شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         مذكرات البرقعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 1381 )           »          مرصد الأحداث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 77 )           »          نصائح المقريزي لإغاثة الأُمَّة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 100 )           »          ولا يستخفنك الذين لا يوقنون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 148 )           »          هاجس الانتقام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 140 )           »          مجالس شرح كتاب تعظيم العلم للشيخ صالح بن عبدالله العصيمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 2459 )           »          المرأة الصالحة رابطة المجتمع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 127 )           »          التعريف بأبرز اختصارات المذهب الشافعي. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 231 )           »          سَقَى جَدَثًا أَكْنَافُ غَمْرَةَ دُونَهُ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 227 )           »          {وهو الخلاق العليم} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 111 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-09-2020, 03:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,895
الدولة : Egypt
افتراضي شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود للعباد
(عبد المحسن العباد)

المعاني التي تطلق عليها السنة

صــ 2إلى صــ6
الحلقة (1)




[القرآن والسنة وحي من الله يجب الأخذ به]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين
.أما بعد:

[الأدلة من القرآن على أن السنة وحي من عند الله]
فإن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الوحي الثاني بعد القرآن، وهي وحي من الله عز وجل كالكتاب، إلا أن الكتاب تعبد الله تعالى بتلاوته وجعله معجزاً.وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم يجب العمل بها والأخذ بما فيها كالقرآن، وهي ليست من عند الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما هي من عند الله،
قال عز وجل:
{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4].
فكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه العصمة والنجاة، والأخذ به لازم كالأخذ بالقرآن، ولا يجوز أن يفرق بين السنة والقرآن بأن يؤخذ بالقرآن ولا يؤخذ بالسنة، ومن زعم أنه يأخذ بالقرآن ولا يأخذ بالسنة فإنه كافر بالكتاب والسنة؛
لأن الله عز وجل يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]،
ويقول عز وجل:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]،
ويقول سبحانه:
{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].
فمن زعم أنه يأخذ من الكتاب ولا يأخذ من السنة فقد كفر بمقتضى قول الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، وقد جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه لعن النامصة والمتنمصة،
وقال:
ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موجود في كتاب الله،
فجاءت إليه امرأة وقالت:
يا أبا عبد الرحمن انظر ماذا تقول،
فإنك قلت:
كذا وكذا، وإنني قرأت المصحف من أوله إلى آخره فما وجدت فيه الذي تقول.
قال: إن كنت قرأته فقد وجدته،
قال الله عز وجل:
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7].
فالسنة كلها داخلة في قوله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، وطاعته عليه الصلاة والسلام لازمة كطاعة الله،
ولهذا يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:
(كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟
قال:
من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)
.
[الأدلة من السنة على أنها وحي يجب الأخذ به]
وجاء في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث تدل على أن السنة وحي من الله، ومن ذلك حديث أنس الطويل في ذكر فرائض الصدقة التي فرضها الله عز وجل، ثم ذكر أسنان الإبل والغنم،
ثم قال:
(الفرائض التي فرضها الله عز وجل)، فأضاف فرضها إلى الله تعالى، وهي إنما جاءت في السنة وليست في القرآن، أعني ذكر مقادير الزكاة وأسنان الزكاة من الإبل والبقر والغنم.
وكذلك جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:
(يغفر للشهيد كل شيء،
ثم قال:
إلا الدين، سارني به جبريل آنفاً)
يعني: أن جبريل ساره باستثناء الدين، وهذا يدل على أن السنة وحي من الله.وكذلك الحديث الذي ذكر فيه قصة الرجل الذي يشتكي بطن أخيه،
وقال له عليه الصلاة والسلام:
(اسقه عسلاً)، ثم جاء ثانية وثالثة يشتكي،
ثم أمره بعد ذلك وقال:
(صدق الله وكذب بطن أخيك)،
يعني:
أن هذا من الله عز وجل وليس منه صلى الله عليه وسلم.
[كفر من لم يأخذ بالسنة وبيان بطلان طريقته]
من لم يأخذ بالسنة فهو كافر بالكتاب والسنة،
ومن أوضح ما يبين ذلك:
أن الصلوات الخمس فرضها الله تعالى بركعات معينة، وما جاء عددها في القرآن، فالظهر أربع ركعات، والعصر أربع ركعات، والمغرب ثلاث ركعات، والفجر ركعتان.
فالذي يقول: إنه لا يأخذ إلا بالقرآن ولا يأخذ بالسنة كم سيصلي الظهر؟ وكم سيصلي العصر؟ لقد جاء كل ذلك مبيناً في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
إذاً: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحي من الله، والأخذ بها لازم كالقرآن، ولا يفرق بين السنة والقرآن من حيث العمل والأخذ بمقتضى ما دلت عليه، بل يجب أن يتلقى الإنسان أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ويعمل بها كما يعمل بما جاء في القرآن الكريم؛ لأن الكل وحي من الله سبحانه وتعالى.
[حجية خبر الواحد]
إن السنة حجة في جميع الأمور وليست حجة في شيء دون شيء، المتواتر منها والآحاد سواء، كل ذلك حجة في العقائد والأحكام والأخلاق والآداب وغير ذلك، وقد جاءت النصوص الكثيرة الدالة على ذلك،
منها:
كون النبي صلى الله عليه وسلم يبعث الرجل ليعلم الناس أمور دينهم، ويجب على الذين يبعثه إليهم أن يأخذوا بما يأتيهم به من بيان العقائد والعبادات والمعاملات وما إلى ذلك.
وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن وقال: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أجابوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).
فالنبي صلى الله عليه وسلم أرسل معاذاً إلى اليمن، وأمره بتبليغ الناس أمور دينهم، وقامت الحجة عليهم بذلك في العبادات والمعاملات والعقائد، وأول شيء دعا إليه التوحيد والعقيدة،
وما جاء عن الصحابة أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:
إنه فرد يحتاج إلى من يعززه، ولابد أن يكون العدد كبيراً،
وما جاء عن الذين بعث إليهم أنهم سألوا واستفسروا وقالوا:
هل يكفي أن نأخذ بما يأتي عن رجل واحد.وقد جاءت النصوص الكثيرة في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم دالة على الاكتفاء بخبر الواحد، وأنه تقوم به الحجة، ولا يلزم أن يكون الحديث الذي يحتج به متواتراً في العقيدة ودون ذلك في غيرها، بل إن العقائد والعبادات والمعاملات طريقها واحد، وإذا ثبت النص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فإنه حجة في العقيدة والعبادة والمعاملات ولو كان من قبيل الآحاد.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16-09-2020, 06:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,895
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المعاني التي تطلق عليها السنة

صــ 7إلى صــ12
الحلقة (2)

المعاني التي تطلق عليها السنة
[إطلاق السنة بمعنى الطريقة والمنهج]
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلق إطلاقات: فتطلق إطلاقاً عاماً يشمل كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة، وحينها يراد بها طريقة الرسول ومنهجه.
ومن ذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (فمن رغب عن سنتي فليس مني) يعني: من رغب عن الطريقة التي كنت عليها، وهي الأخذ بما في الكتاب وما جاءت به السنة.
ولهذا جاء في السنة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم (كان خلقه القرآن)، لأنه كان يتأدب بآدابه، ويتخلق بأخلاقه، ويعمل بما فيه،
ولهذا لما نزل قول الله عز وجل:
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:3] قالت عائشة رضي الله عنها: (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة إلا قال في ركوعه: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن)،
معناه:
يطبق القرآن، وينفذ ما جاء به كتاب الله عز وجل.فهذا إطلاق عام يشمل الكتاب والسنة، فكل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو سنته.
[إطلاق السنة بمعنى الحديث]
المعنى الثاني: تطلق السنة إطلاقاً آخر على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم،
ومن ذلك ما يذكره العلماء من محدثين ومفسرين وفقهاء عندما يذكرون مسألة من المسائل فيقول أحدهم فيها:
وهذه المسألة دل عليها الكتاب والسنة والإجماع.أما الكتاب فقول الله عز وجل كذا وكذا، وأما السنة فقول الرسول صلى الله عليه وسلم كذا، وأما الإجماع فقد حكى فلان الإجماع على هذا الحكم.فعطف السنة على الكتاب يقتضي أن يكون المراد بها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فصار معنى السنة هنا أخص من المعنى الأول.فالسنة مطابقة للحديث،
وهي التي يعرفها علماء المصطلح بقولهم:
هي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خَلقي أو خُلقي.فما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول يقوله، أو فعل يفعله، أو عمل يعمل بين يديه ويقره عليه الصلاة والسلام، أو بيان خلقته وصفته صلى الله عليه وسلم، أو أخلاقه الكريمة وسماته الحميدة عليه أفضل الصلاة والسلام؛ كل هذا يقال له سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
[إطلاق السنة على ما يقابل البدعة]
المعني الثالث:
تطلق السنة إطلاقاً ثالثاً يراد به ما يقابل البدعة،
فيقال:
سني وبدعي، وسنة وبدعة، ومن ذلك ما يصنعه كثير من المحدثين الذين يؤلفون في العقائد كتباً باسم السنة، مثل السنة لـ عبد الله بن الإمام أحمد، والسنة لـ ابن أبي عاصم، والسنة للطبراني، والسنة للالكائي، والسنة لـ محمد بن نصر المروزي؛ كل هذه الكتب باسم السنة ويراد بها ما يتعلق بالعقيدة مبنياً على سنة ومخالفاً لبدعة، ومنه الكتاب الذي أورده أبو داود في سننه ضمن كتبه الكثيرة حيث جعل ضمن كتاب السنن كتاب السنة، وأورد فيه ما يقرب من مائة وستين حديثاً كلها تتعلق بالعقائد.إذاً: السنة يراد بها ما يقابل البدعة،
ولذا يقولون: سني وبدعي،
أي:
سني يعمل بالسنة، وبدعي يأخذ بما يخالف السنة،
كما جاء ذلك في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال:
(وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون،
فقلنا:
يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا؟
قال:
أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)
.فذكر في هذا الحديث الحق والباطل والسنة والبدعة،
ورغب في اتباع السنة بقوله:
(عليكم)،
وحذر من البدع ومن محدثات الأمور بقوله:
(وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).
وقال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
إذاً: يأتي لفظ السنة بمعنى ما يعتقد على وفق السنة وليس على وفق البدعة.
[إطلاق السنة بمعنى المستحب والمندوب]
المعنى الرابع: يأتي عند الفقهاء ذكر السنة بمعنى المستحب والمندوب.
يقال في كتب الفقه: يسن كذا، أو يستحب كذا، أو يندب كذا.فتأتي السنة مرادفة للمندوب وللمستحب، ففي اصطلاح الفقهاء أن السنة تأتي للمأمور به لا على سبيل الإيجاب وإنما على سبيل الاستحباب، وهو ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، ويطلبه الشارع طلباً غير جازم، فمن ترك الفعل المسنون لا يعاقب إلا إذا كان الترك رغبة عن السنة وزهداً فيها، فهذا يؤاخذ على ذلك، أما إذا تركه لأنه ليس بواجب وليس رغبة عن السنة، لكنه يقتصر على الواجب ولا يفعل المستحب، فإنه لا يؤاخذ على ذلك.لكن المستحبات والسنن هي كالسياج للفرائض، ومن تهاون بالسنن جره ذلك إلى التهاون بالفرائض، والنوافل تكمل بها الفرائض إذا حصل نقص،
كما جاء في الحديث:
(أول ما يحاسب عليه العبد من عمله يوم القيامة الصلاة) وجاء في آخر الحديث نفسه: أنه إذا حصل منه نقص فإنه ينظر إلى ما فعله من النوافل، فيكمل بالنفل ما حصل من النقص في الفرض.فالنوافل مكملة للفرائض وهي كالسياج والحصن الذي يحول دون التساهل بالفرائض؛ لأن من يتساهل بالسنن قد يجره ذلك إلى أن يتساهل في الفرائض، ومن حرص على النوافل فهو على الفرائض أحرص، ومن اشتغل بالنوافل وقصر في الفرائض فهو مخطئ وآثم.
وقد قال بعض العلماء: من شغله الفرض عن النفل فهو معذور، ومن اشتغل بالنفل عن الفرض فهو مغرور، كالإنسان يكون في وظيفة وله دوام معين عليه أنه يشغله، فإذا كان يقضي جزءاً من النهار وهو يصلي ويتنفل ويترك العمل مشغولاً بالنوافل، فهذا ترك للواجب واشتغال بغير الواجب.
والله عز وجل يقول كما في الحديث القدسي:
(وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).
هذه أربعة معان تطلق على السنة:
إطلاق عام يشمل الكتاب والسنة، وإطلاق يراد به خصوص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإطلاق يراد به ما يعتقد طبقاً للسنة خلافاً للبدعة، وإطلاق يراد به المأمور به على سبيل الندب لا على سبيل الوجوب.
[فضل العناية بالسنة والاشتغال بها]
جاءت أحاديث كثيرة تدل على فضل العناية بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام والاشتغال بها وتلقيها وتعلمها وتعليمها،
ومن أوضح ما جاء فيها الحديث المتواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)،
وجاء في بعض رواياته:
(رحم الله من سمع منا حديثاً فبلغه كما سمعه).فهذا الحديث المتواتر مشتمل على دعاء من النبي عليه الصلاة السلام لمن اشتغل بسنته عليه الصلاة والسلام وبلغها وعمل بها أن يجعله ذا نضرة وبهجة، بحيث يكون وجهه مشرقاً مضيئاً في الدنيا والآخرة، فتكون عليه البهجة في الدنيا، ويكون ذا نضرة وبهجة في الآخرة.
وقد جاء في القرآن الكريم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23] فالأولى بالضاد أخت الصاد، وهي من النضرة التي معناها الإضاءة والإشراق، والثانية بالظاء أخت الطاء من النظر بالعين، وهي الرؤية.وهي من أدلة أهل السنة والجماعة على إثبات رؤية الله في الدار الآخرة.والدعاء المذكور في الحديث سببه أن هذا المرء يقوم بهذه المهمة العظيمة، فيتلقى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحفظه ويبلغه إلى غيره؛ لأنه إذا حفظه وبلغه إلى غيره قد يستنبط غيره منه ما يخفى على ذلك الذي تحمل،
ولهذا قال:
(ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) لأنه بذلك حفظ السنن، ومكن غيره من استنباط أحكامها.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22-09-2020, 04:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,895
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المعاني التي تطلق عليها السنة

صــ 7إلى صــ12
الحلقة (3)

فضل الجمع بين الرواية والدراية في الحديث
[معنى الرواية والدراية]
إن الاشتغال بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام يتطلب العناية بأمرين: العناية بالرواية والعناية بالدراية.فالعناية بالرواية بحيث تعرف الأحاديث بأسانيدها ومتونها،
وتثبت بأسانيدها ومتونها مثل:
حدثنا فلان قال: حدثنا فلان قال: حدثنا فلان أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: كذا وكذا.هذا هو علم الرواية.وبيان ما يتعلق بالأسانيد والمتون، وشرح المتون، واستنباط فقهها، واستنباط أحكامها هو علم الدراية.فلابد من الرواية ولابد من الدراية، فلا يكون هم الإنسان الرواية فقط ويغفل عن الدراية والفقه، ولا يكون همه الاشتغال بمسائل الفقه، وجمعها والكلام فيها دون عناية بالحديث الذي هو علم الرواية.ولهذا جاءت بعض كتب أهل العلم مشتملة على الرواية والدراية،
كما قالوا في صحيح البخاري:
إنه كتاب رواية ودراية؛ لأنه مشتمل على الأحاديث بأسانيدها ومتونها، ومشتمل على آثار عن الصحابة والتابعين في بيان معاني تلك السنن، وبيان شيء من فقهها، وتراجمه رحمة الله عليه كلها فقه،
ويقولون:
فقه البخاري في تراجمه، فمن أراد أن يعرف فقه البخاري فإنه يعرف ذلك من تراجمه؛ لأنه يأتي بالترجمة ثم يورد الحديث بعدها مستدلاً على الفقه الذي في الترجمة واستنبطه من الحديث.وكذلك الكتب الأخرى التي صنفت على هذا المنوال والتي تأتي بالترجمة، ثم بالحديث مطابقاً للترجمة، فإن هذا الذي في الترجمة فقه، والحديث الذي يورد تحتها رواية، والعناية بهذا وهذا أمر مطلوب.
[حث طالب العلم على علم الحديث والفقه]
إن على طالب العلم أن يكون حريصاً على معرفة الأحاديث وما يتعلق بأسانيدها ومتونها، وعلى فقهها والاستنباط منها، وكذلك يعتني بكتب الفقه وما كتبه الفقهاء وجمعوه من المسائل والفروع، وينظر في أدلة تلك المسائل والأقوال، ويأخذ بما يكون راجحاً بالدليل، مع احترام العلماء وتوقيرهم وتعظيمهم، واعتقاد أنهم لا يعدمون الأجر أو الأجرين لأنهم مجتهدون،
فمن أصاب حصل له أجرين:
أجر الإصابة وأجر الاجتهاد، ومن أخطأ حصل له أجر الاجتهاد، وخطؤه مغفور له.فالواجب العناية بالحديث وبالفقه معاً، والرجوع إلى كتب الحديث والفقه، والاستفادة من فقه الفقهاء والرجوع إلى كلامهم وأقوالهم وأدلتهم، ولكن مع الاحترام والتوقير والتأدب، ومع ذكرهم بالجميل اللائق بهم دون أن يُنال منهم، أو أن يحط من شأنهم، بل يُستفاد منهم، وُيترحم عليهم، ويُدعى لهم،
وهذه طريقة أهل السنة والجماعة كما يقول الطحاوي رحمه الله:
وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من اللاحقين أهل الخبر والأثر وأهل الفقه والنظر لا يُذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل.
[أهمية الحديث للفقه وأهمية الفقه للحديث]
ذكر أبو سليمان الخطابي في مقدمة كتابه معالم السنن:
أن الناس انقسموا قسمين وصاروا حزبين: أهل خبر وأثر، وأهل فقه ونظر، وقال: إن كلاً منهم يكمل الآخر، ولا يستغني أحدهما عن صاحبه.
ثم ضرب لذلك مثلاً فقال:
إن الذي يعتني بالحديث ولا يشتغل بالفقه ولا باستنباط المسائل من الحديث مقصر.ويقابله الذي يشتغل بحصر مسائل الفقه والاشتغال بكلام فقيه من الفقهاء دون أن يرجع إلى كتب الحديث، ودون أن يرجع إلى الأدلة، فهذا أيضاً مقصر.
ثم قال:
إن الحديث والفقه كأساس البنيان والبنيان، فمن عمل أساساً وأحكمه وأتقنه ولم يبن عليه لم يستفد منه.
قال:
فهذا مثل من يعتني من الحديث بأسانيده ومتونه ولا يشتغل بفقهه وما يستنبط منه؛ لأن الناس متعبدون بالعمل بالحديث، والعمل بالحديث يأتي عن طريق الفقه والاستنباط.
ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) والمقصود من الحديث ومن السنن هو فقهها واستنباط ما فيها من أحكام حتى يعمل بها،
ولهذا يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:
(من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)،
يعني:
يبصره ويعرفه بأمور دينه حتى يكون عارفاً بالحق عاملاً به داعياً إليه على بصيرة وهدى.فمن يقوي الأساس ثم لا يبني عليه فروعه لا تحصل ثمرته، ومن اشتغل بمسائل الفقه دون أن يرجع إلى الحديث، ودون أن يبحث عن الصحيح والضعيف؛ فإنه يبني على غير أساس، فهو بنيان ضعيف معرض للانهيار؛ لأنه يستدل بحديث موضوع، فكل من الحديث والفقه لابد له من الآخر.ولكن إذا جمع بين الأمرين فقد جمع بين الحسنيين، وعمل على تحصيل الأساس وتقويته ثم بنى عليه الفروع، فجمع بين الرواية والدراية، فهذا هو المطلوب.ومن المعلوم أن المصيب في مسائل الاجتهاد واحد، وليس كل مجتهد مصيباً، ولو كان كل مجتهد مصيباً لحصل التناقض؛
لأن المختلفين في حكم يقول أحدهما:
إنه حلال،
ويقول الآخر:
إنه حرام، وكيف يكون الشيء الواحد حلالاً حراماً في وقت واحد على وجه واحد، فمثلاً: بعض المسائل يختلفون فيها فيقول بعضهم: هذا يبطل الصلاة،
ويقول غيره:
هذا لا يبطل الصلاة، وهكذا: هذا ينقض الوضوء،
ويقول الآخر:
هذا لا ينقض الوضوء، فالمصيب واحد، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى هذا في قوله: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد).
فالنبي صلى الله عليه وسلم قسم المجتهدين إلى قسمين: مصيب ومخطئ،
والمصيب له أجران:
أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، والمخطئ له أجر الاجتهاد، والخطأ مغفور.والفقهاء من الصحابة ومن بعدهم كل يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء كلام الله وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام فإنه لا كلام لأحد بعد ذلك.
ولهذا جاء عن الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمة الله عليهم أن كل واحد منهم حث على اتباع الدليل والأخذ بالسنن، وأنه إذا وجد له قول قد جاء حديث صحيح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بخلافه، فإنه يؤخذ بالحديث ويترك قوله.
وقد قال الشافعي رحمة الله عليه: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان.هذه كلمة تتعلق بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام وما ينبغي أن يكون عليه الإنسان وهو يطلب العلم من الجمع بين الفقه والحديث.
الأسئلة
[حكم التقيد بالدليل دون التقليد لمذهب]
q الذي يتمسك بالكتاب والسنة ولا يتقيد بمذهب معين هل يعد خارجياً؟
a معلوم أن الله تعالى بعث رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وتلقاه عنه أصحابه رضي الله عنهم، ولم يوجد مذهب في القرن الأول الذي هو خير القرون، وإنما كان الناس يرجعون إلى أهل العلم ويقومون باستفتائهم والأخذ بما يفتون به وبما يدل عليه الدليل، ولاشك أن هذا هو الذي يجب أن يكون عليه الناس دائماً وأبداً.ومن المعلوم أنه وجد في القرن الثاني عدد كبير من الفقهاء من التابعين وأتباع التابعين اشتهروا بالفقه، وفيهم من حصل له تلاميذ اعتنوا بفقهه واعتنوا بأقواله وجمعها وترتيبها وتنظيمها، وكان هناك فقهاء في درجة هؤلاء ولكن لم يتهيأ لهم من التلاميذ الذين يعنون بفقه شيوخهم مثل عناية تلاميذ الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في علمهم وفقههم وتنظيمه وترتيبه، والكل من أهل الفقه.
وكما قلت: الذي كان عليه الناس في القرن الأول لاشك أنه خير،
ولا يمكن أن يقال:
إن الناس كانوا على غير خير، ثم جاءهم الخير بعد ذلك، بل ما كان عليه الناس في زمن القرن الأول ينبغي أن يكونوا عليه بعد القرن الأول، ولكن بعدما وجدت المذاهب الأربعة وهي من مذاهب علماء أهل السنة اتبعها الناس، وخدمت تلك المذاهب.والذي ينبغي لطالب العلم أن يرجع إليها، والرجوع إليها شيء طيب، ولكن الذي يعاب ويذم هو التعصب لشخص من الناس سوى الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول هو الذي يتبع في كل شيء، وهو الذي يلتزم بكل ما جاء به، وهو معصوم لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام، أما غيره فإنه يخطئ ويصيب.
وكما قلت: الأئمة الأربعة أرشدوا إلى أنه إذا وجد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف قولاً جاء عن واحد منهم فإنه يترك قوله ويصار إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم،
وذكرت أثر الشافعي الذي قال فيه:
أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائن من كان.
وعلى هذا فكيف يقال: إن الذي يأخذ بالكتاب والسنة ويحرص على معرفة الحق بدليله ولا يكون ملتزماً بقول واحد من الأئمة الأربعة أو غيرهم يكون خارجياً؟ كيف كان القرن الأول وهو خير القرون؟ ولد أبو حنيفة سنة ثمانين، وهو أول الأئمة الأربعة ومات سنة خمسين ومائة، ومالك والشافعي وأحمد كلهم بعده في الزمن، ومعلوم أن القرن الأول هو خير القرون، وقد كان الناس فيه على هذه الطريقة، وهي الرجوع إلى أهل العلم، والأخذ مما يفتون به مما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.وهذا هو الواجب، ولا يجوز التعصب لأحد من الأئمة، ولكن الاستفادة من كتب الفقهاء الأربعة وغيرهم مطلوبة، ولا يستغني طالب العلم عن كتب الفقه، ولكن عندما يرجع الإنسان إلى كتب الفقه يرجع إليها باحثاً عن الحق بدليله،
ولا يكون متعصباً لشخص بعينه بأن يقول:
لو كان هناك شيء لعلمه فلان.وكيف يقال هذا؟ هل يقال في حق واحد من الناس إنه ما من شاردة ولا واردة إلا وهي عنده، وكل ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم فهو عنده؟ هذا لا يقال في حق أحد، بل كل واحد منهم يقول قولاً ثم يأتيه الحديث فيترك قوله ويصير إليه.والإمام الشافعي رحمة الله عليه كانت هناك مسائل عديدة وصل إليه الحديث فيها من طريق لا يصح، وأخذ بخلاف الحديث لأنه لم يصح عنده، ثم قال: وإن صح الحديث قلت به،
وقد جاء بعض أصحاب الشافعي كـ البيهقي والنووي وذكروا بعض هذه المسائل على وفق الدليل الذي جاء على خلاف مذهب الشافعي وقالوا:
وهذا هو مذهب الشافعي؛ أي أن هذا مذهبه حكماً،
بناء على قوله:
(إن صح الحديث قلت به)،
قالوا:
وقد صح الحديث فهو مذهب الشافعي؛ لأنه علق القول به على صحته.والإنسان عندما يرجع إلى كتب الفقه يستفيد منها، ويكون قصده أن يصل إلى الحق بدليله، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في آخر كتاب الروح مثلاً ضربه للرجوع إلى الفقهاء والاستفادة من علمهم وفقههم وعدم التعصب لهم، وأن الإنسان إنما يرجع إليهم ليستعين بهم في الوصول إلى الحق وإلى الدليل، قال: فهم كالنجوم في السماء يهتدى بها: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:16] والناس إذا كانوا في الظلماء يستطيعون أن يعرفوا اتجاه القبلة وغير القبلة بالنظر إلى النجوم في السماء.
يقول ابن القيم رحمة الله عليه: إن الرجوع إلى كلام العلماء مع احترامهم وتوقيرهم أمر مطلوب، ولكن يستعين بهم في الوصول إلى الحق، وإذا وصل إلى الحق وعرف الدليل الثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ليس له أن يعول على شيء سواه،
وقال:
إن هذا مثل الإنسان الذي في الفلاة في الليل يستدل على جهة القبلة بالنجم، لكن إذا وصل الإنسان إلى الكعبة وصار تحتها فإنه لا يرفع نظره إلى السماء يبحث عن النجوم ليهتدي بها إلى القبلة.قال: وكذلك العلماء يرجع إليهم حيث يخفى الحق، ويستعان بهم في الوصول إليه، فإذا عرف الدليل لم يعول على كلام أحد.
وهذا مقتضى كلام الشافعي: (أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائن من كان).أما الإنسان الذي ليس عنده أحد يفقهه، واحتاج إلى أن يتعلم مذهباً من المذاهب الأربعة؛ لأنه ما أمكنه سواه، فله أن يتعلم ذلك الفقه، وأن يعبد الله عز وجل وفقاً لذلك المذهب الذي تعلمه، ولكنه إذا وجد من يبصره بالدليل ومن يعلمه بالثابت من غير الثابت فإنه يرجع إلى الدليل، وليس لأحد كلام مع كلام رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
[الضابط في خروج الإنسان من السنة]
q ما هو الضابط في خروج الإنسان من السنة؛ أهو الاعتقاد أم العمل أم هما معاً؟

a يوجد خروج كلي وخروج جزئي، والخروج الكلي كالبدع التي يكفر أصحابها، وهناك بدع غير مكفرة ولكن أصحابها أهل بدع وإن كانوا داخلين في عداد المسلمين،
كالفرق الثنتين والسبعين التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(وستفترق هذه الأمة على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟
قال: الجماعة، وهم من كان مثل ما أنا عليه وأصحابي)
.فاثنتان وسبعون فرقة من المسلمين هم أهل بدع وضلال ولكنهم ما وصلوا إلى حد الكفر، فهؤلاء يعتبرون مسلمين، ولكنهم أهل بدع، والذي على السنة هو من كان مثل ما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22-09-2020, 04:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,895
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المعاني التي تطلق عليها السنة

صــ 1إلى صــ10
الحلقة (4)

شرح سنن أبي داود [002]
بين الإمام أبو داود رحمه الله تعالى في رسالته إلى أهل مكة منهجه وطريقته في سننه، فذكر أنه وضع في كل باب أصح ما ورد عنده فيه قاصداً الاختصار، ولم يرو عن متروك، واجتهد في الاستقصاء في الأحاديث مبوبة على كتب الفقه.
[مناهج المحدثين في تصنيف الكتب]
حفظ الله عز وجل كتابه الكريم،
كما قال عز وجل:
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، وهيأ لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم علماء وقفوا نفوسهم، وشغلوا أعمارهم في العناية بها حفظاً وفهماً وتعلماً وتعليماً، فعنوا بجمعها وحفظها وترتيبها وتنظيمها، وكان ذلك من الله عز وجل حفظاً لهذه السنة المطهرة التي هي وحي من الله عز وجل أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
[مكانة الكتب االستة في كتب الحديث]
لقد ألفت المؤلفات الكثيرة الواسعة على مختلف الطرق، فمنها ما جمع فيه الأحاديث ضمن كتب وأبواب، ومنها ما ألف على المسانيد، ومنها ما ألف على المعاجم، ومنها ما ألف على غير ذلك.
ومن الكتب التي ألفت على الكتب والأبواب: الكتب الستة التي اشتهرت عند العلماء بأنها الأصول التي اشتملت على أحاديث الأحكام وغيرها، وهي صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجة.والخمسة الأولى اتفق على عدها من الكتب الأصول، وكثير من أهل العلم اعتبروا سنن ابن ماجة هو السادس؛ لأن فيه أحاديث كثيرة زائدة على ما في الكتب الخمسة.وقد اعتنى بزوائده الحافظ البوصيري فزادت على ألف حديث، فمن أجل ذلك قدمه بعض أهل العلم على غيره، ومنهم من قدم الموطأ وجعله السادس، وهو الذي مشى عليه صاحب جامع الأصول، وقبله المؤلف الذي بنى عليه ابن الأثير كتابه جامع الأصول.ومنهم من اعتبر السادس سنن الدارمي، لكن الذي اشتهر هو اعتبار سنن ابن ماجة،
ولهذا ألفت الكتب في الأطراف والرجال على اعتبار أن السادس هو سنن ابن ماجة ومما ألف بالنسبة للأطراف:
كتاب تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي،
وبالنسبة للرجال:
كتاب الكمال في أسماء الرجال للمقدسي، ثم تهذيب الكمال للمزي، ثم تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر، وتقريبه له أيضاً، وفي درجة تهذيب التهذيب تذهيب التهذيب للذهبي، وبعده خلاصة تهذيب الكمال للخزرجي، فهذه كلها كتب مبنية على أن السادس هو سنن ابن ماجة.وهذه الكتب الستة المقدم فيها البخاري، ثم مسلم، ثم سنن أبي داود، ثم النسائي، ثم الترمذي، ثم ابن ماجة، وقد جاء عن بعض أهل العلم الإشارة إلى تقديم بعض هذه الكتب على بعض،
فمما ذكر في ترجمة أبي داود السجستاني رحمة الله عليه:
أن أبا عبد الله بن مندة قال: الذين ميزوا الثابت من المعلول والخطأ من الصواب أربعة: البخاري ومسلم ثم يليهم أبو داود والنسائي.
[فضل أبي داود وكتابه السنن]
جاءت نصوص تدل على عظم شأن سنن أبي داود وعلى عظم منزلة كتابه الذي سنبدأ إن شاء الله بدراسته.
وأبو داود السجستاني رحمة الله عليه هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني ويقال: السجزي، نسبة إلى سجستان،
والنسبة إليها يقال فيها:
سجستاني، ويقال: سجزي.وكانت ولادته سنة اثنتين بعد المائتين في أول القرن الثالث الهجري الذي عرف بالعصر الذهبي لتدوين السنة وجمعها والعناية بها، فلقد ألفت في ذلك العصر المؤلفات الكثيرة الواسعة ومنها الكتب الستة، لأن أصحاب الكتب الستة كلهم عاشوا في القرن الثالث الهجري والبخاري رحمة الله عليه في أول حياته أدرك ستة سنوات من القرن الماضي، والنسائي أدرك القرن الرابع فتوفي بعد مضي ثلاث سنوات منه، وعلى هذا فإن أصحاب الكتب الستة كلهم في القرن الثالث الهجري.وكانت وفاة أبي داود سنة مائتين وخمس وسبعين، وأول أصحاب الكتب الستة وفاة البخاري حيث توفي سنة مائتين وست وخمسين، ويليه مسلم حيث كانت وفاته سنة مائتين وأربع وستين، ثم بعد ذلك أبو داود وابن ماجة وكانت وفاتهما معاً في سنة خمس وسبعين ومائتين، ثم بعد ذلك الترمذي وكانت وفاته سنة تسع وسبعين ومائتين، وآخرهم وفاة النسائي حيث كانت وفاته سنة ثلاثمائة وثلاث من الهجرة.
ومما جاء في أبي داود قول الحافظ ابن حجر في التقريب: ثقة حافظ، مصنف السنن وغيرها، من كبار العلماء.
وقال فيه الذهبي في سير أعلام النبلاء: إنه كان مع تبحره في الحديث فقيهاً، وكتابه السنن يدل على فقهه وعلى مكانته في الفقه،
يعني:
كونه يأتي بالأبواب والتراجم، ثم يورد أحاديث للاستدلال على تلك التراجم، فذلك من فقهه واستنباطه.وكما ذكروا أن فقه البخاري في تراجمه فكلام الذهبي رحمة الله عليه يشير إلى أن السنن بما فيه من أبواب كثيرة وأحاديث منتقاة، وعناية بأحاديث الأحكام دال على فقه أبي داود بالإضافة إلى روايته، فهو بذلك عالم رواية من حيث ذكر الأحاديث بأسانيدها ومتونها، وعالم دراية من حيث الاستنباط من الأحاديث، وبذكر التراجم التي يضعها ثم يأتي بالأحاديث التي تدل عليها.وكذلك أثنى على كتابه هو نفسه وبين منزلته، لأنه تعب فيه وعرف منزلته ومقداره، فمن أجل ذلك قال ما قال عنه من المدح والثناء الذي ذكره في رسالته لأهل مكة، وكذلك أثنى عليه أهل العلم وبينوا منزلته وعظيم قدره.
ومما ذكر في ترجمته قالوا: إن سهل بن عبد الله التستري جاء إلى أبي داود وطلب منه أن يخرج لسانه الذي يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقبله،
ومما ذكر أيضاً في ترجمته:
أنه كان يقول: خير الكلام ما دخل إلى الأذن بدون إذن،
يعني:
لوضوحه وسلامته وسلاسته وحسنه وجماله، ذكر ذلك الحافظ الذهبي في ترجمته في سير أعلام النبلاء،
ونقل عن ابنه أبو بكر بن أبي داود قال:
سمعت أبي يقول: خير الكلام ما دخل في الأذن بدون إذن.والكلام في أبي داود وفي سننه كثير، وما يتعلق بسنن أبي داود وبيان قيمتها، وكيفية تأليفها، وموضوع الكتاب قد أوضحه في رسالته إلى أهل مكة، وهي رسالة قيمة مختصرة توضح مراده.
[رسالة أبي داود إلى أهل مكة لبيان منهجه في السنن]
ومن المناسب قبل أن نبدأ بدراسة الكتاب أن نقرأ هذه الرسالة حتى نكون على علم بالطريقة التي بني عليها الكتاب، والمنهج الذي رسم عليه الكتاب لذلك الأمر من أهمية.
[ذكر أبي داود لأصح ما عنده في الباب]
[يقول أبو بكر محمد بن عبد العزيز: سمعت أبا داوود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد السجستاني وسئل عن رسالته التي كتبها إلى أهل مكة وغيرها جواباً لهم فأملى علينا: فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم كلما ذكر،
أما بعد:
عافانا الله وإياكم عافية لا مكروه معها، ولا عقاب بعدها؛ فإنكم سألتم أن أذكر لكم الأحاديث التي في كتاب السنن أهي أصح ما عرفت في الباب؟ ووقفت على جميع ما ذكرتم.
فاعلموا أنه كذلك كله، إلا أن يكون قد روي من وجهين صحيحين فأحدهما أقوم إسناداً والآخر صاحبه أقدم في الحفظ، فربما كتب ذلك ولا أرى في كتابي من هذا عشرة أحاديث].هذه المقدمة لهذه الرسالة هي حمد الله عز وجل، والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم، والدعاء للذين يخاطبهم، وهذه طريقة طيبة في الرسائل والكتابات، سار عليها العلماء في بداية كتبهم.
وكان من سؤال أهل مكة:
أنه هل كتب في سننه أصح ما عنده؟
فقال:
إنه كذلك، إلا أنه قد يكون الحديث فيه ما يأتي من طريق أقوم وما يأتي من طريق شخص عرف في التقدم في الحفظ.
قال: فإما أن يكتب ما كان أقوم إسناداً وأصح، وإما أن يكتب ما كان على الطريقة الثانية التي هي التقدم في الحفظ،
قال:
وهذا قليل لا يبلغ عشرة أحاديث.
[غرض أبي داود من عدم الإكثار من الأحاديث في الباب]
قال رحمه الله: [ولم أكتب في الباب إلا حديثاً أو حديثين، وإن كان في الباب أحاديث صحاح، فإنه يكثر، وإنما أردت قرب منفعته].بين أنه اختصر كتابه، وأنه يورد في الباب حديثاً أو حديثين؛ لأن مقصوده من إيراد الباب هو بيان الحكم الذي يستدل عليه، ثم يورد الدليل عليه إما من طريق أو طريقين، ولم يشأ أن يورد الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد من طرق كثيرة؛ لأن هذا يؤدي إلى كبر حجم الكتاب، وهو يريد أن يكون الكتاب مختصراً يعرف فيه الحكم من الترجمة، ويعرف فيه الدليل على ذلك الحكم، ولم يرد أن يكثر الطرق حتى لا يكبر حجم الكتاب.
[غرض أبي داود من إعادة بعض الأحاديث]
قال رحمه الله: [وإذا أعدت الحديث في الباب من وجهين أو ثلاثة فإنما هو من زيادة كلام فيه، وربما تكون فيه كلمة زيادة على الأحاديث].أخبر أنه إذا أورد طرقاً في بعض الأحيان فإنما ذلك لشيء جديد زائد، وهو وجود ألفاظ في تلك الطرق التي أتى بها زائدة على الحديث أو الحديثين، فأتى بها من أجل هذه الزيادة، لأن زيادة الثقة إذا جاءت فإنها بمثابة الحديث المستقل.
[غرض أبي داود من اختصار بعض الأحاديث]
قال رحمه الله: [وربما اختصرت الحديث الطويل؛ لأني لو كتبته بطوله لم يعلم بعض من سمعه ولا يفهم موضع الفقه منه، فاختصرته لذلك].وهذا فيه أن أبا داود يختصر الأحاديث، وأنه عندما يورد الحديث بالترجمة لا يعني أن هذا هو الحديث بتمامه دون أن يكون قد دخله اختصار، بل أشار إلى أنه اختصر بعض الأحاديث ولم يوردها بتمامها وكمالها.وهذه طريقة البخاري وطريقة النسائي، تجدهم يقطعون الحديث، ويأتون بالجمل منه في الأماكن التي يستدلون بها على تلك التراجم التي يوردونها؛ لأنهم أرادوا من وراء ذلك أن تكون الكتب رواية ودراية تشتمل على الأسانيد والمتون، وتشتمل على الفقه.
وقد ذكر سبب اختصاره للحديث حيث قال: إنه لو أورده بكماله قد لا يتنبه بعض من سمعه إلى محل الشاهد، لأنه إذا كان الحديث مثلاً صفحة كاملة ومحل الشاهد منه كلمتان أو ثلاث قد يمر عليه كله فلا يتنبه إلى محل الشاهد، فهو يريد أن يأتي إلى محل الشاهد رأساً فيختصر الحديث ويورد محل الشاهد.
[طريقة الإمام مسلم في تأليف صحيحه]
تلك كانت طريقة الذين رأوا الاختصار للأحاديث، وأما الذين لم يفعلوا هذا الفعل فلم يحصل منهم الاختصار ولا حصلت الرواية بالمعنى، وإنما حصل منه العناية بألفاظ الأحاديث والأسانيد، ومنهم الإمام مسلم بن الحجاج رحمة الله عليه، فقد اعتنى بإيراد الأحاديث بألفاظها وبأسانيدها ومتونها، دون أن يكون عنده اختصار أو رواية بالمعنى، بل يورد الحديث بتمامه وبلفظه.
وقد قال الحافظ ابن حجر في ترجمة الإمام مسلم:
قلت: قد حصل للإمام مسلم حظ عظيم في تأليف كتابه، من حيث عنايته بجمع الروايات، وعدم تقطيع الأحاديث وتفريقها.
يعني:
عدم الرواية بالمعنى.ولا شك أن المحافظة على ألفاظ الحديث طريقة مثلى، والرواية بالمعنى جائزة، ولكن ينبغي أن تكون عندما لا يتقن اللفظ، أما إذا عرف لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي العدول عنه إلى الرواية بالمعنى، ولكن حيث يضبط المعنى ويعقل ولا يضبط اللفظ تأتي الرواية بالمعنى؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم إذا وجد بلفظه لا ينبغي العدول عنه ولا روايته بالمعنى.وقد كان مسلم رحمه الله يترجم الكتب ولا يبوب تحتها أبواباً، ولهذا جاء بعض العلماء بعده وعملوا أبواباً لأنه في حكم المبوب، حيث جمع الأحاديث التي يتصل بعضها ببعض في مكان واحد فصاروا يضعون له أبواباً كـ النووي وغيره، ولهذا لما عمل النووي حاشية على صحيح مسلم ترك المتن كتباً وأحاديث بدون أبواب، ثم في الحاشية يأتي بذكر الأبواب؛ لأنها من صنعه.فـ مسلم رحمة الله عليه أتى بكتاب الإيمان وهو أول كتاب عنده بعد المقدمة، وأول حديث في كتاب الإيمان هو حديث جبريل وقد ساقه بطوله دون اختصار،
وهو الحديث المشهور:
(بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد) إلى آخر الحديث، وفي آخره قال عليه الصلاة والسلام: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم).الحديث أورده من طريق ابن عمر وكان جاء إليه اثنان من أهل العراق حاجين أو معتمرين، واكتنفاه فكان واحد عن يمينه وواحد عن شماله،
وقالا له:
لقد ظهر في بلدنا أناس يقولون بالقدر،
ويقولون:
إن الأمر أنف،
فقال:
إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم مني براء،
ثم قال:
حدثني عمر رضي الله عنه وساق الحديث الطويل.
ومقصوده من إيراد الحديث قوله: (وتؤمن بالقدر خيره وشره)؛ لأنه أتى به دليلاً على البراءة من هؤلاء، وأنه على خلاف ما صاروا إليه.إذاً أبو داود رحمه الله كـ البخاري وكـ النسائي وغيرهم من الذين يعددون التراجم، ويوردون الأحاديث على تلك التراجم، فيأتون بها في مواضع متعددة، وتكون مشتملة على محل الشاهد، وذلك من الاختصار للأحاديث.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22-09-2020, 04:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,895
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المعاني التي تطلق عليها السنة

صــ 11إلى صــ20
الحلقة (5)

[الكلام على الحديث المرسل وحجيته]
قال رحمه الله: [وأما المراسيل، فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي، حتى جاء الشافعي فتكلم فيها وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل وغيره رضوان الله عليهم، فإذا لم يكن مسند غير المراسيل ولم يوجد المسند فالمرسل يحتج به، وليس هو مثل المتصل في القوة].
المرسل عند المحدثين له معنيان: معنى يقال إنه عند الفقهاء وهو في الحقيقة يأتي على ألسنة المحدثين أيضاً، ومرسل في اصطلاح المحدثين، فالمرسل في اصطلاح المحدثين هو الذي يقول فيه التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.هذا هو المشهور في اصطلاح المحدثين، وهناك مرسل أعم من هذا المرسل، وهو المنقطع الذي يرويه الراوي عن شخص ما أدركه، أو أدركه ولم يسمع منه، وهو الذي يسمونه المرسل الخفي.
أما مرسل جلي فهو: الذي يكون فيه الانقطاع واضحاً، حيث يروي شخص عن شخص ما أدرك عصره.
كما ذكروا الفرق بين التدليس والمرسل الخفي فقالوا: المدلس هو رواية الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم للسماع، أما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي، فهو ليس تلميذاً له، أما المدلس فهو تلميذ لمن دلس عنه.
والمشهور عند كثير من المحدثين ومنهم الإمام مسلم كما ذكر ذلك في مقدمته: أنه لا يحتج بالمرسل لما فيه من الانقطاع، والجهل بالساقط، وليس ذلك خشية أن يكون الساقط صحابياً، فإن جهالة الصحابي لا تؤثر،
فالسبب في عدم الاحتجاج بالمرسل:
احتمال أن يكون الساقط تابعياً، وذلك التابعي يحتمل أن يكون ثقة ويحتمل أن يكون ضعيفاً، فمن أجل ذلك قالوا بعدم الاحتجاج بالمرسل.
لكن بعض أهل العلم يقول: إن المرسل إذا ضم إليه مرسل آخر جاء من طريق آخر فإنه يضم بعضهما إلى بعض ويصير من قبيل الحسن لغيره، كالمدلس إذا جاء الحديث فيه تدليس، وجاء من طريق آخر فيه شيء من الضعف اليسير فيضم بعضها إلى بعض ويصير الحديث حجة، ويعول عليه،
ويقال له: الحسن لغيره،
والحسن لغيره:
هو الحديث المتوقف فيه إذا جاء ما يقويه ويعضده.
إذاً: المرسل غير مقبول عند كثير من المحدثين؛ لأن فيه سقطاً، والساقط يحتمل أن يكون تابعياً، والتابعي قد يكون غير ثقة في الحديث، وليس الإشكال في أن يكون الساقط صحابياً؛ فإن الصحابة لا تضر جهالتهم، ولا يؤثر عدم معرفة أشخاصهم وأحوالهم؛ لأنهم كلهم عدول بتعديل الله عز وجل لهم وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم.
مزايا سنن أبي داود
[ليس في سنن أبي داود رجل متروك الحديث]
قال رحمه الله: [وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء].
يعني: أنه ما روى عن متروك، والمتروك هو الذي عرف بفحش الغلط، وكثرة الخطأ؛ فترك حديثه بسبب ذلك.
قال رحمه الله: [وإذا كان فيه حديث منكر بينت أنه منكر، وليس على نحوه في الباب غيره].إذا كان الحديث منكراً ذكره وذكر أنه منكر، ولكن ليس في الباب على نحوه غيره،
أي:
فإنما ذكره لأنه هو الموجود في الموضوع، ولو كان يوجد حديث صحيح أو غير منكر لأتى به، لكنه لما كان الموضوع الذي ترجم له ليس فيه أحاديث صحيحة أورد الحديث المنكر ونص على أنه منكر.لكن ينبغي أن يعلم أن بعض العلماء يستعمل لفظ المنكر على غير هذا المعنى، وهو: الأحاديث الغرائب التي جاءت من طريق واحد،
فيقال:
عنده مناكير، وليس معنى ذلك أنه ضعيف الحديث، ولكن عنده أحاديث ما جاءت إلا من طريقه فهي تعتبر غريبة.ولا يعني أن الحديث إذا جاء من طريق واحد وهو طريق مستقيم صحيح يكون مردوداً، بل يكون مقبولاً،
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري في ترجمة أبي بردة بن أبي موسى أو في ترجمة بريد بن أبي بردة عن الإمام أحمد:
أنه يطلق المناكير على الغرائب، فهذا اصطلاح لبعض العلماء.
[اشتماله على أحاديث ليست في كتب من قبله]
قال: [وهذه الأحاديث ليس منها في كتاب ابن المبارك ولا كتاب وكيع إلا الشيء اليسير، وعامته في كتاب هؤلاء مراسيل].
يعني: أن ما في كتابه ليس في كتب هؤلاء منه إلا الشيء اليسير، وعامة ما عندهم مراسيل، يعني: فيها انقطاع.
قال رحمه الله:
[وفي كتاب السنن من موطأ مالك بن أنس شيء صالح، وكذلك من مصنفات حماد بن سلمة وعبد الرزاق، وليس ثلث هذه الكتب فيما أحسبه في كتب جميعهم، أعني مصنفات مالك بن أنس وحماد بن سلمة وعبد الرزاق].هذا فيه إشارة إلى كثرة ما فيه من الأحاديث الزائدة التي لا توجد عند هؤلاء في مصنفاتهم.
قال رحمه الله: [وقد ألفته نسقاً على ما وقع عندي، فإن ذكر لك عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ليس مما خرجته فاعلم أنه حديث واهن].وهذا فيه بيان معرفة قدر هذا الكتاب وعظيم منزلته عند مؤلفه، وليس مقصود أبي داود وغيره ممن يثني على مؤلفه التبجح والغرور، وإنما المقصود من ذلك النصح للمسلمين، وحرصه على أن يستفيدوا من هذا الكتاب الذي أفنى كثيراً من عمره في جمعه وترتيبه وتنظيمه وتأليفه، فالمقصود من ذلك النصح وبعث الهمم والترغيب والتشويق إلى الكتاب، والعناية به ودراسته والاستفادة منه، فهذا هو المقصود من هذا الثناء على كتابه.وهذا يفيد أن كتابه جامع، وأنه استوعب واستقصى، وقد عرفنا فيما مضى أنه كان يترك الطرق المتعددة التي هي موجودة فيما يورده حتى لا يكبر حجم الكتاب.
وقوله: (وإما حديث واهن) هذا على حسب علمه، وليس معنى هذا أنه لا يوجد حديث صحيح ليس عند أبي داود، بل كما هو مشاهد ومعاين أن في صحيح البخاري أحاديث كثيرة ليست عند أبي داود ولكن هذا على حسب علمه واستقصائه، وعلى حسب جهده الذي بذله.
[جمعه لأحاديث الأحكام واستقصائها حسب علمه]
قال رحمه الله: [فإن ذكر لك عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ليس مما خرجته فاعلم أنه حديث واهن إلا أن يكون في كتابي من طريق آخر].
هذا استدراك يعني به:
أن هذا الذي جاء وليس عنده يكون عنده من طريق آخر،
ومعناه:
أنه جاء من طريقين أو من ثلاثة فهو أورده من طريق وغيره أورده من طريق آخر.
قال رحمه الله: [فإني لم أخرج الطرق لأنه يكبر على المتعلم].
قوله: (لم أخرج الطرق) أي: ما استوعبت طرق الأحاديث لا من حيث الصحابة ولا من دون الصحابة؛ فإن الحديث -كما هو معلوم- قد يبلغ إلى حد التواتر وهو يورده من طريق واحد أو من طريقين؛ لأنه ما أراد الاستيعاب،
مثل حديث:
(نضر الله امرأ سمع مقالتي) رواه أبو داود من بعض الطرق عن بعض الصحابة، وجاء عن عدد كبير من الصحابة ليسوا عند أبي داود، لأنه ما أراد استيعاب وجمع الطرق؛ لأنه يكبر بذلك حجم الكتاب.
قال رحمه الله:
[ولا أعرف أحداً جمع على الاستقصاء غيري].في هذا -كما قلت- بيان لارتياحه واطمئنانه إلى الجد والاجتهاد الذي بذله والنتيجة التي توصل إليها بسبب ذلك، وقصده من ذلك النصح والحث والترغيب والتشويق إلى الاستفادة من كتابه لا التبجح ولا غيره من القصود السيئة التي قد تحصل من بعض الناس فيما يكتبون ويقولون.
قال رحمه الله: [وكان الحسن بن علي الخلال قد جمع منه قدر تسعمائة حديث، وذكر أن ابن المبارك قال: السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو تسعمائة حديث، فقيل له: إن أبا يوسف قال: هي ألف ومائة، قال ابن المبارك: أبو يوسف يأخذ بتلك الهنات من هنا وهنا نحو الأحاديث الضعيفة].هذا فيه إيضاح استقصائه واستيعابه،
وقد قال كما سيأتي:
إن في كتابه أربعة آلاف وثمانمائة حديث، وهنا ذكر أن بعض العلماء قال: إن السنن تسعمائة حديث،
فقيل له:
فلان عنده ألف ومائة،
فقال:
هذا عنده شيء من الهنات،
يعني:
أنه يتوسع ويكتب أشياء فيها ضعف.
[بيانه لما فيه وهن شديد من الأحاديث]
قال رحمه الله: [وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته، ومنه ما لا يصح سنده].
قوله:
(وهن شديد) يعني: ضعفاً شديداً،
قوله:
(بينته) أي يقول: إنه فيه كذا وفيه كذا.
وكذلك يبين ما لا يصح سنده ويقول: فيه فلان أو فيه كذا.
قال رحمه الله: [وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصح من بعض].
قوله:
(وما لم أذكر فيه شيئاً) يعني: ما لم أبين فيه وهناً أو ضعفاً وإنما أسكت عليه فهو صالح للاحتجاج.
قوله: (ولكنه متفاوت وبعضه أصح من بعض) يعني: هذا الذي لا أتكلم عليه وأسكت عنه ليس على درجة واحدة بل هو متفاوت.
قال: [وهذا لو وضعه غيري لقلت أنا فيه أكثر].
يعني: هذا الكلام الذي قلته في كتابي أقوله لأنني عرفت قيمته وعرفت منزلته، ولو كان الذي وضعه غيري وقرأته وعرفت قيمته ومنزلته لقلت فيه أكثر من هذا؛ للترغيب فيه وللحث على الاستفادة منه.
قال رحمه الله:
[وهو كتاب لا ترد عليك سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صالح إلا وهي فيه، إلا أن يكون كلام استخرج من الحديث، ولا يكاد يكون هذا].وهذا مثلما تقدم من ناحية الاستيعاب، وأنه إذا وجد شيء ليس عنده فإنه ضعيف إلا أن يكون جاء عنده من طريق آخر، أو أضيف إلى الأحاديث استنباطاً فهذا شيء آخر، ولا يكاد يكون هذا.
[يكفي المرء السنن مع القرآن في معرفة الأحكام]
قال رحمه الله: [ولا أعلم شيئاً بعد القرآن ألزم للناس أن يتعلموه من هذا الكتاب].وهذا يبين أيضاً عظيم منزلته عنده، وأن على الناس أن يحرصوا على هذا الكتاب، وأن يستفيدوا منه، لأنه مشتمل على الأحكام.
قال: [ولا يضر رجلاً ألا يكتب من العلم بعدما يكتب هذه الكتب شيئاً، وإذا نظر فيه وتدبره وتفهمه حينئذ يعلم مقداره].
يعني: أن الإنسان إذا اشتغل به واستوعبه فلا يضره ألا يشتغل بغيره لاستيعابه! ثم قال: (وإذا نظر فيه وتدبره وتفهمه حينئذ يعلم مقداره).
يعني:
إذا أردت أن تتحقق فاقرأ الكتاب وقف عليه وتدبره وتأمله لتعرف مقداره، وكما يقولون: التجربة أكبر برهان.
[في السنن أدلة المسائل التي تكلم فيها أئمة الفقه]
قال رحمه الله: [وأما هذه المسائل مسائل الثوري ومالك والشافعي فهذه الأحاديث أصولها].يعني هذه أدلة المسائل التي تكلم بها هؤلاء العلماء.
[حث أبي داود للناس على معرفة آراء الصحابة]
قال رحمه الله:
[ويعجبني أن يكتب الرجل مع هذه الكتب من رأي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم].بعدما ذكر قيمة هذا الكتاب،
وأحياناً يقول:
(الكتب)،
ويعني بذلك:
الكتب التي اشتمل عليها الكتاب؛ لأن كتابه اشتمل على خمسة وثلاثين كتاباً، فإذا جاء ذكر الكتب في بعض الأحيان فمعناه الكتب التي في داخل الكتاب، وهي كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة وهكذا؛ لأنه مبني على كتب، والكتب يندرج تحتها أبواباً كثيرة.
وهو هنا يقول:
إنه مع هذه العناية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستيعاب هذا الكتاب وشموله لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، يعجبني أيضاً أن يطلع الرجل على آراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أقوالهم، ولهذا فإن العلم الشرعي عند العلماء هو قال الله وقال رسوله وقال الصحابة، لأن الصحابة رضي الله عنهم هم خير الناس، وهم أعلم الناس، وهم أعلم من غيرهم وأدرى؛ لأنهم الذين شاهدوا التنزيل، وعرفوا معاني النصوص وتلقوها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أعلم من غيرهم وأدرى من غيرهم.
ولهذا يقول ابن القيم رحمة الله عليه في النونية: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفان فبعدما ذكر كلام الرسول صلى الله عليه وسلم في كتابه، أرشد إلى أنه ينبغي أن يحرص على كلام الصحابة، وأن يعتنى بكلامهم ويرجع إليه.وهذا فيه الإشارة إلى منزلة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ومنزلة كلامهم تابعة لمنزلتهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
قال رحمه الله: [ويكتب أيضاً مثل جامع سفيان الثوري، فإنه أحسن ما وضع الناس في الجوامع].وهذا فيه أيضاً الإرشاد إلى جامع الثوري والعناية به.
[شهرة أحاديث سنن أبي داود]
قال رحمه الله: [والأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئاً من الحديث، إلا أن تمييزها لا يقدر عليه كل الناس].ثم ذكر أن الأحاديث التي في كتابه أحاديث مشهورة عند أهل العلم، وليست غريبة لا يقف عليها أحد، ولا يعني هذا أن الغريب لا يعول عليه، فإن من الغريب -وهو ما جاء من طريق واحد- ما هو حجة عند العلماء، وهو موجود في الصحيحين وفي غير الصحيحين، ومن ذلك أول حديث في صحيح البخاري، وكذلك آخر حديث فيه.ففاتحة كتاب البخاري وخامته حديثان غريبان ما جاء كل واحد إلا من طريق واحد، لكنهم ثقات يعول على تفردهم، فأوله حديث إنما الأعمال بالنيات، وهو حجة عند العلماء، وأصل من الأصول في الدين،
ولهذا يقول بعض العلماء:
الأحاديث التي يدور عليها الدين أربعة، ومنها: (إنما الأعمال بالنيات)؛
لأن ما يتعلق بالقلوب والنيات يدل عليه هذا الحديث:
(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرأ ما نوى).
وآخر حديث في صحيح البخاري حديث أبي هريرة: (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) فهذا حديث غريب ما جاء إلا من طريق أبي هريرة يرويه عنه أبو زرعة بن جرير ويرويه عنه آخر وهكذا، وهو مشهور من حيث الثبوت، لكن ليس له طرق كثيرة.
والعلماء يقولون: إن الآحاد تنقسم إلى: مشهور وعزيز وغريب.
فالمشهور:
ما جاء من أكثر من طريقين ولم يبلغ حد التواتر.
والعزيز: ما جاء من طريقين.
والغريب:
ما جاء من طريق واحد.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29-09-2020, 05:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,895
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المعاني التي تطلق عليها السنة

صــ 1إلى صــ9
الحلقة (6)

شرح سنن أبي داود [003]
جمع أبو داود رحمه الله تعالى في سننه أحاديث مشتهرة عند أهل الحديث، وجانب الغريب منها، ولم يلجأ إلى المراسيل إلا إذا لم يجد في الصحاح ما يغني عنها.
تابع رسالة أبي داود إلى أهل مكة لبيان منهجه في السنن
[شهرة أحاديث سنن أبي داود]
قال الإمام أبو داود رحمه الله تعالى: [والأحاديث التي وضعتها في كتابي السنن أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئا من الحديث، إلا أن تمييزها لا يقدر عليه كل الناس، والفخر بها أنها مشاهير، فإنه لا يحتج بحديث غريب ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم].تقدم ذكر جملة مما اشتملت عليه رسالة أبي داود رحمه الله التي فيها وصفه لكتابه السنن،
ثم قال:
[إن الأحاديث التي في سننه مشاهير عند الناس، والمشهور في اصطلاح المحدثين أنه ما روي من أكثر من طريقين ولم يصل إلى حد التواتر، والعزيز: ما روي من طريقين، والغريب: ما جاء من طريق واحد].
والإمام أبو داود رحمه الله يقول: إن الأحاديث أكثرها مشاهير، وإنها عند الناس الذين ألفوا في الحديث، وكون الحديث تتعدد موارده ويوجد عند المحدثين بطرق مختلفة؛ فإن يدل على شهرته، وعلى تعدد المخارج له، وإذا كانت تلك الطرق فيها ضعف يسير يمكن أن يجبر بعضها ببعض، وأن يعضد بعضها بعضا.
[قبول الحديث الغريب إذا كان الراوي ممن يحتمل تفرده]
الحديث الغريب: هو الذي جاء من طريق واحد، ولكن الغريب منه ما هو مقبول، وذلك فيما إذا كان تفرد صاحبه يحتمل، وبعض الأحاديث في الصحيحين وفي غير الصحيحين جاءت من طريق واحد وهي معتبرة عند العلماء ولا يتكلم في ردها أحد، ومنها أول حديث في صحيح البخاري،
وهو حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
(إنما الأعمال بالنيات).فإنه ما رواه عمر رضي الله عنه،
ورواه عن عمر:
علقمة بن وقاص الليثي،
ورواه عن علقمة:
محمد بن إبراهيم التيمي،
ورواه عن محمد بن إبراهيم التيمي:
يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم كثر رواته عن يحيى بن سعيد، واتسع.وقد اعتبره العلماء.كذلك الحديث الذي ختم به البخاري صحيحه،
وهو حديث أبي هريرة: (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم).فإنه ما جاء إلا من طريق أبي هريرة، ثم يرويه عن أبي هريرة أبو زرعة ابن جرير ويرويه عنه واحد بعد واحد، ثم بعد ذلك تتعدد رواته وطرقه، وهو حديث غريب.فأول وآخر حديث في صحيح البخاري حديث غريب ولكن رجالها ثقات، ويحتج بتفرد الواحد منهم، فهي حجة عند العلماء.
رد الحديث الغريب إذا كان في رواته من لا يحتمل تفرده أو كان شاذا
إذا كان الحديث الغريب في رجاله من لا يحتمل تفرده فإنه لا يفيد شيئا، وكذلك إذا جاء شاذا، وذلك بأن يأتي من طريق واحدة مخالفة للطرق الأخرى الصحيحة، فهو صحيح لولم يخالف، لكن الإشكال جاءه من المخالفة للثقات حيث لا يمكن الجمع، ولا يمكن النسخ، ولا يمكن الترجيح.أما إذا أمكن أن يجمع بين الأحاديث، وأن يحمل هذا على شيء وهذا على شيء، فإعمال النصوص أولى من إهمال شيء منها، ولكن إذا لم يمكن إلا أن يرجح بعضها على بعض؛ لأن الراوي روى شيئا خالف فيه الثقات فيصار إلى الترجيح،
وذلك مثل الحديث الذي في صحيح مسلم في قصة صلاة الكسوف:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلاها بثلاث ركوعات.
جاء عن الثقات عند البخاري وغيره:
أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجودان وليس فيها أكثر من سجودين؛ لكن جاء في بعض الروايات في مسلم ثلاثة ركوعات، والقصة واحدة كلها تتحدث عن موت إبراهيم وصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم صلاة الكسوف، فلا يمكن أن يجمع بينها ولا يقال بالنسخ لأن القصة واحدة، ولم يبق إلا الترجيح، وهو أن ترجح رواية الثقات على رواية الثقة الذي خالف الثقات.ولهذا عندما يعرفون الحديث الصحيح،
يقولون:
ما روي بنقل عدد تام الضبط، متصل السند، غير معلل شاذ.فليس مجرد ثقة الرجال واتصال الإسناد كافيا، بل لابد مع ذلك أن يسلم من الشذوذ والعلة، والشذوذ هو مخالفة الثقة للثقات.
بعض العلماء قال: من شرط الصحيح: أن يكون له طريقان فأكثر.ولكن هذا رده أكثر العلماء وأنكروه على من قاله؛ لوجود أحاديث معتبرة وصحيحة جاءت من طريق واحد.
يقول أبو داود رحمه الله:
[الأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئا من الحديث إلا أن تمييزها لا يقدر عليه كل الناس].
أي: أن معرفة الحديث المشهور والحديث الغريب لا يتأتى إلا بجمع الطرق، وأما مجرد أن يقف الإنسان على حديث ولا يفتش عن الشواهد والمتابعات؛ فإن هذا لا يميزه كل أحد ولا يقدر عليه كل أحد، ولا يستطيع أن يحكم على غرابته إلا من عنده اطلاع واستيعاب.

[مذهب أبي داود في الحديث الغريب]
قال: [والفخر بها أنها مشاهير، فإنه لا يحتج بحديث غريب ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم].
يعني: أن الإنسان يفتخر بهذا، ويطمئن إلى سلامتها وإلى تعدد طرقها ومصادرها وكونها مشهورة.
أما قوله: (فإنه لا يحتج بالغريب ولو كان من طريق مالك أو يحيى بن سعيد) فلا أدري ما يقصده بقوله بهذا، وهل يرى أن التفرد لا يعتبر ولو كان رجاله ثقات، أو أنه إذا كان من طريقهم ولكن روى عنهم من لا يحتمل تفرده؟ فإذا كان الأمر كذلك فوجود بعض الثقات في الإسناد لا ينفع إذا وجد فيه شخص ضعيف ولم تأت طرق أخرى تقويه وتؤيده، أما إذا كانوا كلهم ثقات وليس فيهم من لا يحتمل تفرده، فإن حديثهم معتبر ومعول عليه، والصحيحان قد اشتملا على ذلك، والعلماء اعتبروا تلك الأحاديث التي جاءت من مثل هذه الطرق صحيحة وثابتة.
قال: [ولو احتج رجل بحديث غريب ودس من يطعن فيه].
أي: بكونه ما جاء إلا من طريق واحد، وليس معروفا عند الناس كلهم،
يعني: أن هناك مجالا للطعن؛ لكن ليس كل حديث غريب يكون فيه مجال كما أسلفت.قال رحمه الله: [ولا يحتج بالحديث الذي قد احتج به إذا كان الحديث غريبا شاذا].هنا إضافة الشذوذ إلى الغرابة، لكن الشذوذ إذا كان سببه الغرابة فلا إشكال في الحديث؛ لأن مخالفة الثقة للثقات إنما ترد بها رواية الثقة حيث لا يمكن الجمع بين رواية الثقات ولا معرفة الناسخ والمنسوخ.فإذا كانت القضية ليس فيها إلا الترجيح؛ فإن الحديث يكون شاذا ولو كان إسناده صحيحا، ولا يعول على ذلك الشاذ بل يعول على المحفوظ الذي هو في مقابلة الشاذ.
قال: [فأما الحديث المشهور المتصل الصحيح فليس يقدر أن يرده عليك أحد].الحديث المشهور التي تعددت مخارجه، وهو متصل لا انقطاع فيه، ليس يقدر أحد على أن يرده.
ولعل هذا يوضح أن مراد أبي داود فيما تقدم من ذكر يحيى بن سعيد ومالك وروايتهم الحديث الغريب: أنه إذا كان في الإسناد من يقدح فيه من أجله، أما حيث يوجد الإسناد المتصل المشهور الذي تعددت مصادره ومخارجه فليس يقدر أحد أن يرده.
[كراهة بعض العلماء للحديث الغريب]
قال رحمه الله: [وقال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون الغريب من الحديث].(كانوا) أي: العلماء (يكرهون الغريب من الحديث)،
يعني:
الذي لا يعرف إلا من طريق واحد، ويفضلون الذي جاء من طرق متعددة؛ لأن الحديث إذا تعددت طرقه كان ذلك أقرب إلى سلامته من أن يكون فيه وهن أو خطأ.
الملقي: [وقال يزيد بن أبي حبيب: إذا سمعت الحديث فانشده كما تنشد الضالة؛ فإن عرف وإلا فدعه].
معناه:
أن الإنسان يبحث عنه ويذكره، ويبحث عن شيء يساعده ويؤيده.
[الإرسال والتدليس في سنن أبي داود]
قال رحمه الله:
[وإن من الأحاديث في كتابي السنن ما ليس بمتصل وهو مرسل ومدلس، وهو إذا لم توجد الصحاح عند عامة أهل الحديث على معنى أنه متصل، وهو مثل الحسن عن جابر، والحسن عن أبي هريرة، والحسن عن مقسم، وسماع الحكم من مقسم أربعة أحاديث].
[الفرق بين المرسل والمدلس]
ذكر أبو داود رحمه الله بأن كتابه مشتمل على المرسل والمدلس،
وقد سبق ذكر أن المرسل عند العلماء يطلق إطلاقين:
إطلاقا خاصا وإطلاقا عاما.
والإطلاق الخاص: هو قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وهذا هو المشهور عند المحدثين.
ويطلق إطلاقا أعم منه:
وهو رواية الراوي عن شخص لم يدرك عصره، أو أدرك عصره ولم يسمع منه.وروايته عمن لم يدرك عصره يسمونه المرسل الجلي لأنه واضح، فإن كان عاصر ذلك الشخص الذي أضاف إليه الحديث ولكنه لم يلقه؛ فإن هذا يسمونه المرسل الخفي؛ لأنه لا يتفطن له، إذ مع المعاصرة يظن اللقاء.
والمدلس: هو رواية التلميذ عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم للسماع كعن أو قال، والرواية بهذه الطريقة تسمى تدليسا؛ لأن فيها إيهاما بالاتصال، والواقع أنه لا اتصال.
ولهذا يقولون في الحديث إذا جاء من طريق فيها صيغة تحتمل التدليس كـ: (عن أو قال): يرتفع التدليس إذا صرح التلميذ عن شيخه بالتحديث في موضع آخر بأن قال: حدثني،
أو قال:
أخبرني،
أو قال:
سمعت فلانا.والمدلس يذكره بعض المحدثين في أسانيدهم حيث لا يوجد غيره، وقد يصل إلى شخص بإسناد فيه تدليس، ثم يصل إلى شخص آخر بإسناد عند محدث آخر فيه التصريح بالسماع أو التحديث، وعند ذلك لا يضر التدليس في بعض الطرق؛ لأنه لزوال الاحتمال بوجوده من طريق آخر.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29-09-2020, 05:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,895
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المعاني التي تطلق عليها السنة

صــ 10إلى صــ18
الحلقة (7)

[تقوي المرسل والمدلس بغيره]
قال رحمه الله:
[وإن من الأحاديث في كتابي السنن ما ليس بمتصل وهو مرسل ومدلس وهو إذا لم توجد الصحاح عند عامة أهل الحديث].ما ليس بمتصل هو المرسل والمدلس؛ لأن المدلس على حسب الظاهر ليس بمتصل؛
لأن الراوي إذا كان معروفا بالتدليس فمعناه:
أنه يمكن أن تكون هناك واسطة، والمرسل فيه سقوط إن كان في أعلى الإسناد، وهو المشهور عند المحدثين، أنه قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.وهذا فيه سقوط بلا شك؛ لأن التابعي ما أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم، والساقط يحتمل أن يكون صحابيا ويحتمل أن يكون تابعيا كما تقدم.فالمدلس والمرسل يذكرهما العلماء لأنه يمكن أن يتقوى بعضهما ببعض، فيمكن أن يتقوى المرسل بالمرسل، والمدلس بالمدلس، والمدلس بالمرسل؛ ما دام أنها في موضوع واحد وتعددت الطرق، فإن الأحاديث التي يتوقف فيها إذا انضم بعضها إلى بعض جبر بعضها بعضا، وانتقل إلى أن يكون من قبيل الحسن لغيره.
قوله:
(وهو إذا لم توجد الصحاح عند عامة أهل العلم على معنى أنه متصل).
يعني:
أن المدلس أو المرسل يذكره هو ويذكره غيره عندما لا يوجد غيره من الأحاديث المتصلة الصحيحة؛ لأن هذا هو الذي وجد، مثلما قال فيما مضى بالنسبة للمنكر.
[أمثلة للحديث المدلس]
قوله: (وهو مثل الحسن عن جابر) لأن الحسن البصري رحمه الله معروف بالتدليس.كـ الحسن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.وكذلك الحسن عن أبي هريرة.
قوله:
والحكم عن مقسم)، هو الحكم بن عتيبة.
قوله:
(وسماع الحكم من مقسم أربعة أحاديث) يعني: أن الأحاديث التي وقع فيها السماع أربعة، والبقية مدلسة، وهذا مثلما قالوا في سماع الحسن من سمرة، فمنهم من تكلم فيه مطلقا، ومنهم من اعتبره مطلقا،
ومنهم من فصل وقال:
إن حديث العقيقة ثابت لأنه جاء ما يدل على سماعه من سمرة، وغيره يكون من قبيل المدلس.
وهنا قال: إن سماع الحكم من مقسم أربعة أحاديث.
قال رحمه الله:
[وأما أبو إسحاق عن الحارث عن علي فلم يسمع أبو إسحاق من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس فيها مسند واحد].وأبو إسحاق مدلس، فإذا جاء غير هذه الأربعة باللفظ الذي فيه العنعنة فإنه يعتبر من قبيل المدلس.
قوله: (ليس فيها مسند واحد) يعني ليس منها حديث مسند متصل، بل تلك الأحاديث الأربعة التي سمعها والتي لا تدليس فيها ليس فيها شيء مسند.
قال رحمه الله:
[وأما ما في كتاب السنن من هذا النحو فقليل، ولعله ليس للحارث الأعور في كتاب السنن إلا حديث واحد، فإنما كتبته بآخرة].
يقول: وهذا الذي ذكره وفي السنن وأشار إليه فهو قليل، قال: ولعله ليس للحارث الأعور في كتابه إلا حديث واحد كتبه بآخرة،
ومعناه:
أنه ليس شيء من هذا عندي، والذي عندي للحارث هو حديث واحد كتبته مؤخرا.
[توقف أبي داود عن ذكر بعض الأحاديث]
قال رحمه الله: [وربما كان في الحديث ما تثبت صحة الحديث منه إذا كان يخفى علي، فربما تركت الحديث إذا لم أفقهه، وربما كتبته وبينته، وربما لم أقف عليه، وربما أتوقف عن مثل هذه لأنه ضرر على العامة أن يكشف لهم كل ما كان من هذا الباب فيما مضى من عيوب الحديث؛ لأن علم العامة يقصر عن مثل هذا].
قوله: (وربما كان في الحديث ما تثبت صحة الحديث منه إذا كان يخفى علي).هذه العبارة غير واضحة؛ لأن الحديث يمكن أن يكون فيه ما يدل على صحته ويقويه من حيث الرواية، أو من حيث الراوي، أو من حيث التقديم والتأخير،
لكن قوله:
(إذا كان يخفى ذلك علي) فيه غموض.
وقوله: (وربما تركت الحديث)،
يعني: فلا يذكره إذا لم يفقهه، وهذا يدل على أنهم يعنون بالفقه، وأنهم يفقهون ويفهمون الأحاديث ويعرفون معانيها، وأنهم لا يثبتونها وهي موهمة أو خفية أو لا يتضح معناها، فإنهم يصيرون إلى الواضح ويتركون الشيء الذي فيه الخفاء.
قوله: (وربما كتبته وبينته وربما لم أقف عليه)، أشار به إلى هذا الذي حصل له؛
لكن قوله:
(وربما لم أقف عليه) لا أدري ما معنى: (لم أقف عليه)،
وهل معناه:
لم أقف على شيء يوضحه، أو أنه ما وقف على الحديث؟
وقوله:
(وربما أتوقف عن مثل هذه؛ لأنه ضرر على العامة أن يكشف لهم كل ما كان من هذا الباب فيما مضى من عيوب الحديث؛ لأن علم العامة يقصر عن مثل هذا) معناه: أنه ربما يتوقف عن ذكر كل شيء فيه إشكال؛ لأنه قد يؤثر على الذين لا يفقهون ولا يفهمون، ولا يعرفون عيوب الحديث.
ومن الأشياء التي كانوا يتركونها لأن فيها إشكالا على الناس: أنهم لا يحدثون بكل حديث في كل مناسبة وفي كل مجال؛ لأن بعض العامة يقصر فهمهم عن مثل ذلك،
مثلما جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه الذي فيه:
(يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وحق العباد على الله؟) ثم بين له ذلك فقال معاذ رضي الله عنه: (أفلا أبشر الناس يا رسول الله؟
قال:
لا تبشرهم فيتكلوا)
؛ لأن بعض الناس إذا حدث بحديث فيه ترغيب بشيء، أو فيه ذكر سعة جود الله وفضله وإحسانه قد يجره ذلك إلى التساهل، فلا يحدث بالأحاديث في كل مكان أو كل مجال إذا كان يترتب على ذلك ضرر.ولهذا ما حدث به معاذ رضي الله عنه إلا عند موته تأثما،
يعني: خشية أن يلحقه إثم إذا لم يحدث بحديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولهذا ذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تبشرهم فيتكلوا).
وكذلك ما جاء في بعض الأحاديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب إلى حائط وافتقده أصحابه وخشوا أن يكون حصل له مكروه، فذهبوا يبحثون عنه، وكان الذي سبق إليه أبو هريرة رضي الله عنه، فلقيه وأخبره أن الناس انزعجوا، وأنهم لا يعرفون ماذا حصل له، فأمره بأن يرجع وأن يبشر من لقي بالجنة، فلقيه عمر وطعن في صدره،
وقال:
اسكت،
فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره وقال ل عمر:
لماذا فعلت هكذا؟
قال:
خلهم يعملون،
فقال الرسول:
خلهم.لأن بعض الناس يعتمد على الأحاديث التي فيها ترغيب،
وهذا هو الذي بنى عليه المرجئة عقيدتهم الفاسدة حيث قالوا:
(لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة)، فعولوا على أحاديث الوعد وأغفلوا أحاديث الوعيد، وعكسهم الخوارج الذين عولوا على أحاديث الوعيد وأغفلوا أحاديث الوعد، وأهل السنة والجماعة أعملوا أحاديث الوعد وأحاديث الوعيد، فأخذوا بهذا وبهذا.فهم لا يعولون على أحاديث الوعد ويقعون في المعاصي، ولا يغفلون أحاديث الوعد ويعتبرون من أتى كبيرة أنه كفر أو ارتد أو خرج من الإسلام، بل يعتبرون من حصل له ذلك مؤمنا بإيمانه فاسقا بكبيرته، ولا يعطونه الإيمان المطلق ولا يسلبونه مطلق الإيمان، فهم متوسطون بين طرفي الإفراط والتفريط.ومن الأشياء التي كانوا لا يحدثون بها ما لا يفهمه السامع أو لا يعقله،
وقد جاء:
(حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟!) فكون الإنسان يحدث بشيء لا يعقله ولا يطيقه فهمه قد يترتب عليه مضرة.
[عدد كتب وأحاديث سنن أبي داود]
قال رحمه الله: [وعدد كتب هذه السنن ثمانية عشر جزءا مع المراسيل، منها جزء واحد مراسيل].
أي: وعدد الكتب التي اشتمل عليها كتابه ثمانية عشر جزءا، جزء منها يعتبر مراسيل، يعني: أجزاء حديثية.
قال رحمه الله: [وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من المراسيل منها ما لا يصح، ومنها ما هو مسند عن غيره وهو متصل صحيح].والمراسيل منها ما لا يصح لأنه ما جاء إلا من طريق وعر، ومنها ما هو مستند على غير هذا المرسل وهو متصل صحيح، والمعنى أنه مرسل من طريق ولكن يأتي طريق آخر يكون فيها متصلا.
قال رحمه الله: [ولعل عدد الذي في كتابي من الأحاديث قدر أربعة آلاف وثمانمائة حديث، ونحو ستمائة حديث من المراسيل].
والمراسيل كما هو معلوم: كتاب مستقل لـ أبي داود جمع فيه المراسيل.
قال رحمه الله: [فمن أحب أن يميز هذه الأحاديث مع الألفاظ فربما يجيء حديث من طريق وهو عند العامة من طريق الأئمة الذين هم مشهورون، غير أنه ربما طلبت اللفظة التي تكون لها معان كثيرة، وممن عرفت نقل من جميع هذه الكتب].هذه العبارة فيها خفاء.
قال: [وربما يجيء الإسناد فيعلم من حديث غيره أنه غير متصل، ولا يتبينه السامع إلا بأن يعلم الأحاديث وتكون له فيه معرفة فيقف عليه، مثلما يروى عن جريج قال: أخبرت عن الزهري، ويرويه البرساني عن ابن جريج عن الزهري، فالذي يسمع يظن أنه متصل ولا يصح بتة، فإنما تركناه لذلك، هذا لأن أصل الحديث غير متصل ولا يصح، وهو حديث معلول، ومثل هذا كثير].
يعني: أن من الأحاديث ما يأتي من طريق غير متصل، ثم يجيء من طريق أخرى وفيه ما يفيد أو ما يحتمل الاتصال فيظن أنه متصل.
ثم ضرب لذلك مثلا وهو أن ابن جريج قال:
أخبرت عن الزهري.فكلمة (أخبرت عن الزهري) واضحة بأن فيها انقطاعا، وأن بينه وبين الزهري واسطة ولم يذكر المخبر، وقد جاء الحديث من طريق البرساني عن ابن جريج عن الزهري هكذا.
فالذي يطلع على هذا الإسناد الذي فيه: عن فلان عن فلان، يظن أنه متصل، وهذا لا يفيد شيئا لأنه ما دام الراوي مدلسا روى بالعنعنة فهو غير متصل؛
لكن عبارة:
أخبرت عن الزهري واضحة في أنه لا اتصال، وأن هذا محتمل لأنه مدلس.فمن لا يعرف الحديث قد يجد الإسناد من طريق البرساني عن ابن جريج عن الزهري فيظن أنه متصل، وذلك لا يصح لأنه مدلس.
قال رحمه الله: [والذي لا يعلم يقول: قد ترك حديثا صحيحا من هذا وجاء بحديث معلول].والذي لا يعرف الحديث إذا وجد هذا الذي فيه (أخبرت عن الزهري) والانقطاع فيه واضح ويجد المؤلف لم يذكر الحديث أنه متصل؛ الذي لا يعرف الحديث يظن أنه متصل ولا يعلم أن وجود هذا الإسناد الثاني كعدمه لأنه مدلس، والمدلس كما هو معلوم محتمل الاتصال ومحتمل الانقطاع، محتمل الواسطة ومحتمل عدم الواسطة.
[تصنيف سنن أبي داود على الأحكام]
قال رحمه الله:
[وإنما لم أصنف في كتابي السنن إلا الأحكام، ولم أصنف كتب الزهد وفضائل الأعمال وغيرها].أخبر أبو داود رحمة الله عليه بأن كتابه اعتنى بأحاديث الأحكام، ولم يجعل فيه شيئا من الزهد والفضائل، وإنما أراد أن يكون كتاب أحكام.وله في الزهد كتاب مستقل ومؤلفات أخرى، ولكنه أراد أن يكون هذا الكتاب كتاب أحكام، ولهذا يعتبر كتاب أبي داود رحمة الله عليه من الأصول التي يعول عليها في الأحكام، بخلاف بعض العلماء الذين يدخلون في مؤلفاتهم الزهد والرقائق وما إلى ذلك،
فهو يقول: إنه ما أراد أن يكون كتابه في الزهد والفضائل، وإنما أراد أن تكون عنايته بالأحكام التي يعول عليها الناس في عباداتهم ومعاملاتهم، وكذلك في عقائدهم؛ لأنه ذكر في كتابه كتاب السنة الذي اشتمل على أحاديث كثيرة كلها في العقيدة.
قال رحمه الله: [فهذه الأربعة الآلاف والثمانمائة كلها في الأحكام، فأما أحاديث كثيرة في الزهد والفضائل وغيرها من غيرها من غير هذا لم أخرجه، والسلام عليكم ورحمة والله وبركاته، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما، وحسبنا الله ونعم الوكيل].هذا هو آخر رسالته التي وصف فيها سننه، ولاشك أنها مشتملة على أمور كثيرة،
كما قلت سابقا: صاحب البيت أدرى بما فيه، فالمؤلف إذا بين خطته ومنهجه وطريقته فهو أدرى وأخبر.وبعض المؤلفين لا يوجد عنده شيء يوضح منهجه وطريقته، ولهذا يحتاج العلماء إلى أن يبحثوا عن شيء يكشف المنهج والطريقة، مثلما حصل للبخاري رحمة الله عليه في صحيحه فإنه ما ذكر منهجه؛ ولكن العلماء استخلصوا منهجه وطريقته بالاستقراء والتتبع كما فعل الحافظ ابن حجر في فتح الباري، حيث ذكر جملة كبيرة من الأمور التي توصل إليها بالاستقراء والتتبع من منهج البخاري وطريقته في إخراجه للأحاديث التي أوردها في كتابه الجامع الصحيح، وبهذا انتهت تلك الرسالة.
[شروح سنن أبي داود]
قبل أن نبدأ بالسنن أحب أن أذكر بعض الكتب التي صنفها العلماء حول هذا الكتاب.فالكتاب قد اختصر وشرح، ومن اختصاره تهذيب الحافظ المنذري له، فإنه هذبه وحذف أسانيده، وبعد إيراد الحديث يذكر من خرجه من أصحاب الكتب الأخرى، فكتاب المنذري رحمة الله عليه تهذيب السنن هو اختصار لسنن أبي داود، وفيه مع الاختصار الإشارة إلى التخريج في بقية الكتب الخمسة من الكتب الستة.وللعلامة ابن القيم تعليقات على مختصر المنذري في بعض الأحاديث وليس كلها، ولكنه أثنى عليه ثناء عظيما،
وقال:
إنه قد أحسن في تهذيبه حتى لم يدع للإحسان موضعا، أي ما ترك مجالا؛ لأنه في انتقائه واختصاره وعنايته أحسن إحسانا عظيما وقام بعمل جليل.وله حاشية عليه فيها شرح لبعض الأحاديث، يطيل في بعض الأحيان حتى يكون كلامه على الحديث بمثابة جزء، فإنه يقوم باستيعاب وبيان الفقه والأحكام وأقوال العلماء، ويتوسع في بعض المواضع، وفي بعضها يختصر، وكثير منها لا يعلق عليها شيئا، وقد طبع.وكذلك معالم السنن للخطابي، فإنه يذكر الكتاب، ويذكر الباب،
ولكنه لا يستوعب حيث يقول:
من باب كذا ثم يذكر بعض الأحاديث ويشرحها، فهو بمثابة الاختصار،
ولكنه يشرح تلك الأحاديث التي يوردها وكلامه في التبويب يشير إلى انتقائه واختصاره حيث يقول:
من باب كذا، ثم يذكر بعض الأحاديث التي انتقاها ويشرحها.وقد طبعت الثلاثة التي هي تهذيب المنذري أو مختصر المنذري، ومعالم السنن للخطابي، وحاشية ابن القيم على مختصر المنذري بمصر بعناية الشيخ محمد حامد الفقي رحمة الله عليه في ثمانية مجلدات.ولكن التمييز بين كلام ابن القيم وكلام المنذري وكلام الخطابي يحتاج إلى جهد، من جهة أن ابن القيم أحيانا يطول فيحتاج إلى أن يسوق صفحات كلها ل ابن القيم، وأحيانا لا يذكر شيئا.وقد طبعت معالم السنن للخطابي وحدها في مجلدين بعناية راغب الطباخ، وطبع كتاب ابن القيم مع عون المعبود في بعض الطبعات، وعون المعبود للطيب الآبادي الهندي شرح مختصر ومفيد، وهناك شروح أطول منه، ولكن منها ما هو غير كامل، وإنما وجد أوله مثل غاية المقصود لأحد علماء الهند، وكذلك أيضا ظهر في مصر المنهل العذب المورود للساعاتي وهو شرح فيه العدد القليل، ولكن الكتاب المشهور والموجود والذي هو كامل هو عون المعبود للطيب الهندي وهو في متناول الأيدي، وله شروح أخرى مذكورة في كشف الظنون وفي غيره من الكتب التي تذكر المؤلفين ومؤلفاتهم.والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الأسئلة
[أفعال النبي في الصلاة ليست كلها على الوجوب]
q هل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) يدل على أن كل فعل فعله النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فهو واجب؟

a الحديث لا يدل على أن كل فعل يكون واجبا؛ لأن مما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم ما ليس بواجب وإنما هو من الأمور التي إذا وجدت في الصلاة لا تؤثر فيها ولا تبطلها، وإنما هي من الأمور المستحبة ومن السنن، والإنسان يحرص على الواجبات والمستحبات.لكن لا يقال: إن كل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يكون من قبيل الواجب، وأنه إذا تركه فإنه يأثم، نعم يأثم إذا ترك ما علمه من السنة زهدا عنها ورغبة فيها، أما إذا صلى الإنسان صلاة وترك شيئا فعله النبي صلى الله عليه وسلم فلا يقال: إن صلاته غير صحيحة؛ لأنه ما وجد منه ذلك.وليس أيضا كل ما جاء في قوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) واجب، بل يستثنى من ذلك بالنسبة للمأمومين أنهم لا يقولون: سمع الله لمن حمده كما يقول الإمام، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس ويقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده.وبعض العلماء احتج بهذا الحديث على أنه يقول: سمع الله لمن حمده، فيجمع بين التسميع والتحميد، وبعض العلماء يقول: إن هذا الحديث يستثنى منه التسميع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرشد الناس إلى أن يصلوا، قال: (وإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد).
[احتجاج بعض المتصوفة بتقبيل لسان أبي داود على بدعهم]
q استغل بعض الصوفية المعاصرين قصة الذي طلب من أبي داود أن يخرج له لسانه ليقبله على جواز التقبيل المعروف لديهم مما هو مخالف للشرع، فنرجو منكم توضيح المسألة؟

a التقبيل الذي يقوم به بعض الناس، والذي فيه ذل من المقبل واغترارا من المقبل ليس هو منهج السلف وطريقتهم، بعض العلماء قد يتواضع ويبتعد عن أن يغتر وهذا مطلوب منه، وقصة الذي قال: أخرج لسانك، إنما فعل ذلك مع إمام لسانه مشتغل بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما الصوفية فبماذا اشتغلوا؟ ما اشتغلوا إلا بالبدع والخرافات.فعلى أي أساس يقاس هذا بهذا؟ فهذا محدث ولسانه مشتغل بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولسانه طري بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا فيه بيان عظم قدر اللسان الذي حصل منه هذا.وأما الصوفية فماذا حصل لهم مما يدعو إلى تعظيمهم؟ أهو كونهم يأتون بالبدع وألسنتهم لا تشتغل إلا بالبدع؟ فرق بين هذا وهذا، ولا يلحق هذا بهذا.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 18-10-2020, 09:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,895
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المعاني التي تطلق عليها السنة

صــ 1إلى صــ10
الحلقة (8)

شرح سنن أبي داود [004]
لقضاء الحاجة آداب وأحكام ينبغي على كل مسلم معرفتها والتأدب بها،
ومن تلك الآداب والأحكام:
طلب مكان بعيد يستتر به الناس عند قضاء الحاجة، والإتيان بالأذكار الواردة عند التخلي.
ما جاء في التخلي عند قضاء الحاجة
[شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذهب أبعد)]قال المصنف رحمه الله تعالى:
[كتاب الطهارة.
باب التخلي عند قضاء الحاجة:

حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - عن محمد -يعني: ابن عمرو - عن أبي سلمة عن المغيرة بن شعبة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذهب أبعد)].
قول الإمام أبي داود السجستاني رحمة الله عليه: [كتاب الطهارة]، هذا هو أول كتاب في كتابه السنن، وجرت عادة المحدثين والفقهاء عندما يكتبون في الأحكام أنهم يقدمون كتاب الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج، ويجعلون بين يدي الصلاة كتاب الطهارة؛ لأن الطهارة شرط في صحة الصلاة، فلزم أن تكون متقدمة عليها؛ فيجعلون الطهارة قبل الصلاة؛ لأنه لا صلاة إلا بطهارة، ولا صلاة إلا بوضوء،
كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، فمن أجل ذلك كانوا يقدمون كتاب الطهارة على كتاب الصلاة والزكاة والصيام والحج.
قوله: [باب التخلي عند قضاء الحاجة].
التخلي هو: الذهاب للخلاء، أو أن يكون الإنسان في مكان خال عن الناس بحيث لا يرى عورته أحد، وكانوا يذهبون إلى المكان الخالي لقضاء الحاجة، وكان هذا قبل أن توضع الكنف في البيوت، ولما وضعت الكنف في البيوت كانوا يقضون حوائجهم فيها.
ومن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا أرد أن يقضي حاجته أن يذهب بعيدا عن الناس.
أورد أبو داود رحمة الله عليه حديث المغيرة بن شعبة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذهب أبعد)،
يعني: كان إذا ذهب إلى المكان الذي يقضي فيه حاجته ذهب بعيدا عن الناس.والذهاب إلى مكان بعيد عن الناس أمر مطلوب؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يفعله، ولما يترتب على ذلك من فوائد،
منها:
ألا يرى عورته أحد، وأما أن يرى شخصه من مكان بعيد وهو يقضي الحاجة فهذا أمر لا يؤثر.
ومنها: أنه إذا كان بعيدا عن الناس لا يسمع صوت بخلاف ما إذا كان قريبا من الناس فإن الناس يسمعون ذلك الصوت منه.
فإذا:
يستدل بهذا الحديث على أن الإنسان إذا كان في مكان خال وعراء وفضاء من الأرض أن عليه أن يذهب بعيدا عن الناس، وهذا من آداب قضاء الحاجة، وأما إذا كان في مكان مستور كالأبنية والحجب التي توضع دون رؤية الناس من القماش أو الجلود أو الخيام أو غير ذلك؛ فإن هذا مما يحصل به المقصود.
فالمقصود هو:
التستر والبعد عن الناس حتى لا يروا عورته، فإذا كان في مكان خال بعيدا عن الناس، وإذا كان في مكان أعد لذلك كالكنف فإنه يكون بذلك مستترا عن الناس، ولا سبيل للناس إلى رؤيته.
[تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أذهب المذهب أبعد)]
قوله:
[حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتاب الستة إلا ابن ماجة.وقد كان ابن معين وابن المديني وغيرهما لا يقدمان عليه أحدا في الموطأ؛
لأن الذين رووا الموطأ عن مالك كثيرون ومنهم: عبد الله بن مسلمة بن قعنب.وهذا هو أول شيخ روى عنه أبو داود في سننه، عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي أحد رجال أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.وسبق أن مر بنا في سنن النسائي ومسلم والبخاري أن أول شيخ روى عنه النسائي هو قتيبة بن سعيد، وأول شيخ روى عنه مسلم هو زهير بن حرب أبو خيثمة، وأول شيخ روى عنه البخاري هو عبد الله بن الزبير المكي، وأول شيخ روى عنه ابن ماجة هو قتيبة، كـ النسائي، وأول شيخ روى عنه الترمذي هو أبو بكر بن أبي شيبة، فهؤلاء هم الذين حصل البدء بهم في هذه الكتب الستة.كلهم من الثقات، وفيهم من اتفق أصحاب الكتب الستة على الإخراج له، وفيهم من لم يخرج له بعضهم، ولا يعني عدم التخريج لشخص أو لرجل من الذين كتبوا في الصحيح، أو الذين يروون عن الثقات أن يكون فيه كلام؛ لأن الذين كتبوا في الصحيح ما كتبوا كل حديث صحيح، ولا أوردوا في مؤلفاتهم كل حديث صحيح، وإنما أوردوا جملة كبيرة من الصحيح، وكذلك لم يخرجوا عن كل ثقة، فكم من ثقة لم يخرج له أصحاب الصحيح وغيرهم، ولا يعني هذا أن فيه كلاما؛ لأنهم لم يلتزموا أن يخرجوا كل حديث صحيح، ولم يلتزموا أن يخرجوا عن كل شخص ثقة، فكم من ثقة خرج له البعض ولم يخرج له البعض الآخر! لا لقدح فيه، بل هو عنده حجة ولكنه ما اتفق له أن يخرج عنه؛ لأن الأحاديث التي اختارها ليس في إسنادها ذلك الشخص الثقة.[حدثنا عبد العزيز - يعني: ابن محمد -].
أي: ابن محمد الدراوردي فكلمة (يعني) هذه جاءت في نسب عبد العزيز الدراوردي؛ لأن تلميذه عبد الله بن مسلمة بن قعنب لما روى عنه ما زاد على كلمة عبد العزيز،
وإنما قال: حدثنا عبد العزيز فقط، فالذي جاء بعده -وهو أبو داود - أراد أن يوضح من هو عبد العزيز هذا الذي أهمل نسبته عبد الله بن مسلمة بن قعنب تلميذه، فأراد أن يوضحه ولكن لما أراد توضيحه أتى بكلمة (يعني) حتى يفهم منها أن ذكر النسب ليس من التلميذ، ولكنه ممن دون التلميذ.
ولو أن من دون عبد الله بن مسلمة قال:
أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي لظن أن القائل هو التلميذ.وهذا من دقة علماء أهل الحديث وعنايتهم؛ إذ أن الشخص إذا كان مهملا في الإسناد فإن من دون تلميذه لا ينسبه أو يزيد في نسبه بدون أن يبين،
بل يأتي بشيء يوضح به ذلك المهمل بكلمة مثل:
(يعني) حتى يفهم منها أنها للتوضيح والبيان زادها من دون التلميذ.وعلى هذا فكلمة (يعني) فعل مضارع له فاعل وله قائل،
ففاعله: ضمير مستتر يرجع إلى التلميذ، وهو عبد الله بن مسلمة بن قعنب، وقائل هذه العبارة هو من دون التلميذ، سواء كان أبو داود تلميذ عبد الله بن مسلمة بن قعنب أو الذي روى عن أبي داود، أو الذين تحت أبي داود؛ إذ من المعلوم كلمة (يعني) تأتي أحيانا في شيخ المصنف، وقد مر بنا في سنن النسائي مثل هذا،
حيث يقول النسائي:
أخبرنا فلان يعني: ابن فلان، أو أخبرنا فلان وهو ابن فلان.وهذه لا تكون من النسائي، وإنما تكون ممن دونه؛ لأن النسائي كما سبق أن عرفنا أحيانا يذكر بعض شيوخه في سطر،
حيث ينسبه ويقول:
فلان بن فلان بن فلان بن فلان إلى آخره، وأحيانا لا ينسبه، فيأتي من دونه فيأتي بكلمة (يعني) أو كلمة (هو).وعلى هذا فإن من دون التلميذ إذا أراد أن يوضح هذا المجمل الذي لم ينسبه شيخه فإنه يأتي بما يوضح، لكن يأتي بكلمة (يعني) أو بكلمة (هو).فقائل (هو) أو: (يعني): هو من دون التلميذ.وعبد العزيز بن محمد الدراوردي صدوق أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد -يعني: ابن عمرو -].هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي صدوق له أوهام أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.وكلمة (يعني) يقال فيها كما قيل في التي قبلها، يعني: أن تلميذه عبد العزيز بن محمد الدراوردي لما روى عنه ما زاد على قوله: عن محمد، فلم يزد ابن عمرو، فـ عبد الله بن مسلمة القعنبي الذي هو تلميذ تلميذه أو أبو داود أو من دونه هو الذي زاد كلمة (يعني)، فالتي عند عبد العزيز بن محمد الزائد لها أبو داود أو من دونه، وأما (يعني) التي جاءت مع محمد بن عمرو فالزائد لها عبد الله بن مسلمة القعنبي أو من دونه؛ لأن عبد الله بن مسلمة القعنبي ليس تلميذه وإنما تلميذه عبد العزيز بن محمد الدراوردي، فـ عبد العزيز بن محمد، قال: حدثنا محمد، ومن دونه إما عبد الله بن مسلمة القعنبي أو أبو داود أو من دون أبي داود هو الذي أضاف أو أتى بكلمة (يعني): ابن عمرو.
[فقهاء المدينة السبعة]
[عن أبي سلمة]
.هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف تابعي ثقة، معروف بكنيته،
وقيل فيه:
إنه سابع الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ وذلك أنه اشتهر في المدينة في عصر التابعين سبعة من الفقهاء بلقب الفقهاء السبعة.وإذا ذكر المحدثون في كتب الحديث،
أو الفقهاء في مسائل الفقه مسألة من المسائل اتفق عليه هؤلاء السبعة قالوا: وقال بها الفقهاء السبعة.فكلمة الفقهاء السبعة تعني سبعة من التابعين، وستة منهم لا خلاف في عدهم من الفقهاء السبعة، والسابع منهم فيه ثلاثة أقوال،
أما الستة الذين اتفق على عدهم من الفقهاء السبعة فهم:
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام وخارجة بن زيد بن ثابت والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار، هؤلاء ستة متفق على عدهم في فقهاء المدينة السبعة.
وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال:
قيل: هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الذي معنا في هذا الإسناد،
وقيل:
هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب،
وقيل:
هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.وقد ذكر ابن القيم في أول كتابه (إعلام الموقعين عن رب العالمين) جملة كبيرة من المفتين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في مختلف الأقطار والبلاد، فذكر أهل الفتوى في المدينة من الصحابة والتابعين، وكذلك ذكر أهل الفتوى في البصرة والكوفة ومصر ومكة وهكذا.فذكر في أول كتابه (إعلام الموقعين) جملة من أهل الفتوى الذي عرفوا بالفتوى وبالفقه، والذين يرجع إليهم في المسائل يستفتون فيها، ولما جاء عند المدينة والفقهاء من التابعين ذكر من فقهاء التابعين في المدينة سبعة، وجعل السابع منهم أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وليس أبا سلمة الذي معنا في الإسناد.وذكر بعضهم بيتين من الشعر ثانيهما مشتمل على أسماء الفقهاء السبعة،
على أن السابع هو:
أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام،
البيتان هما:
إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجة فقل هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة عبيد الله هو: عبيد الله بن عتبة بن مسعود،
وقاسم هو:
القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق،
وعروة هو: عروة بن الزبير بن العوام،
وسعيد هو:
سعيد بن المسيب،
وسليمان هو:
سليمان بن يسار،
وخارجة هو:
خارجة بن زيد بن ثابت،
وأبو بكر هو: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.فذكر في هذا البيت أوائل أسماء هؤلاء الفقهاء السبعة،
والسابع منهم على أحد الأقوال:
أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
ومن المسائل التي اتفق عليها الفقهاء السبعة: مسألة وجوب الزكاة في عروض التجارة،
فيقولون: وقال بها الأئمة الأربعة،
أي:
أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، والفقهاء السبعة، وهذا يغني عن عدهم وسردهم، ومن أراد أن يعرفهم فهم مذكورون في كتب المصطلح.فـ أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف تابعي ثقة أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
[عن المغيرة بن شعبة].
هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.وكأن الحديث فيه اختصار، ففي بعض رواياته ذكر قصة، وأنه كان مرة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وطلب منه أن يأتي بوضوء فتوضأ،
ولما أراد أن يغسل رجليه أراد المغيرة أن ينزعهما ليغسلهما فقال:
(دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين).
[شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد)]
قال المصنف: رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا إسماعيل بن عبد الملك عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد)].أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري وهو بمعنى حديث المغيرة بن شعبة المتقدم، بل هو موضح له؛ لأنه هنا عبر بالبراز،
يعني:
المكان الذي تقضى فيه الحاجة، وهو الفضاء.
وقوله:
[(كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد)]، هذا أيضا كناية عن قضاء الحاجة،
ومعناه:
أنه كان يذهب بعيدا عن الأنظار حتى لا يراه أحد، وليس المقصود أنه كان يتوارى بحيث أنه يكون بعيدا جدا، بل المقصود أنه كان يبعد حيث لا يراه أحد، ويمكن أن يبعد حتى يرى رؤية غير واضحة، والعورة لا سبيل إلى رؤيتها بهذا، فهذا الحديث هو بمعنى الحديث المتقدم.
[تراجم رحال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد)]
قوله: [حدثنا مسدد بن مسرهد].
هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.[حدثنا عيسى بن يونس]
.هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.[حدثنا إسماعيل بن عبد الملك]
.هو إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفيراء وهو صدوق كثير الوهم، أخرج حديثه البخاري في جزء رفع اليدين وأبو داود والترمذي وابن ماجة، ولم يخرج له النسائي، ففي كتاب النسائي الذي درسناه لم يمر بنا إسماعيل بن عبد الملك هذا؛ لأنه ليس من رجال النسائي، وهو صدوق كثير الوهم.
[عن أبي الزبير].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.وجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم،
ولأن الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم سبعة من الصحابة هم:
أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأنس وجابر وأبو سعيد الخدري وعائشة أم المؤمنين.ستة رجال وامرأة واحدة.
يقول السيوطي في الألفية مشيرا إلى هؤلاء: والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر وأنس والحبر -وهو ابن عباس - كالخدري وجابر وزوجة النبي.فهؤلاء سبعة من الصحابة رضي الله عنهم عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.وجابر بن عبد الله الأنصاري الذي في هذا الإسناد هو أحد هؤلاء السبعة من الصحابة المكثرين من رواية الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.والإسناد فيه إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفيراء وهو صدوق كثير الوهم، وفيه أيضا أبو الزبير المكي وهو مدلس، لكن الحديث هو بمعنى الحديث المتقدم، فوجود شخص كثير الوهم، وآخر مدلس لا يؤثر؛ لأن الحديث هو بمعنى الحديث الذي قبله، فهو شاهد له، ويدل على ما يدل عليه الحديث الذي قبله.
ما جاء في الرجل يتبوأ لبوله
شرح حديث: (إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله موضعا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يتبوأ لبوله: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا أبو التياح حدثني شيخ قال: لما قدم عبد الله بن عباس البصرة فكان يحدث عن أبي موسى فكتب عبد الله إلى أبي موسى يسأله عن أشياء فكتب إليه أبو موسى: (إني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأراد أن يبول فأتى دمثا في أصل جدار فبال،
ثم قال:
إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله موضعا)
].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب الرجل يتبوأ لبوله،
يعني:
يبحث أو يختار مكانا مناسبا لبوله؛ لأنه لما ذكر في الباب الأول ما يتعلق بالتستر عند قضاء الحاجة، ذكر أنه إذا كان في فضاء يذهب بعيدا حتى لا يراه أحد، وإذا كان في مكان كالأبنية أو الخيام أو ما إلى ذلك فليكن في مكان يستره عن الناس.فالباب الأول يتعلق بالتستر، وأن الإنسان يبتعد عن الناس عند قضاء حاجته إذا كان في فضاء، أو يذهب إلى الأماكن المخصصة لقضاء الحاجة في البيوت مثل الكنف والمراحيض.
وفي هذه الترجمة المقصود: أن ينظر المكان المناسب الذي يبول فيه؛ لأن المكان قد يكون صلبا وإذا وقع عليه البول تطاير على البائل؛ وأما إذا كان رخوا فإن الأرض تشربه ولا يرتد عليه، فيختار الإنسان مكانا مناسبا ليبول فيه بأن يكون دمثا،
والدمث:
هو الأرض السهلة الرخوة الترابية التي إذا وقع عليها البول راح وغاص فيها.أما إذا كانت الأرض صلبة فإن وقوعه على الأرض يكون معه التطاير، وأيضا ما لم تشربه الأرض فقد يسيل ويرجع على البائل إذا كان في مكان أعلى منه، وعلى هذا فالذي ينبغي على الإنسان أنه إذا جلس في الأرض ليقضي الحاجة أن يختار أرضا رخوة، وأن يكون أعلى من المكان الذي يبول فيه؛ لأنه إذا كان المكان أعلى منه قد ينزل البول ويرتد عليه، ولكنه إذا كان المكان أنزل منه فإنه لا مجال إلى ارتداه، وإذا كانت الأرض رخوة فإن الأرض تشرب البول ويذهب في الأرض ولا يتطاير على صاحبه.
أورد أبو داود رحمة الله عليه حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (إني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأراد أن يبول فأتى دمثا في أصل جدار)،
يعني:
مكانا سهلا في أسفل الجدار أو بجوار الجدار، وإذا كان الجدار أمامه فهذا أكمل في الاستتار.والدماثة هي السهولة،
ولهذا يقال عمن فيه سهولة في خلقه:
دمث الأخلاق، أو فيه دماثة؛ إشارة إلى السهولة وعدم الشدة،
كما أن الأرض التي بهذه السهولة يقال لها:
دمثة.فالنبي صلى الله عليه وسلم اختار مكانا دمثا في أصل جدار،
يعني:
مكانا رخوا في أسفل الجدار بحيث يكون الجدار أمامه يستتر به، فكون الجدار أمامه فيه سترة فلا يراه أحد من أمامه، وكذلك أيضا كون الأرض دمثة، معناه: أن البول ينزل فيها ولا يرجع ولا يتطاير على صاحبه.
وقوله:
{فبال ثم قال صلى الله عليه وسلم: إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله موضعا))،
يعني:
يبحث أو يختار لبوله مكانا وموضعا مناسبا فيه السهولة،
وهذا هو المقصود من إيراد الحديث:
أنه يبحث عن مكان سهل، ويختار موضعا مناسبا من حيث الاستتار كما استتر صلى الله عليه وسلم بالجدار أن يكون مكانا دمثا أو أرضا سهلة رخوة ينزل فيها البول وليست صلبة.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله موضعا)
قوله:
[(حدثنا موسى بن إسماعيل)].هو موسى بن إسماعيل التبوذكي أبو سلمة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو ابن سلمة، وهنا حماد مهمل، ويحتمل أن يكون حماد بن زيد وأن يكون حماد بن سلمة لكن موسى بن إسماعيل كثير الرواية عن حماد بن سلمة وقليل الرواية عن حماد بن زيد فالعادة جرت أن التلميذ عندما يكون مكثرا عن شيخ لا ينسبه؛ اكتفاء بما هو معروف عنه من كثرة الرواية عنه، فإذا كان التلميذ له شيخان أحدهما قد أكثر عنه والثاني لم يكثر عنه، ثم أهمله فلم ينسبه، فيحمل على الذي أكثر عنه،
كما قال هنا:
عن حماد،
وما قال:
ابن سلمة ولا قال: ابن زيد مع أنه تلميذ لهذا ولهذا إلا أنه مكثر عن ابن سلمة ومقل عن حماد بن زيد.
إذا: يحمل المهمل على من له به خصوصية، ككونه مكثرا عنه كما هنا.وحماد بن سلمة بن دينار البصري ثقة أخرج له البخاري تعليقا ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[أخبرنا أبو التياح].
هو يزيد بن حميد، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته.ومن علوم المصطلح معرفة الكنى والألقاب، فمن له كنية ولقب ينبغي معرفتهما،
وفائدة معرفة الكنى:
ألا يظن الشخص الواحد شخصين،
فإذا جاء في بعض الأسانيد يزيد بن حميد لزم أن يقال: هو أبو التياح وإذا أتى في بعضها أبو التياح لزوم أن يقال: هو يزيد بن حميد.فالذي لا يعرف أن يزيد بن حميد كنيته أبو التياح يظن أن أبا التياح شخص، وأن يزيد بن حميد شخص آخر.
إذا: فائدة معرفة ذلك: ألا يظن الشخص الواحد شخصين؛ فإنه إذا ذكر باسمه مرة وبكنيته أخرى لا يظن أن هذا غير هذا، بل إن هذا هو هذا، وإنما ذكر مرة باسمه ومرة بكنيته.[حدثني شيخ].
هذا مبهم،
وأما الذي مر وهو قوله:
(حدثنا حماد) فهذا مهمل؛
ففي علم المصطلح إذا ذكر الشخص ولم ينسب قيل له:
المهمل،
وإذا ذكر بدون اسمه فقيل:
شيخ أو رجل،
فهذا يقال له: مبهم، والمهمل لابد من معرفة نسبته، والمبهم لابد من معرفة اسمه ونسبه وحاله، وإذا كان مبهما ولم يعرف فإن هذا قدح وضعف في الإسناد.
[لما قدم عبد الله بن عباس البصرة فكان يحدث عن أبي موسى]،
يعني:
أن الصحابة كانوا يحدثون عن الصحابة.[فكتب عبد الله إلى أبي موسى يسأله عن أشياء،
فكتب إليه أبو موسى:
(إني كنت مع رسول الله)] يعني: أن ابن عباس قدم البصرة فكان يحدث بأحاديث، وكان يحدث عن أبي موسى، فكتب إلى أبي موسى يسأله عن أشياء كان منها هذا الذي يتعلق بهذا الحديث،
فقال:
(كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم …).عبد الله بن عباس هو ابن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذين مر ذكرهم آنفا عند حديث جابر بن عبد الله،
وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وهم:
عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير بن العوام، فهؤلاء أربعة من صغار الصحابة اشتهروا بلقب العبادلة الأربعة،
وفي الصحابة عدد كبير من الصحابة يقال لهم:
عبد الله، ومنهم أبو موسى الاشعري فهو مشهور بكنيته واسمه عبد الله بن قيس،
وعبد الله بن مسعود وعدد كبير من الصحابة يقال لهم:
عبد الله لكن اشتهر منهم أربعة لقبوا بالعبادلة الأربعة.
فإذا قيل:
العبادلة الأربعة من الصحابة، انصرف الذهن إلى ابن عباس وابن عمر وابن عمرو وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم.
[فكتب عبد الله إلى أبي موسى].
أبو موسى هو عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.وهذا الحديث ضعيف لكن معناه صحيح؛ لأن الإنسان يجب عليه التنزه من البول، وكذلك يجب عليه أن يحتاط بحيث لا يتطاير عليه البول، وكونه بال إلى أصل متصل بالجدار جاء ما يدل عليه في الأحاديث الأخرى.فهذا الحديث من حيث الإسناد ضعيف؛ لأن فيه راو لم يسم، وهو الشيخ الذي أبهم، ولكن الحديث من حيث المعنى صحيح.فالإنسان عندما يريد أن يبول عليه أن يستتر، وقد جاءت الأحاديث في الاستتار، ويختار المكان المناسب للبول، كالمكان الرخو الذي لا يكون صلبا يضرب فيه البول ثم يتطاير، وهذا أمر مطلوب.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 18-10-2020, 09:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,895
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المعاني التي تطلق عليها السنة

صــ 11إلى صــ19
الحلقة (9)

ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء
[شرح حديث: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء: حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا حماد بن زيد وعبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: عن حماد قال: اللهم إني أعوذ بك، وقال عن عبد الوارث قال: أعوذ بالله من الخبث والخبائث)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي:
(ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء)،
يعني: إذا أراد الدخول؛ لأن (دخل) هنا ليس المقصود بها أن يقولها وهو في الخلاء، وإنما إذا أراد الدخول،
ومثل هذا قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} [المائدة:6]،
يعني:
إذا أردتم القيام،
فقوله: (إذا دخل) أي: إذا أراد الدخول قال هذا، وليس معنى ذلك أنه يقوله بعد الدخول؛ لأنه لا يجوز أن يذكر الله في الخلاء وداخل المراحيض.هذه الترجمة معقودة لبيان الدعاء الذي يدعى به عند دخول الخلاء.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:
(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)،
يعني: إذا أراد الدخول دعا بهذا الدعاء، فاللهم نداء، وهو طلب من الله عز وجل.
وقوله: (اللهم) بمعنى: يا الله، لكن جاء في اللغة حذف ياء النداء والتعويض عنها بميم بعد الله، فكلمة (اللهم) هي (يا الله) حذفت ياء النداء وجاء بدلها الميم المشددة، ولا يجمع بين ياء النداء وبين الميم؛ لأنه لا يجمع بين العوض والمعوض،
فلا يقال:
يا اللهم وإنما يقال: يا الله أو اللهم.
ولهذا يقول ابن مالك رحمه الله في الألفية:
والأكثر اللهم بالتعويض وشذ يا اللهم في قريض قوله: (والأكثر) يعني: في الاستعمال (اللهم بالتعويض) يعني: استعمال الميم عوضا عن (يا).وقوله: (وشذ يا اللهم في قريض) يعني: في الشعر.فاللهم هي نداء حذفت (يا) التي قبل لفظ الجلالة وعوضت عنها الميم المشددة بعد لفظ الجلالة.
وقوله: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)،
الخبث:
جمع خبيث، والخبائث: جمع خبيثة،
والمقصود بذلك:
التعوذ بالله من شياطين الجن الذكران والإناث؛ لأن (الخبث) ترجع للذكور، و (الخبائث) ترجع للإناث.فالاستعاذة بالله عز وجل عند دخول الخلاء تكون بهذا اللفظ الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله:
[قال: عن حماد: (قال: اللهم إني أعوذ بك وقال عبد الوارث قال: أعوذ بالله من الخبث والخبائث)].
يعني:
الإسناد فيه شخصان في درجة واحدة: حماد بن زيد وعبد الوارث بن سعيد ولكنهما اختلفا في العبارة في رواية متن الحديث،
فالذي جاء من طريق حماد بن زيد قال:
(اللهم إني أعوذ بك)،
أي: فيه لفظ: (اللهم) وفيه: (بك) أما عبد الوارث فبلفظ: (أعوذ بالله من الخبث والخبائث)، وليس فيه (اللهم) وفيه (بالله).
إذا: الفرق بين رواية حماد بن زيد ورواية عبد الوارث بن سعيد: أن حماد بن زيد قال في روايته: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)،
وعبد الوارث بن سعيد قال في روايته:
(أعوذ بالله من الخبث والخبائث)، وهما بمعنى واحد، وكلاهما صحيح، والنتيجة والمؤدى واحد.
[تراجم رجال إسناد حديث: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)]
قوله:
[حدثنا مسدد بن مسرهد].مسدد بن مسرهد ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي، ولم يخرج له مسلم ولا ابن ماجة.
[حدثنا حماد بن زيد].
هو حماد بن زيد بن درهم البصري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.[وعبد الوارث].هو عبد الوارث بن سعيد العنبري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عبد العزيز بن صهيب].
ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
رضي الله عنه، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذين مر ذكرهم آنفا رضي الله عنهم وأرضاهم.
[توضيح اختلاف الروايات في حديث: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)]
[قال أبو داود: رواه شعبة عن عبد العزيز: (اللهم إني أعوذ بك)،
وقال مرة: (أعوذ بالله) وقال وهيب: (فليتعوذ بالله).حدثنا الحسن بن عمرو
-يعني: السدوسي - حدثنا وكيع عن شعبة عن عبد العزيز -هو ابن صهيب
- عن أنس بهذا الحديث قال: (اللهم إني أعوذ بك) وقال شعبة: وقال مرة: (أعوذ بالله)].
ثم أورد أبو داود رحمه الحديث من طريق أخرى من طريق شعبة وفيه:
أنه جاء عن شعبة من وجهين: (اللهم إني أعوذ بك) و (أعوذ بالله)،
يعني: مثلما جاء عن حماد بن زيد في الأول وعبد الوارث بن سعيد في الثاني.
وقوله:
(وقال وهيب) وهو ابن خالد: (فليتعوذ بالله)، وهذا يكون على اعتبار أن هذا قولي، وأما الرواية المتقدمة فهي فعلية؛ لأنها تضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من فعله، وأنه كان يقول إذا دخل الخلاء كذا وكذا،
وأما هنا فقوله:
(فليتعوذ) يعني: أن هذا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم للناس أو للذي يريد أن يدخل الخلاء أن يتعوذ بالله من الخبث والخبائث.وأبو داود رحمه الله ذكر الإسناد فيما يتعلق بالرواية عن شعبة ولكنه أشار إلى رواية وهيب بن خالد حين ذكرها بعد ذلك.
[سبب استعمال المحدثين كلمة (يعني) و (هو) في نسبة الراوي]
قوله: [حدثنا الحسن بن عمرو -يعني: السدوسي -] هذا الراوي روى عنه أبو داود وحده، وهو صدوق.
وقوله:
(يعني: السدوسي) هذا مثال لما أشرت إليه آنفا عن النسائي من أن في شيوخه من يقال فيه: يعني، والذي قال هذا هو من دون النسائي، وهذا الذي عند أبي داود مثله؛ لأن الحسن بن عمرو السدوسي شيخ لـ أبي داود،
فـ أبو داود لن يقول:
حدثنا الحسن
-يعني: السدوسي -،
وإنما سيقول:
الحسن بن عمرو فقط ويسكت،
لكن من دون أبي داود هو الذي يقول:
يعني؛ لأن كلمة (يعني) فاعلها ضمير مستتر يرجع إلى أبي داود، وقائلها هو من دون أبي داود.فإذا مر استعمال كلمة (يعني) في شيخ أبي داود فالذي قالها هو من فوق أبي داود،
كحديث عبد الله بن مسلمة بن قعنب الذي يروي عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي وعبد العزيز بن محمد الدراوردي يروي عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي وكل منهما قيل فيه:
يعني.هذا المثال يوضح لنا أنه قد يأتي في شيوخ أبي داود التعبير بكلمة (يعني)، ولكن الذي قالها هو من دون أبي داود؛ لأن أبا داود ما زاد في روايته عند ذكر شيخه على كلمة الحسن بن عمرو، وكلمة السدوسي أضافها من دون أبي داود.والحسن بن عمرو هذا انفرد أبو داود بالرواية عنه، وقد مر بنا في النسائي رواة لن يأتي ذكرهم في هذا الكتاب، وهم كثيرون،
مثل:
إسماعيل بن مسعود الذي يروي عنه النسائي كثيرا، وكذلك سليمان بن سيف الحراني لم يرو عنه إلا النسائي.
ومعنى هذا:
أنه سيأتينا أشخاص وأسماء جدد ما مرت بنا في النسائي.
[حدثنا وكيع].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو لقب رفيع يدل على علو منزلة الرجل وعلى حفظه وإتقانه؛ لأن الوصف بأمير المؤمنين في الحديث من أعلى صفات وألقاب التعديل التي إذا عدل بها الشخص تدل على علو مكانته ومنزلته بمثل هذا اللقب، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد العزيز هو ابن صهيب].
عبد العزيز بن صهيب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة (هو) هذه هي اللفظة الثانية التي تذكر للتوضيح،
فيؤتى بكلمتين:
إما (يعني) وإما (هو)،
وهذا الإسناد الذي معنا فيه اللفظتان:
لفظة (يعني) عند السدوسي الذي هو شيخ أبي داود، ولفظة (هو) عند ذكر عبد العزيز؛ لأن شعبة عندما روى عن عبد العزيز ما زاد على كلمة عبد العزيز،
بل قال:
حدثنا عبد العزيز، ولم يزد،
فمن دون شعبة أتى بنسبه فقال: وهو ابن صهيب، وأتى بكلمة (هو) حتى يعرف أنها ليست من تلميذه وإنما هي ممن دون تلميذه.
[عن أنس].
رضي الله عنه، وهو صاحب رسول الله، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[الخلاف في شذوذ رواية شعبة في حديث: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)]ذكر الألباني بأن الحديث شاذ،
يعني:
أن رواية شعبة عن عبد العزيز فيها شذوذ، ولا أعرف وجه هذا الشذوذ؛
لأن الحديث جاء من طريق آخر مثلما جاء من تلك الطرق المتقدمة التي فيها أنه يقول:
(اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) أو (أعوذ بالله من الخبث والخبائث)، فهي طريق أخرى مثل الطرق السابقة وليس فيها مخالفة حتى تكون شاذة، فلا أدري وجه إضافة الشذوذ إلى هذا الحديث مع أنه بمعنى الحديث المتقدم وليس فيه مخالفة بحيث لا يمكن التوفيق، بل هذا مثل ذاك، فالحديث الشاذ مثاله حديث صلاة الكسوف؛
فقد رواه بعضهم:
(أنه صلى كل ركعة بركوعين) ورواه ثقات آخرون: (أنه صلى كل ركعة بثلاث ركوعات)، وهي قصة واحدة لا يمكن أن تتعدد، ولا يمكن أن يجمع بينها، وليس هناك لا ناسخ ولا منسوخ.ورواية ثلاث ركوعات شاذة وهي رواية ثقة لكن فيها خطأ، ورواية الركوعين هي المحفوظة.وكذلك ما جاء في صحيح مسلم في حديث السبعين ألفا، فإن في أكثر الروايات (لا يسترقون)، وفي صحيح مسلم (لا يرقون) ولكنها شاذة.
[شرح حديث: (إن هذه الحشوش محتضرة)]
قال المصنف رحمه الله تعالى:
[حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الحشوش محتضرة فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث)].
سبق تحت ترجمة ما يقوله إذا دخل الخلاء: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد دخول الخلاء قال: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) أو: (أعوذ بالله من الخبث والخبائث)، إما هذه العبارة وإما هذه العبارة.
وقد ذكر أبو داود رحمه الله هاتين الصفتين:
الأولى من طريق حماد بن زيد،
والثانية من طريق عبد الوارث بن سعيد ثم ذكر أن رواه شعبة رواه عن عبد العزيز وأنه قال:
(اللهم إني أعوذ بك) وقال مرة: (أعوذ بالله).
ثم قال: (وقال وهيب: (فليتعوذ بالله)
يعني:
بصيغة الأمر،
وسبق أن أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق شعبة وفيه الإشارة إلى الطريقين:
الطريق الموافقة لطريق حماد المتقدمة في الإسناد الذي قبله، والطريق الموافقة لطريق عبد الوارث بن سعيد،
وبعد ذلك قال وهيب عن شعبة:
(فليتعوذ)، ولم يأت ذكر الرواية التي فيها وهيب التي أشار إليها المصنف، فلا أدري هل تركت وأشار الشارح إليها دون أن يسند الحديث، أو ذكر وهيب فيه شيء من التصريف والتحريف؛ لأن الحديث الذي بعده عن عمرو بن مرزوق هو عن زيد بن أرقم وهو بنفس الصيغة التي ذكرها عن وهيب،
وهي بلفظ الأمر:
(فليتعوذ بالله من الخبث والخبائث) وهناك نسخة أخرى فيها: (وقال وهيب: عن عبد العزيز) ورمز لها (ع) و (س) وهذه النسخة هي نسخة محمد عواض وعلى حسب الرموز هي عند ابن داسة وابن الأعرابي.
إذا: هي الرواية المتقدمة إلا أنها لم تذكر،
فما دام أنه قال:
عن عبد العزيز فمعناه أن الرواية لم تذكر، وإنما ذكرت رواية شعبة ولم تذكر رواية وهيب.
والحديث الذي أورده أبو داود رحمه بعد الحديث الأول هو حديث عمرو بن مرزوق وهو عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إذا دخل أحدكم الخلاء فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث).وهو مثل اللفظ الذي أشار إليه المصنف من رواية وهيب عن عبد العزيز التي لم يذكرها المصنف.وقوله: (فليتعوذ بالله من الخبث والخبائث) هذا الحديث حديث قولي وليس حديثا فعليا؛ لأن الروايات المتقدمة فعلية،
أي: من فعله صلى الله عليه وسلم، وأما هذا فهو من أمره صلى الله عليه وسلم.
وجاء في بعض الأحاديث: (ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: بسم الله)،
وعلى هذا فيجمع بين الذكر والتسمية فيقال:
(بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث).
والخبث: جمع خبيث،
والخبائث:
جمع خبيثة، وفيه الإشارة إلى أن المقصود شياطين الجن ذكورهم وإناثهم؛
لأنه قال في أثناء الحديث:
(إن هذه الحشوش محتضرة)،
يعني:
أن الكنف أو أماكن قضاء الحاجة تحضرها الشياطين،
أي: شياطين الجن.ومن المعلوم أن الجن يتخلص منهم بذكر اسم الله عز وجل، وأما الإنس فلا يتخلص منهم إلا بالمعاملة الطيبة، ولهذا جمع الله عز وجل بين ذكر المعاملة التي يعامل بها الإنس ويحصل بها اكتسابهم وبين ما يقال للتخلص من شر الجن،
فقال سبحانه:
{ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصلت:34]، فالإنسي إذا حصل منه شيء وقوبلت إساءته بالإحسان فإن ذلك ينفع بإذن الله.وقد يحصل من بعض الناس أنه لا ينفع فيه الإحسان، ومع الإحسان يتمرد،
لكن في الغالب أن المعاملة الطيبة ومقابلة الإساءة بالإحسان أن ذلك ينفع: {فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} [فصلت:34 - 35]، وليس كل أحد يصبر على أن يقابل السيئة بالإحسان، بل هناك من يقابل السيئة بالسيئة.ومقابلة السيئة بالسيئة سائغ؛
لقوله: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى:40]،
وقوله: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} [النحل:126]، لكن الصبر والتحمل ومقابلة الإساءة بالإحسان هذا هو الذي ينفع في التخلص من أذى الإنس.
أما الجن فقال الله عز وجل فيهم: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} [فصلت:36]،
يعني:
أن هذا هو الذي يخلص منه،
ولهذا جاء في بعض الأحاديث:
أن الإنسان إذا دخل بيته وقال: بسم الله،
قال الشيطان لأتباعه ولأصحابه ولجنده:
لا مبيت لكم.
معناه: أنه إذا دخل بيته وسمى الله،
ثم إذا أكل أو شرب سمى الله عز وجل قال الشيطان: لا مبيت ولا عشاء؛ لأن ذكر الله عز وجل يطردهم ولا يتمكنون من الوصول إلى ما يريدون مع ذكر اسم الله عز وجل.
وقوله: (إن هذه الحشوش محتضرة)،
أي:
تحضرها شياطين الجن؛
ولذا قال:
(فإذا دخل أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث).
[تراجم رجال إسناد حديث: (إن هذه الحشوش محتضرة)]
قوله: [حدثنا عمرو بن مرزوق].
هو الباهلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود، وهذا من الرجال الذين لم يسبق أن مر ذكرهم في سنن النسائي؛ لأنه ما خرج له النسائي ولا خرج له إلا البخاري وأبو داود، فهو من الأسماء الجديدة التي لم تمر بنا في سنن النسائي؛ لأنه ليس من رجال النسائي.
[عقيدة أهل السنة في الصحابة رضي الله عنهم]
ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري كلمة جيدة عن عمرو بن مرزوق قالها لبعض الخوارج فقال:
وقال عمرو بن مرزوق لرجل من الخوارج: ما أرى الله إلا مخزيك؛ لأنك شتمت واحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
يعني: أن واحدا من الخوارج سب واحدا من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم،
فقال له عمرو بن مرزوق:
ما أرى الله إلا مخزيك.
يعني: أن الذي يتوقع أن يحصل لك وأن يحل بك من العقوبة أن الله تعالى يخزيك؛ لأنك شتمت واحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يبين لنا أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام يجب أن تكون الألسنة والقلوب نظيفة في حقهم،
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية:
ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.فالقلوب لابد أن تكون سليمة من الغيظ والحقد والضغينة لهم، والألسنة تكون سليمة ونظيفة من أن تتكلم فيهم بما لا ينبغي،
والله عز وجل يقول بعد أن ذكر المهاجرين والأنصار:
{والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} [الحشر:10]، وهذا فيه سلامة اللسان؛ لأن قولهم: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) دعاء لهم، فاللسان يستغفر لهم، ثم قال: ((ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا))، وهذا فيه طلب سلامة القلب،
وأن يسلم الله القلوب من أن يكون فيها شيء لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} [الحشر:10].فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم يجب احترامهم وتوقيرهم واعتقاد أنهم خير الناس؛
لشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم بقوله:
(خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، فهذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي خير الأمم، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم خير هذه الأمة، فهم أفضل من مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه وبركاته على رسله ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.فالواجب هو البعد عن نيلهم والكلام فيهم بما لا ينبغي، وعلى هذا أجمع أهل السنة والجماعة؛ لأن الله تعالى عدلهم وعدلهم رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يحتاجون بعد تعديل الله ورسوله إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين، ولا يعني التعديل أنهم معصومون؛ فإن العصمة ليست إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والصحابة يخطئون ويصيبون وليسوا بمعصومين، ولكن من حيث العدالة هم عدول، ولهذا فإن المجهول فيهم بحكم المعلوم،
ولهذا نجد أن الذين يؤلفون في الرجال وبيان أحوالهم عندما يكون الشخص من الصحابة يكتفون بأن يقولوا:
صحابي، أو يذكرون شيئا من ميزاته التي هي زائدة على الصحبة، كأن يكون شهد بدرا أو الحديبية، أو أنه من السابقين الأولين، أو أن عنده صفة زائدة على الصحبة فينصون عليها، وأما غيرهم فإنهم يحتاج إلى معرفة أشخاصهم وأعيانهم وأحوالهم.
ولهذا قال الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية:
إن الذي عليه العلماء: أنه ما من رجل من رجال الإسناد إلا ويحتاج إلى معرفته إلا الصحابة.ولهذا درج العلماء على الاكتفاء بذكر أن الرجل من الصحابة ولو كان مبهما غير مسمى ما دام أنه أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم،
فإذا قيل:
عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحتاج أن يقال: من هو هذا الرجل؟ وهذا الرجل مبهم لا يحتاج إلى معرفة عينه، ولأنه صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم فهو من العدول الذين يعول على حديثهم.لكن لا يعني هذا أنهم معصومون؛ لأن العصمة إنما هي للأنبياء، ولكن من حيث البحث عن أحوالهم، وهل أحدهم ثقة أو ليس بثقة؟ لا يبحث،
ولهذا يأتي في بعض التراجم أن الشخص يقال فيه:
قيل: إنه صحابي،
وقيل:
إنه تابعي،
فقولهم:
قيل: إنه صحابي،
معناه:
أنه يكفي أن يقال: إنه صحابي،
وإذا قيل: ليس بصحابي بل هو ثقة،
فمعناه: أنه بناه على أنه تابعي يذكر حاله، فالذي يذكر أنه ليس بصحابي يتكلم في حاله، والذي يعرف أنه صحابي يكفي في شرفه وبيان منزلته أنه صحابي.ولهذا لا ينظر إلى من يقلل من شأن الصحابة، أو تحدثه نفسه أن يتكلم في الصحابة، أو ينال من الصحابة فيما يتعلق ببيان أحوالهم وما كانوا عليه، أو البحث عن عيوبهم ومثالبهم وما إلى ذلك؛ فإن هذا لا يليق بالمسلم الناصح لنفسه.
ويذكر عن بعض المخذولين أنه قال: إن الصحابة يجب أن يكونوا مثل غيرهم تحت المجهر! يعني: أنهم يعاملون معاملة غيرهم، وأن يفتش عنهم ويذكر كل شيء قيل عنهم كما يقال في حق غيرهم، وأن يبحث عنهم، وهل هم ثقات أو ليسوا بثقات؟ وما إلى ذلك، وهذه ليست طريقة أهل السنة والجماعة، بل هذه طريقة مخالفة لأهل السنة والجماعة، فأهل السنة والجماعة يكفي عندهم أن يعرف أن الواحد صحابي، ولا يزيدون على ذلك شيئا إلا أن يضيفوا بيان منزلته وعظيم قدره، وأن له منزلة جاء فيها نص إما لكونه مشهودا له بالجنة، أو لكونه شهد بدرا أو الحديبية، أو من السابقين الأولين أو من المهاجرين أو كذا أو كذا إلى آخره.أما أن يتكلم فيهم فهذا لا يليق بالمسلم الناصح لنفسه،
كما ذكرت عن شيخ الإسلام أنه قال: ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأبو زرعة الرازي من علماء القرن الثالث الهجري روى عنه الخطيب البغدادي بإسناده في كتابه الكفاية أنه قال:
إذا رأيتم أحدا ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلموا أنه زنديق، وذلك أن الكتاب حق والرسول حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء
-أي: الذين يريدون أن يتكلموا في الصحابة- إنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة.
يعني: أن القدح في الناقل قدح في المنقول؛ لأن الصحابة إذا قدح فيهم فماذا يبقى عند من قدح فيهم؟! وإذا كان الصحابة ليسوا عدولا والكتاب ما جاء إلا عن طريقهم، والسنة كذلك، فليس بأيدي من سبوا الصحابة إلا الخذلان، وليس بأيديهم شيئا من الحق؛ لأن الحق جاء عن طريق الصحابة، وإذا قدح في الناقل فهو قدح في المنقول.
ولهذا يقول أبو زرعة:
وإنما يريد هؤلاء أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة،
يعني:
أن النتيجة التي تترتب على القدح في الصحابة هي إبطال الكتاب والسنة؛ لأن القدح في الناقل قدح في المنقول.
فمنهج أهل السنة والجماعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه يجب احترامهم وتوقيرهم، واعتقاد أنهم خير الناس، وأنه ما كان مثلهم قبلهم ولا يكون بعدهم مثلهم، وهم خير من مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه وبركاته على رسله ورضي الله عن الصحابة أجمعين.فـ عمرو بن مرزوق الذي في هذا الإسناد هو الذي نقل عنه الحافظ ابن حجر هذه الجملة في مخاطبة ذلك الخارجي الذي سب واحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقال له عمرو بن مرزوق:
ما أرى الله إلا مخزيك.
يعني: توقع العقوبة من الله وتوقع الخزي الذي يحل بك؛ لأنك سببت واحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
[أخبرنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذا لقب رفيع من أعلى صيغ التعديل والتوثيق، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن قتادة].هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مدلس، ولكن المعروف عند المحدثين أن شعبة إذا روى عن مدلس فقد أمن تدليسه؛ لأن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما صرحوا فيه بالسماع، وإلا ما أمن تدليسهم فيه.وهنا شعبة هو الذي يروي عن قتادة، وقتادة مدلس.وهذا من القواعد التي ذكرها العلماء في معرفة السلامة من تدليس المدلس، وأنه إذا روى شعبة عن مدلس فإن تدليسه مأمون؛ لأنه لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما صرحوا فيه بالسماع، وقتادة بن دعامة السدوسي البصري أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن النضر بن أنس].
هو النضر بن أنس بن مالك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد بن أرقم].

زيد بن أرقم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12-12-2020, 05:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,895
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

  1. شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    ما جاء في كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة

    صــ 1إلى صــ7
    الحلقة (10)


    شرح سنن أبي داود [005]
    من آداب قضاء الحاجة:
    ألا تستقبل القبلة أو تستدبر عند البول أو الغائط، إلا إذا وجد حائط، وألا يستنجى باليد اليمنى، أو بأقل من ثلاثة أحجار، وألا يستنجي برجيع أو عظم.
    ما جاء في كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة
    [شرح حديث: (نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول)]
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة.حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان قال: قيل له: (لقد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة! قال: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، وألا نستنجي باليمين، وألا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو عظم)].
    أورد أبو داود رحمه الله تعالى: باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة،
    والمقصود من هذه الترجمة:
    بيان أن القبلة
    -وهي: الجهة التي يستقبلها الناس في صلاتهم ودعائهم- لا تستقبل ببول ولا بغائط، بل الإنسان يتجه إلى جهة أخرى غير جهة القبلة، لا من حيث استقبالها ولا من حيث استدبارها فلا يجعلها أمامه ولا وراءه، ولكن يجعلها عن يمينه أو شماله، فإذا كان الإنسان في جهة المدينة أو كانت مكة من جهة الشمال أو الجنوب فإنه يشرق أو يغرب وبذلك يسلم من استقبال القبلة واستدبارها.
    قوله: [باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة].
    أورد أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة حديث سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه أنه قيل له:
    (علمكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة)،
    يعني:
    حتى الهيئة التي تفعلونها عند قضاء الحاجة،
    والمقصود بذلك:
    بيان كيفية التصرف وكيفية العمل عند قضاء الحاجة، والآداب التي تفعل عند قضاء الحاجة.
    قوله: [قيل له: (علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة)].
    الذين قالوا له هم المشركون،
    ولهذا قالوا:
    نبيكم،
    وما قالوا:
    النبي، فأضافوه إليهم.
    وقوله: (الخراءة) وهي الفعل عند قضاء الحاجة،
    يعني:
    علمهم كيف يفعل الإنسان عند قضاء حاجته، فعلمهم أنه لا يستقبل ولا يستدبر القبلة، ولا يستنجي بيمينه، ولا برجيع أو عظم، ولا بأقل من ثلاثة أحجار.فهذه آداب بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن يريد قضاء الحاجة.
    قوله: [(لقد نهانا صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة بغائط أو بول)].
    يعني: عند قضاء الحاجة سواء الغائط أو البول أو هما جميعا، فما دام أنه يقضي حاجته فإنه لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها.وهذا فيه توقير القبلة واحترامها، وأن الإنسان لا يستقبلها ولا يستدبرها وهو يقضي حاجته.
    قوله: [(وألا نستنجي باليمين)].
    يعني:
    عندما نريد أن ننظف السبيلين من الخارج لا نستعمل اليمين في التنظيف وإنما نستعمل اليسار؛ لأن اليمين تستعمل في الأمور الطيبة المحترمة المحمودة، وأما الأمور التي فيها امتهان كتنظيف السبيلين بعد الخارج منهما فإنه يكون باليسار لا باليمين.
    قوله: (نهانا أن نستنجي باليمين) هذه من الآداب من حيث الجلوس لا نستقبل ولا نستدبر بل نشرق ونغرب، وإذا كنا في شرق مكة أو غربها فنستقبل الجنوب أو الشمال ولا نشرق ولا نغرب؛ لئلا نستقبل القبلة أو نستدبرها،
    ولكن هذا الذي قيل فيه:
    يشرق أو يغرب إنما يراد به من كان عن مكة من جهة الشمال كالمدينة، أو من كان عن مكة من جهة الجنوب كاليمن، فإن هؤلاء يشرقون ويغربون.وأما من كان عن مكة من جهة الغرب أو من جهة الشرق فإنهم يجنبون ويشملون فيتجهون إلى جهة الجنوب وإلى جهة الشمال ولا يشرقون ولا يغربون.وهذا من الآداب عند إرادة الجلوس.
    وكذلك ينبغي عند بناء موضع قضاء الحاجة في المراحيض:
    أن توجه إلى غير جهة القبلة، فلا يكون فيها استقبال ولا استدبارها، فالذي ينبغي أنه عندما يراد وضع الكراسي التي يقضى عليها الحاجة في المراحيض أن يلاحظ في اتجاهها أن تكون ليست في استقبال القبلة ولا استدبارها.ثم إذا جلس الإنسان على الهيئة المشروعة لا مستقبل ولا مستدبر القبلة فإن الهيئة التي يتصرف فيها عند قضاء الحاجة ألا يستنجي باليمين،
    يعني:
    لا يستعملها في الاستنجاء بل يستعمل اليسار وهذا من الآداب.
    قوله: ((وألا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار)).
    يعني: إذا لم يستعمل الماء؛ لأن الماء إذا وجد فاستعماله هو الأصل، لكن إذا لم يوجد ماء فإنه يستنجى بالحجارة أو غيرها مما يقوم مقامها من الأشياء التي ليس فيها شيء محذور بأن يستعمل حجارة أو مناديل أو ورقا ليس فيه كتابة، وكذلك لا يستعمل الأشياء المحترمة كالأطعمة أو ما إلى ذلك.وإذا استنجى الإنسان بالحجارة فيستنجي بثلاثة أحجار، وإن استعمل حجرا واحدا كبيرا وله ثلاث شعب فإنه يقوم مقام الثلاثة الأحجار؛ لأن المقصود هو استعمال هذا العدد أو ما يقوم مقام هذا العدد؛ من أن يكون حجرا له ثلاث شعب؛ لأن الثلاث الشعب مثل الثلاثة الأحجار.
    قوله: ((أو نستنجي برجيع أو عظم)).
    والرجيع هو:
    الروث، والروث قد يكون نجسا كرجيع بني آدم أو الحمير أو غيرها، فكل ما يكون محرم الأكل فإن رجيعه نجس، ومن المعلوم أن إزالة النجاسة بنجاسة لا يزيدها إلا شدة، فكون الإنسان يأتي بعذرة ويستنجي بها فمعناه أنه زاد الطين بلة، وزاد السوء سوءا والنجاسة نجاسة،
    ولكن المقصود هنا هو: الروث أو الرجيع من مأكول اللحم كالإبل والبقر والغنم؛ لأن هذه أرواثها طاهرة وليست بنجسة، ولكن لا يجوز أن يستنجى بها.وكذلك العظم لا يستنجى به، وقد جاء في بعض الروايات بيان الحكمة في ذلك، وأنها طعام إخواننا من الجن، والروث علف دوابهم، وأن الله تعالى يجعل في تلك العظام والأرواث ما فيه الفائدة لهم ولدوابهم.فإذا: السنة جاءت مبينة أن الحكمة في ذلك عدم تقذيرها وإفسادها على من هي طعام لهم؛ لأنها إذا استعملت فيها النجاسة ففيها إفساد.
    وقيل أيضا: إن فيها لزوجة، ومعنى ذلك أنه لا يحصل بها التنظيف والإنقاء تماما.لكن العلة التي جاءت مبينة سبب ذلك هي أن في ذلك تقذيرا لها على الجن، وأنها طعام لهم، والأرواث علف لدوابهم.هذه هي العلة المعتبرة في قضية المنع؛ لأنها جاءت مبينة في السنة.
    [تراجم رجال إسناد حديث: (نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول)]
    قوله: [حدثنا مسدد بن مسرهد].مسدد بن مسرهد ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.[حدثنا أبو معاوية].أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته (أبو معاوية).[عن الأعمش].الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.[عن إبراهيم].هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة،
    وهو الذي جاء عنه العبارة المشهورة عند الفقهاء:
    ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه.
    ومعنى ما لا نفس له سائلة:
    أي ليس فيه دم كالذباب وكالجراد وما إلى ذلك مما لا دم فيه، فهذا إذا وقع في الماء ومات فيه لا ينجسه.
    وهذه قاعدة عند الفقهاء فإنهم يقولون:
    ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه.
    ويستدلون على ذلك بحديث الذباب الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه في الماء؛ فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء)، وهو عندما يقع ينزل بالذي فيه الداء ويرفع الذي فيه الشفاء، فإذا غمس جاء الدواء بعد الداء.
    فالفقهاء قالوا: إن قوله صلى الله عليه وسلم: (فليغمسه) يعني: ثم يستعمله ويشرب،
    قالوا:
    قد يكون الماء حارا فإذا غمس فيه مات، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر باستعماله.
    إذا:
    هذا دليل على أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه.وقد قال ابن القيم في كتابه (إعلام الموقعين عن رب العالمين): (إن أول من عرف عنه في الإسلام أنه عبر بهذه العبارة فقال: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه هو إبراهيم النخعي، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده)، وهي عبارة تشتمل على قاعدة من القواعد الفقهية في الطهارة،
    وهي:
    أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، وكل شيء لا دم فيه أو ليس مشتملا على دم إذا مات في ماء فإن ذلك الماء يكون طاهرا.[عن عبد الرحمن بن يزيد].هو عبد الرحمن بن يزيد النخعي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.[عن سلمان].سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [بيان النبي صلى الله عليه وسلم لأصول الشريعة وفروعها]
    هذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بين آداب قضاء الحاجة، ويستدل به العلماء على أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أصول الدين كما بين فروعه، وأن أمور العقيدة مبينة من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
    ويحتجون بهذا على من يقولون: إن أحاديث وآيات الصفات من قبيل المتشابه الذي لا يعرف معناه، وأنه ما حصل بيان للمراد به.
    ويقولون:
    إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم بين آداب قضاء الحاجة فكيف يغفل أصول الدين، ولا يبين أمور العقيدة، ويجعل الناس في حيرة فواحد يؤول وواحد يفوض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما بين؟! فالناس خوطبوا بكلام يفهمون معناه؛ لأنهم عرب يفهمون ما خوطبوا به؛ ولهذا ما احتاجوا إلى أن يسألوه عن معاني هذه الصفات؛ لأنهم يعرفون معناها لكن لا يعرفون كيفيتها،
    كما قال الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه:
    الاستواء معلوم
    -يعني: معناه معلوم- والكيف مجهول.فالاستواء معلوم أي: أن معناه الارتفاع والعلو، ولكن كيفية ذلك الارتفاع والعلو الله تعالى أعلم به.
    فبعض هؤلاء قالوا: إن معناها لا يعرف، وإن معناها مجهول،
    وإن الناس لا يعرفون معاني الصفات ويقولون:
    إن قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} [طه:5] مثل (آلم) و (حم) وغيرها من الحروف المقطعة في أوائل السور التي يقال فيها: الله أعلم بالمراد بها،
    لكن لا يقال:
    إن قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} [طه:5] الله أعلم بمراده، بل الرحمن ارتفع على عرشه، فهو عال على خلقه وهو فوق كل شيء وعال على كل شيء سبحانه وتعالى، له علو الذات وعلو القدر وعلو القهر.فأنواع العلو الثلاثة كلها له سبحانه وتعالى، فهو عال في ذاته وقدره ومنزلته، كما أن له علو القهر، فهو قاهر غالب لكل أحد، وهو القاهر لكل شيء سبحانه وتعالى ولا يغلبه غالب، ولا يرد حكمه سبحانه وتعالى راد.
    فإذا: هذا مما يستدل به علماء أهل السنة والجماعة على الذين يقولون: إن آيات وأحاديث الصفات هذه ما بينت معانيها ولهذا إما نفوضها وإما نؤولها، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما جاء عنهم لا التفويض ولا التأويل بما يتعلق بالنسبة لمعانيها؛ لأنهم خوطبوا بكلام يفهمون معناه.فهذا من الأدلة التي يذكرونها على أن الذي بين آداب قضاء الحاجة كيف لا يبين للناس أصول دينهم ويجعلهم في حيرة يترددون بين التفويض والتأويل؟
    [حكم الاستنجاء باليمين]
    جاء في قول سلمان رضي الله عنه النهي عن الاستنجاء باليمين،
    والكثير من العلماء يقولون:
    هذا نهي تأديب وإرشاد، وإنه للكراهة، ولو أن الإنسان استنجى بيمينه حصل المقصود.
    وبعض أهل الظاهر يقول:
    لو استنجى بيمينه لا يحصل المقصود؛ لمجيء النهي عن الاستنجاء باليمين، فلا يحصل الاستنجاء والطهارة إلا باليسار.وسواء قيل بحمله على التنزيه أو التحريم فالإنسان يحرص على أن يبتعد عن شيء نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ولو كان نهي تنزيه.
    وقول الإمام أبي داود عندما قال:
    كراهية استقبال القبلة، فإن الكراهية أحيانا يأتي إطلاقها عند المحدثين وعند المتقدمين ويريدون بها التحريم،
    فالمتقدمون يطلقون الكراهية على التحريم بخلاف الفقهاء الذين قسموا الأحكام إلى خمسة:
    واجب ومندوب ومحرم ومكروه ومباح.وجعلوا المكروه هو كراهة التنزيه،
    والمندوب: هو المأمور به ليس على سبيل الوجوب.
    [شرح حديث: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم)]
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا ابن المبارك عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ولا يستطب بيمينه، وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة)].
    أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم)، وهذا من كمال وحسن خلقه صلى الله عليه وسلم، ورفقه بأمته، وحرصه على إفادتها والنصح لها، فهو أنصح الناس للناس، وهو أكمل الناس نصحا، وأكملهم بيانا، وأفصحهم لسانا عليه الصلاة والسلام.وهذا الكلام الذي قاله فيه التبسط معهم، وأنهم لا يتوقفون عن سؤاله عما يريدون معرفته، فكما أن الولد من السهل عليه أن يسأل أباه عما يعن له ويعرض من الأمور لقوة ولكثرة الاتصال فيما بين الوالد والولد،
    فكذلك قال عليه الصلاة والسلام:
    (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد).وهذا فيه بيان أن الأبناء عليهم أن يطيعوا الآباء فيما يأمرون به ويرشدون إليه في غير معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إذا كان في ذلك مصلحة، وأن على الآباء أن يعلموا أبناءهم؛ لأن هذا فيه إشارة إلى التعليم من الآباء للأبناء، وإشارة إلى أن الأبناء يطيعون الآباء، وهو عليه الصلاة والسلام خير من الوالدين، ويجب أن يكون في كل نفس مسلم أحب من والديه وأولاده والناس أجمعين،
    كما قال عليه الصلاة والسلام:
    (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)؛ لأن النعمة التي ساقها الله تعالى للمسلمين على يديه -وهي نعمة الإسلام- أعظم وأجل نعمة، ولهذا كانت محبته يجب أن تكون في القلوب والنفوس أعظم من محبة الوالد والولد والزوجة والصديق والقريب والحميم وكل من تربطه بالإنسان رابطة؛ لأن النعمة التي ساقها الله للمسلمين علي يدي النبي صلى الله عليه وسلم أعظم وأجل نعمة؛ لأنها نعمة الإسلام، والهداية إلى الصراط المستقيم، والخروج من الظلمات إلى النور.
    ثم بين عليه الصلاة والسلام أمورا تتعلق بقضاء الحاجة فقال:
    (إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها)،
    يعني:
    إذا ذهب لقضاء الحاجة لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها.
    قوله: [(ولا يستطب بيمينه)].
    يعني:
    لا يستنج؛ لأن بالاستنجاء يصير الموضع طيبا، فبدل ما كان سيئا فيه نجاسة يكون فيه نظافة ونزاهة وطيب.
    فقوله: (لا يستطب بيمينه) يعني: لا يقطع أثر الخارج بيمينه، ولا يستنج بيمينه، وإنما يستعمل الشمال،
    كما جاء في الرواية السابقة:
    (وألا نستنجي باليمين)، فلا تستعمل اليمين في ذلك؛ لأن اليمين تستعمل للمصافحة وللأخذ والإعطاء وللأمور الطيبة الحسنة، أما الأشياء التي فيها قبح أو عدم نظافة فيستعمل لها الشمال.
    قوله: [(وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة)].
    يعني: أن الاستنجاء يكون بثلاثة أحجار، وأما الروث والرمة فنهى عن الاستنجاء بهما،
    والرمة هي:
    العظام البالية،
    ولكن في الحديث السابق:
    (برجيع أو عظم) وهو يشمل أي عظم سواء كان جديدا حديث العهد أو كان قديما قد بلي وصار رميما.فذكر الرمة هنا وهو العظم البالي لا يعني أن العظم إذا كان حديث عهد ولم يكن باليا فإنه يستنجى به؛ لأن الحكمة من النهي أنه طعام إخواننا من الجن، فلا يستعمل استعمالا يقذره عليهم بوضع النجاسة عليه أو بمباشرته النجاسة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 246.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 240.83 كيلو بايت... تم توفير 5.81 كيلو بايت...بمعدل (2.35%)]