الدراسات العليا (3)

[ابوالوليد المسلم]

الدراسات العليا (3)


فالح الشبلي




الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على أشرفِ المرسَلين محمَّد، وعلى آله وصحْبه أجمعين.

فعندَ عملي في كتابي التراجِم والعلل، أوقفتْني ترجمة المثنَّى بن دينار؛ وذلك لافتقار ترجمته لمعدِّل أو لجارح حتى تتبيَّن حاله، وذلك بعد أن وقفتُ على قولٍ للعُقيلي يقول فيه: [في حديثه نظَر].

ولم أقِف على مَن فسَّر هذه الكلمة وما تَعني عندَ العُقيلي، فحاولتُ البحث في معناها عنده.

وبدأتُ بقِراءة كتابه الضعفاء حتى أستخرجَ معناها أو بنتيجة تُقرِّبني إلى ذلك، وأخَذ مني الوقت الذي استحقه.

والمعلوم أنَّ تفسير الناقِد لعبارته يكون على ثلاثة أوجه:
الأول: أن يُفسِّرَها بنفسه.
الثاني: أن يفسِّرها بقولٍ آخَر يفسِّر الأول.
الثالث: أن تُفسَّر بقول عالِمٍ آخَر.

ولا شكَّ أنَّ هذه الكلمة اشتهرَ بها الإمام البخاري - رحمه الله تعالى - فلهذا تجِد أهلَ العلم اجتهدوا في بيان معناها عندَ الإمام البخاريِّ دون سواه، وأخصُّ منهم فضيلة الشيخ الشريف حاتم بن عارِف العوني، الذي اعتذر عن بحثِه الوجيز في بيان مدلولِ هذه الكلمة، ولا شكَّ أنَّ هذا تواضُعٌ منه، وإلا فإنَّه - جزاه الله خيرًا - أبدع في بحثِه أيَّما إبداع، وهذا واحدٌ مِن بحوثه الكثيرة الماتِعة، أسأل الله أن يُطيلَ في عمره ويُحسِن عمله، وينفع به المسلمين.

وحقًّا بدأتُ العملَ بالبحث فكانتْ أول ترجمة لخالد بن كيْسان، فقلت:
1 – خالد بن كيسان، يَروي عن الربيع بنت مُعوِّذ.
قلت: وقدِ اختلف فيه بعضُ أهل العِلم، فمنهم مَن قال: خالد بن كيسان، ويقال: خالد بن ذكوان؛ ومنهم مَن جعلهما واحدًا؛ يَعني الذي يروي عن عبدالله بن الزُّبير، وابن عمر، وعطاء بن أبي رباح، وهو الذي يَرْوي عن الربيع، وبعضهم فرَّق بينهما، وعلى أيَّة حال فليس هذا بحثَنا.

فخالدُ بن كيسان الذي يَروي عن الربيع بنت مُعوِّذ، قال فيه العُقيلي: في حديثه نظر [الضعفاء: 2/358 - ت/417]، ثم أورد له حديثًا، وقال بعدَه: ولا أعرف خالد بن كيسان، والذي يحدِّث عن ربيع إنَّما هو خالد بن ذكوان أبو الحسين، روى عنه حمادُ بن سَلَمة، وعبدالواحد بن زياد، وبِشْر بن المفضَّل، وعلي بن عاصم، إلا أن يكون ابن داب أراد خالد بن ذكوان فأخطأ.

قلت: وبعضُ هذا الكلام لأبي حاتم الرَّازي، انظر [الجرح والتعديل:3/348 - ت/1572]، وهذا يعني أنَّ خالدًا مجهول عندَه ولم يعرفْه، ولا يعرفْ عن حاله شيئًا البتة، وإلا فكيف اختلف على اسمِه؟ فهو يعني بقوله: في حديثِه نظر؛ أي يُنظر في حديثه، ويُبحث فيه، وأورده البخاريُّ في [التاريخ الكبير 3/152 - ت/3468]، وأبهم حاله، ولم يتكلَّمْ فيه بشيء، ولكن الإمام الذَّهبي ينقُل عن الإمام البخاري أنَّه قال: في حديثِه نظَر، كما جاء في [المغني: 1/300 - ت/1875]، وكذلك في [ميزان الاعتدال: 1/589 - ت/2350]، ولم أقِف على مَن تَكلَّم في خالد بن كيسان سوى الإمام البخاري والعُقيلي كما مرَّ، وأوردَه ابنُ أبي حاتم في [الجرح والتعديل:3/348 - ت/1572]، ولم يذكُر مِن حاله شيئًا، بل إنه خطَّأ من نقَل التوهم في اسمه، فقال: سمعتُ أبي يقول: يرون أنَّ خالدًا هذا هو ابن ذكوان، وأنَّ عيسى غلط باسم أبيه، وكذلك ذكَره ابن حبَّان في [الثقات: 4/206]، ولم يذكر فيه شيئًا، ولكن لفَت انتباهي في أثناء بحْثي أنَّ ابن عدي لم يوردْه في الضعفاء، وكذلك ابن الجوزي؛ فهذا لعلَّه يعني أنَّ قول البخاري والعقيلي: في حديثه نظر لم يكن جرحًا عندَهما، ولعلَّنا نقِف على غير ابن عدي وابن الجوزي مَن يرى هذا الرأي في أثناء بحثِنا هذا، وكذلك التفريق بيْن قوله: فيه نظَر، وفي حديثه نظر، والله المستعان.

ملاحظة: هذه الترجمة لم أبيِّض محتواها لكونِها نموذجًا للبحث، ولكن توقفتُ لأسبابٍ: منها انشغالي في كتاب التراجم والعلل، ومنها ضِيق الوقت، وكذلك فإنَّ التشعُّب لا يخدم بحوثي.

لذا أحببتُ أن أنشرَها في سلسلة الدِّراسات العليا؛ لعل أحدًا مِن طلبة العلم يتبناها ويجعلها دراسةً يخدم فيها أهلَ العلم، ويخرج بنتائجَ وثمرةٍ تكون له صَدقة جارية.

وتكون البداية في جرْد كتاب العقيلي، واستخراج مَن قال فيه: في حديثه نظَر، أو ما كان على وزنها، وهذا ما قُمتُ به، وقد انتهيتُ منه، وسأدرج أسماء مَن تكلم فيهم هَديَّةً مني لطلبة العِلم، وستأتي.

ويكون البحث بهذه الطريقة:
أولاً: نحاول الوقوفَ على تفسير العقيلي لهذه اللفظة.
ثانيًا: قول آخَر للعقيلي يُفسِّر الأول.
ثالثًا: قول عالِم آخَر يُفسِّر ما قاله العُقيلي.
رابعًا: بماذا حَكم الإمام الذهبيُّ فيما قال فيه العُقيلي: في حديثه نظر، أو غيرها؟
خامسًا: كذلك الحافِظ ابن حجر؟
سادسًا: قولٌ لأهل العِلم الآخرين بهذا الرَّاوي.
سابعًا: يُنظر فيمَن تفرَّد العقيلي بوصفه هذا، هل أورده أحدٌ ممَّن صنَّف في الضعفاء؟
ثامنًا: إذا لم نقِف على كلامٍ يوضِّح ما قاله العقيلي، نتابِع حديثَه، هل وافق الثقاتِ فيه، أم خالفهم؟
تاسعًا: يُنظر هل العقيلي تابع أحدًا مِن أهل العلم ممَّن سبقه على شيءٍ مِن هذه الألفاظ، وأخصُّ منهم الإمام البخاري؟ وإذا تابع منهم أحدًا، هل تفرَّد بألفاظ منها؟

قلت: وقد تفرَّد في ترجمتين، قال فيهما: [في حديثِه نظر]:
الأول: عبدالله بن عبدالملك أبو عبدالرحمن المسعودي.
الثاني: عبدالله بن على بن بعجة، ويقال غير ذلك، وهذا في بدايةِ بحْثِي، وإلاَّ قد يكون غيرهما الكثير.

عاشرًا: يقسم قولَ العقيلي في الرَّاوي: في حديثه نظر، أو ما كان على وزنها إلى:
1– ثِقة أو صَدوق... إلخ.
2– ضعيف، أو مقبول....
3– شديد الضعْف، متروك، كذَّاب....

ومِن المؤكَّد أنَّ كل باحث له انفراداتٌ يتميَّز بها عن غيره، وهذا مِن خلال بحثه وتفتيشه في كتُب أهل العلم، فلا شكَّ أنَّه سيقِف على فوائد، تَزيد في البحث، أو يستحسن ذِكرها وإيرادها للفائدة.

وهذه قائِمة بأسماء مَن تكلَّم فيهم، مرتَّبِين على الألفاظ والأسماء. من قال فيه: [في حديثه نظر]:
1– خالد بن كيسان. (2/358)، (ت/417).
2– عبدالله بن عبدالملك أبو عبدالرحمن المسعودي. (2/673)، (ت/840). وزاد: كان مِن الشِّيعة.
3– عبدالله بن علي بن بعجة. (2/681)، (ت/850).
4– عثمان بن عثمان القُرَشي. (3/943)، (ت/1214).
5– عمرو بن أبي بكر يماني. (3/977)، (ت/1265).
6– فضالة بن مفضَّل أبو ثوابة القتباني. (3/1143)، (ت/1514).
7– مثنى بن دينار الجُهمي. (4/1391)، (ت/1849).
8– محمَّد بن الحجَّاج بن رِشْدين بن سعدٍ المهري. (4/1211)، (ت/1600).
9– مرزوق بن ميمون الناجي. (4/1355)، (ت/1800).
10– مُصعَب بن إبراهيم الجزَري. (4/1341)، (ت/1776).
11– معاذ بن محمد الهذلي. (4/1347)، (ت/1785).
12– منهال بن بحر أبو سلمة العُقيلي. (4/1381)، (ت/1836).
13– موسى بن جعفر. (4/1308)، (ت/1729).
14- يحيى بن المنذر الكندي. (4/1538)، (ت/2065).

من قال فيه: [فيه نظر].
1- صالح بن كَيْسان بن رُومان. (2/589)، (ت/736).
2- عبدالله بن عبدالله بن أبي أُميَّة المخزومي. (2/667)، (ت/830).
3- عتبة بن أبي عتبة الفَزاري. (3/1039)، (ت/1353).
4- الفضل بن زِياد. (3/1142)، (ت/1511).
5- قيس أبو عُمارة الفارسي. (3/1154)، (ت/1527).
6- محمَّد بن عبدالله بن علاثة العقيلي. (4/1249)، (ت/1650).
7- نعيم بن مورع بن توبة العنبري. (4/1420)، (ت/1895).

من قال فيه: [في إسناده نظر]، [إسناده مجهول فيه نظر]، [إسناده شيعي فيه نظر]:
1- عبَّاس بن عبدالرحمن. (3/1066)، (ت/1400).
2- عبدالله بن عيسى الجندي. (2/685)، (ت/857).
3- عبدالله بن نافع ابن العمياء. (1/715)، (ت/895).
4- عريف بن إبراهيم الثقفي. (3/1108)، (ت/1459).
5- عطية بن عامر. (3/1064)، (ت/1396).
6- عِكرمة بن أسد الحضْرَمي. (3/1080)، (ت/1419).
7- علي بن القاسم الكندي. (3/969)، (ت/1248).
8- الفَضْل بن حمَّاد الواسطي. (3/1137)، (ت/1502).
9- الفضل بن عَطاء. (3/1138)، (ت/1505).
10- فُضَيل بن يحيى. (3/1142)، (ت/1512).
11- مخلد أبو الهُذَيل. (4/1375)، (ت/1829).
12- يحيى بن غالِب العبشي. (4/1531)، (ت/2054).

من قال فيه: [فيهما جميعًا نظر لا يُعرَفان إلا به]، [كلاهما فيهما نظر - يعني: الحديثين]:
1- عبدالله بن عرادة السدوسي. (1/688)، (ت/860).
2- عبدالرحمن بن عثمان أبو بحْر البكراوي. (2/744)، (ت/934).
3- محمَّد بن معاذ البصري. (4/1298)، (ت/1715).


وختامًا:
أسأله تعالى أن ينفع بهذا البحثِ إخواني طلبةَ العلم والمسلمين أجمعين، وصلِّ اللهمَّ على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحْبه وسلِّم.