولين: قال بعض العلماء: يبتدئ بالخطبة والدعاء قبل الصلاة.وهذا فيه حديث مسلم عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه وأرضاه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ثم دعا ثم صلى).

وقال بعضهم: يبتدئ بالصلاة قبل الخطبة، فإذا صلى بالناس صلاة الاستسقاء رقى المنبر ثم خطب ودعا.وهذا القول الثاني هو الأقوى؛ لأنه يؤيده حديث عائشة وحديث أنس بن مالك رضي الله عن الجميع.وحديث عبد الله بن زيد أجيب عنه -كما اختاره بعض المحققين، ويميل إليه الحافظ ابن حجر - بأن الأحاديث التي ذكرت الدعاء قبل الصلاة لا تعارض الأحاديث التي ذكرت الخطبة بعد الصلاة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في دعاء وضراعة حتى انتهى إلى المصلى،

فمن رأى ضراعته ودعاءه قال: إنه خطب.
وذلك حين قال لهم: (إنكم شكوتم إلي جدب دياركم، وانقطاع المطر وتأخر أوانه عنكم، وشدة المئونة بكم)، قالوا: هذا فهم منه الصحابي أنه خطبة،
مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصد به أن يبين لهم عظيم رحمة الله لقوله بعد ذلك: (وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم)، فمن نظر إلى أن هذا الدعاء السابق من النبي صلى الله عليه وسلم أنه بمثابة الخطبة وبمثابة الدعاء قال: خطب ثم صلى.وأما الروايات الصريحة القوية فهي أنه صلى ثم خطب، وهذا يختاره بعض العلماء.

والخلاصة: أن للعلماء في هذه الأحاديث المختلفة أوجه: فمنهم من يقول: السنة أن يبتدئ بالخطبة ثم يصلي.

ومنهم من يقول: يصلي ثم يخطب، على الصورة المعهودة المعروفة عندنا.

ومنهم من يقول: يخير، فإن شاء قدم الخطبة ثم صلى، وإن شاء خطب ثم صلى، فكل جائز ولا حرج عليه في ذلك، والأمر على السعة والخيار.

فإذا ابتدأ الصلاة صلى كصلاة العيدين، يكبر في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا، على أصح أقوال العلماء، وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، حيث حكى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء كصلاته في العيدين،

وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام في العيدين من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أنه كبر في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا).وقال بعض العلماء بعدم مشروعية التكبير والأقوى أنه يشرع.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #158  
قديم 27-01-2022, 02:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الاستسقاء)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (153)

صـــــ(1) إلى صــ(29)



[الأمور التي يحث الإمام الناس عليها قبل خروجهم للاستسقاء]

قال رحمه الله: [وإذا أراد الإمام الخروج لها وعد الناس وأمرهم بالتوبة من المعاصي والخروج من المظالم وترك التشاحن، وبالصيام والصدقة].

أي: إذا أراد الإمام الخروج لصلاة الاستسقاء وعد الناس، فيقول لهم: في يوم كذا سنخرج للاستسقاء.فإذا حدد لهم يوما يخرجون فيه للاستسقاء فإن الناس تتهيأ لهذا اليوم بالتوبة والاستغفار وإصلاح أحوالهم، ويكون ذلك بما ذكره المصنف رحمه الله، وقد جاء عن أم المؤمنين عائشة حديث يشير إلى هذا، فلا يغير الله أحوال الناس مما هم فيه من البلاء حتى يقلعوا عما هم فيه من المعصية،
كما قال بعض السلف: (ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة)، فإذا تاب الناس تاب الله عليهم، وإذا استغفروه غفر لهم، وإذا استرحموه رحمهم،
قال تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد:11].فإذا قحط المطر وتأخر فإن هذا إشارة إلى ما هم فيه من البعد عن الله وكثرة الذنوب والمعاصي، وكأنه نذير لهم أن يتوبوا إلى الله، وأن يراجعوه قبل أن يعمهم بعذاب، فإذا راجعوا أنفسهم شرع لهم أن يتوبوا فيما بينهم وبين الله، فالحقوق الواجبة كالصلوات ونحوها يحافظون عليها، والحدود المحرمة كالفواحش ونحوها يقلعون عنها، وحقوق العباد ينتبهون لها، كحقوق الأقارب من بر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران، وتفقد أصحاب الحقوق كالعمال والمستخدمين ونحوهم، فليغير الإنسان من حاله حتى يغير الله ما به، ويصلح الله حاله؛

لقوله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد:11]، فإذا غير العبد من حاله غير الله ما به، ولذلك لما رأى قوم يونس أمارات العذاب وأمارات السخط والغضب من الله عز وجل حين تغيرت السماء وتلبدت خرجوا إلى الله رجالا ونساء، كبارا وصغارا، حتى أخرجوا دوابهم وبهائمهم، وما زالوا في البكاء والتضرع والاستغفار حتى رفع الله عنهم العذاب، وهي القرية الوحيدة التي رأت أمارات العذاب وسلمها الله من عذابه،

كما قال تعالى عنها: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} [يونس:98]، فهذا من رحمة الله عز وجل ولطفه بالعباد.

قوله: (وأمرهم بالتوبة).التوبة ترفع وتدفع عن الإنسان البلاء، ولذلك إذا تاب العبد تاب الله عليه، وبالتوبة يزول البلاء؛ لأن سببه الذنب،

وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا)، فشرور النفس هي التي تجلب البلاء، فإذا تاب من شرور النفس تاب الله عليه، ورفع البلاء عنه،
فقد قال تعالى حكاية عن صالح عليه السلام: {لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون} [النمل:46]، فالتوبة سبب من أسباب الرحمة، ولذلك إذا أكثر الإنسان من الاستغفار رحمه الله عز وجل، فمن أسباب رحمة الله بعبده أن يكثر العبد من الاستغفار، فإذا أكثر من الاستغفار رحمه الله عز وجل.
وقوله: (والخروج من المظالم) معناه أنه إذا كان هناك مسلم يعلم أنه أكل مال أحد، أو شتمه، أو سبه، أو عابه،

أو آذاه فليذهب إليه وليقل له: يا فلان! إني ظلمتك في كذا، فإن شئت أن تأخذ حقك أعطيتك حقك، وإن شئت أن تعفو فجزاك الله خيرا، ونحو هذا من الكلام الذي يكون به تطييب خاطر المظلوم، فإذا أخذ الناس حقوقهم وردت المظالم إلى أهلها رفع الله البلاء عن الناس، ورفع الله البلاء عمن ابتلاه بسبب ظلمه للناس وأذيته لهم.
قوله: (وترك التشاحن).أي: ويوصي الإمام الناس بترك التشاحن؛ إذ الخلاف والفتن التي تقع بين الناس وتفرق جماعة المسلمين وتؤذيهم من السباب والشتائم ونحو ذلك من الأمراض التي تقع بين الناس بسبب ما يكون من فتن الدنيا،

كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم ما يفتح الله من زهرة الدنيا، فتنافسوها كما تنافسها من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم)، فهذا يدل على أن الناس إذا انشغلوا بالدنيا ألهتهم عن الآخرة، فتقع بينهم الشحناء والبغضاء، فعلى الإمام والخطيب أن يوصي الناس أن يتركوا الشحناء، وأن يصلحوا ذات بينهم؛
لأن الله أمر بذلك فقال: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} [الأنفال:1]، فالمسلمون كالجسد الواحد، وينبغي أن يعطف بعضهم على بعض، فإذا كان الناس في قحط وشدة، أو أصاب الناس القحط والشدة فلينظروا إلى ما هم فيه، فإذا نظروا إلى اثنين بينهما خصومة سعوا في الصلح بينهما وجمع الشمل وإزالة ما بينهما من الشحناء والبغضاء، وهذا واجب في سائر أيام السنة، وفي سائر أحوال المسلمين، فضلا عن مثل هذه الحالة التي فيها شدة وبلاء.فعلى المسلمين دائما أن تكون مجالسهم معمورة بالصلح بين الناس.

وقد كان الناس في خير ورحمة حينما كان بعضهم يوصي بعضا بالصلح، حتى قل أن تجد المشاكل الزوجية والأمور التي تقع بين الناس تصل إلى القضاة، بسبب وجود أهل الحل والعقد والفضل والنبل الذين كانوا يسعون للصلح بين الناس، فكان الناس في رحمة مع أنهم كانوا يعيشون في فقر وشدة وحاجة، ولكن كانوا في رحمة من الله بسبب حفاظهم على المودة وإصلاح ذات البين، ولما فقد الناس هذا كثر الشر بينهم.

يقول بعض العلماء: إن وجود الشحناء بين الناس يرفع الخير عن الأمة.
والأصل في ذلك ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لما كان معتكفا أري ليلة القدر، فتلاحى رجلان في الدين - أبي وابن أبي حدرد الأسلمي رضي الله عن الجميع- فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب الدين: ضع هكذا.

ثم قال للمدين: قم فاقضه.ثم قال للصحابة صبيحتها: أريت ليلتكم هذه فتلاحى رجلان، فرفعت وعسى أن يكون خيرا)، أي: أثناء الخصومة رفعت ليلة القدر، حتى كان بعض العلماء يقول: إن هذا مثال على ما جعل الله في الخصومة من البلاء على الأمة، حتى إن ليلة القدر مع ما فيها من عظيم الأجر والخير للناس رفع علمها عن الناس بسبب الخصومة والشحناء.وقد جعل الله الشحناء سبب الفشل والخيبة،

فقال سبحانه وتعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} [الأنفال:46].فينبغي للإمام أن ينصح الناس باجتماع القلوب وتآلفها وتراحمها وتعاطفها،

وهو الخير الذي ذكره الله تعالى في قوله: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما} [النساء:114]، وعظيما من الله ليست بالهينة، فإزالة الشحناء مطلوبة عند الاستسقاء، ومتأكدة في كل وقت، فينبغي للمسلمين أن يتواصوا، وأن يوصي بعضهم بعضا لإزالة ما بينهم من الشحناء والخلاف.قوله: (وبالصيام).الصيام من أفضل القربات وأحبها إلى الله عز وجل، وذلك لما فيه من الإمساك عن شهوتي البطن والفرج قربة إلى الله سبحانه وتعالى، ولما فيه من الإخلاص لله عز وجل، فهو العبادة الخفية التي استأثر الله بثوابها وأجرها.فعلى الإمام أن يحثهم على أن يصوموا ويستكثروا من الصيام والصدقات والصلوات وذكر الله عز وجل، حتى يكون حالهم أدعى للإجابة من الله سبحانه وتعالى.
قال رحمه الله تعالى: [ويعدهم يوما يخرجون فيه].أي: يحدد لهم يوما فيقول: في يوم كذا سيكون استسقاؤنا.ويخرج الناس في صبيحة ذلك اليوم للاستسقاء وسؤال الله عز وجل الغيث.
[الآداب التي ينبغي مراعاتها عند الخروج لصلاة الاستسقاء]

[ويتنظف ولا يتطيب ويخرج متواضعا متخشعا متذللا متضرعا].
قوله: (ويتنظف) أي أن له أن يغتسل، وأن لا يكون على ثيابه القذر والنتن، خاصة مع اجتماع الناس، فكما أنه يتنظف الإمام فليتنظف المأموم؛ لأن الناس يتضررون من الروائح الكريهة، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم من أكل الثوم والبصل أن يقرب المصلى.
قوله: (ولا يتطيب) لأن الطيب فيه بالغ زينة، وليس الاستسقاء بعيد، كالحال في الجمعة والعيدين؛ إذ يشرع له التطيب فيهما، ولم يتطيب عليه الصلاة والسلام، ولذلك يخرج على حالته، وظاهر قوله في الحديث: (متبذلا) يدل على أنه لم يكن متطيبا عليه الصلاة والسلام.قوله: (ويخرج متواضعا) التواضع: المراد به توطئة الكنف، والتواضع مندوب إليه،

وأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد)، فالتواضع مطلوب، وكلما كان الإنسان في نعمة من الله عز وجل فإنه ينبغي أن يتواضع لها، وكلما طابت نفس الإنسان كلما كمل تواضعه، ومن كانت سريرته على خير أظهر الله تلك السريرة الطيبة المباركة من خلال شمائله وآدابه التي تدل على سماحته وتواضعه،

ولو لم يكن في التواضع إلا قوله عليه الصلاة والسلام: (ألا أنبئكم بأقربكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون)، لكفاه فضلا، فهذه سمات لا توجد إلا عند المتواضعين، وكلما زاد خير الإنسان كلما تواضع،

كما قيل: إن كريم الأصل كالغصن كلما ازداد من خير تواضع وانحنى فالإنسان إذا طاب أصله وطابت سريرته ظهر ذلك الطيب على شمائله وآدابه فيتواضع.

فقوله: (ويخرج متواضعا) ممعناه: أنه لا يتكبر، ولا يصعر خده إذا خرج للصلاة، ولكن يخرج على صفة تدل على ذلته لله سبحانه وتعالى وانكساره؛ لأنه يوم فاقة وفقر وحاجة إلى الله عز وجل،

وقد جاء هذا اللفظ في حديث ابن عباس: (خرج متواضعا).أي: خرج عليه الصلاة والسلام وعليه شعار المتواضعين، ويتأكد هذا في حق الأخيار والعلماء والصالحين كطلاب العلم ونحوهم، فهم أحق الناس بهذه الخلة الكريمة التي يحبها الله ويرفع أهلها،

فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما تواضع أحد لله إلا رفعه).وقوله: (متخشعا) أي: متعاطيا أسباب الخشوع من السكينة ونحوها، وأصل الشيء الخاشع: الذي فيه سكون وهدوء.فالمعنى أن الإمام لا يكون فيه صخب ولا لغط ولا لغو، ولكن فيه سكينة ووقار يدل على حالة من الذلة لله سبحانه وتعالى والانكسار.وقوله: (متذللا) من الذلة، وذلك كما قلنا؛ لأن الحال والمقام يقتضي هذا، فالمقام مقام سؤال، والسائل إذا سأل ربه ينبغي أن يظهر لله عز وجل الذلة والانكسار، كأن يطأطئ رأسه وتظهر عليه آثار الخوف والوجل من الله سبحانه وتعالى حتى يرحمه ولا يخيبه فيرد عليه سؤاله ولا يجيب استسقاءه، فكل إنسان أراد الخروج فعليه أن يخرج وكله أمل أن الله يرحمه، وما يدريك فلعل الله أن يجعل دعوتك هي المجابة، ويرحم بك هذه الأمة، ويكون لك أجر هذا الدعاء وأجر هذا الخير الذي تصاب به الأمة، وما ذلك على الله بعزيز،
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره)، فالله لا ينظر إلى الصور ولا إلى الأشكال، ولكن ينظر إلى القلوب، فإذا خرج الإنسان بذلة واستكانة وفاقة إلى الله عز وجل فإنه حري أن يجاب.(متضرعا) من الضراعة: وهي بالغ السؤال.
[أصناف الناس الذين يخرجون مع الإمام للاستسقاء]

[ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ والصبيان والمميزون].أثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استسقى بعم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو العباس بن عبد المطلب.فيكون مع الإمام أهل الدين والصلاح، كالعلماء والأخيار الذين عرفوا بالاستقامة والتمسك بالكتاب والسنة والعبادة على منهج السلف بعيدا عن البدع والأهواء،
وأهل الخير وأهل التمسك بالدين، فمثل هؤلاء ترجى إجابة دعوتهم بإذن الله عز وجل لما فيهم من الخير والاستقامة والالتزام بدين الله عز وجل، وكلما كان الإنسان أكثر صلاحا واستقامة كلما كانت دعوته أرجى للإجابة؛ لأن الله سبحانه وتعالى يذكر من ذكره، ووعد الذي يكون على استقامة بالطاعة والخير وذكر لله عز وجل أن يذكره، فمن ذكر الله في الرخاء ذكره في الشدة، فلذلك يخرج بأمثال هؤلاء من العلماء وطلاب العلم والأخيار الصالحين ونحوهم من أهل الفضل والنبل، وهذا أدعى لإظهار الحاجة لله سبحانه وتعالى، على خلاف ما إذا خرج بأهل الدنيا من الأغنياء والأثرياء فإن الحال يكون على عكس هذا تماما.

قوله: [والشيوخ].أي: يخرج معه الشيوخ؛ لأن كبار السن قلوبهم منكسرة، ولذلك لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الإمامة قال: (فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا)، وكبر السن مظنة أن يكون الإنسان أقرب إلى الآخرة؛ لأن كبار السن فيهم خشوع، فقد جبروا الزمان، وعزفت نفوسهم عن الدنيا، وأقبلوا على الآخرة، فالخشوع منهم أكثر، ولذلك يكون الدعاء منهم أرجى إجابة من غيرهم، فالمهم أن يتعاطى أسباب إجابة الدعاء.

وبعض العلماء يستدل لهذا بحديث ابن ماجة: (لولا شيبان ركع، وصبيان رضع، وبهائم رتع لصببت العذاب عليكم صبا)، إلا أن هذا الحديث تكلم العلماء رحمهم الله على إسناده.

قوله: [والصبيان المميزون].

أي: ويخرج معه الصبيان المميزون، وذلك لقلة ذنوبهم؛ لأنهم غير مكلفين، فدعاؤهم وسؤالهم الله عز وجل أرجى إجابة، مع أن خروج الصبيان فيه نوع استرحام لله عز وجل، فإن خروج الإنسان بأطفاله من الصغار فيه نوع من الذلة لله عز وجل.
[خروج أهل الذمة مع المسلمين للاستسقاء]

قال رحمه الله: [وإن خرج أهل الذمة منفردين عن المسلمين لا بيوم لم يمنعوا].أهل الذمة هم اليهود والنصارى الذين فتحت بلادهم وأحبوا أن يبقوا على دينهم ويدفعوا الجزية.أما من جاء من الكفار إلى بلاد المسلمين، ودخل بأمان من واحد منهم فإن أمانه يكون ماضيا على جميع المسلمين،

لحديث علي في الصحيح: (ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم وهم حرب على من سواهم)، فالكافر إذا دخل بلاد المسلمين يسمى مستأمنا، وإن كان من اليهود والنصارى الذين يدفعون الجزية فهو من أهل الذمة.فإن أراد أهل الذمة الخروج للاستسقاء فقد اتفق العلماء على عدم السماح لهم أن يخرجوا منفردين في يوم معين؛ لأنهم إذا خرجوا منفردين في يوم معين ربما امتحن الله العباد فنزل الغيث في اليوم الذي استسقوا فيه فتحصل الفتنة للناس، وربما ظنوا أنهم سقوا باستسقائهم، ولذلك لا يشرع أن يمكنوا من الاستسقاء منفردين.
واختلف العلماء إذا طلبوا الخروج مع المسلمين المستسقين: فقال بعض العلماء -كما اختاره المصنف رحمه الله-: يجوز أن يخرجوا مع المسلمين، ولكن يعتزلون المسلمين، ولا يصلون معهم، حتى لا تكون لهم يد منة، فإذا ظهر الفضل كانت نسبته للمسلمين، وهم أحق بذلك وأولى به؛ لأنهم على دين الله الصحيح، وأولئك على غير دين الإسلام، ولذلك لا يشرع أن يكونوا مع المسلمين في نفس المصلى، وإنما يعتزلون ويكونون بناحية غير ناحية المسلمين.
[كيفية الخطبة والدعاء في الاستسقاء]

قال رحمه الله تعالى: [فيصلي بهم، ثم يخطب واحدة يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد، ويكثر فيها الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به].ما ذكره المصنف في شأن الخطبة هو كما ذكر بعض العلماء إلحاقا لها بصلاة العيد على ظاهر حديث ابن عباس حينما وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء أنها كصلاة العيد.

وقوله: (يفتتحها بالتكبير).الأولى والأقوى أن يستفتح بحمد الله عز وجل، لكن لو كبر وهو يتأول فهو قول له سلف من العلماء قالوا به، وإن كان الأولى والأقرب للسنة أن يبدأ بحمد الله عز وجل والثناء على الله سبحانه وتعالى، على ظاهر حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الذي تقدمت الإشارة إليه، وهو عند أبي داود وغيره.قوله [ويكثر فيها الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به].

آيات الاستغفار كقوله تعالى: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا} [نوح:10 - 12]، فلما ورد هذا النص في كتاب الله عز وجل دل دلالة واضحة على أن الاستغفار من أعظم الأسباب التي يرحم الله بها عباده فيسقيهم الغيث.ولا يقف الأمر عند هذا، بل إنه سبب في وضع البركة في الأموال والأولاد، فمن أكثر الاستغفار فإنه يخرج من ذنوبه، وإذا خرج الإنسان من ذنوبه خرج من أسباب البلاء، وكان ذلك من أعظم الأمور التي يجعل الله بها خير دينه ودنياه وآخرته.
قال رحمه الله تعالى: [ويرفع يديه فيدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه: (اللهم اسقنا غيثا مغيثا ... ) إلى آخره].رفع اليدين في دعاء الاستسقاء ثبتت به النصوص الصحيحة، ومن أقواها حديث أنس في الصحيحي وأنه وصف رفعه حتى ذكر أنه كان يبالغ حتى يرى بياض إبطيه.وكذلك رفع يديه في استسقائه عليه الصلاة والسلام يوم الجمعة، وقد ذكرنا في صلاة الجمعة أنه يشرع للإمام إذا دعا للاستسقاء أن يرفع يديه، وقد جاء رفع اليدين عند الدعاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما لا يقل عن ثلاثين حديثا، وذكر الإمام النووي أنه جمع نحو ذلك من الصحيحين أو أحدهما كلها في رفعه عليه الصلاة والسلام ليديه في الدعاء، وهذا في مواضع مختلفة.فرفع اليدين في الدعاء لا حرج فيه إلا في العبادات التوقيفية كالحج والعمرة ونحو ذلك، فيتقيد فيها بالوارد، ولا يرفع إلا حيث ورد الرفع.فلو أن إنسانا في لحظة ما أراد أن يدعو فرفع يديه ففي هذا عدد من الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة والحسنة التي تدل على رفعه، حتى أفردها الإمام النووي بالتصنيف، وأفردها كذلك الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه بعد كتاب الدعوات،

وأفردها أيضا السيوطي في كتابه: (فض الوعاء بمشروعية رفع اليدين في الدعاء)، وذكر الأحاديث في الصحيحين وغيرهما، وهي ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن في العبادات التوقيفية لا يشرع رفع اليدين إلا في المواطن التي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه فيها، فهذا هو السنة والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.وبناء على ذلك: فإذا أراد أن يستسقي يشرع له أن يرفع يديه في الاستسقاء، ويرفع يديه مبالغا في الرفع حتى يرى بياض إبطيه، وإذا كان عليه الثوب يكون في حكم من انكشف إبطه، بمعنى أنه يبالغ في رفع اليدين حتى يظهر شدة الفاقة لله سبحانه وتعالى.وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قلب كفيه صلوات الله وسلامه عليه في الدعاء،
وللعلماء في هذا القلب وجهان: فمنهم من يقول: هو سنة توقيفة لا تشرع إلا في هذا الموضع.وبناء على ذلك لا يشرع أن يقلب الإنسان كفيه إلا في هذا الموضع من دعاء الاستسقاء، وتكون مناسبته -كما ذكر بعض العلماء- أن النبي صلى الله عليه وسلم عد هذا من الفأل، والفأل تقره الشريعة، كما في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل ويكره الطيرة)، والفأل: أن يسمع الإنسان، أو يرى شيئا يبشره بالخير،

كأن يريد السفر فيسمع إنسانا يقول: يا سالم.فإنه فأل بالسلامة؛ لأن الفأل يحمل الإنسان على حسن الظن بالله عز وجل، ويزيد من اعتقاده بالله جل جلاله، بخلاف التشاؤم؛ فإن التشاؤم يصرفه إلى الاعتقاد في الأشياء، والاعتقاد في الأزمنة، والاعتقاد في الأشخاص، فإذا رأى مشلولا أو أعمى تشاءم فصار يعتقد في الأشخاص أنهم شؤم عليه، فيفطعن هذا في عقيدته وتوحيده -نسأل الله السلامة والعافية- لكن الفأل الحسن يحسن ظنه بالله عز وجل، فقلب كفيه عليه الصلاة والسلام من باب الفأل الحسن،
فإنه سأل ربه وكأنه يقول: أرجو أن الله يبدل الحال، أو يغير ما بالناس من الشدة إلى الرخاء، ومن الضيق إلى السعة، ومن القحط إلى الغيث، ومن الجدب إلى المراعي الخصبة التي ينتفع بها الناس والدواب وخلق الله عز وجل، وهذا -كما قلنا- من باب الفأل.ومن العلماء من يقول: إنه يشرع عند كل دعاء في شدة، وفيه حديث حسنه بعض العلماء، إلا أن فيه ابن لهيعة.والأقوى أن هذا يختص بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما في غيره فيكون السؤال ببطن الكف، كما هو الأصل في دعاء الله عز وجل وسؤاله الثابتة به الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: (فيدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه: (اللهم اسقنا غيثا مغيثا ... ) إلى آخره).ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال: (اللهم أغثنا.اللهم أغثنا، اللهم أغثنا)،

وكذلك جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (اللهم أغثنا غيثا مغيثا.هنيئا مريئا مريعا عاما طبقا سحا غدقا عاجلا غير آجل ولا رائف تنبت به الزرع، وتدر به الضرع، وتحيي به بلدك الميت، سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا غرق ولا هدم)،

وكذلك ورد عنه: (اللهم إن بالعباد والبلاد من البلاء واللأواء والجهد ما لا يشكى إلا إليك، ولا يعول في رفعه إلا عليك، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا)، وكذلك: (اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين)، وغير ذلك من الأدعية التي وردت في الكتاب فيها استرحام، واستغفار وسؤال الله عز وجل الرحمة بعباده، فكل ذلك لا حرج على الإنسان أن يدعو به.
[ما يفعله الناس إن سقوا قبل الاستسقاء]

قال رحمه الله تعالى: [وإن سقوا قبل خروجهم شكروا الله وسألوه المزيد من فضله].أي: إذا نزل عليهم غيث قبل استسقائهم شكر والله تعالى، والسبب في هذا أنه إن وعدهم يوما معينا، فلربما يغيرون ما بهم ويتوبون من المظالم، فيرحمهم الله قبل أن يسقوا، فإذا نزلت عليهم الرحمة وسقوا قبل أن يخرجوا فحينئذ يحمدون الله عز وجل ويشكرونه حتى يبارك لهم فيما أسدى إليهم وأولاهم من نعمه وفضله،


يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #159  
قديم 27-01-2022, 02:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي


شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الاستسقاء)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (154)

صـــــ(1) إلى صــ(29)

ولذلك قال العلماء: لا يشرع أن تصلى صلاة الاستسقاء إذا نزل الغيث.بمعنى أنهم لو تهيأوا للخروج للاستسقاء، فنزل الغيث، وأغيث العباد، وجرت السيول، وانتفع الناس، فحينئذ لا وجه للاستسقاء،

فلا يستقيم للخطيب أن يقول: (اللهم إن بالعباد والبلاد من الجهد والبلاء ... )؛ لأنه يشكي بدون سبب للشكوى،

ولذلك قالوا: لا يشرع أن يستسقوا إذا سقوا الغيث، لكن لو سقوا سقيا ضعيفة، أو نزل الغيث ولم يكن الغيث الذي ينتظرون فإنه يشرع لهم أن يخرجوا، وأن يستسقوا مع نزول الغيث عليهم.

قال رحمه الله تعالى: [وينادى لها الصلاة جامعة].الثابت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه لم يؤذن لها ولم يقم، ولكن بعض العلماء يقول بأنه ينادي لها بـ (الصلاة جامعة) ولكن الأقوى والأشبه أن لا ينادى لها بهذا النداء،

لقوله: (بدون أذان ولا إقامة).
قال رحمه الله تعالى: [وليس من شرطها إذن الإمام].

أي: يصلونها فرادى وجماعات، بدون ليست كالجمعة، أما الجمعة فلا بد فيها من إذن الإمام.
[ما يسن فعله عند نزول المطر]
قال رحمه الله تعالى:
[ويسن أن يقف في أول المطر وإخراج رحله وثيابه ليصيبهما المطر].
بعد أن ذكر لنا -رحمه الله- آداب الاستسقاء التي قبل السقيا وصفة صلاة الاستسقاء شرع رحمه الله في بعض الآداب والسنن وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء نزول الغيث، وهذا من المناسب؛ لأنه لما تكلم عن السقيا وسؤال الله الغيث ناسب أن يذكر بعض الهدي والآداب الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء نزول الغيث.فمن هذه الآداب أن يخرج إلى المطر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل الغيث حسر عن رأسه صلوات الله وسلامه عليه، وكان يقول: (إنه قريب العهد بربه)، أخرجه الترمذي وغيره.
وكان من دعائه: (اللهم صيبا نافعا)، فكان عليه الصلاة والسلام يسأل الله أن يكون الغيث والمطر صيبا نافعا، ولذلك شرع أن يحسر عن رأسه حتى يصيبه الغيث.
ولذلك قالوا: هذا من السنة، ويكون الدعاء الوارد: (صيبا نافعا)، بمعنى أنه يكون فيه الخير؛ إذ ربما مطر الناس ولا يكون في هذا المطر خير، فيبقون على قحطهم وما هم فيه من الجدب -نسأل الله السلامة والعافية- فلا يكون صيبا نافعا، كما ثبت في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام: (أن تمطروا ثم تمطروا ثم لا تنبت الأرض) أي: يمطر الناس المطر بعد المطر ولا يضع الله البركة في هذا المطر، فلا تنبت الأرض، فكأنهم لم يمطروا، فهذا من أشد ما يكون -نسأل الله السلامة والعافية-.وكان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه ندب للدعاء عند نزول المطر، فإنه من مظان الإجابة.
[ما يقال عند الخوف من كثرة المطر]
قال رحمه اله تعالى:
[وإن زادت المياه وخيف منها سن أن يقول: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الضراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر)، (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ... ) الآية].الدعاء الذي ذكره هو الوارد عنه عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الدعاء الذي يمكن أن يقال عند تخوف المطر، كأن يكون مطرا شديدا يخشى منه الغرق، ويخشى أن يكون منه ما يضر الناس، فيسأل الله أن يجعله حواليهم ولا عليهم، بمعنى أنه لا يسأل الله صرف المطر كله؛ لأنه إذا صرفه كله صرف الخير عن عباد الله،
فلذلك يقول:
(حوالينا ولا علينا)؛ لأن ما حوالي المدن والقرى في الغالب أماكن السيول والأودية التي يتقونها عند النزول.
فمراده ما فسره بعد ذلك في قوله: (على الضراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر)؛ وذلك أنها إذا نزلت على الجبال فإنها تنفع أكثر؛ لأن نزولها على الجبال يكون منه جريان السيل، بخلاف نزولها على الأرض المنبسطة، فنزول الغيث على الضراب والآكام وبطون الأودية والأماكن المرتفعة ينفع كثيرا، ويصل إلى أمد، ربما يجاوز المكان الذي نزله إلى مكان آخر؛ لأن السيل إذا قويت موارده كانت نهايته أبلغ ما تكون على حسب قوة مورده، فلذلك يسأل الله أن يكون على الأماكن العالية حتى يكون أبلغ في وصول الماء إلى الناس الآخرين، حتى ينتفع به المسلمون، ويكون نفعه عاما لا خاصا بالمكان الذي نزل فيه.
الأسئلة
[حكم الخطبة في صلاة الكسوف]
qما حكم الخطبة في صلاة الكسوف؟

aبسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.أما بعد: فإن الخطبة في صلاة الكسوف ليست بواجبة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم)، ولم يأمر عليه الصلاة والسلام بالخطبة، خاصة وأن خطبته عليه الصلاة والسلام كانت لمناسبة، وهي قول الناس: إن إبراهيم قد توفي، وإن الشمس قد كسفت لوفاته.فهي ليست بواجبة، لكن لو خطب فإنه لا حرج في ذلك، وهو مذهب طائفة من العلماء، ويرون أنها جائزة، بمعنى أنها مسنونة ولا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الجنة والنار في خطبته عليه الصلاة والسلام، ورغب ورهب في خطبة الكسوف، قالوا: فهذا يدل على مشروعية الخطبة لها.والله تعالى أعلم.
[حكم من ندبهم الوالي للاستسقاء وهم مكتفون بالعشب والماء]
q إذا ندب الوالي للاستسقاء وهناك بلدة مكتفية بالماء والعشب، فهل يشرع لهم الاستسقاء بندب الوالي لهم؟

a نعم.وتكون السقيا لغيرهم، كأن يكون البلد واحدا فيستسقون، فيكون السقيا لهم زيادة خير، ولغيرهم زوال بلاء وضر، وقد نص بعض العلماء على أنه لا حرج في هذا، والله تعالى أعلم.
[كيفية قضاء من فاتته ركعة من صلاة الاستسقاء]
q كيف يقضي صلاة الاستسقاء من فاتته ركعة منها، هل يقضيها سبع تكبيرات أم خمس؟

a هذه المسألة مفرعة على مسألة أخرى في القضاء وهي: إذا فاتتك بعض الركعات فهل صلاتك ما بقي مع الإمام هي الأولى، أو هي الأخيرة؟ فهناك مذهبان هما أصل هذه المسألة تفرع عنهما مذهب الجمع، وهو المذهب الثالث الذي يلفق بين المذهبين.فمن العلماء من يقول: الذي أدركته مع الإمام هو صلاتك الأولى.وبناء على ذلك فإذا سلم الإمام فإنك تضيف ما فاتك من الركعات وتعتبره آخر صلاتك، وهذا المذهب يحتج بحديث أبي هريرة في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)، فهذا يدل على أنك تبني على صلاة الإمام، ولا تقضي ما فاتك.ومن العلماء من يقول: صلاتك مع الإمام هي الأخيرة.وبناء على ذلك فإذا قمت فإنك تقضي ولا تبني، وتعيد الركعات التي فاتتك.
وهناك مذهب ثالث يلفق بين المذهبين فيقول: يبني في الأفعال ويقضي في الأقوال، جمعا بين رواية: (فاقضوا)، ورواية: (فأتموا).وأصح هذه الأقوال وأقواها أنه يتم ويبني، ولا يقضي، ولا يجمع بين البناء والقضاء، وذلك لما يلي: أولا: لأن الرواية الصحيحة عن أبي هريرة أقوى ما رويت به رواية الإئتمام، أي: (وما فاتكم فأتموا)، فأصحاب الزهري رحمه الله الذين رووا: (فأتموا) أقوى من الذين رووا: (فاقضوا)، فالسفيانان يقدمان على غيرهما عند التعارض.ثانيا: أن روية: (فأتموا) لا تعارضها رواية: (فاقضوا)؛ لأن القضاء يستعمل بمعنى الإتمام، ومنه قوله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة} [الجمعة:10] أي: تمت.وقوله سبحانه وتعالى: {فإذا قضيتم مناسككم} [البقرة:200] أي: أتممتموها.والقاعدة في الأصول أنه إذا تعارض نص مع نص، وكان أحدهما يتضمن المعنى الذي لا يعارض من كل وجه بحيث يمكن صرفه إلى معنى يتفق مع الوجه الثاني فإنه ينبغي صرف النص المخالف إلى المعنى الذي يوافق به النص الآخر.
فنقول: رواية: (فاقضوا) المراد بها رواية: (فأتموا)؛ لأن القضاء يستعمل بمعنى الإتمام، فترجح قول من يقول: إنه يتم ولا يقضي سندا ومتنا، سندا لأنها رواية أقوى، ومتنا لأن معنى الإتمام أقوى في الدلالة من معنى القضاء، فالقضاء يستعمل بمعنى الإتمام، فدخل تحت الإتمام ولم يقو على معارضته.ويتفرع على هذه المسألة ما لو كنت قد أدركت ركعة في صلاة الاستسقاء فعلى القول بالقضاء تقوم فتكبر سبع تكبيرات في الركعة الثانية التي ستقضيها، وعلى القول بالبناء تكبر خمس تكبيرات؟ والصحيح أنك تكبر خمس تكبيرات على ظاهر السنة التي ذكرناها.والله تعالى أعلم.
[مشروعية شهود النساء للاستسقاء]
q هل يشرع للنساء أن يحضرن صلاة الاستسقاء كالعيد؟

a لا حرج في شهود النساء للاستسقاء إذا أمنت من خروجهن الفتنة، وذلك لأن المقام مقام استرحام واستعطاف، وكان بعض العلماء يرى خصوص الخروج لكبيرات السن دون الشابات، فلا يشرع للشابات والنساء اللاتي تحصل بهن فتنة أن يخرجن؛ لأنه يوم تضرع ومسكنة، وخروجهن فتنة لهن، أو فتنة لغيرهن، أو فتنة لهن ولغيرهن، وأما بالنسبة لكبيرات السن من النساء والضعفة فلا حرج في خروجهن.وبعض العلماء يمنع مطلقا، يقول: لا يشرع خروج النساء مطلقا.
[من فاتته صلاة الاستسقاء مع الجماعة]
q إذا لم أدرك صلاة الاستسقاء مع الجماعة فهل أصلي بمفردي، أم أستمع للخطبة؟

a من جاء وقد فرغ الإمام من صلاة الاستسقاء، وكان الاستسقاء في مسجد فإنه يصلي ركعتين تحية المسجد، ثم ينصت ويدعو بدعاء المسلمين، ويسأل الله عز وجل الرحمة أثناء الدعاء وأثناء خطبة الإمام.والله تعالى أعلم.
[حكم الزيادة والنقصان في عدد تكبيرات صلاة الاستسقاء]
q ما حكم الزيادة والنقصان في عدد تكبيرات صلاة الاستسقاء؟

a المشروع أن يكبر في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا، على الأصل الذي ذكرناه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في صلاة العيد، وعلى هذا فلا يشرع له أن يزيد، وبناء على ذلك تكون السنة على هذه الصفة الواردة، ولو زاد تكبيرة فبعض العلماء يرى من ناحية الأصل أنها بدعة، ويرى كأنه قد تكلم بكلام أجنبي، فيتفرع الحكم على هذه المسألة عن حكم الكلام في الصلاة إذا كان بذكر الله كالتكبير والتحميد وتلاوة القرآن، وإذا كان بغيره، وإن كان الأقوى أنها لا تبطل، فإذا زاد تكبيرة لا تبطل، لكنه يأثم؛ لأنها بدعة وحدث، فيعتبر آثما إذا كان عالما.لكن لو شك هل الذي كبره أربع تكبيرات أو خمس تكبيرات فإنه يبني على الأقل حتى يستيقن، على الأصل الذي دل عليه حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه، وكذلك أحاديث الشك في عدد ركعات الصلاة كحديث أبي سعيد، وأبي موسى رضي الله عن الجميع، وهي كلها ثابتة وصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.أما كونه يزيد في عدد التكبيرات من عند نفسه فلا؛ لأننا قلنا: إن هذا من البدعة والحدث، ويأثم صاحبه.والله تعالى أعلم.
[قلب الرداء في الاستسقاء يشمل غطاء الرأس]
q هل قلب الرداء في الاستسقاء يشمل ما يغطى به الرأس؟

a الرداء هو ما يلبس لأعالي البدن، وما يكون لأسفل البدن يسمى إزارا في لغة العرب، مثل ما يلبس المحرم، ولقد قلب رداءه عليه الصلاة والسلام، فجعل ما على الأيمن على الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن، وهذا هو السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فطرد بعض العلماء رحمهم الله ذلك في الملبوس الآن، وقال: لما كان المعنى هو التفاؤل بتغير الحال واسترحام الله عز وجل وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى شرع إذا كان له عباءة كالبشت ونحوه أن يقلبه، ولا حرج أن يجعل أيمنه على يساره وأيسره على يمينه.قالوا: وكذلك أيضا إذا لم يكن عليه عباءة قلب غطاءه الذي على رأسه كالغترة والشال ونحوهما، ولا حرج عليه أن يقلبه فيجعل أيمنه أيسره وأيسره أيمنه؛ لأن المعنى موجود، وصورة الثوب غير مؤثرة؛ لأن مقصود النبي صلى الله عليه وسلم حسن الظن بالله عز وجل والفأل المحمود شرعا.والله تعالى أعلم.
[حكم تخصيص يوم الإثنين بصلاة الاستسقاء]
qهل ورد دليل على تخصيص الصلاة بيوم الإثنين؟

a اختار بعض العلماء يوم الاثنين لأنه يوم صيام، وهو أرفق وأيسر على الناس، فكرهوا يوم السبت لأنه يوم اليهود، وكرهوا يوم الأحد لأنه يوم النصارى، ويرون أن ابتداء الإثنين أرفق بالناس، ويوافق عرض الأعمال على الله، ثم إن الناس يصومونه فهم أقرب إلى الله عز وجل، ومثل الإثنين يكون الخميس؛ لأن للخميس ما للإثنين، وقد يكون أرفق من جهة كونه أخف عليهم.ومع ذلك فليس هناك دليل لتخصيص الإثنين، لكن لو خصص الإثنين فلا حرج، لزومه واعتقاد وجوبه فليس هناك دليل على ذلك، وفرق بين أن نقول: يخصص يوم للخروج، وقولنا: يجب خروج هذا اليوم، فتخصيص أي يوم للخروج ثبتت به السنة، وأما اعتقاد وجوبه فلا.والله تعالى أعلم.
[حكم رفع اليدين عند دعاء الخطيب في الجمعة]
q هل يشرع رفع اليدين في خطبة الجمعة إذا دعا الخطيب؟


a رفع اليدين في خطبة الجمعة لا يشرع إلا عند الاستسقاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رفع حين استسقى، كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه وأرضاه، فدل على أنه كان من هديه إذا دعا أنه لا يرفع إلا في استسقائه، ومن هنا أخذ العلماء رحمهم الله أنه لا يشرع الرفع، ولما رفع مروان بن الحكم على منبر النبي صلى الله عليه وسلم قال عمارة بن رؤيبة: تبا لهاتين اليدين.وهذا إنكار عليه، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يزيد على أن يشير بإصبعه: اللهم اغفر لنا.اللهم ارحمنا.اللهم تب علينا.ونحو هذا، فما كان يرفع يديه صلوات الله وسلامه عليه في دعائه في خطبة الجمعة.والله تعالى أعلم.
[من عليه أكثر من كفارة يمين]
q امرأة عليها كفارات أيمان، فهل تكفر كفارة واحدة أم متعددة؟

aهذا فيه تفصيل، فإذا حلفت اليمين على شيء واحد وكررت اليمين فقالت: والله لا أخرج.
ثم بعد ساعة قيل لها: اخرجي، قالت: والله لا أخرج.ثم في اليوم الثاني قيل لها: اخرجي.قالت: والله لا أخرج.فحينئذ لو حلفت ألف يمين على هذا الشيء المعين فكفارته كفارة واحدة، وأما إذا كانت حلفت أيمانا متعددة على أشياء متعددة فإن الكفارة فيها متعددة بتعددها، وذلك لاختلاف أسبابها، فكل يمين تستقل بحكمها، ويجب التكفير عن كل واحدة منها منفردة عن أختها.والله تعالى أعلم.
[حكم إدراج نية الوضوء في الغسل المستحب أو الواجب]
qما حكم إدراج نية الوضوء في الغسل، سواء أكان للتبرد أم للجنابة أم للجمعة؟

a لا حرج أن يدرج الإنسان الوضوء تحت الغسل، فتنوي قبل غسلك أن تصلي بعد الغسل، فهذا لا حرج فيه، لحديث أم المؤمنين عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يتوضأ بعد غسله)، فكان بعد الغسل يصلي مباشرة، فأجمع العلماء على أن من نوى بغسله أن يصلي أنه يجزئه، سواء أكان الغسل للجنابة أم كان غسلا مستحبا.والله تعالى أعلم.
[وقت قيام المرأة إلى الصلاة المكتوبة]
q هل تصلي المرأة الصلوات الخمس بعد انتهاء الإمام من الصلاة، أم بعد دخول الوقت مباشرة؟

a إذا دخل الوقت يجوز للمرأة أن تصلي، فإذا سمعت النداء، أو غلب على ظنها أن وقت الصلاة قد دخل فإنها تصلي.لا تلزم بصلاة الإمام، ولا يجب عليها أن تتقيد بصلاة الإمام، وإنما يتقيد بصلاة الإمام الرجل في يوم الجمعة إذا كان قد ترك الجمعة تهاونا فإنه لا يصليها ظهرا إلا بعد صلاة الإمام للجمعة؛ لأنها لا تجب عليه ظهرا إلا بعد فراغ الإمام من الجمعة.والله تعالى أعلم.
[حكم الدخول مع الجماعة إذا أدرك المصلي التشهد الأخير]
q إذا وصلت المسجد والجماعة في التشهد الأخير فهل أجلس معهم للتشهد، ثم أتم، أم أنتظر حتى يتجمع بعض المتأخرين ونقيم جماعة جديدة؟

a من دخل المسجد وجب عليه أن يدخل مع الجماعة لظاهر السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (فإذا أقيمت فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا) فقال: (فما أدركتم) ولم يفرق بين قليل ولا كثير، ولذلك يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم شدد في ترك الجماعة حتى قال للرجلين: (ما منعكما أن تصليا في القوم؟ ألستما بمسلمين؟ -مع أنهما كانا قد صليا في رحالهما- فقالا: يا رسول الله! قد صلينا في رحالنا.قال: إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما المسجد فصليا فإنها لكما نافلة).
فكون الإنسان يدخل والجماعة قائمة والإمام في صلاته ويبقى واقفا ينتظر تسليم الإمام فهذا لا أصل له من جهة الدليل، أي: ليس هناك دليل يستثني هذا العموم الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك ينص العلماء رحمهم الله لحديث أبي هريرة في الصحيح على أنه ينبغي عليه أن يدخل مع الجماعة، ومنهم من يقول: يجب عليه أن يدخل مع الإمام ولا يتخلف، وقد جاء الأمر في بعض الأحاديث في السنن مفسرا ذلك، فقال: (على أي حالة أدركتمونا فصلوا) بمعنى أنه يجب على الإنسان أن يدخل على الحالة التي يجد عليها الإمام.ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الناس والعامة أنهم يرون الإمام ساجدا فيبقون حتى يرفع الإمام من سجوده، وهذا فوات للخير وفوات للبركة، ولذلك ينبغي على الإنسان إذا وجد الإمام ساجدا أن يسجد، فإن الله يرفعه بها درجة ويعظم له بها الأجر، وقد يستجيب الله له الدعاء، فقد يوافق بابا مفتوحا في السماء فيستجاب له، وفي الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم حث على الدعاء عند السجود وقال: (فقمن أن يستجاب لكم)، فترك السجود والفضل والدرجات والانتظار حتى يقوم الإمام فوات للخير.
فيفوته وقت الصلاة؛ لأن هذا القدر الذي فيه السجدة يعتبر من أول الوقت، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليصلي الصلاة وما يصليها في وقتها، ولما فاته من وقتها خير له من الدنيا وما فيها)، فلحظات يسيرة ربما تكون خيرا للإنسان من الدنيا وما فيها، فهذا القدر اليسير تدركه والإمام راكع، وتدركه والإمام ساجد، وتدركه والإمام جالس بين السجدتين، وهو يتشهد، فعلى أي حالة أدركت الإمام فصل رحمك الله، وادخل مع الجماعة، فهذا هو نص السنة.
فإذا صلى مع الجماعة الأولى أدرك فضل أول الوقت وأدرك فضيلة الجماعة الأولى، وإن كان لم يدرك حكم الجماعة، وفرق بين قولنا: أدرك حكم الجماعة، وبين قولنا: أدرك فضل الجماعة، فقد نص العلماء على أن من أدرك الإمام قبل أن يسلم فإنه يكون مدركا لفضل الجماعة الأولى، ولذلك قالوا في روايات فضل صلاة الجماعة على الفرد، كرواية:: (سبع وعشرين درجة)، ورواية: (خمس وعشرين درجة): إن رواية (سبع وعشرين) لمن أدركها كاملة، ورواية: (وخمس وعشرين) لمن أدركها في آخرها، ورواية: (ست وعشرين) لمن أدرك ما بينهما.فمن السنة أن الإنسان يدخل مع الإمام، وهذا هو الذي حرص الإسلام عليه لاجتماع الشمل، وكأن الإسلام يريد أن يجتمع الناس، وأن لا يتفرقوا، وأن لا يكون ذلك سببا في زوال المعنى الذي من أجله قصدت صلاة الجماعة.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #160  
قديم 26-02-2022, 10:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الجنائز)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (155)

صـــــ(1) إلى صــ(21)

شرح زاد المستقنع - مقدمة كتاب الجنائز [1]
عيادة المريض من السنن التي حث الشارع عليها ورتب عليها الثواب العظيم، سواء أكان المريض مسلما أم كافرا، ومقصد الشارع من العيادة أنها من المواساة لذلك المريض وتصبيره، والمريض الذي أوشك على الموت وعرف ذلك بالعلامات الدالة عليه ينبغي أن يذكر بالتوبة والوصية، كما يستحب أن يحسن ظنه بالله، وأن يلقن الشهادة، ويستخدم معه الوسائل التي تيسر عليه النطق بها، مثل تعاهد بل حلقه بالماء أو بشراب؛ فإن ذلك مما يعين على سهولة نطقه وحديثه، وكذلك ذكر الآيات والأحاديث التي تبين سعة رحمة الله.
[بيان أن عيادة المريض من السنة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: يقول المؤلف عليه رحمه الله: [كتاب الجنائز].
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [كتاب الجنائز].
الجنائز: جمع جنازة أو جنازة -لغتان- وقال بعض العلماء: جنازة (بالفتح) للميت نفسه، وجنازة (بالكسر) للسرير الذي يحمل عليه الميت.
وقيل:
إنها مأخوذة من جنز الشيء إذا استتر، و (الجنائز) المراد بها: بيان الأحكام المتعلقة بالميت.
ومناسبة هذا الكتاب لما تقدم: أن للعبد حالتين: الحالة الأولى تتعلق بدنياه، والحالة الثانية تتعلق بآخرته، فبعد بيان العبادات التي تتعلق بدنياه شرع -رحمه الله- ببيان جملة من المسائل والأحكام الشرعية المتعلقة بالمكلف عند موته أو بعد موته، وذلك من عيادته، وتلقينه، وتغسيله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه.
وهذا الباب يعتني به العلماء من المحدثين والفقهاء رحمهم الله، وقد اشتمل على جملة من المسائل والأحكام الشرعية، وختم به المصنف رحمه الله كتاب الصلاة، وكأنه لما عبر بالكتاب جعله وسطا بين الصلاة والزكاة،
والسبب في ذلك:
تردد حالة الإنسان في العبادات بين كونها عبادة تتعلق بالدنيا، وعبادة تتعلق بالآخرة، فناسب التقسيم من هذا الوجه،
كأنه حينما قال لنا: [كتاب الجنائز] كأنه يقول لك: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل المتعلقة بالميت، وما ينبغي على أهله وذويه إذا نزل به الموت، وكذلك ما ينبغي على المسلمين من الصلاة عليه ودفنه والدعاء له.
يقول رحمه الله:
[تسن عيادة المريض].هذه السنية دلت عليها النصوص المتضافرة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا، وعيادة المريض من أجل القربات وأحب الطاعات إلى الله جل وعلا، والتي جمع بها بين قلوب المؤمنين والمؤمنات؛ لما تشتمل عليه من رحمة بعضهم ببعض؛ ولما فيها من معونة المسلم لأخيه المسلم في حالة هو أشد ما يكون إلى رؤية إخوانه، والتعزي بما نزل في جسده، وما أصيب به في نفسه.
وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه العيادة، وأمر بها أصحابه رضوان الله عليهم، وأمته من بعدهم، فكان عليه الصلاة والسلام يعود المريض، وفي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه عاد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه وسلاه، وأخبره بمعجزة من معجزاته صلوات الله وسلامه عليه وهي أنه يعمر، وينتفع به أقوام -وهم المسلمون- ويستضر به أقوام -وهم الكافرون- وكان كما قال.وكذلك عاد عليه الصلاة والسلام جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وصب وضوءه عليه فشفي.وكذلك ثبت عنه في الحديث الصحيح أنه عاد يهوديا.
فالسنة بفعله عليه الصلاة والسلام تدل على مشروعية هذه العبادة الجليلة، وكذلك أمر بها عليه الصلاة والسلام، وفي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام من حديث البراء أنه أمر بعيادة المريض وإبرار المقسم، وجعلها من السبع التي أمر بها أصحابه وأمته من بعده صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين.
[فضل عيادة المريض]
ندب عليه الصلاة والسلام إلى عيادة المريض، وأخبر عما فيها من عظيم الأجر وجزيل الثواب عند الله سبحانه وتعالى،
ففي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من عاد مريضا فهو في خرفة الجنة حتى يعود، قيل: وما خرفة الجنة؟ قال: جناها)، وللعلماء في هذا الحديث وجهان:
الوجه الأول: أن قوله: (من عاد مريضا فهو في خرفة الجنة) أي: شبه حال الإنسان وهو خارج لعيادة أخيه المسلم بحال الرجل الذي جلس أمام ثمار البستان يجني منها ما لذ وطاب، فالذي يعود المريض يجني ثمرة عيادته من عظيم الأجر والمثوبة عند الله سبحانه وتعالى، فكما أن صاحب البستان جالس أمام خير من الدنيا، فمن عاد المريض جالس أمام خير من الآخرة، وهذا يدل على عظيم الفضل، كأنه يجني الثواب بدون حساب؛ من كثرة ما في ذلك من الأجر والمثوبة عند الله سبحانه وتعالى.
والوجه الثاني:
أن قوله: (من عاد مريضا فهو في خرفة الجنة حتى يعود) أي: أن الطريق الذي سلكه في عيادة أخيه المسلم حال مرضه أشبه بالطريق إلى الجنة،
بمعنى: أنه سينتهي به إلى الجنة.وهذا كله يؤكد فضل عيادة المريض، ويدل على استحبابها وتأكد هذا الاستحباب.
ويعظم حق المريض بحسب قربه؛ فإن كان من الوالدين أو من القرابات والأرحام فالأمر في حقه آكد وأشد،
ولذلك كان من وصل مريضا وله قرابة به فإنه يؤجر من وجهين:
الوجه الأول: من جهة عيادته للمريض، وله أجر عيادة المريض المطلق.
والوجه الثاني:
أنه يؤجر من جهة كونه وصل الرحم وبلها ببلالها، واتقى الله عز وجل فيها.فأفضل ما تكون عيادة المرضى، إذا كانت للأقرباء ومن لهم رحم بالإنسان وصلة، فإن حقهم آكد وأعظم، والتقصير في حقهم لاشك أنه أكثر إثما وأعظم جرما.
[مقصد الشارع من عيادة المريض المسلم والمريض الكافر]
قوله: [تسن عيادة المريض] هذه العيادة تشمل المسلم، والكافر: أما بالنسبة للمسلم فلا إشكال في ذلك، وفي عيادتك للمسلم خير كثير؛ فبها تقوى نفسه ويرتاح، خاصة إذا كان بينك وبينه ود وحب؛ فإن المريض ربما نشط برؤية أحبابه وأصحابه أكثر من نشطه بالدواء والعلاج، فرؤيته لمن يحب أنس له، وبهجة لنفسه وراحة لها، وطمأنينة لقلبه.وأما بالنسبة لغير المسلم فإنه إذا كان كافرا فإنك تعوده بقصد دعوته إلى الإسلام، كما ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه عاد يهوديا ثم لقنه شهادة التوحيد،
فنظر إلى والديه فقالا: أطع أبا القاسم، فأطاع النبي صلى الله عليه وسلم وتشهد، فحمد النبي صلى الله عليه وسلم ربه أنه أنقذه من النار بسببه.
وفي الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه: (عاد عمه أبا طالب عند حضور الموت،
فقال: يا عم! قل: لا إله إلا الله؛ كلمة أحاج لك بها بين يدي الله)
، فهذا يدل على تأكد جواز ومشروعية عيادة المريض الكافر؛ وذلك بسبب تأليفه للإسلام.أما المسلم فإن له حق العيادة، سواء كان برا أو فاجرا، صالحا أو طالحا؛ وذلك لأنه حق للمسلم،
وقد قال صلى الله عليه وسلم:
(أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك) فكونه يقصر فيما بينه وبين الله لا يمنع من أداء حقه في الإسلام من عيادته، ولربما عاد الصالحون الفجار فذكروهم بما عند الله؛ فكان سببا في حسن الخاتمة لهم وتوبتهم وإنابتهم إلى الله عز وجل.وهذا مما يقصده الشرع، فإنه تكثير لسواد الأمة في الخير، وكذلك طاعة للمطيع لربه، فإن المطيع إذا عاد أمثال هؤلاء وذكرهم بالله عز وجل، فإن هذا يعود بالخير عليه؛ لأنه يؤجر، وهو من الدعوة إلى الله عز وجل.
ولكن إذا كان الإنسان يغلب على ظنه أنه إذا زار الفاجر أو العاصي أنه سيتأثر وأنه سيتغير، فإنه قد يجب عليه أن يعوده؛ لأن دعوة الناس إلى الخير وهدايتهم متأكدة، فإذا غلب على الظن أنه يرجى نفعها فالأمر آكد.
[آداب عيادة المريض]
قوله: (تسن عيادة المريض) هذه السنية مطلقة، لا تتحدد بزمان ولا بمكان، والأمر يختلف باختلاف العوائد، ولا يحدد لها زمان لا بالليل ولا بالنهار، فتعود المريض بالليل وتعوده بالنهار، على حسب ما يجري في العادة ويقتضيه العرف، وعلى حسب استعداد المريض لتقبل هذه الزيارة وارتياحه لها وحصول المقصود.وإذا عاد المسلم أخاه المسلم، فإنه ينبغي عليه أن يحفظ الحقوق في هذه العيادة، فالسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم والهدي عنه كان أكمل الهدي وأكمل السنة، فقد كان عليه الصلاة والسلام إذا عاد مريضا يتوخى أفضل الأمور وأحبها إلى الله عز وجل، وهذا هو المقصود من العيادة.
ولذلك قرر العلماء كما نبه عليه جمع منهم:
الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه النفيس -الزاد- عند كلامه عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيادة المريض، أن ذلك الهدي أكمل الهدي وأحسنه وأجمله وأفضله، فكان يندب أصحابه إلى إفساح الأجل للمريض، فإذا عاد الإنسان المريض أفسح له في الأجل.
ومما يدل على مشروعية ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عاد سعد بن أبي وقاص أفسح له في الأجل، وقال له -لما أخبره سعد أنه مريض وأنه يخشى الموت-: (لعلك أن تعمر فينتفع بك أقوام ويستضر بك آخرون) وكان ما كان، فقد نفع الله به الإسلام بخروجه رضي الله عنه للجهاد في سبيل الله، وكسر الله به شوكة الكافرين، فهذا إفساح في الأجل منه عليه الصلاة والسلام،
وهو يشهد لحديث ابن ماجة:
(من عاد مريضا فليفسح له في الأجل).
وإفساح الأجل فيه حسن ظن بالله، وفيه فأل حسن، وكان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن؛ لأن الإنسان إذا أحسن ظنه بالله عز وجل قويت عقيدته وكمل يقينه، وكذلك -أيضا- حينما تفسح له في الأجل فذلك أدعى إلى أن تطول حياته،
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(خيركم من طال عمره وحسن عمله).
[أمور ينبغي التذكير بها عند عيادة المريض]
وهناك حقوق لله عز وجل وحقوق للعباد ينبغي الإنسان أن يتوخاها عند قيامه بعيادة المريض، ولا يشق على المريض بطول الجلوس وكثرة الحديث وكثرة السؤال، وإنما ينظر إلى الأرفق والأحسن والأفضل بالنسبة لحال ذلك المريض.
قال المصنف: [وتذكيره التوبة والوصية].فهذا من حقوق الله عز وجل التي ينبغي للمسلم أن يحفظها إذا عاد أخاه المسلم.
[التذكير بالتوبة]قوله: [وتذكيره التوبة] أي: ينبغي للمسلم إذا عاد أخاه المسلم أن يذكره بالتوبة إلى الله عز وجل، وذلك أن المرض من مقدمة الموت، وقد يكون طريقا إلى الموت، خاصة إذا ظهرت أمارات المرض الذي لا يرجى له شفاء، فيذكره بالتوبة إلى الله عز وجل.
والسبب في ذلك:
أن المرضى ربما انشغلوا بالعلاج وأخبار المرض، وما يفعلونه في مواجهة ما يعانونه من مشقة المرض، فينشغلون عما هو أهم وما هو مقصود من نزول المرض، فإن نزول المرض بالعبد إنما هو تخفيف للسيئات ورفعة للدرجات واستكثار للحسنات، فينبغي للمسلم إذا زار أخاه المسلم أن يذكره التوبة والإنابة إلى الله عز وجل، والتحلل من مظالم الناس عامها وخاصها، ويذكره بحقوق الناس.وإذا كنت تعلم أنه ظلم إنسانا ذكرته مظلمته،
وقلت له:
يا فلان، تب إلى الله من أذية فلان، يا فلان، إن لفلان عليك حقا فتحلل منه،
إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من كانت له عند أخيه مظلمة فليتحلله منها قبل ألا يكون دينار ولا درهم)، فهذا من أساليب الدعوة إلى التوبة من حقوق العباد.وأما بالنسبة لحقوق الله جل وعلا فيذكره التوبة من الذنوب كبيرها وصغيرها، وجليلها وحقيرها، ويحسن ظنه بالله عز وجل أنه الغفور الرحيم، وأنه الجواد الكريم، وأنه اللطيف الحليم، ويقوي بهذا الأمر -حسن الظن بالله عز وجل- عزمه على التوبة، فإن الإنسان إذا ذكرته بالتوبة وعطفت -مع تذكيرك بالتوبة- بذكر سعة مغفرة الله وعفوه وحلمه؛ قويت نفسه على التوبة، وقويت نفسه على الرجوع إلى الله؛ لأن المذنب ربما يأتيه الشيطان فيعظم له الذنب، وكلما فكر الإنسان في التوبة جاءه الشيطان من باب إعظام الذنب،
فقال له:
أنت فعلت وقلت، ولا يمكن لهذا الفعل أو القول أن يغفر، فهو فعل عظيم وقول عظيم، فلا يزال يتعاظم ذنبه على الله حتى يحجب عن التوبة والعياذ بالله! وهذا من القنوط من رحمة الله واليأس من روح الله، فلا ينبغي للمسلم ذلك،
فعلاج هذه الوساوس التي تكون في صدر الإنسان من الذنوب:
أن يحسن ظنه بالله عز وجل، ولذلك وردت الآيات والأحاديث التي ترغب في التوبة، مذيلة بصفات الله التي تدل على سعة رحمته، وسعة حلمه وعفوه وكرمه وجوده، وأنه سبحانه وتعالى لا تضره معصية العاصين ولا تنفعه طاعة المطيعين، فإذا كان الإنسان أثناء بيانه للتوبة، أو دعوته للتوبة يعطف بذكر سعة رحمة الله؛ قويت النفوس على طلب هذه الرحمة، واشتاقت الأرواح إلى رحمة الله جل جلاله، وكان عندها مع هذا الشوق قوة اليقين بالله سبحانه وتعالى.ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يندب أمته إلى حسن الظن بالله عز وجل، خاصة في هذا الموطن العظيم التي تزل فيه القدم بعد ثبوتها نسأل الله السلامة والعافية.والإنسان إذا تاب إلى الله عز وجل توبة صادقة تاب الله عليه ولو أتى ربه بقراب الأرض خطايا، فإن الله سبحانه وتعالى إذا تاب العبد توبة نصوحا تاب عليه،
قال تعالى:
{وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} [طه:82]، {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم} [الحجر:49]، {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} [الزمر:53]، وتتلى مثل هذه الآيات التي تقوي اليقين بالله سبحانه وتعالى عند المريض.
فمن حق الله عز وجل الذي ينبغي عليك إذا عدت المريض أن تذكره بهذا الحق، والناس قد تساهلوا في هذه الأمور، فكثير منهم عندما يزور أخاه ويجلس عنده، ينهمك في الأحاديث عن فضول الدنيا، وقل أن يذكره بالتوبة والإنابة إلى الله، بل قد تجد من قرابة المريض من يتذمر ويتسخط إذا حدثت المريض بهذه الأمور،
وكأنك إذا قلت للإنسان: تب إلى الله، أو إن هذا المرض ينبغي على الإنسان أن يستحضر معه التوبة، وأن ينكسر فيه لله عز وجل؛ إذا قلت له ذلك كأنما جنيت عليه جناية -نسأل الله السلامة والعافية- فهو يظن أنك تسيء الظن به، وأن هذا البلاء نزل به بسبب ذنوبه ومعاصيه، والواقع كذلك؛ فإن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون، وما علينا إلا أن نقوم بالسنة.والأفضل للزائر أن يذكر المريض فيما بينه وبين الله بالتوبة، ولا يخاطبه أمام الناس إذا خشي إساءة الظن، فإذا دنوت إلى المريض ومسحت برأسه -إذا كان يحتمل ذلك ويحب ذلك- ثم همست في أذنه بالكلمات الطيبة مما يذكر بالتوبة إلى الله والإنابة إليه، مثل يا فلان! إنا نكثر الذنوب، فتب إلى الله، وهذه الحالة حالة طيبة تقرب الإنسان من الله،
والعبد إذا نزل به الضر فإن الله يحب منه أن يقرع بابه:
{فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} [الأنعام:43]، فيكلمه بهذه الكلمات الطيبة، وبهذا النصح الذي يكون بينه وبينه؛ حتى لا يسيء الناس الظن بالزائر ولا يكون مدعاة لسخط قرابة المريض.والتوبة من الذنوب مشروعة في كل حال وزمان ومكان، والله جل وعلا أمر عباده أن يتوبوا إليه، ولم يقيد ذلك بحال، لكن العلماء رحمهم الله ذكروا ذلك في مثل هذه المواطن؛ لأن الأمر أدعى، فقد يكون هذا البلاء أو المرض نزل بسبب دعوة مظلوم، أو لربما نزل بسبب أذيته لقريب، ولربما نزل بسبب ضره بالناس، فإذا ذكرته ربما تاب إلى الله عز وجل وغير من حاله، فأصبح المرض نعمة عليه.
يقول بعض أهل العلم:
إن الإنسان قد يلتبس عليه التفريق بين المرض إذا كان بلاء، أو رفعة درجة.والواقع أن المرض يكون بسبب الذنب، وقد يكون بلاء يقصد منه رفع الدرجة، فيشكل على الإنسان أن يعرف هل هذا البلاء لرفعة درجة، أم بسبب بذنب.
قالوا:
فينبغي على الإنسان إذا نزل به المرض أو نزل به البلاء أن يعتبر أنه بسبب الذنب؛
لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
{وما أصابك من سيئة فمن نفسك} [النساء:79]، فالأصل أن الله لا يظلم الناس شيئا وأن الناس أنفسهم يظلمون، وأن ما نزل من الأسقام والآلام إنما هو بسبب قليل من الذنوب، وإلا لو أخذ الله الإنسان بذنبه لكان الأمر وأشد،
كما قال تعالى:
{ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة} [فاطر:45]، فالإنسان إذا تفكر في هذا، دعاه ذلك إلى أن يصلح حاله مع الله عز وجل، فإذا تاب وأناب، وأحس أن هذا البلاء نزل بسبب الذنب، فأخذ يستغفر ويسترحم، ويعاهد الله على التوبة والإنابة إليه سبحانه وتعالى؛ فإنه رفعة درجة.
ولذلك يقولون: قد ينزل البلاء بسبب الذنب؛ فيكون طريقا إلى الرحمة والفوز بمغفرة الله عز وجل، وصلاح العبد في دنياه وآخرته.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 366.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 360.30 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (1.65%)]