|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#241
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [127] الحلقة (158) شرح سنن أبي داود [127] جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم سها في الصلاة، وهذا يدل على أن الأنبياء يجوز عليهم السهو في العبادات، لكن لا يحصل منهم السهو فيما شأنه التبليغ للوحي، فهم معصومون فيما يبلغون عن الله تعالى. ما جاء في السهو في السجدتين شرح حديث ذي اليدين من طريق حماد بن زيد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب السهو في السجدتين. حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة أنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر، قال فصلى بنا ركعتين ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يديه عليها إحداهما على الأخرى، يعرف في وجهه الغضب، ثم خرج سرعان الناس وهم يقولون: قصرت الصلاة، قصرت الصلاة، وفي الناس أبو بكر و عمر فهاباه أن يكلماه، فقام رجل كان رسول صلى الله عليه وسلم يسميه ذا اليدين ، فقال: يا رسول الله! أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: لم أنس ولم تقصر الصلاة، قال: بل نسيت يا رسول الله، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم، فقال: أصدق ذو اليدين ؟ فأومئوا: أي نعم، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتين ثم سلم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبر) قال: فقيل لمحمد : سلم في السهو؟ فقال: لم أحفظه عن أبي هريرة ، ولكن نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ باب السهو في السجدتين ]. والمقصود بالسجدتين الركعتان؛ لأن الركعة يقال لها: سجدة، ويقال لها: ركعة، فالمقصود من ذلك السهو في السلام من ركعتين في الثلاثية أو الرباعية. وسجود السهو يكون قبل السلام وبعده، فإذا كان سببه نقصاً يكون قبل السلام، كما في حديث ابن بحينة الذي فيه أنه قام وترك التشهد الأول، ثم سجد قبل أن يسلم سجدتين، وأما إذا كان سببه زيادة فإنه يكون بعد السلام كما في القصة التي أوردها أبو داود هنا من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم سلم سها في الصلاة وسلم من ركعتين، ثم روجع وكان يعتقد أنه قد أكمل الصلاة، فرجع إليها وصلى ثم سلم، وبعد السلام سجد للسهو. فالحاصل أن قوله: (السهو في السجدتين) معناه: السهو في الاقتصار على ركعتين في الصلاة الثلاثية أو الرباعية ساهياً؛ لأن الأحاديث التي أوردها أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة كلها تتعلق بالسهو في سجدتين، إلا أن في آخرها حديثاً عن عمران بن حصين أنه سها فسلم بعد الثالثة، فيكون في هذه الترجمة تغليب؛ لأنه ذكر فيها السهو في سجدتين والسهو في ثلاث؛ لكن أكثر الأحاديث التي وردت في سهو النبي صلى الله عليه وسلم قبل إكماله الركعات فيها الاقتصار على ركعتين، فلعل هذا هو الذي جعل أبا داود يقتصر على السجدتين في الترجمة. وتسمية الركعة سجدة تسمية للشيء باسم بعضه؛ لأن السجدة جزء من الركعة، فيسمى الشيء باسم بعضه، مثل ما مر بنا قريباً التشهد والمقصود به من التحيات... إلى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ لكن سمي الكل باسم بعضه الذي هو أهم شيء فيه، وهو أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة في أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم إحدى صلاتي العشي وهي الظهر أو العصر كما جاء ذلك في الحديث، والعشي هو آخر النهار من الزوال إلى الغروب؛ لأن ما قبل الزوال صباح وبكور وما بعد الزوال عشي ومساء، فقال: (إحدى صلاتي العشي) ثم فسرها بالظهر أو العصر، يعني: أنه شك. قوله: (ثم سلم، ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فوضع يديه عليها إحداهما على الأخرى، يعرف في وجهه الغضب صلى الله عليه وسلم) وجاء في بعض الروايات: (أنه شبك بين أصابعه واستند إلى هذه الخشبة المعروضة في المسجد). قوله: (وخرج سرعان الناس) يعني: الذين يخرجون من المسجد ولا يمكثون، فخرجوا وهم يقولون: (قصرت الصلاة، قصرت الصلاة) لأن الزمن زمن تشريع، ففهموا أن الصلاة لم تعد رباعية وأنه نسخ ذلك وصارت ثنائية، هذا هو الذي فهموه. وكان في الجالسين أبو بكر و عمر وشخص يقال له: ذو اليدين كان في يديه طول وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه ذا اليدين ، فقال: (يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟) يعني: هي واحدة من ثنتين: فإما أنه وقع نسيان، وإما أنه نزل الوحي وحصل تشريع بأن الصلاة الرباعية جعلت ثنائية. فقال عليه الصلاة والسلام: (لم أنس ولم تقصر الصلاة) أي: في علمي وفي ظني أنه ما حصل نسيان ولا حصل تشريع بأن الصلاة تقصر، فلما قال له ذلك قال: (بل نسيت يا رسول الله) أي: ما دام أنه لم يحدث تشريع بقصر الصلاة فالنسيان قد حصل، فالرسول صلى الله عليه وسلم التفت إلى الناس وقال: (أصدق ذو اليدين؟ ) لأن هذا ما اختص به شخص واحد، بل الناس مشتركون فيه، ولا يختص بعلمه أحد دون أحد. قوله: (فأومئوا: أي نعم) جاء في بعض الروايات أنهم قالوا: (نعم) ويمكن الجمع بينهما بأنهم جمعوا بين هذا وهذا، فأومئوا وقالوا: نعم، نوافق ما قاله ذو اليدين من أنه قد حصل النسيان. (فرجع عليه الصلاة والسلام إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتين، ثم سلم) أي: تشهد وسلم، ثم سجد سجدتين للسهو. وفي هذا الحديث قيل لراويه وهو محمد بن سيرين : (هل سلم في السهو؟ فقال: لم أحفظه عن أبي هريرة ؛ ولكن نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم)، فكلمة: (نبئت) معناه وجود واسطة؛ لأن قول الراوي: نبئت أن فلاناً قال كذا، معناه أن بينه وبينه واسطة وليس بمتصل، فلا يوجد اتصال في ذكر التسليم، لكن التسليم جاء في حديث عمران بن حصين الذي أورده المصنف في آخر الباب فإنه ذكر أنه سجد بعد السلام سجدتين وأنه سلم، فهذا الذي ذكره محمد بن سيرين عن عمران بن حصين جاء عنه بالإسناد المتصل كما سيأتي ذكره. ما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد والأحكام هذا الحديث يدل على مسائل كثيرة وعلى أنواع من الفقه، وقد ألف فيه الحافظ صلاح الدين العلائي كتاباً واسعاً في مجلد سماه: (نظم الفرائد فيما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد) فهو حديث مشتمل على فوائد كثيرة، ومن فوائد هذا الحديث: أن الأنبياء يحصل منهم السهو في العبادات ويحصل في الأفعال، وأما في الأقوال وما كان شأنه التبليغ فإنه لا يحصل منهم السهو؛ لأنهم مبلغون عن الله وحيه. وأما ما يقال من أنه لا يَنْسَى وإنما يُنَسَّى ليسن، فهذا ورد فيه حديث لكنه لا يصح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والرسول أخبر أنه ينسى كما ينسون، وهو بشر، ولكنه معصوم فيما يبلغ عن الله، وما يحصل منه من خطأ في العبادة نسياناً فإنه لا يقر عليه، بل ينبه. وفي الحديث دليل على أن الإنسان إذا سلم من صلاته وهو يعتقد إتمامها وهي لم تتم، وحصل كلام حول إتمامها وعدم إتمامها؛ أن ذلك لا يؤثر على الصلاة، بل يعود الإنسان إلى الصلاة ولو حصل هذا الكلام ويبني على ما قد حصل. وإذا حصل سهو في الصلاة واحتاج المأموم إلى أن ينبه الإمام لأمر سها فيه فلا يتكلم قائلاً: بقي ركعة أو بقي كذا وكذا، وإنما يقول: سبحان الله، فإن تنبه الإمام لذلك وإلا فإنه يأتي بشيء يشعر بالمطلوب كذكر شيء من القرآن، كأن يكون المطلوب ركوعاً فيقول: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] أو سجدة فيقول: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19] ونحو ذلك مما يحصل به التنبيه. وفي الحديث دليل على ذكر الإنسان بوصفه حيث يكون مشتهراً بذلك، وهذا فيما ليس فيه تنقص أو ذكر شيء لا يرضى به الشخص، فإنه لا يذكر الشخص بشيء يكرهه ولا يرضاه، والرجل كان معروفاً بهذا الوصف وكان يلقب بهذا اللقب ويقال له: ذو اليدين ؛ لأن في يديه طولاً، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: [ (أصدق ذو اليدين؟) ] واسمه: الخرباق ، ولقب بذي اليدين لأن يديه كان فيهما طول، فدل هذا على أن ذكر الإنسان بما يتميز به إذا لم يكن فيه تنقص جائز. وفيه: أن سجود السهو يكون بعد السلام إذا كان عن زيادة في الصلاة، والزيادة التي حصلت هنا هي السلام الذي وجد في أثنائها، لأنه لا يقال: إن السهو هنا سببه النقص؛ لأن النقص قد جبر بالركعتين اللتين أتي بهما، ولكن الشيء الذي زاد هو السلام؛ لأنه حصل في الصلاة تسليم في وسطها فكان زيادة، بخلاف النقص الذي يترك مثل التشهد الأول، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قام عنه ودخل في الركعة الثالثة استمر فسجد سجدتين جبراً للنقص، وكان ذلك قبل السلام، ولكنه إذا كان السهو بزيادة فإنه يسجد للسهو بعد السلام. وسجدتا السهو مثل سجدات الصلاة، لا يقال: إن لهما كيفية خاصة، ولا أن لهما ذكراً خاصاً، وإنما يفعل فيهما ما يفعل في سجود الصلاة، يسبح الله عز وجل ويدعى، وكذلك الجلسة بين السجدتين يدعى فيها ثم بعد ذلك يكون السلام. والحديث ليس فيه ذكر السلام، إلا أن محمد بن سيرين قال: (نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم ) وهذا الذي قاله محمد بن سيرين أنه بلغه عن عمران بن حصين ثبت بالإسناد المتصل الذي جاء في آخر الباب، وهو يدل على أن الإنسان يسلم من سجود السهو. قوله: (يعرف في وجهه الغضب) لعل هذا السهو الذي حصل له سببه الغضب؛ لأن الإنسان إذا كان فيه غضب قد يحصل له تشوش وقد يحصل له شيء من السهو. قوله: (ثم خرج سرعان الناس وهم يقولون: قصرت الصلاة.. قصرت الصلاة). وهؤلاء الذين خرجوا إذا كان الزمن لم يطل فإنهم يعودون مثلما عاد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإن طال الفصل وحصل وقت طويل فإنها تعاد الصلاة من أولها. قوله: (وفي الناس أبو بكر و عمر فهاباه أن يكلماه). لعل ذلك بسبب ما رئي في وجهه من الغضب صلى الله عليه وسلم. قوله: (فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أصدق ذو اليدين؟) في هذا دليل على أنه إذا حصل أمر يتعلق بجماعة وأخبر شخص بخبر حضره الناس، أنه يرجع إلى الناس حتى يتحقق؛ لأنه قد يكون هذا الذي أخبر هو الواهم؛ وهذا خبر ليس مقتصراً عليه؛ بل هو خبر اشترك فيه الناس؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ما اكتفى بقول ذي اليدين . قوله: (فأومئوا: أي نعم ) معناه: أومئوا دون أن يتكلموا. قوله: (فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مقامه) يعني: إلى مقامه الذي كان يصلي فيه؛ لأنه تبين أن الصلاة غير كاملة، فصلى الركعتين. وهنا لم يرد ذكر التكبير، ولا أدري هل جاء في رواية أخرى. ومن المعلوم أنه إذا قام من الركعة الثانية قام بتكبير؛ لكن لو حصل النسيان بعد الركعة الثالثة بأن جلس بعدها وسلم، ثم تبين أنه بقي ركعة، فهنا يقوم بدون تكبير؛ لأن التكبير للانتقال من السجود قد حصل، ومعناه أنه لا يأتي بتكبير آخر؛ لأن التكبير بعد الثالثة يكون عند القيام منها وقد وجد؛ لكن حدث بعده جلوس نسياناً وسهواً. وعلى هذا يفهم من قوله في الحديث: [ (إنه قام وصلى الركعتين) ] أن هناك تكبيراً؛ لأن القيام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة فيه تكبير، لكن القيام من الركعة الثالثة إلى الركعة الرابعة يكون الإنسان قد كبر عندما قام وجلس، وعليه فلا يعيد التكبير لو حصل السهو في القيام من ثالثة؛ لأن عدد التكبيرات في الصلاة معروف ومحصور. قوله: (ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبر، قال: فقيل لمحمد : سلم في السهو؟ فقال: لم أحفظه عن أبي هريرة ، ولكن نبئت أن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: ثم سلم). هذا فيه دليل على أنه لا يوجد تشهد بعد السجدتين، لأنه ما ذكر أنه تشهد، ومعناه أنه يأتي بعد السجدتين بسلام لا يسبقه تشهد؛ لأنه لم يأت ما يدل عليه، والأصل عدمه حتى يثبت. وقال بعض أهل العلم: إذا جلس بعد السلام يجلس للتشهد ثم يسلم، فيكون التشهد الذي بعد سجدتي السهو مسبوقاً بتشهد، والقول الصحيح أنه لا تشهد. تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين من طريق حماد بن زيد قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد بن درهم البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد ]. هو محمد بن سيرين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً. الأسئلة عدم دلالة حديث ذي اليدين على عدم قبول خبر الواحد السؤال: هل في حديث ذي اليدين دلالة على عدم قبول خبر الواحد؟ الجواب: حديث ذي اليدين لا يدل على أن خبر الواحد لا يقبل؛ لأنه ورد في أمر قابله اعتقاد ما هو خلافه، وهناك أناس حضروا، ويمكن التحقق من الأمر بحضورهم وسماعهم، فالذي عنده اعتقاد خلاف ما يقول هذا الشخص يجد ما يؤيده من كثرة الناس، فهذا لا يقال: إن فيه دليلاً على أنه لا يحتج بخبر الواحد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتقد بأنه قد أكمل الصلاة؛ وهذا شخص واحد يقول له: إنك سهوت، وهناك ناس حاضرون، فحصل السؤال حتى يتحقق من الأمر. والأحاديث التي تدل على قبول الخبر الواحد لا تحصى كثرة؛ وليس هذا مجال ذكرها. وقد جاء عن عمر رضي الله عنه أنه كان يتوثق في بعض المسائل، أي: يطلب من الذي يخبره أن يأتي بمن يؤيده ويشهد له، ولا يعني ذلك أنه إذا لم يأت بأحد أنه يرد الخبر؛ لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يحدث الحديث في مكان يحضره بعض الناس ويغيب عنه كثير من الناس، وكل يحدث بما سمع؛ ولكن عمر رضي الله عنه كان يريد أن يحتاط، وقد ذهب معاذ بن جبل إلى اليمن لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره بالدعوة إلى الله وأن يعلم الناس دينهم، وقامت الحجة عليهم بتعليم معاذ ، ولم يقل أهل اليمن لمعاذ : إننا لا نقبل كلامك حتى يأتي عدد كبير. وهكذا الرسول صلى الله عليه وسلم يرسل رسولاً واحداً يعلم الناس ويفقههم في الدين، وكان يتعين عليهم قبول خبره، والعمل بما يعلمهم إياه. إفادة خبر الواحد العلم السؤال: الحجة قائمة بخبر الواحد؛ لكن خبر الواحد هل يفيد الظن أو يفيد العلم؟ الجواب: الأصل أنه يفيد العلم، وتقوم به الحجة، وكونه يفيد الظن، هذا هو الذي جعل كثيراً من الناس لا يقبلون خبر الواحد وخاصة فيما يتعلق بالعقائد؛ لأنهم يقولون: إنه ليس حجة في العقائد؛ لأنه يفيد الظن. ومن المعلوم أن معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أرسل إلى اليمن كان يعلمهم العقيدة ويعلمهم التوحيد ويعلمهم الأصول والفروع. الأب ليس محرماً لزوجة أخي ولده لأم السؤال: لي أخ لأم قد تزوج فهل تكون زوجته محرماً لأبي؟ الجواب: أخوك لأمك زوجته أجنبية بالنسبة لأبيك؛ لأنه ليس من أولاده، فلا يدخل في قوله: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23] ؛ لأنه ليس ابناً له. حكم الطلاق قبل الدخول مع وجود الخلوة السؤال: رجل طلق زوجته قبل الدخول بها، لكن كانت بينهما خلوة، فهل لها الصداق كاملاً أم لها النصف؟ وهل عليها العدة أم لا؟ الجواب: إذا كانت الخلوة موجودة، وكان قد اختلى بها وتمكن منها وأغلق الباب عليهما، سواء فعل الجماع أو لم يفعل؛ فإن لها الصداق كاملاً وعليها العدة أيضاً، وله الحق في أن يراجعها. حكم زوج أم الزوج السؤال: امرأة متزوجة، فهل زوج أم زوجها محرم لها؟ الجواب: زوج أم الزوج ليس محرماً للزوجة. تقديم أذكار ما بعد الصلاة على السنن الراتبة السؤال: يقول: هل الأولى لي بعد الصلاة على الميت أن أؤدي النافلة للفريضة أم أجلس وأسبح ثم أقوم وأؤدي النافلة؟ الجواب: الأولى هو الجلوس؛ لأن التسبيح والذكر يؤتى به قبل النوافل، وليس محله بعد النوافل، وهذه الصلاة التي هي صلاة الجنازة طارئة تفوت، فلا يشتغل بالتسبيح عنها؛ لأنها ليست بيده، وأما النافلة فهي بيده، فلا يقدم النافلة على الذكر الذي يكون بعد الصلاة؛ لأنه تابع للصلاة."
__________________
|
#242
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [128] الحلقة (159) شرح سنن أبي داود [128] جاءت الأحاديث النبوية من طرق متعددة في سجود السهو، وفيها بيان ما يسجد له بعد التسليم، وما يبدله قبل التسليم. تابع ما جاء في السهو في السجدتين شرح حديث ذي اليدين من طريق مالك قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أيوب عن محمد بإسناده -وحديث حماد أتم- قال: (ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل: بنا، ولم يقل: فأومئوا، قال: فقال الناس: نعم، قال: ثم رفع ولم يقل: وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع)، وتم حديثه لم يذكر ما بعده، ولم يذكر فأومئوا إلا حماد بن زيد. قال أبو داود : وكل من روى هذا الحديث لم يقل: فكبر، ولا ذكر رجع ]. مر الكلام على حديث أبي هريرة من طريق حماد بن زيد عن أيوب ، ثم أورده أبو داود من طريق مالك عن أيوب ، وذكر أن هناك فروقاً بين رواية مالك ورواية حماد بن زيد ولم يسق لفظ مالك، ولكنه قال: لفظ حماد بن زيد أتم، وأشار إلى شيء من الفروق التي وقعت بين رواية مالك ورواية حماد بن زيد منها أنه قال: (صلى رسول الله، ولم يقل: صلى بنا)، يعني: أن في رواية مالك: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر) ولم يذكر لفظ: (بنا) كما ذكره حماد . قوله: (ولم يقل: فأومئوا) . أي: أما في رواية حماد بن زيد فقد ذكر: (فأومئوا: أي نعم) ومعناه أنهم ما تكلموا، وإنما حصل منهم إيماء يدل على الجواب بنعم، ولهذا قال: أي نعم، أي أن إيمائهم معناه: نعم، وأما رواية مالك فليس فيها أنهم أومئوا وإنما فيها أنهم قالوا: نعم، تكلماً. ويمكن الجمع بينهما بأنهم أومئوا وقالوا نعم، فيكون حماد بن زيد ذكر الإيماء، ومالك ذكر نعم. قوله: [ (قال: ثم رفع ولم يقل: وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع) ]. أي: ثم ذكر في رواية مالك شيئاً يتعلق بسجود السهو، وهو الذي كان بعد السلام، فمالك ذكره باختصار، فإنه ما ذكر التكبير إلا مرة واحدة، وأشار إلى السجدة الأولى دون أن يشير إلى التكبير لها والسجود، وإنما ذكر الرفع، ثم قال: (ثم كبر فسجد ثم رفع) ولم يقل: وكبر، وهذا فيه اختصار. ورواية حماد بن زيد المتقدمة فيها الجمع بين التكبير والسجود والرفع، وأنه يكبر لسجود السهو أربع مرات وأنه يرفع من كل سجدة ويكبر، ورواية مالك ليس فيها ذكر السجود ولا ذكر التكبير عند السجود في السجدة الأولى، وإنما فيها ذكر الرفع دون التكبير. ثم في السجدة الثانية ذكر التكبير والسجود، وعند الرفع منها فيها الرفع بدون ذكر التكبير، وهذا فيه اختصار؛ ولهذا يقول صاحب عون المعبود: إن رواية الإمام مالك في الموطأ توضح الإطلاق الذي جاء في رواية أبي داود ؛ لأن رواية أبي داود أنه قال: (ثم رفع)، ولم يذكر ما قبل ذلك من السجود والتكبير، ثم قال: (ثم كبر وسجد ثم رفع) ] ولم يذكر التكبير، وفي رواية مالك في الموطأ : (أنه كبر ثم سجد) يعني: للسجدة الأولى، ثم قال: (ثم رفع) ولم يقل: (وكبر) كما جاء هنا ذكر الرفع بدون تكبير، ثم قال: (ثم كبر وسجد) كما هنا أيضاً، ثم قال: (ثم رفع) ولم يذكر التكبير عند الرفع من السجود. وهذا فيه اختصار، ولاشك أن تكبير السهو مثل تكبير الصلاة، فيها سجدتان فيهما أربع تكبيرات وجلوس بين السجدتين كالحكم في السجدتين اللتين في الصلاة. وعلى هذا فرواية مالك التي في الموطأ فيها ما يوضح الإجمال أو الاختصار الذي في رواية أبي داود هنا. قوله: (ثم رفع ولم يقل: وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع)، وأتم حديثه لم يذكر ما بعده. أي: وتم حديثه ولم يذكر ما بعده من كونه سلم وكون محمد بن سيرين قيل له: هل سلم؟ فقال: لم أحفظه عن أبي هريرة ولكن نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم، والحديث سيأتي عن عمران بن حصين وفيه ذكر التسليم. قوله: (قال: ولم يذكر (فأومئوا) إلا حماد بن زيد ). يعني أن حماد بن زيد في الرواية السابقة هو الذي قال: (أومئوا) وغيره لم يذكرها، وإنما ذكروا أنهم قالوا: نعم. [ قال أبو داود : وكل من روى هذا الحديث لم يقل: فكبر ولا ذكر رجع ]. أي: أن كل من ذكر حديث أبي هريرة ، لم يذكر: فكبر، ولا ذكر أنه رجع إلى مكانه الذي صلى فيه بعد أن قام إلى خشبة معروضة، ووضع عليها يديه إحداهما على الأخرى، ولما قال له ذو اليدين ما قال استفسر من الناس، فأجابوه بما أجابه ذو اليدين ، ورجع إلى مقامه ودخل في صلاته. قوله: (لم يقل: فكبر) مشى صاحب عون المعبود على أن المقصود بها أنه كبر عند سجوده للسهو تكبيرة إحرام غير تكبيرة السجود، كما سيأتي في رواية هشام بن حسان عن محمد بن سيرين أنه قال: (كبر ثم كبر) أي: أنه كبر تكبيرة إحرام لسجود السهو، والمعنى أنه بعدما سلم دخل في السجدتين بتكبيرة إحرام. ويحتمل أن يكون المقصود من ذلك غير هذا الذي ذكره صاحب عون المعبود، وأن المقصود أنهم ما قالوا: فكبر عندما دخل في الركعة الثالثة وإنما دخل فيها بدون تكبير، حيث إنه رجع إلى مقامه فصلى الركعتين. لكن التكبير كما سبق أن أشرت وقع ضمن الركعة الثالثة؛ لأن المصلي عندما يجلس للتشهد يقوم مكبراً ويدخل في الركعة الثالثة، فيكون التكبير داخلاً فيها؛ لأن الركعة الثالثة أولها التكبير؛ لأنه قال: (قام فصلى الركعتين الباقيتين)، معناه أنه كبر تكبيرة الانتقال من الجلوس للتشهد الأول إلى الركعتين الباقيتين عند الدخول في الثالثة. وهذا يختلف فيما لو سها فجلس في الركعة الثالثة وقد نسي الركعة الرابعة، فإذا قام للركعة الرابعة فإنه يدخل بها بدون تكبير؛ لأن التكبير قد وجد عند القيام من السجود. فصاحب عون المعبود مشى على أن المراد به أنه كبر لسجود السهو تكبيرة إحرام، وهو الذي سيأتي قريباً من رواية هشام بن حسان ، وهي رواية شاذة؛ لأنها مخالفة للروايات الأخرى التي ما ذكرت هذا التكبير، وكل من ذكر السجدتين أنه كبر للسجود، ما قالوا: كبر للإحرام ثم كبر للسجود، إلا ما جاء في رواية هشام . تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين من طريق مالك قوله: ( حدثنا عبد الله بن مسلمة ). هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . ( عن مالك ). هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ( عن أيوب ). هو أيوب بن أبي تميمة السختياني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن محمد ). هو محمد بن سيرين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ بإسناده ]. أي إسناد محمد بن سيرين عن أبي هريرة إلى آخره. شرح حديث ذي اليدين من طريق سلمة بن علقمة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا بشر -يعني ابن المفضل -حدثنا سلمة -يعني ابن علقمة - عن محمد عن أبي هريرة قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمعنى حماد كله إلى آخر قوله: نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم، قال: قلت: فالتشهد؟ قال: لم أسمع في التشهد وأحب إلي أن يتشهد). ولم يذكر: (كان يسميه ذا اليدين )، ولا ذكر: فأومئوا، ولا ذكر الغضب، وحديث حماد عن أيوب أتم ]. أورد أبو داود طريقاً أخرى لحديث أبي هريرة رضي الله عنه وهي من رواية سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين ، وهي مثل رواية حماد بن زيد إلى آخر قوله: [ (نبئت أن عمران قال: ثم سلم) ]. قوله: (قلت: فالتشهد؟). هذا قول سلمة بن علقمة لمحمد بن سيرين ، يعني: هل تشهد بعد أن سجد للسهو؟ وذلك لأن حديث أبي هريرة ليس فيه ذكر السلام وإنما ذكره محمد عن عمران . قوله (قال: لم أسمع في التشهد وأحب ألي أن يتشهد)، هذا من قول محمد بن سيرين ، وكأنه فهم أن المعهود في التسليم أن يسبقه تشهد، لكن هذا كما هو معلوم فيه تطويل، وقد جاء التشهد في بعض الأحاديث التي فيها كلام، والأحاديث الكثيرة جاءت من حديث عمران بن حصين ومن حديث غيره، ولم يذكروا التشهد. قوله: [ ولم يذكر كان يسميه ذا اليدين ]. أي: ولم يذكر في هذه الرواية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمي الرجل الذي قال: (يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟) ذا اليدين . قوله: (ولا ذكر: فأومئوا ولا ذكر الغضب). أي: ولا ذكر فأومئوا التي مرت في حديث حماد بن زيد ، ولا ذكر أنه كان مغضباً لما قام إلى الخشبة كما مر في رواية حماد . قوله: (وحديث حماد عن أيوب أتم). أي: وحديث حماد عن أيوب أتم من حديث سلمة بن علقمة عن محمد . تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين من طريق سلمة بن علقمة قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . ( حدثنا بشر - يعني ابن المفضل - ). وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( حدثنا سلمة -يعني ابن علقمة -). وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . ( عن محمد عن أبي هريرة ). وقد مر ذكرهما. شرح حديث ذي اليدين مع ذكر زيادة في التكبير عن هشام قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن نصر بن علي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب و هشام و يحيى بن عتيق و ابن عون عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين : (أنه كبر وسجد، وقال هشام -يعني ابن حسان -: (كبر ثم كبر وسجد) . قال أبو داود : روى هذا الحديث أيضاً حبيب بن الشهيد و حميد و يونس و عاصم الأحول عن محمد عن أبي هريرة لم يذكر أحد منهم ما ذكر حماد بن زيد عن هشام : (أنه كبر ثم كبر وسجد) . وروى حماد بن سلمة و أبو بكر بن عياش هذا الحديث عن هشام لم يذكرا عنه هذا الذي ذكره حماد بن زيد : (أنه كبر ثم كبر) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة وذكر جماعة رووه عن محمد بن سيرين ، وأن في الذين رووه عن محمد بن سيرين هشام بن حسان ، و هشام بن حسان لما ذكر سجود السهو بعد السلام، قال: (كبر ثم كبر) ، يعني: كبر تكبيرة إحرام للسجدتين، ثم كبر للسجدة الأولى من السجدتين. وذكر أبو داود أن كل الذين رووه ما ذكروا (أنه كبر ثم كبر) إلا هشام بن حسان . وعلى هذا فيكون ذكر التكبير للإحرام فيه شذوذ؛ لأنه إنما جاء من طريق هشام بن حسان ، وكل الذين رووه وهم كثيرون، وقد سردهم المصنف ومر منهم جماعة في الحديث الأول والذي بعده، لم يذكروا أنه كبر للإحرام ثم كبر للسجود. وعلى هذا فإن الإنسان عندما يسلم ثم يسجد بعد السلام، فإنه يكبر تكبير السجود ولا يكبر تكبيرتين: تكبيرة للإحرام، وتكبيرة للسجود. تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين مع ذكر زيادة في التكبير عن هشام قوله: ( حدثنا علي بن نصر بن علي ). هو علي بن نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، وأبوه نصر بن علي كثيراً ما يأتي ذكره في الأحاديث، يروي عنه أبو داود مباشرة، وهنا روى عن ابنه علي بن نصر وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . ( حدثنا سليمان بن حرب ). هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( حدثنا حماد بن زيد ). هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن أيوب ). مر ذكره. ( و هشام ). هو هشام بن حسان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( و يحيى بن عتيق ). ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . ( و ابن عون ). هو عبد الله بن عون وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن محمد عن أبي هريرة ). محمد هو ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، وقد مر ذكرهما. ( قال أبو داود : روى هذا الحديث أيضاً حبيب بن الشهيد ). حبيب بن الشهيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( و حميد ). هو حميد بن أبي حميد الطويل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( و يونس ). هو يونس بن عبيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( و عاصم الأحول ). هو عاصم بن سليمان الأحول وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن محمد عن أبي هريرة لم يذكر أحد منهم ما ذكر حماد بن زيد عن هشام ). يعني فهؤلاء الذين تقدموا والذين ذكرهم بعد ذلك؛ كل هؤلاء رووه من هذا الطريق الذي رواه هشام بن حسان ، ومع ذلك ما قالوا: (كبر ثم كبر). ( وروى حماد بن سلمة و أبو بكر بن عياش هذا الحديث عن هشام لم يذكرا عنه هذا الذي ذكره حماد بن زيد : (أنه كبر ثم كبر) ). ومعناه: أن هشام بن حسان في بعض الروايات عنه ما قال: (كبر ثم كبر)، وإنما جاءت الزيادة من طريق حماد بن زيد عنه. وعلى هذا فهشام جاء عنه شيء يوافق الجماعة وشيء يخالف الجماعة، فروايته التي توافق الجماعة هي الأولى، ويمكن أن يكون الخطأ من حماد ويحتمل أن يكون منه. شرح حديث ذي اليدين من طريق الأوزاعي عن الزهري قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب و أبي سلمة و عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة بهذه القصة قال: (ولم يسجد سجدتي السهو حتى يقَّنه الله ذلك) ]. أورد المصنف حديث أبي هريرة من طريق أخرى بهذه القصة وفيها أنه قال: (ولم يسجد سجدتي السهو حتى يقنه الله ذلك) أي: حتى يقنه أنه قد سها، لكن هذا التيقين الذي حصل له من الله، هل هو بوحي؟ أو أنه ذكر فتذكر؟ الأحاديث جاءت في أنه قال له ذو اليدين ما قال، وأنه قال للناس: (أكما يقول: ذو اليدين)، ولما قيل له: إنك قد نسيت قام، يحتمل أنه حصل له وحي من الله عز وجل، وأن الصحابة أخبروه قبل ذلك، ويحتمل أنه لم يحصل له وحي، ولكنه حصل له اليقين بوجود هذا الجمع الكثير الذين صلوا وراءه، وأخبروه بأنه قد نسي. تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين من طريق الأوزاعي عن الزهري قوله: ( حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ). محمد بن يحيى بن فارس هو الذهلي وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. ( عن محمد بن كثير ). هو ابن أبي عطاء الثقفي ، وهو صدوق كثير الغلط، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . وقد سبق أن مر بنا أن أبا داود يروي عن محمد بن كثير كثيراً، وهو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهنا يروي عن محمد بن كثير بواسطة، ومعنى هذا أن الذي روى عنه بواسطة هو محمد بن كثير الثقفي ، وليس محمد بن كثير العبدي ، فإذا جاء في طبقة شيوخه محمد بن كثير فهو العبدي ، وإذا جاء في طبقة شيوخ شيوخه محمد بن كثير فهو الثقفي . ( عن الأوزاعي ). هو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن الزهري ). هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن سعيد بن المسيب ). هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة. ( و أبي سلمة ). هو أبو سلمة بن عبد الرحمن وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم. ( و عبيد الله بن عبد الله ). هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة. فهذا الإسناد فيه اثنان من الفقهاء السبعة باتفاق وواحد منهم على اختلاف فيه، وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . ( عن أبي هريرة ). قد مر ذكره. شرح حديث ذي اليدين من طريق أبي بكر بن سليمان قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حجاج بن أبي يعقوب حدثنا يعقوب -يعني ابن إبراهيم - حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة أخبره أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر قال: (ولم يسجد السجدتين اللتين تسجدان إذا شك حتى لقاه الناس) ]. ذكر بعد ذلك رواية أبي بكر بن سليمان أنه بلغه في هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد السجدتين اللتين تسجدان إذا شك حتى لقاه الناس، أي: حتى أخبره الناس وبينوا له أنه قد سها، وذلك حين علموا بأنها لم تقصر الصلاة وكانوا لم ينبهوه؛ لأن الزمن زمن الوحي؛ ولهذا مر في الحديث: (أن سرعان الناس خرجوا وهم يقولون: قصرت الصلاة، قصرت الصلاة). فهذا يفيد بأن الناس هم الذين أخبروه، وأن تيقنه إنما حصل من الناس، وفي الرواية السابقة: (حتى يقنه الله ذلك)، أنه إما يقنه الله بوحي، أو بتذكير الناس إياه ذلك كما جاء في هذه الرواية. تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين من طريق أبي بكر بن سليمان قوله: ( حدثنا حجاج بن أبي يعقوب ). ثقة أخرج له مسلم و أبو داود . حدثنا يعقوب -يعني ابن إبراهيم - ]. هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبي ]. هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن صالح ). هو صالح بن كيسان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن ابن شهاب أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة ). ابن شهاب مر ذكره وهو الزهري ، يأتي ذكره بلفظ الزهري وبلفظ ابن شهاب كثيراً، اشتهر بنسبته إلى جده شهاب واشتهر بنسبته إلى الزهري ، وهو نسبة إلى زهرة بن كلاب جده الأعلى. و أبو بكر بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة ، وهو هنا مرسل؛ لأنه ما ذكر الصحابي، ولكنه كما هو معلوم موافق للرواية السابقة، والصحابي الذي اشتهر عنه السلام من سجدتين هو أبو هريرة ، وإن كان قد جاء عن غيره. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال ابن شهاب : وأخبرني بهذا الخبر سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، قال: وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن و أبو بكر بن الحارث بن هشام و عبيد الله بن عبد الله ]. سعيد و أبو هريرة قد مر ذكرهما. ( قال: وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ). وقد مر ذكره. ( و أبو بكر بن الحارث بن هشام ). أبو بكر بن الحارث بن هشام أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ( و عبيد الله بن عبد الله ). عبيد الله بن عبد الله مر ذكره، أحد الفقهاء السبعة. شرح حديث ذي اليدين مع عدم ذكر السجدتين [ قال أبو داود : رواه يحيى بن أبي كثير و عمران بن أبي أنس عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه جميعاً عن أبي هريرة بهذه القصة ولم يذكر: أنه سجد السجدتين ]. ذكر المصنف رحمه الله ذكر الله هذه الرواية لهذه القصة التي تقدمت عن أبي هريرة وليس فيها أنه سجد سجدتي السهو، وهذا مخالف للروايات السابقة التي فيها إثبات السجدتين، فالسجود للسهو بعد السلام ثابت بالروايات الكثيرة المتعددة، فرواية من نفاها رواية غير صحيحة، فهي إما شاذة وإما منكرة.
__________________
|
#243
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين مع عدم ذكر السجدتين قوله: ( قال أبو داود : رواه يحيى بن أبي كثير ). هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( و عمران بن أبي أنس ). وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . ( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه ). أبو سلمة بن عبد الرحمن مر ذكره، و العلاء بن عبد الرحمن صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. وأبوه ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. ( قال أبو داود : ورواه الزبيدي عن الزهري عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: (ولم يسجد سجدتي السهو) ]. هذه الرواية أيضاً غير صحيحة، وهي مخالفة للروايات السابقة من الطرق المتعددة الدالة على حصول السجدتين بعد السلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ( قال أبو داود : ورواه الزبيدي ). هو محمد بن الوليد الزبيدي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . ( عن الزهري عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة ). وقد مر ذكرهما. شرح حديث: (أن النبي صلى الظهر فسلم في الركعتين ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر فسلم في الركعتين، فقيل له: نقصت الصلاة؟ فصلى ركعتين ثم سجد سجدتين) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهي أخصر من طريق حماد بن زيد التي مرت، وهو مثله فيما تقدم من الأحكام، وليس فيه شيء زائد. قوله: (صلى الظهر). أي: أنه حدث ذلك في الظهر، وهناك قال: (إحدى صلاتي العشي الظهر أم العصر). قوله: (فسلم في الركعتين فقيل له: نقصت الصلاة؟ فصلى ركعتين ثم سجد سجدتين). هذه الرواية ليس فيها ذكر السلام، وكذلك الرواية السابقة عن أبي هريرة ليس فيها ذكر السلام، إلا أن السلام سيأتي من رواية عمران بن حصين . تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الظهر فسلم في الركعتين ...) قوله: (حدثنا عبيد الله بن معاذ ). هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . ( حدثنا أبي ). هو معاذ بن معاذ العنبري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( حدثنا شعبة ). هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. (عن سعد بن إبراهيم ). وقد مر ذكره. ( سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكرهما أيضاً. شرح حديث أبي هريرة في عدم ذكر سجدتي السهو من طريق المقبري قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسماعيل بن أسد أخبرنا شبابة حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من الركعتين من صلاة المكتوبة، فقال له رجل: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ قال: كل ذلك لم أفعل! فقال الناس: قد فعلت ذلك يا رسول الله، فركع ركعتين أخريين، ثم انصرف ولم يسجد سجدتي السهو) ]. وهذا أيضاً مثل الذي قبله من رواية أبي هريرة ، عدم ذكر سجدتي السهو، وهي مخالفة للروايات الصحيحة السابقة التي فيها أنه سجد للسهو سجدتين. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في عدم ذكر سجدتي السهو من طريق المقبري قوله: ( حدثنا إسماعيل بن أسد ). صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . ( أخبرنا شبابة ). هو شبابة بن سوار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. (حدثنا ابن أبي ذئب ). هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ). وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن أبي هريرة ). وقد مر ذكره. شرح حديث أبي هريرة مع ذكر سجود السهو من طريق أبي سفيان [ قال أبو داود : رواه داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة قال: (ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم) ]. أورد المصنف رحمه الله هذه الطريق الأخرى وهي مثل التي قبلها، إلا أن فيها ذكر السجدتين بعد التسليم كما سبق في الروايات الصحيحة. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة مع ذكر سجود السهو من طريق أبي سفيان ( قال أبو داود : رواه داود بن الحصين ). داود بن الحصين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد ). وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن أبي هريرة ). وقد مر ذكره. شرح حديث أبي هريرة في السهو من طريق ضمضم بن جوس قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا عكرمة بن عمار عن ضمضم بن جوس الهفاني حدثني أبو هريرة بهذا الخبر قال: (ثم سجد سجدتي السهو بعد ما سلم) ]. أورد المصنف حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه ما في الروايات السابقة من حصول السجدتين بعد السلام، وأن ذلك هو الثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن السهو وجد ووجد السجود له، ولكنه بعد السلام كما عرفنا. ثم كونه عليه الصلاة والسلام سجد بعد السلام يدلنا على أن السجود للزيادة يكون بعد السلام. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في السهو من طريق ضمضم بن جوس قوله: ( حدثنا هارون بن عبد الله ). هو هارون بن عبد الله الحمال وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. ( حدثنا هاشم بن القاسم ). ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( حدثنا عكرمة بن عمار ). صدوق يغلط، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. ( عن ضمضم بن جوس الهفاني ). وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن. ( حدثني أبي هريرة ). شرح حديث سجود السهو من طريق ابن عمر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت حدثنا أبو أسامة ، ح وحدثنا محمد بن العلاء أخبرنا أبو أسامة أخبرني عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم في الركعتين -فذكر نحو حديث ابن سيرين عن أبي هريرة - قال: ثم سلم ثم سجد سجدتي السهو) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وهو مثل حديث أبي هريرة، وفي القصة، ولهذا اختصره وأحال إلى رواية أبي هريرة ، وذكر أنه سلم ثم سجد سجدتي السهو، ولم يذكر التسليم، وإنما ذكره عمران بن حصين كما سيأتي. تراجم رجال إسناد حديث سجود السهو من طريق ابن عمر قوله: ( حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت ). أحمد بن محمد بن ثابت ثقة، وحديثه أخرجه أبو داود. ( حدثنا أبي أسامة ). أبو أسامة حماد بن أسامة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. (ح وحدثنا محمد بن العلاء ). هو أبو كريب محمد بن العلاء بن كريب الهمداني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( أخبرنا أبو أسامة أخبرني عبيد الله ). أبو أسامة مر ذكره، و عبيد الله هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن نافع ). هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( عن ابن عمر ). هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الرواية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. شرح حديث السهو من طريق عمران بن حصين قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع ح وحدثنا مسدد حدثنا مسلمة بن محمد قالا: حدثنا خالد الحذاء حدثنا أبو قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال: (سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر ثم دخل -قال عن مسلمة : الحُجَر- فقام إليه رجل يقال له: الخرباق -كان طويل اليدين- فقال له: أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مغضباً يجر رداءه، فقال: أصدق؟ قالوا: نعم، فصلى تلك الركعة ثم سلم، ثم سجد سجدتيها ثم سلم) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه وهو الذي أشرت آنفاً أن فيه ذكر التسليم بعد سجود السهو، وهو الذي قال محمد بن سيرين : نبئت أن عمران بن حصين قال: (ثم سلم). وعرفنا أن رواية ابن سيرين فيها انقطاع حيث قال: نبئت، ولكن الحديث جاء متصلاً في هذه الرواية. وهذا الحديث فيه قصة سهو الرسول صلى الله عليه وسلم قبل إتمام الصلاة، إلا أن الروايات السابقة من حديث أبي هريرة ومن حديث ابن عمر : (أنه سلم من ركعتين، ثم أخبر فقام وصلى الركعتين الباقيتين وسلم، ثم سجد للسهو) ، وليس فيهما ذكر التسليم. أما رواية عمران بن حصين التي معنا ففيها أنه صلى ثلاث ركعات ثم سلم، وأنه خرج ودخل الحجر، وهذا يخالف ما تقدم من أنه قام إلى خشبة معروضة ووضع يديه عليها، ثم روجع فرجع إلى مقامه وصلى، وإنما فيه أنه دخل حجره صلى الله عليه وسلم، (فقال له رجل: أقصرت الصلاة؟ فخرج مغضباً يجر رداءه فقال: أصدق؟ يعني: هذا الرجل الذي هو الخرباق ، وهو ذو اليدين ، وكأن هاتين القصتين فيهما أن هذا الرجل الذي هو ذو اليدين هو الذي قال له ما قال. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم الناس فصدقوا ذا اليدين ، فقام وصلى الركعة الرابعة، ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم، وفي هذه الرواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم مشى كثيراً حيث ذهب ودخل الحجر، وأنه لما أخبر رجع وصلى الركعة الباقية وسلم، ثم سجد بعد السلام سجدتين ثم سلم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. والذي يبدو أنهما قصتان؛ لأن هذه فيها ثلاث ركعات، وتلك فيها ركعتان، وهذه فيها أنه دخل الحجر، ورواية أبي هريرة المتقدمة، وكذلك رواية ابن عمر ليس فيهما أنه ذهب إلى الحجر، ولكنه كان في المسجد. قوله: (عن مسلمة ) معناه: أن الذي ذكر دخول الحجر هو مسلمة بن محمد ولم يذكر ذلك يزيد بن زريع . وقد روى يعقوب بن إسحاق الإسفرييني هذا الحديث في مستخرجه من طريق أبي داود وبإسناده، وقال عند قوله: (قال عن مسلمة ): (قال غير مسلمة فجعل كلمة (غير) مكان (عن) وهو كما قال عند مسلم و النسائي و ابن ماجة الذين خرجوا هذا الحديث عن غير مسلمة ، فغير مسلمة هم: يزيد بن زريع ، وإسماعيل بن إبراهيم ابن علية و عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، فهؤلاء ثلاثة، اثنان منهم عند مسلم وهم ابن علية و عبد الوهاب الثقفي ، وواحد منهم عند النسائي وهو يزيد بن زريع ، وكذلك عبد الوهاب الثقفي عند ابن ماجة ، فصار هؤلاء الثلاثة وهم غير مسلمة هم الذين ذكروا أنه دخل الحُجَر. فيكون قوله (قال:غير مسلمة ) إشارة إلى يزيد بن زريع وغيره ممن ذكر دخوله الحجر، ويكون مسلمة هو الذي اقتصر على قوله: (دخل)، بخلاف ما يوهمه كلامه هنا من أن مسلمة هو الذي قال: (دخل الحجر). فعلى هذا تكون (عن) هنا مصحفة عن كلمة (غير)، كما هو واضح من وجود الحديث عند يعقوب بن إسحاق الإسفراييني من طريق أبي داود . ويؤكد لنا التصحيف أن هذه الكلمة جاءت على خلاف ما هو معهود من أبي داود ، فإنه يقول: قال فلان قال فلان، وهنا قال: (قال عن مسلمة ) فيظهر أنه أراد: قال غير مسلمة ، فتصحف. تراجم رجال إسناد حديث السهو من طريق عمران بن حصين قوله: ( حدثنا مسدد ). مسدد بن مسرهد مر ذكره. ( حدثنا يزيد بن زريع ). يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ( ح: وحدثنا مسدد عن مسلمة بن محمد ). مسلمة بن محمد لين الحديث، أخرج له أبو داود . ) قالا: حدثنا خالد الحذاء ). هو خالد بن مهران الحذاء وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. (حدثنا أبو قلابة ). هو عبد الله بن زيد الجرمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. (عن أبي المهلب ). هو الجرمي عم أبي قلابة المتقدم، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. (عن عمران بن حصين ). هو عمران بن حصين أبو نجيد ، صحابي جليل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. الأسئلة حكم زيارة المدينة في رجب السؤال: هل زيارة المدينة النبوية في شهر رجب أفضل من غيرها من الشهور؟ الجواب: لم يأت شيء يدل على تفضيل عمل في رجب لا في المدينة ولا في غيرها. فشهر رجب لا يخص عن الشهور بشيء؛ لأنه لم يثبت في ذلك سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما ثبت في رجب أنه شهر من الأشهر الحرم كذي القعدة وذي الحجة والمحرم. بيان ما يفعله المسبوق عند جلوس الإمام للتشهد الأخير السؤال: نرجو توضيح كيفية جلوس المسبوق إذا وجد الإمام في الركعة الأخيرة؟ وهل يدعو فيها بدعاء التشهد الأول أو الأخير؟ الجواب: المسبوق إذا جاء والإمام في التشهد الأخير يجلس كجلوس الإمام وكجلوس المصلين الذين لم يسبقوا، فيجلس متوركاً كما جاءت في ذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالإمام يتورك ومن وراءه يتورك والمسبوق يتورك، ولا يعتبر نفسه أنه في التشهد الأول، بل يأتي بالتشهد ويأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو ويكثر الدعاء حتى يسلم الإمام، فهو يتابع الإمام في هيئة الجلوس وفي كونه يتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويتخير من الدعاء ما شاء، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وليس معنى ذلك أنه يجلس في التشهد يسكت، بل يفعل كما يفعل الإمام. حكم سلام المأموم مع سلام الإمام السؤال: ما حكم صلاة من يسلم مع الإمام محتجاً بما جاء في البخاري من حديث عتبان رضي الله عنه أنه قال: (صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم فسلمنا حين سلم) ؟ الجواب: هذا الحديث لا يدل على أنه سلم معه ولا قبله، وإنما معناه أنه يتابعه، يعني: أنه حين سلم سلموا معه، وحين وجد منه السلام وجد منهم السلام. وسبق أن مر الحديث الذي ذكرنا أن له حكم الرفع، وفيه أن حدر السلام سنة، وأن المقصود من ذلك أنه لا يطول السلام حتى لا يحصل من بعض الناس بسبب التطويل أنه يوافق الإمام أو يسابق الإمام، وإنما يأتي به متوسطاً لا بسرعة شديدة ولا بتباطؤ شديد، وذلك حتى يحصل الخروج من الصلاة بدون تطويل، وحتى لا يحصل من المصلين المسابقة أو الموافقة. حكم ذبائح من يستغيث بالأموات السؤال: ما حكم الذبائح التي تباع في الأسواق والتي يقوم بذبحها من يستغيث أو يستعين بالأموات والأنبياء وأصحاب القبور؟ الجواب: الذي عرف بأنه يستغيث بغير الله ويطلب حاجاته من الموتى، ويرجوهم ويدعوهم؛ فهذا لا تؤكل ذبيحته؛ لأن هذا شرك بالله عز وجل. حكم رسم خطوط في المسجد لتسوية الصفوف السؤال: هل يجوز جعل الخطوط على الأرض لتسوية الصفوف؟ الجواب: الخطوط التي تلصق أو يؤتى بخيوط تمد؛ هذا ليس له أساس، لكن لو أنه وضع في الفراش الذي يحاك خطوط على هيئة الصفوف فلا بأس، وإن كان فيه تكلف. حكم جعل المنبر أكثر من ثلاث درجات السؤال: هل كون المنبر الذي له أكثر من ثلاث درجات من البدع أو أنه ليس من الأمور التعبدية؟ الجواب: السنة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لا يكون طويلاً، لكن إذا كان أطول من ذلك يخطب عليه ولا بأس بذلك. الاستخلاف في الصلاة بعد السهو السؤال: إذا حدث لجماعة في المسجد مثل ما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حديث ذي اليدين ، فهل يجوز أن يصلي رجل غير الإمام الأول بالجماعة الركعتين اللتين سها عنهما الإمام الأول مع وجود الإمام الأول؟ الجواب: الأصل أن الإمام الأول هو الذي يصلي وهو أولى بالصلاة، وما الذي يمنع الإمام أن يصلي بالناس ما بقي من الصلاة. نعم، إذا خرج بسرعة وتكلم الناس فيما بعد، فإنه يكمل واحد منهم، لكن ما دام الإمام موجوداً فهو أحق بالإمامة. وكما هو معلوم فإن الصلاة تصح بإمامين واحد بعد الثاني عن طريق الاستخلاف؛ لكن ما دام الإمام موجوداً فهو أحق بالإمامة من غيره. حكم الطلاق في الحيض السؤال: هل يقع الطلاق في الحيض أو لا يقع؟ الجواب: جمهور العلماء على أنه يقع. حكم طلاق الحائض والحامل السؤال: طلق رجل زوجته طلقتين في الحيض، ثم طلقها طلقة ثالثة وهي حامل، فهل تعتبر الآن بائناً؟ الجواب: الصحيح أن الطلاق يقع في الحيض وله المراجعة كما جاء في قصة عبد الله بن عمر رضي الله عنه في تطليق زوجته وهي حائض، قال: (مره فليراجعها). فإذا طلق في الحيض ثم راجع، ثم طلق مرة ثانية في الحيض ثم راجع، ثم طلق وهي حامل فإن امرأته تبين منه؛ لأن الطلقة الثالثة هي آخر الطلقات، والطلاق في الحيض معتبر."
__________________
|
#244
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [129] الحلقة (160) شرح سنن أبي داود [129] من يسر الإسلام وسماحته أنه رفع الحرج عن المسلم بسبب السهو والنسيان، ومن ذلك السهو في الصلاة، لكنه شرع ما يجبر ذلك السهو، فشرع سجدتي السهو؛ فإن أخطأ الإنسان في صلاته جبرتها، وإن كانت صلاته تامة كانتا ترغيماً للشيطان. باب إذا صلى خمساً شرح حديث ابن مسعود من طريق الحكم عن إبراهيم النخعي قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب إذا صلى خمساً. حدثنا حفص بن عمر و مسلم بن إبراهيم المعنى قال حفص : حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر خمساً، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قال: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعدما سلم) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب إذا صلى خمساً، أي: من زاد في الصلاة خامسة في الصلاة الرباعية سهواً ماذا عليه؟ وأورد حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: [ (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر خمساً) ]. وهذا الحديث فيه أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم تابعوه؛ لأن الزمن زمن تشريع، فهم يخشون أن يكون زيد في الصلاة. وأما بعد زمنه صلى الله عليه وسلم فقد استقرت الأحكام، وانتهى التشريع، فإذا قام الإمام إلى خامسة فإن المأمومين يسبحون ويجلسون ولا يتابعونه؛ لأن هذه زيادة، ولا تجوز الزيادة في الصلاة، والإمام إذا سها فإنه يسبح له حتى يرجع، وإذا استمر فإن على من تحقق أن الركعة زائدة أن يجلس وينتظر حتى يسلم الإمام فيسلم معه، ولا يجوز له أن يتابعه وهو يعلم أنها زائدة. ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخبروه سجد سجدتين بعد أن سلم وتكلم معهم، وهذا يدلنا على أن سجود السهو يكون بعد السلام فيما إذا كان عن زيادة. وهذا الذي في حديث عبد الله بن مسعود في كون الرسول صلى الله عليه وسلم صلى خمساً وسجد بعد السلام مطابق لما جاء في حديث ذي اليدين ، الذي فيه السجود بعد السلام؛ وذلك لأنه زيد في الصلاة تسليم في وسطها، فمن أجل ذلك صار سجود السهو بعد السلام. وبعض أهل العلم يقول: إن سجود السهو كله يكون قبل السلام، وبعضهم يقول: كله يكون بعد السلام، والذي قال: يكون كله قبل السلام قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سجد بعد السلام؛ لأنه ذكر بعد السلام، فبعد أن ذكروه سجد للسهو؛ لأنه فات محله الذي هو قبل السلام. لكن لو كان الأمر كما يقول من قال هذا من أهل العلم لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الواجب هو اتباعه عليه الصلاة والسلام، وقد سجد بعد السلام، فيسجد بعد السلام فيما كان بسبب الزيادة. وعلى هذا فإن القول الصحيح في سجود السهو: أن ما جاء فيه تفصيل من أن السجود يكون فيه بعد السلام كالزيادة في الصلاة، فيكون السجود فيه بعد السلام، وما كان بسبب نقص في الصلاة مثل ترك التشهد الأول، فإنه يكون قبل السلام، كما سيأتي في حديث عبد الله بن بحينة رضي الله تعالى عنه. وسيأتي بعض المواضع التي فيها تفصيل في غير الزيادة والنقصان، وذلك فيما إذا حصل شك وبنى على الأقل، فإنه يسجد قبل السلام، وإذا حصل شك في زيادة أو نقص وبنى على غالب ظنه وتحرى الصواب، فإنه يسجد بعد السلام، كما سيأتي من حديث عبد الله بن مسعود في بعض الطرق في هذا الباب الذي معنا. تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود من طريق الحكم عن إبراهيم النخعي قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ و مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ المعنى ]. أي أن هذين الشيخين ليست روايتهما متفقة لفظاً ومعنى، وإنما هي متفقة بالمعنى مع الاختلاف في بعض الألفاظ. [ قال حفص : حدثنا شعبة ]. أي: أنه ساقه على لفظ حفص، وهو شيخه الأول، وهذه إحدى الطرق التي يبين بها أبو داود من له اللفظ؛ لأنه قد يقول: وهذا لفظ فلان، أو: وهذا لفظه. وأحياناً قد يبين ذلك بالطريقة التي ذكرها هنا. [ حدثنا شعبة ]. شعبة هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحكم ]. هو ابن عتيبة الكندي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة ]. هو علقمة بن قيس النخعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. و إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي أكثر من الرواية عن علقمة ، وكذلك عن الأسود ، وحيث جاء إبراهيم مهملاً غير منسوب وهو يروي عن علقمة أو عن الأسود ، فإن المقصود به إبراهيم النخعي . وسيأتي في هذا الباب رواية إبراهيم بن سويد عن علقمة عن ابن مسعود ، وقد احتيج إلى أن ينص عليه؛ لأنه مُقل من الرواية عن علقمة ، بل لم يرو عن علقمة في الكتب الستة إلا حديثاً واحداً، وأما إبراهيم بن يزيد فهو الذي روى عنه الشيء الكثير؛ ولهذا يأتي مهملاً غير منسوب؛ لأن الذهن ينصرف إليه. و إبراهيم النخعي هذا هو الذي نقل عنه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في كتاب التوحيد قال: قال إبراهيم : كانوا يضربوننا على اليمين والعهد ونحن صغار. يعني: أنهم كانوا يعظمون في نفوسهم اليمين والعهد حتى لا يتساهلوا ويتهاونوا فيهما. وذكر ابن القيم في زاد المعاد عند حديث الذباب أن أول من عرف عنه في الإسلام أنه عبر بهذه العبارة: (ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه) هو إبراهيم النخعي ، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده. شرح حديث ابن مسعود من طريق منصور عن إبراهيم النخعي قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال: قال عبد الله رضي الله عنه: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -قال إبراهيم : فلا أدري زاد أم نقص- فلما سلم قيل له: يا رسول الله! أحدث في الصلاة شيء؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت كذا وكذا، فثنى رجله واستقبل القبلة فسجد بهم سجدتين ثم سلم، فلما انفتل أقبل علينا بوجهه صلى الله عليه وسلم فقال: إنه لو حدث في الصلاة شىء أنبأتكم به؛ ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وقال: إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتين) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من طريق أخرى وفيه أنه صلى بهم فزاد أو نقص، وهذا شك من إبراهيم ، لكن الرواية السابقة ليس فيها شك، وإنما هي جزم بالزيادة. وفي الرواية السابقة أنه سجد بعد السلام، وهنا أرشدهم عليه الصلاة والسلام إلى أنه إذا وجد من أحدهم شك فإنه يتحرى الصواب، فيتم الصلاة عليه، ثم بعد ذلك يسلم، ثم يأتي بعد ذلك بالسجدتين ويسلم. فهذا الحديث فيه ذكر الشك، والحديث الذي قبله ليس فيه ذكر الشك، فيكون الذي فيه عدم ذكر الشك هو الأولى. قوله: [ (لو حدث شيء لأنبأتكم به) ]. أي: لو حصل زيادة ونسخ وتغيير في الحكم الشرعي وفي أعداد الركعات في الصلوات لأنبأتكم به. قوله: [ (ثم ثنى رجله واستقبل القبلة فسجد بهم سجدتين) ]. أي: بعد السلام، ثم سلم بعد هاتين السجدتين. قوله: [ (فلما انفتل أقبل علينا بوجهه صلى الله عليه وسلم فقال: إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني) ]. أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سجد سجدتي السهو بعد أن ذكروا له ما ذكروا، انصرف إليهم وأقبل عليهم بعد ذلك وقال: [ (لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به، وإنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني) ] وقد مر أن الرسل عليهم الصلاة والسلام يحصل لهم النسيان في العبادات وفي الأعمال، لكنهم لا يقرون على ذلك. وقوله: [ (فإذا نسيت فذكروني) ]. التذكير يكون بالتسبيح كما تقدم في الأحاديث أنه يسبح الرجال وتصفق النساء. قوله: [ (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتين) ]. أي: عليه أن يتحرى الصواب سواء كان هو العدد الأكبر أو الأقل. والحديث فيه بيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سجود السهو يكون بعد السلام إذا حصل شك وتحرى المصلي الصواب فبنى على غالب ظنه. تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود من طريق منصور عن إبراهيم النخعي قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي، ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن جرير ]. جرير هو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ]. هؤلاء مر ذكرهم جميعاً. شرح حديث ابن مسعود من طريق الأعمش عن إبراهيم النخعي قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه بهذا قال: (فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين، ثم تحول فسجد سجدتين). قال أبو داود : رواه حصين نحو حديث الأعمش ]. أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه إشارة إلى بعض الفروق، وأنه تحول وسجد، وقد مر ذلك، إلا أن الألفاظ تختلف؛ فإنه هنا قال: [ (ثم تحول فسجد سجدتين) ]. [ قال أبو داود : رواه حصين نحو حديث الأعمش ]. يعني: حصين بن عبد الرحمن السلمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود من طريق الأعمش عن إبراهيم النخعي قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله ]. هو محمد بن عبد الله بن نمير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ]. هؤلاء قد مر ذكرهم. شرح حديث ابن مسعود من طريق إبراهيم بن سويد عن علقمة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا جرير ح وحدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير وهذا حديث يوسف عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم بن سويد عن علقمة قال: قال عبد الله رضي الله عنه: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً، فلما انفتل توشوش القوم بينهم، فقال: ماشأنكم؟ قالوا: يا رسول الله! هل زيد في الصلاة؟ قال: لا. قالوا: فإنك قد صليت خمساً، فانفتل فسجد سجدتين، ثم سلم، ثم قال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه من طريق إبراهيم بن سويد عن علقمة ، وهو موافق لبعض روايات إبراهيم النخعي إلا في بعض الألفاظ. قوله: [ (فلما انفتل توشوش القوم) ]. أي: صار بعضهم يتكلم مع بعض خفية. قوله: [ (فانفتل فسجد) ]. أي: رجع إلى الحالة التي كان عليها قبل أن ينصرف إليهم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم. تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود من طريق إبراهيم بن سويد عن علقمة قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا جرير ]. هو ابن عبد الحميد، وقد مر ذكره. [ ح وحدثنا يوسف بن موسى ]. يوسف بن موسى صدوق أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ حدثنا جرير ]. هو ابن عبد الحميد . [ وهذا حديث يوسف ]. أي: شيخه يوسف بن موسى . [ عن الحسن بن عبيد الله ]. الحسن بن عبيد الله ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن إبراهيم بن سويد ]. هو إبراهيم بن سويد النخعي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. وقد ذكرت أنه حيث جاء إبراهيم عن علقمة النخعي مهملاً غير منسوب فالمراد به إبراهيم بن يزيد ، فإذا أريد غيره فإنه ينسب لقلة روايته، وإبراهيم بن سويد ليس له رواية في الكتب الستة عن علقمة إلا هذا الحديث الواحد، أما إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي فله أحاديث كثيرة جداً، يرويها عن علقمة كما هو موجود في تحفة الأشراف. [ عن علقمة عن عبد الله ]. علقمة وعبد الله مر ذكرهما. شرح حديث: (أن رسول الله صلى يوماً فسلم وقد بقيت من الصلاة ركعة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث -يعني ابن سعد - عن يزيد بن أبي حبيب أن سويد بن قيس أخبره عن معاوية بن حديج رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوماً فسلم وقد بقيت من الصلاة ركعة، فأدركه رجل فقال: نسيت من الصلاة ركعة! فرجع فدخل المسجد وأمر بلالاً فأقام الصلاة فصلى للناس ركعة فأخبرت بذلك الناس فقالوا لي: أتعرف الرجل؟ قلت: لا، إلا أن أراه، فمر بي فقلت: هذا هو، فقالوا: هذا طلحة بن عبيد الله) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث معاوية بن حديج ، مصغراً، وهو بالحاء المهملة، وليس بالخاء، وليس فيه ذكر السجود، ولكن سجود السهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يكون الحديث فيه اختصار. وهذا الحديث مثل حديث عمران بن حصين الذي هو آخر حديث في الباب السابق، إلا أن هذا فيه أنه أمر بلالاً فأقام، وفي حديث عمران أنه دخل بدون إقامة، وهذا يدل على حصول الإقامة من بلال بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث عمران يدل على عدمها. فالإتيان بها سائغ كما أتى في هذا الحديث، وعدم الإتيان بها سائغ كما جاء في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه. والإتيان بالإقامة هو ذكر لله عز وجل، فهو ليس كلاماً خارجاً عن الصلاة، أو عما هو مطلوب في الصلاة، ثم أيضاً لعل الإقامة حصلت لأجل تنبيه الناس الذين ما كان عندهم تنبه لذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى يوماً فسلم وقد بقيت من الصلاة ركعة...) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث يعني ابن سعد ]. الليث بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي حبيب ]. هو يزيد بن أبي حبيب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن سويد بن قيس ]. سويد بن قيس ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن معاوية بن حديج ]. معاوية بن حديج رضي الله عنه صحابي صغير، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . باب إذا شك في الثنتين والثلاث من قال: يلقي الشك شرح حديث أبي سعيد: (إذا شك أحدكم في صلاته ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا شك في الثنتين والثلاث من قال: يلقي الشك. حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو خالد عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شك أحدكم في صلاته فليلق الشك وليبن على اليقين، فإذا استيقن التمام سجد سجدتين، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة والسجدتان، وإن كانت ناقصة كانت الركعة تماماً لصلاته وكانت السجدتان مرغمتي الشيطان). قال أبو داود : رواه هشام بن سعد و محمد بن مطرف عن زيد عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي خالد أشبع ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب من شك في الثنتين والثلاث من قال: يلقي الشك. ومعناه: أنه يلقي الشيء الذي شك في زيادته ويبني على اليقين الذي هو العدد الأقل، فإذا شك هل صلى ثنتين أو ثلاثاً كان الشك في الثالثة، وأما الاثنتان فهما متحققتان، فهنا يلغي الثالثة، ويبني على العدد الأقل؛ لأنه المتيقن، هذا هو المقصود من الترجمة. والسجود فيما كان من هذا القبيل هو قبل السلام. قوله: [ (فإذا استيقن التمام) ]. أي: أتى بالصلاة وأكملها بناءً على أنه ترك الشك الذي هو الثالثة مثلاً، وبنى على المتيقن الذي هو ركعتان، فأتى بركعتين كمل بهما الأربع. قوله: [ (فإذا استيقن التمام سجد السجدتين) ]. أي: سجد سجدتين قبل أن يسلم. قوله: [ (فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة والسجدتان) ]. أي: إذا تبين أو احتمل أن الشك الذي ألقاه كان قد أتى به فتكون الركعة خامسة؛ فهذه الخامسة تكون نافلة إن كان الأمر كذلك، وكذلك السجدتان تكونان نافلة؛ لأن السجدتان زائدتان والركعة زائدة. قوله: [ (وإن كانت ناقصة) ]. يعني: على اعتبار أنها ثنتان، فتكون السجدتان مرغمتين للشيطان؛ لأن الإنسان أتى بصلاته وليس فيها زيادة، إلا هاتان السجدتان، فيكون فيهما إرغام للشيطان، أي: إذلال له؛ لأنه مأخوذ من الرغام وهو التراب، ويقال: أرغم الله أنفه، أي: ألصقه بالتراب. ووجه إرغام الشيطان: أن الصلاة حصلت على ما هي عليه ليس فيها زيادة.
__________________
|
#245
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد: (إذا شك أحدكم في صلاته ...) قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والإمام أبو داود رحمه الله يذكره باسمه كثيراً، والإمام مسلم رحمه الله يذكره بكنيته. [ حدثنا أبو خالد ]. هو أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد ]. هو سعد بن مالك بن سنان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : رواه هشام بن سعد و محمد بن مطرف عن زيد عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. هذه الطريق فيها متابعة لمن تقدم. وقوله: [ رواه هشام بن سعد ]. هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ و محمد بن مطرف ]. محمد بن مطرف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد ]. هؤلاء قد مر ذكرهم. وقوله: [ وحديث أبي خالد أشبع ]. يعني: أتم. شرح حديث: (أن النبي سمى سجدتي السهو المرغمتين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة أخبرنا الفضل بن موسى عن عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى سجدتي السهو المرغمتين) ]. أورد المصنف هذا الأثر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى سجدتي السهو المرغمتين) ]. وقد مر ذكر إطلاق الرسول صلى الله عليه وسلم عليهما بأنهما مرغمتان في الحديث السابق، وهذا من ابن عباس رضي الله عنه فيه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم سماهما المرغمتين، أي: المرغمتين للشيطان؛ لأن الصلاة تمت والشك لا يترتب عليه إلا حصول هاتين السجدتين، وفيهما إرغام للشيطان؛ لأنه سجود لله عز وجل بسبب هذا الشك الذي لم يكن له حقيقة في الواقع، والشيطان قد أمر بالسجود فامتنع. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي سمى سجدتي السهو المرغمتين) قوله: [ حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة ]. محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ أخبرنا الفضل بن موسى ]. الفضل بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن كيسان ]. عبد الله بن كيسان صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود . [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (إذا شك أحدكم في صلاته فلا يدري كم صلى ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا شك أحدكم في صلاته فلا يدري كم صلى: ثلاثاً أو أربعاً، فليصل ركعة وليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم، فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين، وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث مرسلاً عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر أبا سعيد ؛ لكنه وإن كان مرسلاً إلا أن الصحابي معروف في الرواية الأخرى التي جاءت تسميته فيها وهو أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه. وهو مثلما تقدم في متنه. وقوله: [ (إذا شك أحدكم في صلاته فلا يدري كم صلى ثلاثاً أو أربعاً، فليصل ركعة وليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم) ]، أي: أنه يبني على اليقين، ويعتبرها اثنتين، ويسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم، فهذا فيه بيان أن السجود يكون قبل التسليم، فيما إذا كان سببه الشك، ثم البناء على اليقين الذي هو العدد الأقل. قوله: [ (فإن كانت الركعة التي صلاها خامسة شفعها بهاتين) ]. أي: السجدتين، فهما تضافان إليها، وكأنها لما كانت خامسة فأضيف إليها سجدتان صارت صلاة مشفوعة وليست وتراً. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا شك أحدكم في صلاته فلا يدري كم صلى...) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ]. قد مر ذكرهما. شرح حديث: (إذا شك أحدكم في صلاته فإن استيقن ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن القاري عن زيد بن أسلم بإسناد مالك قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا شك أحدكم في صلاته فإن استيقن أن قد صلى ثلاثاً فليقم فليتم ركعة بسجودها، ثم يجلس فيتشهد، فإذا فرغ فلم يبق إلا أن يسلم فليسجد سجدتين وهو جالس، ثم ليسلم)، ثم ذكر معنى مالك . قال أبو داود : وكذلك رواه ابن وهب عن مالك و حفص بن ميسرة و داود بن قيس و هشام بن سعد إلا أن هشاماً بلغ به أبا سعيد الخدري ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد من هذه الطريق الأخرى، وقال: إنها مثل إسناد مالك ، ومعنى هذا أنها تكون مرسلة؛ لأنها عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس فيه ذكر أبي سعيد الخدري . ثم إنه ذكر أن جماعة رووه أيضاً كما روي من هذه الطريق، ليس فيه عن أحد ذكر أبي سعيد الخدري إلا عن واحد من هؤلاء الذين رووه وهو هشام بن سعد؛ فإنه بلغ به إلى أبي سعيد الخدري ، ومعنى هذا أنه يكون متصلاً. لكن المتصل وغير المتصل كل منهما لا بأس به؛ لأن الاتصال ثابت، والإرسال منتفٍ لوجود ومعرفة الصحابي الساقط بين عطاء بن يسار وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسقوط الصحابي لا يؤثر، وإنما المحذور في المرسل ألا يعرف الساقط هل هو صحابي أو تابعي، ثم إذا كان تابعياً: هل هو ثقة أو غير ثقة؟ أما لو عرف أنه ما سقط إلا الصحابي فإن سقوط الصحابي لا يؤثر، وهذه الطرق التي فيها سقوط الصحابي جاء في بعض الطرق إثباته، وهو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه. فيكون الحديث متصلاً بذلك. قوله: [ (إذا شك أحدكم في صلاته فإن استيقن أن قد صلى ثلاثاً فليقم فليتم ركعة بسجودها ثم يجلس فيتشهد)]. معناه: أنه يبني على اليقين، فإذا تحقق بأنه صلى ثلاثاً وإنما الشك في الرابعة، فإنه يقوم ويأتي برابعة ويقطع الشك باليقين، ثم يتشهد ويسجد سجدتين قبل أن يسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا شك أحدكم في صلاته فإن استيقن ...) قوله: [ حدثنا قتيبة ]. قتيبة هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن القاري ]. يعقوب بن عبد الرحمن القاري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ بإسناد مالك ]. يعني: عن زيد بن أسلم عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإسناد مالك هو الذي تقدم قبل هذا، وفيه: أن مالكاً عن زيد بن أسلم روى الحديث عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وهذا مثله مرسل، لكن الإرسال لا يؤثر؛ لأن الساقط صحابي وهو أبو سعيد ، وقد عرف بالطرق الأخرى. [ قال أبو داود : وكذلك رواه ابن وهب عن مالك و حفص بن ميسرة و داود بن قيس و هشام بن سعد ، إلا أن هشاماً بلغ به أبا سعيد الخدري ]. هؤلاء كلهم ذكروه على الإرسال مثلما جاء عن مالك ، إلا أن هشام بن سعد ذكر المحذوف الذي هو أبو سعيد كما سبق. و ابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وحفص بن ميسرة ثقة ربما وهم، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود في المراسيل و النسائي و ابن ماجة . والحافظ قال: أخرج له أبو داود في المراسيل، مع أنه موجود في السنن، لكنه لم يأت في الأسانيد المتصلة، وإنما جاء في التعاليق، ومن المعلوم أن الذين يذكرون في رجال أبي داود هم الذين يأتون بالأسانيد المتصلة، ولهذا قال في هذا الرجل الذي ذكره أبو داود هنا: روى له أبو داود في المراسيل، ولم يذكر روايته في السنن؛ لأنه لم يرو عنه، وإنما ذكره في التعاليق. و داود بن قيس ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. و هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. الأسئلة ما يفعله المأموم إذا قام الإمام إلى خامسة السؤال: ماذا يفعل المسبوق إذا قام الإمام إلى الركعة الخامسة؟ الجواب: إذا كان يعلم أنها خامسة فلا يوافقه فيها؛ لأن هذا شيء زائد، وأما إذا كان لا يعلم شيئاً فهو معذور. موضع سجود السهو للمسبوق السؤال: هل المسبوق يسجد سجدتي السهو مع الإمام أم يسجدها بعد إتمام صلاته؟ الجواب: إذا كان سجود السهو قبل السلام فإنه يسجد مع الإمام؛ لأنه لا يخرج عن الإمام إلا بعد السلام، وإن كان سجود السهو بعد السلام فقد اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من قال: إذا قام المسبوق ثم سجد الإمام فإنه يرجع ليسجد معه ثم يقوم، ومنهم من قال: لا يرجع ولكنه يستمر، وعند انتهائه من صلاته يسجد للسهو. حكم صلاة ركعتي الفجر بعد الفريضة السؤال: هل يجوز صلاة ركعتي الفجر بعد الصبح، مع العلم أن الوقت وقت كراهة؟ الجواب: ورد في الحديث ما يدل على ذلك، وأنها مستثناة من المنع، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي، فلما سأله وأخبره بذلك أقره صلوات الله وسلامه وبركاته عليه على ذلك، فيجوز للإنسان إذا فاتته ركعتا الفجر أن يصليهما بعد الصلاة، وله أن يصليهما في الضحى، لكن صلاته بعد الصلاة سائغة وجائزة، وقد جاءت في ذلك السنة عن رسول الله صلى عليه وسلم. الحكم على حديث النهي عن التفكر في ذات الله السؤال: (تفكروا في مخلوقات الله ولا تتفكروا في ذات الله)هل هذا الحديث صحيح؟ الجواب: الذي أعرفه أنه ليس بصحيح، وقد ذكره شارح الطحاوية عن بعض العلماء. الحكم على حديث: (من تعلم لغة قوم أمن مكرهم) السؤال: ما درجة حديث: (من تعلم لغة قوم أمن مكرهم)؟ الجواب: لا أعلم أن هذا حديث. حكم الاغتسال للإحرام والتهيؤ له من قبل الميقات السؤال: أنا مسافر غداً إن شاء الله لأداء مناسك العمرة، فهل يجوز لي أن ألبس ملابس الإحرام وأغتسل للإحرام في الفندق؟ الجواب: لا بأس، فكون الإنسان يغتسل ويتهيأ ويلبس إزاره ورداءه، فإذا جاء إلى الميقات فإنه ينزل ويصلي فيه إن أراد ويحرم، وإلا فإنه إذا حاذى المسجد والسيارة ماشية في الطريق فإنه ينوي ويلبي. إذا شك الإمام في الفاتحة في ركعة فقام إلى خامسة السؤال: إذا كان الرجل يصلي بالقوم، وأثناء الركعة الثانية شك هل قرأ الفاتحة في الأولى أو لا، فقام بعد الرابعة للإتيان بالركعة الناقصة، فهل يتابعه المأمومون؛ علماً بأن الصلاة سرية؟ الجواب: إذا كان عنده وسواس فإنه يطرح الوسواس، وأما إذا تيقن أنه لم يقرأ الفاتحة فعليه أن يأتي بركعة، والمأمومون معلوم لا يعلمون الواقع؛ فهي زائدة، فلا يتابعوه. ثم هذا في الإمام الذي تحقق بأنه قد نسي، أما إذا كان مجرد شك أو وسواس، فإنه يطرحه ولا يلتفت إليه. حكم الغياب عن الزوجة خمس سنوات السؤال: زوجتي في باكستان وأنا مقيم في السعودية منذ خمس سنوات، فهل هذا العمل جائز؟ الجواب: الذي ينبغي للإنسان ألا يغيب مثل هذه الغيبة الطويلة، وإذا احتاج الأمر إلى ذلك فإنه يكون عن تفاهم بينه وبينها على هذا الشيء. حكم الجهر للمسبوق السؤال: إذا سبقت بركعة في صلاة الفجر أو العشاء، فهل أجهر في الركعة الثانية بعد سلام الإمام؟ الجواب: ما يقضيه المسبوق هو آخر صلاته وليس أولها، فإذا كان مسبوقاً بركعتين فقد بقي عليه ركعتان هما آخر صلاته، وآخر الصلاة ليس فيه جهر، وأما إذا كان مسبوقاً بثلاث ركعات، فالأولى منها محل جهر، فإذا كان يتأذى بجهره أحد فلا يجهر، وإذا كان لا يتأذى بجهره أحد فإنه يجهر في الركعة الأولى التي يقضيها وهي ثانية، بالإضافة إلى الركعة التي أدركها مع الإمام. حكم تكرار العمرة من التنعيم السؤال: ما حكم تكرار العمرة لمن ليس من أهل مكة، مع العلم أن العمرة الثانية عن شخص متوفى وفي نفس اليوم؟ الجواب: تكرار العمرة من التنعيم لم يأت دليل يدل عليه إلا ما جاء في قصة عائشة ، وكان بسبب ظرف خاص حصل لها، ولكن يمكن تكرار العمرة إذا سافر المرء إلى المدينة ثم رجع إلى مكة مرة أخرى؛ لأن هذه عمرة مشروعة؛ لأنه أحرم من الميقات. والله أعلم."
__________________
|
#246
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [130] الحلقة (161) شرح سنن أبي داود [130] قد يعرض الشيطان للمرء في صلاته فيلبسها عليه، وحينئذ يظن الزيادة في صلاته أو النقص، ويشك فيها، وقد يترك التشهد الأول فيقوم إلى الثالثة ناسياً له، ولكل ذلك أحكام تتعلق به، ومن هذه الأحكام أن يبني على أكبر ظنه من حيث الزيادة والنقص عند بعض العلماء، ثم يسجد للسهو، ومن تلك الأحكام بيان موضع سجود السهو بالنسبة للسلام، وبيان ما يفعله القائم من ثنتين بغير تشهد، وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بالصلاة. من قال يتم على أكبر ظنه إذا شك في الصلاة شرح حديث ابن مسعود في أن الشاك يبني على ظنه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: من قال يتم على أكبر ظنه. حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن خصيف عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا كنت في صلاة فشككت في ثلاث أو أربع، وأكبر ظنك على أربع، تشهدت ثم سجدت سجدتين وأنت جالس قبل أن تسلم، ثم تشهدت أيضا ثم تسلم). قال أبو داود : رواه عبد الواحد عن خصيف ولم يرفعه، ووافق عبد الواحد أيضا سفيان و شريك و إسرائيل ، واختلفوا في الكلام في متن الحديث ولم يسندوه ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي قوله: [ باب: من قال يتم على أكبر ظنه ]. يعني: إذا شك في ثنتين أو ثلاث، فهذه الترجمة كالترجمة السابقة، إلا أنه هناك إذا شك في ثنتين أو ثلاث يلقي الشك ويبني على الأقل الذي هو المتيقن، وهنا يقول: إذا شك في ثنتين أو ثلاث يتم على أكبر ظنه، فإذا كان أكبر ظنه أنها ثلاث فإنه يعتبرها ثلاثاً، ولا يبني على اليقين وهو العدد الأقل، بل يبني على أكبر ظنه وإن كان العدد الأكبر، هذا هو المقصود من هذه الترجمة. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. قوله: [ (إذا كنت في صلاة فشككت في ثلاث أو أربع وأكبر ظنك على أربع) ]. أي: شككت في ثلاث أو أربع، فالعدد الأقل ثلاث والعدد الأكبر أربع، لكن أكبر ظنك أنها أربع، فإنك تبني على أكبر ظنك الذي هو العدد الأكبر، ولا تبني على العدد الأقل. قوله: [ (تشهدت) ]. معناه أنك تجلس للتشهد، لأنك بنيت على أكبر ظنك أنها أربع فجلست بعد الرابعة للتشهد. قوله: [ (وسجدت سجدتين قبل أن تسلم، ثم تشهدت أيضاً، ثم تسلم) ] معنى هذا أن السجود يكون قبل السلام، ويكون هناك تشهدان، ولعل التشهد الثاني إنما هو للسجدتين، هذا هو الذي يظهر من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. والحديث غير صحيح؛ لأن فيه انقطاعاً، وأيضاً فيه ضعف من جهة أحد رواته الذي هو خصيف الجزري ، والانقطاع المذكور سببه أن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه، فيكون هذا الذي جاء في هذا الحديث غير حجة. لكن يمكن أن يدخل تحت هذه الترجمة حديث ابن مسعود الذي سبق أن مر في باب من صلى خمساً، وأنه قال: (فليتحر الصواب، ثم يسجد للسهو بعد السلام)، فهو الذي ينطبق على البناء على غالب الظن، لأنه يتحرى الصواب في ذلك ويبني عليه، ويكون سجوده بعد السلام. تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في أن الشاك يبني على ظنه قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ، ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو الباهلي الحراني ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. وإذا جاء محمد بن سلمة في طبقة شيوخ شيوخ أبي داود فهو الحراني ، وإذا جاء في طبقة شيوخه محمد بن سلمة فهو المصري . [ عن خصيف ]. هو خصيف بن عبد الرحمن الجزري ، وهو صدوق سيء الحفظ اختلط بآخره، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي عبيدة بن عبد الله ]. هو أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [ قال أبو داود : رواه عبد الواحد عن خصيف ولم يرفعه ]. عبد الواحد هو ابن زياد، والمعنى أنه وقفه على ابن مسعود ولم يذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله. قوله: [ ووافق عبد الواحد أيضاً سفيان و شريك و إسرائيل ]. أي: ووافق عبد الواحد في كونه لم يرفعه وأنه موقوف على ابن مسعود هؤلاء الثلاثة. و سفيان هو الثوري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و شريك هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وتغير حفظه لما ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. وإسرائيل هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ واختلفوا في الكلام في متن الحديث ولم يسندوه ]. أي أن ألفاظهم مختلفة في متن الحديث فليسوا متفقين في ألفاظه، لم يسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنهم وقفوه على ابن مسعود ؛ لأن هؤلاء كلفهم وافقوا عبد الواحد في كونه لم يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون على هذا من كلام ابن مسعود . شرح حديث (إذا صلى أحدكم فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو قاعد) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا هشام الدستوائي حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثنا عياض ، ح: وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا يحيى عن هلال بن عياض عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم فلم يدر زاد أم نقص، فليسجد سجدتين وهو قاعد، فإذا أتاه الشيطان فقال: إنك قد أحدثت فليقل: كذبت. إلا ما وجد ريحا بأنفه أو صوتا بأذنه)، وهذا لفظ حديث أبان ]. قوله: [ (فإذا أتاه الشيطان فقال: إنك قد أحدثت فليقل: كذبت. إلا ما وجد ريحاً بأنفه أو صوتاً بأذنه) ]. وسبق أن هذا المعنى جاء في حديث متفق على صحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن محل الشاهد من إيراد الحديث هنا هو ما جاء في أوله، من جهة أنه إذا شك في صلاته وشك هل زاد أو نقص، فإنه يسجد سجدتين قبل أن يسلم. تراجم رجال إسناد حديث (إذا صلى أحدكم فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو قاعد) قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المشهور بابن علية ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى بن أبي كثير ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عياض ]. قيل: هو عياض بن هلال ، وقيل: هلال بن عياض ، وهو الذي سيأتي في الطريق الثانية باسم هلال بن عياض ، وسيأتي أيضاً ذكر أنه هلال بن أبي زهير ، فهو شخص واحد، وهو مجهول، أخرج حديثه أصحاب السنن. [ ح: وحدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبان ]. هو ابن يزيد العطار ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا يحيى عن هلال بن عياض ]. يحيى هو ابن أبي كثير الذي جاء منسوباً في الطريق السابقة. و هلال بن عياض هو عياض الذي ذكره وقال: عياض بن هلال ويقال: هلال بن عياض ويقال: هلال بن أبي زهير، وهو شخص واحد. [ عن أبي سعيد الخدري ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ وهذا لفظ حديث أبان ] قد عرفنا من صنيع أبي داود رحمه الله أنه أحياناً يذكر من له اللفظ في أول الكلام، وأحياناً لا يذكره إلا بعد نهاية الحديث، كما في هذا الحديث، حيث قال بعد نهايته: [ وهذا لفظ حديث أبان ] أي: أبان بن يزيد العطار . قوله: [ قال أبو داود : وقال معمر و علي بن المبارك : عياض بن هلال ، وقال الأوزاعي : عياض بن أبي زهير ]. أي أنَّ الأوزاعي ذكر اسمه عياضاً ، وذكر أباه مكنى، فهو مثل الذين قبله، إلا أن الذين قبله ذكروا اسمه عياضاً ونسبوه إلى أبيه فقالوا: ابن هلال ، وهو ذلك الشخص المجهول الذي لم يرو عنه إلا يحيى بن أبي كثير اليمامي . و معمر هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، و علي بن المبارك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، فقيه الشام ومحدثها، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه..) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس) ]. أورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله، لكن هذا -كما عرفنا- مبني على أنه إما بنى على اليقين وهو العدد الأقل وأكمل ما بقي، أو أنه بنى على غالب ظنه. قوله: [ (فليسجد سجدتين وهو جالس) ]. معناه: قبل السلام كما سيأتي. تراجم رجال إسناد حديث (إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه..) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال أبو داود : وكذا رواه ابن عيينة و معمر و الليث ]. ابن عيينة هو سفيان بن عيينة المكي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و معمر مر ذكره. و الليث هو ابن سعد المصري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. إسناد آخر لحديث (إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان ..) وذكر زيادته وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا حجاج بن أبي يعقوب حدثنا يعقوب حدثنا ابن أخي الزهري عن محمد بن مسلم بهذا الحديث بإسناده، زاد: (وهو جالس قبل التسليم) ]. هذا فيه زيادة، وهو بيان أن ذلك قبل التسليم. قوله: [ حدثنا حجاج بن أبي يعقوب ]. حجاج بن أبي يعقوب ثقة أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا يعقوب ]. يعقوب هو ابن إبراهيم بن سعد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أخي الزهري ]. هو محمد بن عبد الله بن مسلم ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن مسلم ]. محمد بن مسلم هو الزهري ، ذكر هنا باسمه، وغالباً ما يذكر بنسبته الزهري نسبة إلى جده زهرة بن كلاب الجد الأعلى، أو إلى ابن شهاب وهو أحد أجداده. إسناد آخر لحديث (إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان ...) وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا حجاج حدثنا يعقوب أخبرنا أبي عن ابن إسحاق حدثني محمد بن مسلم الزهري بإسناده ومعناه قال: (فليسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم ليسلم) ]. هذا فيه توضيح أن سجود السهو يكون قبل السلام كالراوية السابقة التي قال فيها: (وهو جالس قبل أن يسلم). قوله: [ حدثنا حجاج عن يعقوب ]. مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا. [ أخبرنا أبي ]. هنا رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه إبراهيم بن سعد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن مسلم الزهري ]. قد مر ذكره. وهذه الأحاديث التي معنا ما فيها إلا أنه يسجد للسهو قبل السلام، وكأن في ذكره للسجود قبل السلام إشارة إلى أنه يبني على الأقل، والتنصيص على غالب الظن ما جاء إلا في الحديث الأول الذي هو غير صحيح، وحديث ابن مسعود الذي فيه انقطاع وفيه ضعف مع الانقطاع. وهذا الباب الذي هو قوله: [ يبني على غالب ظنه ] سبق أن مر أنه يطابقه حديث صحيح عن عبد الله بن مسعود . من قال بعد التسليم شرح حديث (من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: من قال بعد التسليم. حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن مسافع أن مصعب بن شيبة أخبره عن عتبة بن محمد بن الحارث عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [ باب: من قال بعد التسليم ] يعني أنه إذا حصل شك في الصلاة يكون السجود بعد التسليم؛ لأن الأحاديث التي مرت ذكرت أنه يكون سجود السهو قبل التسليم، فهنا ذكر من قال بعد التسليم. وقد عرفنا فيما مضى أن بعض أهل العلم قال: إن سجود السهو كله بعد السلام، وهذا قال به الحنفية، ومنهم من قال: كله قبل السلام، وهذا قال به الشافعية، ومنهم من قال: إذا كان عن نقص فقبل السلام وإذا كان عن زيادة فبعد السلام، وهذا قال به المالكية. وهناك قول آخر: وهو أنه إذا كان عن نقص أو شك وبنى على الأقل فإنه يكون قبل السلام، وإذا كان لزيادة أو لشك وبنى على غالب الظن يكون بعد السلام، وهذا هو الذي قال به الإمام أحمد بناء على الأحاديث التي وردت في ذلك. وقال: إن ما كان من هذا القبيل الذي هو بعد السلام فإنه يحمل على ما كان قبل السلام؛ لأن الأصل أنه يكون قبل السلام، ولا يصار إلى ما بعد السلام إلا في حدود ما ورد، وقد ورد في موضعين اثنين: أحدهما في الزيادة، والثاني: إذا شك وبنى على غالب ظنه ولم يبن على العدد الأقل. فالحديث الذي أورده أبو داود هنا -وهو حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه- معناه أنه يكون سجود السهو بعد السلام، لكن الحديث غير صحيح وغير ثابت، والذي ينبغي أن يصار إليه هو ما دلت عليه الأدلة من أن ما جاء أنه يسجد له قبل السلام فذاك، وما جاء أنه بعد السلام فذاك، وما لم يأت فيه شيء فإنه يكون قبل السلام. تراجم رجال إسناد حديث (من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم) قوله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم ]. هو أحمد بن إبراهيم الدورقي ، وهو ثقة أخرج حديثه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا حجاج ]. حجاج هو ابن محمد المصيصي الأعور ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عبد الله بن مسافع ]. هذا لم يذكر عنه في التقريب شيئاً، ولا في ترجمته في تهذيب التهذيب، روى له أبو داود و النسائي، وهذا الراوي يمكن أن يقال عنه: مجهول الحال؛ لأن الذي لم يرد فيه جرح ولا تعديل يقال له: مجهول الحال، أما مجهول العين فهو الذي لم يرو عنه إلا واحد. [ أن مصعب بن شيبة أخبره ]. مصعب بن شيبة لين الحديث، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عتبة بن محمد بن الحارث ]. هو عتبة بن محمد بن الحارث بن عبد المطلب ، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ عن عبد الله بن جعفر ]. هو عبد الله بن جعفر رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. فهذا الحديث فيه مصعب بن شيبة وهو لين الحديث، وفيه عتبة بن محمد بن الحارث بن عبد المطلب وهو مقبول. ومعنى هذا أن الحديث لا يكون حجة على أن سجود السهو يكون بعد السلام فيما إذا حصل شك؛ لأن الأحاديث التي مرت وهي كثيرة تدل على أن سجود السهو في حال الشك يكون قبل السلام، ولكن يستثنى من ذلك ما إذا شك وبنى على غالب الظن فإنه يسجد بعد السلام. خلاصة مذاهب العلماء في موضع سجود السهو وخلاصة مذاهب العلماء في محل سجود السهو أن الحنيفة قالوا: كله بعد السلام، والشافعية قالوا: كله قبل السلام، والمالكية قالوا: ما كان عن نقص فهو قبل السلام وما كان عن زيادة فهو بعد السلام، والحنابلة قالوا مثلما قال المالكية؛ إلا أنهم زادوا أنه إذا بنى على العدد الأقل فإنه يكون قبل السلام، وإذا بنى على غالب الظن يكون بعد السلام. واعلم أنهم متفقون على أنه يجوز قبل السلام وبعده؛ لكن الخلاف في الأفضل. من قام من ثنتين ولم يتشهد شرح حديث (من قام من ثنتين ولم يتشهد...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: من قام من ثنتين ولم يتشهد. حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الرحمن الأعرج عن عبد الله ابن بحينة رضي الله عنه أنه قال: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم قام فلم يجلس فقام الناس معه، فلما قضى صلاته وانتظرنا التسليم كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم، ثم سلم -صلى الله عليه وسلم-) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب: من قام من ثنتين ولم يتشهد. أي: إذا كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية فقام الإمام ولم يجلس في التشهد الأول، فحكم ذلك أنه يسجد للسهو قبل السلام، كما جاء ذلك في حديث الباب. قوله: [ (فقام الناس معه) ] معلوم أنهم كانوا في زمن التشريع، ولذا قاموا معه ولكنه قبل السلام سجد السجدتين، فدل هذا على أن التشهد الأول إذا ترك فإن المصلي يسجد سجدتين قبل أن يسلم، وهاتان السجدتان هما مكان ما ترك من السجود كما سيأتي؛ لأنهما جبر كما سيأتي في بعض الروايات. والحديث يدل على أن السجود بسبب النقص يكون قبل السلام، لأن هذا مثاله الواضح الجلي، فإن عبد الله ابن بحينة رضي الله عنه ذكر في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الثنتين ولم يتشهد وسجد قبل السلام. وفيه -أيضاً- دليل على أنه إذا تكرر الشيء المتروك بسبب السهو فإنه لا يكرر له السجود؛ لأنه قد ترك شيئين هنا، وهما الجلوس والتشهد؛ لأنه لو جلس للتشهد ولكنه نسي أن يتشهد فإنه يسجد -أيضاً- قبل السلام. تراجم رجال إسناد حديث (من قام من ثنتين ولم يتشهد...) قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب ]. مر ذكرهم. [ عن عبد الرحمن بن الأعرج ]. هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج المدني ، مشهور بلقبه، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ابن بحينة ]. هو عبد الله بن مالك ابن بحينة، و بحينة أمه، وهو مشهور بالنسبة إليها، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (من قام من ثنتين) من طريق أخرى قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا أبي و بقية قالا: حدثنا شعيب عن الزهري بمعنى إسناده وحديثه، زاد: (وكان منا المتشهد في قيامه). قال أبو داود : وكذلك سجدهما ابن الزبير ، قام من ثنتين قبل التسليم، وهو قول الزهري ]. سبق أن بدأنا بهذه الترجمة، وهي: [ باب من قام من ثنتين ولم يتشهد ] وذكر الإمام أبو داود رحمه الله في هذا الباب حديث عبد الله بن مالك ابن بحينة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى اثنتين ثم قام، ولما كان قبل التسليم سجد سجدتين ثم سلم. وقد عرفنا ما يتعلق بهذا الحديث من جهة أنه صلى الله عليه وسلم ترك الجلوس الأوسط الذي هو مشتمل على جلوس وعلى تشهد، وأنه سجد عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدتين اثنتين، وكل من هذين واجب عند بعض أهل العلم، ومع ذلك أجزى عن تركهما سجدتان قبل السلام، فدل هذا على أنه لا يلزم لكل شيء سجدتان، بل تكفي سجدتان عن الجميع. ثم أورد أبو داود رحمه الله طريقاً أخرى وفيها زيادة أن منهم المتشهد في قيامه، أي أنهم رضي الله عنهم لما رأوا أن الجلوس والتشهد قد تركا أتوا بهما في حال قيامهم، وهذا -كما هو معلوم- لا يدل على أن الإنسان إذا ترك التشهد الأول يأتي به في حال القيام، وذلك لأن الزمن زمن تشريع، وكانوا رضي الله عنهم وأرضاهم يأتون في الجلوس بالتشهد، وقد ذهب الجلوس وما فيه. فالجلوس لا يمكن تداركه، ورأوا أن التشهد يمكن الإتيان به، فكان منهم من أتى به وهو قائم، ومعناه أنه يأتي بالتشهد ثم يأتي بالقراءة، ولكن الأحكام قد استقرت على أن الإنسان إذا ترك شيئاً في صلاته نسياناً وذلك المتروك ليس ركناً متعيناً فإنه يجزئ عنه سجود السهو. تراجم رجال إسناد حديث من قام من ثنتين من طريق أخرى قوله: [ عمرو بن عثمان ]. هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي ، وهو صدوق أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا أبي ]. هو: عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي ، وهو ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و بقية ]. هو بقية بن الوليد الحمصي ، وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ قالا: حدثنا شعيب ]. هو ابن أبي حمزة الحمصي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ قال أبو داود : وكذلك سجدهما ابن الزبير ، قام من ثنتين قبل التسليم، وهو قول الزهري ]. أي: وكذلك فعلهما ابن الزبير ، يعني أنه قام من ثنتين وسجد قبل التسليم، وذلك لأنه قام من ثنتين، فقوله [قبل التسليم] مرتبط بقوله: [سجدهما]، وقوله: [قام من ثنتين] يعني أنه قام من ثنتين إلى ثالثة ولم يأت بالتشهد الأول والجلوس له، فسجد السجدتين قبل أن يسلم كما جاء في حديث عبد الله ابن بحينة رضي الله عنه."
__________________
|
#247
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [131] الحلقة (162) شرح سنن أبي داود [131] من رحمة الله بعباده أن شرع لهم ما يجبرون به النقص الذي يقع في عباداتهم، ومن ذلك مشروعية سجود السهو، فهو من يسر الشريعة وسماحتها، وله أحكام كثيرة أخذها العلماء من سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية. من نسي أن يتشهد وهو جالس شرح حديث المغيرة فيمن نسي أن يتشهد جالساً من طريق جابر الجعفي قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من نسي أن يتشهد وهو جالس. حدثنا الحسن بن عمرو عن عبد الله بن الوليد عن سفيان عن جابر - يعني الجعفي - قال: حدثنا المغيرة بن شبيل الأحمسي عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام الإمام في الركعتين: فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فليجلس، فإن استوى قائماً فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو). قال أبو داود : وليس في كتابي عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: من نسي التشهد وهو جالس، والأحاديث التي أوردها فيه هي مثل الحديث الذي مر عن عبد الله ابن بحينة رضي الله عنه، من أن ترك الجلوس والتشهد يكفي فيه سجود، والترجمة قريبة من الترجمة. فيحتمل أن يكون قوله: من نسي التشهد وهو جالس بمعنى أنه لم يحصل منه جلوس ولا التشهد فيه، ويحتمل أن يكون المراد منه أنه جلس ولكنه نسي التشهد وهو في حال جلوسه، بمعنى أنه وجد منه واحد وفاته الثاني الذي هو الإتيان بالتشهد، لأن الجلوس يمكن أن يترك ويترك معه التشهد، ويمكن أن يوجد الجلوس ولا يوجد التشهد، بحيث يسهو ولا يقول: التحيات لله والصلوات والطيبات.. إلى آخره، ثم يقوم، ومعنى ذلك: أنه وجد منه جلوس لا تشهد فيه. وعلى الاحتمال الأول فالترجمتان لا فرق بينهما، وعلى الاحتمال الثاني فإنه يكون بينهما فرق؛ لكن الأحاديث التي أوردها المصنف في الباب فيها أنه قام من الثنتين وترك الجلوس والتشهد معه. قوله: [ (إذا قام الإمام في الركعتين، فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فإنه يجلس) ] أي: سواء كان ذلك في أول القيام أو في آخره ما دام أنه لم يستقر قائماً. وبعض أهل العلم يقول: إنه يرجع ولو قام مالم يبدأ بقراءة الفاتحة، والحديث هنا فيه أنه إذا استوى قائماً لا يرجع، ولكن يأتي بسجدتي السهو جبراً لتركه التشهد والجلوس له. فالحديث يدل على أن الإنسان إذا قام، فإن لم يستقر قائماً عاد إلى الجلوس، فإن استقر قائماً فقد فاته الجلوس والتشهد فلا يرجع؛ فإذا تذكر قبل الاستقرار قائماً ورجع فإنه مع ذلك يسجد للسهو؛ لأنه وجد السهو منه في هذه الحركة. ولكن هنا بيان الفرق بين الحالة التي يرجع فيها والحالة التي لا يرجع فيها، وهو أنه إن لم يستقر قائماً فعليه أن يرجع، وإن استقر قائماً لم يرجع، بل يواصل، ويكفي أن يأتي بسجدتي السهو في آخر صلاته. هذا هو حديث المغيرة بن شعبة الذي يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث في إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف، والكلام فيه كثير، و الألباني صحح هذا الحديث، ولعل ذلك بسبب طرق وأوجه أخرى تدل على هذا، وإلا فإنه بهذا الإسناد فيه من لا يحتج به، وقد قال أبو داود : ليس في كتابي عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث. تراجم رجال إسناد حديث المغيرة من طريق جابر الجعفي قوله: [ حدثنا الحسن بن عمرو ]. الحسن بن عمرو ، صدوق أخرج له أبو داود وحده. [ عن عبد الله بن الوليد ]. صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن سفيان ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر -يعني: الجعفي - ]. هو ضعيف، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . قال في عون المعبود: وليس لجابر بن الجعفي في النسائي و أبي داود سوى حديث واحد في سجود السهو. وقال المنذري في الحديث: وأخرجه ابن ماجة ، وفي إسناده جابر الجعفي . [ حدثنا المغيرة بن شبيل الأحمسي ]. المغيرة بن شبيل الأحمسي ويقال: شبل، ثقة أخرج له أصحاب السنن. [ عن قيس بن أبي حازم ]. قيس بن أبي حازم الأحمسي وهو ثقة مخضرم أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي روى عن العشرة المبشرين بالجنة. [ عن المغيرة بن شعبة ]. المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث المغيرة فيمن نسي أن يتشهد وهو جالس من غير طريق جابر الجعفي قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا المسعودي عن زياد بن علاقة أنه قال: (صلى بنا المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فنهض في الركعتين، قلنا: سبحان الله! قال: سبحان الله! ومضى، فلما أتم صلاته وسلم سجد سجدتي السهو، فلما انصرف قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع كما صنعت). قال أبو داود : وكذلك رواه ابن أبي ليلى عن الشعبي عن المغيرة بن شعبة ورفعه، ورواه أبو عميس عن ثابت بن عبيد أنه قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة ، مثل حديث زياد بن علاقة . قال أبو داود : أبو عميس أخو المسعودي ، وفعل سعد بن أبي وقاص مثلما فعل المغيرة و عمران بن حصين و الضحاك بن قيس و معاوية بن أبي سفيان ، و ابن عباس أفتى بذلك و عمر بن عبد العزيز . قال أبو داود : وهذا فيمن قام من ثنتين ثم سجدوا بعدما سلموا ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه صلى بالناس وقام من الثنتين فسبحوا له فقالوا: سبحان الله! فقال: سبحان الله! فمضى، ومعناه أنه سمع تسبيحهم ولكنه واصل الصلاة ولم يرجع إلى ما نبهوه عليه، ولما أنهى صلاته سلم ثم سجد سجدتي السهو بعد السلام، ولما انصرف قال: إني صنعت كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا هو الذي جاء في حديث ابن بحينة ، إلا أن في حديث المغيرة بن شعبة أنه سجد بعد السلام، وكان سجوده للسهو عن نقص، وفي حديث ابن بحينة أنه سجد قبل السلام، وكان سجوده عن نقص أيضاً؛ لأن كليهما يتعلق بترك التشهد الأول والجلوس له. وعلى هذا فإن الإنسان إذا قام من التشهد الأول واستقر قائماً فإنه يواصل ويسجد للسهو قبل السلام أو بعده، فقد جاء في حديث ابن بحينة المتفق على صحته بين البخاري و مسلم وغيرهما أنه سجد قبل السلام، وجاء في حديث المغيرة بن شعبة هذا أنه سجد بعد السلام، وجاء ذلك عن عدد من الصحابة منهم: سعد بن أبي وقاص و الضحاك بن قيس و عمران بن حصين و معاوية بن أبي سفيان و أفتى به ابن عباس و عمر بن عبد العزيز . فهؤلاء سجدوا بعد السلام، فهذا يدل على أن ترك التشهد الأول والجلوس له جاء ما يدل على السجود له قبل السلام وعلى السجود له بعد السلام، وأن عدداً من الصحابة فعلوا مثل هذا الذي فعله المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه، فدلت هذه الأحاديث على أنه يصح قبل السلام وبعده، ولكن الأولى أن يكون قبل السلام، لأن حديث ابن بحينة متفق على صحته. وهذا يدل على ما قاله بعض أهل العلم: إن سجود السهود يجوز كله قبل السلام ويجوز كله بعد السلام، وإن الاختلاف إنما هو في الأفضل هل يكون قبل السلام أو بعده؟ والأفضل هو التفصيل الذي سبق أن عرفناه. تراجم رجال إسناد حديث المغيرة من غير طريق جابر الجعفي قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي ]. عبيد الله بن عمر الجشمي هو القواريري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن يزيد بن هارون ]. يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المسعودي ]. هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وهو صدوق اختلط، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن زياد بن علاقة ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المغيرة بن شعبة ]. وقد مر ذكره. [ قال أبو داود : وكذلك رواه ابن أبي ليلى عن الشعبي عن المغيرة بن شعبة ورفعه ]. هذا طريق آخر غير الطريق السابقة؛ لأن الطريق السابقة هي عن زياد بن علاقة عن المغيرة وهنا عن ابن أبي ليلى عن الشعبي عن المغيرة بن شعبة ورفعه، أي: أضافه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. و ابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى المعروف بالفقه، فإذا جاء في الفقه ذكر ابن أبي ليلى فالمقصود به محمد هذا، وأما أبوه عبد الرحمن بن أبي ليلى فهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والمشهور في الفقه -وهو الابن محمد- قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق سيء الحفظ جداً، أخرج له أصحاب السنن. و الشعبي هو عامر بن شراحيل الشعبي ، تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. خبث الرافضة وحقدهم على الصحابة نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمة منهاج السنة عن الشعبي كلمة تبين جرم علماء الرافضة وبعدهم عن الحق والصواب حيث قال: إن اليهود والنصارى فضلوا الرافضة بخصلة: إذا قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وإذا قيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وإذا قيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد! ومعناه أن اليهود والنصارى أحسن منهم في أصحاب أنبيائهم، لأن أولئك يجعلون أصحاب موسى خير أمة موسى، والنصارى يجعلون أصحاب عيسى خير أمة عيسى، وأما الرافضة فإنهم يجعلون أصحاب محمد شر هذه الأمة. وقد كتب أحد الرافضة قصيدة ومن جملة ما ذكر فيها: أن سورة التوبة لم تذكر فيها البسملة؛ لأنه ذكر فيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه! هذا مع أن ذكره في سورة التوبة هو في غاية المدح والثناء عليه، وأنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار، والرسول قال له كما ذكره الله: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، وفي الصحيحين أنه لما قال له: (لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصرنا، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟)، وسماه الله صاحب رسول الله في هذه السورة حيث قال: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ [التوبة:40]، فالاثنان هما: رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبو بكر إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ [التوبة:40] أي: الرسول يقول لصاحبه، فسماه الله صاحب رسول الله، إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] أي: الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر . ثم يأتي هذا الرافضي ويقول: إن سورة التوبة لم تذكر البسملة في أولها لأنه ذكر فيها أبو بكر ؛ فهل هناك خبث أكثر من هذا الخبث والحقد والغيظ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ذكر الصحابة الذين فعلوا كما فعل المغيرة في سجود السهو لترك التشهدالأول قال المصنف رحمه الله تعالى [ ورواه أبو عميس عن ثابت بن عبيد قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة ، مثل حديث زياد بن علاقة ]. أبو عميس هو أخو المسعودي ، واسمه عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و ثابت بن عبيد ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ قال أبو داود : أبو عميس أخو المسعودي ]. المسعودي هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة ، وهذا عتبة بن عبد الله بن عتبة . [ وفعل سعد بن أبي وقاص مثلما فعل المغيرة ]. يعني أنه حصل منه صلاة وأنه سها، وأنه سجد للسهو بعد السلام. [ و عمران بن حصين ]. و الضحاك بن قيس ، و سعد بن أبي وقاص. سعد هو أحد العشرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، و عمران بن حصين أبو نجيد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، و الضحاك بن قيس أخرج حديثه النسائي . [ و معاوية ]. معاوية بن أبي سفيان أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ وابن عباس أفتى بذلك ]. يعني أنه سئل وأجاب، وكذلك عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وهو تابعي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : وهذا فيمن قام من ثنتين ثم سجدوا بعدما سلموا ]. يعني هذا الذي مر ذكره عن هؤلاء، هو في الذين نسوا التشهد الأول وسجدوا بعد أن سلموا. شرح حديث: (لكل سهو سجدتان بعدما يسلم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان و الربيع بن نافع و عثمان بن أبي شيبة و شجاع بن مخلد بمعنى الإسناد: أن ابن عياش حدثهم عن عبيد الله بن عبيد الكلاعي عن زهير - يعني ابن سالم العنسي - عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير -قال: عمرو وحده: عن أبيه- عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لكل سهو سجدتان بعدما يسلم) ، ولم يذكر عن أبيه غير عمرو ]. أورد المصنف حديث ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ (لكل سهو سجدتان بعدما يسلم) ]، وهذا الحديث ضعفه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام وقال: إنه بإسناد ضعيف، وصححه الألباني وقال: إنه حديث حسن. وعلى ثبوته يدل على أن سجود السهو يجوز أن يكون كله بعد السلام، لأنه قال: [ (لكل سهو سجدتان بعدما يسلم) ]. وفسره بعض أهل العلم بأنه يتكرر سجود السهو بتكرر السهو، وأن قوله: (لكل سهو سجدتان) بمعنى أنه لو سها عدة مرات فإنه يسجد لكل سهو سجدتان. وقال آخرون: إن المقصود به: أنه إذا حصل أي سهو في الصلاة فله سجدتان بعد السلام، وليس معنى ذلك أنه إذا تكرر السهو يتكرر معه السجود، وإنما المقصود بيان أن جميع أنواع السهو -سواء كانت بنقص أو زيادة أو شك - فإنه يسجد لها سجدتين ولا يجوز التكرار، وهذا هو الأقرب من حيث المعنى؛ لأنه لم يأت شيء واضح يدل على تكرار السجود لتعدد السهو، وقد جاء ما يدل على أن تعدد السهو تكفيه سجدتان، وهو حديث ابن بحينة الذي مر. وقد ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه تهذيب التهذيب في ترجمة أبي زكريا الفراء -وكان نحوياً- أنه قيل له: إذا سها المصلي في صلاته فماذا عليه؟ قال: عليه سجدتان، فقيل له: فلو سها في سجود السهو؟ قال: لا يسجد للسهو؛ لأن المصغر لا يصغر، فاستدل بما يعرفه من علم النحو على ما هنا؛ وذلك لأن السهو جابر لما حصل فيه من النقص، وقد زاد الترمذي من حديث عبد الله ابن بحينة : (وسجدهما، وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس) فهذا يدل على أن سجود السهو لجبر النقص. ويدل على ذلك أيضاً ما ورد أن السجود إرغام للشيطان إن كانت الصلاة تامة، وإن كانت ناقصة فهو جبر للنقص؛ لكن السجود لا يكون إلا للشك أو الزيادة أو النقص، ولا يجبر ما كان من النقص في الأركان، فمن نسي ركوعاً أو سجوداً فلا بد من الإتيان به ولا يجبره السجود للسهو، وإنما يجبر الواجبات كالتشهد الأوسط ونحوه، وكذلك لا يؤتى به جبراً للسنن كالإسرار والجهر بالقراءة ودعاء الاستفتاح. تراجم رجال إسناد حديث (لكل سهو سجدتان بعدما يسلم) قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. مر ذكره. [ و الربيع بن نافع ]. هو أبو توبة الحلبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ و عثمان بن أبي شيبة ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي أيضاً. [ و شجاع بن مخلد ]. صدوق وهم في حديث واحد رفعه وهو موقوف؛ فذكره بسببه العقيلي في الضعفاء، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و ابن ماجة . والعقيلي رحمه الله يذكر في كتابه الضعفاء أناساً ثقات لأنه تُكُلِّم فيهم، وإن لم يكن الكلام معتبراً ومعتمداً، والذهبي رحمه الله في كتابه الميزان لما ترجم لعلي بن المديني شيخ البخاري الذي كان البخاري يقول فيه: ما استصغرت نفسي إلا عند علي بن المديني ؛ ذكر أن العقيلي ذكره في الضعفاء، فحمل عليه الذهبي حملاً شديداً وقال: أما لك عقل يا عقيلي ؟! وبعضهم ذكر ابن أبي حاتم في الضعفاء فقال الذهبي : أورده فلان في كتابه في الضعفاء فبئس ما صنع! ثم قال: إن ابن أبي حاتم ليس فيه إلا أنه كان يفضل علياً على عثمان، وهذه مسألة قال بها بعض السلف، ومنهم الأعمش و ابن جرير و عبد الرزاق وقال: إن مثل هذا لا يؤثر. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: أن هذه المسألة من المسائل التي لا يبدع بها، وإنما يبدع من قال: إنه أولى منه بالخلافة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على تقديم عثمان على علي، فمن قال: إنه أولى منه فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار. قوله: [ بمعنى الإسناد ]. أي أن الإسناد الذي يسوقه ليس هذا لفظه فأحدهم يذكر عن الراوي لفظ السماع وبعضهم التحديث. [ أن ابن عياش حدثهم ]. هو إسماعيل بن عياش، صدوق في حديثه عن الشاميين، مخلط في غيرهم، وهذا من حديثه عن الشاميين فيكون معتبراً ومقبولاً، وقد أخرج له البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن الأربعة. [ عن عبيد الله بن عبيد الكلاعي ]. وهو صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن زهير -يعني ابن سالم العنسي - ]. صدوق فيه لين، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجة . [ عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ قال عمرو وحده: عن أبيه ]. أي أن عمرو بن عثمان قال: عن أبيه، والباقون قالوا: عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن ثوبان . و جبير بن نفير ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. و ثوبان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ ولم يذكر عن أبيه غير عمرو ]. يعني أن الذي قال: عن أبيه عمرو وحده، والباقون جعلوه من رواية عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن ثوبان . سجدتا السهو فيهما تشهد وتسليم شرح حديث (سجدتا السهو فيهما تشهد وتسليم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب سجدتي السهو فيهما تشهد وتسليم. حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى حدثني أشعث عن محمد بن سيرين عن خالد -يعني الحذاء - عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها، فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم) ]. ذكر المصنف رحمه الله تعالى باب سجدتي السهو فيهما تشهد وتسليم، أي أنه يتشهد بعد سجدتي السهو ويسلم، وقد أورد رحمه الله تعالى حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد وسلم). والمقصود من هذا أنه جاء بعد سجدتي السهو بتشهد آخر وتسليم، فيكون التشهد لسجدتي السهو، وقد ذهب إلى هذا بعض أهل العلم وقالوا: إن سجود السهو يكون بعده تشهد، ولكن جمهور أهل العلم على أنه لا تشهد لسجود السهو، وإنما يكون بعده تسليم فقط، سواء كان قبل السلام أو بعد السلام. وقد جاءت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان سجود السهو والتسليم بعده وليس فيها ذكر التشهد، وقد جاء في هذا الحديث ما يدل على التشهد بعد سجود السهو، فيكون ما جاء في هذا الحديث شاذاً بالنسبة لما جاء في الأحاديث الأخرى، ومما يوضح هذا أن جماعة من الرواة رووه كما رواه أشعث إلا أنهم لم يذكروا التشهد، فيكون ذكره هنا شاذاً، والعبرة والعمل على ما جاء في الأحاديث الأخرى التي فيها ذكر سجود السهو والتسليم بعده وليس فيها ذكر التشهد. تراجم رجال إسناد حديث (سجدتا السهو فيهما تشهد وتسليم) قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. محمد بن يحيى بن فارس هو الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أشعث ]. أشعث بن عبد الملك الحمراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن محمد بن سيرين ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد -يعني الحذاء - ]. هو خالد بن مهران الملقب الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. هو عبد الله بن زيد الجرمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي المهلب ]. أبو المهلب الجرمي هو عم أبي قلابة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمران بن حصين ]. عمران بن حصين رضي الله عنه، صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ومحمد بن سيرين هنا يروي عن خالد الحذاء وهو أكبر منه، وهذا من رواية الأكابر عن الأصاغر، وفائدة معرفة رواية الأكابر عن الأصاغر ألا يظن الانقلاب في الإسناد؛ لأن المرء إذا رأى راوياً كبيراً روى عن تلميذه ظن أنه انقلب الإسناد فوقع فيه تقديم وتأخير، فإذا عرف أن هذا من رواية الأكابر عن الأصاغر زال هذا الوهم. الأسئلة حال حديث: (تفكروا في آلاء الله ...) السؤال: ما حال حديث: (تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في ذات الله)؟ الجواب: الحديث حسنه الألباني بمجموع طرقه، أما إسناده في ذاته فهو ضعيف، قال: وله شاهد أتى من حديث عبد الله بن عمر ، وإسناده ضعيف جداً، ثم قال: وله شاهد من حديث أبي هريرة وإسناده ضعيف، ثم قال: وله شاهد آخر من حديث أبي هريرة مرفوعاً، وشاهد ثالث من حديث عبد الله بن سلام . ثم قال: وفي الباب عن أبي ذر و ابن عباس عند أبي الشيخ عن ابن عباس مرفوعاً: (تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله عز وجل)، قال: وهذا إسناد ضعيف. ثم قال: وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه حسن عندي. وإن صح الحديث فمعناه واضح، وهو أن الإنسان لا يتفكر في ذات الله عز وجل؛ لأنه لا يعرف عن الله عز وجل إلا في حدود ما جاء في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الإيمان بالله من الإيمان بالغيب، والغيب لا يعرف إلا عن طريق صاحب الغيب. فما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم في بيان أسماء الله وصفاته يضاف إليه، ويعتقد طبقاً عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عدا ذلك فإنه لا يجوز، ولا يجوز أن يتفكر في ذات الله، بل الواجب هو اعتقاد أن الله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]. فقوله: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) فيه التنزيه، وقوله: (( وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) فيه الإثبات، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، بخلاف مذاهب أهل البدع الذين يثبتون ويشبهون، أو ينزهون ويعطلون، فأهل السنة جمعوا بين الإثبات والتنزيه، وسلموا من التعطيل والتشبيه، على حد قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]. إذا زاد المصلي في الصلاة وسجد قبل السلام السؤال: إذا زاد المصلي في الصلاة أو نقص وسجد قبل السلام، فما الحكم؟ الجواب: الإنسان إذا سها في الصلاة، سواء كان السهو بزيادة أو نقصان، فإن سجد قبل السلام فسجوده صحيح، وإن سجد بعد السلام فسجوده صحيح، ولكن الأولى هو أن يتبع ما جاء به الدليل، فالمواضع التي فيها السجود قبل السلام يسجد قبل السلام، والمواضع التي جاء فيها السجود بعد السلام يسجد بعد السلام، والشيء الذي ما ورد فيه شيء يدل على أنه قبل السلام أو بعده فيحمل على أنه قبل السلام. حكم من صلى بتيمم ثم وجد الماء في وقت الصلاة السؤال: رجل صلى العصر وهو متيمم ثم وجد الماء قبل خروج الوقت، فهل يعيد الصلاة حينئذ؟ الجواب: الإنسان إذا تيمم وصلى فقد أدى ما عليه، وإذا أعاد الصلاة -جاهلاً- فنرجو ألا يكون في ذلك بأس. اشتراط دخول الوقت للتيمم السؤال: هل يشترط لجواز التيمم دخول الوقت؟ الجواب: ليس دخول الوقت من شروط التيمم، بل الإنسان يمكن أن يتيمم ويصلي صلوات عديدة مثل الوضوء، فالإنسان إذا توضأ ثم لم ينتقض وضوءه يصلي به صلوات متعددة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى خمس صلوات عام الفتح بوضوء واحد، فكذلك الإنسان إذا تيمم ثم استمر عليه ولم ينتقض وضوءه، فهو على طهارة؛ لأن التيمم يقوم مقام الماء. فضل العمرة في الأشهر الحرم السؤال: هل للعمرة في الأشهر الحرم فضيلة من غيرها؟ الجواب: العمرة في شهر رمضان جاء ما يدل على فضلها، وعمر الرسول صلى الله عليه وسلم الأربع كلها كانت في ذي القعدة وهو شهر حرام، فهل يعني ذلك أن العمرة في الأشهر الحرم لها فضل على غيرها؟ الله أعلم. حكم استعمال كلمة (مولانا) في حق الآدمي السؤال: هل استعمال كلمة (مولانا) للإنسان فيها شيء من ناحية التوحيد؟ الجواب: ليس فيها شيء؛ لكن الإنسان لا يعود نفسه مثل هذه الألفاظ وهذا الكلام الذي قد يتوسع الإنسان فيه وقد يطلقه على من لا يستحقه. عدم إثبات الظل صفة لله السؤال: حديث (سبعة يظلهم الله في ظله) هل في الحديث إثبات صفة الظل لله؟ الجواب: ليس فيه إثبات أن الظل من صفات الله، ولكنه قال: (سبعة يظلهم الله في ظله)، وليس معنى ذلك أن الظل مضاف إلى الله عز وجل إضافة الصفة إلى الموصوف، ولكنه مخلوق لله، وهو من إضافة المخلوق إلى الخالق، والله تعالى أعلم."
__________________
|
#248
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [132] الحلقة (163) شرح سنن أبي داود [132] تشرع صلاة الفريضة جماعة في المساجد، أما النافلة فالأفضل أن تصلى في البيوت، ومما وضحته السنة فيما يتعلق بالجماعة كيفية الانصراف بعد إتمام الصلاة، وانصراف النساء قبل الرجال، كما بينت ما يفعله من صلى لغير القبلة ثم تبين له خطؤه. انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة شرح حديث انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة: حدثنا محمد بن يحيى و محمد بن رافع قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن هند بنت الحارث عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم مكث قليلاً وكانوا يرون أن ذلك كيما ينفذ النساء قبل الرجال) ]. أورد أبو داود رحمه الله: [باب انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة]. ومعنى هذا أنه إذا صلى النساء مع الرجال فإن الرجال يمكثون قليلاً حتى تنصرف النساء قبلهم، وذلك لئلا يحصل الاختلاط بين النساء والرجال. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أم سلمة : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم مكث قليلاً، وكانوا يرون أن ذلك كيما ينفذ النساء قبل الرجال). وهذا يدل على أن للنساء أن يأتين إلى المساجد، وأنهن لا يمنعن من ذلك، ولكن حيث أتين فإنهن لا يختلطن مع الرجال في حال الانصراف كما أنهن لا يقربن من الرجال. وقد جاء في السنة بأن: (شر صفوف النساء أولها، وأن شر صفوف الرجال آخرها)، وذلك لقرب صف الرجال الأخير من صف النساء الأول، وكلما كن النساء أبعد عن الرجال كان ذلك خيراً لهن، ولهذا كان خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها. وهذا يدل على أن ابتعاد الرجال عن النساء والنساء عن الرجال وعدم الاختلاط في الشوارع والأماكن العامة هو المطلوب واللائق، وهو الذي فيه السلامة والبعد عن المحاذير. ففيه دلالة على انصراف النساء قبل الرجال، هذا فيما إذا كان هناك نساء، وأما إذا لم يكن نساء فإن الأمر يختلف. وكذلك بالنسبة للحديث الذي ذكرته: (خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) إذا كان هناك جدار فاصل بين الرجال والنساء بحيث لا تسمع أصوات النساء فإن الصفوف الأول عند النساء تكون أفضل من المتأخرة؛ لأن المحذور قد زال بوجود الفاصل. قوله: [ ( وكانوا يرون ) ] ، قيل: هو من كلام الزهري ، فهو مدرج. تراجم رجال إسناد حديث انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى و محمد بن رافع ]. محمد بن يحيى مر ذكره وهو ابن فارس الذهلي . و محمد بن رافع هو النيسابوري القشيري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هند بنت الحارث ]. وهي ثقة أخرج لها البخاري وأصحاب السنن. [ عن أم سلمة ]. هي أم سلمة هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. كيف الانصراف من الصلاة شرح حديث هلب الطائي في كيفية الانصراف من الصلاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كيف الانصراف من الصلاة: حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب رجل من طيء عن أبيه رضي الله عنه: (أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان ينصرف عن شقيه) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [كيف الانصراف من الصلاة؟] يعني: كيفية انصراف الإمام من صلاته إلى جهة المأمومين عندما يسلم ويأتي بأستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام؛ لأن الإمام يمكث في مصلاه مستقبلاً القبلة بقدر ما يقول هذا الكلام فقط، فإذا أتى به انصرف إلى جهة المأمومين، لكن كيف ينصرف؟ هل ينصرف عن يمينه أو عن شماله؟ والجواب: أن كلاً منهما صحيح ثبتت به السنة، فإن شاء انصرف عن يمينه أو عن شماله. أورد أبو داود حديث هلب الطائي رضي الله تعالى [ (أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان ينصرف عن شقيه) ]. ومعناه: أنه صلى معه عدة صلوات؛ لأن كونه ينصرف عن شقيه لا يكون في صلاة واحدة وإنما يكون في صلوات متعددة أقلها اثنتان. وقد جاء عن أنس بن مالك : (أنه أكثر ما كان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه)، وجاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أنه أكثر ما كان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله). فقيل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينصرف عن يمينه وشماله، و أنس كان أكثر ما رآه ينصرف عن يمينه و عبد الله بن مسعود كان أكثر ما يراه ينصرف عن شماله، وعلى كل فحديث هلب الطائي وغيره من الأحاديث تدل على أن الإمام ينصرف إلى المأمومين عن يمينه أو عن شماله. وقد جاء في بعض الأحاديث : (أنه كان يمكث مستقبل القبلة قدر ما يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام) ، وسبق في الأحاديث : أن قدر ركوعه وسجوده وجلسته قبل الانصراف مستقبل القبلة بمقدار ما يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف إلى المأمومين إما عن يمينه وإما عن شماله كما جاء في حديث هلب هذا الذي معنا، وكذلك غيره من الأحاديث التي ذكرها المصنف والتي لم يذكرها. تراجم رجال إسناد حديث هلب الطائي في كيفية الانصراف من الصلاة قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك بن حرب ]. وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن قبيصة بن هلب ]. وهو مقبول أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. وهو هلب رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . شرح حديث ابن مسعود في كيفية الانصراف من الصلاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن سليمان عن عمارة بن عمير عن الأسود بن يزيد عن عبد الله رضي الله عنه قال: (لا يجعل أحدكم نصيباً للشيطان من صلاته ألا ينصرف إلا عن يمينه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف عن شماله، قال عمارة : أتيت المدينة بعد فرأيت منازل النبي صلى الله عليه وسلم عن يساره) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: [ (لا يجعل أحدكم للشيطان نصيباً من صلاته ألا ينصرف إلا عن يمينه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف عن شماله) ]. يقصد بهذا: أن الإنسان لا يتعين عليه الانصراف عن يمينه؛ لأن ابن مسعود رضي الله عنه أخبر بأنه أكثر ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله. و ابن مسعود رضي الله عنه لم ينف أنه ينصرف إلى جهة اليمين ولهذا قال: [ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف) ] ومعناه أنه رآه كثيراً ينصرف عن يمينه، لكن المحذور هو الذي نبه عليه ابن مسعود رضي الله عنه، وهو أن يرى الإنسان أن هذا أمر لازم وأنه سنة، ولعل ابن مسعود رضي الله عنه نبه على هذا؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على استعمال اليمين في الأمور المحمودة الطيبة، فرأى أن هذا قد يؤدي ببعض الناس إلى أن يلتزم هذا ويراه واجباً، وهو يبين أن هذا ليس بصحيح بل الرسول صلى الله عليه وسلم ينصرف عنه يمينه وعن شماله، ولكن أكثر ما رأى ابن مسعود رضي الله عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله. وقد جاء عن أنس كما أشرت: (أنه كان صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه). قوله: [ قال عمارة ] يعني ابن عمير . قوله: [ (أتيت المدينة بعد) ] أي: بعد هذا الكلام وبعد سماع هذا الحديث. قوله: [ (فرأيت منازل النبي صلى الله عليه وسلم عن يساره) ] يعني: عن يساره إذا كان يصلي إلى جهة القبلة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) فالمنبر عن يمينه والحجر عن يساره. ولعل ذكر هذا أنه كان ينصرف عن شماله ويكون إلى جهة بيوته، وأنه يقوم فيذهب إليها. وقد جاء أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يحرصون على أن يصلوا عن يمينه ليكون انصرافه إليهم أولاً، وهذا فيه ما يدل على ما جاء عن أنس : أنه كان أكثر ما يراه ينصرف عن يمينه صلى الله عليه وسلم. الحاصل: أن الأمر في ذلك واسع، ولكن المحذور هو أن الإنسان يرى أن أحدهما هو الحق وأن غيره لا يفعل، فإن ذلك خلاف السنة. تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في كيفية الانصراف من الصلاة قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة عن سليمان ]. هو شعبة بن الحجاج مر ذكره، و سليمان هو ابن مهران الكاهلي الأعمش ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمارة بن عمير ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأسود بن يزيد ]. هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. صلاة الرجل التطوع في بيته شرح حديث ابن عمر في صلاة التطوع في البيت قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب صلاة الرجل التطوع في بيته: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبوراً) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [صلاة الرجل التطوع في بيته]، أي: أن هذا أفضل، وهذا إنما هو في غير الأمور التي تشرع لها الجماعة أو الصلاة في المسجد، فتحية المسجد لا تكون إلا في المسجد، وكذلك التراويح، أو أن يأتي الإنسان مبكراً إلى المسجد ويصلي ما أمكنه يصلي ما أمكنه مثل يوم الجمعة، فإن ذلك أولى من صلاته في بيته، كما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم: أنهم كانوا يوم الجمعة يأتون مبكرين ويصلون ما أرادوا أن يصلوا ثم يجلسون ولا يقومون إلا للصلاة. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم) ] أي: اجعلوا لبيوتكم نصيباً من الصلاة. قوله: [ (ولا تتخذوها قبوراً) ] أي: أنها تكون شبيهة بالقبور التي ليست محلاً للصلاة، ولهذا لا يجوز أن يصلى في المقبرة، وإنما الصلاة في المساجد والبيوت والأماكن التي لم يأت النهي عن الصلاة فيها. فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن يكون للبيوت نصيب من الصلاة حتى تحضرها الملائكة، وحتى تكون أبعد عن الرياء؛ لأن الصلاة في البيوت لا يطلع عليها أحد بخلاف الصلاة في المساجد فإن الناس يرون ذلك ويشاهدونه؛ حتى تحصل في البيوت البركة والخير وطرد الشياطين بما يقرأ فيها من القرآن. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في صلاة التطوع في البيت قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الإمام أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن الصحابة أجمعين. شرح حديث زيد بن ثابت في صلاة التطوع في البيت قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني سليمان بن بلال عن إبراهيم بن أبي النضر عن أبيه عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة) ]. أورد أبو داود حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة) ]. وكلمة (المرء) تشمل الرجال والنساء، لكن هذا إنما هو في حق الرجال وإلا فإن صلاة النساء النوافل والفرائض في البيوت أفضل من صلاتهن في المساجد، وإذا استئذنَّ إلى المساجد لا يمنعن من ذلك إذا لم يترتب على ذلك مفسدة ويحصل بخروجهن ضرر. أما الرجل فصلاته في بيته أفضل دون المكتوبة فإنها تكون في المسجد لا البيت، فالحديث إنما هو في حق الرجال الذين تجب عليهم صلاة الجماعة، وأما النساء فلا تجب عليهن صلاة الجماعة ولكن تجوز لهن إذا أردن ذلك، وإذا استئذنَّ لذلك فإنهن لا يمنعن، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله). وما جاء في هذا الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: [ (صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة) ]، يدلنا على أن المكان الفاضل والمقدس كغيره من الأماكن الأخرى من جهة أن صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في المسجد، ولو كان هذا المسجد المقدس الذي الصلاة فيه بألف صلاة كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أيضاً هذا فيه إشارة إلى أن الإنسان لو صلى في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم نافلة فصلاته بألف، ولكنه إذا ترك الصلاة في المسجد وجعلها في البيت فإنه يحصل أجراً أكثر من ذلك؛ لقول صلى الله عليه وسلم: [ (صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة) ]. وكما هو معلوم أن الصلاة تضاعف في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم سواء كانت فرضاً أو نفلاً، لقول صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) وهو لفظ مطلق يشمل الفرض والنفل، لكن لا يقال: إن هذا الحكم يعم كل من كان في المدينة، أي: فصلاته في بيته أفضل من صلاته في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا في حق من كان متمكناً من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يصل فيه وصلى في بيته عملاً بهذا الحديث ليحصل الأجر الأكبر والأعظم عند الله عز وجل، فلو صلى إنسان في مسجد من مساجد المدينة ثم ذهب وصلى في بيته النافلة فإن صلاته أفضل من ذلك المسجد لكن لا يقال: إن صلاته أفضل من صلاته في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم حيث لم يقصد الذهاب إليه ولم يتمكن من الصلاة فيه، إنما يكون هذا التفضيل في حق من صلى في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكنه ذهب وصلى النفل في البيت لأنه متمكن أن يصلي النفل في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث زيد بن ثابت في صلاة التطوع في البيت قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الله بن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني سليمان بن بلال ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن أبي النضر ]. وهو صدوق أخرج حديثه أبو داود وحده. [ عن أبيه ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بسر بن سعيد ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن ثابت ]. زيد بن ثابت رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. من صلى لغير القبلة ثم علم شرح حديث من صلى لغير القبلة ثم علم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من صلى لغير القبلة ثم علم. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت و حميد عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون نحو بيت المقدس، فلما نزلت هذه الآية: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:150] فمر رجل من بني سلمة فناداهم وهم ركوع في صلاة الفجر نحو بيت المقدس: ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة -مرتين- فمالوا كما هم ركوع إلى الكعبة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب من صلى لغير القبلة ثم علم]. يعني: أنه يتحول من جهته التي هو عليها إلى جهة القبلة، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام لما فرضت عليه الصلاة قبل الهجرة وبعدها بستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً كان يصلي إلى بيت المقدس، وكان يأمل أن يحول إلى الكعبة المشرفة، فنزل الوحي بتحويله إلى القبلة، فصلى إلى القبلة، وكانت أول صلاة صلاها إلى الكعبة العصر، ثم ذهب بعض أصحابه من صلوا معه وهو رجل من بني سلمة ذهب إلى جماعة يصلون في مسجد آخر، وقد جاء في الحديث المتفق عليه أنهم أهل قباء، فأخبرهم وقال: (إن الرسول صلى الله عليه وسلم نزل عليه القرآن: (( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )) وأنه استقبل القبلة، فاستداروا وهم ركوع من جهة الشام إلى جهة الكعبة المشرفة)، فكان أول صلاتهم إلى بيت المقدس وآخر صلاتهم إلى القبلة. فدل هذا على أن من عمل عملاً سائغاً ثم جاء ما يدل على خلافه، فإنه يبني على ما تقدم ولا يستأنف الصلاة. ومثل ذلك مسائل عديدة: لو أن إنساناً صلى في ثوب وعليه نجاسة، ثم تذكر في أثناء الصلاة وكان يمكن نزعه فنزعه، فإنه يواصل صلاته ولا يستأنفها من جديد؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى وعليه نعلان فجاءه جبريل وأخبره بأن فيهما أذى، فنزعهما وهو يصلي وواصل صلاته، فدل هذا على أن مثل هذا لا يستأنف معه العمل، بل يستمر ويتابع ما بقي مبنياً على ما سبق. وكذلك لو إنساناً وكل وكيلاً يبيع ويشتري، ثم عزله ولم يصل خبر العزل إلا بعد أيام، وكان في تلك الأيام التي بين عزله وبين بلوغ الخبر إليه قد تصرف فباع أو اشترى فيعتبر تصرفه نافذاً؛ لأن العبرة ببلوغ الخبر إليه فيكون تصرفه نافذاً قبل ذلك. وهذا يدلنا أيضاً على أن من صلى في فلاة من الأرض واجتهد في جهة القبلة، ثم جاءه الخبر بأن جهة القبلة خلاف ذلك فإنه يستدير ويكمل ولا يلزمه أن يستأنف؛ لأنه في الأول عمل بما هو سائغ له. وأما إذا كان في الحاضرة فلا يجوز له أن يجتهد، بل عليه أن يسأل عن جهة القبلة قبل أن يصلي. قوله: [ (فناداهم وهم ركوع في صلاة الفجر نحو بيت المقدس: ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة -مرتين-) ]. أي: قال ذلك مرتين، وفيه دليل على قبول خبر الواحد؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم استداروا وهم في الصلاة بناء على هذا الخبر، وفي هذا أيضاً دليل على جواز مخاطبة من يصلي بالأمور التي تتعلق بصلاته. تراجم رجال إسناد حديث من صلى لغير القبلة ثم علم قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة بن دينار البصري ، ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الأسئلة حكم الصلاة في البيوت المبنية على المقابر السؤال: بعض البلدان القبور فيها كالبيوت، فتوجد بها غرف وأماكن للمعيشة في حوش البيت، وتوجد مقبرة، ويعيش الناس في هذه البيوت التي فيها المقابر، فهل تأخذ الحكم في كراهية الصلاة فيها؟ مع العلم أن القبر يكون أحياناً تحت غرفة المعيشة، وأحياناً يكون في مؤخرة أماكن المعيشة؟ الجواب: القبور لا يجوز أن تكون في البيوت، ولا يجوز دفن الموتى في البيوت وفي البنيان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم دفن في منزله وفي بيته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون، فدفنوه في المكان الذي مات فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام وإلا فإن الأموات لا يدفنون في البيوت وإنما يدفنون في المقابر، والمقابر تختلف عن البيوت، فالبيوت محل للصلاة والمقابر ليست محلاً للصلاة. والواجب هو عدم دفن الموتى في البيوت، وإذا دفن الميت والبيت موجود من قبل فعلى الإنسان أنه ينقله أو يخرجه ويضعه في مقابر المسلمين، وقد ثبت منع البناء عن القبور سواء كانت مساجد أو غير مساجد. وكذلك قال في الحديث الآخر: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم). حكم لعبة الشطرنج السؤال: ما رأي فضيلتكم بلعبة الشطرنج إذا أزيلت التماثيل التي فيها بأشياء أخرى لا محذور فيها؟ الجواب: لا يجوز أن يلعب الإنسان الشطرنج، ولا أن يلعب هذه اللعب بالورق التي بلي بها كثير من الناس، فإن هذا من قتل الوقت في غير طائل وفي غير فائدة. متى يكون التكبير ورفع اليدين عند القيام للركعة الثالثة السؤال: عند الانتقال من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة هل يكون التكبير ورفع اليدين عند القيام؟ الجواب: لا يكون ذلك والإنسان في الأرض، وإنما يكون وهو قائم، فالتكبير يمكن أن يبدأ به وهو في حال الانتقال ثم يرفع يديه عندما يستتم قائماً. حكمة ذكر هبوط آدم من فضائل يوم الجمعة السؤال: لماذا ذكر في حديث فضل يوم الجمعة الإهباط من الفضائل (وفيه أهبط آدم) مع أنه من البلاء الذي ابتلي به آدم؟ الجواب: هذا بلاء ترتب عليه مصلحة، وهو أنه تاب إلى الله عز وجل، والبلاء إذا ترتبت عليه مصلحة كان خيراً. فضيلة ميامن الصفوف السؤال: هل يمين الصف أفضل من الشمال؟ الجواب: نعم ميامن الصفوف هي أفضل بلا شك، وكون الإنسان يحرص على اليمين أولى من كونه ويأتي ويختار الشمال."
__________________
|
#249
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [133] الحلقة (164) شرح سنن أبي داود [133] اختص الله عز وجل يوم الجمعة بمزيد فضل عن باقي أيام الأسبوع، فهو يوم عيد للمسلمين، وفيه خطبة تميزت عن غيرها من المواعظ بلزوم الإنصات فيها وعدم اللغو والعبث، وفيه ساعة من دعا فيها أجيبت دعوته. فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة شرح حديث أبي هريرة في فضل يوم الجمعة وليلتها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تفريع أبواب الجمعة: باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة. حدثنا القعنبي عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله حاجة إلا أعطاه إياها. قال كعب : ذلك في كل سنة يوم؟ فقلت: بل في كل جمعة، قال: فقرأ كعب التوراة فقال: صدق النبي الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو هريرة : ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب ، فقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: قد علمت أية ساعة هي؟ قال أبو هريرة : فقلت له: فأخبرني بها، فقال: عبد الله بن سلام : هي آخر ساعة من يوم الجمعة، فقلت: كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي، وتلك الساعة لا يصلى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جلس مجلساً ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي؟ قال: فقلت: بلى. قال: هو ذاك) ]. أورد أبو داود رحمه الله عدة أبواب تتعلق بتفريع أبواب الجمعة، وقد أورد في الباب الأول ما يتعلق بفضل يوم الجمعة وليلة الجمعة. يوم الجمعة هو خير أيام الأسبوع، وهو أفضل أيام الأسبوع، وهو يوم عيد أسبوعي للمسلمين، وقد جاء في صحيح البخاري عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: أنه خطب الناس يوم عيد أضحى وكان يوم الجمعة فقال: إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، يعني: عيد الأسبوع وعيد السنة، فأطلق العيد على الجمعة، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن صومه منفرداً، فقد دخل على جويرية أم المؤمنين وهي صائمة يوم الجمعة فقال لها: (أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري). وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث تدل على فضله منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [ (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة) ] أي: فهو خير أيام الأسبوع وأفضلها. ثم ذكر جملة من الأمور التي حصلت فيه فقال: [ (فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة) ] فهذه خمسة أمور ذكرها، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يقرأ في فجر الجمعة (آلم) السجدة و هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ [الإنسان:1]؛ لأنهما مشتملتان على البعث والنشور وعلى نهاية الدنيا، فيكون في ذلك تذكير للناس بالأمور التي تحصل في ذلك اليوم. ولا يقال: إن الساعة ستقوم في يوم آخر، فمنذ ثلاثين سنة أو نحوها جاءت الأخبار في الإذاعات والصحف عن امرأة رأت رؤيا أن الساعة ستقوم يوم الأحد، وخاف الناس في أماكن متعددة من ذلك، ولكن من يعرف الحكم الشرعي، ويعرف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف أن هذا لا حقيقة له ولا أصل؛ لأن الساعة لا تقوم إلا يوم الجمعة. قوله: [ (وما من دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة) ]. أي: مصغية تخشى أن تقوم الساعة، فقد ألهمها الله عز وجل ذلك، ولا يحصل ذلك للجن والإنس؛ لأنهم مكلفون وشاء الله عز وجل أن يحصل للبهائم ما لا يحصل لهم، ولهذا جاء في بعض الأحاديث: أن عذاب القبر تسمعه البهائم؛ حتى تظهر حكمة التشريع وحكمة الإيمان بالغيب؛ لأنه لو ظهر الغيب للناس علانية لم يتميز أولياء الله من أعدائه الله، ومن يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن به. ثم هذا الحديث يدلنا على أن الساعة تقوم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؛ لأنه قال: [ (من حين تصبح إلى أن تطلع الشمس) ]. قوله: [ (وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله حاجة إلا أعطاه إياها) ]. أي: أن من فضائل يوم الجمعة وخصائصه: أن فيه ساعة للإجابة لا يوافقها عبد يسأل الله شيئاً إلا أعطاه الله حاجته. قوله: [ (قال كعب : ذلك في كل سنة يوم) فقال أبو هريرة : [ (بل في كل جمعة) ]. أي: هذه الساعة تكون في كل أسبوع لا أنها مرة في السنة. فنظر كعب في التوراة فوجد أنها تكون في كل جمعة، وأن ذلك مثلما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [ (صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. وقد يقال: كيف يكون هذا الأمر من كعب ، حيث أنه لم يقل: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد الرجوع إلى التوراة؟ والجواب: أنه فهم من الحديث أنه يوم في السنة، فراجعه أبو هريرة ، فراجع التوراة فوجدها مطابقة لفهم أبي هريرة ، فقال: [ (صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. قوله: [ (قال أبو هريرة : ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب ، فقال عبد الله بن سلام : قد علمت أية ساعة هي؟ قال أبو هريرة : فقلت له: فأخبرني بها؟ فقال عبد الله بن سلام : هي آخر ساعة من يوم الجمعة، فقلت: كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي، وتلك الساعة لا يصلى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جلس مجلساً ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي؟ قال: فقلت: بلى، قال: هو ذاك) ]. ثم إن أبا هريرة رضي الله عنه لقي عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وكان من اليهود ثم مَنَّ الله عليه بالإسلام وحسن إسلامه رضي الله عنه وأرضاه، فأخبره أبو هريرة بالذي جرى بينه وبين كعب فقال: [ (قد علمت أية ساعة هي؟) ] أي: إني أعرف وقتها، ثم ذكرها أنها آخر ساعة من يوم الجمعة. فعندما قال عبد الله بن سلام لأبي هريرة : [ (هي آخر ساعة من يوم الجمعة) ] قال: كيف تكون آخر ساعة يوم الجمعة والرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا يوافقها عبد يصلي يسأل الله، وهذا ليس وقتاً للصلاة؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)، فكيف يصلي الإنسان ذلك الوقت؟ فقال: [ (ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جلس مجلساً ينتظر الصلاة فهو في صلاة) ] ومعناه: أن الذي ينتظر الصلاة هو مصل حكماً وإن لم يكن يصلي فعلاً. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في فضل يوم الجمعة وليلتها قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن عبد الله بن الهاد ]. يزيد بن عبد الله بن الهاد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إبراهيم ]. هو محمد بن إبراهيم التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن أبي هريرة وعن الصحابة أجمعين. شرح حديث (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا حسين بن علي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة؛ فأكثروا علي من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي، قال: قالوا: يا رسول الله! وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يقولون: بليت، فقال: إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أوس بن أوس رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن من خير أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة؛ فأكثروا علي من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن أجساد الأنبياء). هذا الحديث يدل على فضل يوم الجمعة، وأنه من خير الأيام، وقد مر في الحديث السابق أنه خير يوم طلعت عليه الشمس، فهو خير أيام الأسبوع، وهو عيد أسبوعي للمسلمين، كما ذكر أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه حينما خطب الناس يوم عيد الأضحى وكان يوم جمعة، فقال: إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، يريد بذلك عيد السنة وعيد الأسبوع، فأطلق على يوم الجمعة أنه عيد، فهو عيد للمسلمين. قوله: [ (فيه خلق آدم، وفيه قبض) ] يعني: فيه خلق وفيه مات، فبداية حياته ونهاية حياته كانت في يوم الجمعة. قوله: [ (وفيه النفخة وفيه الصعقة) ]. الصعقة هي التي يموت بها من كان حياً في نهاية الدنيا؛ لأن من سبق له الموت فقد مات، ومن كان موجوداً على قيد الحياة عند قيام الساعة فإنه يموت بتلك الصعقة. والنفخة: هي التي تكون بالصور، ويكون بعدها خروج الناس من قبورهم وانتقالهم من الحياة البرزخية إلى الحياة الأخروية، والحياة البرزخية هي تابعة للآخرة؛ لأن الحياة حياتان: دنيا وآخرة، والدنيا نهايتها الموت، والآخرة بدايتها الموت، ومن مات فقد قامت قيامته. قوله: [ (فأكثروا من الصلاة علي فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي) ] أرشد عليه الصلاة والسلام المسلمين إلى أن يكثروا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم وليلته؛ وذلك لأن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام من حقه على أمته أن يكثروا من الصلاة عليه ويسلموا تسليماً كما أمرهم الله عز وجل بذلك في كتابه العزيز، وقد أخبر الله عن نفسه وملائكته أنهم يصلون على النبي، وأمر المؤمنين بأن يصلوا ويسلموا عليه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، فالصلاة عليه من حقه على أمته عليه الصلاة والسلام، فقد أخرجهم الله به من الظلمات إلى النور، وهداهم به إلى الصراط المستقيم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وصلاة الله على نبيه أحسن ما قيل في معناها: ثناؤه عليه عند الملائكة، وتعظيمه في الملأ الأعلى، فكون المسلم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فهو يسأل الله أن يثني عليه عند الملائكة، وأن يعظمه في الملأ الأعلى، وأن يرفع من قدره، ويعلي من شأنه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (فإن صلاتكم معروضة علي) ]، هذا يدلنا على أن الصلاة تعرض على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا لا يكون مختصاً بيوم الجمعة فقد جاء في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن لله ملائكة سياحين تبلغني عن أمتي السلام)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) أي: بواسطة الملائكة، ولكن نص على هذا اليوم لخصوصيته، فلا ينافي ذلك ما جاء في الأحاديث الأخرى من أن الصلاة تعرض عليه في كل وقت وحين كما جاء ذلك في الأحاديث التي أشرت إليها. وفي الحديث أنهم قالوا: (وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يقولون: بليت)، وكانوا يعلمون أن الأرض تأكل الأجساد، ولا يعلمون استثناء شيء من ذلك، والله عز وجل في كتابه العزيز يقول: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ [ق:4] يعني: ما تأكل الأرض منها، وما يختلط بالتراب من أجسادهم، فأخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وأنهم باقون في قبورهم على الهيئة التي وضعوا عليها لا تأكلهم الأرض، بل أجسادهم باقية، وهم أحياء في قبورهم حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء التي قال الله عز وجل فيها: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، فأخبر عن الشهداء بأنهم أحياء، ورسل الله الكرام هم أكمل حياة من الشهداء، والحياة البرزخية لا يختص بها الأنبياء ولا الشهداء، بل هي ثابتة لكل من يموت، فكل من يموت في نعيم أو عذاب، فيصل إلى جسده وروحه من النعيم أو العذاب ما يستحقه، وحتى لو أن الأرض أكلت لحوم البشر من غير الأنبياء فإن العذاب يصل إلى من يستحقه، والنعيم يصل إلى من يستحقه، ولا تلازم بين كون الأرض تأكله وبين كونه لا يصل إليه النعيم أو العذاب؛ لأن حياة البرزخ من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله عز وجل، ولهذا لو فتح الناس القبور ما رأوا جنة ولا ناراً، والجنة أو النار موجودة، قال عليه الصلاة والسلام: (يفتح للمؤمن باباً إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها)، وذكر أنه يفتح للكافر باباً إلى النار فيأتيه من سمومها وحرها، ولو فتح الناس القبور ما وجدوا نعيماً ولا عذاباً، ولكن المؤمن يؤمن بالغيب وإن لم يشاهده ويعانيه، ويعتقد أن كل ما أخبر الله تعالى به حق، وكل ما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم حق، والنبي عليه الصلاة والسلام قال في الحديث الصحيح: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)، فقد أطلع الله نبيه على ما يجري في القبور من العذاب، فكان يسمع مما يحصل في القبور من العذاب، وغيره من الناس لا يسمعون، والله على كل شيء قدير، فقد حجب هذه الأصوات التي تكون في القبور عن أن تصل إلى الجن والإنس، وشاء أن تصل إلى سمع نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، بل الحيوانات والدواب تسمع ما يجري في القبور من العذاب؛ لأنها غير مكلفة، ولما كان الجن والإنس مكلفين أخفى الله تعالى عليهم ذلك؛ حتى يتميز من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن؛ لأنه لو كان الغيب علانية وشهادة ما تميز من يؤمن بالغيب ممن لا يؤمن به. فهذا الحديث دليل على أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وأنهم أحياء في قبورهم حياة برزخية تختلف عن حياة الدنيا، وتختلف عن الحياة الآخرة بعد البعث والنشور، فلا يقال: إن حياتهم في قبورهم كحياتهم في الدنيا، بل حياتهم في البرزخ تختلف عن حياتهم في الدنيا، وتختلف عن حياتهم بعد البعث والنشور، والمؤمن يصدق بكل ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ويؤمن بكل ما أخبر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. أما الشهداء لم يأتي دليل على أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم، لكن جاء أن بعض الشهداء نبش قبره بعد مدة لأمر اقتضى ذلك فوجدوه كما كان، وهو عبد الله بن حرام والد جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، فقد استشهد يوم أحد، ثم قرب السيل من قبره حتى كاد أن يجترفه، فنبش ونقلوه من مكانه حتى لا يجترفه، فوجدوه كما كان، لكن هذا لا يدل على أنه يبقى على هذه الهيئة إلى يوم البعث والنشور؛ لأن هذا مما لم تأت فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في حق الأنبياء، فالأنبياء جاء في حقهم هذا الحديث، والشهداء جاءت في حقهم تلك الآية، والحياة البرزخية تكون للشهداء ولسائر الناس، لكن الشهداء يكونون أكمل؛ لأن الله نص عليه في حق الشهداء، وقد جاء في الحديث: (إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تعلق من شجر الجنة)، وجاء في حق المؤمنين عموماً حديث: (نسمة المؤمن طائر يعلق في الجنة) يعني: على شكل طائر يعلق في الجنة، والحياة البرزخية ثابتة للجميع، ولكن نجزم بأن الأرض لا تأكل أحداً بعينه إلا الأنبياء، أما غيرهم فما جاء دليل يدل على أن الأرض لا تأكل أجسادهم. تراجم رجال إسناد حديث: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة...) قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا حسين بن علي ]. هو حسين بن علي الجعفي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. جابر الجعفي ، قال عنه عون في المعبود: ليس له عند أبي داود ولا عند النسائي إلا هذا الحديث، والحديث لم أجده في سنن النسائي الصغرى، فلا أدري هل هو في الكبرى أم لا؟ والحافظ ابن حجر لم يذكره من رجاله، و النسائي قد قال فيه: متروك، والنسائي رحمه الله عليه قال عن شخص: متروك وروى له، ذكر ذلك الذهبي في الميزان في ترجمة عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ، قال الذهبي : وهذا عجيب! أن يقول: متروك ثم يروي عنه، وهذه إحدى الفوائد التي ذكرتها في الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى ورقمها (421). [ عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ]. عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الأشعث الصنعاني ]. أبو الأشعث هو شراحيل بن آده وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أوس بن أوس ]. أوس بن أوس رضي الله عنه صحابي أخرج حديث أصحاب السنن. والترجمة هي: باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة، والحديثان ليس فيهما تعرض لذكر الليل، ولا أدري هل جاء في بعض روايات الحديث يوم الجمعة وليلة الجمعة؟ وأظن ورود هذا، وأحياناً قد يذكر اليوم وتكون الليلة تبعاً له. ساعة الإجابة يوم الجمعة شرح حديث: (يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإجابة أية ساعة هي في يوم الجمعة؟ حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث - أن الجلاح مولى عبد العزيز حدثه أن أبا سلمة -يعني: ابن عبد الرحمن - حدثه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يوم الجمعة ثنتا عشرة -يريد ساعة- لا يوجد مسلم يسأل الله عز وجل شيئاً إلا آتاه الله عز وجل، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب الإجابة أية ساعة هي في يوم الجمعة؟] يعني: من ساعات يوم الجمعة، وسبق أن مر حديث: (وفيه ساعة لا يوافقها عبد قائم يصلي لله عز وجل يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه) فأية ساعة هذه من ساعات يوم الجمعة؟ فالمراد تعيين وقت هذه الساعة التي هي ساعة الإجابة. قوله: [ (لا يوجد مسلم يسأل الله عز وجل شيئاً) ] يعني: في ساعة من ذلك اليوم كما يشير إليه آخر الحديث حيث قال: (فالتمسوها)، فليس المقصود أن كل اليوم هو ساعة إجابة، وإنما ساعة من اثني عشرة ساعة، وقوله: (فالتمسوها في آخر ساعة يوم الجمعة) يدل على أن ساعة الإجابة أرجاها وأولاها الساعة الأخيرة لدلالة هذا الحديث عليها، وقد مرت الإشارة إليه في حديث أبي هريرة عند كلام عبد الله بن سلام له لما أخبره بالذي جرى بينه وبين كعب الأحبار ، وقال عبد الله بن سلام : إني أعلم أية ساعة هي، وأخبره بها، فحديث جابر يدل على أنها آخر ساعة في يوم الجمعة، وهذا أقوى وأصح ما قيل فيها. وقوله: (ثنتا عشرة ساعة) يدل على أن النهار مقداره ثنتا عشرة ساعة، ومعلوم أن النهار في اصطلاح الشرع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وليس من طلوع الشمس إلى غروبها؛ ولهذا فإن صيام الأيام إنما يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والليل أيضاً ثنتا عشرة ساعة، لكن الساعات ليست مستقرة ثابتة على طول الأيام، وإنما تزيد وتنقص بطول اليوم وقصره، فمعنى هذا: أن الوقت من طلوع الفجر إلى غروب الشمس يقسم إلى اثني اثنا عشر جزءاً، وجزء من هذه الاثنا عشر هو مقدار الساعة التي جاء ذكرها في هذا الحديث، فليست الساعة شيئاً ثابتاً في كل أيام السنة كما اصطلح عليه الناس في هذا الزمان، حيث يجعلون الليل والنهار أربعاً وعشرين ساعة، ولكن أحياناً يصير النهار تسع ساعات والليل خمس عشرة ساعة، وأحياناً يكون العكس، فيجعلون مجموع اليوم أربعاً وعشرين ساعة، ولا يكون الليل له نصفها والنهار له نصفها، بل هذا على حسب طول الزمان وقصره، لكن في هذا الحديث: (النهار اثنتا عشرة ساعة) سواءً في الشتاء أو الصيف، سواء طال النهار أو النهار، فتقسم اليوم في كل وقت على اثنتي عشرة ساعة، فتنقص الساعة وتزيد، وبالتوزيع عليهما يختلف مقدار الساعة من وقت لآخر، فمقدار الساعة في الصيف حيث يطول النهار أطول من الساعة في الشتاء حيث يقصر النهار. وقد كان النهار عند العرب اثنتا عشرة ساعة، والليل اثنتا عشرة ساعة، وقد ذكر ذلك الثعالبي في كتابه: فقه اللغة، فذكر ساعات الليل وساعات النهار وأسماءها، ولكن في تسميتها عندهم ما يدل على أن النهار يبدأ بطلوع الشمس وينتهي بغروبها، ولكن في اصطلاح الشرع النهار يبدأ بطلوع الفجر، ولهذا سبق أن مر بنا من فقه أبي داود أنه ذكر عند غسل الجمعة أن الإنسان إذا كان عليه جنابة واغتسل بعد طلوع الفجر يوم الجمعة أجزأه عن غسل الجمعة؛ لأن اليوم يبدأ بطلوع الفجر. فعلى هذا تكون ساعة الإجابة آخر جزء من اثنتي عشر جزءاً، وقد تطول في الصيف وتقصر في الشتاء على حسب توزيع مجمل الساعات.
__________________
|
#250
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث (يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري وهو ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث - ]. عمرو بن الحارث المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الجلاح مولى عبد العزيز ]. الجلاح مولى عبد العزيز صدوق أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن مر ذكره. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني مخرمة -يعني: ابن بكير - عن أبيه عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري أنه قال: قال لي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الجمعة -يعني: الساعة-؟ قال: قلت: نعم. سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة). قال أبو داود : يعني: على المنبر ]. أورد أبو داود رحمه الله حديثاً آخر عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه يتعلق ببيان ساعة الإجابة التي في يوم الجمعة، وفيه: أنها ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة، أي: من حين يصعد الخطيب على المنبر ويجلس في انتظار الفراغ من الأذان إلى أن تقضى الصلاة. هذا الحديث الذي جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ويرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مما انتقده الدارقطني على مسلم ، وقد قال العلماء: الصحيح أنه موقوف وليس مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس من قوله صلى الله عليه وسلم وإنما قاله الصحابي أو ابنه اجتهاداً، ولعل ذلك لكون هذا الوقت هو وقت صلاة الجمعة وخطبة الجمعة والإنصات لها، حتى أن الإنسان إذا مس الحصى فقد لغا، ولا يقول لأحد: اسكت، فلعله فهم أن هذا الوقت هو وقت ساعة الإجابة، لكن الحديث موقوف وليس مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فيكون أقوى الأقوال في هذه الساعة أنها آخر ساعة، فيحرص الإنسان فيها على الدعاء والاستغفار ففي ذلك خير كثير، وكذلك حينما يؤمن على دعاء الخطيب ففي ذلك خير أيضاً، ولكن أقوى وأقرب ما قيل في تحديد ساعة الإجابة أنها آخر ساعة بعد العصر كما مر في حديث جابر المتقدم. تراجم رجال إسناد حديث (هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح عن ابن وهب عن مخرمة -يعني: ابن بكير - عن أبيه ]. هو مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج المصري وهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و النسائي ، وأبوه هو بكير بن عبد الله بن الأشج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ]. أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و أبو موسى هو عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. فضل يوم الجمعة شرح حديث: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فضل الجمعة: حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت؛ غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [فضل الجمعة]؛ لأن الترجمة السابقة تتعلق بفضل يوم الجمعة، وأما هذه ففي فضل حضور وشهود صلاة الجمعة، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ يوم الجمعة فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت)يعني: ذهب إلى المسجد واستمع وأنصت للخطبة، ولم يتشاغل عنها بأي شيء (غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام) وذلك على اعتبار أن الحسنة بعشر أمثالها. قوله: (ومن مس الحصى فقد لغا) يعني: من تشاغل بأي شيء عن الخطبة ولو كان بلمس الحصى فإنه يكون قد لغا، أي: أتى بشيء لغو لا يصلح ولا يليق؛ لأنه تشاغل عن الخطبة، وهذا يدلنا على عظم شأن الخطبة، والاهتمام بها، والإقبال عليها، والإصغاء لسماعها، والإنصات لها، فينبغي للحاضر أن يتأمل الخطبة ويعرف ما اشتملت عليه، ويعتبر ويتعظ ويستفيد. وتغيير الجلسة ليس من هذا؛ لأن الإنسان قد يحتاج إلى تغيير الجلسة، أما أن يتشاغل عن الخطبة بثيابه وبملابسه فهو شبيه بالذي يعبث بالحصى؛ لأن التشاغل موجود. والإنسان إذا هجم عليه النوم فهو معذور، لكن كونه لا يبالي بالنوم، وما عنده مانع من أن يأتي له النوم، والأمر عنده سيان، فهذا لا شك أنه مقصر ومفرط، لكن الإنسان الحريص على أن يسمع خطبة الجمعة، ولكن إن أصابه نعاس، أو خفقان وهو جالس، فنرجو أن ذلك لا يؤثر. تراجم رجال إسناد حديث: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبي معاوية ]. هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. هو ذكوان السمان المدني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره. شرح حديث علي في فضل الجمعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني عطاء الخراساني عن مولى امرأته أم عثمان قال: سمعت علياً رضي الله عنه على منبر الكوفة يقول: (إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق، فيرمون الناس بالترابيث -أو الربائث- ويثبطونهم عن الجمعة، وتغدو الملائكة فيجلسون على أبواب المسجد، فيكتبون الرجل من ساعة، والرجل من ساعتين، حتى يخرج الإمام، فإذا جلس الرجل مجلساً يستمكن فيه من الاستماع والنظر فأنصت ولم يلغ كان له كفلان من أجر، فإن نأى وجلس حيث لا يسمع فأنصت ولم يلغ كان له كفل من أجر، وإن جلس مجلساً يستمكن فيه من الاستماع والنظر فلغا ولم ينصت كان له كفل من وزر، ومن قال يوم الجمعة لصاحبه: صه فقد لغا، ومن لغا فليس له في جمعته تلك شيء، ثم يقول في آخر ذلك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك). قال أبو داود رواه الوليد بن مسلم عن ابن جابر ، قال: بالربائث، وقال: مولى امرأته أم عثمان بن عطاء ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه خطب الناس على منبر الكوفة وقال: (إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق، فيرمون الناس الترابيث أو بالربائث)، شك الراوي، قيل: المقصود أنهم يثبطونهم، ويلقون في أنفسهم التباطؤ والكسل عن الذهاب إلى الجمعة، ويحثونهم على الاستمرار فيما هم فيه من الاشتغال بالبيع والشراء، وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أحب البقاع إلى الله مساجدها، وأبغض البقاع إلى الله أسواقها) فالأسواق هي محل اللغط ومحل حضور الشياطين، وهذا الحديث يفيد أنهم يخرجون بالرايات إلى الأسواق لتثبيط الناس، ولمنعهم من أن يستعدوا للصلاة، ويريدون منهم أن يبقوا فيما هم فيه من العمل الدنيوي، وأن يفرطوا ويقصروا في هذا العمل الأخروي من الذهاب والتبكير إلى الجمعة. قوله: [ (وتغدو الملائكة فيجلسون على أبواب المسجد، فيكتبون الرجل من ساعة، والرجل من ساعتين، حتى يخرج الإمام) يعني: يكتبون من يأتي ووقت مجيئه، فيكتبون الرجل الذي جاء قبل ساعة، والذي جاء قبل ساعتين، والذي جاء قبل أكثر أو أقل حتى يخرج الإمام. قوله: [ (فإذا جلس الرجل مجلساً يستمكن فيه من الاستماع والنظر فأنصت ولم يلغ؛ كان له كفلان من أجر) ] فإذا جلس مجلساً في المسجد، بأن جاء مبكراً، وكان قريباً من الإمام، وصار يسمع ويرى الإمام، واستمع وأنصت؛ فإنه يكتب له نصيبان من الأجر، وإن كان في مكان نائي، وجلس بحيث لا يسمع فأنصت ولم يلغ كان له كفل من أجر يعني: نصيب من أجل إنصاته وعدم اشتغاله بشيء يشغل عن انتظار الصلاة. قوله: [ (ومن جلس مجلساً يستمكن فيه من الاستماع والنظر فلغا ولم ينصت كان له كفل من الوزر) ] يعني: عليه إثم؛ لأنه تمكن من الاستماع ومع ذلك لم يستمع وحصل منه اللغو. قوله: [ (ومن قال يوم الجمعة لصاحبه: صه فقد لغا) ] صه يعني: اسكت، وهذا معناه: أنه إذا أمر بمعروف فإنه يعتبر لغواً، فغيره من باب أولى، والمطلوب عدم حصول أي شيء يشغل عن الإقبال على الخطبة والاستماع والإنصات لها. قوله: [ (ومن لغا فليس له في جمعته تلك شيء) ] أي: تلك التي لغا فيها. قوله: [ ثم يقول في آخر ذلك سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول ذلك ] يعني: هذا الكلام الذي قاله على المنبر، فهذا الحديث يعتبر مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن في إسناده من لا يحتج به، فهو حديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقوله: (فليس له في جمعته تلك شيء) لا يعني أن جمعته باطلة، وأنه يعيد صلاة ظهر، ولكنه لا يحصل له أجر الجمعة، وقد برئت ذمته، وأدى الصلاة، ولكنه ما حصل أجرها، مثل الأحاديث التي فيها لا يقبل الله صلاة كذا، فالمعنى برئت ذمته، ولكنه ما حصل على الأجر، مثل الحديث الذي فيه: (من أتى كاهناً فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) فالمعنى أنه حرم أجر هذه الصلوات مع أنه أداها، ولا يقال: يعيدها ويقضيها، وهذا من جنسه. تراجم رجال إسناد حديث علي في فضل يوم الجمعة قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى ]. إبراهيم بن موسى ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عيسى ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السييعي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ]. عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عطاء الخراساني ]. عطاء الخراساني صدوق يهم كثيراً، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن مولى امرأته أم عثمان ]. وهو مجهول أخرج له أبو داود . [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : رواه الوليد بن مسلم عن ابن جابر قال: بالربائث ]. يعني: أنه لم يشك؛ لأن الرواية السابقة فيها: الربائث والترابيث، وهنا الوليد بن مسلم رواه عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الذي مر في الإسناد، وقال: الربائث بدون شك. وقوله: أم عثمان بن عطاء هو عطاء الخراساني . الأسئلة حكم شرب الماء والطواف أثناء خطبة الجمعة السؤال: هل يدخل في اللغو من يشرب ماء في الخطبة أو يطوف؟ الجواب: كل تشاغل عن الخطبة بشرب ماء أو غيره يدخل في اللغو، لكن الطواف شيء آخر، وينبغي للناس أن يسمعوا الخطبة، لكن الذي يطوف دخل في عبادة فيريد أن يكملها، ولكن كونهم يسمعون الخطبة ويقطعون الطواف هذا هو المطلوب. صلاة الأنبياء وتعبدهم في قبورهم السؤال: قال في عون المعبود: قال ابن حجر المكي : وما أفاده من ثبوت حياة الأنبياء حياة بها يتعبدون ويصلون في قبورهم مع استغنائهم عن الطعام والشراب كالملائكة أمر لا مرية فيه، فما رأيكم؟ الجواب: الكلام في أمور الغيب لا يقبل إلا بدليل، والمؤمنون ينعمون في القبور، ويأتيهم من نعيم الجنة، كما أن المعذبين يأتيهم من عذاب النار، وأما حياة الأنبياء في قبورهم فهي حياة برزخية، وكونهم يتعبدون لا يثبت منه إلا في حدود ما ورد، وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به مر بقبر موسى عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره. حكم من بكر إلى المسجد يوم الجمعة واشتغل بالبحث في المكتبة السؤال: من بكر إلى المسجد يوم الجمعة، واشتغل بالبحث في المكتبة، ثم أنصت للخطيب، هل يحصل له الأجر؟ الجواب: الظاهر أن الذي جاء إلى المكتبة ليبحث فيها مثل الذي ذهب إلى المكتبات الأخرى في غير الحرم ليبحث؛ لأنه مشتغل بالبحث، فليس هو مثل الذي جاء للصف الأول أو الذي يليه، وجلس يذكر الله عز وجل، فالذي يشتغل ببحث هو من جنس الذي يبحث في المكتبات الأخرى، وليس مثل الذي جاء مبكراً من أجل الصلاة، بل جاء مبكراً من أجل البحث. حكم الأمر بالمعروف أثناء خطبة الجمعة بالإشارة السؤال: هل لي أن أشير بيدي لمن دخل المسجد وأراد الجلوس بدون صلاة تحية المسجد؟ وهل لي أن أشير لمن يتكلم أثناء الخطبة أن يسكت دون أن أكلمه؟ الجواب: الكلام الذي يشغل الناس ويوشوش عليهم في الخطبة مفسدة، والإشارة ما جاء ما يدل على المنع منها، فإذا أشار إشارة ليسكت المتكلم من أجل أن يتمكن الناس من سماع الخطبة، فالظاهر أن هذا لا مانع منه؛ لأن هذه الإشارة ألجأت إليها الضرورة، وهي من أجل التمكن من الاستماع إلى الخطبة، فلا بأس بهذه الإشارة إن شاء الله. صحة سماع النبي صلى الله عليه وسلم للسلام عليه من عند الروضة السؤال: ذكر صاحب عون المعبود في شرح حديث أوس رضي الله عنه أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم معروضة عليه بواسطة الملائكة إلا عند الروضة فيسمعها مباشرة؟ الجواب: لا يوجد دليل يدل على هذا، وسماع الأموات لا يثبت منه إلا في حدود ما ورد؛ لأن هذه من الأمور الغيبية التي لا يتكلم فيها إلا بدليل. كيفية إصلاح النية السؤال: كيف يعالج الإنسان نيته؟ الجواب: إذا كان المقصود أن الإنسان عنده نية فيها شيء من الرياء أو ملاحظة الناس ومراعاتهم؛ فالإنسان يعمل على الإخلاص لله عز وجل، وعلى أن يبعد عن نفسه كل ما يكون سبباً في التأثير في إخلاصه لله عز وجل، مثل كونه يحب الثناء من الناس والمدح أو يرائيهم من أجل أن يحصل دنيا أو ما إلى ذلك من الأمور، فعليه أن يبعد نفسه ولا يجعل هذه الأمور تخطر له على بال، ويجعل أعماله خالصة لوجه لله عز وجل، ولا يقصد بها المدح أو الثناء أو العطاء أو ما إلى ذلك، و ابن القيم رحمة الله عليه له كلام جميل في الفوائد، وأنا نقلته في الفوائد المنتقاة تحت عنوان: كلمات ذات عبر وعظات، يقول: لا يجتمع الإخلاص ومحبة المدح والثناء في قلب المؤمن إلا كما يجتمع الضب والنون يعني: حيوان البحر مع حيوان البر، واجتماعهما لا يكون؛ لأن حيوان البحر إذا خرج منه مات، وحيوان البر إذا دخل البحر مات، فاجتماعهما لا يكون، ثم قال: فإذا رغبت في الإخلاص فأقبل على الطمع فيما عند الناس واذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء وازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد سهل عليك الإخلاص. فإن قلت: وأي شيء يسهل علي الإخلاص؟ فالجواب: أن تعلم أن كل مدح أو ثناء فالله عز وجل هو الذي مدحه يفيد، وقد روي في حديث -لا أدري من صحته- أن رجلاً قال: إن مدحي زين، وذمي شين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذاك الله عز وجل). إظهار النعمة والزهد السؤال: ما هو الأفضل: إظهار النعمة أم إظهار الزهد؟ الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله إذا أنعم على عبد أحب أن يرى أثر نعمته عليه)، لكن هذا بالاعتدال والتوسط، وليس بالإسراف، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67]. حكم التأمين على دعاء الخطيب يوم الجمعة السؤال: بعض طلاب العلم يقولون: إن التأمين يوم الجمعة لغو، وإن دعاء الخطيب يوم الجمعة بدعة، فهل هذا صحيح؟ الجواب: ليس هذا صحيحاً، وكيف يقال: ليس للخطيب أن يدعو يوم الجمعة؟! هل يعظ الناس فقط ثم ينزل؟! أليس الخطيب حتى في الخطب العادية إذا انتهى قال: أستغفر الله لي ولكم؟!"
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |