|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#251
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [134] الحلقة (165) شرح سنن أبي داود [134] صلاة الجمعة واجبة على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض، وكذلك المسافر لا جمعة عليه، ولا تجب الجمعة إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد، أو كانت ليلة باردة أو يوماً مطيراً. التشديد في ترك الجمعة شرح حديث: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التشديد في ترك الجمعة. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن محمد بن عمرو قال: حدثني عبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبي الجعد الضمري رضي الله عنه -وكانت له صحبة- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه) ]. أورد أبو داود السجستاني رحمه الله باب التشديد في ترك الجمعة، يعني: أن أمرها خطير، وليس بالأمر الهين، وفيه وعيد شديد، فعلى المسلم أن يحذر من أن يحصل منه التساهل والتهاون في ذلك؛ حتى لا يحصل له هذا الأمر الذي توعد به على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه)، أي: أنه لا يحضرها، وإنما يصلي وحده أو في جماعة ظهراً، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن الذي يتكرر منه هذا العمل يطبع الله على قلبه، فلا يصل إليه هدى، ولا يصل إليه خير، وهذا يدلنا على خطورة هذا العمل، وأنه أمر لا يسوغ ولا يجوز، وأن الواجب على كل مسلم أن يحرص على حضور الجمعة والجماعة، ولا يتهاون في ذلك؛ حتى لا يعرض نفسه للوقوع في هذا الوعيد الشديد الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا ما جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو يخطب على المنبر: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين)، وكل هذا يدلنا على خطورة التخلف عن صلاة الجمعة. تراجم رجال إسناد حديث: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه) قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد هو ابن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو ابن سعيد القطان البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عمرو ]. هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبيدة بن سفيان الحضرمي ]. عبيدة بن سفيان الحضرمي ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الجعد الضمري ]. أبو الجعد الضمري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب السنن. كفارة من ترك الجمعة شرح حديث: (من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كفارة من تركها: حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا همام حدثنا قتادة عن قدامة بن وبرة العجيفي عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار، فإن لم يجد فبنصف دينار). قال أبو داود : وهكذا رواه خالد بن قيس وخالفه في الإسناد ووافقه في المتن. حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا محمد بن يزيد و إسحاق بن يوسف عن أيوب أبي العلاء عن قتادة عن قدامة بن وبرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فاته الجمعة بغير عذر فليتصدق بدرهم أو نصف درهم، أو صاع حنطة أو نصف صاع). قال أبو داود : رواه سعيد بن بشير عن قتادة هكذا إلا أنه قال: (مداً أو نصف مد) وقال: عن سمرة . قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن اختلاف هذا الحديث فقال: همام عندي أحفظ من أيوب يعني: أبا العلاء ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في كفارة من تركها، أي: من حصل منه ترك الجمعة، والمقصود من هذه الترجمة أنه وردت أحاديث فيها ذكر الكفارة، وهي التصدق بدينار أو نصف دينار، أو درهم أو نصف درهم، أو مد أو نصف مد، أو صاع أو نصف صاع، والمقصود: أن عليه أن يكفر بهذه الصدقة وبهذا المال، ويكون هذا من باب أن الحسنات يذهبن السيئات، ولكن الحديث الذي ورد في هذا من طرقه المختلفة لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو غير صحيح، والكفارة في هذا: أن يتوب الإنسان إلى الله عز وجل، وأن يندم على ما مضى، وأن يعزم في المستقبل على ألا يعود إلى ترك الجمعة، أما كونه يكفر بمبلغ من المال فلم يثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والحديث الذي أورده أبو داود في هذا الباب طرقه كلها من طريق رجل واحد مجهول لا يحتج بحديثه. تراجم رجال إسناد حديث: (من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار ...) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا همام ]. هو همام بن يحيى ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قدامة بن وبرة العجيفي ]. قدامة بن وبرة العجيفي مجهول أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ عن سمرة بن جندب ]. سمرة بن جندب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : وهكذا رواه خالد بن قيس ]. خالد بن قيس صدوق يغرب أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ رواه خالد بن قيس وخالفه في الإسناد ووافقه في المتن ]. يعني: خالفه في الإسناد، وأما المتن فهو متفق معه، والضمير يرجع للراوي عن قتادة وهو همام . [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق أخرج حديثه أبو داود وحده. [ حدثنا محمد بن يزيد ]. هو محمد بن يزيد الواسطي وهو ثقة أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ و إسحاق بن يوسف ]. هو إسحاق بن يوسف الأزرق وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب أبي العلاء ]. أيوب أبو العلاء صدوق له أوهام أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن قتادة عن قدامة بن وبرة ]. مر ذكرهما. حال حديث التصدق بدينار لمن ترك الجمعة من غير عذر قوله: [ عن قدامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. هذا مرسل؛ لأن قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قبيل المرسل، والإسناد المتصل الذي قبل هذا فيه هذا الرجل المجهول، ولا يحتج بحديثه. وفي هذا الحديث: (فليتصدق بدرهم أو نصف درهم)، وفي الأول: (بدينار أو نصف دينار) وكل ذلك غير صحيح وغير ثابت، ومن المعلوم أن الدرهم والدينار بينهما فرق شاسع، ففيه اضطراب في ذكر ما يتصدق به إما درهم أو نصف درهم، أو دينار أو نصف دينار، أو مد أو نصف مد، أو صاع أو نصف صاع، وكل هذا من الاضطراب. [ قال أبو داود : رواه سعيد بن بشير عن قتادة هكذا ]. سعيد بن بشير ضعيف أخرج له أصحاب السنن. [ إلا أنه قال: (مد أو نصف مد) وقال: عن سمرة ]. يعني: أنه لم يرسله، بل ذكر الصحابي سمرة . [ قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن اختلاف هذا الحديث فقال: همام عندي أحفظ من أيوب يعني: أبا العلاء ]. يعني: همام و أيوب أبو العلاء رويا عن قتادة ، و همام أحفظ من أيوب أبي العلاء ، لكن كون هذا أحفظ من هذا لا يصحح الحديث؛ لأن فيه ذلك الرجل المجهول في جميع طرقه وأسانيده، فالحديث لا يحتج به من أجل الرجل المجهول. من تجب عليه الجمعة؟ شرح حديث: (كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من تجب عليه الجمعة؟ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد بن جعفر حدثه عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها أنها قالت: (كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب من تجب عليه الجمعة؟ يعني: من يجب عليه أن يحضر للجمعة من مكانه ومن مسكنه إذا كان في البلد أو خارج البلد؟ هذا هو المقصود بهذه الترجمة، وليس المقصود منها صفات الشخص الذي تجب عليه الجمعة، وهي: أن يكون مسلماً حراً بالغاً عاقلاً؛ لأنه سيأتي بتراجم تبين عدم وجوب الجمعة على المرأة والمملوك وأهل القرى، وإنما المقصود هنا الذين عليهم أن يحضروا الجمعة لكونهم في البلد ويسمعون النداء، أو كونهم من خارج البلد وقريبين منها؛ فيأتون إلى الجمعة ولا يجمعون في مكان آخر وحدهم مع قربهم من المكان الذي يجمع فيه، وإذا كان المكان متسعاً وليس بضيق. إذاً: المقصود بهذه الترجمة أن من سمع النداء فعلاً أو حكماً، أو كان في حكم من يسمع النداء لكونه قريباً من البلد الذي هو من أطرافها وضواحيها، فليس له أن يجمع في هذه الضواحي، بل عليه أن يقدم إلى المكان الذي يجمع فيه أهل البلد ويحضر الجمعة ولا يتخلف عنها؛ ولهذا أورد أبو داود رحمه الله حديثين تبين أن الإنسان يحضر إلى الجمعة من منزله إذا كان من ضواحي البلد، فأورد حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي) يعني: منازلهم التي هي قريبة من المدينة، ومن العوالي التي هي بعيدة من المدينة وعلى أميال منها. وقيل: إن أبا داود قصد الرد على من قال: إن من كان خارج المدن لا تجب عليه الجمعة؛ لأن عائشة ذكرت أن أهل العوالي كانوا يحضرون الجمعة مع رسول صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن من كان خارج المدينة في ضواحيها وبساتينها فإن عليه أن يحضر الجمعة، وليس له أن يتخلف عن الجمعة. تراجم رجال إسناد حديث: (كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو ]. هو عمرو بن الحارث المصري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن أبي جعفر ]. عبيد الله بن أبي جعفر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن محمد بن جعفر ]. هو محمد بن جعفر بن الزبير وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير ]. هو عروة بن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم: أبو هريرة ، و ابن عمر ، و ابن عباس ، و أبو سعيد ، و أنس ، و جابر ، و أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. شرح حديث: (الجمعة على كل من سمع النداء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن محمد بن سعيد -يعني: الطائفي - عن أبي سلمة بن نبيه عن عبد الله بن هارون عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الجمعة على كل من سمع النداء). قال أبو داود : روى هذا الحديث جماعة عن سفيان مقصوراً على عبد الله بن عمرو ولم يرفعوه، وإنما أسنده قبيصة ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجمعة على كل من سمع النداء) يعني: حق عليه أن يحضر الجمعة إذا سمع النداء، والحديث ضعيف؛ لأن فيه مجهولين، وفيه من خالف الثقات، ولكن معناه صحيح وثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في صلاة الجماعة ومثلها الجمعة، ففي قصة ابن أم مكتوم أنه جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إني شاسع الدار، وليس لي قائد يلائمني إلى المسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب) فدل هذا على أن سماع النداء يوجب على السامع أن يحضر إلى الجمعة، ولكن إذا كان المسجد يمتلئ ولا يتسع للمصلين، واحتيج إلى أن يصلى في أماكن أخرى، فلهم أن يجمعوا فيها للحاجة، ولا بأس بذلك، أما أن يكون المسجد يتسع للجميع، والأماكن ليست بعيدة فعلى أهل البلد ومن يكون قريباً منهم أن يحضروا إلى ذلك المسجد الذي يجمعون فيه. تراجم رجال إسناد حديث: (الجمعة على من سمع النداء) قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا قبيصة ]. هو قبيصة بن عقبة وهو صدوق ربما خالف أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن سعيد يعني: الطائفي ]. محمد بن سعيد الطائفي صدوق أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبي سلمة بن نبيه ]. أبو سلمة بن نبيه مجهول أخرج حديثه أبو داود . [ عن عبد الله بن هارون ]. عبد الله بن هارون مجهول أخرج حديثه أبو داود . [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي ابن صحابي وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : روى هذا الحديث جماعة عن سفيان مقصوراً على عبد الله بن عمرو ولم يرفعوه وإنما أسنده قبيصة ]. قوله: (رواه جماعة عن سفيان غير قبيصة ) وهم ثقات لم يرفعوه ولم يسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي أسنده قبيصة ، فخالف الثقات في رفعه، فالحديث ضعيف، فيه مخالفة، وفي إسناده أيضاً المجهولان. الجمعة في اليوم المطير شرح حديث الصلاة في الرحال قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الجمعة في اليوم المطير. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه رضي الله عنه: (أن يوم حنين كان يوم مطر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديه أن الصلاة في الرحال). حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن صاحب له عن أبي المليح : أن ذلك كان يوم الجمعة. حدثنا نصر بن علي قال سفيان بن حبيب : خُبرنا عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المليح عن أبيه رضي الله عنه أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في يوم جمعة وأصابهم مطر لم يبتل أسفل نعالهم فأمرهم أن يصلوا في رحالهم ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب الجمعة في اليوم المطير]، وهو اليوم الذي ينزل فيه المطر، يعني: هل يحضر الناس فيه للجمعة أم أنهم معذورون في التخلف عن الجمعة؟ أورد أبو داود رحمه الله أحاديث تتعلق بالسفر؛ لأنها في حنين أو الحديبية، وكل ذلك في سفر، ومن المعلوم أن المسافر ليس عليه جمعة، وإنما الذي عليه الجمعة هو المستوطن المستقر في القرى والمدن، هؤلاء هم الذين يجمعون، وأما أهل البوادي غير المستقرين وكذلك المسافرون فإنهم لا يجمعون، والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يجمع في السفر، وقد كان في عرفة في حجة الوداع يوم الجمعة ولم يجمع، وإنما صلى الظهر والعصر جمعاً، وأسر في الظهر والعصر كالشأن في سائر الأيام، فالمسافر يصلي يوم الجمعة ظهراً مقصورة ويسر فيها بالقراءة، فلم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يجمع في الأسفار. الأحاديث التي أوردها أبو داود هنا لا تتعلق بالتجميع في المدن والتخلف عن الجماعة في المدن بسبب المطر، ولكن جاء في ذلك حديث ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام سيذكره المصنف في آخر الباب الذي بعد هذا، وهو الذي يطابق الترجمة ويدل عليها من جهة التخلف عن الجمعة في اليوم المطير، أما هذه الأحاديث فلا تدل عل الترجمة إلا أن يكون المقصود: أن كان الرسول صلى الله عليه وسلم أذن بالصلاة في الرحال والناس في السفر في يوم الجمعة ليصلوا صلاة الظهر في رحالهم؛ فإن الجمعة أيضاً تكون كذلك، فهو يوافق الترجمة من حيث الاستنباط والقياس؛ لأن التجميع لم يحصل من النبي صلى الله عليه وسلم في السفر. [ عن أبي المليح عن أبيه أن يوم حنين كان يوم مطر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديه أن الصلاة في الرحال ]. هذا ليس فيه نص على الجمعة، ولكن الرواية الثانية هي التي فيها ذكر الجمعة، والمنادي هو المؤذن، فعندما يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح يقول: صلوا في رحالكم، وفي الحديث الآخر الذي سيأتي أنه بدل أن يقول: حي الصلاة حي على الفلاح يقول: ألا صلوا في رحالكم ألا صلوا في رحالكم، ولا مانع من الجمع بينهما؛ لأن المقصود بقوله: حي الصلاة. أن من أراد أن يحصل الفضيلة فله أن يأتي، ومن أراد أن يتخلف فإنه معذور وقد أذن له بذلك؛ ولذا قيل له: الصلاة في الرحال؛ ولهذا ينبغي للمؤذن والإمام أن يقيما الصلاة جماعة في المسجد. [ عن أبي المليح عن أبيه أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في يوم جمعة وأصابهم مطر لم يبتل أسفل نعالهم فأمرهم أن يصلوا في رحالهم ]. يحتمل أن تكون القصة متعددة أو أنها قصة واحدة ولكن حصل فيها الاختلاف هل هي في حنين أو الحديبية؛ لأنها كلها من طريق أبي المليح عن أبيه، فيحتمل أن تكون القصتان حصلتا جميعاً، ويحتمل أن تكون قصة واحدة ولكن حصل الاختلاف هل هي هذه أو هذه، والحديبية كانت في السنة السادسة، وحنين كانت بعد فتح مكة في آخر السنة الثامنة. قوله: [ لم يبتل أسفل نعالهم ]. معناه: أن المطر لم يكن غزيراً وكثيراً، ولعل ذلك لكون المطر فيه ضرر عليهم، فأذن لهم أن يصلوا في رحالهم، أي: في خيامهم ومنازلهم التي هم نازلون فيها؛ لأنهم مسافرون نازلون في خيام، وليسوا في مساكن وبنيان. تراجم رجال إسناد حديث الصلاة في الرحال قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن همام عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه ]. همام و قتادة مر ذكرهما، و أبو المليح ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه هو أسامة بن عمير صحابي أخرج له أصحاب السنن. تراجم رجال إسناد الطريق الثانية لحديث الصلاة في الرحال قوله في الإسناد الثاني: [ حدثنا محمد بن مثنى ]. هو محمد بن مثنى العنزي أبو موسى الملقب بالزمن البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الأعلى ]. هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد ]. هو سعيد بن أبي عروبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صاحب له عن أبي المليح (أن ذلك كان يوم الجمعة) ]. الرواية السابقة مطلقة وليس فيها ذكر الجمعة، وهذه الرواية بينت أنها الجمعة، لكنه هنا ما قال: عن أبي المليح عن أبيه، بل وقف الإسناد إلى أبي المليح ، فما أدري هل هو بالإسناد السابق أو أنه مقطوع على أبو المليح ، وعلى كل المقصود من ذلك تفسير الرواية المطلقة السابقة حتى يكون الحديث مطابقاً للترجمة؛ لأن الترجمة الجمعة في اليوم المطير. تراجم رجال إسناد الطريق الثالثة لحديث الصلاة في الرحال قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان بن حبيب ]. سفيان بن حبيب ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ خبرنا عن خالد الحذاء ]. خالد الحذاء هو خالد بن مهران الكاهلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقوله: خبرنا فيه انقطاع. [ عن أبي قلابة ]. هو عبد الله بن زيد الجرمي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي المليح عن أبيه ]. مر ذكرهما. التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة أو المطيرة شرح حديث (كان إذا كانت ليلة باردة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة أو الليلة المطيرة. حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع (أن ابن عمر رضي الله عنهما نزل بضجنان في ليلة باردة فأمر المنادي فنادى أن الصلاة في الرحال). قال أيوب : وحدث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان إذا كانت ليلة باردة أو مطيرة أمر المنادي فنادى الصلاة في الرحال). حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل عن أيوب عن نافع قال: (نادى ابن عمر رضي الله عنهما بالصلاة بضجنان، ثم نادى أن صلوا في رحالكم قال فيه: ثم حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر المنادي فينادي بالصلاة ثم ينادي: أن صلوا في رحالكم في الليلة الباردة وفي الليلة المطيرة في السفر) . قال أبو داود : ورواه حماد بن سلمة عن أيوب و عبيد الله قال فيه: (في السفر في الليلة القرة أو المطيرة). حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه نادى بالصلاة بضجنان في ليلة ذات برد وريح فقال في آخر ندائه: ألا صلوا في رحالكم، ألا صلوا في رحالكم ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في سفر يقول: ألا صلوا في رحالكم). حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما -يعني: (أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح- فقال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر يقول: ألا صلوا في الرحال). أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة أو المطيرة]، يعني: بسبب البرد أو المطر، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من طرق متعددة أنه كان يأمر المنادي أن يقول: صلوا في الرحال وكان ذلك في سفر، وفي بعض الروايات أنه بضجنان، وهو جبل قريب من مكة في جهة المدينة، والروايات المتعددة فيها أنه كان في سفر، فيدل ذلك على أن الجماعة في السفر مطلوبة؛ ولهذا كانوا يصلون جماعة وهم مسافرون، ولم يكن يصلي كل رجل في رحله أو في مكانه وحده، وإنما يجتمعون ويصلون جماعة، لكن في الليلة الباردة أو المطيرة أذن لهم أن يصلي كل رجل في رحله، أي: في المكان الذي هو فيه، فهذا الحديث من طرقه المتعددة يدل على أن المطر والبرد مسوغ لترك الجماعة الكبرى التي هي جماعة الإمام، أو الجماعة التي تكون لرئيس الجيش أو لرئيس المسافرين، وأن لكل رجل أن يصلي في رحله؛ لأن ابن عمر رضي الله عنه أمر مناديه أن يقول: صلوا في رحالكم، وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا الذي فعله، وهو إنما فعله مقتدياً برسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
__________________
|
#252
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث (كان إذا كانت ليلة باردة...) قوله: [حدثنا محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب وهو ثقة أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد بن درهم وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ حدثنا مؤمل بن هشام ]. مؤمل بن هشام ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بابن علية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ]. مر ذكرهم. ضابط المطر الذي يجوز فيه ترك الجمعة والجماعة ليس كل برد يجوز فيه ترك صلاة الجمعة والجماعة، وإنما الذي فيه ضرر على الناس كأن تكون الأرض فيها دحض، وكون المطر يصب على الناس، وكذلك ليس أي برد يقال: إنه مرخص، وإنما الذي فيه ضرر، وأما الذي ليس فيه ضرر فعليهم أن يحضروا. والبلدان التي درجة الحرارة عندهم تحت الصفر دائماً لا يتركون صلاة الجماعة، بل يمشون في الثلج وكأنهم يمشون في القطن. طرق وروايات أخرى لحديث (كان إذا كانت ليلة باردة...) [ قال أبو داود : رواه حماد بن سلمة عن أيوب ]. حماد بن سلمة ثقة أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أيوب و عبيد الله ]. أيوب هو ابن أبي تميمة مر ذكره، و عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال فيه: في السفر ]. كأنه كان في ضجنان كما في الرواية السابقة. [ أو في الليلة القرة ]. يعني: الليلة الباردة. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا أبو أسامة ]. هو حماد بن أسامة . [ عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ]. قد مر ذكرهم. قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن ابن عمر ]. مر ذكرهما. شرح حديث (نادى منادي رسول الله بذلك في المدينة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في المدينة في الليلة المطيرة والغداة القرة) ]. أورد أبو داود هذا الحديث من طريق محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر وقال: إن هذا كان في المدينة، وأنه في الليلة القرة، والحديث جاء من طرق متعددة كلها في السفر، وهنا قال: إنه كان في المدينة، فهذه مخالفة من محمد بن إسحاق ، وهو صدوق يدلس، وقد روى هنا بالعنعنة، فهذه الرواية منكرة؛ لأنها مقابلة لرواية الثقات الذين رووا أنه كان في السفر، لكن الحديث الذي سيأتي فيما يتعلق بالجمعة يدل على جواز هذا عند الحاجة إليه في الحضر، وأنه سائغ وجائز. قوله: [ في الليلة المطيرة والغداة القرة ]. الغداة يعني: الفجر، والقرة هو البرد الشديد. [ قال أبو داود : وروى هذا الخبر يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: (في السفر) ]. روى الحديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد عن ابن عمر وقال: في السفر، بخلاف الرواية السابقة. تراجم رجال إسناد حديث (نادى منادي رسول الله بذلك في المدينة) قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة أخرج حديثه أصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الباهلي ثقة أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن نافع عن ابن عمر ]. مر ذكرهما. [ روى هذا الخبر يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، و القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر مر ذكره. شرح حديث: (... ليصل من شاء منكم في رحله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا الفضل بن دكين حدثنا زهير عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليصل من شاء منكم في رحله) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر : (أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فمطروا، فقال عليه الصلاة والسلام: ليصل من شاء منكم في رحله) قال: من شاء؛ لأنه معذور، ولكن من جاء وصبر على المشقة وأتى المسجد إلى الجماعة الكبرى فإنه فعل الخير، وإنما الشأن في من تخلف وهو غير معذور، ومن أراد أن يتحمل المشقة ويأتي المسجد فهو مأجور على ما أقدم عليه من فعل الخير، وإن كان سيحلقه ضرر في نفسه فليتخلف، وإن كان لا يلحقه ضرر فإنه يأتي إلى المسجد ويصلي مع الجماعة. تراجم رجال إسناد حديث: (... ليصل من شاء منكم في رحله) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن الفضل بن دكين ]. الفضل بن دكين هو أبو نعيم ، مشهور بكنيته وأحياناً يأتي باسمه الفضل بن دكين ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وفائدة معرفة الكنى مهمة في علم المصطلح: ألا يظن الشخص الواحد شخصين، فإذا جاء في إسناد أبو نعيم وجاء في إسناد آخر الفضل بن دكين ، فالذي لا يعرف أن الفضل بن دكين كنيته أبو نعيم سيظن هذا شخص وهذا شخص، والذي يعرف لا يلتبس عليه الأمر. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث ابن عباس في الصلاة في الرحال يوم الجمعة في اليوم المطير قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل أخبرني عبد الحميد صاحب الزيادي حدثنا عبد الله بن الحارث ابن عم محمد بن سيرين (أن ابن عباس رضي الله عنهما قال لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت: أشهد أن محمداً رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة قل: صلوا في بيوتكم، فكأن الناس استنكروا ذلك، فقال: قد فعل ذا من هو خير مني، إن الجمعة عزمة، وإني كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين والمطر) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال لمؤذنه في يوم مطير بعد أن يقول: أشهد أن محمداً رسول الله: ألا صلوا في رحالكم بدل أن يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح، فكأن الناس استنكروا ذلك لكونه ما قال: حي الصلاة حي على الفلاح وقال: صلوا في الرحال، فقال: إن الجمعة عزمة، وإنني كرهت أن أحرجكم، يعني: إذا سمعوا حي على الصلاة وحي على الفلاح؛ فإنهم سيتحملون المشقة ويقدمون على الذهاب في البرد أو المطر فأمر مؤذنه أن يقول ذلك، فأخبرهم أنه فعله من هو خير منه يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كره أن يحرجهم فيمشوا في الطين والمطر؛ فمن أجل ذلك فعل هذا الفعل، وهذا الحديث يدل على جواز التخلف عن الجمعة والجماعة لأمر يقتضي ذلك كوجود مطر ودحض وشيء يلحق الضرر بالناس. وهذا الحديث هو الذي يطابق الترجمة السابقة: [الجمعة في اليوم المطير]، يعني: كون الإنسان يتخلف عنها ويترك الجمعة والجماعة بسبب المطر الذي يلحق الناس به ضرر، كأن يكون المطر متواصلاً، أو أن الأرض فيها دحض، أو برد أو غير ذلك من الأعذار التي يعذر المتخلف بسببها عن الجمعة والجماعة. قوله: [ (إن الجمعة عزمة) ]. يعني: أمر لازم، ولكن الذي أرشد إليه رخصة، فالجمعة عزمة ويجب الحضور إليها، ولكن عندما يقتضي أمر الترخيص في الحضور فإنه يصار إلى الرخصة عند الحاجة إليها. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في الصلاة في الرحال في يوم الجمعة في اليوم المطير قوله: [ حدثنا مسدد ]. مر ذكره. [ حدثنا إسماعيل أخبرني عبد الحميد صاحب الزيادي ]. إسماعيل تقدم ذكره، وعبد الحميد هو ابن دينار ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن الحارث ابن عم محمد بن سيرين ]. عبد الله بن الحارث ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقوله: ابن عم محمد بن سيرين يحتمل أن يكونا أبناء عمومة بسبب المصاهرة أو الرضاع. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الأسئلة وجوب الجمعة في المطر على من لا يلحقهم ضرر السؤال: هل تجب صلاة الجمعة على المؤذن والإمام في المطر ولو لم يأت أحد؟ الجواب: الذي يبدو أن الجمعة لا تترك، ولكن الإذن إنما هو للترخيص؛ ولهذا جاء في الحديث: (ليصل من شاء في رحله) فالجمعة لا تترك، ومن يكون سكنه حول المسجد فإنه يصلي في المسجد، ومن كان يلحقه مشقة أو ضرر فإنه مرخص له، ومن أراد أن يأتي المسجد من غير أن تلحقه مضرة فعل، ومن أراد أن يتخلف فله ذلك. حكم قول: (صلوا في رحالكم) بغير العربية السؤال: إن كان الأذان في بلد غير عربي، هل يجوز للمؤذن أن يقول: صلوا في رحالكم باللغة المعروفة في ذلك البلد؟ الجواب: الأذان لا يكون بغير العربية، وإنما يعلمهم إذا في مثل هذه الحالة أنه سيضاف إلى الأذان هذه الكلمة؛ حتى يعرفوها، أما كونه يؤذن بلغة أعجمية فلا يؤذن. حكم قول: (والنبي ورب النبي) السؤال: ما حكم قول: والنبي ورب النبي؟ الجواب: قول: والنبي، لا يجوز. النبي صلى الله عليه وسلم هو سيد الخلق، فأنت حافظ على كلمة النبي هذه ولكن هات قبلها رب فقل: ورب النبي، ورب الكعبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقسم به، والكعبة لا يقسم بها، ولا يقسم بالمخلوق أياً كان وإنما يقسم بالخالق سبحانه وتعالى، فينبغي للإنسان إذا كان ألف أن يقول: والنبي أن يعود نفسه أن يأتي بكلمة رب قبل النبي، فيقول: ورب النبي، وبذلك يكون حافظ على هذه الكلمة التي هي لفظ النبي، ويكون حلف بمن يحلف به وهو الله عز وجل. كيفية إحرام الحائض بالعمرة السؤال: امرأة تريد أن تعتمر وجاءتها الدورة الشهرية فماذا تعمل؟ الجواب: تغتسل وتتنظف وتحرم من الميقات وإن كان عليها العادة، ولكنها إذا وصلت إلى مكة لا تدخل المسجد حتى تطهر وتغتسل، وإذا طهرت واغتسلت جاءت إلى المسجد وطافت وسعت. تقبيل إبهام اليدين عند الأذان من البدع السؤال: طالعنا أحد الكتاب في إحدى الصحف المحلية بأمور محدثة وزعم أنها ليست ببدعة، ومن ذلك قوله: إذا قال المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله فيقبل السامع إبهامي اليدين، ويمسح بهما عينيه، واستدل على ذلك بإنجيل برنابا، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: كون الإنسان ما يجد دليلاً إلا في إنجيل برنابا هذا يدل على الإفلاس، وهذا من الأمور المنكرة التي ما ثبتت عن الرسول عليه الصلاة والسلام، والله تعالى يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، ويقول: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، فالمعول عليه ما يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا لم يثبت عن المصطفى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. زعم أن الجنازة التي تمر أمام قبر النبي عليه الصلاة والسلام تسلم عليه السؤال: عند مرور الجنازة أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم فإن الجنازة تسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رأيكم بهذا القول؟ الجواب: الأمور التعبدية تحتاج إلى دليل من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، أما الكلام بغير دليل ومن غير أساس ومن غير مستند فهذا لا عبرة به ولا قيمة له، ومن أين للناس أن يتكلموا في الغيب من غير دليل؟ لا يعلم الغيب إلا الله عز وجل، والأمور الغيبية لا يجوز أن يتكلم فيها إلا بدليل. حكم من حج وهو لابس للجوارب جاهلاً السؤال: رجل حج قبل ست سنوات وكان لابساً للشراب، ولم يدر أن هذا من محظورات الإحرام، فماذا يعمل الآن؟ الجواب: عليه فدية، وهي أن يذبح شاة، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين، وهو مخير بين هذه الثلاثة الأمور. حكم صلاة الجمعة لأهل بادية يسمعون الأذان على بعد خمسة كيلو مترات السؤال: جماعة من أهل البادية يسمعون النداء ليوم الجمعة من بعد خمسة كيلومترات بواسطة المكبر الصوتي، فهل سماع النداء المعتمد بدون مكبر، أم يجب عليهم الحضور بمجرد السماع سواءً كان بمكبر أو بغيره، مع العلم أن هذه القرية مسكن لقوم لهم مسجد لا يصلون فيه الجمعة؟ الجواب: هم في حكم السامع مثل أهل العوالي كانوا يأتون إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ولعله ما كان يصل إليهم صوت الأذان، ولكنهم في حكم السامع. حكم اشتراط المصر الجامع في صلاة الجمعة السؤال: استدل الأحناف بلفظة (ينتابون) على عدم جواز إقامة الجمعة في القرى، ويشترطون لإقامتها وجود مصر، فهل هذا صحيح؟ الجواب: سيأتي في الأبواب القادمة الجمعة في القرى إذا كان هناك استيطان، ولا يلزم أن يكون هناك مصر، وكلمة ينتابون تعني أنهم يأتون من أطراف قريبة من مزارع وبساتين، فهذه أطراف، وليس معنى ذلك أن القرى التي هي نائية وبعيدة وليس حولها مسجد جامع يصلون فيه لا يجمِّعون، فما داموا مستوطنين ومستقرين في نفس القرية فيجمِّعون ولو كانوا قليلين، فالقرى والمدن كلها يجمع فيها، فأهل القرية التي ليست مصراً، وهي صغيرة ولكنها بعيدة ومستقلة يجمِّعون، وأي شيء يمنع من صلاتهم الجمعة؟! حكم اشتراط المرأة أن يكون الطلاق بيدها السؤال: نقل عنكم يا شيخ قولكم: إذا اشترطت المرأة لنفسها الطلاق في العقد فلها ذلك، فهل هذا صحيح؟ الجواب: لا، لكن لها أن تشترط أنه لا يتزوج عليها، هذا الذي قلته، وأما كونها تشترط أن الطلاق يكون بيدها فهذا لا يصح؛ لأن الطلاق لمن أخذ بالساق. حكم صلاة الجمعة لمن كانوا في مكان نزهة وليسوا مسافرين السؤال: كنا في نزهة ولسنا بمسافرين، وكان ذلك يوم الجمعة، فهل علينا أن نصلي جمعة علماً بأنه يوجد مسجد بقرية قريبة منا لكنهم لا يصلون فيه الجمعة؟ الجواب: لا يجوز لمن كانوا في نزهة أن يجمِّعوا، ولا يصلح أن الناس في يوم الجمعة يذهبون للنزهة ويتركون الجمعة، ولكن إذا احتاجوا إلى ذلك فيذهبون ويكونون وقت صلاة الجمعة في مكان قريب من مسجد تقام فيه جمعة، فإذا جاء الوقت صلوا معهم، أما كونهم يتركون الجمعة ويذهبون للتنزه فهذا خطأ، فإن الناس يأتون إلى الجمعة من العوالي وهؤلاء يخرجون ويتركونها! حكم قراءة السجدة في الركعتين في صلاة الفجر يوم الجمعة السؤال: لنا إمام يقرأ في فجر يوم الجمعة بسورة السجدة اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، لكنه يقرأ بسورة السجدة فقط في الركعتين فهل هذا جائز؟ الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يختم سورة السجدة في الركعتين، ولكنه يقرأ سورة السجدة في الركعة الأولى، ويقرأ سورة الإنسان في الركعة الثانية، فالإنسان عليه أن يقتدي بالنبي عليه الصلاة والسلام فيفعل كما فعل صلى الله عليه وسلم. حكم الجمع للمطر بين المغرب والعشاء السؤال: هل يمكن الجمع عند المطر بين صلاة المغرب والعشاء؟ وما الدليل على ذلك؟ الجواب: نعم، وقد ورد ما يدل على ذلك في الليلة المطيرة، فللناس أن يجمعوا بين المغرب والعشاء في وقت المغرب. حكم جمع العصر مع الجمعة السؤال: هل يجوز جمع العصر مع الجمعة؟ الجواب: هذه مسألة خلافية، والذي ينبغي للإنسان ألا يجمع بين الجمعة والعصر، وبعض مشايخنا مثل محمد بن إبراهيم والشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ العثيمين يرون أن ذلك لا يجوز، وبعض أهل العلم يقول: إنه جائز، لكن الأحوط للإنسان ألا يفعل ذلك، بل إن الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله يأمر من فعل ذلك بالإعادة كما في فتاواه، وكون الإنسان لا يفعل هذا هو الذي ينبغي وإن وجد من يقول به، (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك). حكم من لبس المخيط في العمرة للحاجة السؤال: عندي شلل برجلي ولا أستطيع عند أداء العمرة إلا لبس المخيط في رجلي، وأنا أعلم أنه لا يجوز لبس المخيط للمحرم فماذا أعمل؟ الجواب: البس وعليك الفدية، وهي: إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام. حكم الحلف برب المصحف السؤال: ما حكم الحلف برب المصحف؟ الجواب: ليس للإنسان أن يحلف برب المصحف؛ لأن المصحف فيه كلام الله وفيه غير كلام الله، فالورق والحبر والغلاف هذا مخلوق، والكلام الذي فيه غير مخلوق، فالمصحف يشتمل على هذا وهذا، فاللفظ فيه احتمال وإشكال، والألفاظ المحتملة المشكلة ليس للإنسان أن يحلف بها لما فيها من الاحتمال، وإنما يقول إذا أراد أن يحلف: والقرآن أو يقول: وربي، أما أن يقول: ورب المصحف، فلا، فينبغي للإنسان أن يبتعد عن الألفاظ التي فيها شبهة واحتمالات، وخير له أن يأتي بلفظ ليس فيه احتمال."
__________________
|
#253
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [135] الحلقة (166) شرح سنن أبي داود [135] يوم الجمعة يوم عظيم، وقد شرع الله تعالى فيه صلاة الجمعة، وهي تتعلق بها جملة من الأحكام الشرعية، منها وجوبها وفرضيتها على كل مسلم إلا المرأة والعبد والمريض والمسافر والصبي، ومن أحكامها ما يتعلق باجتماعها مع أحد العيدين، ويسن أن يقرأ الإمام فيها بسورتي الجمعة والمنافقون وفي فجرها بالسجدة والإنسان. الجمعة للمملوك والمرأة شرح حديث (الجمعة حق واجب على كل مسلم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الجمعة للمملوك والمرأة. حدثنا عباس بن عبد العظيم حدثني إسحاق بن منصور حدثنا هريم عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض). قال أبو داود : طارق بن شهاب قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئاً ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب: الجمعة للمملوك والمرأة] أي: ما حكمها في حقهما؟ ومعلوم أن المرأة لا تجب عليها الجمعة بإجماع العلماء، والمملوك فيه خلاف بين أهل العلم: منهم من قال بوجوبها عليه إذا كان مخارجاً، أي: متفقاً معه على أن يعمل ويعطي لسيده خراجاً معلوماً، فإنه يكون في هذه الحالة مثل الحر، يتصرف في نفسه، وهو مستقل بعمله، وإنما يدفع لسيده خراجاً معلوماً من المال، وإلا فإنه يتصرف تصرف الأحرار، فإذا كان المملوك غير مرتبط بعمل يعذر صاحبه في التخلف عن الجمعة فإنه يكون حكمه حكم الحر، بمعنى: أن عليه أن يحضر الصلاة، وأما إذا كان غير متمكن أو كان مكلفاً بعمل والأمر يقتضي بقاءه في عمله فإنه يكون معذوراً. وقد أورد أبو داود رحمه حديث طارق بن شهاب رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة)] وهذا فيه أن الجمعة من فروض الأعيان، وأنها فرض عين على كل مسلم، وأنها ليست من قبيل فروض الكفايات، وإنما هي من فروض الأعيان. وقوله: [(على كل مسلم في جماعة)] دليل على أن الجمعة تؤدى جماعة. وقوله: [(إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض)] الصبي مثل المرأة باتفاق العلماء، فالجمعة لا تجب عليه؛ لأنه غير مكلف، ولكن وليه مأمور بأن يأمره أن يصلي وأن يعوده على حضور الجمعة والجماعة، لكنه لا يأثم إذا لم يحصل منه حضور الجمعة والجماعة. وكذلك المريض أيضاً يعذر في ترك الجمعة والجماعة إذا كان لا يستطيع أو يلحقه ضرر بحضور الجماعة، فإنه معذور، قال الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]. ولو حضر الجمعة أحد المعذورين فإنها تجزئه عن الظهر، فهؤلاء الذين لا تجب عليهم الجمعة إذا حضروا الجمعة أجزأتهم الجمعة، ويسقط عنهم ما كان عليهم من الفرض في ذلك الوقت. والمسافر إذا كان سائراً فإنه لا تجب عليه الجمعة، ولكنه إذا حضر وصلى أجزأته، وإذا كان في البلد مقيماً فإن حكمه حكم المقيمين إذا سمع النداء فعليه أن يشهد الصلاة، ولا يجلس في بيته وهو مستقر مقيم، أما المسافر السائر فلا تلزمه الجمعة، ولكن إذا كان هناك مسجد في الطريق ونزل وصلى فيه فلا شك في أن ذلك خير. تراجم رجال إسناد حديث (الجمعة حق واجب على كل مسلم...) قوله: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم ]. هو عباس بن عبد العظيم العنبري البصري، ثقة أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني إسحاق بن منصور ]. هو إسحاق بن منصور السلولي صدوق أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وإسحاق بن منصور اثنان: أحدهما: إسحاق بن منصور الكوسج ، والثاني: إسحاق بن منصور السلولي ، وهما في طبقتين، فإذا جاء في طبقة شيوخ البخاري وأهل السنن فهو إسحاق بن منصور الكوسج ، وإذا جاء في طبقة شيوخ شيوخهم فهو إسحاق بن منصور السلولي . [ حدثنا هريم ]. وهريم بن سفيان، صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ]. إبراهيم بن محمد بن المنتشر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قيس بن مسلم ]. قيس بن مسلم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طارق بن شهاب ]. طارق بن شهاب رضي الله عنه صحابي صغير رأى النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو داود : [لم يسمع منه شيئاً] وحديثه من مراسيل الصحابة، ومراسيل الصحابة مقبولة وحجة؛ لأنهم غالباً إنما يروون ويأخذون ويتلقون عن الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الجمعة في القرى شرح حديث (ذكر أول جمعة جمعت في الإسلام ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الجمعة في القرى. حدثنا عثمان بن أبي شيبة و محمد بن عبد الله المخرمي -لفظه- قالا: حدثنا وكيع عن إبراهيم بن طهمان عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إن أول جمعة جمعت في الإسلام بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة لجمعة جمعت بجواثا قرية من قرى البحرين) قال عثمان : قرية من قرى عبد قيس ]. أورد أبو داود رحمه الله: [باب الجمعة في القرى] يعني أنها تكون في القرى كما تكون في المدن وليست مقصورة على المدن الكبيرة التي فيها المنازل الكثيرة، وإنما القرية التي فيها عدد قليل من الناس مستوطنون، ولهم أبنية هم ساكنون فيها، وليسوا رحلاً ينتقلون من مكان إلى مكان طلباً للعشب كما هو شأن أهل البادية الذين يتتبعون العشب ونزول الأمطار. فإذا كان هناك أناس مستوطنون في قرية فإنها تجب عليهم الجمعة، وليس لهم أن يتركوا الجمعة ويصلوا ظهراً، بل عليهم أن يصلوا الجمعة، وليس الأمر مقصوراً على المدن الكبار، وإنما القرى أيضاً حكمها حكم المدن. وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس في قصة عبد القيس وأول جمعة جمعت بعد مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك في مسجد جواثا، وهي قرية من قرى البحرين، وهي لعبد القيس من قبيلة ربيعة، الذين وفدوا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام في زمن مبكر وقالوا: (يا رسول الله! إنا لا نصل إليك إلا في شهر حرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، فمرنا بأمر نعمل به ونخبر به من وراءنا) فالرسول صلى الله عليه وسلم علمهم، وبعد رجوع وفدهم صلوا الجمعة في مسجدهم، وكان قدومهم إلى المدينة في زمن مبكر حيث لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه أن يوصيهم، وأخبروه أن بينهم وبينه كفار مضر، وأنهم لا يستطيعون أن يأتوا إليه إلا في الشهر الحرام الذي يعظمه الكفار، فأوصاهم الرسول صلى الله عليه وسلم بوصايا، وسألوه أسئلة وأجابهم عنها صلى الله عليه وسلم. والمقصود أنهم جمعوا في قرية، وهذا دليل على مشروعية إقامة الجمع في القرى، وليس الأمر خاصاً بالأمصار والمدن، بل هو لها ولغيرها مما فيه الاستيطان والاستقرار، فهذا يدل على ما ترجم له المصنف من إقامة الجمعة في القرى كما تقام في المدن. وقرية جواثا في بلاد البحرين، والمقصود ببلاد البحرين جهة شرق الجزيرة على الساحل، والآن في اصطلاح الناس تطلق على الجزر التي في وسط البحر، لكن البحرين قديماً كانت تطلق على المنطقة التي على الساحل كلها. وبالنسبة للبدو الرحل الذين يقيمون في مكان قرابة ستة أشهر مثلاً فإنهم لا يجمعون ولو مكثوا طويلاً؛ لأن من شرط التجميع الاستقرار في قرى، وليس في بيوت شعر ينتقلون من مكان إلى مكان ويتحولون من مكان إلى مكان طلباً للعشب. تراجم رجال إسناد حديث (ذكر أول جمعة جمعت في الإسلام ...) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ و محمد بن عبد الله المخرمي ]. هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ لفظه ]. يعني أنه ساق لفظ الشيخ الثاني، الذي هو محمد بن عبد الله بن المبارك . [ قالا: حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن طهمان ]. إبراهيم بن طهمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي جمرة ]. هو نصر بن عمران الضبعي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي جمرة ، وهو يروي عن ابن عباس ، ويوجد آخر يشابهه في الرسم وهو أبو حمزة يروي عن ابن عباس ، والتصحيف يمكن أن يكون بينهما، فهذا أبو جمرة وذاك أبو حمزة فليس بينهما فرق إلا في النقط، والأول هو المكثر من الرواية عن ابن عباس ، بل جاء في صحيح البخاري في باب أداء الخمس من الإيمان أن ابن عباس قال له: (ألا أجعل لك جعلاً على أن تبلغ عني)، يعني أن يبلغ الذي يحدث به ابن عباس لمن لا يسمع لبعد مكانه، ولهذا قال الحافظ ابن حجر : وهو حجة في اتخاذ المحدث المستملي. فأبو جمرة كان ملازماً لابن عباس ، ويروي عن ابن عباس كثيراً، بخلاف أبي حمزة القصاب الذي كنيته قريبة في الرسم من كنية أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي . [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين. شرح أثر ترحم كعب بن مالك على أسعد بن زرارة لجمعه بهم أول جمعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك -وكان قائد أبيه بعد ما ذهب بصره- عن أبيه كعب بن مالك رضي الله عنه: (أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة فقلت له: إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة ! قال: لأنه أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له: نقيع الخضمات، قلت: كم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون) ]. أورد أبو داود حديث كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصحابي المشهور صاحب القصة المشهورة في التخلف عن تبوك، وأورد عنه أبو داود رضي الله عنه هذا الحديث الذي فيه أن ابنه عبد الرحمن كان قائده لما عمي وفقد بصره، وكان أبوه إذا سمع الأذان يوم الجمعة ترحم على أسعد بن زرارة ، فسأله ابنه عن سبب هذا الترحم عليه، فأخبره بأنه يتذكر أول جمعة جمعت، وكان الذي صلى بهم الجمعة وجمع بهم هو أسعد بن زرارة رضي الله تعالى عنه، وكان ذلك في المدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إليها، وكان ذلك في هزم النبيت في حرة بني بياضة، يعني: في ذلك المكان جمع بهم وصلى بهم الجمعة، وهو أول من صلى بهم الجمعة، وكان عدد المصلين أربعين، وهذا يدل على إقامتها في القرى. واستدل به بعض أهل العلم على أن عدد المصلين يوم الجمعة لا يقل عن أربعين؛ لأن أول جمعة جمعت كان عددهم فيها أربعين، قالوا: فلا ينقص العدد في الجمعة عن أربعين، لكن هذا الحديث لا يدل على اشتراط الأربعين، وإنما فيه بيان أنه حصل اتفاقاً أنهم كانوا أربعين، فليس فيه دليل على اشتراط هذا العدد، وأنه لا ينقص عدد المصلين يوم الجمعة عن هذا العدد، بل يجوز أقل من ذلك، ففي الحديث أن الصحابة لما سمعوا بالعير ذهبوا وما بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً، بل يجوز أن يصلي الجمعة ثلاثة إذا كانوا أهل القرية، وهم مستقرون ومستوطنون، فإنهم يصلون الجمعة والجماعة؛ لأنه لم يأت حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقدار عدد الذين تنعقد بهم الجمعة. والجمعة التي صلاها أسعد بن زرارة بأهل المدينة كانت قبل الهجرة، قبل أن يبنى مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، وقبل أن يبنى مسجد قباء. تراجم رجال إسناد أثر ترحم كعب بن مالك على أسعد بن زرارة لجمعه بهم أول جمعة قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن إدريس ]. هو عبد الله بن إدريس، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة. [ عن محمد بن أبي أمامة بن سهل ]. هو محمد بن أمامة بن سهل بن حنيف، ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. هو أبو أمامة بن سهل بن حنيف، واسمه أسعد ، وقيل: إن له رؤية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ]. عبد الرحمن بن كعب بن مالك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا وتاب الله عليهم وذكرهم في آخر سورة التوبة بقوله تعالى: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ [التوبة:117] إلى أن قال: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ [التوبة:118].. الآية، فكعب بن مالك رضي الله عنه هو أحد هؤلاء الثلاثة، وقد نجاه الله بالصدق، ولهذا لما ذكرهم الله عز وجل قال بعد الآية التي فيها ذكرهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119] أي: كونوا مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الصدق. إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد شرح حديث (أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا إسرائيل حدثنا عثمان بن المغيرة عن إياس بن أبي رملة الشامي أنه قال: (شهدت معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما وهو يسأل زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال: من شاء أن يصلي فليصل) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب: إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد] يعني: إذا وافق عيد الأضحى أو عيد الفطر يوم الجمعة فما الحكم؟ هل يلزم كل مسلم أن يصلي العيد وأن يصلي الجمعة، أو أنه إذا حضر العيد فإنه يجزئه عن الجمعة، بمعنى أنه لا يلزمه حضورها ولكنه يصلي ظهراً حيث لم يحضر الجمعة؟ والجواب أن من صلى العيد فإنه مرخص له أن يتخلف عن الجمعة، ولا يلزمه أن يحضر العيد ويحضر الجمعة، بل إذا حضر العيد فإنه مرخص له أن يتخلف عن الجمعة، فأهل الأطراف وأهل العوالي وأهل الأماكن البعيدة الذين يأتون من خارج البلد إذا قدموا للعيد في ذلك اليوم فلهم أن يرجعوا إلى أماكنهم ولا يصلون الجمعة ذلك اليوم، ولا يلزمهم أن يعودوا مرة ثانية إلى الجمعة، ولا يلزمهم أن يبقوا من أجل أن يصلوا الجمعة إذا جاءوا لصلاة العيد؛ لأن الاجتماع الأعظم الكبير الذي اعتادوه في كل يوم جمعة قد حصل في صلاة العيد، فلهذا جاء الترخيص لهم بأن يتخلفوا، ولكنهم إذا تخلفوا لا بد من أن يصلوا الظهر؛ لأن فرض الظهر لا بد منه، فهو لا يسقط، والله تعالى فرض خمس صلوات في كل يوم وليلة، سواءٌ أكان يوم عيد وافق جمعة أم غير ذلك، فلا بد من أداء الصلوات الخمس في كل يوم وليلة، ولكن إذا حصل اجتماع يوم عيد مع الجمعة فإنه يرخص في التخلف عن الجمعة؛ لأن الاجتماع الذي كان مطلوباً في الجمعة قد وجد في صلاة العيد في ذلك اليوم، ففي الحديث دليل على أن من حضر العيد يرخص له في ترك الجمعة، وأن من أراد أن يصلي الجمعة فلا شك في أن ذلك خير له وأفضل وأولى، ولكن من حضر العيد فليس ملزماً بالجمعة، وليس آثماً لو تخلف عن الجمعة، لكن لا بد من صلاة الظهر. وفيه إطلاق العيد على الجمعة، وأن يوم الجمعة يقال له: يوم عيد، فهو عيد الأسبوع؛ لأن الحديث فيه [أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم؟] فقال: نعم. يعني: اجتمع في يوم واحد الجمعة والعيد، فهذا يدلنا على إطلاق لفظ العيد على الجمعة وأنه يقال له: يوم عيد، وهو عيد المسلمين الأسبوعي، ولهذا جاء النهي عن إفراده بالصوم، ولكن إذا صيم ومعه غيره فلا بأس بذلك، وأما إذا صيم وحده فإن ذلك لا يجوز، والنبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على أم المؤمنين جويرية وقد صامت يوم الجمعة قال لها: (أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري) فدل هذا على أنه لا يجوز إفراده بالصوم ولكن يصام معه يوم قبله أو يوم بعده أو قبله وبعده. ففيه إطلاق العيد على الجمعة، وقد جاء ذلك في بعض الآثار كما في خطبة أمير المؤمنين عثمان بن عفان التي أوردها البخاري في صحيحه حيث خطب الناس وقال لهم: (إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان). تراجم رجال إسناد حديث (أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عثمان بن المغيرة ]. عثمان بن المغيرة ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن إياس بن أبي رملة الشامي ]. إياس بن أبي رملة الشامي مجهول أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن زيد بن أرقم ] هو زيد بن أرقم رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث في سنده مجهول، ولكن له شواهد، فهو ثابت، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ما دل عليه، فالحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________________
|
#254
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح أثر ترك ابن الزبير صلاة الجمعة والظهر يوم العيد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن طريف البجلي حدثنا أسباط عن الأعمش عن عطاء بن أبي رباح أنه قال: (صلى بنا ابن الزبير رضي الله عنهما في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحداناً، وكان ابن عباس بالطائف، فلما قدم ذكرنا ذلك له فقال: أصاب السنة) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن ابن الزبير رضي الله عنه صلى بهم أول النهار صلاة العيد ثم ذهبوا إلى صلاة الجمعة فلم يخرج إليهم فصلوا وحداناً، ولما أخبروا ابن عباس بالذي صنع ابن الزبير قال: [أصاب السنة] أي: في كون الجمعة ليست بلازمة على من حضر العيد، لكن بعض أهل العلم قال: إن الإمام عليه أن يجمع ويحضر معه من يحضر، وقد جاء في حديث أبي هريرة الذي سيأتي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإنا مجمعون) لما رخص للناس في التخلف عن الجمعة، فدل قوله: (وإنا مجمعون) على أن من أراد أن يحضر فليحضر، ولكنه ليس بلازم؛ لأن المقصود من الاجتماع الأسبوعي الذي يجتمع فيه العدد الكبير من المسلمين قد تحقق ذلك في هذا اليوم في صلاة العيد، فمن حضره فإنه مرخص له أن يتخلف عن الجمعة؛ لأن الاجتماع الذي يحصل في كل أسبوع قد وجد في أول النهار. وقول ابن عباس رضي الله عنه: [أصاب السنة] أي: أصاب سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابي إذا قال: (هذا سنة) أو: (هذا من السنة) فله حكم الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والظاهر أن ابن الزبير صلى في بيته وما خرج إليهم للجمعة، لكن حديث أبي هريرة الذي سيأتي فيه أن الإمام يجمع وأن من شاء أن يتخلف عن الجمعة فله ذلك ولا يأثم، ولا يؤاخذ، ولا يعاقب، وهذا الذي جاء عن ابن الزبير رضي الله تعالى عنه وأرضاه فيه دلالة على أنهم ما تركوا صلاة الظهر، وإنما جاءوا من أجل الجمعة، ولكنه لما لم يحضر صلوا وحداناً، أي: صلوا الظهر؛ لأن الظهر هي فرض الوقت، وهي ضمن خمس صلوات في كل يوم وليلة، فقد قال عليه الصلاة والسلام لمعاذ حين بعثه إلى أهل اليمن: (فإن هم أجابوك لذلك - أي: للشهادتين والدخول في الإسلام - فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة) فلا تسقط الصلاة في أي يوم من الأيام عن أحد من الناس المكلفين، بل هي لازمة لهم ومتعينة عليهم، والإنسان يصلي على حسب طاقته وقدرته، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وعلى هذا فمن قال من أهل العلم: إن صلاة الظهر تسقط يوم العيد، وإن الإنسان لا يصلي الظهر في ذلك اليوم فقوله غير صحيح، والصحيح أنها تصلى كما كانت في الأصل، فهي فرضت ظهراً أولاً، والجمعة فرضت فيما بعد، ولهذا فإن من لا يحضر الجمعة فإنه يبقى على الأصل فيصلي ظهراً كالنساء وكغير النساء ممن لا يحضر الجمعة، فمن تخلف عن الجمعة فإنه يصلي ظهراً ولا يصلي جمعة؛ لأن الجمعة لا بد فيها من الصلاة على الهيئة المعروفة التي يتقدمها الخطبتان، وتصلى ركعتين، وأما الظهر فهي الأصل، ومن لا يحضر الجمعة فإن فرضه الظهر ولا تسقط عنه الظهر بحال من الأحوال، فالقول بأنها تسقط يوم العيد وأنها لا تصلى في ذلك اليوم غير صحيح، وليس هناك دليل واضح يدل عليه، وحديث أبي هريرة الذي سيأتي يدل على أنها لا تسقط، وكذلك حديث زيد بن أرقم يدل على أنها لا تسقط، وأثر ابن الزبير ليس فيه دليل على أنه ما صلى الظهر؛ لأن أصحابه جاءوا للصلاة. وقوله: [ (قال: فلم يخرج إلينا فصلينا وحداناً) ] يفيد أنهم صلوا وحداناً، فيحتمل أن يكون معنى (وحداناً) أنهم كانوا يصلون جماعات متتابعة، ويحتمل أن كل واحد منهم صلى الظهر وحده، و ابن الزبير صلى الظهر في بيته. وقول ابن عباس : [أصاب السنة] يعني كونه ما حصل منه الإلزام بصلاة الجمعة، لعل هذا هو المقصود، وإلا فحديث أبي هريرة واضح في وقوع التجميع من الإمام، فالمسجد الذي تصلى فيه الجمعة لا تترك فيه الجمعة، بل يصلي الإمام الجمعة مع من يحضر معه. ومن لم يحضر العيد يلزمه أن يحضر الجمعة؛ لأن الترخيص إنما هو لمن شهد صلاة العيد، وهذا من الأدلة التي يستدل بها بعض أهل العلم على أن العيد فرض عين، فمن أقوى أدلتهم على أنها فرض عين كون من حضر العيد تسقط عنه الجمعة ويرجع إلى الظهر، فلولا أن العيد فرض عين لما كانت الظهر تجزئ عن الجمعة. ومن لم يحضر الجمعة هل يصلي الظهر منفرداً أو في جماعة؟ الأظهر أن الأمر يرجع إلى ما كان عليه في غير يوم الجمعة، ومن المعلوم أن الجماعة واجبة ولازمة، وأن الناس يصلون جماعات في مساجدهم، وإنما الذي سقط عنهم كونهم ملزمين بأن يتركوا مساجدهم ويذهبوا إلى الجمعة، وإذا صلى الإنسان جماعة حصل المقصود، وإن لم يصل جماعة فإنه يصلي الظهر وحده. تراجم رجال إسناد أثر ترك ابن الزبير صلاة الجمعة والظهر يوم العيد قوله: [ حدثنا محمد بن طريف البجلي ]. محمد بن طريف البجلي صدوق أخرج حديثه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا أسباط ]. هو أسباط بن محمد القرشي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن أبي رباح ]. هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره. شرح أثر صلاة ابن الزبير العيد والجمعة في ركعتين قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن خلف عن أبي عاصم عن ابن جريج أنه قال: قال عطاء : (اجتمع يوم الجمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير رضي الله عنهما فقال: عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعاً فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر) ]. هذه الرواية عن ابن الزبير مشكلة، وهي تختلف عن الرواية السابقة، والرواية السابقة هي الأوضح والأنسب والأليق في حق ابن الزبير رضي الله تعالى عنه، وأنه ما اكتفى بصلاة العيد عن الجمعة، والرسول عليه الصلاة والسلام أخبر أنه سيصلي العيد وأنه سيجمع، فهذه غير هذه، ولا تكون صلاة واحدة يجتمع فيها صلاتان، والروايتان كلاهما عن عطاء بن أبي رباح ، وهي حكاية فعل حصل من ابن الزبير ، وعلى هذا فالرواية الأرجح هي الأولى التي جاءت من طريق الأعمش ، فهي أرجح من الطريق التي جاءت من طريق ابن جريج المكي ، وفيها أن ابن الزبير ركعهما ركعتين عن الجمعة وعن العيد في الصباح، وأنه لم يزد عليهما حتى صلى العصر، ومعنى هذا أنه لم يصل الجمعة ولا الظهر، فالإشكال في كونه جمعهما فصلى صلاة واحدة عن العيد وعن الجمعة، وهذا غير مستقيم؛ لأن الجمعة شيء والعيد شيء، ولكن الشيء الذي جاءت به السنة أن من حضر العيد يمكنه أن يتخلف عن الجمعة، وأن أهل الأطراف وأهل العوالي الذين جاءوا في الصباح ليحضروا صلاة العيد إذا رجعوا إلى منازلهم وإلى أماكنهم لهم أن يصلوا الظهر جماعة، ولكن كونه يأتي بصلاة واحدة وينوى بها صلاة الجمعة والعيد غير مستقيم، وهذه حكاية من عطاء لما حصل من ابن الزبير ، والرواية الأولى تفيد أنهم صلوا العيد ثم جاءوا للجمعة، وأنه لم يخرج إليهم هي الأظهر والأقرب، وبعض أهل العلم يقولون: الظهر تسقط عمن حضر العيد، ويستدلون بهذه الرواية عن ابن الزبير ، وهي أنه صلى في الصباح ثم لم يحصل أنه صلى إلا العصر، ويفهم من هذا أنه ما صلى الظهر، ولكن هذا غير واضح، والرواية الأولى هي الأظهر، وهي لا تدل على أنه جمعهما في صلاة واحدة، ونوى بهما الجمعة والعيد. تراجم رجال إسناد أثر صلاة ابن الزبير العيد والجمعة في ركعتين قوله: [ حدثنا يحيى بن خلف ]. يحيى بن خلف صدوق أخرج حديثه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبي عاصم ]. هو الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مدلس، وهنا روى بـ(قال)، و(قال) مثل (عن)، فهناك احتمال سقوط واسطة بين ابن جريج وبين عطاء بن أبي رباح . [ قال عطاء ]. عطاء بن أبي رباح مر ذكره. وابن الزبير هو عبد الله بن الزبير بن العوام صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام. لابد من صلاة الجمعة أو الظهر في يوم العيد إذا وافق الجمعة ورواية الأعمش هي الموافقة لما جاء في الروايات الأخرى التي في حديث زيد بن ثابت وحديث أبي هريرة، متفقة معها من جهة أن الظهر تصلى، وأنه لا يكتفي بصلاة العيد عن صلاة الجمعة والظهر، والرواية السابقة التي فيها إقرار ابن عباس لابن الزبير وقوله: (أصاب السنة) هي حكاية من عطاء ، وقول ابن عباس : (أصاب السنة) يحمل على الروايات الأخرى التي فيها بقاء الظهر وعدم سقوطها، وبعض الإخوان في جامعة أم القرى كتب بحثاً خاصاً في هذه المسألة، ورجح أن صلاة الظهر لا تسقط يوم العيد، وسماها: (الطهر في أداء صلاة الظهر) يعني: إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد، وهي رسالة مطبوعة. والألباني صحح هذه الرواية وغيرها، لكنها مشكلة في الحقيقة؛ لأن ظاهرها أنه جمع بينهما، وبعض أهل العلم قال: إنه اعتبر الجمعة هي الأصل والعيد تبعاً لها، يعني أنه أتى بالجمعة قبل الزوال، لكن الروايات عن ابن الزبير ليس فيها شيء من هذا، ولا أنه نوى بالعيد الجمعة، بل الذين صلوا معه العيد جاءوا بعد ذلك ليصلوا الجمعة كالمعتاد. شرح حديث (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المصفى و عمر بن حفص الوصابي المعنى، قالا: حدثنا بقية حدثنا شعبة عن المغيرة الضبي عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون) قال عمر : عن شعبة ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه اجتمع عيدان -عيد الأضحى أو الفطر- في يوم جمعة الذي هو عيد الأسبوع، فقال صلى الله عليه وسلم: [(فمن شاء أجزأه من الجمعة)] أي: يكفيه عن الجمعة [(وإنا مجمعون)] فمن حضر معنا وأدى معنا الجمعة حصل منه الاجتماع الأول والاجتماع الثاني، ومن اكتفى بالاجتماع الأول الذي هو العيد فإنه يجزئه عن الحضور للجمعة، ومعنى هذا أن أهل الأطراف وأهل العوالي إذا جاءوا في الصباح ورجعوا لا يأتون إلى الجمعة، بل يصلون الظهر في مساجدهم وفي أماكنهم. تراجم رجال إسناد حديث (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان) قوله: [ حدثنا محمد بن المصفى ]. محمد بن المصفى صدوق له أوهام، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و عمر بن حفص الوصابي ]. عمر بن حفص الوصابي مقبول أخرج حديثه أبو داود . [ المعنى ]. يعني: هذان الشيخان متفقان في المعنى مع اختلاف الألفاظ. [ قالا: حدثنا بقية ]. هو بقية بن الوليد، وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المغيرة الضبي ]. هو المغيرة بن مقسم الضبي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا هو الذي قيل عنه أنه احتلم وعمره ثلاث عشر سنة، وأعجب منه أن عمرو بن العاص رضي الله عنه حيث ولد له وعمره ثلاث عشرة سنة، فقد كان بينه وبين ابنه عبد الله ثلاثة عشر عاماً، فدل على أنه احتلم في سن مبكر. [ عن عبد العزيز بن رفيع ]. عبد العزيز بن رفيع ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. أبو صالح هو ذكوان السمان، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال عمر : عن شعبة ]. يعني أن في رواية الشيخ الأول -وهو محمد بن المصفى - قال بقية : حدثنا شعبة ، وأما في رواية الشيخ الثاني -وهو عمر الوصابي - فإن رواية بقية فيها بالعنعنة، و بقية مدلس، وقد صرح بالتحديث في رواية الشيخ الأول، ومعنى هذا أن الشيخين لم يتفقا في صيغة بقية . ما يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة شرح حديث (قراءته صلى الله عليه وسلم بالسجدة والإنسان في صبح يوم الجمعة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة. حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن مخول بن راشد عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة تنزيل السجدة و هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ [الإنسان:1]) ]. أورد أبو داود رحمه الله [ما يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة] يعني: ما هي السور التي تقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة؟ وأورد حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيهما بـ(الم) السجدة و (( هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ )) قيل: الحكمة من الإتيان بهاتين السورتين اشتمالهما على أحوال الموت والبعث؛ وذلك أن يوم الجمعة هو اليوم الذي تقوم فيه الساعة، وهو الذي يحصل فيه البعث والنشور كما سبق أن مر في فضل يوم الجمعة، وفيه الصعقة، وفيه النفخة، فقراءة هاتين السورتين في يوم الجمعة تذكير بما سيجري في ذلك اليوم من البعث والنشور وما إلى ذلك، وليس المقصود من قراءة سورة السجدة كون السورة فيها سجدة، وأن للإنسان أن يقرأ سورة أخرى فيها سجدة تغني عن سورة السجدة، ليس هذا هو المقصود؛ لأنه لا يوجد ما يدل على أن المقصود السجدة، ولكن اختيار هاتين السورتين وهما مشتملتان في أوائلهما على البعث وعلى الموت هو السبب في اختيارهما والإتيان بهما في صلاة الصبح. وبعض أهل العلم يقول: لا يداوم على قراءتهما حتى لا يعتقد العوام أنها واجبة ولازمة، فإذا حصلت المداومة عليهما يوم الجمعة وتركت قراءتهما مرة لاستغرب العوام وتعجبوا من ذلك، فلا ينبغي المداومة عليهما باستمرار بحيث لا يتركهما أبداً، ولكن يقرأ بهما كثيراً، أما قراءة سورة سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] وهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] في صلاة الجمعة فقد ثبتت بذلك السنة، وجاء فيها قراءة سورة الجمعة والمنافقون. تراجم رجال إسناد حديث (قراءته صلى الله عليه وسلم بالسجدة والإنسان في صبح يوم الجمعة) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. هو الوضاح بن عبد الله اليشكري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مخول بن راشد ]. مخول بن راشد، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسلم البطين ]. هو مسلم بن عمران البطين، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ] قد مر ذكره. شرح حديث قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقون قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة عن مخول بإسناده ومعناه، وزاد في صلاته الجمعة (بسورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون) ]. هذه طريق أخرى، وفيها زيادة أنه كان يقرأ في الجمعة بسورة الجمعة وسورة المنافقين، قيل: الحكمة من قراءة سورة الجمعة وسورة المنافقون في صلاة الجمعة هي أن الجمعة مشتملة على ذكر شيء من أحكام الجمعة، وفيها تذكير بالجمعة وبالذكر بعد الجمعة وابتغاء فضل الله بعد الجمعة. وأما سورة المنافقون فقيل: يقرأ بها ليسمع المنافقين الذين يحضرون الجمعة، ففي هذه السورة فضحهم وبيان مخازيهم وبيان ما هم عليه من الشر، وما أصابهم من البلاء العظيم في وقوعهم في النفاق. تراجم رجال إسناد حديث قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقون قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. مسدد بن مسرهد مر ذكره، و يحيى هو ابن سعيد القطان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. مر ذكره. [ عن مخول ]. مر ذكره. [ بإسناده ومعناه ]. يعني: بالإسناد الذي تقدم بعد مخول ، وأيضاً بمعنى المتن، ولكن فيه هذه الزيادة التي تتعلق ببيان القراءة في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقون."
__________________
|
#255
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [136] الحلقة (167) شرح سنن أبي داود [136] للجمعة أحكام وآداب على المسلم أن يراعيها، ومن ذلك استحباب لبس أحسن الثياب لها، والتبكير إليها، وعدم التحلق قبل الصلاة، والانشغال بالذكر والصلاة إلى أن يأتي الإمام. اللبس للجمعة شرح حديث حلة عطارد [ قال المصنف رحمه الله تعالى: باب اللبس للجمعة. حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر (أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء -يعني: تباع عند باب المسجد- فقال: يا رسول الله! لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة) ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة، فقال عمر : كسوتنيها -يا رسول الله- وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أكسكها لتلبسها، فكساها عمر أخاً له مشركاً بمكة) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب اللبس للجمعة] يعني: لبس الثياب الحسنة والجميلة والنظيفة للجمعة، والمقصود من هذا أن الجمعة يتجمل لها بلبس أحسن الثياب، وقد وردت السنة بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الحديث الذي أورده أبو داود رحمه الله في هذه الترجمة، وهو حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى حلة سيراء تباع عند باب المسجد فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: لو اشتريتها تلبسها للجمعة وللوفد إذا جاءوا. فقال عليه الصلاة والسلام: [(إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة)] فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم حلل مثل هذه الحلة، فأعطى عمر بن الخطاب رضي الله عنه منها واحدة، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: [كسوتنيها -يا رسول الله- وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟!] فقال: [(إنني لم أكسكها لتلبسها)] يعني: وإنما لينتفع بها، فأهداها عمر رضي الله عنه لأخ له مشرك في مكة. والحديث يدل على التجمل للجمعة من جهة أن عمر رضي الله عنه عرض على النبي صلى الله عليه وسلم أن يشتري هذه الحلة للجمعة وللوفد إذا قدموا، فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا، وهذا شيء مستقر عندهم، ولكن الذي أنكره الرسول عليه الصلاة والسلام أنها حرير، والحرير لا يلبسه الرجال وقال: [(إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة)] يعني: ممن لا يصلح له لبسه وهم الرجال، وأما النساء فقد أبيح لهن لبس الحرير كما ثبتت السنة في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقد أخذ ذهباً وحريراً وقال: (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها)، فالرجال لا يحل لهم لبس الحرير؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: [(إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة)] يعني: من لا نصيب له في الآخرة، فدل هذا على ما ترجم له المصنف من التجمل للجمعة؛ لأن عمر رضي الله عنه وأرضاه لما عرض عليه ذلك لم ينكر عليه السبب الذي ذكره، وهو استعمال ذلك للجمعة وللوفود إذا قدموا، وإنما أخبره بأن مثل هذه الثياب لا يلبسها إلا من لا خلاق له في الآخرة، فهذا هو الذي أنكره صلى الله عليه وسلم، وأما أصل التجمل فإن هذا ثابت ومستقر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم. ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءته حلل من جنسها، فأعطى عمر واحدة منها، فتذكر عمر رضي الله عنه قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: [(إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة)] فقال: إنك قلت في حلة عطارد ما قلت؟ ! فقال عليه الصلاة والسلام: [(إني لم أما كسكها لتلبسها)] فأعطاها عمر رضي الله عنه أخاً له مشركاً بمكة. فعمر رضي الله عنه راجع النبي عليه الصلاة والسلام حيث تذكر قوله، فبين له النبي عليه الصلاة والسلام أن السبب هو إنما أعطاه إياها ليستفيد منها ولينتفع بها في أي وجه من وجوه الانتفاع من غير اللبس للرجال، فيمكن أن تستعملها النساء، ويمكن أن يبيعها ويستفيد من ثمنها، لكن ليس له أن يلبسها، فعمر رضي الله عنه وأرضاه أعطاها أخاً له مشركاً بمكة، فكيف يعطي المشرك شيئاً لا يجوز في الإسلام، وهو لبس الحرير؟ وهل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أو غير مخاطبين؟ والجواب أنه على القول بأنهم غير مخاطبين فلا إشكال، ولكن على القول بأنهم مخاطبون ففي ذلك إشكال، ويكون الجواب عن هذا الإشكال أن المشرك عندما يعطاها عليه أن يبيعها ويستفيد من ثمنها، أو يعطيها لامرأة تستفيد منها وتستعملها، وأما الرجال فإنهم لا يستعملونها، فعلى القول بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة يكون الأمر مثل ما حصل لعمر ، والكافر لا يعطاها ليلبسها وإنما لينتفع بها، والقول بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة قول قوي، وفائدة ذلك أنهم مخاطبون بالأصول والفروع، ويؤاخذون على ترك الأصول والفروع، ولكن لو حصلت منهم الفروع قبل أن تحصل منهم الأصول فإنه لا يعتد بها ولا عبرة بها؛ لقول الله عز وجل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، ولكنهم مخاطبون بالأصول وبالفروع، ويحصل لهم إثم ترك الأصول وإثم ترك الفروع، ولا تقبل منهم الفروع بدون الأصول، بل هم مطالبون بالأصول أن يأتوا بها وأن يأتوا بعدها بالفروع. وعطارد هو صاحب الحلة التي عرض عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتريها منه، واسمه عطارد بن حاجب التميمي ، وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم وأسلم، فهو صحابي، وهو الذي كان يبيع هذه الحلل، وبيع الحرير وتملكه سائغ ولكن الممنوع أن يلبسه الرجل، وأما المرأة فإنها تلبس الحرير، وقد أبيح لها ذلك في الإسلام، وإنما منع منه الرجال. تراجم رجال إسناد حديث حلة عطارد قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام الفقيه المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث من مسنده لا من مسند أبيه؛ لأنه يحكي أن عمر حصل منه كذا وكذا. حكم البيع عند أبواب المساجد والحلة السيراء هي نوع من الحرير، والبيع عند أبواب المساجد لا بأس به، وإنما الممنوع المساجد، فالمساجد لا بيع فيها ولا شراء، ولا إنشاد ضالة، والمقصود من أبواب المساجد خارج الأبواب والجدران، وإذا كان المسجد له فناء ومساحات تابعة له فهي من ضمن المسجد، وحكمها حكم المسجد، فكل ما تحيط به الجدران والأبواب يعتبر مسجداً، سواءٌ أكان مغطى أم مكشوفاً. وأخو عمر المذكور قيل هو أخوه من أمه أو من الرضاع، أما أخوه من النسب زيد بن الخطاب فإنه أسلم قبل إسلام عمر رضي الله تعالى عنهما. شرح حديث (وجد عمر حلة استبرق تباع بالسوق) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس وعمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (وجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حلة استبرق تباع بالسوق فأخذها فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود) ثم ساق الحديث، والأول أتم ]. أورد المصنف الحديث من طريق آخر، وفيه أن عمر رضي الله عنه وجد حلة تباع في السوق، فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: [ابتع هذه تجمل بها للعيد وللوفود]، وفي الرواية السابقة قال: (للجمعة)، وكل من العيد والجمعة يتجمل له ويلبس فيه أحسن الثياب، سواءٌ أكان جديداً أم نظيفاً مغسولاً. وقوله: [ثم ساق الحديث] يعني: مثل الحديث الذي تقدم [والأول أتم] أي: الحديث الذي هو من رواية نافع عن ابن عمر أتم من رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه، وحلة الإستبرق نوع من الحرير، قيل: هو ما غلظ من الديباج. تراجم رجال إسناد حديث (وجد عمر حلة استبرق تباع بالسوق) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي المصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وعمرو بن الحارث ]. هو عمرو بن الحارث المصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم ]. هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، ثقة فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. قد مر ذكره. شرح حديث (ما على أحدكم أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس وعمرو أن يحيى بن سعيد الأنصاري حدثه أن محمد بن يحيى بن حبان حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما على أحدكم إن وجد -أو: ما على أحدكم إن وجدتم -أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته) قال عمرو : وأخبرني ابن أبي حبيب عن موسى بن سعد عن ابن حبان عن ابن سلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك على المنبر. قال أبو داود : ورواه وهب بن جرير عن أبيه عن يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن موسى بن سعد عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وقد ذكره هنا في الرواية الأولى مرسلاً، فإن محمد بن يحيى بن حبان من التابعين، وقد أضاف ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مرسل، ولكن جاء في الروايات الأخرى ذكر الواسطة وهو ذكر عبد الله بن سلام ، وهو صحابي، وجاء في الرواية الأخيرة ذكر ابنه يوسف بن عبد الله بن سلام وهو صحابي صغير. وهذا الحديث فيه إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الإنسان يجعل له ثياباً يلبسها في الجمعة غير الثياب التي اعتاد لبسها في أثناء الأسبوع، والتي يستعملها في جميع أحواله وفي مهنته وعمله، فيستحب أن يجعل له ثياباً يتجمل بها للجمعة وللعيدين غير الثياب التي اعتاد لبسها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: [(ما على أحدكم إن وجدتم أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته)] ويعني بالثوبين مثل الإزار والرداء أو قطعتين من القماش، والمقصود من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد من وجد وكان عنده قدرة مالية وعنده جدة أن يتخذ ثوبين للجمعة يلبسهما يوم الجمعة غير الثوبين الذين اعتاد لبسهما في جميع أحواله وفي مهنته وعمله؛ لأن اتخاذ مثل ذلك وتهيئته للجمعة فيه تجمل لها، وهو دال على أن الجمعة يتجمل لها ويلبس أحسن الثياب لها. تراجم رجال إسناد حديث (ما على أحدكم أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس وعمرو أن يحيى بن سعيد الأنصاري حدثه ]. تقدم ذكر الأربعة الأولين، ويحيى بن سعيد الأنصاري هو المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن محمد بن يحيى بن حبان ]. محمد بن يحيى بن حبان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ قال عمرو : وأخبرني ابن أبي حبيب عن موسى بن سعد عن ابن حبان عن ابن سلام ]. هذا طريق آخر، وعمرو هو عمرو بن الحارث ، وابن أبي حبيب هو يزيد بن أبي حبيب المصري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وموسى بن سعد مقبول أخرج له مسلم وأبو داود وابن ماجة ، ومحمد بن يحيى بن حبان مر في الإسناد السابق. [ عن ابن سلام ]. وابن سلام هو: عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك على المنبر ]. يعني أنه سمعه يخطب به ويبلغه للناس حتى يكثر الآخذون عنه، وحتى يكثر من يتلقى ذلك عنه؛ لأن تعليم الشيء على المنبر تحصل به كثرة الآخذين وكثرة من يبلغهم ذلك؛ لأنه يكون من جملة ما يخطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه. قوله: [ قال أبو داود : ورواه وهب بن جرير عن أبيه ]. وهب بن جرير بن حازم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن أيوب ]. يحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي حبيب عن موسى بن سعد عن يوسف بن عبد الله بن سلام ]. يوسف بن عبد الله بن سلام له رؤية، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة شرح حديث (ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نهى عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه ضالة، وأن ينشد فيه شعر، ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي النهي عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، والتحلق هو وجود حلقات يكون فيها علم قبل الصلاة، وذلك أن على الإنسان عندما يأتي إلى المسجد أن يشتغل بذكر الله عز وجل، وبقراءة القرآن، وبالصلاة، أما كونه يجلس ويعلم العلم في ذلك الوقت ففيه شغل للناس عن الاشتغال بالصلاة وعن ذكر الله عز وجل، وقد كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم إذا جاءوا المسجد مبكرين يصلون ما كتب الله لهم أن يصلوا ثم يجلسون ولا يقومون إلا للصلاة، وحصول الحلقات العلمية قبل صلاة الجمعة فيها شغل عن الصلاة وعن الذكر، وأيضاً فيها قطع للصفوف وعدم وصل لها، حيث يمنعون الناس أن يتموا الصف الأول فالأول، وفيها شغل للناس عن ذكر الله عز وجل وقراءة القرآن والصلاة، فلهذا نهى رسول الله عليه الصلاة والسلام عن ذلك، ولكن النهي مقيد بما قبل الصلاة، أما بعد الصلاة فلا بأس به؛ لأن النهي قبل الصلاة وليس بعدها، فدل هذا على أن المحذور هو ما قبل الصلاة. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البيع والشراء في المسجد، فلا يجوز البيع والشراء في المساجد؛ لأن المساجد إنما هي لذكر الله وليست للبيع والشراء. وكذلك نهى عن إنشاد الضالة في المسجد، وقد جاء أنه يقال لمن أنشدها: (لا ردها الله عليك). وكذلك نهى عن إنشاد الشعر في المسجد، وقد جاء أن حسان بن ثابت كان ينشد الشعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فكيف يجمع بين هذا وبين النهي؟ قيل في الجمع بينهما: إن النهي المقصود به كراهة التنزيه، وحصول الإنشاد يدل على الجواز، وقيل: الذي جاء إباحة إنشاده هو الشعر الحسن الذي فيه إظهار للحق، وبيان للحق، وهجاء للمشركين الذين يحاربون الدين ويأتون بالكلام الذي لا يليق في الإسلام وأهله، فهجاؤهم وبيان ما هم عليه من الباطل من الأمور الحسنة، وأما إذا كان الشعر لا يليق وفيه أمور غير حسنة فإنه لا ينشد ولا يصلح إنشاده، فيجمع -إذاً- بين الأحاديث بأن يكون النهي للتنزيه وما جاء من إنشاد حسان يدل على الجواز أو أن النهي يكون في الأمور التي لا تليق ولا تنبغي، والجواز في الأمور الحسنة الجيدة المفيدة التي لا محذور فيها. تراجم رجال إسناد حديث (ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو ابن سعيد القطان البصري ، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني ، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة. [ عن عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد ، وهو صدوق أيضاً، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وفي جزء القراءة وأصحاب السنن الأربعة. وشعيب بن محمد يروي عن جده عبد الله بن عمرو ، وليست الرواية عن أبيه محمد ؛ لأن محمداً تابعي، ورواية محمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبيل المرسل؛ لأنه ليس بصحابي، ولكن شعيب بن محمد يروي عن جده، وقد ثبت سماعه من جده عبد الله بن عمرو ، ولهذا جاء في بعض الأحاديث التنصيص على أنه يروي عن جده عبد الله بن عمرو ، فرواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده هي من قبيل المتصل، والجد المروي عنه هو عبد الله بن عمرو الذي هو جد شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو . [ عن جده ]. هو عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. حكم الوعظ قبل صلاة الجمعة فلا يجوز قبل صلاة الجمعة التحلق، سواءٌ كان وعظاً أو تدريساً وكون إنسان يقوم أو يجلس على كرسي ويعظ الناس أو يدرس الناس، والناس يلتفون حوله، ويتجهون إليه ويصغون إليه داخل في النهي عن التحلق يوم الجمعة. والقراءة قبل صلاة الجمعة بصوت يسمعه الآخرون من الأمور المحدثة، وإنما كل إنسان يقرأ لنفسه، وقراءة رجل بصوت مرتفع لا تمكن الآخرين من قراءة القرآن، ويشغل من يريد الصلاة؛ لأن هذه القراءة -كما يوجد في بعض البلدان- قد تكون بمكبر صوت. والتحلق بعد صلاة الفجر يوم الجمعة الذي يظهر لي أنه داخل تحت هذا العموم، فإن من بعد الفجر كله يعتبر قبل الصلاة، وكل ذلك يدخل تحت هذا العموم، وينطبق عليه أنه تحلق يوم الجمعة قبل الصلاة. اتخاذ المنبر شرح حديث قصة بناء المنبر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب اتخاذ المنبر. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري القرشي حدثنا أبو حازم بن دينار (أن رجالاً أتوا سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما وقد امتروا في المنبر مم عوده؟ فسألوه عن ذلك فقال: والله إني لأعرف مما هو، ولقد رأيته أول يوم وضع وأول يوم جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة -امرأة قد سماها سهل - أن مري غلامك النجار أن يعمل لي أعواداً أجلس عليهن إذا كلمت الناس، فأمرته فعملها من طرفاء الغابة، ثم جاء بها فأرسلته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بها فوضعت هاهنا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها وكبر عليها ثم ركع وهو عليها ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس فقال: أيها الناس! إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب اتخاذ المنبر] يعني أنه يستحب اتخاذ المنبر في المساجد التي يخطب فيها الخطيب والتي يصلى فيها الجمعة، حتى يكون الخطيب مرتفعاً بارزاً يراه الناس، ويتمكن الجميع من رؤيته ومن الاستفادة منه، وهذا هو المقصود من الترجمة. وأورد حديث سهل بن سعد رضي الله عنه الدال على استحباب ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر تلك المرأة أن تأمر غلامها أن يصنع له منبراً من أعواد؛ ليخطب على هذه الأعواد إذا كلم الناس، فيكون على مكان مرتفع، وهذا هو محل الشاهد. وسبب حديث سهل بن سعد رضي الله عنه هو أن أناساً تماروا -أي: تجادلوا- في منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أي شيء هو؟ أي: من أي نوع هو من أنواع الخشب؟ فجاءوا إلى سهل بن سعد رضي الله عنه يسألونه فأخبرهم بأنه على علم تام بذلك، وأنه يعلم اليوم الذي أحضر فيه ذلك المنبر، واليوم الذي خطب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمكان الذي وضع فيه، واليوم الذي جلس عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم ذكر القصة وأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لامرأة لها غلام نجار: [(مري غلامك أن يعمل لي أعواداً أجلس عليها إذا كلمت الناس)] يعني: إذا خطب الناس وإذا وعظ الناس وذكر الناس صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فدل هذا على استحباب اتخاذ المنبر، واستحباب وجوده في المساجد حتى يصعد عليه الخطيب؛ ليكون ذلك أبلغ في وصول كلامه إلى الناس، ومشاهدة الناس له ورؤيتهم له. ثم ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما وضع له المنبر صلى عليه، فقام على أعلى المنبر وكبر وركع، ولما جاء السجود نزل القهقرى وسجد في أسفل المنبر، ثم لما جاء في الركعة الثانية رجع، ولما فرغ من صلاته قال: [(إنما يعمل هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي)] يعني: حتى يروه ويشاهدوه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هو القدوة وهو الأسوة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فوقف على هذا المكان البارز حتى يراه الجميع، وحتى يراه غير أهل الصف الأول؛ لأنه مرتفع عن الناس يشاهده أهل الصف الأول ومن وراءهم. ودل هذا -أيضاً- على أن العمل اليسير في الصلاة لا يؤثر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صعد على المنبر ثم نزل وهو في الصلاة، فدل على أن مثل ذلك سائغ، وأنه لا يؤثر في الصلاة شيئاً. وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل القهقرى حتى يبقى إلى جهة القبلة ولا ينصرف إلى الناس ويقبل عليهم؛ لأنه في الصلاة متجه إلى القبلة، فعندما يريد أن يسجد ولا يستطيع السجود ولا يمكنه السجود على المنبر فإنه ينزل القهقرى ثم يسجد على الأرض صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقد جاء في بعض الأحاديث أن المنبر كان ثلاث درجات، وجاء في بعضها أنه درجتين، وجمع بينهما بأنه كان ثلاث درجات، ومن قال: إنه درجتين لم يعد الدرجة التي يجلس عليها. والغابة مكان يقال له: الغابة، والطرفاء شجر فيها، فكان منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اتخذ من هذا النوع من الشجر الذي هو شجر الطرفاء وكان في الغابة، والغابة مكان في شمال المدينة. قوله: [ (فسألوه عن ذلك فقال: والله إن لأعرف مما هو، ولقد رأيته أول يوم وضع، وأول يوم جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. هذا الكلام قاله سهل بن سعد رضي الله عنه ليطمئن الذين سألوه على أنه على علم تام، وقد أقسم على ذلك حتى يزداد اطمئنانهم إلى تمام علمه وإلى معرفته بالشيء الذي سألوه عنه، وقد أجابهم بالذي سألوه وأجابهم بغيره، وأنه يعلم اليوم الذي جيء به، ويعلم اليوم الذي جلس عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا يفيد علمه التام بما يتعلق بالمنبر من ناحية مادته، ومن ناحية اليوم الذي جيء به، ومن جهة اليوم الذي استعمله فيه رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والمقصود من ذلك إخبارهم وطمأنتهم بأن سؤالهم عنده جوابه، وأنه متحقق منه، وأنه يعلم جواب ذلك السؤال، ويعلم أموراً أخرى دقيقة غير الذي سألوه، وهو اليوم الذي جيء به، واليوم الذي جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة امرأة قد سماها سهل) ]. يعني أن سهلاً سمَّاها، وهنا أبهمت فقيل: فلانة. قوله: [ (أن: مري غلامك النجار أن يعمل لي أعواداً أجلس عليهن إذا كلمت الناس) ]. هذا هو محل الشاهد، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يستعمل المنبر في الجمعة وفي غير الجمعة. قوله: [ (فأمرته فعملها من طرفاء الغابة) ]. يعني: أمرت غلامها فعمل المنبر من طرفاء الغابة، وهو شجر من شجر الغابة يقال له: الطرفاء. قوله: [ (ثم جاء بها فأرسلته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بها فوضعت ها هنا) ]. يعني: جاء الغلام بالمنبر الذي صنعه إلى تلك المرأة، فالمرأة أرسلته به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بها -أي: بتلك الأعواد- فوضعت ها هنا، والإشارة إلى مكان في قبلة المسجد قرب الجدار الجنوبي الذي هو قبلة المسجد، وكان بينه وبين الجدار ممر الشاة كما سيأتي، أي أنه لم يكن ملصقاً بالجدار، ولكنه كان قريباً من الجدار، وليس بينه وبين الجدار إلا مقدار ما تمر الشاة. قوله: [ (فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها وكبر عليها ثم ركع وهو عليها ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر ثم عاد) ]. ذكر سهل رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم صعد على المنبر ودخل في الصلاة وهو على المنبر وكبر وركع، ولما أراد السجود رجع القهقرى حتى سجد في أسفل المنبر -أي: على الأرض- ثم رجع، وأخبرهم عليه الصلاة والسلام بعد الفراغ من الصلاة أنه فعل ذلك ليتعلموا صلاته ولينظروا إليه ويعرفوا كيف يفعل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فهو أراد أن يتعلم الناس كيفية صلاته، وأن يراه أهل الصف الأول وكذلك الصفوف الأخرى؛ لأنه عليه الصلاة والسلام إذا صلى على المنبر فالذين في الصف الأول والذين وراءهم كلهم يتمكنون من مشاهدته صلى الله عليه وسلم، وهذه الصلاة الظاهر أنها فريضة، وقد تكون الجمعة، فقد جاء في بعض الروايات أنه خطب ثم صلى الله عليه وسلم بهم، وليس لأحد الآن أن يصنع هذا؛ لأن الأحكام مستقرة، والناس يتعلمون بدون أن يصعد الإنسان على المنبر، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان هو الذي يأتي بالشرع، وهو الذي يقتدى به ويتلقى عنه الشرع، وبعد ذلك استقرت الأحكام، فليس لأحد أن يصعد على المنبر من أجل أن يعلم الناس، وإنما يعلم الناس بالكلام.
__________________
|
#256
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث قصة بناء المنبر قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري القرشي ]. يعقوب بن عبد الرحمن القاري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا أبو حازم بن دينار ]. هو سلمة بن دينار ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن رجالاً أتوا سهل بن سعد الساعدي ]. هو سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو العباس ، صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (ألا أتخذ لك منبراً؟) [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو عاصم عن ابن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما بدن قال له تميم الداري رضي الله عنه: ألا أتخذ لك منبراً -يا رسول الله- يجمع -أو يحمل- عظامك؟ قال: بلى، فاتخذ له منبراً مرقاتين) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بدن -يعني: كبر- قال له تميم الداري : ألا أتخذ لك منبراً تجمع عليه أو تحمل عليه عظامك؟ يعني: ليجلس عليه ويرقى عليه ويقف عليه عندما يخطب الناس، فقال: بلى، فاتخذ له المنبر، وقد سبق في الحديث السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر تلك المرأة أن تأمر غلامها، وهنا جاء أن تميماً الداري هو الذي عرض ذلك، فمن أهل العلم من قال: إن تميماً هو الذي صنع المنبر، ويكون هو الغلام، ومنهم من قال: إن غلام المرأة يقال له: ميمون ، وليس هو تميم الداري ، ويمكن أن يوفق بين هذا وذاك بأن يكون تميماً هو الذي اقترح وهو الذي عرض عليه صناعة المنبر، ويكون تميم هو الذي بلغ تلك المرأة لتأمر غلامها أن يصنع المنبر، فيكون هو الذي عرض وباشر الإبلاغ لمن يقوم بصناعته، وبهذا يوفق بين ما جاء في هذا الحديث وما جاء في الحديث السابق. وهنا قال: [مرقاتين] وقد جاء في بعض الروايات أنه ثلاث درجات، وقد ذكرت أن بعض أهل العلم جمع بين هذا وهذا بأن الذي قال: مرقاتين لم يحسب المرقاة التي يكون عليها الجلوس. ويجوز اتخاذ المنبر أكثر من ثلاث درجات، ولكن كونه يقتصر على الشيء الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأولى. تراجم رجال إسناد حديث (ألا أتخذ لك منبراً؟ ) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا أبو عاصم ]. هو أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من كبار شيوخ البخاري الذين روى عنهم الثلاثيات؛ لأن البخاري روى الثلاثيات عن عدد قليل من مشايخه، ومنهم أبو عاصم النبيل . [ عن ابن أبي رواد ]. هو عبد العزيز بن أبي رواد ، صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن نافع عن ابن عمر ]. قد مر ذكرهما. موضع المنبر شرح حديث (كان بين منبر رسول الله وبين الحائط ممر شاة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب موضع المنير. حدثنا مخلد بن خالد حدثنا أبو عاصم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه قال: (كان بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الحائط كقدر ممر الشاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب موضع منبر الرسول صلى الله عليه وسلم من مسجده، وأنه كان عند الجدار الأمامي الجنوبي الذي هو قبلة المصلين، وليس ملتصقاً به، بل بينه وبين الجدار مقدار ممر الشاة. وموضع المنبر الآن هو على ما كان عليه؛ لأنه حد الروضة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) فهو مكانه. تراجم رجال إسناد حديث (كان بين منبر رسول الله وبين الحائط ممر شاة) قوله: [ حدثنا مخلد بن خالد ]. مخلد بن خالد ثقة أخرج له مسلم وأبو داود . [ حدثنا أبو عاصم عن يزيد بن أبي عبيد ]. أبو عاصم مر ذكره، ويزيد بن أبي عبيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سلمة بن الأكوع ]. هو سلمة بن الأكوع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال شرح حديث (كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال. حدثنا محمد بن عيسى حدثنا حسان بن إبراهيم عن ليث عن مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة، وقال: إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة). قال أبو داود : هو مرسل، مجاهد أكبر من أبي الخليل وأبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب: الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال] والمقصود من ذلك صلاة النوافل يوم الجمعة قبل الزوال، وأورد فيه هذا الحديث الذي هو غير صحيح وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [(أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة)] ومعناه أنه عند زوال الشمس تكره الصلاة إلا يوم الجمعة، فإن جهنم تسجر كل يوم إلا يوم الجمعة، فالأيام التي تسجر فيها جهنم لا يصلى في نصف نهارها، ولكن يوم الجمعة يصلى عند الزوال فيها؛ لأن الجمعة لا تسجر فيها جهنم، لكن الحديث غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير صحيح؛ لوجود الإرسال بين أبي الخليل وبين أبي قتادة رضي الله عنه، وكذلك -أيضاً- فيه ليث بن أبي سليم ، وهو مختلط. فالأصل أنه لا فرق بين الجمعة وغيرها، إلا أن بعض أهل العلم أجاز صلاة النافلة يوم الجمعة قبل الزوال، وقد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة التي هي عند طلوع الشمس، واستوائها وغروبها، وكذلك لا يدفن الموتى في هذه الأوقات الثلاثة. وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا دخلوا المسجد يوم الجمعة يصلون ما أرادوا ثم يجلسون ولا يقومون إلا للصلاة، فالإنسان إذا دخل يصلي ما قدر له ثم يجلس يقرأ القرآن ثم يستمع للخطبة ويقوم للصلاة معه إذا أقيمت الصلاة. تراجم رجال إسناد حديث (كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة) قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى الطباع ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة . [ حدثنا حسان بن إبراهيم ]. حسان بن إبراهيم صدوق يخطئ، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود . [ عن ليث ]. هو ليث بن أبي سليم، وهو صدوق اختلط جداً ولم يتميز حديثه فترك، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الخليل ]. هو صالح بن أبي مريم الضبعي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قتادة ]. هو أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه الصحابي الجليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [ قال أبو داود : هو مرسل، مجاهد أكبر من أبي الخليل ، وأبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة ]. الحديث منقطع، وهو مرسل بالاصطلاح العام، وإلا فإن المرسل المشهور عند المحدثين هو قول التابعي: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا) فتسميته مرسلاً من حيث الانقطاع، فالشخص عندما يرسل عمن لم يلقه شيئاً من الأحاديث يقال له: مرسل بهذا المعنى، وهو منقطع. الأسئلة وقت كراهة الصلاة عند الزوال السؤال: توسط الشمس في كبد السماء هو وقت النهي، فكم قدر ذلك قبل الأذان بالدقائق؟ الجواب: ما أعلم ذلك بالتحديد، ولكنه فترة وجيزة حينما تكون في وسط السماء فوق الرءوس، والإنسان عندما يأتي في ذلك الوقت عليه أن يمتنع عن الصلاة. حكم الأناشيد الإسلامية في المسجد السؤال: بعض المناسبات والحفلات تقام في المسجد، وينشد فيها أناشيد إسلامية، فهل يجوز ذلك؟ الجواب: الأناشيد الإسلامية التي فيها تغنِّ وفيها تلحين، وتكون بأصوات مجتمعة مسجلة لا تصلح في المسجد؛ لأن هذا ليس من قبيل ما كان يفعل في المسجد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن حسان رضي الله عنه كان ينشد الشعر على طريقة العرب، وأما هذه الأناشيد التي يقال عنها: إسلامية التي يقف فيها مجموعة من الشباب ويأتون بأناشيد يلحنونها وتسجل ليست من هذا القبيل، وهي إلى العناية بسماع الأصوات أكثر من العناية بالمعنى، فهي تخالف ما كان موجوداً في زمنه عليه الصلاة والسلام وما كان ينشده بين يديه حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه وأرضاه. حكم محرمية ابن الرابعة عشرة لنساء أهله السؤال: عمري أربع عشرة سنة، وأذهب مع أهلي من النساء بالطيارة أو السيارة، فهل أصلح أن أكون محرماً لهم؟ الجواب: إذا كان المرء قد بلغ قبل أن يكمل الخمسة عشر عاماً بأن يكون احتلم، أو نبت الشعر الخشن حول قبله فإنه يمكن أن يكون محرماً، وأما إذا ما حصل هذا ولا هذا فإنه لا يصلح أن يكون محرماً؛ لأن المحرمية تحصل بالبلوغ، فإذا وجد البلوغ قبل ذلك فلا بأس، فالمغيرة بن مقسم الضبي احتلم وعمره ثلاثة عشر عاماً، فالبلوغ قد يحصل قبل سن الخامسة عشرة بالاحتلام أو بنبت الشعر الخشن حول القبل، فإذا كان وجد هذا أو هذا من هذا الذي عمره أربعة عشر عاماً فإنه يكون بالغاً، ويكون محرماً، ويكون مكلفاً. حكم التصوير بكاميرا الفيديو السؤال: ما حكم التصوير بكاميرا الفيديو؟ الجواب: التصوير لا يسوغ إلا عند الحاجة مثل رخصة القيادة أو حافظة النفوس أو الجواز أو ما إلى ذلك من الأمور التي يحتاج إليها ويضطر إليها. حكم تأخير صلاة العشاء السؤال: ما حكم تأخير صلاة العشاء؟ الجواب: تأخير صلاة العشاء سائغ، لكن على الإنسان أن لا يتركها حتى يخرج الوقت، بل ينبغي للإنسان أن يبادر بها، وإذا أخرها أو أخرت في المسجد والناس متفقون على تأخيرها، دون أن ينام أحد قبل أن يؤتى بالصلاة فلا مانع من تأخيرها، لكن ليحرص المرء على أن لا يأتي نصف الليل قبل أن تصلي؛ لأنه إذا مضى نصف الليل فمعناه أنه خرج وقتها الاختياري. حكم إسبال الثياب من غير قصد الخيلاء السؤال: ما حكم إسبال الثياب من غير قصد الكبر ولا الخيلاء؟ الجواب: هو سيء، وإذا وجد منه الكبر والخيلاء فذلك أسوأ، والرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى من يحصل منه إسبال الثياب ما سأله: هل أنت تفعله خيلاء أو لا تفعله خيلاء؟ وإنما أرشده عليه الصلاة والسلام إلى رفع الثوب وعدم إسباله، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه لما كان في مرض موته بعد ما طعن كان الناس يعودونه، فجاء إليه شاب فأثنى عليه ثناءً عظيماً وقال: هنيئاً لك يا أمير المؤمنين، صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته، ثم صحبت أبا بكر كذلك، ثم وليت الخلافة فعدلت، وذكر شيئاً من فضائله ومن خصاله الحميدة، فقال رضي الله عنه: وددت أن يكون ذلك كفافاً لا علي ولا لي، ثم ذهب الغلام فرآه وإذا ثوبه يمس الأرض، فدعاه، فلما جاء قال: يا ابن أخي! ارفع ثوبك؛ فإنه أتقى لربك، وأنقى لثوبك، وما قال له: هل أنت تفعله خيلاء أو لا تفعله خيلاء؟ وإنما أمره مباشرة؛ لأن هذا غير سائغ، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ما أسفل من الكعبين ففي النار)، ولكن إذا وجدت النية السيئة والصفة الذميمة التي هي صفة الكبر والخيلاء فإنه يكون سوءاً إلى سوء، وشراً على شر. حكم وداع قبور الصالحين السؤال: ما حكم وداع قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك وداع قبور الصالحين عند السفر للحج؟ الجواب: زيارة القبور سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن كون الإنسان عندما يريد أن يسافر يذهب ويودعها ويحصل منه الوداع فهذا لا يصح ولا يسوغ، وينبغي على الإنسان أن يكون دائماً وأبداً يصلي ويسلم على رسول الله عليه الصلاة والسلام، والملائكة تبلغه ذلك، فلا يحتاج إلى أن يودع الرسول صلى الله عليه وسلم، وكون الإنسان لا يسافر إلا وقد ودع النبي صلى الله عليه وسلم لم يأت دليل يدل عليه."
__________________
|
#257
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [137] الحلقة (168) شرح سنن أبي داود [137] لصلاة الجمعة جملة من الأحكام الشرعية والآداب النبوية، فمما شرع لها أن تصلى بعد زوال الشمس، ويجوز أن يكون لها أذان سابق لأذان الخطبة بين يدي الإمام، ومن سننها أن يخطب الإمام قائماً في الخطبتين ويجلس بينهما ليتمكن من إبلاغ الناس بوعظه حال قيامه. وقت الجمعة شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة إذا مالت الشمس) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في وقت الجمعة. حدثنا الحسن بن علي حدثنا زيد بن الحباب حدثني فليح بن سليمان حدثني عثمان بن عبد الرحمن التيمي أنه قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة إذا مالت الشمس) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في وقت الجمعة ] أي: في بيان وقت الجمعة، ووقت الجمعة هو إذا زالت الشمس، فبعد الزوال هو وقت صلاة الظهر، ويجوز أن تؤدى الصلاة قبل الزوال، لكن الأولى أن تكون بعد الزوال؛ للأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي إذا مالت الشمس وإذا زالت الشمس، وقد جاءت بعض الأحاديث فيها ما يدل على فعلها قبل زوال الشمس، ولكن كونها يؤتى بها بعد الزوال هو الأولى؛ لأن الذين لا يلزمهم حضور الجمعة ليس عليهم إلا الظهر، فإذا أتي بالجمعة في وقت الظهر بعد الزوال فلا يكون هناك محذور في أن يحصل تشويش ويحصل أن بعض الناس يصلي في بيته قبل الزوال؛ لأن الأذان وجد قبل الزوال، فإذا كانت الصلاة بعد الزوال فيؤمن على من كان في البيوت من أن يصلوا قبل دخول وقت صلاة الظهر، والظهر لا يبدأ وقتها إلا بعد الزوال، فالنساء لا تجب عليهن الجمعة، ويجب عليهن أداء صلاة الظهر، والظهر لا يجوز إتيانها إلا بعد الزوال، وعلى هذا فإن وقت صلاة الجمعة وقت الظهر، ولكنه يجوز فعلها قبل الزوال؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك قال: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة إذا مالت الشمس) ] يعني: إذا زالت الشمس. وقوله: [ (كان) ] في الغالب أنها تفيد الاستمرار، ولكنه قد تأتي هذه الصيغة لغير الاستمرار، ولكنه يستدل بها على المداومة وعلى الكثرة، ولكن قد تأتي للمرة الواحدة، وقد تأتي للقلة، ومن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها الذي قالت فيه: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) وهو صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا مرة واحدة في حجة الوداع في السنة العاشرة ومع ذلك عبرت عائشة رضي الله عنها بقولها: (كنت) فهذا يدل على أن (كان) قد تأتي أحياناً لغير الاستمرار، لكن الغالب فيها أنها للاستمرار، فقوله هنا: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة إذا مالت الشمس) ] يفيد كثرة الإتيان بالصلاة في ذلك الوقت. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة إذا مالت الشمس) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا زيد بن الحباب ]. زيد بن الحباب ثقة أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثني فليح بن سليمان ]. فليح بن سليمان صدوق كثير الخطأ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عثمان بن عبد الرحمن التيمي ]. عثمان بن عبد الرحمن التيمي ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي . [ سمعت أنس بن مالك ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم. شرح حديث (كنا نصلي الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا يعلى بن الحارث قال: سمعت إياس بن سلمة بن الأكوع يحدث عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء) ]. أورد أبو داود رضي الله عنه حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: [ (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء) ] يعني: ليس لها ظل، لكن جاء عن سلمة بن الأكوع في الصحيحين أنه قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس للحيطان ظل يستظل به) فقوله هنا: (وليس للحيطان فيء) أي: يستظل به كما جاء ذلك مبيناً في الروايات؛ لأن نفي الفيء نفي لأصله، وأنه ما وجد الزوال، ومعنى هذا أن تكون الصلاة قبل الزوال، ولكن نفس حديث سلمة جاء في الصحيحين بلفظ: (وليس للحيطان ظل يستظل به) فالنفي إنما هو للقيد الذي هو يستظل به، وليس نفياً لأصل الظل، بل الظل موجود ولكنه قليل لا يستظل به الماشي؛ لأنه لم يمتد ولم يكثر، فالنفي هنا محمول على الرواية الأخرى التي فيها أن النفي هو للفيء الذي يستظل به، فهو للقيد الذي هو يستظل به، وليس للمقيد الذي هو أصل الظل، فالظل أصله موجود، ولهذا جاء في بعض الروايات: (نتتبع الفيء) ومعناه أنهم كانوا يتتبعون الظل القليل الموجود، وهذا معناه أنه يوجد ظل. تراجم رجال إسناد حديث (كنا نصلي الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء) قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي أطلق عليه الإمام أحمد : شيخ الإسلام. [ حدثنا يعلى بن الحارث ]. يعلى بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ سمعت إياس بن سلمة بن الأكوع يحدث عن أبيه ]. إياس بن سلمة بن الأكوع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وأبوه سلمة بن الأكوع رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (كنا نقيل ونتغدى بعد الجمعة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنهما أنه قال: (كنا نقيل ونتغدى بعد الجمعة) ]. أورد أبو داود حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أنه قال: [ كنا نقيل ونغتدى بعد الجمعة ] ومعناه أنهم كانوا يبكرون إلى الصلاة، وكان ذلك قبل الغداء والقيلولة، فكانوا يوم الجمعة يبكرون إلى الصلاة، ولا يقيلون إلا بعد الجمعة، لأنهم يوم الجمعة يبكرون للصلاة، فيأتون لها في وقت مبكر، فيكونون في المسجد، فلا يتمكنون من الغداء ولا من القيلولة إلا بعد الصلاة، ومعنى هذا أن يوم الجمعة يختلف عن غيره. ومناسبة الحديث للباب أن الصلاة كانت تحصل بعد الزوال، وكانوا قبل ذلك في انتظار الصلاة، وبعد الصلاة يخرجون ويحصل منهم القيلولة والغداء بخلاف بقية الأيام التي كانوا يتغدون فيها ويقيلون قبل الزوال. تراجم رجال إسناد حديث (كنا نقيل ونتغدى بعد الجمعة) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان الثوري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حازم ]. أبو حازم هو سلمة بن دينار ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهل بن سعد الساعدي ]. هو سهل بن سعد الساعدي أبو العباس رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الإسناد من الأسانيد الرباعية التي هي أعلى ما يكون عند أبي داود ، حيث يوجد أربعة أشخاص بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود ، وليس عند أبي داود ثلاثيات. النداء يوم الجمعة شرح حديث أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النداء يوم الجمعة. حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني السائب بن يزيد رضي الله عنه: (أن الأذان كان أوله حين يجلس الإمام على المنبر يوم الجمعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان خلافة عثمان وكثر الناس أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث، فأذن به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [ باب النداء يوم الجمعة ] أي: الأذان للجمعة، والنداء هو الأذان كما في حديث: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول) ويقال له: النداء لأنه نداء للصلاة بقول: (حي على الصلاة، حي على الفلاح) أي: تعالوا وهلموا وأقبلوا، فالأذان نداء للناس لأن يحضروا لأداء الصلاة، و(حي على الصلاة حي على الفلاح) نداء وطلب منهم أن يحضروا وأن يتوجهوا إلى المساجد للإتيان بالصلوات التي فرضها الله عز وجل. والجمعة كغيرها ليس لها إلا أذان واحد، وكان الأذان عندما يجلس الإمام على المنبر، ثم يخطب خطبتين، وعند فراغهما تكون الإقامة والصلاة، وقد أطلق على الإقامة أذان، ولهذا أورد أبو داود رحمه الله حديث السائب بن يزيد رضي الله تعالى عنه: [ أن الأذان كان أوله حين يجلس الإمام على المنبر ] يعني: عندما يأتي ويجلس على المنبر يكون الأذان، وبعد فراغ الأذان يقوم الإمام لإلقاء الخطبة، فكان الأذان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما عندما يجلس الخطيب على المنبر، ثم بعد الفراغ من الخطبتين تأتي الإقامة التي هي أذان. قال: فلما كان زمان عثمان وكثر الناس أمر بالأذان الثالث، وسمي ثالثاً باعتبار أن الإقامة أذان؛ لأن الإقامة قبلها الأذان عند جلوس الخطيب على المنبر ثم الأذان الثالث الذي زاده عثمان ، فسمي ثالثاً باعتبار الزيادة، وهو الأول من حيث الوقوع، ولكنه ثالث من حيث الزيادة، فتوجد إقامة، وقبل الإقامة أذان، وهو الذي يكون عند جلوس الخطيب على المنبر، وقبل هذا الأذان الأذان الذي جاء به عثمان ، فهو ثالث باعتبار الزيادة ولكنه أول من حيث الوقوع، الإقامة تسمى أذاناً لأنها إعلام بالقيام إلى الصلاة، والأذان هو إعلام بدخول الوقت، والإقامة إعلام الناس بأن يقوموا للصلاة من أماكنهم ليصطفوا. فعثمان رضي الله عنه وأرضاه زاد هذا الأذان لما كثر الناس، وكان يؤذن به على الزوراء، وهي دار قيل: إنها كانت في السوق، وقيل: إنها كانت بين المسجد والسوق، وكان المقصود من ذلك أن يترك الناس ما هم عليه من البيع والشراء ويذهبون للاستعداد للجمعة والتهيؤ للجمعة، بأن يغتسلوا ويلبسوا أحسن الثياب ثم يأتوا إلى الجمعة. وعثمان رضي الله عنه وأرضاه في زمن عمر جاء مرة متأخراً وعمر على المنبر يخطب الناس، فلما دخل عثمان قطع عمر الخطبة وقال له: أي ساعة هذه؟! أي: لماذا جئت متأخراً؟ ! فقال: يا أمير المؤمنين! إنني كنت في بعض شأني، ولما سمعت الأذان ما زدت على أن توضأت وجئت فقال: والوضوء أيضاً؟ ! أي: من غير غسل، فلما كان زمن عثمان رضي الله عنه وأرضاه كثر الناس، فأتى بهذا الأذان، وأقره الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وما أنكروا عليه، فلهذا قال في هذا الحديث: [ فثبت الأمر على ذلك ]، يعني: على هذه الزيادة التي زادها عثمان ، وهي الأذان الثالث، فالجمعة لها أذانان: الأول: الأذان الذي عند صعود الخطيب على المنبر، والأذان الثاني الذي زاده عثمان رضي الله عنه، والمقصود منه أن يتهيأ الناس للجمعة، وأن يحضروا إليها ويتركوا ما هم فيه من البيع والشراء. تراجم رجال إسناد حديث أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث قوله: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي ]. هو محمد بن سلمة المرادي المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني السائب بن يزيد ]. السائب بن يزيد رضي الله عنه صحابي صغير، قال: (حج بي أبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وعمري سبع سنوات)، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (كان يؤذن بين يدي رسول الله إذا جلس على المنبر يوم الجمعة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن السائب بن يزيد رضي الله عنه أنه قال: (كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس على المنبر يوم الجمعة على باب المسجد وأبي بكر وعمر. ثم ساق نحو حديث يونس) ]. أورد أبو داود حديث السائب بن يزيد رضي الله تعالى عنه أنه كان يؤذن للجمعة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان على المنبر عند باب المسجد، ثم ساق الحديث مثل حديث يونس المتقدم الذي يرويه عن ابن شهاب ، ومحمد بن إسحاق يروي عن ابن شهاب في الطريق الثانية، وقد ذكر بعضه، وأحال باقيه على الرواية الأولى التي هي رواية يونس بن يزيد ، وهذا فيه أنه كان الأذان عند باب المسجد، ومن المعلوم أن الأذان المقصود به إعلام الناس بأن يأتوا إلى الصلاة، والله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] والمراد الأذان الثاني؛ لأن الأذان الأول إنما وقع في زمن عثمان ، والمقصود منه حضور الناس، ومن المعلوم فيما مضى أن الأذان في المسجد لا يبلغ به الصوت كثيراً، وأما في هذا الزمان فبواسطة أجهزة مكبرات الصوت يبلغ الصوت إلى كل مكان، لكن قبل أن توجد المكبرات كان الأذان داخل المسجد لا يسمعه الناس، فالأذان إنما يكون في مكان عال، إما على سطح المسجد، أو عند باب المسجد، أو في دار قريبة من المسجد كما سبق أن مر في باب الأذان على المنارة، وفيه أنه كان يؤذن على دار امرأة كانت عالية. والروايات المختلفة ليس فيها ذكر الأذان على باب المسجد، وإنما فيها ذكر الأذان عندما يجلس الرسول صلى الله عليه وسلم على المنبر، ولهذا فإن الشيخ الألباني رحمه الله ضعف هذه الرواية فقال: (إنها منكرة) وذلك لأنها من رواية محمد بن إسحاق، وقد روى بالعنعنة، وغيره لم يذكر هذا الذي ذكره محمد بن إسحاق ، لكن الأذان لا يكون داخل المسجد؛ لأن المقصود منه إعلام الناس بأن يأتوا، والأذان داخل المسجد لا يحصل به إبلاغ الناس، فلا يخرج الصوت إلى الناس إذا كان المؤذن داخل المسجد. تراجم رجال إسناد حديث (كان يؤذن بين يدي رسول الله إذا جلس على المنبر يوم الجمعة) قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ، ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الباهلي، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري عن السائب بن يزيد ]. قد مر ذكرهما، والزهري من صغار التابعين، والسائب بن يزيد من صغار الصحابة، وصغار التابعين يروون عن صغار الصحابة؛ لأن صغار التابعين أدركوا صغار الصحابة، والسائب بن يزيد صحابي صغير، قال: (حج بي أبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وعمري سبع سنوات). وقت الأذان يوم الجمعة وقت الأذان الأول يوم الجمعة قبل الزوال؛ لأن المقصود منه إعلام الناس بأن يستعدوا للجمعة وأن يأتوا للجمعة، والآن هو قريب في الوقت من الأذان الثاني، فالفاصل بينهما يسير، والذي ينبغي هو أن يكون الفاصل أطول مما هو عليه الآن؛ لأن المقصود منه إعلام الناس، وعثمان رضي الله عنه الذي أتى به هو الذي حصلت له القصة مع عمر عندما قال: كنت مشغولاً فلما سمعت الأذان ما زدت على أن توضأت، ومعنى هذا أنه يحتاج الإنسان إلى وقت ليغتسل، ولا نستطيع تحديد الوقت بمقدار معين، ولكن نقول: ينبغي أن يكون بوقت ليس بقصير جداً. شرح حديث (لم يكن لرسول الله إلا مؤذن واحد) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري حدثنا عبدة عن محمد -يعني ابن إسحاق - عن الزهري عن السائب رضي الله عنه أنه قال: لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مؤذن واحد: بلال. ثم ذكر معناه ]. أورد أبو داود حديث السائب بن يزيد : [ (لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مؤذن واحد بلال) ]، ثم ذكر معنى الحديث المتقدم، وأنه كان يؤذن عندما يصعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة عند دخول الوقت. تراجم رجال إسناد حديث (لم يكن لرسول الله إلا مؤذن واحد) قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هو هناد بن السري أبو السري، ثقة أخرج حديثه البخاري في: (خلق أفعال العباد) ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبدة ]. هو عبدة بن شريان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد -يعني ابن إسحاق - عن الزهري عن السائب ]. قد مر ذكر الثلاثة. وقت صلاة الجمعة يبدأ وقت الجمعة من قبل الزوال، وقد جاء في بعض الأحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان كان يصلي الجمعة، فيرجعون إلى بيوتهم عند زوال الشمس، بمعنى أنهم فرغوا من الصلاة قبل الزوال، لكن يحتمل أن يكون صلى في وقت الظهر، والذي ينبغي هو أن تصلى الجمعة في وقت الظهر حتى لا يحصل التشويش على الناس، وقوله: عند دخول الوقت لا أعلم وجهه بالنسبة للجمعة، لأن وقت الجمعة غير مستقر، كالظهر لا تكون إلا بعد الزوال، فإن صلاة الجمعة تكون بعد الزوال وقبل الزوال. إسناد آخر لحديث (لم يكن لرسول الله غير مؤذن واحد) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أن السائب بن يزيد ابن أخت نمر رضي الله عنه أخبره أنه قال: ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم غير مؤذن واحد. وساق هذا الحديث وليس بتمامه ]. أورد المصنف حديث السائب بن يزيد من طريق أخرى، وهو مثل الرواية السابقة التي قبله، وساق الحديث وليس كاملاً كالذي تقدم. قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ]. يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبي ]. هو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صالح ]. هو صالح بن كيسان ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد ]. مر ذكرهما. الإمام يكلم الرجل في خطبته شرح حديث جلوس ابن مسعود على باب المسجد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإمام يكلم الرجل في خطبته. حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي حدثنا مخلد بن يزيد حدثنا ابن جريج عن عطاء عن جابر رضي الله عنه أنه قال: لما استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة قال: (اجلسوا، فسمع ذلك ابن مسعود رضي الله عنه فجلس على باب المسجد، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تعال يا عبد الله بن مسعود). قال أبو داود : هذا يعرف مرسلاً، إنما رواه الناس عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومخلد هو شيخ ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب الإمام يكلم الرجل في خطبته ] يعني أن الخطيب له أن يكلم أحد الناس في خطبته، ولا مانع من ذلك، وأيضاً لا مانع من أن يكلم أحد الناس الخطيب كما في قصة الذي دخل المسجد والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: (يا رسول الله! هلكت الأموال، ادع الله أن يغيثنا) فمخاطبة الإمام وقت الخطبة لا بأس به؛ لأن المحذور هو الكلام والخطيب يخطب؛ لأن هذا فيه تشاغل عن الخطبة، وأما كون الخطيب يكلم أحداً من الناس أو أحدهم يكلم الخطيب فلا مانع منه، وقد جاء في السنة ما يدل عليه، وقد جاء في ذلك أحاديث منها هذا الحديث الذي أورده أبو داود عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على المنبر يوم الجمعة فقال: [ (اجلسوا) ] وكان ابن مسعود رضي الله عنه بالباب، فلما سمع ذلك جلس في مكانه، أي: مبادرةً إلى امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فرآه رسول الله فقال: [ (تعال يا ابن مسعود وهذا مخاطبة منه لعبد الله بن مسعود حيث طلب منه أن يأتي. وهذا الصنيع من عبد الله بن مسعود يدل على فضله ونبله، وعلى مبادرته لامتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم من المبادرة إلى الاستسلام والانقياد لما جاء عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. ومحل الشاهد منه كون الرسول صلى الله عليه وسلم قال في أثناء الخطبة: [ (تعال يا عبد الله بن مسعود) ] ففيه أن الإمام له أن يكلم أحداً من الناس أثناء الخطبة، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة، ومنها الحديث الذي سيأتي وهو حديث الرجل الذي دخل يوم الجمعة المسجد فجلس ولم يصل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا فلان! أصليت ركعتين؟ قال: لا، قال: صل ركعتين وتجوز فيهما) فهذا كلام من الخطيب لأحد الناس، وكذلك الرجل الذي جاء يتخطى رقاب الناس فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (اجلس فقد آذيت) فحصول الكلام من الخطيب لبعض الناس جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام غيره معه أيضاً جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في قصة الرجل الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم، أن يستغيث وأن يدعو الله للناس بأن يغيثهم وينزل عليهم المطر.
__________________
|
#258
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث جلوس ابن مسعود على باب المسجد قوله: [ حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي ]. يعقوب بن كعب الأنطاكي ثقة أخرج حديثه أبو داود وحده. [ عن مخلد بن يزيد ]. هو مخلد بن يزيد الجزري الحراني، صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح المكي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال أبو داود : هذا يعرف مرسلاً، إنما رواه الناس عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. يعني أن التابعي أضاف الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المرسل، فغير مخلد بن يزيد رووه مرسلاً، وأما مخلد بن يزيد فقد رواه متصلاً عن جابر ، وذلك لا يؤثر؛ لأن مخلداً احتج به البخاري ومسلم ، وأيضاً جاءت أحاديث تدل على ما دل عليه هذا الحديث من كون الإمام يكلم الرجل وهو في خطبته. وقوله: [ ومخلد شيخ ]. كلمة [ شيخ ] هذه تعني أنه ضعيف يكتب حديثه ويعتضد به، أي: يستأنس به، ولكن البخاري ومسلماً خرجا أحاديثه وكذلك غيرهما، فلا يؤثر فيه مثل هذه الكلمة من أبي داود ، على أن الذي جاء في هذا الحديث هو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى كالأحاديث التي أشرت إليها. الجلوس إذا صعد المنبر شرح حديث (كان يخطب خطبتين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الجلوس إذا صعد المنبر. حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبد الوهاب -يعني ابن عطاء - عن العمري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين، كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ -أراه قال: المؤذن- ثم يقوم فيخطب، ثم يجلس فلا يتكلم، ثم يقوم فيخطب) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [ باب الجلوس إذا صعد المنبر ] يعني أن الإمام إذا صعد المنبر يجلس عليه ويأخذ المؤذن في الأذان، وإذا فرغ المؤذن من الأذان قام وبدأ بالخطبة، ففيه إثبات الجلوس قبل الخطبة الأولى إلى الفراغ من الأذان، ثم الجلوس بين الخطبتين يفصل بينهما كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمقصود من الترجمة جلوس الإمام إذا صعد المنبر إلى أن يفرغ المؤذن من الأذان، وبعد فراغ المؤذن يبدأ الخطيب في الخطبة. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر جلس حتى يفرغ -أراه قال: المؤذن- ثم يقوم ويخطب، ثم يجلس، ثم يقوم ويخطب) ]، وعلى هذا فالذي ترجم له المصنف -وهو الجلوس عند الصعود على المنبر- فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن الخطيب عندما يصعد يجلس ولا يبقى قائماً؛ لأن بقاءه قائماً يترتب عليه طول قيامه بدون فائدة، وفيه ضرر عليه، فالسنة هي الجلوس، وقد جاء الجلوس في هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي مر بنا بعضها، مثل حديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجلس على المنبر ويأخذ المؤذن في الأذان، وفيه زيادة أذان عثمان رضي الله عنه الثالث، وكذلك غيره من الأحاديث. وهذا الحديث في إسناده رجل متكلم فيه، وهو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المكبر، وهو غير أخيه عبيد الله الذي يروي كثيراً عن نافع ، والمصغر عبيد الله ثقة، والمكبر عبد الله ضعيف، والذي في هذا الإسناد هو الضعيف، ولكن جاء في أحاديث عديدة جلوس الرسول صلى الله عليه وسلم على المنبر إذا صعد، وكان إذا صعد على المنبر سلم ثم جلس. تراجم رجال إسناد حديث (كان يخطب خطبتين) قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق أخرج حديثه أبو داود وحده. [ حدثنا عبد الوهاب -يعني ابن عطاء- ]. عبد الوهاب بن عطاء صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه البخاري في (خلق أفعال العباد) ومسلم وأصحاب السنن. [ عن العمري ]. هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المكبر، وهو ضعيف، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الخطبة قائماً شرح حديث (كان يخطب قائماً ثم يجلس) قال المنصف رحمه الله تعالى: [ باب الخطبة قائماً. حدثنا النفيلي عبد الله بن محمد حدثنا زهير عن سماك عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائماً، فمن حدثك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب، فقد -والله- صليت معه أكثر من ألفي صلاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب الخطبة قائماً ] يعني أن الخطيب يخطب قائماً ولا يخطب جالساً، وخطبة الخطيب عن قيام جاءت بها السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الأولى من جهة أنه إذا كان قائماً يراه الناس بخلاف ما إذا كان جالساً فإنه لا يرى كما يرى وهو قائم، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان هديه أنه يخطب قائماً. وأورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: [ (كان يخطب قائماً ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائماً) ] وهذا معناه أن الخطبتين كل منهما تكون عن قيام، قال: [ (فمن حدثك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب، فقد -والله- صليت معه أكثر من ألفي صلاة) ] والمقصود من ذلك الصلوات كلها، وليس الجمع، ومعناه أنه كان ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم، ويصلي معه كثيراً الجمع وغير الجمع. والمقصود من ذلك أن يبين أنه على علم تام بفعله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يصلي معه صلوات الجمعة وغير الجمعة، وأنه صلى معه أكثر من هذا المقدار من الصلوات. تراجم رجال إسناد حديث (كان يخطب قائماً ثم يجلس) قوله: [ حدثنا النفيلي عبد الله بن محمد حدثنا زهير ]. النفيلي مر ذكره، وزهير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك ]. هو سماك بن حرب، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (كان لرسول الله خطبتان.. ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى وعثمان بن أبي شيبة المعنى عن أبي الأحوص حدثنا سماك عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما أنه قال: (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطبتان كان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس) ]. الحديث السابق رباعي من الرباعيات عند أبي داود ، وكذلك هذا الحديث أيضاً من الرباعيات، وإبراهيم بن موسى وعثمان بن أبي شيبة في طبقة واحدة من شيوخ أبي داود ، فهما من الأحاديث الرباعية. قوله: [ (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطبتان كان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس) ] محل الشاهد من الحديث قوله: [ يجلس بينهما ]، ومعناه أنه كان قائماً في الخطبتين، ولو كانت الخطبة عن جلوس لما قال: [ كان يجلس بينهما ]. وقوله: [ (يقرأ القرآن ويذكر الناس) ] يعني: في الخطبة، وليس المقصود بين الخطبتين، وهذا فيه بيان ما تشتمل عليه الخطبة، وأنها تشتمل على تذكير الناس، وعلى وعظ الناس، وتبيين الأحكام الشرعية للناس، وعلى قراءة القرآن في الخطبة؛ لأن فيها تذكيراً، لاسيما سورة ق، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرؤها على المنبر؛ لكونها مشتملة على مواعظ وعبر. تراجم رجال إسناد حديث (كان لرسول الله خطبتان.. ) قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى ]. إبراهيم بن موسى ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وعثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ المعنى ]. يعني أن الروايتين متفقتان في المعنى مع الاختلاف في الألفاظ. [ عن أبي الأحوص ]. أبو الأحوص هو سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء أبو الأحوص في طبقة شيوخ شيوخ أبي داود فهو سلام بن سليم ، وأما إذا جاء في طبقة التابعين فهو عوف بن مالك. [ حدثنا سماك عن جابر بن سمرة ]. مر ذكرهما. حكم الاستغفار بين الخطبتين الخطيب في آخر خطبته الأولى يقول: أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، وبعض الناس يشرع في الاستغفار، وبعضهم يرفع يديه يدعو، ولا بأس بكل ذلك، ولكن لا يوجد دعاء معين، فالأمر فيه سعة؛ لأن الأمور التي ما جاء فيها شيء لا نفياً ولا إثباتاً لا نرى بها بأساً. شرح حديث (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً ثم يقعد.. ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً ثم يقعد قعدة لا يتكلم) وساق الحديث ]. أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل الحديث السابق. تراجم رجال إسناد حديث (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً ثم يقعد.. ) قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. أبو كامل هو الفضيل بن حسين الجحدري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك عن جابر ]. مر ذكرهما. الأسئلة حكم الخطبة بغير اللغة العربية السؤال: في البلدان غير العربية هل لأهلها أن يخطبوا بغير العربية أم تكون الخطبة الأولى بالعربية والثانية ترجمة لها؟ ! الجواب: بل تشتمل الخطبة على العربية وعلى غير العربية، فيستفيد من يفهم العربية ومن لا يفهم العربية. حكم ترجمة الخطيب لخطبته قبل أذان الجمعة السؤال: هل يدخل في النهي عن التحلق قبل صلاة الجمعة ما يقع في بعض البلدان، حيث يقوم الخطيب فيترجم خطبته التي سيلقيها قبل الأذان، ثم بعد الأذان يخطب باللغة العربية؟ الجواب: هذه الخطبة تكون قبل الصلاة، والتحلق قبل الصلاة جاء النهي عنه، ثم الإتيان بالترجمة قبل الصلاة لا يحصل لكل أحد؛ لأن الناس لا يكونون حاضرين كلهم، فإن الناس يحضرون شيئاً فشيئاً، والذي يبدو أن هذا داخل في ضمن النهي عن التحلق قبل الصلاة، والذي ينبغي أن يأتي بالخطبة بعضها بالعربية وبعضها بغير العربية. حكم إلقاء جميع الخطبة بغير اللغة العربية السؤال: لو كان كل الحاضرين لا يفهمون العربية فهل يخطب الخطيب بغير العربية؟ الجواب: يخطب الخطيب بالعربية ويكون الكلام الكثير والتوضيح بغير العربية، أما جعلها كلها بالأعجمية من أولها إلى آخرها فلا يصلح هذا. حكم جمع الظهر والعصر للمسافر تقديماً مع إمكان وصوله قبل دخول وقت العصر السؤال: إذا كان الرجل يسافر بالطائرة، وإقلاعها بعد دخول وقت الظهر، والوصول إلى المنطقة المقصودة سيكون قبل دخول وقت العصر، فهل من حقه أن يجمع الظهر والعصر جمع تقديم؟ الجواب: له ذلك إذا كان المطار خارج البلد، أما إذا كان المطار في البلد فليس له أن يجمع؛ لأن الإنسان لا يأتي بأحكام السفر إلا إذا فارق البنيان، ولا يترخص برخص السفر إلا إذا فارق البنيان، فإذا كان المطار خارج البلد فله أن يجمع، وإذا كان داخل البلد فليس له أن يجمع. أما إذا كانت المنطقة التي سيصل إليها هي بلدته فليس له أن يجمع ما دام أنه سيصل قبل العصر، لكن يصلي الظهر في المكان الذي هو فيه، ثم إذا وصل ودخل عليه وقت العصر فإنها يصليها في وقتها، ولا يتعذر بأنه سيصل متعباً، فإذا سمع (حي على الصلاة حي على الفلاح)، فليجب. حكم العمرة عن زوجة الأب السؤال: توفيت زوجة أبي فهل لي أن أعتمر عنها؟ الجواب: نعم لك أن تعتمر عنها، فالميت يشرع أن يعتمر عنه ويحج عنه. حكم زوجة الربيب السؤال: لي ربيب هو ابن زوجتي، فهل إذا تزوج تكون زوجته محرماً لي؟ الجواب: لا تكون محرماً له، ولكن بنته تكون محرماً له، فبنت الربيب هي ربيبة، فلا تحل للزوج بنت ابن زوجته؛ لأنها تعتبر من بنات زوجته، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن)، وأما زوجة الربيب فهي أجنبية منه. حكم أكل الطعام الذي يوزع بمناسبة المولد النبوي السؤال: هل يجوز أكل طعام أهل البدعة علماً بأنهم يصنعون هذا الطعام لهذه البدعة، كصنع الطعام للمولد النبوي؟ الجواب: الواجب تنبيههم على أن يبتعدوا عن البدع، ويتركوا الأمور المحرمة، وعلى الإنسان أن لا يأكل من الطعام الذي صنع لأمور مبتدعة ولأمور محرمة. حكم من لا يستطيع أن يصلي الجمعة بسبب عمله في بلاد الكفار السؤال: شخص مقيم في بلاد الكفار، ويعمل في مصنع، ولا يستطيع أن يصلي صلاة الجمعة في كل أسبوع بسبب عمله، فهل يجوز له أن يصلي صلاة الجمعة مرة واحدة في كل ثلاثة أسابيع؟ الجواب: الواجب عليه أنه يتفق مع الجهة التي يعمل فيها على أن يمكن من الصلوات؛ لأن هذا العمل ليس مثل عمل الحارس الذي يمكن أن يعذر في ترك الجمعة والجماعة، ولا شك في أن الإنسان إذا حرص على أن يتقي الله وأن يؤدي ما أوجبه الله عليه، وبذل ما يستطيع فإن الأمور تيسر له بإذن الله، ولكن بعض الناس يتهاونون ويتكاسلون ولا يهتمون ولا يحرصون، وإلا فإذا وجد منهم الحرص فإن هذا يكون دليلاً على نيتهم الصالحة، فيحرص أصحاب المصنع على الإبقاء عليهم؛ لأن من يكون أميناً فيما بينه وبين الله فإنه يكون أميناً فيما بينه وبين الناس، ويستدل على أمانته بتمسكه بدينه وقيامه بما يجب عليه. كيفية صلاة الفريضة على الطائرة السؤال: سنسافر بالطائرة إلى المغرب من جدة قبل صلاة الفجر بنصف ساعة، ولن تصل الطائرة إلى المغرب إلا بعد طلوع الشمس، فكيف نصلي الفجر في الطائرة؟ الجواب: يجب أن يصلي الفجر في الطائرة ما دام أن الوقت سيخرج وهو في الطائرة، ولا يؤخر الفجر، فيصلي في أي مكان يمكنه أن يستقبل فيه القبلة ويصلي ويركع ويسجد، وإذا كان لا يوجد مكان مناسب فينبغي أن يصلي على حسب حاله، لكنه إذا وجد مكاناً مناسباً فيجب عليه أن ينتقل من مكانه، ويصلي في ذلك المكان الذي يتمكن فيه من الركوع والسجود والقيام والقعود. ويتجه للقبلة، وإذا سارت به الطائرة ناحية المغرب فيصلي ويتجه إلى خلف الطائرة؛ لأن القبلة ستكون خلفه ما دام أنه مسافر إلى المغرب من جدة. حكم صلاة تحية المسجد وقت أذان الجمعة السؤال: إذا دخل الرجل المسجد والمؤذن يؤذن الأذان الثاني يوم الجمعة، فهل ينتظر حتى ينتهي من أذانه أم يصلي وهو يؤذن؟ الجواب: الذي يبدو أنه ينتظر ثم بعد ذلك يصلي ركعتين يتجوز فيهما. نصيحة لمن يطلب منه أبوه مالاً مع غناه عن مال ولده السؤال: لي أب يطالبني بأن أدفع له مالاً، مع العلم بأن لي إخوة، وهم مثلي يعملون، ولكن لا يطالبهم مثلي، وهو ليس محتاجاً، وإنما يقوم بأخذ هذا المال ليشتري به غنماً وإبلاً وهو ميسور الحال، وأنا بحاجة إلى المال؟ الجواب: احرص على إرضائه واسترضائه وتطييب خاطره، والاعتذار له بالعذر المناسب، وأن تتلطف معه، وتحسن إليه. الرد على من لا يرى مشروعية الأذان الأول يوم الجمعة السؤال: بعض الناس يقول: لا حاجة الآن لأذان عثمان رضي الله عنه؛ لأننا الآن في زمن الساعات والأجهزة التي ترفع الصوت؟ الجواب: الأذان كان على الزوراء عند السوق، والمقصود من هذا الأذان هو إعلام الناس بأن الوقت قد قرب حتى يستعدوا لصلاة الجمعة."
__________________
|
#259
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [138] الحلقة (169) شرح سنن أبي داود [138] لخطبة الجمعة أحكام وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها جواز اتكاء الخطيب على عصا ونحوها في الخطبة لتعينه في وقوفه، ومنها التقديم للخطبة بحمد الله والثناء عليه والاستعانة به وذكر الشهادتين، وكذلك تذكير الناس ووعظهم بما ينفعهم بجملة من آيات القرآن الكريم، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. الرجل يخطب على قوس شرح حديث اتكائه صلى الله عليه وسلم في الخطبة على عصا أو قوس قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الرجل يخطب على قوس. حدثنا سعيد بن منصور حدثنا شهاب بن خراش حدثني شعيب بن رزيق الطائفي قال: جلست إلى رجل له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: الحكم بن حزم الكلفي رضي الله عنه، فأنشأ يحدثنا قال: (وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه فقلنا: يا رسول الله! زرناك فادع الله لنا بخير، فأمر لنا بشيء من التمر والشأن إذ ذاك دون، فأقمنا بها أياماً شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام متوكئاً على عصا أو قوس فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات ثم قال: أيها الناس! إنكم لن تطيقوا -أو: لن تفعلوا- كل ما أمرتم به ،ولكن سددوا وأبشروا). قال أبو علي : سمعت أبا داود قال: ثبتني في شىء منه بعض أصحابنا، وقد كان انقطع من القرطاس ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب الرجل يخطب على قوس] أي أن الخطيب يخطب معتمداً على قوس أو على عصا في حال خطبته، وذلك ليكون أسكن له، وأدعى إلى عدم حركته وحركة يده، وأيضاً ليتكئ عليها، وفي ذلك تخفيف عليه من طول قيامه، فالاعتماد على العصا أو القوس هو لهذه الحكم. وأورد أبو داود رحمه الله حديث الحكم بن حزم الكلفي رضي الله تعالى عنه قال: [(وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه فقلنا: يا رسول الله! زرناك فادع الله لنا بخير، فأمر لنا بشيء من التمر)]. والمتاع والطعام قليل، وهو إشارة إلى قلة ذات اليد. قوله: [(فأقمنا بها أياماً شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام متوكئاً على عصاً أو قوس، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات، ثم قال: أيها الناس! إنكم لن تطيقوا -أو: لن تفعلوا- كل ما أمرتم به، ولكن سددوا وأبشروا) ]. الشاهد قوله: [(فقام متوكئاً على عصا أو قوس)]. والحديث دليل على ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفاقة ومن قلة ذات اليد، وكذلك ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكرم واللطف بالمسلمين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكذلك أيضاً كون الخطبة تشتمل على حمد الله عز وجل، وأنها تشتمل على كلمات واضحة جلية مفيدة مباركة، وكذلك أيضاً كون الرسول صلى الله عليه وسلم بين في خطبته أنهم لن يطيقوا كل ما أمروا به، ولكن عليهم السداد، وأن يفعلوا ما يستطيعون، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فقد قال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، ولهذا جاء في حديث عمران بن حصين الذي سبق أن مر بنا فيما يتعلق بالصلاة قوله صلى الله عليه وسلم: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) فالأوامر يأتي الإنسان بها على قدر طاقته وعلى قدر استطاعته: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وأما النواهي فإنها تروك، والتروك مستطاعة مطلقاً، وكل إنسان يستطيع الترك، ولكنه يحتاج إلى مجاهدة النفس، وإلى محاسبتها، وإلى كفها عن الإقدام على ما يعود عليها بالضرر، ولهذا جاء في الحديث: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، فقيد الأمر بالاستطاعة، والاجتناب ما قيده بالاستطاعة؛ لأنه مستطاع مطلقاً، فالنواهي يستطيع الإنسان تركها إذا وفق لمجاهدة نفسه وإبعادها عن الوقوع في المعاصي والمحرمات، وأما الأوامر فهي التي يكون فيها مشقة، وقد تستطاع وقد لا تستطاع، ولكن على الإنسان أن يأتي بالأوامر على قدر طاقته وعلى قدر استطاعته. تراجم رجال إسناد حديث اتكائه صلى الله عليه وسلم في الخطبة على عصا أو قوس قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شهاب بن خراش ]. شهاب بن خراش صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود . [ حدثني شعيب بن رزيق الطائفي ]. شعيب بن رزيق -بالراء المقدمة تصغير رزق- لا بأس به، أخرج له أبو داود، و(لا بأس به) بمعنى (صدوق) إلا أنها عند يحيى بن معين بمعنى (ثقة) وهذا اصطلاح خاص بيحيى بن معين رحمة الله عليه، فإنه إذا قال عن شخص: لا بأس به فهو يقصد أنه ثقة، ولهذا يقولها في حق أئمة كبار، ولا غرابة في ذلك، ولا مشاحة في الاصطلاح، وإذا فهم المقصود يزول الإشكال، وكلمة (لا بأس به) عند الحافظ ابن حجر هي بمعنى (صدوق). [ قال: جلست إلى رجل له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: الحكم بن حزم الكلفي ]. الحكم بن حزم الكلفي صحابي صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفد عليه، وحديثه أخرجه أبو داود . حكم اعتماد الخطيب على عصا وهذا الحديث لا بأس به، واعتماد الخطيب على عصا لا شك في أنه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمكن للخطيب أن يستند على المنبر، فإن المنبر على مقدار مساو لارتفاع العصا، ويحصل به المقصود، لكن إذا كان المنبر لا يمكن أن يعتمد عليه فإنه يعتمد على العصا كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فيه الخير والبركة. والاعتماد على السيف أو القوس كل ذلك مثل الاعتماد على العصا يحصل به المقصود، والقول بأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم فعله للحاجة ليس هناك شيء يدل عليه، وآلة القوس -كما هو معلوم- غير مستقيمة، بل هي مثل السيف فيها ميلان. تابع شرح حديث (شهدنا الجمعة مع رسول الله فقام متوكئاً على عصا أو قوس ..) وقوله: [ (ولكن سددوا وأبشروا) ]. يعني: افعلوا السداد الذي يمكنكم، وأبشروا بالأجر وبالثواب الجزيل، وبالعواقب الحميدة في الدنيا والآخرة. قوله: [كلمات خفيفات طيبات مباركات] يدل على أن خطبته صلى الله عليه وسلم كانت مشتملة على كلمات خفيفة واضحة جلية جامعة، وهو صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، فيأتي بالكلام الجامع الذي لفظه قليل ومعناه كثير؛ ولهذا جاء في الحديث: (إن قصر خطبة الرجل مئنة من فقهه)؛ لأنه يختار الكلام الجامع، والكلام الواضح الذي يثبت في أذهان السامعين ويستقر، ويخرجون من الخطبة بفائدة. تثبت أبي داود وأمانته قوله: [ قال أبو علي : سمعت أبا داود قال: ثبتني في شيء منه بعض أصحابنا، وقد كان انقطع من القرطاس ]. أبو علي هو اللؤلؤي راوي السنن عن أبي داود ، و أبو داود هو المصنف، قال: ثبتني بشيء من الحديث بعض أصحابنا. ومعناه أن بعض أصحابه الذين كانوا أخذوا معه الحديث ثبته، بمعنى أنه تحقق منه شيئاً فات عليه وانقطع من القرطاس، فذكره به بعض أصحابه فتذكر وتنبه. شرح حديث (كان إذا تشهد قال الحمد لله نستعينه ونستغفره..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عاصم حدثنا عمران عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن ابن مسعود رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال: الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً) ]. أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، ولا علاقة له بالترجمة، والترجمة التي عقدها المصنف يتعلق بها الحديث الأول فقط، ثم أتى بأحاديث عديدة لا علاقة لها بالترجمة؛ لأنها تتعلق بالخطبة، وبقصر الخطبة، وباشتمال الخطبة على أشياء من تذكير وقراءة قرآن، وما إلى ذلك. فلا أدري هل أتى بهذه الترجمة ثم جاء بعدها بأحاديث لا علاقة لها بها أو أن هناك ترجمة سقطت بعد الترجمة، وهي تتعلق بما تشتمل عليه الخطبة؟! وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال: [(الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره..)] إلى أن قال في آخره: [(من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً)]، وفيه الجمع في الضمير بين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في قوله: [(ومن يعصهما)] أي: من يعص الله ورسوله، وقد جاء ذلك في أحاديث منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) أي: مما سوى الله ورسوله، وكذلك الحديث الذي فيه: (إن الله ورسوله ينهيانكم عن الخمر) وسيأتي المصنف بحديث أن خطيباً خطب وقال: (ومن يعصهما فقد غوى) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (بئس الخطيب) ؛ لأنه جمع بين الله ورسوله في الضمير، وقد ذكر العلماء في الجواب عن هذا الاختلاف بين هذه الأحاديث أن الخطبة المقصود بها البسط والإيضاح، فكان الأمر يتطلب التفصيل ولا يتطلب التثنية، بخلاف الأمور التي فيها إرشاد وتعليم لأحكام شرعية فإنه يمكن أن يجمع فيها بين الضميرين، وقال بعض أهل العلم: إن التثنية خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم، فله أن يجمع في التثنية بين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وليس لغيره أن يفعل ذلك. قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد) ]. يعني: إذا أتى بالذكر الذي يكون في أول الخطبة المشتمل على التشهد، وتسمى المقدمة والديباجة التي تأتي بين يدي الخطبة، وتسمى تشهداً بأجل شيء وأعظم شيء فيها، كما أن التشهد الذي هو: (التحيات لله والصلوات الطيبات، السلام عليك -أيها النبي- ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) قيل له: تشهد من أجل (أشهد أن لا إله إلا الله) فيطلق على الشيء الكثير اسم أهم شيء فيه وأعظم شيء فيه. تراجم رجال إسناد حديث (كان إذا تشهد قال الحمد لله نستعينه ونستغفره ..) قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. محمد بن بشار البصري هو الملقب ببندار ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عاصم ]. أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عمران ]. هو عمران بن داور أبو العوام، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد ربه ]. هو عبد ربه بن أبي يزيد، وهو مستور، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبي عياض ]. هو أبو عياض عمير بن الأسود ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن ابن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. حال حديث (كان إذا تشهد قال الحمد لله نستعينه ونستغفره..) ذكر الشيخ الألباني هذا الحديث في ضعيف سنن أبي داود ، ولعل ذلك من أجل هذا المستور الذي هو عبد ربه بن أبي يزيد ، وكذلك من أجل عمران بن داور أبو العوام . خطبة الحاجة خطبة الحاجة جاءت في خطبة النكاح، ولا يلزم أن تكون في كل شيء، وأنه لا يبدأ أي خطبة إلا بها، فقد جاء عن الصحابة وعن غيرهم أنهم يبدءون بغير هذه الخطبة، فالتقيد بهذا اللفظ والالتزام به ليس واضحاً، وكون الإنسان يأتي بها ويأتي بغيرها الأمر في ذلك واسع، ولكن كونه يتقيد ويقول: لابد من أن يؤتى بها هذا هو الذي فيه إشكال، وأما كونه يأتي بها ويأتي بغيرها فالأمر في ذلك واسع. شرح حديث (ومن يعصهما فقد غوى ..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي أخبرنا ابن وهب عن يونس أنه سأل ابن شهاب عن تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فذكر نحوه قال: (ومن يعصهما فقد غوى)، ونسأل الله ربنا أن يجعلنا ممن يطيعه ويطيع رسوله ويتبع رضوانه ويجتنب سخطه فإنما نحن به وله]. أورد أبو داود هذا المرسل عن الزهري أنه سئل عن التشهد فذكر نحو الحديث المتقدم، أي: الحمد لله نحمده ونستعينه ... إلخ، إلا أنه قال في آخره: [(ومن يعصهما فقد غوى)] بدل قوله: (فلا يضر إلا نفسه) في الرواية السابقة، والزهري من صغار التابعين، فإضافته ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من قبيل المرسل. قوله: [ (ونسأل الله ربنا أن يجعلنا) ] هذا دعاء يحتمل أن يكون من أبي داود أو من الزهري أو من أحد الرواة. تراجم رجال إسناد حديث (ومن يعصهما فقد غوى ..) قوله: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي ]. هو محمد بن سلمة المرادي المصري ، ثقة أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو ابن شهاب هو الزهري ، وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث خطبة رجل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان بن سعيد قال: حدثني عبد العزيز بن رفيع عن تميم الطائي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن خطيباً خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى فقال: (قم -أو: اذهب-؛ بئس الخطيب أنت) ]. أورد أبو داود حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أن خطيباً خطب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى] فقال: [(قم -أو: اذهب-؛ بئس خطيب القوم أنت)] وفي بعض الألفاظ: (بئس خطيب القوم) بدون كلمة (أنت) وهذا فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام أنكر عليه الجمع في التثنية بين الله ورسوله حيث قال: [ومن يعصهما] وقد أشرت آنفاً إلى أن بعض أهل العلم جمع بين ما جاء من التثنية وما جاء من ذم هذا الخطيب أن الخطبة تشتمل على التفاصيل والإيضاح والبيان، ولا يناسبها الاختصار وجمع الضمائر، بخلاف الأحاديث التي هي مشتملة على بيان الأحكام، فإن الاختصار فيها والجمع في الضمائر فيها لا بأس به ولا مانع منه. تراجم رجال إسناد حديث خطبة رجل بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان بن سعيد ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبد العزيز بن رفيع ]. عبد العزيز بن رفيع ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن تميم الطائي ]. هو تميم بن طرفة الطائي، ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عدي بن حاتم ]. هو عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (ما حفظت (ق) إلا من في رسول الله ..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن خبيب عن عبد الله بن محمد بن معن عن بنت الحارث بن النعمان رضي الله عنها أنها قالت: (ما حفظت (ق) إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يخطب بها كل جمعة، قالت: وكان تنور رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنورنا واحداً). قال أبو داود : قال روح بن عبادة عن شعبة قال: بنت حارثة بن النعمان ، وقال ابن إسحاق : أم هشام بنت حارثة بن النعمان ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث بنت الحارث بن النعمان أو بنت حارثة بن النعمان -وهي صحابية- أنها قالت: [ما حفظت (ق) إلا من في رسول صلى الله عليه وسلم] تعني سورة (ق) [كان يخطب بها كل جمعة] وليس المقصود أنه يقرؤها من أولها إلى آخرها في الخطبة، وإنما يقرأ آيات منها؛ لأن قراءتها كلها في الخطبة فيه تطويل للخطبة، ولكن يحمل على أنه كان يأتي بآيات منها في أولها وفي وسطها وفي آخرها، فلكونه يأتي بها ويكررها حفظتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذه السورة مشتملة على أمور عظيمة تتعلق بالبعث والخلق، وتتعلق بأمور عظام مثل عذاب من يستحق العذاب، وكذلك فيها صفة الجنة وأهل الجنة، ومشتملة على عدة أمور وفوائد عظيمة، فمن أجل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بشيء منها في الخطبة. وقد كانت خطب رسول صلى الله عليه وسلم ليس فيها تطويل، وإنما يأتي فيها بكلمات جوامع، وبأمور جامعة، كما هو هديه وشأنه صلى الله عليه وسلم أنه أوتي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصاراً، بحيث يأتي بالكلام القليل المبنى الواسع المعنى. وابن القيم رحمه الله في أول كتابه الفوائد تكلم على هذه السورة وعلى معانيها ومقاصدها وما تشتمل عليه بكلام نفيس جداً، وبين ما اشتملت عليه هذه السورة العظيمة من الموضوعات ومن الأمور المهمة والأمور العظيمة. قالت: [وكان تنور رسول الله وتنورنا واحداً] فيه إشارة إلى قربها منه صلى الله عليه وسلم، وأن أهل بيتها كانوا جيراناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________________
|
#260
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث (ما حفظت (ق) إلا من في رسول الله ..) قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. مر ذكره. [ حدثنا محمد بن جعفر ]. هو محمد بن جعفر البصري، وهو الملقب بغندر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خبيب ]. هو خبيب بن عبد الرحمن، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن محمد بن معن ]. عبد الله محمد بن معن مقبول أخرج له مسلم و أبو داود . [ عن بنت الحارث بن النعمان ]. بنت الحارث بن النعمان صحابية أخرج حديثها مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة ، ويقال فيها: بنت حارثة بن النعمان ، و أم هشام بنت الحارث ، وهي واحدة جاء ذكرها على صيغ مختلفة، لكن ما ذكر اسمها، وهي أخت عمرة بنت عبد الرحمن ، قيل: إنها أختها من أمها أو أختها من الرضاع، وليست أختها من النسب؛ لأن هذه عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية ، وهذه بنت حارثة أو بنت الحارث بن النعمان . مشروعية قراءة (ق) في خطبة الجمعة قولها: [كل جمعة] يعني أنها سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم في عدة جمع يقرأ هذه السورة أو يقرأ شيئاً منها، فخطبه التي سمعتها هذه المرأة كان فيها شيء من سورة (ق). فكان يقرأ شيئاً من الآيات بعضها في موضوع واحد مثل ما جاء في أول سورة (ق) فيما يتعلق بالبعث ويتعلق بالاستدلال على البعث بإنبات النبات وإحياء الأرض بعد موتها، وكذلك ما جاء في وسطها من قدرته على الخلق، وأن القادر على الخلق الأول قادر على الخلق الثاني، ويمكن أن يتكلم في موضوع ثم يأتي بهذه الآيات التي تتعلق بها، كل هذا محتمل، ولكنها حفظت الآيات لكون الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكثر من قراءتها. حكم ترتيل الخطيب للآيات التي يستشهد بها وقراءة الخطيب للآيات عند الاستشهاد ليست كما يقرأ القرآن بترتيل، وإنما يأتي بها مثل بقية الخطبة، فبعض الخطباء يغير صوته عند قراءة القرآن، وهذا ليس بجيد؛ لأن مقام الاستشهاد غير مقام التلاوة. خلاف الرواة في اسم الصحابية راوية الحديث قوله: [ قال أبو داود : قال روح بن عبادة عن شعبة قال: بنت حارثة بن النعمان ]. روح بن عبادة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، قال عن شعبة أنه قال: [ بنت حارثة بن النعمان ]، والأول قال: [بنت الحارث بن النعمان ]. قوله: [ وقال ابن إسحاق : أم هشام بنت حارثة بن النعمان ]. يعني: مثل ما جاء في كلام روح إلا أنه زاد (أم هشام ). شرح حديث (كانت صلاته قصداً وخطبته قصداً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني سماك عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما أنه قال: (كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصداً وخطبته قصداً، يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت خطبته قصداً وكانت صلاته قصداً)] يعني: ليس فيها إطالة وتطويل، وإنما فيها إيجاز مع التمام، فخطبته كانت قصداً بمعنى أنها وجيزة ولكنها كاملة، وذلك أنه كان يأتي بالكلام الجامع المختصر الذي معناه واسع؛ لأنه أعطي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم، وجوامع الكلم هي الكلمات القليلة المباني الواسعة المعاني. قوله: [ (يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس) ]. يعني أن الخطبة كانت مشتملة على قراءة شيء من القرآن وعلى تذكير الناس. تراجم رجال إسناد حديث (كانت صلاته قصداً وخطبته قصداً) قوله: [ حدثنا مسدد ]. مر ذكره. [ حدثنا يحيى عن سفيان ]. يحيى مر ذكره، و سفيان الثوري مر ذكره أيضاً. [ عن سماك ]. سماك بن حرب صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله عنه حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (ما أخذت (ق) إلا من في رسول الله ...) من طريق ثانية قال المنصف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد حدثنا مروان حدثنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أختها رضي الله عنها قالت: (ما أخذت ق إلا من في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرؤها في كل جمعة). قال أبو داود : كذا قال يحيى بن أيوب و ابن أبي الرجال عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان ]. أورد أبو داود حديث أم هشام المتقدمة، وهي بنت حارثة بن النعمان أو بنت الحارث بن النعمان ، وفيه: عن عمرة عن أختها أنها قالت: (ما حفظت ق إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بها في كل جمعة). تراجم رجال إسناد حديث (ما أخذت ق إلا من في رسول الله ..) من طريق ثانية قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ]. محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا مروان ]. مروان بن محمد الطاطري ، ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا سليمان بن بلال ]. سليمان بن بلال ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرة ]. هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، وهي ثقة أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن أختها ]. هي أم هشام بن الحارث بن النعمان أو بنت حارثة بن النعمان ، وهي صحابية أخرج لها مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة ، وهي التي مر ذكرها. قوله: [ قال أبو داود : كذا قال يحيى بن أيوب و ابن أبي الرجال عن يحيى بن سعيد ]. يعني: رواه يحيى بن أيوب كالذي تقدم، أي: أنه قال: عن عمرة عن أختها كما قال سليمان بن بلال : عن عمرة عن أختها. ورواه ابن أبي الرجال عن يحيى بن سعيد بلفظ: عن عمرة عن أم هشام بنت الحارث ، هذه رواية ابن أبي الرجال ، وأما رواية يحيى بن أيوب فهي مثل رواية سليمان بن بلال ، وستأتي رواية يحيى بن أيوب في الإسناد الذي بعد هذا. ويحيى بن أيوب الغافقي صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و ابن أبي الرجال هو عبد الرحمن بن محمد ، وأبوه يقال له: أبو الرجال ، وهو لقب له وليس كنية، وأبوه الذي يقال له أبو الرجال له عشرة بنين، فكان يقال له: أبو الرجال ، وهذا لقب، مثل أبي الزناد ، فأبو الزناد لقب لا كنية، واسمه عبد الله بن ذكوان ، وكنيته أبو عبد الرحمن ، وهذا لقبه أبو الرجال ، وكنيته أبو عبد الرحمن ، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب السنن. [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وقد تقدم. [ عن عمرة عن أم هشام ]. المقصود أن ابن أبي الرجال قال: عن عمرة عن أم هشام بنت الحارث ، و سليمان بن بلال و يحيى بن أيوب قالا: عن عمرة عن أختها. إسناد آخر لحديث (ما أخذت (ق) إلا من في رسول الله ...) وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أخت لعمرة بنت عبد الرحمن كانت أكبر منها بمعناه ]. أورد المصنف الحديث من طريق عمرة بنت عبد الرحمن وقال: إنها أخت لها أكبر منها بمعناه، أي: بمعنى الحديث المتقدم الذي هو: (ما حفظت (ق) إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بها كل جمعة). قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. ابن السرح هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري، مر ذكره. [ أخبرني يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أختها ]. مر ذكرهم جميعاً. رفع اليدين على المنبر شرح حديث (رأيت رسول الله يدعو على المنبر بالسبابة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب رفع اليدين على المنبر. حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زائدة عن حصين بن عبد الرحمن أنه قال: رأى عمارة بن رويبة بشر بن مروان وهو يدعو في يوم جمعة فقال عمارة : قبح الله هاتين اليدين! قال زائدة : قال حصين : حدثني عمارة رضي الله عنه أنه قال: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ما يزيد على هذه. يعني السبابة التي تلي الإبهام) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [رفع اليدين على المنبر] يعني: ما حكم رفع اليدين على المنبر؟ والمقصود أن الخطيب لا يرفع يديه وهو يخطب على المنبر، إلا إذا استسقى في الخطبة يوم الجمعة فإنه يرفع اليدين؛ لأن ذلك ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما طلب منه رجل أن يستسقي، فرفع يديه ودعا، ولكن في غير الاستسقاء ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه، ورفع اليدين في الدعاء له ثلاثة أحوال: الأولى: حالات كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فيها بكثرة، ولم يعهد عنه أنه رفع يديه صلى الله عليه وسلم، وذلك في الخطب كما جاء في هذا الحديث الذي أورده المصنف أنه ما كان يرفع يديه، وإنما كان يكتفي بأن يشير بإصبعه السبابة، وكذلك بعد الصلوات المفروضة، فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي بالناس دائماً، ولم ينقل عنه أنه رفع يديه بالدعاء بعد الصلاة. الثانية: مواضع ورد فيها رفع اليدين، فترفع فيها الأيدي، مثل الوقوف على الصفا والمروة، ومثل الوقوف بعد رمي الجمرات الأولى والثانية، وغيرها من المواضع التي ورد فيها رفع اليدين. الثالثة: حالات مطلقة ليست من هذا ولا من هذا، فيكون الأمر فيها واسعاً، إن رفع يديه فله ذلك، وإن لم يرفع يديه فله ذلك. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عمارة بن رويبة رضي الله عنه أنه رأى بشر بن مروان وهو أمير يخطب وقد رفع يديه يدعو فقال: [قبح الله هاتين اليدين! لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ما يزيد على هذا. وأشار بالسبابة] يعني أنه يشير بالسبابة عند التشهد أو عند ذكر الله عز وجل، ولكن كونه يرفع يديه عند الدعاء فما رآه عمارة بن رويبة رضي الله عنه يفعل ذلك. والإشارة بالسبابة المقصود بها عندما كان يدعو، وبعض العلماء قال: أي: يشير إلى الناس في الخطبة، والذي يبدو أن المقصود من الإشارة التشهد وأنه يشير بذكر الله عز وجل، وكذلك عند الدعاء عند الخطبة، وقوله: [ما يزيد على هذا. وأشار بالسبابة ] يحتمل أن يكون مقصوده عند التشهد، وأنه يشير عند هذا الموطن فقط، ويحتمل أن يكون المراد عند الدعاء. ورفع اليدين في الاستسقاء يختلف؛ لأنه يجعل بطونها إلى الأرض في الاستسقاء فقط، وأما في غيره فترفع إلى السماء. تراجم رجال إسناد حديث (رأيت رسول الله يدعو على المنبر بالسبابة) قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زائدة ]. هو زائدة بن قدامة، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حصين بن عبد الرحمن ]. حصين بن عبد الرحمن السلمي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمارة بن رويبة ]. عمارة بن رويبة رضي الله عنه صحابي، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . وهذا الإسناد من الأسانيد الرباعية التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود ، وهو أن يكون بين أبي داود وبين رسول صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص. وقول الصحابي: [قبح الله هاتين اليدين!] يحتمل أنه قاله بين الخطبتين أو قاله فيما بعد؛ لأن السنة جاءت بأن الإنسان لا يتكلم وقت الخطبة، اللهم إلا إذا لم تكن بلغته الأحاديث التي فيها النهي عن الكلام وقت الخطبة، أما إذا بلغه النهي فإنه لا يخالفه. شرح حديث ( ما رأيت رسول الله شاهراً يديه قط يدعو ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا بشر -يعني ابن المفضل - حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن إسحاق - عن عبد الرحمن بن معاوية عن ابن أبي ذباب عن سهل بن سعد رضي الله عنهما أنه قال: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهراً يديه قط يدعو على منبره ولا على غيره، ولكن رأيته يقول هكذا. وأشار بالسبابة وعقد الوسطى بالإبهام) ]. أورد أبو داود حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: [ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهراً يديه قط يدعو على منبره ولا على غيره، ولكن رأيته يقول هكذا. وأشار بالسبابة وعقد الوسطى بالإبهام] وهذا مثل الحديث الذي قبله، يقول: ما رآه رافعاً يديه يدعو في خطبته ولا في غيرها، ومعلوم أنه ورد عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه في الاستسقاء، وكان يرفع يديه في أمور أخرى متعددة، مثل الدعاء عند الصفا والمروة، وعند رمي الجمرتين الأولى والثانية، والمنذري أو غيره ألف في ذلك رسالة جمع فيها الأحاديث في رفع اليدين في الدعاء. تراجم رجال إسناد حديث (ما رأيت رسول الله شاهراً يديه قط يدعو) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا بشر -يعني ابن المفضل- ]. مسدد تقدم، و بشر بن المفضل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن إسحاق- ]. هو عبد الرحمن بن إسحاق بن المديني، صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن معاوية ]. عبد الرحمن بن معاوية صدوق سيء الحفظ، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن ابن أبي ذباب ]. هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ذباب ، وهو ثقة أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن سهل بن سعد ]. سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الأسئلة اشتراط التقابض في الصرف السؤال: عندي ريالات سعودية وأريد تحويلها إلى عملة سودانية، ووجدت شخصاً يشتريها مني ولكن بشرط أن يرسلها لي إلى السودان وأستلمها هناك، فهل يعد هذا التعامل من الربا؟ الجواب: هذا لا يجوز؛ لأن هذا هو ربا النسيئة، ولكن كونه يأخذها منه قرضاً ثم يوفيه هناك بعملة البلد فلا بأس، أما كونه يعطيه ريالات سعودية ثم يستلم منه هناك ريالات سودانية فهذا هو ربا النسيئة؛ لأنه لا بد من التقابض، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) . حكم من نسي قراءة السورة بعد الفاتحة السؤال: إذا نسي الإنسان قراءة السورة التي بعد الفاتحة في ركعة من الركعات هل يسجد سجود السهو؟ الجواب: لا يسجد لهذا سجود السهو. حكم قول (قال الله بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) السؤال: هل يصح أن يقول الخطيب في الخطبة: (قال الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ثم يذكر الآية التي يريدها؟ الجواب: هذا غير جيد، وكذلك كونه يقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) إذا قال: (قال الله تعالى) فلا حاجة إلى ذلك؛ لأنه يستشهد وليس قارئاً، وإنما يؤتى بالاستعاذة عند القراءة، أما إذا كان الإنسان يستشهد فليقل: قال الله تعالى كذا ويذكر الآية، أو يأتي بمحل الشاهد من الآية بدون أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن هذا ليس مقام قراءة، و(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) يؤتى بها بين يدي القراءة. فالاستشهاد لا يؤتى فيه بالقراءة بترتيل، بحيث يغير الخطيب صوته من كونه يتكلم ويخطب إلى كونه يقرأ القرآن. أما إذا كان الإنسان يريد أن يقرأ شيئاً من القرآن في الخطبة، وأتى قبله بـ(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فلا بأس بذلك، لكن كونه يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم في مقام الاستشهاد لا يصلح، ولو كان يريد أن يسرد عشر آيات كأدلة فلا وجه للاستعاذة قبل كل آية. كيفية رفع اليدين في دعاء الاستسقاء السؤال: في دعاء الاستسقاء هل يرفع الخطيب الإصبع أو يرفع اليدين؟ الجواب: يرفع اليدين، وتكون بطونهما إلى الأرض، هكذا جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء خاصة. حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء السؤال: هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء؟ الجواب: وردت في ذلك أحاديث ضعيفة غير ثابتة، وهي لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. معنى الدعاء دبر الصلاة السؤال: متى يكون الدعاء في دبر كل صلاة هل هو بعد السلام أم قبل السلام؟ الجواب: الدبر يطلق على شيئين: يطلق على آخر الشيء وعلى ما يلي آخره، وقد ورد ذكر الدبر في الصلاة والمراد به ما بعد الصلاة، وجاء بلفظ مطلق يدخل تحته ما قبل الصلاة وما بعدها، ففي الحديث الذي فيه تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين هذا بعد الصلاة، وأطلق عليه دبر لأنه يلي آخر الشيء. ومن المعلوم أن الإنسان يكثر من الدعاء داخل الصلاة، أما بعد الصلاة فالإنسان يأتي بالاستغفار ثلاثاً، وهو دعاء ومعنى: (استغفر الله) أي: أطلب من الله المغفرة، وأسأل الله المغفرة، ولكن يأتي بعده ذكر، وإذا فرغ من الذكر وأراد أن يدعو فله أن يدعو لكنه لا يأتي بشيء قبل الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتي بهذا الذكر الذي هو: (اللهم أنت السلام ومنك السلام) إلى آخر الأذكار المعروفة، وإذا جلس في مكانه بعد ذلك وسأل الله عز وجل فلا بأس بذلك، والأمر في ذلك واسع. موضع دعاء الاستخارة السؤال: متى يكون دعاء الاستخارة؟ الجواب: دعاء الاستخارة يكون بعد السلام."
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |