تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ - الصفحة 59 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 36 - عددالزوار : 4699 )           »          الصالون الأدبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11 - عددالزوار : 2666 )           »          الرحمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          صور من حب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          أسباب الافتراق ومظاهره وصفات الفرقة الناجية ومميزاتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          لحظية المعاملة مع الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          نعم الله بين الحاضر والماضي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          في تفسير قوله تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله...} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4581 - عددالزوار : 1287898 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4125 - عددالزوار : 812090 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #581  
قديم 15-08-2024, 09:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 139,747
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثامن
الحلقة (579)
سُورَةُ الْإِنْسَانِ .
صـ 391 إلى صـ 398





[ ص: 391 ] ونزلت سورة " الفتح " في عودته - صلى الله عليه وسلم - من صلح الحديبية .

وكذلك يوم بدر كان يوم الفرقان ، فرق الله فيه بين الحق والباطل ، ونصر فيه المسلمين مع قلتهم على المشركين مع كثرتهم .

وكذلك يوم فتح مكة ، وتحطيم الأصنام ، والقضاء نهائيا على دولة الشرك في البلاد العربية ، ومن قبل ذلك ليلة خروجه - صلى الله عليه وسلم - من مكة ونزوله في الغار ، إذ كان فيها نجاته - صلى الله عليه وسلم - من فتك المشركين ، كما قال الصديق وهما في الطريق إلى الغار ، حينما كان يسير أحيانا أمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأحيانا خلفه ، فسأل - صلى الله عليه وسلم - فقال : أتذكر الرصد فأكون أمامك ، وأتذكر الطلب فأكون خلفك ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : " أتريد لو كان شيء يكون فيك يا أبا بكر ؟ " .

فقلت : نعم ; فداك أبي وأمي يا رسول الله ; فإني إن أهلك أهلك وحدي ، وإن تصب أنت يا رسول الله تصب الدعوى معك
" .

وكذلك وصوله - صلى الله عليه وسلم - المدينة بداية حياة جديدة وبناء كيان أمة جديدة ، وكل ذلك لم يجعل الإسلام لذلك كله عملا خاصا به والناس في إبانها تأخذهم عاطفة الذكرى ، ويجرهم حنين الماضي وتتراءى لهم صفحات التاريخ ، فهل يقفون صما بكما أم ينطقون بكلمة تعبير ؟ وشكر لله إنه إن يكن من شيء فلا يصح بحال من الأحوال ، أن يكون من اللهو واللعب والمنكر ، وما لا يرضي الله ولا رسوله .

إنه إن يكن من شيء ، فلا يصح إلا من المنهج الذي رسمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مثل تلك المناسبات من عبادة في : صيام ، أو صدقة ، أو نسك ، ولا يمكن أن يقال فيها بما يقال في المصالح المرسلة حيث كانت .

وكان عهد التشريع ولم يشرع في خصوصها شيء ، وهل الأمر فيها كالأمر في المولد ، وتكون ضمن عموم قوله تعالى : وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين [ 51 \ 55 ] ، وضمن قوله تعالى فاعتبروا ياأولي الأبصار [ 59 \ 2 ] رأي بقصص الماضين .

ونحن أيضا نقص على أجيالنا بعد هذه القرون ، أهم أحداث الإسلام لاستخلاص العظة والعبرة أم لا ؟

وهذا ما يتيسر إيراده بإيجاز في هذه المسألة . وبالله تعالى التوفيق .
تنبيه .

مما يعتبر ذا صلة بهذا المبحث في الجملة ما نقله ابن كثير في التفسير عند كلامه على [ ص: 392 ] قوله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [ 5 \ 3 ] .

قال عندها : وقال الإمام أحمد : حدثنا جعفر بن عوف ، حدثنا أبو العميس ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، قال : جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنكم تقرءون آية في كتابكم ، لو علينا يا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا . قال : وأي آية ؟ قال : قوله : اليوم أكملت لكم دينكم ، فقال عمر : والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عشية عرفة في يوم جمعة .

ورواه البخاري ، عن الحسن بن الصباح ، عن جعفر بن عون به ، ورواه أيضا مسلم ، والترمذي ، والنسائي أيضا من طرق عن قيس بن مسلم به . ولفظ البخاري عند تفسير هذه الآية من طريق سفيان الثوري ، عن قيس ، عن طارق ، قال : قالت اليهود لعمر : إنكم تقرءون آية لو نزلت فينا لاتخذناها عيدا ، فقال عمر : إني لأعلم حين أنزلت ، وأين أنزلت ، وأين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أنزلت : يوم عرفة وأنا والله بعرفة .

وساق عن ابن جرير ، قال كعب : لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم ، فاتخذوه عيدا يجتمعون فيه .

فقال عمر : أي آية يا كعب ؟ فقال : اليوم أكملت لكم دينكم

فأجابه عمر بما أجاب به سابقا ، وقال : في يوم جمعة ويوم عرفة ، وكلاهما - بحمد الله - لنا عيد .

ونقل عن ابن جرير ، عن ابن عباس قرأ الآية ، فقال يهودي : لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذنا يومها عيدا ، فقال ابن عباس : فإنها نزلت في يوم عيدين اثنين : يوم عيد ، ويوم جمعة .

ومحل الإيراد أن عمر سمع اليهودي يشيد بيوم نزولها ، فقد أقر اليهودي على ذلك ولم ينكر عليه ، ولكن أخبره بالواقع وهو أن يوم نزولها عيد بنفسه بدون أن نتخذه نحن .

وكذلك ابن عباس ; أقر اليهودي على إخباره وتطلعه واقتراحه ، فلم ينكر عليه كما لم ينكر عمر ، مما يشعر أنه لو لم يكن نزولها يوم عيد ، لكان من المحتمل أن تتخذ عيدا . ولكنه صادف عيدا أو عيدين ، فهو تكريم لليوم بمناسبة ما نزل فيه من إكمال الدين [ ص: 393 ] وإتمام النعمة .

قوله تعالى : إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج [ 76 \ 2 ] ، الأمشاج : الأخلاط ، كما قال تعالى : من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب [ 86 \ 7 ] .
قوله تعالى : إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا

بين تعالى أنه هدى الإنسان السبيل ، وهو بعد الهداية إما شاكرا وإما كفورا .

وهذه الهداية هداية بيان وإرشاد ، كما في قوله تعالى : وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى [ 41 \ 17 ] ، كما أن الهداية الحقيقية بخلق التوفيق فضلا من الله على من شاء ، كما تقدم عند قوله تعالى : إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء [ 28 \ 56 ] .

وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - بيان الجمع بين الآيتين ، ومعنى الهداية العامة والخاصة .
قوله تعالى : سلاسل وأغلالا

بين تعالى نوع هذه السلاسل بذرعها في قوله تعالى : في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا [ 69 \ 32 ] .
قوله تعالى : يشربون من كأس

مادة يشرب تتعدى بنفسها ، فيقال : يشرب كأسا بدون مجيء " من " ، و " من " للتبعيض وللابتداء ، فقيل : هي هنا للابتداء ، وأن الفعل مضمن معنى فعل آخر ، وهو : يتنعمون ويرتوون كما قالوا في : عينا يشرب بها عباد الله [ 76 \ 6 ] . إذ الباء تكون للإرادة ولا إرادة هنا ، فهم يتنعمون بها .

والذي يظهر أن " من " للتبعيض فعلا ، وأن شرب أهل الجنة على سبيل الترفه والتلذذ ، وهي عادة المترفين المنعمين ، يشربون بعض الكأس لا كله .

وقد دل على ذلك أنهم لا يشربون عن ظمأ ، كما في قوله تعالى لآدم : إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى [ 20 \ 119 ] ، وسيأتي تعدية [ ص: 394 ] يسقون بنفسها إلى الكأس : ويسقون فيها كأسا [ 76 \ 17 ] ، ويأتي قوله تعالى : وسقاهم ربهم شرابا طهورا [ 76 \ 21 ] .

ويؤيد هذا اتفاقهم على التضمين في : عينا يشرب بها عباد الله ، فهو هنا واضح .

وهناك التبعيض ظاهر .
قوله تعالى : يوفون بالنذر

تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - مبحث النذر وافيا عند قوله تعالى : وليوفوا نذورهم الآية [ 22 \ 29 ] في سورة " الحج " .
قوله تعالى : ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا

اختلف في مرجع الضمير في على حبه ، هل هو راجع على الطعام أم على الله تعالى ؟ أي : ويطعمون الطعام على حب الطعام لقلته عندهم وحاجتهم إليه ، أم على حب الله رجاء ثواب الله ؟

وقد رجح ابن كثير المعنى الأول ، وهو اختيار ابن جرير ، وساق الشواهد على ذلك كقوله : وآتى المال على حبه [ 2 \ 177 ] ، وقوله لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون [ 3 \ 92 ] .

والواقع أن الاستدلال الأول فيه ما في هذه الآية ، ولكن أقرب دليلا وأصرح قوله تعالى : ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة [ 59 \ 9 ] .

وفي الآية التي بعدها في هذه السورة قرينة تشهد لرجوعه للطعام على ما تقدم ، وهي قوله تعالى بعدها : إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا [ 76 \ 9 ] ; لأنها في معنى حب الله ، مما يجعل الأولى للطعام وهذه لله . والتأسيس أولى من التأكيد ، فيكون السياق : ويطعمون الطعام على حاجتهم إياه ، ولوجه الله تعالى . - والله تعالى أعلم - .

مسألة .

في قوله تعالى : مسكينا ويتيما وأسيرا ، جمع أصناف ثلاثة :

الأول والثاني من المسلمين غالبا ، أما الثالث وهو الأسير فلم يكن لدى المسلمين أسرى إلا من الكفار ، وإن [ ص: 395 ] كانت السورة مكية إلا أن العبرة بعموم اللفظ كما هو معلوم .

وقد نقل ابن كثير عن ابن عباس : أنها في الفرس من المشركين ، وساق قصة أسارى بدر .

واختار ابن جرير أن الأسرى هم الخدم ، والذي يظهر - والله تعالى أعلم - أن الأسارى هنا على معناها الحقيقي ; لأن الخدم لا يخرجون عن القسمين المتقدمين : اليتيم ، والمسكين ، وهؤلاء الأسارى بعد وقوعهم في الأسر ، لم يبق لهم حول ولا طول . فلم يبق إلا الإحسان إليهم .

وهذا من محاسن الإسلام وسمو تعاليمه ، وإن العالم كله اليوم لفي حاجة إلى معرفة هذه التعاليم السماوية السامية حتى مع أعدائه ، وقد تقدم شيء من ذلك عند الكلام على قوله تعالى : لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم [ 60 \ 8 ] ، وهؤلاء بعد الأسر ليسوا مقاتلين .
قوله تعالى : ولقاهم نضرة وسرورا

تقدم معنى قوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة [ 75 \ 22 ] ، وهنا جمع لهم بين النضرة والسرور ، والذي يظهر - والله تعالى أعلم - : أن النضرة لما يرون من النعيم ، والسرور لما ينالونه من النظر إلى وجه الله الكريم كما تقدم : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة [ 75 \ 22 - 23 ] فيكون السرور نتيجة النظر إلى وجه الله الكريم . - والله تعالى أعلم - .
قوله تعالى : ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قوارير قوارير من فضة قدروها تقديرا

فيه التنصيص على أواني الفضة في الجنة .

وجاء بصحاف من ذهب وأكواب ، وهي محرمة في الدنيا كما هو معلوم ، وقد بين تعالى أن الذي يطوف عليهم هم : ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا [ 76 \ 19 ] .

وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في سورة " الطور " عند قوله : ويطوف عليهم غلمان لهم [ 52 \ 24 ] [ ص: 396 ] والقوارير جمع قارورة ، والعرب تطلق القارورة على إناء الزجاج خاصة ، ولكن الآية صريحة في أنها قوارير من فضة ، مما يدل على صحة إطلاق القارورة على غير آنية الزجاج كالفضة مثلا .

قال صاحب اللسان : والقارورة : ما قر فيه الشراب وغيره ، وقيل : لا يكون إلا من الزجاج خاصة .

وقوله تعالى : قوارير بآنية من فضة ، قال بعض أهل العلم : معناه أواني زجاج في بياض الفضة وصفاء القوارير ، قال ابن سيده : وهذا أحسن . اهـ .

وقال ابن شدياق في معجم مقاييس اللغة في مادة قر : القاف والراء أصلان صحيحان يدل أحدهما على برد ، والآخر على تمكن ، وذكر من التمكن : استقر ومستقر ، كما ذكر صاحب اللسان كثيرا من ذلك ، ثم قال : ومن الباب القر - بضم الراء - : صب الماء في الشيء . يقال : قررت الماء ، والقر : صب الكلام في الأذن ، وذكر منه الإقرار : ضد الجحود ; لاستقرار الحق به .

ثم ذكر مسألة إثبات اللغة بالسماع أو بالقياس ، فقال : وهذه مقاييس صحيحة ، فإما أن نتعدى ونتحمل الكلام ، كما بلغنا عن بعضهم أنه قال : سميت القارورة لاستقرار الماء فيها وغيره ، فليس هذا من مذهبنا . وقد قلنا : إن كلام العرب ضربان : منه ما هو قياس وقد ذكرناه ، ومنه ما وضع وضعا .

والمسألة من مباحث الأصول في الألفاظ ، هل هي بوضع لا يقاس عليه وتبقى كما وضعتها العرب ، أو أنها توضع بالقياس ؟ وفائدة الخلاف هل المسكرات كلها مثلا يتناولها مسمى الخمر بالوضع فتكون محرمة بنص : إنما الخمر والميسر الآية [ 5 \ 90 ] ، أو أنها محرمة قياسا على الخمر بجامع علة الإسكار ؟ وعليه فإذا كانت اللغة تساعد على الإطلاق قياسا ، فهو أقوى في الحكم ; بأن يأتي الحكم بالنص لا بالقياس بجامع العلة . ولعل التحقيق في هذه المسألة ما قاله علماء الوضع : من أن اللغات منها توقيفي ومنها قياسي .

وفي قوله تعالى : قدروها تقديرا [ 76 \ 16 ] توجيه إلى حسن الصنع في التسوية في التقدير ، والمقاسات .
[ ص: 397 ] قوله تعالى : ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا

وقبلها قال تعالى : كان مزاجها كافورا [ 76 \ 5 ] ، فقد قيل : هما معا ، فهي في برد الكافور وطيب الزنجبيل .
قوله تعالى : وسقاهم ربهم شرابا طهورا

وهذا وصف شراب الجنة ، والشراب هنا هو الخمر ، وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - بيان هذا المفهوم من أن شراب خمر الدنيا ليس طهورا ; لأن أحوال الجنة لها أحكامها الخاصة ، ويشهد لهذا ما تقدم في قوله تعالى : ويطاف عليهم بآنية من فضة [ 76 \ 15 ] ، مع أن أواني الفضة محرمة في الدنيا ; لحديث : " الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم " ، ومع ذلك فإن أهل الجنة ينعمون بها .

وكذلك ينعمون بخمر الجنة ، وكل أوصافها في الجنة عكس أوصافها في الدنيا كما تقدم ، لا يصدعون عنها ولا ينزفون ، كما أوضحه الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - عند قوله تعالى : لا يصدعون عنها ولا ينزفون [ 56 \ 19 ] في سورة " الواقعة " .
قوله تعالى : إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا

" نزلنا " " تنزيلا " : يدل على التكرار بخلاف " أنزلنا " ، وقد بين تعالى أنه أنزل القرآن في ليلة القدر في سورة " القدر " : إنا أنزلناه في ليلة القدر [ 97 \ 1 ] ، وهنا إثبات التنزيل .

وقد بين تعالى كيفية التنزيل في قوله تعالى : وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا [ 17 \ 106 ] .

وقد بين تعالى الحكمة في هذا التفريق على مكث في قوله تعالى : وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا [ 25 \ 32 ] ، وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - بيان هذه المسألة في سورة " الفرقان " ، والإحالة فيها على بيان سابق .
قوله تعالى : فاسجد له وسبحه ليلا طويلا

تقدم بيان مقدار المطلوب قيامه من الليل في أول سورة " المزمل " في قوله تعالى : [ ص: 398 ] ياأيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه الآية [ 73 \ 4 ] .
قوله تعالى : نحن خلقناهم وشددنا أسرهم

الأسر : الربط بقوة مأخوذ من الأسر هو جلد البعير رطبا ، وهو القد ، وسمي الأسير أسيرا لشد قيده بقوة بجلد البعير الرطب ، وهو هنا تقوية بشد ربط الأعضاء المتحركة في الإنسان في مفاصله بالعصب ، وهو كناية عن الإتقان والقوة في الخلق .

وقد بين تعالى ذلك في قوله : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم [ 95 \ 4 ] ، وقوله : الذي أحسن كل شيء خلقه [ 32 \ 7 ] .
قوله تعالى : فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا

السبيل هنا منكر ، ولكنه معين بقوله : إلى ربه ; لأن السبيل إلى ربه هو السبيل المستقيم .

كما قال تعالى : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم [ 6 \ 151 ] ، وفي النهاية قال : وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه [ 6 \ 153 ] ، وهو الصراط المستقيم الذي دعا إليه - صلى الله عليه وسلم - .

كما في قوله تعالى : وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض [ 42 \ 52 - 53 ] وهو القرآن الكريم كما تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في قوله تعالى : اهدنا الصراط المستقيم [ 1 \ 6 ] ، وقد بين تعالى أنه القرآن كله في قوله تعالى : الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين [ 2 \ 1 - 2 ] بعد قوله : اهدنا الصراط المستقيم ، كأنه قال : الهادي إلى الصراط المستقيم المنوه عنه في الفاتحة : هو القرآن الكريم : هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب [ 2 \ 2 - 3 ] إلى آخر " الصفات " ، فيكون السبيل هنا معلوما .

وقوله تعالى قبلها : إن هذه تذكرة [ 76 \ 29 ] مشعر بأن السبيل عن طريق التذكر فيها والاتعاظ بها .

وقوله : فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ، علق اتخاذ السبيل إلى الله على مشيئة من [ ص: 399 ] شاء ، وقيدها ربط مشيئة العبد بمشيئة الله تعالى في قوله : وما تشاءون إلا أن يشاء الله [ 76 \ 30 ] ، وهذه مسألة القدر .

وقد تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - بحثها بحثا وافيا عند قوله تعالى : أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين [ 10 \ 99 ] في " يونس " وأحال على " النساء " . إلا أن قوله تعالى في التذييل على الآية الكريمة بقوله : إن الله كان عليما حكيما [ 4 \ 11 ] أن كل ما يقع في هذا الكون من سلوك وأعمال أنه بعلم من الله وحكمة .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #582  
قديم 15-08-2024, 09:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 139,747
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثامن
الحلقة (580)
سُورَةُ الْمُرْسَلَاتِ .
صـ 399 إلى صـ 408




بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .

سُورَةُ الْمُرْسَلَاتِ .


قوله تعالى : والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا

يقسم تعالى بهذه المسميات ، واختلف في : والمرسلات ، و : فالعاصفات ، و : والناشرات .

فقيل : هي الرياح ، وقيل : الملائكة أو الرسل ، و عرفا أي : متتالية كعرف الفرس ، واختار كونها الرياح ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة . واختار كونها الملائكة أبو صالح عن أبي هريرة ، والربيع بن أنس .

وعن أبي صالح : أنها الرسل ، قاله ابن كثير ، واختار الأول وقال : توقف ابن جرير ، والواقع أن كلام ابن جرير يفيد أنه لا مانع عنده من إرادة الجميع ; لأن المعنى محتمل ولا مانع عنده .

واستظهر ابن كثير أنها الرياح ; لقوله تعالى : وأرسلنا الرياح لواقح [ 15 \ 22 ] ، وقوله : وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته [ 7 \ 57 ] .

وهذا هو الذي اختاره الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في مذكرة الإملاء ، أما الفارقات ، فقيل : الملائكة ، وقيل : آيات القرآن ، ورجح الشيخ الأول ، وأما الملقيات ذكرا عذرا أو نذرا

فقد تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - بيانها في سورة " الصافات " عند قوله : فالتاليات ذكرا [ 37 \ 3 ] .

وفي مذكرة الإملاء . قوله : عذرا : اسم مصدر بمعنى الإعذار ، ومعناه قطع العذر .

ومنه المثل : من أعذر فقد أنذر ، وهو مفعول لأجله ، والنذر اسم مصدر بمعنى الإنذار ، وهو مفعول لأجله أيضا ، والإنذار : الإعلام المقترن بتهديد ، و " أو " في قوله : [ ص: 401 ] أو نذرا بمعنى الواو ، أي : لأجل الإعذار والإنذار ، ومجيء " أو " بمعنى الواو كمجيء ذلك في قول عمرو بن معدي كرب :


قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم ما بين ملجم مهره أو سافع


أي : وسافع .
قوله تعالى : إنما توعدون لواقع

هو المقسم عليه ، والواقع أن بين كل قسم ومقسم عليه مناسبة ارتباط في الجملة غالبا ، والله تعالى يقسم بما شاء على ما شاء ; لأن المقسم به من مخلوقاته فاختيار ما يقسم به هنا أو هناك غالبا يكون لنوع مناسبة ، ولو تأملناه هنا ، لوجدنا المقسم عليه هو يوم القيامة ، وهم مكذبون به ; فأقسم لهم بما فيه إثبات القدرة عليه ، فالرياح عرفا تأتي بالسحاب تنشره ثم يأتي المطر ، ويحيي الله الأرض بعد موتها .

وهذا من أدلة القدرة على البعث ، والعاصفات منها بشدة ، وقد تقتلع الأشجار وتهدم البيوت مما لا طاقة لهم بها ولا قدرة لهم عليها ، وما فيها من الدلالة على الإهلاك والتدمير ، وكلاهما دال على القدرة على البعث .

ثم تأتي الملائكة بالبيان والتوجيه والإعذار والإنذار : إنما توعدون لواقع

- والله تعالى أعلم - .
قوله تعالى : فإذا النجوم طمست وإذا السماء فرجت وإذا الجبال نسفت

كلها تغييرات كونية من آثار ذلك اليوم الموعود . وطمس النجوم : ذهاب نورها ، كقوله : وإذا النجوم انكدرت [ 81 \ 2 ] .

وإذا السماء فرجت أي : تشققت وتفطرت كما في قوله تعالى : إذا السماء انشقت [ 84 \ 1 ] ، إذا السماء انفطرت [ 82 \ 1 ] ، ونسف الجبال تقدم بيانه في عدة محال . وما يكون لها من عدة أطوار من : دك وتفتيت ، وبث وتسيير : كالسحاب ثم كالسراب ، وتقدم في سورة " ق " عند قوله تعالى : أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم [ 50 \ 6 ] .
قوله تعالى : وإذا الرسل أقتت

تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - بيانه في سورة " الواقعة " عند قوله تعالى : [ ص: 402 ] قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم [ 56 \ 49 - 50 ] .
قوله تعالى : لأي يوم أجلت ليوم الفصل

يوم الفصل هو يوم القيامة ، يفصل فيه بين الخلائق ، بين الظالم والمظلوم ، والمحق والمبطل ، والدائن والمدين ، كما بينه تعالى بقوله : هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين [ 77 \ 38 ] ، وكقوله ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود [ 11 \ 103 ] .
قوله تعالى : ويل يومئذ للمكذبين

وعيد شديد من الله تعالى للمكذبين .

وقد تقدم معنى ذلك للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - عند آخر سورة " الذاريات " ، عند قوله تعالى : فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون [ 51 \ 60 ] .
قوله تعالى : ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم

الماء المهين : هو النطفة الأمشاج ، والقرار المكين : هو الرحم ، وقد مكنه الله وصانه حتى من نسمة الهواء .

والآيات الباهرات في هذا القرار فوق أن توصف ، وقد بين تعالى أنه الرحم بقوله تعالى : ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى [ 22 \ 5 ] ، والقدر المعلوم هو مدة الحمل إلى السقط أو الولادة .

وتقدم للشيخ التنويه عن ذلك في أول سورة " الحج " ، وأنها أقدار مختلفة وآجال مسماة .
قوله تعالى : فقدرنا فنعم القادرون

فيه التمدح بالقدرة على ذلك وهو حق ، ولا يقدر عليه إلا الله كما جاء في قوله : أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون [ 56 \ 59 ] .

وقد بينه تعالى في أول سورة " الحج " : ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة [ 22 \ 5 ] إلى آخر السياق .
[ ص: 403 ] قوله تعالى : ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا

تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في سورة " طه " عند قوله تعالى : الذي جعل لكم الأرض مهدا [ 20 \ 35 ] ، والكفات : الموضع الذي يكفتون فيه ، والكفت : الضم أحياء على ظهرها ، وأمواتا في بطونها ، كما في قوله : وفيها نعيدكم [ 20 \ 55 ] ، وقد جمع المعنيين في قوله تعالى : والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا [ 71 \ 1 - 18 ] .
قوله تعالى : انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون

بينه بعد بقوله تعالى : انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر [ 77 \ 30 - 33 ] ، أي : وهي جهنم .

وقد بين تعالى في موضع آخر أنهم يدفعون إليها دفعا في قوله تعالى : يوم يدعون إلى نار جهنم دعا [ 52 \ 13 ] .
قوله تعالى : هذا يوم لا ينطقون

نص على أنهم لا ينطقون في ذلك اليوم مع أنهم ينطقون ويجيبون على ما يسألون ، كما في قوله تعالى : وقفوهم إنهم مسئولون [ 37 \ 24 ] .

وقوله : فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون [ 68 \ 30 ] .

وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - الكلام على هذه المسألة في سورة " النمل " عند قوله تعالى : ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون [ 27 \ 85 ] .

وبين وجه الجمع بالإحالة على دفع إيهام الاضطراب عند سورة " المرسلات " ، هذه وأن ذلك في منازل وحالات .
قوله تعالى : كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون

فيه النص على أن عملهم في الدنيا سبب في تمتعهم بنعيم الجنة في الآخرة ، ومثله قوله تعالى : ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون [ 7 \ 43 ] .

[ ص: 404 ] وجاء في الحديث : " لن يدخل أحدكم الجنة بعمله " ، ولا معارضة بين النصين ، إذ الدخول بفضل من الله وبعد الدخول يكون التوارث ، وتكون الدرجات ، ويكون التمتع بسبب الأعمال . فكلهم يشتركون في التفضل من الله عليهم بدخول الجنة ، ولكنهم بعد الدخول يتفاوتون في الدرجات بسبب الأعمال .
قوله تعالى : إنا كذلك نجزي المحسنين

في الآية التي قبلها قال تعالى : بما كنتم تعملون [ 77 \ 43 ] . وهنا قال : نجزي المحسنين ، ولم يقل : نجزي العاملين ، مما يشعر بأن الجزاء إنما هو على الإحسان في العمل لا مجرد العمل فقط ، وتقدم أن الغاية من التكليف ، إنما هي الإحسان في العمل : تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ 67 \ 1 - 2 ] .

وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - بيان ذلك في سورة " الكهف " عند قوله تعالى : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا [ 18 \ 7 ] .
قوله تعالى : وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون

هذه الآية الكريمة من آيات الاستدلال على أن الكفار مؤاخذون بترك الفروع ، وتقدم التنبيه على ذلك مرارا ، والمهم هنا أن أكثر ما يأتي ذكره من الفروع هي الصلاة ; مما يؤكد أنها هي بحق عماد الدين .
قوله تعالى : فبأي حديث بعده يؤمنون

أي : بعد هذا القرآن الكريم لما فيه من آيات ودلائل ومواعظ كقوله تعالى : فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون [ 45 \ 6 ] .

وقد بين تعالى أنه نزله أحسن الحديث هدى في قوله تعالى : الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء [ 39 \ 23 ] .

وذكر ابن كثير في تفسيره عن ابن أبي حاتم إلى أبي هريرة يرويه : إذا قرأ : والمرسلات عرفا ، فقرأ : فبأي حديث بعده يؤمنون ، فليقل : آمنت بالله وبما أنزل . [ ص: 405 ] وذكر في سورة " القيامة " عن أبي داود وأحمد عدة أحاديث بعدة طرق أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " من قرأ في سورة الإنسان : أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى [ 75 \ 40 ] ، قال : سبحانك اللهم فبلى . وإذا قرأ سورة " والتين " فانتهى إلى قوله : أليس الله بأحكم الحاكمين [ 95 \ 8 ] ، فليقل : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين . ومن قرأ : والمرسلات ، فبلغ : فبأي حديث بعده يؤمنون ، فليقل : آمنا بالله " . اهـ .

وإنا نقول : آمنا بالله كما أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .

سُورَةُ النَّبَأِ .


قوله تعالى : عم يتساءلون عن النبإ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون

عم أصله عن ما أدغمت النون في الميم ، ثم حذف ألف الميم ، لدخول حرف الجر عليه ; للفرق بين ما الاستفهامية وما الموصولة .

والمعنى : عن أي شيء يتساءلون ، وقد يفصل حرف الجر عن ما ، فلا يحذف الألف .

وأنشد الزمخشري قول حسان - رضي الله عنه - :


على ما قام يشتمني لئيم كخنزير تمرغ في رماد


وقال في الكشاف : وعن ابن كثير أنه قرأ " عمه " بهاء السكت ، ثم وجهها بقوله : إما أن يجرى الوصل مجرى الوقف ، وإما أن يقف ويبتدئ : يتساءلون عن النبإ العظيم ، على أن يضمر يتساءلون ; لأن ما بعده يفسره .

وقال القرطبي : قوله : عن النبإ العظيم : ليس متعلقا بـ : يتساءلون المذكور في التلاوة ، ولكن يقدر فعل آخر عم يتساءلون عن النبإ العظيم ، وإلا لأعيد الاستفهام : أعن النبأ العظيم ؟

وعلى كل ، فإن ما تساءلوا عنه أبهم أولا ، ثم بين بعده بأنهم : يتساءلون عن النبإ العظيم ، ولكن بقي بيان هذا النبإ العظيم ما هو ؟ . فقيل : هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بعثته لهم . وقيل : في القرآن الذي أنزل عليه يدعوهم به . وقيل في البعث بعد الموت .

[ ص: 407 ] وقد رجح ابن جرير : احتمال الجميع وألا تعارض بينها .

والواقع أنها كلها متلازمة ; لأن من كذب بواحد منها كذب بها كلها ، ومن صدق بواحد منها صدق بها كلها ، ومن اختلف في واحد منها لا شك أنه يختلف فيها كلها .

ولكن السياق في النبأ وهو مفرد . فما المراد به هنا بالذات ؟

قال ابن كثير والقرطبي : من قال إنه القرآن : قال بدليل قوله : قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون [ 38 \ 67 - 68 ] .

ومن قال : إنه البعث ، قال بدليل الآتي بعدها : إن يوم الفصل كان ميقاتا [ 78 \ 17 ] .

والذي يظهر - والله تعالى أعلم - : أن أظهرها دليلا هو يوم القيامة والبعث ; لأنه جاء بعده بدلائل وبراهين البعث كلها ، وعقبها بالنص على يوم الفصل صراحة ، أما براهين البعث فهي معلومة أربعة : خلق الأرض والسماوات ، وإحياء الأرض بالنبات ، ونشأة الإنسان من العدم ، وإحياء الموتى بالفعل في الدنيا لمعاينتها . وكلها موجودة هنا .

أما خلق الأرض والسماوات ، فنبه عليه بقوله : ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا [ 78 \ 6 - 7 ] ، وقوله : وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا [ 78 \ 12 - 13 ] ، فكلها آيات كونية دالة على قدرته تعالى كما قال : لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس [ 40 \ 57 ] .

وأما إحياء الأرض بالنبات ففي قوله تعالى : وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا [ 78 \ 14 - 16 ] كما قال تعالى : ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى [ 41 \ 39 ] .

وأما نشأة الإنسان من العدم ، ففي قوله تعالى : وخلقناكم أزواجا [ 78 \ 8 ] ، أي : أصنافا ، كما قال تعالى : قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم [ 36 \ 79 ] .

وأما إحياء الموتى في الدنيا بالفعل ، ففي قوله تعالى : وجعلنا نومكم سباتا [ 78 \ 9 ] [ ص: 408 ] والسبات : الانقطاع عن الحركة . وقيل : هو الموت ، فهو ميتة صغرى ، وقد سماه الله وفاة في قوله تعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها [ 39 \ 42 ] ، وقوله تعالى : وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه [ 6 \ 60 ] ، وهذا كقتيل بني إسرائيل وطيور إبراهيم ، فهذه آيات البعث ذكرت كلها مجملة .

وقد تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - إيرادها مفصلة في أكثر من موضع ، ولذا عقبها تعالى بقوله : إن يوم الفصل كان ميقاتا [ 78 \ 17 ] ، أي : للبعث الذي هم فيه مختلفون ، يكون السياق مرجحا للمراد بالنبأ هنا .

ويؤكد ذلك أيضا ، كثرة إنكارهم وشدة اختلافهم في البعث أكثر منهم في البعثة وفي القرآن ، فقد أقر أكثرهم ببلاغة القرآن ، وأنه ليس سحرا ولا شعرا ، كما أقروا جميعا بصدقه - عليه السلام - وأمانته ، ولكن شدة اختلافهم في البعث كما في أول سورة " ص " و " ق " ، ففي " ص " قال تعالى : وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب [ 38 \ 4 - 5 ] .

وفي " ق " قال تعالى : بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد ، فهم أشد استبعادا للبعث مما قبله ، - والله تعالى أعلم - .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 103.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 101.17 كيلو بايت... تم توفير 2.12 كيلو بايت...بمعدل (2.05%)]